يا من جعلت همّك من الدُّنيا الطَّعنَ والانتقاصَ من خليل الله محمَّد بنِ عبد الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لا تفرحْ. يا من سخّرت لسانَك وقلمَك وأوراقَك ووو للاستهزاءِ بخير خلق الله محمَّد بنِ عبد الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لا تفرحْ. يا من تجرّأت على المؤمناتِ القانتاتِ العفيفاتِ الطّاهراتِ أزواجِ رسولِ الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- لا تفرحْ. يا من تؤذِي رسولَ الله لا تفرحْ ولا تظنَّ أنَّك نجوتَ
فاللهُ منتقمٌ لرسولِه-صلَّى الله عليه وسلَّم- ممَّن آذاه وأساءَ إليه ولو بعدَ حين.
فهو القائل سبحانه: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾[الحجر: 95].
وهو القائل -عزَّ وجلّ-: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾[الكوثر: 3].
وهو القائل سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾[التوبة: 40].
قال الطَّبري-رحمه الله- عن هذه الآية: (وهذا إعلامٌ من الله أصحابَ رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنّه المتوكِّل بنصر رسولِه على أعداءِ دينِه وإظهارِه عليهم دونَهم، أعانُوه أو لم يعينوه، وتذكيرٌ منه لهم فعلَ ذلك به)[1]. وانظر إلى هذه القصَّة المعبِّرة العجيبة:
روى البخاري[2] ومسلم[3] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-، قَالَ: (كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَرَفَعُوهُ، قَالُوا: هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ فَأُعْجِبُوا بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا).
وفي رواية البخاري: (...فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا: أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ[4]، فَأَلْقَوْهُ). أوَّلا: انظر إلى فعل أهل الكتاب به لمَّا علموا منزلتَه من محمَّد-صلَّى الله عليه وسلَّم-، هل أهانوه أوطردوه؟ هل ضربوه أو قتلوه؟
كلَّا -والله- بل رفعُوه وقرَّبُوه؛ وذلك لأنَّهم حسبُوه من أهلِ العلمِ وأصحابِ النَّبي-صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولقد كان كذلك ولكن...
وهكذا شأنُ كلِّ من تمسَّك بالكتاب والسُّنّة شأنُه أن يُرفع، شاء النَّاس أو أبوا.
قال سبحانه: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 11].
ولكن من أعرض عن الكتابِ والسُّنَّة، وابتغى الرِّفعة من غير طريقِهما، كان حقّه المذلَّة والهوان.
قال عزَّ وجلّ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[الأعراف: 175-176].
وهذا الأمرُ لا يحتاج إلى بسط وبيان، فهو مشاهَدٌ للعيان. والله المستعان.
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية-رحمه الله- وهو يتحدَّث عن الحديث السَّابق: (فهذا الملعون الذي افترى على النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- (أنَّه ما كان يدري إلَّا ما كتب له) قصمَه الله وفضحَه بأنْ أخرَجه من القبر بعد أن دُفن مرارًا، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادة، يدل كلَّ أحد على أنَّ هذا عقوبةٌ لِما قاله، وأنَّه كان كاذبًا، إذ كان عامَّة الموتى لا يُصيبُهم مثل هذا، وأنَّ هذا الجرمَ أعظمُ من مجرَّدِ الارتدادِ، إذ كان عامَّة المرتدِّين يموتُون ولا يصيبُهم مثلُ هذا، وأنَّ الله منتقمٌ لرسولِه ممَّن طعن عليه وسبَّه، ومظهرٌ لدينِه ولكذبِ الكاذِب إذَا لم يُمكن النَّاس أن يقيمُوا عليه الحدّ.
ونظيرُ هذا ما حدَّثناه أعدادٌ من المسلمين العدول أهلِ الفقهِ والخبرةِ عمَّا جرَّبُوه مرَّات متعدِّدة في حَصْرِ الحُصون والمدائِن الَّتي بالسَّواحل الشَّامية، لمَّا حَصَرَ المسلمون فيها بني الأصفرِ في زماننا، قالوا: كنَّا نحن نحصُرُ الحِصْنَ أو المدينةَ الشَّهرَ أو أكثرَ من الشَّهر وهو ممتنعٌ علينا، حتى نكاد نيأس منه، حتَّى إذ تعرَّض أهلُه لسبِّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والوقيعةِ في عرضه، فعجلنا فتحه وتيسَّر، ولم يكد يتأخَّر إلا يومًا أو يومين أو نحو ذلك ثم يُفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتَّى إن كنَّا لنَتَباشَر بتعجيلِ الفتحِ إذا سمعناهم يقعُون فيه، مع امتلاء القلوبِ غيظا عليهم بما قالوا فيه.
وهكذا حدّثني بعض أصحابنا الثِّقات أنَّ المسلمين من أهل المغرب حالُهم مع النَّصارى كذلك، ومن سنَّة الله أن يعذِّب أعداءَه تارةً بعذابٍ من عندِه وتارةً بأيدي عباده المؤمنين).
فيا من تسبُّ رسولَ الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- وتطعنُ في عرضِه الشَّريف لا تفرحْ بإمهالِ الله لك.
فإنَّما حالك كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[آل عمران: 178].
فالله يملي لك لتزدادَ إثما، ولتسوِّدَ صحائفَك بالطّعن في أحبِّ الخلقِ إليه وأفضلِهم.
ولا تغترّ أيُّها الطَّاعن اللَّئيم بتقلُّبِك في نعمِ الله، فإنَّ الله سبحانَه يقول: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾[الأنعام: 44].
ونبيَّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: ((إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ))قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ:﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102]))[5].
فاللَّهم إنَّا نسألك أن تنصرَ دينَك و نبيَّك وعبادَك المؤمنين
اللَّهم ردَّ عن نبيِّك وأزواجِه وصحابتِه كيدَ الكائِدين وطعنَ الطَّاعنين
اللَّهم عليكَ بهِم فإنَّهم لا يُعجزُونَك
والحمدُ لله ربِّ العالمين
25 شوال 1433 هـ
[1] تفسير الطَّبري (14/257). [2] في الصَّحيح برقم (3617). [3] في الصَّحيح برقم (2781). [4] أي: ليس من فعلهم، وإنَّما من فعل ربِّ النَّاس سبحانه وتعالى. [5] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (4686)، ومسلم في صحيحه برقم (2583).
التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى قالية ; 12 Sep 2012 الساعة 06:54 PM
بارك الله في جهدكم يا شيخ مصطفى وبارك فيكم وسدد خطاكم
مما يطير له لب المرء المسلم ما كنت رأيته في مرة كنت ابحث عن مواضيع في الأنساب
فرأيت شخصا منتسبا إلى هذا البلد المسلم (الجزائر) يسب سيد الأنام صلى الله عليه وسلم سبا ما يقال حتى من قوم يلعبون في الشوارع
بوركت الشيخ مصطفى
اللهم إنا نسألك أن تنصردينك ونبيك وعبادك المؤمنين
اللهم رد عن نبيك وأزواجه وصحابته كيدالكائدين وطعن الطاعنين
اللهم عليك بهم فإنهم لايعجزونك
بارك الله فيك و جزاك خيرا و حشرني و إياك مع النبي -صلى الله عليه و سلم-
و يُجدر تنبيه جميع المسلمين أن هذه الحملات الخبيثة خلفها أهداف خطيرة و هي استعمار البلدان المسلمة استعمارا غير مباشر و مبرر؛ فنتيجة الانتقاص الجديد هي إرسال جنودهم إلى البلدان المسلمة التي فضّلت الفوضى في الانتصار للنبي -صلى الله عليه و سلم- عوض الطرق الشرعية
و أعداء الله بهذا الفعل أرادوا استباحة دخولهم و تبريره تمهيدا لاستعمار كامل لهذه المناطق كما حدث في أفغانستان و العراق
فالنصيحة للمسلمين جميعا ألا ينجرّوا خلف هذه الاستفزازات حتى لا تنجر مفاسد أشدّ على المسلمين و استباحة أعراضهم و أموالهم و أراضيهم؛ و تذكروا أن الله مدافع عن نبيه -صلى الله عليه و سلم- و عن المؤمنين جميعا، قال -تعالى- :(( إنا كفيناك المستهزئين)) ، و قال -تعالى- : (( إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوّان كفور ))؛ فلا تعطوا أعداء الله الفرصة للاستيلاء على بلدان الإسلام و إنشاء الدولة الكبرى التي يحلمون بها و ليستولوا على ممتلكاتنا؛ و إنما أن ينصروا النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل حين في أنفسهم أولا بالاقتداء به في السر و العلن و دعوة الناس إلى ذلك لا أن يتذكروه حين يسبه الكفرة فقط !
صدقت أبا نعيم ، لقد ذُكر في الأخبار ما ذَهبتَ إليه ، لقد تمّ إرسال باخرتين مارينز-لعنة الله عليهم- إلى ليبيا بدافع حماية رعاياهم هناك و إحلال الأمن قاتلهم الله ، هذا إن لم يكن قد تمّ إرسال أكثر من ذلك و الله المستعان.
يقول الله جل وعلا "﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ " [غافر: 51]
قال ابن كثيرٍ -رحمه الله-: «المراد بالنصر الانتصارُ لهم ممَّن آذاهم، وسواءٌ كان ذلك بحضرتهم أو في غَيْبَتِهم أو بعد موتهم (تفسير ابن كثير» (4/ 73-84)
المصدر: موقع الشيخ فركوس