منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 17 Jun 2012, 08:55 PM
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: مصر
المشاركات: 147
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد
افتراضي [تفريغ] [خطبة جمعة] [إن غدًا لناظره قريب] لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان -ثبته الله على الحق-

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:



تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 25 من رجب 1433 هـ الموافق 15- 06 -2012 م

بعض عناصر الخطبة
1- إنّ العزَّ والنصر والتمكين وإلاستخلاف لا يكون إلا بطاعة الله والعمل الصالح؛ لأنّ ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته.
2- ولا يكون النصر والتمكين إلا باتباع الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر.
3- المقصود من حديث "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، و تركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاً لن ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم.
4- ولذلك يجب معرفة الدين المرجوع إليه ومعرفة الوسيلة الشرعية للرجوع إلى هذا الدين .
5- سبب الفساد فى الأرض هو كثرة المعاصي والذنوب وظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.
6- عدم اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فى عدم الصبر على جور الحكام الظلمة وما يُفضى إليه من فتن وفوضى عارمة .
7- والسعيد مَن وُعظ بغيره، ويجب علينا أن نتعلم من أخطاء السابقين وألا نقع فيها.. والعجب أن الحيوان يستفيد من أخطائه ويتعلم منها ونحن لا نتعلم من أخطائنا!!
8- مَن ذا يقول: إنّ مصر مثلاً قبل ما وقع فيها قبل عامٍ ونصف.. مَن ذا يقول: إن مصر الآن هي أقوى مما كانت عليه؟! مَن يجرأ على قول مثل هذا؟!، مَن يستطيع أن يقول: إن مصر أقوى اليوم مما كانت عليه قبل عامٍ ونصفٍ؟!!
9- كل هذا نتيجة للثورات الماسونية التى تشهدها الأقطار الإسلامية والعربية.
10- إنّ المنظومة الإسلامية في الحكم في جميع المجالات مبنيةٌ على عبارةٍ واحدةٍ: أن يكونَ هناك كبيرٌ يُطاع في غير معصية، فقامتْ أحزاب الشيطان في الشرق والغرب والداخل لهدم هذا الأصل، وتسوية الناس جميعًا!!
11- الديمقراطية، وهي أسوأ نُظُم الحكم التي عرفتها البشرية كما قال (وِنِسْتُون تِشِرْشِل) [Winston Churchill]، هو الذي قال، قال: إنّ الديمقراطية هي أسوأ نظام حكْم عرفته البشرية!!
وقومي -ممن يُقال لهم: دعاة!!- يقولون: إنّ الديمقراطية إسلامية مِيِّة المِيَّة!!!
أيُّ حُمْقٍ هذا؟!!
12- هل تريدون حاكمًا كـ(عمر)؟! كونوا رعيةً كرعية (عمر)!!
13- مفارقة منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله وتغيير المنكر لا يأتي من ورائها إلا الشر والفُرقة والفوضى والضياع للبلاد والعباد.
14- الفتنة العامة وما تُفضي إليه من قطعٍ للسبل وانتهاك للحرمات وسلب للثروات وتدمير اقتصاد البلاد، والأهم من هذا كله ضياع الدين باسم الدين فيا دعاة الديمقراطية اتقوا الله فى المسلمين وفي الأوطان.
15- أحاديث الموت، وخروج الروح الطيبة، وحسن الخاتمة، ومن علامات حسن الخاتمة أن تقبض روح العبد رجلاً كان أو أنثى فى ليلة الجمعة أو نهارها.
[نقلاً عن صفحة "مجموعة دروس فضيلة الشيخ محمد سعيد الرسلان" على الفيس بوك بتصرفٍ يسيرٍ].


التفريغ

PDF
اضغط هنـــــا

WORD [ أوفيس 2003 وما دونه]
اضغط هنـــــا

WORD [ أوفيس 2007 وما فوقه]
اضغط هنـــــا

صورة من ملف التفريغ

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 Jun 2012, 08:56 PM
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: مصر
المشاركات: 147
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد
افتراضي

القراءة المباشرة:
إِنَّ الحَمْدَ لِلّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فقد قضى الله -تبارك تعالى- قضاءً لا يُرد، ووعد وعدًا لا يتخلف أن الاستخلاف في الأرض والتمكينَ للدين والتبديل من بعد الخوف أمنًا لا يكون إلا بالإيمان والعمل الصالح، قال -جل وعلا-: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: 55].
وهذه الحقيقة الدامغة كانت مستقرِّةً متقرِّرَةً، وقد سأل هِرَقْلُ أبا سُفيان -وكان لم يُسلم بَعْدُ رضي الله عنه-، سأله أسئلةً فأجاب عنها، ومنها سؤالُ هِرَقْل: ماذا يأمركم؟ يعني النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال أبو سفيان: قلتُ: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تُشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
ثم قال هِرَقْلُ لأبي سفيان -آخرَ بيانه لأسباب سؤالاته-: وسألتكَ بم يأمركم؟ فذكرتَ أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإنْ كان ما تقول حقًا؛ فسيملك موضع قدميّ هاتين، وقد كنتُ أعلم أنه خارج -يعني النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لم أكن أظن أنه منكم -يعني من العرب-، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمتُ لقاءه -أي لتكلفتُ لقاءه على خطرٍ ومشقة- ولو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدمه -صلى الله عليه وآله وسلم-. والحديث في الصحيحين.
فكان هذا مقرَّرًا حتى عند أهل الكتاب.. والعزُّ والتمكين والاستخلاف والأمن لا يكون إلا بطاعة الله -عز وجل- ، لا يكون بمعصيته.
أخرج أبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع من رواية أبي أمامة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، قال: «إنَّ رُوحَ القُدُس نَفَثَ في رُوعِي - [والنَّفْثُ: فوق النفخ ودون التَّفْل، والرُّوعُ: النفْس والقلب، وأما الرَّوْعُ فالخوف والفزع] - إنَّ رُوحَ القُدُس - [يعني: جبريل -عليه السلام-] - نَفَثَ في رُوعِي أنَّ نفسًا لن تموتَ حتى تستكملَ أجلَها وتستوعبَ رزقها؛ فاتقوا اللهَ وأَجْمِلُوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله -تعالى- لا يُنال ما عنده إلا بطاعته».
فما عند الله -عز وجل- لا يُنال إلا بطاعته، هذا قانون الشرع. لا يتحصل المرء ولا المجتمع ولا الأمة على ما عند الله -جل وعلا- مما يحبه الناس ويرضونه ويحرصون عليه إلا بطاعة الله -عز وجل-.
لا يُنال ما عند الله -رب العالمين- بمعصيته؛ فإن الله -تعالى- لا يُنال ما عنده إلا بطاعته.
طلبُ الرزق -مهما قل الرزقُ- لا يكون بمعصية الله -عز وجل-، لا يحملنَّ أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ وذلك لأن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته، ما عنده -تعالى- لا يُنال بمعصيته.
ومعصيته -تعالى- تُزيل النِّعم، وتُحِل النقم، وما زالت عن العبد نعمةٌ إلا بذنب، ولا حلت به نقمةٌ إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبةٍ».
وقد أخرج أبو داود في سننه من رواية ابن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، قال: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ». والحديثُ حديث صحيح صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، وفي السلسلة الصحيحة وفي غيرهما.
(إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ): وهي السلعةُ تدخل بين أَخْذٍ وعطاءٍ ثم تخرج مع زيادةٍ في نظير الأجل بلا مقابل، وهي حيلةٌ من الحيل يأخذ بها مَن يريد أن يأكل أموال الناس بالباطل: يشتري سلعة بألفٍ إلى أجل، ثم يشتريها ممن باعها له بثمانمائة -مثلاً- نقدًا في الحال، فيأخذ ثمانمائة ويبقى في ذمته ألف، فدخلت السلعة وخرجت -حيلةً- من أجل تحليل الربا، وهيهات!!.
إذا فسدت حياتكم الاقتصادية إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ فصرتم تابعين حتى للبقر، وانحطت هممكم، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ.
فجعل رفعَ الذل مرهونًا بالرجوع إلى الدين، فلابد من معرفة الدين المرجوع إليه، ومعرفة كيفية الرجوع إليه.
قد يعرف الإنسان الدين المرجوع إليه، ولكنه لا يسلك إلى هذا الدين السبيل التي توصل إليه، فلا يكون محسنًا ولا يُرفع الذل عنه، وإنما لا بد من الجمع بين الأمرين، فلابد من معرفة الدين المرجوع إليه ومعرفة السبيل الموصلة إليه.
فإذا تحصَّل المجتمع على هذين الأمرين، فرجع إلى دين الله -جل وعلا- رفع الله ما سلط عليه من الذل حتى يعودَ إلى عزه وعزته ورفعته وسؤدُده ومجده.
قال ربنا -جل وعلا-: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30].
، وقال -جل وعلا-: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: 53].
فأخبر -تعالى- أنه لا يغيِّر نعمه التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغيِّر ما بنفسه، فيغيِّر طاعةَ الله بمعصيته، وشُكرَ الله بكفره، وأسبابَ رضاه -تعالى- بأسباب سَخطه، فإذا غَيَّرَ غُيِّرَ عليه جزاءً وِفاقًا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
فمَن صَفَّى صُفِّي له، ومَن كدَّر كُدِّر عليه، ومَن شاب شِيبَ له، مَن صَفَّى صُفِّي له: فمَن أَحسنَ أُحسنَ إليه، وعلى مَن أساءَ السُّوءَ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
أخرج أبو نعيم في الحلية، والحاكم في المستدرك بإسنادٍ حسن عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «مَن جعل الهمومَ همًا واحدًا - [يعني: هَمَّ الميعاد] - كفاه الله سائرَ همومه، ومَن تشعبتْ به الهمومُ من أحوال الدنيا لم يبالِ الله في أي أودِيتها هلك».
مَن وَحَّدَ، وَحَّدَ الله -رب العالمين- له سبيله، وأقام له حُجته، وأنار له صراطه، وهدى قلبه، وسدد لسانه، ودفع عنه أعداءه؛ لأنه مَن كان الله له فمَن يكون عليه؟! ومَن تخلى الله عنه فمَن ذا يدفع عنه؟!
وأخرج ابن حبان، وغيره من رواية زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- «مَن كانت همَّه الآخِرة جمع الله له شمله، وجعل غِناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومَن كانت همه الدينا فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتبَ الله له».
الجزاءُ من جنس العمل.
مَن كانت همَّه الآخرة، فجمع عليها قواه واستعد لها بكليته وصار عليها مقبلاً وعن سواها مدبرًا جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، والغِنى: غِنَى النفس -كما قال رسول الله-، كما أن الفقرَ فقرُ القلب والنفس.
وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمه، فيجعلها الله -رب العالمين- في يده، ولا يجعلها الله -رب العالمين- في قلبه، وكذا شأن الصالحين.
وأما الطالحون فإن الدنيا تكون في قلوبهم، ومهما امتلأت بها أيديهم لا تشبع منها نفوسُهم كالذي يشرب من ماء البحر شُرْبَ الهِيم حتى تَنْقَدَّ معدته ولا يُروى بحالٍ أبدًا.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ومَن كانت همه الدنيا، فرَّق الله عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينيه» فأنى نظر وجده، ومهما التفت فهو حيث، لا ينفك عنه، ولا يلين، وفرَّق الله عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينيه، ومع ذلك لم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له.
قال ربنا -جل وعلا-: ﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].
الفسادُ المذكور في الآية المرادُ به الذنوب وَمُوجِبَاتُهَا، ويدلُّ عليه قوله -تعالى-: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا)؛ فهذا حالنا.
(لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا)، وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا، ولو أذاقنا كل أعمالنا لما ترك على ظهرها من دابةٍ.
وكل ما أحدث العبادُ ذنبًا، أحدث الله لهم عقوبة؛ فالمعاصي تُحدِث في الأرض أنواعًا من الفساد: في المياه، وفي الهواء، وفي الزرع والثمار والمساكن والنفوس والتصورات وحركة الحياة.
﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
إنّ الله -تعالى- جعل لكل شيء سببًا، وجعل الفُسوق والعصيان سببًا لنقمته وعذابه وحلول عقابه على البلاد والعباد، قال -تعالى-: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء: 16].
أي أمرنا مترفيها ففسقوا فيها أمرًا قدريًا، فإن الله لا يأمرُ بالفحشاء، (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) إنّ الله لا يأمر بالفحشاء ولا الفسوق، وإنما (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) أمرًا قدريًا، وقيل: سخرَّهم إلى فعل الفواحش فاستحقوا العذاب، وقيل: أمرناهم بالطاعات ففعلوا الفواحشَ فاستحقوا العقاب (فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
والتنازع والشقاق ولو وقع من دعاة الهُدى لا يؤدي إلا إلى الخراب والدمار، كما قيل:
وإذا أرادَ اللهُ إهلاكَ القرى *** جعلَ الهُدَاةَ بها دعاةَ شِقاقِ.
تختلف وجهاتهم، ولا تطمئن قلوبهم، وتزيغ أرجلهم عن الصراط المستقيم؛ فيكونون دعاةً للهُدَى ظاهرًا، وهم دعاةٌ للشقاق والتنازع والاختلاف على الحقيقة.
لأن الله -جل وعلا- جعل لكل شيء في الحياة ما يقوم به، وما به قِوَامُه وحياته، جعل الله -رب العالمين- للبدن ما يقوم به: من الغذاء، ومن الماء، ومن الهواء؛ فجعل حياة الجسد في البقول واللحوم والفواكه والخضراوات.
فلو أن إنسانًا ترك ما به حاةُ بدنه فذهب يأكل الحَطَبَ والترابَ والتبنَ لهلكَ بدنه لا محالة، وكذلك جعل الله حياةَ القلوب في كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
فبالوحي المعصوم تحيا القلوب، حياةُ القلوب في الوحي المعصوم، فمَن ترك: قال اللهُ، قال رسولُه، قال الصحابةُ.. وذهب يتقمم في نظريات الغرب والشرق، وفي أفكار وزبالات الخلق، وترك الوحي المعصوم، هلك قلبُه، وفسدتْ روحه، وَأَسِنَ مَعِينُه، وصار إلى الدمار والهلاك لا محالة.
من القواعد الفقهية الكلية: أن مَن استعجل شيئًا قبل أوانه عُوقبَ بحرمانه.
مُعَاجِلُ المحذورِ قبل آنِه *** قد باءَ بالخسرانِ مع حرمانهِ.
وهذه القاعدة من باب السياسة الشرعية في سد الذرائع، كما في حرمان الوارث من الميرات إذا قتلَ مُوَرِّثَه، ولو كان قتلُه خطئًا.
فكل مَن تعجل شيئًا قبل أوانه على وجهٍ محرمٍ؛ فإنه يُعاقب بحرمانه؛ وذلك لأن نِعم الله لا تُنال بمعصيته، وهذا من حكمة الشريعة؛ لأنه لو أُبيح للإنسان أن يتعجل حقه على وجهٍ محرم لانتهكتِ الحرمات؛ لأن النفوس مجبولةٌ على الطمع والجشع، فإذا مُنع الإنسان من حق تعجله على وجه محرم، فإن ذلك يردعه عن فِعل المحرَّم.
فمَن قتلَ مُوَرِّثَه، أو مَن أوصى له بشيء فقتله، أو قتلَ العبدُ المُدَبَّر سيدَه الذي دَبَّرَه -بمعنى أنه يُعتق بعد مماته-؛ فإنه يُحرَم الميراثَ والوصية والعتق جزاءً وِفاقًا ولا يظلم ربكَ أحدًا، والجزاءُ من جنس العمل.
وكذلك المطلِّق في مرض موته، فإن زوجته ترث منه -ولو خرجت من العدة-، وكذلك في أحكام الآخرة، فمَن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة، وكما أن المتعجِّل للمحذور يُعاقَب بالحرمان، فكذلك مَن ترك شيئًا لله تهواه نفسه عوضه الله خيرًا منه في الدنيا والآخرة.
فمَن ترك معاصي نفسه التي يعصي بها ربه وهي إليه محبوبة وعنده مرغوبة، عوَّضه الله إيمانًا في قلبه، وسَعةً وانشراحًا في صدره، وبركةً في رزقه، وصحةً في بدنه مع ما له من ثواب الله الذي لا يُقادَر قدره.
ومن ذلك أن يتعجل بعضُ الناس في إزالة المنكر أو في دفع الفساد بغير ما أَذِنَ الله -تعالى- به وبغير ما أَذِنَ به رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- من الوسائل الشرعية.
يتعجل في إزالة المنكر بغير بصيرةٍ ولا تبصر، وبغير ما إذنٍ من الشرع به؛ فيزداد المنكر، ويعم الفساد، وتضيع البلاد، وتهلك العباد، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في منهاج السنة النبوية: وَلَعَلَّهُ لَا يُعْرَفُ طَائِفَةٌ خَرَجَتْ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ، إِلَّا وَكَانَ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الفَسَادِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الفَسَادِ الَّذِي أَزَالَتْهُ. اهـ
وقال -رحمه الله-: وَقَلَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ ذِي سُلْطَانٍ إِلَّا كَانَ مَا تَوَلَّدَ عَلَى فِعْلِهِ مِنَ الشَّرِّ أَعْظَمَ مِمَّا تَوَلَّدَ مِنَ الخَيْرِ، كَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى يَزِيدَ بِالمَدِينَةِ، وَكَابْنِ الأَشْعَثِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى عَبْدِ المَلِكِ بِالعِرَاقِ، وَكَابْنِ المُهَلَّبِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى ابْنِهِ بِخُرَاسَانَ، وَكَأَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِمْ بِخُرَاسَانَ أَيْضًا، وَكَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى المَنْصُورِ بِالمَدِينَةِ وَالبَصْرَةِ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ. اهـ
فقد تولَّد من الشر ما لا يعلمه إلا الله، فلا يصفه الواصفون، ولا يحيطُ به المعبِّرون، كما وقع عند استباحة المدينة من الوقوع على الحرمات ومن إسالة الدماء في مدينة خير الأنبياء -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد حرَّمها الله -رب العالمين- على الدجال!!
فلما خرج أهلها على يزيد، وأرسل إليهم مسلمَ بن عُقْبَة الذي سماه السلفُ مُسْرِفًا؛ فهو مُسْرِف بن عُقْبَة، فأباحها ثلاثة أيام، ووقع من الشر ما الله به عليم؛ فهُتكتِ المحارم واعتُدي على الحرمات، ووقع ما لا يُمْكِن وصفُه بحالٍ، إلى غير ذلك من المآسي كما قال شيخ الإسلام، لم يسلم من ذلك مجتمعٌ خرج فيه قومٌ على ذي سلطان.
وقومنا لا يتعلمون!! حتى من التجربة والخطإ لا يتعلمون!! مع أن الحيوان وحده هو الذي يتعلم بالتجربة والخطإ، الحيوانُ يتعلم بالتجربة والخطإ حتى يتولد عنده ما يُقال له بالفعل الشَّرْطِيّ الذي يصير منعكِسًا عنده؛ كفأرِ التجارب تجعل له قطعةً من اللحم يُقْبِلُ عليها وقد وصلَّت إليها الكهرباء بحيث لا تصعقه، فإذا أقبل عليها مَسَّهُ من الكهرباء مَسٌّ أفزعه، فإنه إذا ما رفعتَ الكهرباء عن قطعة اللحم بعدُ -وهو لا يعلم إذ هو حيوان- فإنه لا يُمْكِن أن يُقْبِلَ على قطعة اللحم مما وجدَ من مَسِّ الألم قبلُ.
الحيوانُ يتعلم بالتجربة والخطإ فما بال قومي لا يتعلمون؟!!
خرجوا بالأمس على ذي سلطان؛ فقُطعت الطرق، وهُتكت الحرمات، واسْتُنْزِفَت الثروات، وصار أمرُ مصر مهددًا من الشمال الشرقيّ ومن الجانب الغربيّ ومن الحدود الجنوبيّ ومن الداخل وصارت كأنما هي على بركان!! -سلمها الله من كل سوء-.
ثم هم يريدون الخروجَ بعدُ على ذي سلطان، ليس معهم لا عصى الراعي ولا سكينُ المطبخ، ويريدون أن يكرروا الخروج على ذي سلطان، فما بال قومي لا يعقلون؟!!
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في بيان العلة لهذا الأصل من أصول أهل السنة، وهو مُثْبَتٌ في كل كتب العقيدة التي حررها علماء أهل السنة لا التي حررها الخُلُوف!! من الجهلة!! الذين كتبوا في العقيدة بغير استحقاق، قال -رحمه الله-: وَلِهَذَا كَانَ المَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الخُرُوجَ عَلَى الأَئِمَّةِ وَقِتَالَهُمْ بِالسَّيْفِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ظُلْمٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ المُسْتَفِيضَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-; لِأَنَّ الفَسَادَ فِي القِتَالِ فِي الفِتْنَةِ أَعْظَمُ مِنَ الفَسَادِ الحَاصِلِ بِظُلْمِهِمْ بِدُونِ قِتَالٍ وَلَا فِتْنَةٍ، فَيُدْفَعُ أَعْظَمُ الفَسَادَيْنِ بِالتِزَامِ أَدْنَاهُمَا. اهـ
الإمامُ أحمد -رحمه الله- لما جاءه الفقهاء يآمرونه ويشاورونه في الخروج على الواثق، وكان كما كان مَن قبله المعتصمُ ومَن قبله المأمونُ يحملُ الأمة على قولٍ كُفريٍّ بنفي صفات ربنا -جل وعلا-، وتمثلتِ القضية في القول بخلق القرآن، وكان الواثق يدافع عن ذلك دفاعَ المعتقد، ويحمل عليه حملَ الواثقِ، حتى إنه لما سأل أحمدَ بن نصر الخزاعيّ عن القرآن فقال: هو كلام الله، قال: ليس بمخلوق؟ قال: بل هو كلام الله، فلما سأله عن رؤية الله -جل وعلا- في الآخرة، فأثبته بالكتاب والسنة وقول الصحابة ومَن بعدهم من الأئمة، قام إليه الواثق بنفسه بالصَّمْصَامَة وهي سيف عَمْرو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، وقال: لا يقربنّ مني أحدٌ -يعني حتى أقتله- فإني أحتسبُ خطواتي إليه عند الله!! يقول: إن هذا الكافر!! يعبد إلهًا لا نعبده، ويتكلم عن رب لا نعرفه مع أن الإله الذي يعبده أحمد بن نصر ومع أن الرب الذي يعرفه أحمد بن نصر هو الرب الذي دل عليه رسولُ الله، وهو الإله الذي أرشد إلى صفاته رسول الله، ثم قتله وفصل رأسه عن جسده وأمر بأن يُكتب عند الرأس: هذا رأس الكافر أحمد بن نصر الخزاعي قتله بيده أمير المؤمنين الواثق إلى آخر ما كتب..
لما جاء الفقهاء يشاروون الإمام أحمد في الخروج عليه منعهم، وقال ألا تذكرون الفتنة؟! قالوا: أيُّ فتنة هي أكبر مما نحن فيه؟!!، الرجل يدعو إلى أمرٍ كفري، ويحرِف الأمة عن عقيدتها المستقيمة في أشرف الأبواب: في باب الأسماء والصفات، ويفرض ذلك بحد السيف ووقع السوط، لا يصعد منبرًا، ولا يكون قاضيًا، ولا يجلس في مسجد، ولا مدرسةٍ معلمًا، بل ولا في مكتب محفِّظًا ومدرسًا إلا إذا قال بتلك العقيدة الجهمية الكفرية!!
قالوا: وأيُّ فتنة هي أكبر مما نحن فيه؟!! قال: لا، ألا تذكرون الفتنة، يعني الفوضى العامة، يعني الفتنة الشاملة، تُقطع الطرق، تُهتك الأعراض، يقع الفساق والفجار على الحرائر من النساء، تُستباح الفروج، تحمل الحرائر من السفاح اغتصابًا، تُسلبُ الأموال، وتُهدم الديار، ويضيع على المسلمين إسلامُهم.
ومَن ذا يقول: إنّ مصر مثلاً قبل ما وقع فيها قبل عامٍ ونصف.. مَن ذا يقول: إن مصر الآن هي أقوى مما كانت عليه؟! مَن يجرأ على قول مثل هذا؟!، مَن يستطيع أن يقول: إن مصر أقوى اليوم مما كانت عليه قبل عامٍ ونصفٍ؟!!
أما حدودها فهي مستباحةٌ حتى من الشذاذ!! حتى ممن لا قيمة لهم ولا وزن، يروحون ويجيئون من الأنفاق وعلى ظهر الأرض جهارًا نهارًا، والخونة!! في الداخل والخارج يسهِّلون ذلك، وامتلأت أيدي الناس من السلاح!! السلاحُ في الأيدي كلُعَب الأطفال في أيدي الأطفال في يوم العيد!! غير أن هذا في أيدي الأطفال لا يضر، وأما هذا فيمزق وطنًا، ويضيِّع بلدًا، ويحطم أمة، ويُضعف دينًا.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في بيان هذا الأصل من أصول أهل السنة: الإنكارُ على الملوك والولاة بالخروج عليهم أساسُ كل فتنة وشر إلى آخر الدهر.
ومَن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على مُنْكَر فطلب إزالته؛ فتولَّد منه ما هو أكبر. اهـ
قال الإمام أحمد لما نهاهم عن الخروج على الواثق: اصبروا حتى يستريح برٌّ، أو يُستراح من فاجر.
ووالله ما رضي الإمامُ فسادًا، ولا في العقيدة انحرافًا، ولا رضي ظلمًا ولا جورًا، وإنما ينظر إلى المصلحة العليا للأمة، ولا يضيِّعها من أجل المصلحة الصغرى، المصلحةُ العليا تُقدَّم على المصحلة الخاصة كما هو معلوم.
اصبروا حتى يستريح بر أو يُستراح من فاجر، والأمر لله يفعل ما يشاء، ويقضي بما يريد، والتغيير يبدأ من النفوس ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].
طريقةُ أهل السنة في الإصلاح والتغيير إنما تبدأ بتوجيه الناس إلى الأصل الذي فارقوه والأساس الذي هدموه، إرجاعُ الناس إلى رب الأرباب، وأمرُهم بالتوبة والمتاب هو منهج المرسلين في تحصيل ما عند الله من الخير، ودفعِ ما بالناس من البلاء والشر.
روى ابن سعد في الطبقات عن الحسن البصري -رحمه الله- قال: يا أيها الناسُ، إنه والله ما سلط الله الحجاجَ عليكم إلا عقوبة، فلا تعارضوا اللهَ بالسيف، ولكن عليكم بالسكينة والتضرع. اهـ
لا تعارضوا اللهَ بالسيف..
ما ينزل بنا عقوبة.. والعقوبةُ من الله لا تُدفع بالأكف، وإنما تُدفع بالتوبة؛ لأنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبةٍ.
أخرج الحاكم في المستدرك وصححه، وأخرج ذلك أيضًا الآجري في الشريعة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في خطبته: ما تكرهون في الجماعة خيرٌ مما تحبون في الفتنة. اهـ
ما تكرهون في الجماعة مع لَمِّ الشمل مع ما يقع عليكم من الأذى والعَنَت والجور، وما تعانونه من الفقر والاستئثار عليكم بالسلطة والثروة خيرٌ مما يصل إليكم في الفتنة.
أخرج البيهقي في الشعب بإسناد صحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قَضْمُ الملحِ في الجماعة أحبُّ إليّ من أنْ آكلَ الفَالُوذَجَ في الفُرقة. اهـ
والفالوذجُ نوعٌ من الحلوى حُلو، قَضْمُ الملحِ في الجماعة أحبُّ إليّ من أنْ آكلَ الفَالُوذَجَ في الفُرقة.
إن مفارقة منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله وتغيير المنكر لا يأتي من ورائها إلا الشر والفُرقة والفوضى والضياع للبلاد والعباد.
لقد عاش يوسف -عليه السلام- في القصور وعرف مفاسد الحكم والحكام عن قرب، وذاق من ويلاتهم كيدًا وظلمًا واضطهادًا وسجنًا، بل عاش بين ظهرانيّ أمةٍ وثنيةٍ تعبد الأصنامَ، فمن أين يبدأ الدعوةُ إلى الله؟!!
لقد كان مسجونًا ظلمًا وكيدًا، سُجن يوسف ظلمًا وكيدًا، وشاركه في السجن مظلومون مثله، وكان من المتاح أن يبدأ الدعوة بإثارة المسجونين وتهييجهم على الحكام الظلمة المفسدين!!
كانت الفرصةُ سانحةً أمامه، ولكنه بدأ من حيث بدأ آباؤه من المرسلين والنبيين فاقتضى بهم -صلى الله عليه وعليهم وسلم تسليمًا-، قال -تعالى- حكاية عن يوسف في دعوته في سجنه: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 39-40].
لقد دعا إلى التوحيد ونبذ الشرك، وأكَّد ذلك بقوله: (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)، ثم فسَّر هذه الحاكمية بتوحيد الله وعبادته: (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، هذا معنى قوله: (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، وقال عن التوحيد: (ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
وكذلك كان موسى -عليه السلام- فقد تربى ودَرَج في قصور أعظم طاغيةٍ مُتَأَلِّه ادَّعى الربوبية كما ادعى الألوهية واستخف قومه فأطاعوه، شاهد موسى من ألوان الفساد والكفر، والطغيان والظلم والاستبداد في قصور الحكم ما يصعب تصوره بله احتماله، ورأى ما نزل ببني إسرائيل من الاستعباد والاستذلال والجَوْر والطغيان، وأرسله ربه -تعالى- وأرسل معه أخاه هارون إلى فرعون وملئه، قال -تعالى- في بيان ردة فعل الملأ من قوم فرعون: ﴿وَقَالَ المَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127].
ذنبُ موسى وقومِه عند هؤلاء أنهم يقولون: ربنا الله!! لا إله إلا هو، ولا نعبد إلا إياه، ثم كان ما كان من إهلاك الله -تعالى- فرعون وملئه.
وأما سيدُ المرسلين -صلى الله عليه وآله وسلم- فقد بدأ الدعوة إلى الله وبدأ إصلاح المجتمع بالدعوة إلى التوحيد وبقي في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى توحيد الله -عز وجل-، فلما صار للمسلمين في المدينة دولة بعد الهجرة كان يدعو إلى التوحيد في الحرب والسلم، والمنشط والمكره، والحَلِّ والترحال، والضحك والبكاء.
بل أرشد إلى التوحيد وعبادة الله -جل وعلا- وحده عند دخول الخلاء: (بسم الله، اللهم إني أعوذ بكَ من الخُبُث والخَبائِث) ألتجأ إليكَ، وأحتمي بكَ من شياطين الجن ومن إناثها، من الخبث والخبائث.
بل عند قضاء الوَطَر (بسم الله، اللهم جَنِّبْنَا الشيطان، وجَنِّب الشيطان ما رزقتنا).
فَعَلَّمَ التوحيد في كل شيء، قبل أن يصير للمسلمين دولة وبعد أن كانت للمسلمين دولة، يربط الناسَ بربهم.
التغيير يأتي من أنفسهم.. أصلحوا أنفسكم، هل تريدون حاكمًا كـ(عمر)؟! كونوا رعيةً كرعية (عمر)!!
إنْ أردتم حاكمًا كـ(عمر)، فكونوا رعيةً كرعية (عمر)، أما ألا تُضبط الأمور حتى يتفسخ المجتمع المسلم، وحتى تضيع كنانة الله في أرضه، وحتى تشرئب أعناقٌ كانت تحت التراب، بل كانت تُوطئ بالأقدام!! فقامت وصار لها صوتٌ يُسمع، يُدوِّي في جنبات الأرض؛ لتسقطَ هيبة الدولة، فإذا سقطت تفسخت، فأكل منها كلُّ طامع، وعَدا عليها كلُّ باغٍ، وضاع أهلها وهم مستحقون للضياع؛ لأنهم ائتمنوا على مكاسب الإسلام في الكنانة أربعة عشر قرنًا من الزمان، فضيَّعها جيلٌ منكود.
قام يُطِبُّ ذُكَامًا فأحدثَ جُذَامًا!! كالذي أراد أن يداوي حبيبه من صداع أَلَمَّ برأسه فقطع رقبته!! ليريحه من صداعه!!، وما هكذا تُساسُ الأمور:
يسوسون الأمورَ بغير عقلٍ *** فينفذُ أمرُهم ويُقال: ساسَة!!
وما هكذا يُصارُ بالخطى الحثيثة إلى المقصد الرشيد.
إنّ وسائل التغيير لا تكون بإحداث الفساد في الأرض، ولا تكون بتضيع الوطن، والوطن الإسلاميّ حبه من الإيمان، مَن فرَّط فيه كان خائنًا، ما أكثرَ الخونة!! -شاءوا أم أبوا-!!
خائنٌ أصلي يعرف ما يفعل، ويدري ما يأتي، وخائنٌ بالقوة، فخائنٌ بالفعل، وخائنٌ بالقوة.
وإني لأعْجَبُ كيفَ يمكنُ أنْ يخونَ الخائنون!
أيخونُ إنسانٌ بلاده؟!
إنْ خانَ معنى أنْ يكونَ فكيفَ يمكنُ أنْ يكون!
اللهم! سلِّم مصرنا، احفظ وطننا، وجميعَ أوطان المسلمين، ونجنا من الآثار الخبيثة للثورات الماسونية التي ضربت أقطار الأمة الإسلامية؛ فأفسدت الأخلاق حتى فُتح على مصر مثلاً ماسورةٌ من مواسير الصرف غير الصحيّ!! بسوء الأخلاق.
ولا يستطيع أحدٌ أتاه اللهُ ذرةً من إنصافٍ أن يقول: إنّ النساءَ اليوم أفضلُ مما كنّ عليه قبل عامٍ ونصفٍ، أو أنّ أخلاق الشباب هي اليومَ أفضلُ مما كانت عليه قبل عامٍ ونصفٍ!!
إنّ المنظومة الإسلامية في الحكم في جميع المجالات مبنيةٌ على عبارةٍ واحدةٍ: أن يكونَ هناك كبيرٌ يُطاع في غير معصية، فقامتْ أحزاب الشيطان في الشرق والغرب والداخل لهدم هذا الأصل، وتسوية الناس جميعًا، والناسُ سواءٌ في الخِلقة، كلهم عبيدٌ لله، كلهم عند الله سواءٌ، ولكنْ فضَّل بعضهم على بعض، فما عالمٌ كجاهل! وما كريمٌ كبخيلٍ! وما شجاعٌ كجبان! رفعَ الله بعضنا فوق بعضٍ درجات.
وأما الديمقراطية، وهي أسوأ نُظُم الحكم التي عرفتها البشرية كما قال (وِنِسْتُون تِشِرْشِل) [Winston Churchill]، هو الذي قال، قال: إنّ الديمقراطية هي أسوأ نظام حكْم عرفته البشرية!!
وقومي -ممن يُقال لهم: دعاة!!- يقولون: إنّ الديمقراطية إسلامية مِيِّة المِيَّة!!!
أيُّ حُمْقٍ هذا؟!!
أرادوا أن يزيلوا المبدأ الأصيل: كبيرٌ يُطاع في غير معصية، أبٌ في بيته يُطاع، فهدموا ذلك حتى صارت الطاعةُ للمرأة أو لمَن دونها!!، ولم يصل لأحد في الأسرة طاعة، وهذا ما هو عند الغرب.
حتى في المدرسة، في حجرة الدرس كبيرٌ يُطاع في غير معصية، في الكُتَّاب كبيرٌ يُطاع في غير معصية.. في المسجد كبيرٌ يُطاع في غير معصية، إمامٌ مَن ساواه لم يكن محسِنًا، ومَن سبقه كان مُسيئًا مُبْطِلاً.
كبيرٌ يُطاع في غير معصية، فإذا عصى اللهَ -رب العالمين- فلا سمعَ ولا طاعة، وكذا نظام الحكم في أصله: إمامٌ له السمعُ والطاعة في غير معصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة فيما أمر به من المعصية، وله السمع والطاعة فيما دون ذلك مما ليس بمعصية.
ولا يُنقض نظام الحكم؛ ليتهاوى المجتمع، ولتذهب هيبة الدولة، وليصيرَ الناس فوضى، ولتُطلقَ أيدي الناس في دماء الناس، والكاسبُ الوحيد الشيطان وجندُه.. الشيطانُ وحزبه.
الخروج على ذي سلطان، مَن بيده السلطان ينبغي أن يُطاع في غير معصية، هذه قاعدة الإسلام الذهبية، وأرادوا أن يزيلوها بالثورات الماسونية، وقد بلغوا من ذلك المبالغ، فالله -عز وجل- حسبيهم وهو وحده يعاملهم بعدله، وينجِّي المسلمين المساكين من عموم الشعب الذي لا طار ولا ثار، وإنما استنكر صامتًا ووقف خاشعًا أمام ثُلَّةٍ أُوهِمَ العالَمُ أنها الشعب كله، وهيهات ما تبلغ وما تكون.
أسأل الله -عز وجل- أن ينجِّي وطننا وأوطان المسلمين من كل سوء، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ -رب العالمين-، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له هو يتولَّى الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ صَلَّى اللـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعدُ:
فأسأل الله -رب العالمين- أن يرحمنا، وأن يرحم موتانا، وجميع موتى المسلمين.
أخرج الإمام أحمد في المسند قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى القَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ -[أي يضرب بالعُود في الأرض بطرفه فِعْلَ المهموم المُتَفَكِّر]- ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: " اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا"، -[نعوذُ بالله من عذاب القبر]-، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ العَبْدَ المُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ، -عليه السلام-، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ ". قَالَ: " فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ القَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ -[أي من فَم القِرْبَة، في يُسْرٍ وسلاسةٍ وسهولةٍ]-، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا -[يعني مَلَكَ الموت إذا أخذَ الروحَ]- لَمْ يَدَعُوهَا -[يعني الملائكة الذين معه، لم يدعوها: لم يتركوها]- فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الحَنُوطِ -[أي الطِّيب]-، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ " قَالَ: " فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ، يَعْنِي بِهَا، عَلَى مَلَإٍ مِنَ المَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى". قَالَ: " فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَالبِسُوهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الجَنَّةِ ". قَالَ: " فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ". قَالَ: " وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الوَجْهُ يَجِيءُ بِالخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي ". قَالَ: " وَإِنَّ العَبْدَ الكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الوُجُوهِ، مَعَهُمُ المُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ ". قَالَ: " فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ -[أي فتتفرق في جسده]-، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ المَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ المُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ المَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ "، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ} [الأعراف: 40] فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: " اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ". ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ، فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31] " فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ ".
وهو حديثٌ صحيحٌ أخرجه أحمد -كما مَرَّ- وابن أبي شيبة، والطبري في التفسير وفي مُشْكِل الحديث أيضًا وفي شرحه، وكذا أخرجه ابن خزيمة في التوحيد، والآجري في الشريعة، والحاكم في المستدرك، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة، وأخرجه غيرُه.
وإنّ من علامات حُسْن خاتمة العبد المسلم والمرأة المسلمة أن يموتَ أو تموت ليلةَ الجمعة أو في يومها، فإنّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أخبر أن مَن مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وُقي فتنة القبر، وأَعْظِم بها من منة! فالوقايةُ من فتنة القبر من أعظم كرامات العبد عند الرب، نسأل الله أن يقينا من عذاب القبر، وفتنته، ومن عذاب الآخرة.
اللهم ارحمنا وارحم موتانا، وارحم جميع موتى المسلمين، وسلِّم وطننا وجميع أوطان المسلمين من الكائدين الحاقدين في داخل الأوطان وفي خارجها، وأَلِّف بين قلوب المخلصين من أبناء أوطان أهل الإسلام يا -رب العالمين-، واجعل كيد أعدائهم في نحورهم، وَرُد الجميعَ إلى الحق والخير والهدى والصراط المستقيم يا -رب العالمين- ويا أرحمَ الراحمين ويا أكرم الأكرمين ويا ذا القوة المتين وصلى الله وسلم على بنينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد
27 من رجب 1433هـ، الموافق 17/6/2012 م

فإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا = جل مَن لا عيبَ فيه وعلا.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 Jun 2012, 10:29 AM
عبد الصمد بن أحمد السلمي عبد الصمد بن أحمد السلمي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: في بلد ممتدة أرجاؤه...وطيب هواءه وماؤه
المشاركات: 351
افتراضي

جهد مبارك جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 Jun 2012, 10:39 AM
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: مصر
المشاركات: 147
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد
افتراضي

ولك بمثل أخي عبدالصمد.
بارك الله فيك.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 Jun 2012, 05:37 PM
أبو عثمان سعيد مباركي أبو عثمان سعيد مباركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: سعيدة
المشاركات: 254
افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
آداب, الرسلان, تزكية, غدالناظره

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013