وعليه؛ فلا وجه صحيحا مع من يقول بوجوب ذكر المحاسن عند نقد المساوئ وبيان الأخطاء الصادرة من أهل الأهواء والبدع، وغير هذا النص في معناه كثير.
ومن السنة: قول النبي ﷺ لفاطمة بنت قيس –لما أخبرته أن أبا جهم ومعاوية خطباها- قال: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، أَنْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ...» الحديث، ومن غير شك أن لكل من أبي جهم ومعاوية محاسن عظيمة وأعمالا جليلة ولكن لما كان المقام مقام نصيحة ومشورة للمرأة لم يذكر شيئا من محاسن الرجلين، وهذا من الحكمة التي تقتضي وضع كل شيء في محله، فمتى اقتضى الحال الجمع بين ذكر محاسن الشخص ومساوئه، ومتى اقتضى الحال الاقتصار على ذكر المساوئ فلا يلزم إضافة ذكر المحاسن منها، وذلك كالرد على أهل الأهواء والبدع وفاحشي الغلط.
هذا وإنني لأحمد الله –تبارك وتعالى- بأنني لست منفردا بما ذهبت إليه في هذه القضية؛ بل قد قال قبلي أئمة هدى، وأصحاب علم وفضل وتقوى بعدم وجوب الموازنة بين المحاسن والمساوئ عند الرد على أهل الأهواء والبدع وأهل الأغلاط والأخطاء الفاحشة المتعلقة بالعقيدة والمنهج العملي؛ ومنهم على سبيل المثال:
1- صاحب السماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز الأثري –رحمه الله تعالى-.
2- وصاحب الفضيلة الشيخ: عبد العزيز المحمد السلمان –وفقه الله-.
3- وصاحب الفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان –حفظه الله-.
فأما صاحب السماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز –رحمه الله- فقد وجه إليه السؤال التالي: «يوجد أناس يوجبون الموازنة؛ أي: أنك إذا انتقدت مبتدعا بدعته ليحذره الناس؛ يجب أن تذكر حسناته حتى لا تظلمه؟».
فأجاب الشيخ –رحمه الله- قائلا: «لا؛ ما هو بلازم، ولهذا إذا قرأت كتب أهل السنة وجدت إيراد التحذيرـ اقرأ في كتب البخاري: كتاب "خلق أفعال العباد"، وكتاب "الأدب" في "الصحيح"، وكتاب "السنة" لعبد الله بن أحمد، وكتاب "التوحيد" لابن خزيمة، ورد عثمان بن سعيد الدارمي على أهل البدع، إلى غير ذلك، يوردونه للتحذير من باطلهم؛ فليس المقصود تعديد محاسنهم، بل المقصود التحذير من باطلهم، ومحاسنهم لا قيمة لها بالنسبة لمن كفر إذا كانت بدعته تكفره بطلت حسناته، وإذا كانت لا تكفره فهو على خطر، فالمقصود هو بيان الأخطاء والأغلاط التي يجب الحذر منها».
وأما الشيخ: عبد العزيز المحمد السلمان –حفظه الله-؛ فقد وجه إليه السؤال التالي: «هل يشترط الموازنة بين الحسنات والسيئات في الكلام على المبتدعة في منهج السلف؟».
فأجاب عليه بقوله: «اعلم –وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين- أنه لم يؤثر عن أحد من السلف الصالح من الصحابة وتابعيهم بإحسان تعظيم أحد من أهل البدع والموالين لأهل البدع والمنادين بموالاتهم، لأن أهل البدع مرضى القلوب، ويخشى على من خالطهم أو اتصل بهم أن يصل إليه ما بهم من هذا الداء العضال، لأن المريض يعدي الصحيح ولا عكس، فالحذر الحذر من جميع أهل البدع، ومن أهل البدع الذين يجب البعد عنهم وهجرانهم: الجهمية، والرافضة، والمعتزلة، والماتريدية، والخوارج، والصوفية، والأشاعرة، ويحذر منهم». اهـ.
وأما الشيخ: صالح الفوزان؛ فقد وجه إليه السؤال التالي –بعد أن سئل عدة أسئلة عن الجماعات-: «هل تحذر منهم دون أن نذكر محاسنهم ومساوئهم؟».
فأجاب –حفظه الله- قائلا: «إذا ذكرت محاسنهم دعوت لهم، (لا) لا تذكر محاسنهم، اذكر الخطأ الذي هم عليه فقط؛ لأنه ليس موكولا إليك أن تدرس وضعهم وتقومهم إنما موكول إليك بيان الخطأ الذي عندهم من أجل أن يتوبوا منه، ومن أجل أن يحذره غيرهم، أما إذا ذكرت محاسنه قالوا: جزاك الله خيرا؛ هذا الذي نبغيه». اهـ.
ومصادر هذه الأقوال محفوظة لدينا والحمد لله.
وإذا كان الأمر كما رأيت وسمعت؛ فإن القوم الذين يخطئون أصحاب الردود على أهل البدع في دين الله عند اقتصارهم على رد البدعة وبيان الخطأ بدون ذكر محاسن المردود عليه لا يخلو أمرهم من حالين:
أحدهما: الجهل بمنهج السلف وأتباعهم من العلماء الربانيين في هذه القضية، وهذه مصيبة عظيمة لما في ذلك من مجانبة الحق والصواب.
والثاني: قصد التلبيس على الناس بذكر شيء من محاسن أهل البدع فلا يسقطون من أعين الناس؛ وبالأخص طلاب العلم منهم وهذه أعظم! وحقا؛ أنه متى سقط المبتدعون من أعين الناس بسبب ضلالاتهم سقطت كتبهم، وسقط المدافعون عنهم والمروجون لأفكارهم وكتبهم ونشراتهم، وليرجعوا إلى جادة الحق ونصرته والاقتداء بأئمته وليخلصوا أنفسهم من اتباع الهوى والتعصب المقيت الأعمى؛ فإن ذلك خير لهم وأبقى في الآخرة والأولى.
وأذكر أني قلت قديما مخاطبا القائلين بوجوب الموازنة المذكورة ما يحسن إيراده هنا: