منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 26 Nov 2015, 10:46 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي كشف الغمة في بيان ضعف ما نسب لهند بنت عتبة من أكلها لكبد حمزة

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فإن كثيرا من الناس يظن ظن السوء بالصحابية الجليلة هند بنت عتبة رضي الله عنها، وذلك من خلال ما شاهدوه عن طريق الأفلام كفلم الرسالة الذي صورها في أبشع صورة، وقد وجدت في مجتمعنا هذا من لا يعرف أن هندا رضي الله عنها قد أسلمت وحسن إسلامها، إذ المتبادر إلى أذهان الناس أنها كانت محاربة للرسول صلى الله عليه وسلم، آكلة لكبد عمه، آمرة وحشيا بقتله، لهذا أحببت أن أنبه إلى ضعف قصة أكل كبد حمزة لأنها أخذت القسط الوافر من حديث الناس، مع ذكر ترجمة مختصرة لهذه الصحابية وبعض مناقبها فنسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لهذا العمل.
ترجمتها:
هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي(1) أسلمت يوم الفتح حين «بات المسلمون الليلة الموالية ليوم الفتح يصلون بالمسجد الحرام فرأت هند منهم ما لم تعهد، فقالت والله ما رأيت الله عبد حق عبادته في هذا المسجد قبل الليلة، وأرادت المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخافت من ماضيها في الجاهلية، ولما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء وهي معهن ومن الشرط فيها، أن لا يسرقن ولا يزنين، قالت هند: وهل تزني الحرة وتسرق يا رسول الله؟، ثم رجعت إلى بيتها فجعلت تضرب صنما لها بالقدوم حتى فلذته فلذة فلذة وتقول: كنا معك في غرور(2)، وقد أسلمت متأثرة بما رأت من حال المسلمين وبادرت إلى كسر صنمها وأصبحت تريد أن تعرف ما يحل لها ويحرم في الإسلام، وكانت امرأة لها نفس وأنفة وفيها صراحة وجرأة واعتداد بنفسها وقصتها في الجاهلية مع أول أزواجها الفاكه بن المغيرة، وقصة اختيارها للأزواج وغيرها، مظهر من مظاهر هذه الأخلاق، وما في قصة إسلامها من مراجعتها للنبي صلى الله عليه وسلم من تلك الأخلاق، وأهل هذه الأخلاق إذا كفروا كفروا وإذا أسلموا أسلموا بصدق، وكذلك كانت هند في جاهليتها وإسلامها.
وانظر إلى الإسلام الصادق كيف تظهر آثاره في الحين على أهله وكيف يقلب الشخص سريعا من حال إلى حال وبه تعرف إسلاما من إسلام»(3).
مناقبها:
وهند رضي الله عنها لها مناقب عظيمة فقد بوب الإمام البخاري رحمه الله تعالى: «بَاب ذِكْرُ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا»، وفيه عن عُرْوَةَ بْنُ الْزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ قَالَتْ وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا قَالَ لَا أُرَاهُ إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ»(4).
قال الحافظ في الفتح: «وفي الحديث دلالة على وفور عقل هند وحسن تأتيها في المخاطبة»(5).
وقال: «قوله: قال: وأيضا والذي نفسي بيده، قال ابن التين: فيه تصديق لها فيما قالت»(6).
وقال: «وقد كانت هند في منزلة أمهات نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأن أم حبيبة إحدى زوجاته بنت زوجها أبي سفيان»(7).
وقال: «وكانت من عقلاء النساء»(8).
فهذه مناقب عظيمة لهذه الصحابية الفاضلة والتي أكرمها الله بلقاء الرسول صلى الله عليه وسلم، قال النووي رحمه الله: « وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا تنال درجتها بشيء»(9).
وهي من نساء قريش، و«نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ»(10) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

دراسة القصة:

قال الإمام أحمد في مسنده: «حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ، يُجْهِزْنَ عَلَى جَرْحَى الْمُشْرِكِينَ،... إلى أن قال: فَنَظَرُوا فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَأَخَذَتْ هِنْدُ كَبِدَهُ فَلَاكَتْهَا(11)، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَأْكُلَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَكَلَتْ مِنْهُ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: مَا كَانَ اللهُ لِيُدْخِلَ شَيْئًا مِنْ حَمْزَةَ النَّارَ»(12).
هكذا عند أحمد من طريق حماد بن سلمة، وأخرجه كذلك ابن سعد(13)، وابن أبي شيبة(14) عن عفان، به.
وفيه عطاء بن السائب، قال الحافظ في التقريب: «صدوق اختلط»(15)، وقال ابن حجر الهيثمي: «رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط»(16).
وقد ذكر العجلي كما في الثقات(17) وابن عدي في الكامل(18) أن عطاء بن السائب قد اختلط.
وقال البخاري في التاريخ: «عطاء بن السائب بن يزيد أَبُو زيد الثقفي الكوفي أحاديثه القديمة صحيحة»(19).
وسماع حماد بن سلمة من عطاء كما في التهذيب للحافظ(20) كان قبل الاختلاط وبعده، ولم يتميز حديثه قبل الاختلاط عن حديثه بعده، قال العقيلي: «وسماع حماد بن سلمة بعد الاختلاط كذا نقله عنه بن القطان»(21).
وقال العقيلي في الضعفاء: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، فَقَالَ: اخْتَلَطَ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ، قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فَجَيِّدٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ، بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ»(22).
وقال الشيخ الألباني: « وجزم الحافظ ابن حجر رحمه الله بأن حماد بن سلمة قد سمع منه قبل الاختلاط، لا يصح أن يكون مرجحا، ذلك لأن حمادا هذا قد سمع منه بعد الاختلاط أيضا، كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في «التهذيب»، فقد قال في آخر ترجمة عطاء بعد أن نقل أقوال العلماء في اختلاطه وفيمن روى عنه في هذه الحالة وقبلها: «فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري وشعبة وزهير وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيهم، إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم، والظاهر أنه سمع منه مرتين، يعني قبل الاختلاط وبعده». وقال قبيل ذلك: «فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب وحماد (يعني ابن سلمة) وأبي عوانة عنه في جملة ما يدخل في الاختلاط»(23).
وهذا تحقيق دقيق يجب أن لا ينساه - كما وقع للحافظ نفسه - من يريد أن يكون من أهل التحقيق، ولازم ذلك أن لا يصحح حديث حماد بن سلمة عن عطاء لاحتمال أن يكون سمعه منه في حالة الاختلاط، فلقد أصاب الصنعاني كبد الحقيقة حين قال بعدما تقدم نقله عنه: والحق الوقف عن تصحيحه وتضعيفه حتى يتبين الحال فيه»(24).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «تفرّد به أحمد، وهذا إسنادٌ فيه ضعف من جهة عطاء بن السائب»(25).
وقد تعقب الشيخ أحمد شاكر رحمه الله كلام الحافظ فقال: «وتعليل الإسناد بعطاء غير جيد، فإن حماد بن سلمة سمع منه قبل الاختلاط»(26).
وقال الشّيخ الألباني رحمه الله في تعليقه على فقه السّيرة(27) تعقيبا على كلام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: «وفيه حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب وقد سمع منه في حالة الاختلاط كما سمع منه قبلها ولهذا قال الحافظ ابن كثير(4/41): «هذا إسناد فيه ضعف»، وهذا هو الصّواب، خلافا لقول الشيخ أحمد محمد شاكر: «إنه صحيح»،فإنه ذهل عما ذكر من سماعه منه في الاختلاط».
ثم قال الألباني رحمه الله: «وقد صحح فضيلة الشيخ- أي أحمد شاكر- في تعليقه على المسند وغيره. كلها من هذا الطريق. فليتنبه لهذا». انتهى كلامه رحمه الله.
ثمّ إنّ الشّعبي لم يسمع من ابن مسعود رضي الله عنه، كما جاء في التهذيب لابن حجر عن الحاكم في علومه أنه قال: «ولم يسمع من عائشة، ولا من ابن مسعود»(28)، وقال الحافظ: «وقال الدارقطني في سؤالات حمزة: لم يسمع من ابن مسعود وإنما رآه رؤية»(29).
وحكى ابن أبي حاتم في المراسيل عن ابن معين: «الشعبي عن عائشة مرسل. قال: وقال أبي: لا يمكن أن يكون سمع من أسامة ولا أدرك الفضل بن عباس، ولم يسمع من ابن مسعود ...»(30).
فهذا إسناد ضعيف منقطع، لأن الذي سمع منه الشعبي هو أبو مسعود الأنصاري كما صرح بذلك ابن حجر في التهذيب (31)، وفرق بين أَبو مسعود الأنصاريّ، عقبة بن عمرو بن ثعلبة البدري وبين عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، فكلاهما صحابيان جليلان، ولكن الذي سمع منه الشعبي كما مر هو أبو مسعود الأنصاري وليس عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما، فالشعبي رأى ابن مسعود ولكن لم يرو عنه والله أعلم.
وفي المتن نكارة وهي قوله: «ما كان الله ليُدخلَ شيّئًا من حمزة في النّار»، لأنّ هندًا رضي الله عنها أسلمت وحسن إسلامها ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الصحيح عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ»(32).
فكيف يُحكم على هند بأنها من أصحاب النار، والإسلامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَه؟، ولو سلمنا جدلا فليس في القصة ما يثبت أن هندا من أهل النار كما تصور الرافضة فمعنى قول: «ما كان الله ليُدخلَ شيّئًا من حمزة في النّار»، أي: لو ماتت على كُفرها قبل أن تُسلِم.
وقال ابن كثير: « قال ابن إسحاق(33): ووقعت هند بنت عتبة كما حدثني صالح بن كيسان والنسوة اللاتي معها، يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يجدعن الآذان والأنوف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خدماً وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشياً، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها»(34).
وصالح بن كيسان من صغار التابعين، ومعظم روايته عن التابعين، كما في التهذيب للحافظ (35)، لهذا فإسناده مرسل والله تعالى أعلم.
وقال ابن كثير: «ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ الَّذِي بَقَرَ كَبِدَ حَمْزَةَ ، وَحْشِيٌّ فَحَمَلَهَا إِلَى هِنْدٍ فَلَاكَتْهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا»(36).
وهذا أيضا مرسل، فموسى بن عقبة من صغار التابعين(37).
وقال البيهقي في الدلائل: «أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، فذكر الحديث، ثم قال: «... وَوَجَدُوا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ، وَاحْتُمِلَتْ كَبِدُهُ، حَمَلَهَا وَحْشِيٌّ، وَهُوَ قَتَلَهُ وَشَقَّ بَطْنَهُ، فَذَهَبَ بِكَبِدِهِ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِينَ قَتَلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ»(38).
وهذا إسناد مرسل، من مراسيل عروة بن الزبير، وقد قواها - أي مراسيله- طائفة من الأئمة، ومستندهم في هذا قوله: «إني لأسمع الحديث فأستحسنه، فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي به، أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به، وأسمعه من الرجل أثق به حدثه عمن لا أثق به»(39).
وقال ابن عبد البر: «كيف ترى في مرسل عروة بن الزبير، وقد صح عنه ما ذكرنا؟ أليس قد كفاك المؤنة؟»(40).
وعروة ابن الزبير ثقة من رجال الشيخين، وفي سماعه من أبيه خلاف، وروايته عن خالته عائشة رضي الله عنها محمول على الاتصال(41).
ومحمد بن عمرو بن خالد ذكره ابن يونس في تاريخه فقال: «محمد بن عمرو بن خالد بن فرّوخ الحرّانى، يكنى أبا علاثة. حدّث عن أبيه، وعن محمد بن عمرو بن سعيد بن أسد بن موسى، ومحمد بن الحارث، وعبد الله ابن صالح. روى عنه أبو القاسم الطّبرانى، وأبو جعفر محمد بن محمد بن عبد الله بن جميل البغدادى (نزيل سمرقند)، وجماعة كثيرة. توفى يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائتين بمصر»(42).
والملاحظ أن ابن يونس لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال.
وأما ابن لهيعة فقد رموه بالاختلاط وسوء الحفظ لاحتراق كتبه.
وقد روى الواقدي أن وحشيا قال: «... فَشَقَقْت بَطْنَهُ-أي حمزة- فَأَخْرَجْت كَبِدَهُ، فَجِئْت بِهَا إلَى هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، فَقُلْت: مَاذَا لِي إنْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِيك؟ قَالَتْ: سَلَبِي! فَقُلْت: هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ، فَمَضَغَتْهَا ثُمّ لَفَظَتْهَا، فَلَا أَدْرِي لَمْ تُسِغْهَا أَوْ قَذَرَتْهَا، فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا وَحُلِيّهَا فَأَعْطَتْنِيهِ، ثُمّ قَالَتْ: إذَا جِئْت مَكّةَ فَلَك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، ثُمّ قَالَتْ: أَرِنِي مَصْرَعَهُ! فَأَرَيْتهَا مَصْرَعَهُ، فَقَطَعَتْ مَذَاكِيرَهُ، وَجَدَعَتْ أَنْفَهُ، وَقَطَعَتْ أُذُنَيْهِ، ثُمّ جَعَلَتْ مسكَتَيْنِ وَمِعْضَدَيْنِ حتى قدمت بذلك مكّة، وقدمت بكبده مَعَهَا»(43).
والواقدي كما هو معلوم لا يعتد به.
وقال الطبري في تاريخه: «حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ، أَخِي بَنِي النَّجَّارِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَسَعْدٌ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، أَفِي الأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا أَنْظُرُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ. فَنَظَرَ، فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى بِهِ رَمَقٌ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ لَهُ أَفِي الأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الأَمْوَاتِ؟ قَالَ: فَأَنَا فِي الأَمْوَاتِ أَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ لَكَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا عن أُمَّتِهِ، وَأَبْلِغْ قَوْمَكَ عَنِّي السَّلامَ، وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ يَقُولُ: لا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِنْ خُلِصَ إِلَى نَبِيِّكُمْ، وَفِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ، ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ حَتَّى مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عن كَبِدِهِ، وَمُثِّلَ بِهِ، فَجُدِعَ أَنْفُهُ، وَأُذُنَاهُ»(44).
وهذا كذلك مرسل، وفيه ابن حميد ضعفه أبو حاتم(45)، وقال البخاري: «في حديثه نظر»(46)، وقال النسائي: «ليس بثقة»(47)، وقال الدارقطني: «مختلف فيه»(48)، وقال الذهبي: « وثقه جماعة والأولى تركه»(49)، وقال ابن حجر: «حافظ ضعيف»، وقال: «كان ابن معين حسن الرأي فيه»(50)، ووثقه أحمد كما في تهذيب الكمال(51)، قال الذهبي: «قال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد، فإن أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه. قال: إنه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه، لما أثنى عليه أصلا»(52).
وفيه سلمة بن الْفَضْلِ الأبرش الأَنْصَارِي، رمي بالتشيع، وثقه ابن معين(53)، وأحمد، وأبو داود، قال الحافظ: «قال الآجري، عن أبي داود: ثقة، وذكر بن خلفون أن أحمد سئل عنه فقال: لا أعلم إلا خيرا»(54)، وضعفه جماعة منهم البخاري، قال: «عنده مناكير»(55)، والنسائي، وقال: «ضعيف»(56)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: «يخطئ ويخالف»(57)، وقال الحافظ: «صدوق كثير الخطأ»(58).
وهذا الحديث أخرجه كذلك البيهقي في الدلائل(59) مرسلا، وهو عند ابن هشام في السيرة(60) من طريق ابن إسحاق.
وخلاصة الكلام: أن المثلة بقتلى المسلمين قد وقعت وحمزة رضي الله عنه ممن مثل بهم كما هو ثابت، ويشهد لهذه المثلة حين قال أَبُو سُفْيَانَ: «يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي»(61)، وأما ما ذكر من استخراج كبده وحملها إلى هند رضي الله عنها وتناولها منها وعدم استساغتها إياها فلا يثبت منه شيء. والله تعالى أعلم.
هذا ما وصلت إليه فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، فأسأل الله تبارك وتعالى أن يتجاوز عني، وأن يغفر لي، وأن يجعل هذا العمل لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.



=====

(1): سير أعلام النبلاء (3/120).
(2): وانظر هذه القصة عند ابن عساكر تاريخ دمشق ( 37 / 137 ).
(3): بتصرف من كلام العلامة ابن باديس رحمه الله، انظر: الآثار (4/118-119).
(4): سيأتي تخريجه قريبا.
(5): انظر الفتح (8 /533)ط.طيبة.
(6): انظر الفتح (8 /532)ط.طيبة.
(7): انظر الفتح (8 /533)ط.طيبة.
(8): انظر الفتح (8 /532)ط.طيبة.
(9): شرح مسلم (7 / 93).
(10): رواه مسلم برقم (2527 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(11): لاكتها أي مضغتها، واللَّوك أهون المضغ كما في القاموس المحيط، مادة: (ل و ك).
(12): مسند الإمام أحمد (7/419). ط: الرسالة، و بتحقيق العلامة أحمد شاكر رحمه الله (6\191 -192) برقم ( 4414).
(13): الطبقات الكبرى لابن سعد (3/12).
(14): مصنف ابن أبي شيبة (13/302-303).ط: الرشد.
(15): تقريب التهذيب (ص:537).ط: الرسالة.
(16): المجمع للهيثمي ( 6/109-110).
(17): الثقات للعجلي (2/135-136) رقم (1237).ت: عبد العليم عبد العظيم البستوي
(18): الكامل في ضعفاء الرجال (7/72).
(19): التاريخ الكبير للبخاري (6/465).
(20): التهذيب (3/104-105).ط: الرسالة.
(21): الضعفاء الكبير (3/398).
(22): الضعفاء الكبير (3/398).
(23): انظر: التهذيب (3/104-105).ط: الرسالة.
(24): السلسلة الضعيفة (2/334).
(25): البداية والنهاية (5/429).ت.التركي.
(26): مسند الإمام أحمد بتحقيق العلامة أحمد شاكر رحمه الله (6\191 -192).
(27): فقه السيرة لمحمد الغزالي (ص:279-280 ) الحاشية رقم (02).
(28):انظر: التهذيب لابن حجر (2/265).
(29): المصدر السابق.
(30): المصدر السابق.
(31): التهذيب (2/264).
(32): رواه البخاري (3825)، ومسلم (1714)
(33): سيرة ابن إسحاق (ص:312).
(34): البداية والنهاية (5/418-419).ت: التركي.
(35): التهذيب (2/198-199).
(36): البداية والنهاية (5/419).ت: التركي، وانظر كذلك دلائل النبوة للبيهقي (3/214).ت: عبد المعطي قلعجي، من طريق موسى بن عقبة أيضا.
(37): انظر ترجمته في السير للذهبي (6/115).
(38): دلائل النبوة للبيهقي (3/282).ت: عبد المعطي قلعجي.
(39): أخرجه الشافعي في الأم (12/ 368)، ومن طريقه: الخطيب في الكفاية (ص: 73)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 38- 39).
(40): التمهيد (1/ 39).
(41): معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة محمد ناصر الدين الألباني جرحا وتعديلا (3/121).
(42): تاريخ ابن يونس المصرى (1/ 459)، رقم (1250). ط: دار الكتب العلمية.
(43): مغازي الواقدي (1/ 286).
(44): تاريخ الطبري (2/528).
(45): تهذيب الكمال للمزي (25/105).ط.الرسالة.
(46): التاريخ الكبير (1/69) رقم (167).
(47): تهذيب الكمال للمزي (25/102).ط.الرسالة.
(48): موسوعة أقوال أبي الحسن الدارقطني في رجال الحديث وعلله (2/569).
(49): الكاشف في معـرفة من له رواية في الكتب الست (2/166).
(50): تقريب التهذيب (ص:666).ط.الرسالة.
(51): تهذيب الكمال للمزي (25/100).ط.الرسالة.
(52): سير أعلام النبلاء (11/503).
(53): سير أعلام النبلاء (9/50).
(54): التهذيب (2/76).ط.الرسالة.
(55): التاريخ الكبير (4/84) رقم (2044).
(56): الضعفاء والمتروكين (ص:118).ت: الضناوي، والحوت.
(57): تهذيب الكمال للمزي (11/309).ط.الرسالة.
(58): تقريب التهذيب (ص:307).ط.الرسالة.
(59):دلائل النبوة للبيهقي (3/285).ت: عبد المعطي قلعجي.
(60): سيرة ابن هشام (3/58).

(61): أخرجه البخاري برقم (4043) كتاب المغازي : باب غزوة أحد.


التعديل الأخير تم بواسطة بلال بريغت ; 08 Dec 2015 الساعة 04:31 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27 Nov 2015, 11:26 AM
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 352
افتراضي

بارك الله فيك
وحفظ الله اهل الحديث
في قديم وحديث
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 Nov 2015, 05:14 PM
أبو ميمونة منور عشيش أبو ميمونة منور عشيش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: أم البواقي / الجزائر
المشاركات: 582
افتراضي شكر وامتنان.

ما أحسن ما طرقت أخي بلال، جعل الله ما خطّت يمينك في ميزان الحسنات، آمين..
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 Nov 2015, 08:20 PM
أبو عبد الله سفيان مساني أبو عبد الله سفيان مساني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
المشاركات: 58
افتراضي

جزاك الله خيرا على هذا البحث الطيب وجعله الله في ميزان حسناتك.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله سفيان مساني ; 28 Nov 2015 الساعة 08:22 PM
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 Nov 2015, 08:52 AM
عبد القادر شكيمة عبد القادر شكيمة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: الجزائر ولاية الوادي دائرة المقرن
المشاركات: 315
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01 Dec 2015, 05:50 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

وفيكم بارك الله جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 02 Dec 2015, 07:13 AM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بارك الله فيك أخي بلال على هذه التُّحفة.
ورضي الله عن ذلك البيت، هند وزوجها وولَدِهِما.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 02 Dec 2015, 11:31 AM
إسحاق بارودي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي بلال
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05 Dec 2015, 06:02 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

وفيك بارك أخي خالد وجزاك الله خيرا أخي إسحاق

رضي الله عنهم أجمعين
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 05 Dec 2015, 06:42 PM
أبوأمامه محمد يانس أبوأمامه محمد يانس غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
الدولة: الجزائر
المشاركات: 372
افتراضي

بارك الله فيك أخانا بلال فقد كشفت الغمة حقا وصدقا

لا كسر الله لك قلما ولا مكّن منك عدوا

التعديل الأخير تم بواسطة أبوأمامه محمد يانس ; 05 Dec 2015 الساعة 09:02 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, دعوة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013