منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 16 May 2019, 07:20 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي مُحَرِّكَاتُ القُلُوبِ إلى اللهِ تعالى.














مُحَرِّكَاتُ القُلُوبِ إلى اللهِ تعالى

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

ولا بد من التّنبيه على قاعدة تحرّك القلوب إلى الله عز وجل، فتعتصم به، فتقل آفاتها، أو تذهب عنها بالكلية، بحول الله وقوته.

فنقول: اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبّة، والخوف، والرجاء. وأقواها المحبة، وهي مقصودة تراد لذاتها ، لأنّها تُراد في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنّه يزول في الآخرة، قال الله تعالى: {أَلا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} والخوف المقصود منه: الزجر والمنع من الخروج عن الطريق.

فـالمحبة: تلقى العبد في السير إلى محبوبه وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه

والخوف: يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب

والرجاء: يقوده

فهذا أصل عظيم يجب على كل عبد أن يتنبّه له فإنّه لا تحصل له العبودية بدونه، وكل أحد يجب أن يكون عبدا لله لا لغيره.

فإن قيل فالعبد في بعض الأحيان قد لا يكون عنده محبّة تبعثه على طلب محبوبه فأي شيء يحرك القلوب ؟

قلنا: يحرّكها شيئان:

أحدهما: كثرة الذكر للمحبوب لأنّ كثرة ذكره تعلق القلوب به ولهذا أمر الله عز وجل بالذكر الكثير فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} الآية .

والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه قال الله تعالى: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} . وقال تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} وقال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه من تسخير السماء والأرض، وما فيها من الأشجار والحيوان، وما أسبغ عليه من النعم الباطنة من الإيمان وغيره فلا بد أن يثير ذلك عنده باعثاً.

وكذلك الخوف تحركه مطالعة آيات الوعيد والزجر والعرض والحساب ونحوه.

وكذلك الرجاء يحركه مطالعة الكرم والحلم والعفو.

وما ورد في الرجاء والكلام في التوحيد واسع. وإنما الغرض مبلغ التنبيه على تضمّنه الاستغناء بأدنى إشارة. والله - سبحانه وتعالى – أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

نقله لكم
ابوراشد بارك الله فيه / من مجموع الفتاوى 1/95







مُحَرِّكَاتُ القُلُوب.


الشيخ عبدالرزاق البدر وفّقه الله للهدى والفلاح

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وزدنا علما ، وأصلح لنا شأننا كله ، ولا تَكِلْنَا إلى أنفسنا طرفة عين ، أما بعد :

فهذا فصلٌ عظيمٌ في أركان التعبد القلبية الثلاثة التي لابد من حضورها في قلب المسلم في كل عبادة يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بها وهي : المحبة ، والرجاء ، والخوف .

وفي هذا الفصل تقريرٌ متينٌ جداً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بيان أهميّة هذه الأركان الثلاثة للتّعبّد وأنّها كما وصف رحمه الله «محرّكات للقلوب» .

يقول وهب بن منبِّه رحمه الله وهو من علماء التابعين : « الرّجاء قائدٌ ، والخوف سائقٌ والنفس حرون ، إن فتر قائدها صُدَّت عن الطريق فلم تستقم لسائقها ، وإن فتر سائقها لم تتبع قائدها ، فإذا اجتمعا -أي الرجاء والخوف- استقامت طوعًا و كرها» ؛ فهذا يبيّن لنا الحاجة الماسة لوجود الرجاء والخوف -رجاء رحمة الله وخوف عذابه- دائما وأبداً في قلب المسلم في كل أعماله وجميع طاعاته ، إضافةً إلى وجود المحبة التي هي روح هذا الدّين.

وهذا الأمور الثلاثة يسمّيها العلماء «أركان التَّعَبُّد القلبية» بمعنى أنّ كل عبادة تتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بها لابد أن تكون قائمة على هذه الأركان الثلاثة ، بحيث تعبد الله حُبًا فيه ورجاءً لثوابه وخوفًا من عقابه ، وتكون هذه الأركان مصطصحبةً معك في كل عبادة ، تصلي حبًا لله ورجاءً لثوابه وخوفًا من عقابه ، تصوم حبًا لله ورجاءً في ثوابه وخوفًا من عقابه ، وهكذا في جميع الطاعات .

وقد قال أهل العلم قديمًا « مَن عبد الله بالرّجاء وحده فهو مرجئ ، ومَن عبده بالخوف وحده فهو حروري -أي على طريقة الحرورية الخوارج- ، ومَن عبده بالحب وحده فهو زنديق ، ومَن عبده بالحب والرّجاء والخوف فهو مؤمن موحِّد» لأنّ عبادة الله سبحانه وتعالى إنما تكون بالحب والخوف والرجاء .




وهذه الأركان الثلاثة للتّعبّد جمعها الله سبحانه وتعالى في آية واحدة من القرآن في سورة الإسراء وهي قول الله جل وعلا: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)} ، فذكر الحب في قوله { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ }، وذكر الرجاء في قوله { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ}، وذكر الخوف في قوله { وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} ، فهذه أركان ثلاثة للتعبد .

ثم إنّ هذه الأركان الثلاثة للتّعبّد اجتمعت في سورة الفاتحة التي هي أعظم سورة في القرآن ، ففي قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} المحبة ، لأنّ الحمد ثناءٌ مع حب . وفي قوله {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} الرجاء، تقدّم معنا في الآية الكريمة { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} ، في قوله {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} الرّجاء . وفي قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} ماذا ؟ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار:17-19] . إذا قرأ المسلم {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} ما الّذي يتحرّك في قلبه؟ الخوف .

فإذاً عندما يقرأ المسلم الفاتحة بالتّأمّل والتّدبّر إذا قرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}تحرّك الحب ، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) } تحرّك الرجاء لرحمة الله ، إذا قرأ{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} تحرّك في قلبه الخوف من عقاب الله . بهذه الثلاثة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، بهذه الثلاثة أي بـالحب الذي دل عليه {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} ، وبـالرّجاء الذي دل عليه {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) }، وبـالخوف الذي دل عليه{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} بهذه الثلاث {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي نعبدك بالحب والرجاء والخوف ، فاجتمعت هذه الأركان الثلاثة في هذه السور العظيمة التي هي أعظم سورة في القرآن .

قال ابن تيمية رحمه الله : ((فَصْلٌ : وَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى قَاعِدَةِ تَحَرُّكِ الْقُلُوبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَعْتَصِمُ بِهِ فَتَقِلُّ آفَاتُهَا أَوْ تَذْهَبُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ )) ، وهذا فيه تنبيه إلى أهميّة هذه الأركان وأنّ فائدتها أنّها تحرّك القلوب سيرًا إلى الله والدار والآخرة وطلبًا لرضاه سبحانه وتعالى فتعتصم بالله {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101] ، فيُثمر ذلك أن تقلّ في القلوب آفاتها ، لأنّ القلوب تصاب بآفات ، فإذا وجد في القلب الحب والرجاء والخوف -تحرّك القلب بها- قلَّت الآفات أو ذهبت عن القلب بالكلية .

يقول رحمه الله : ((فَنَقُولُ : اعْلَمْ أَنَّ مُحَرِّكَاتِ الْقُلُوبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ : الْمَحَبَّةُ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ )) هذه ثلاث محرّكات للقلوب إذا وجدت في القلب تحرّك سيرًا إلى الله وعملًا لطلب رضاه وبُعدا عن مساخطه ومناهيه سبحانه وتعالى .

قال : ((وَأَقْوَاهَا الْمَحَبَّةُ)) ، العلماء رحمهم الله يشبِّهون هذه الأمور الثلاثة بالطائر ، المحبة والخوف والرجاء يشبهونها بالطائر يقولون : المحبة روحه ، والرجاء والخوف جناحاه ، ولا يمكن أن يستتم لطائر طيران إلا بالروح والجناحين ، فلو قص أحد الجناحين لم يستطع الطيران ، وهكذا السائر إلى الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى هذه الأمور الثلاثة في سيره إلى الله ، يحتاج إلى المحبة التي هي الروح ، ويحتاج إلى الخوف والرجاء اللذان هما بمثابة الجناحين للطائر .

وينبغي أيضًا أن يكون الرّجاء والخوف عنده بتوازن دون أن يغلِّب أحدهما على الآخر ، لأنّ الطائر إذا ضعف أحد الجناحين مال في طيرانه ولا يكون طيرانه طيرانًا مستقيمًا ، حتى تكون حركة جناحيه حركة متوازنة فيستقيم له طيرانه .

قال : ((وَأَقْوَاهَا الْمَحَبَّةُ)) لماذا ؟

قال : ((وَهِيَ مَقْصُودَةٌ تُرَادُ لِذَاتِهَا، لِأَنَّهَا تُرَادُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) مطلوبة من العبد في الدنيا ومطلوبة منه في الآخرة تراد منه في الدنيا وفي الآخرة ، ولهذا إذا دخل المسلم الجنة المحبة تبقى معه مستمرة في الجنة ، لكن الخوف يبقى؟ ينتهي ، لأن الخوف بمثابة الزاجر للعبد حتى لا ينحرف عن الصراط ، أما إذا دخل الجنة انتهى {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف:13] يذهب الخوف .

انظر الفرق بين المحبّة والخوف ، الخوف مطلوب ومراد في الدنيا لكنّه ينتهي في الدنيا ، أمّا المحبّة فإنّها مستمرة في الدنيا والآخرة.

قال: ((لِأَنَّهَا تُرَادُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِخِلَافِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ يَزُولُ فِي الْآخِرَةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } )) مثلها قول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [الأحقاف:13] ، ومثل قوله: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت:30] .

قال: ((وَالْخَوْفُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الزَّجْرُ وَالْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الطَّرِيقِ )) ، سبحان الله ما أحوج العبد إلى الخوف من الله !! لأنّ الخوف يمنع العبد من الخروج من الطريق ، مادام سائرًا في صراط الله المستقيم كلّما حدثته نفسه أن تخرج عن الصراط هنا وهناك بمعصية أو ذنب أو نحو ذلك جاء الخوف من وراءه وزجره : إيّاك ، اتّق الله ، احذر عقاب الله ، ولهذا يحتاج العبد إلى تذكير نفسه بالخوف من الله عز وجل حتى يسْلم من الذنوب .

ذكر ابن رجب رحمه الله في أحد كتبه أنّ أعرابيًا راود أعرابية في الصحراء عن نفسها قال لها: ممَّ تخافين نحن في مكان لا يرانا إلا الكواكب ؟ لا يرانا إلاّ النجوم من أي شيء تخافين؟ قالت : أين مكوكبها ؟ أين خالق الكواكب ألا يرانا؟ فانتهى الرجل .

فحاجة العبد إلى تذكُّر الخوف من الله سبحانه وتعالى حاجة ماسة جدًا لأنّ هذا الخوف إذا وُجد عنده زجره ومنعه عن اقتراف الذنوب وارتكاب المعاصي ، ولهذا يقول شيخ الإسلام : ((وَالْخَوْفُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الزَّجْرُ وَالْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الطَّرِيقِ)) .

((فَالْمَحَبَّةُ تُلْقِي الْعَبْدَ فِي السَّيْرِ إلَى مَحْبُوبِهِ )) ، إذا وجدت المحبّة ألقته في طريق السير إلى المحبوب . ((وَعَلَى قَدْرِ ضَعْفِهَا وَقُوَّتِهَا يَكُونُ سَيْرُهُ إلَيْهِ ، وَالْخَوْفُ يَمْنَعُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ طَرِيقِ الْمَحْبُوبِ ، وَالرَّجَاءُ يَقُودُهُ فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ)) ، المحبّة تضعه في الطريق ، والرجاء يقوده ، والخوف يزجره ، لأنّ السائق -سائق الدابة- يكون وراءها ، وقائدها يكون أمامها ، فـالرّجاء قائد يقود الإنسان يجذبه إلى الأمام ، والخوف سائق من الوراء يزجر الإنسان . مرَّت معنا كلمة وهب العظيمة يقول : (الرجاء قائد والخوف سائق ، والنفس حرون) ما معنى حرون؟ تتوقّف عن العمل مثل ما أنّ الدابة الحرون تمتنع من صاحبها في السير ، فالنّفس حرون إن فتر قائدها -القائد الذي في الأمام - إن فتر قائدها صُدّت عن الطريق فلم تستقم لسائقها ، وإن فتر سائقها لم تتبع قائدها ، إذاً تحتاج إلى سائق وتحتاج إلى قائد حتى يستقيم لها سيرها .

قال: ((فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ )) ؛ انتبه لهذه الجملة يقول ((يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ )) ، إذاً هذه الأركان الثلاثة للتّعبّد أركان مهمّة وعظيمة يحتاج حتّى العوام أن ننبّههم عليها حتّى تكون عبادتهم لله سبحانه وتعالى مبنية على الرّجاء والحب والخوف ، نعبد الله رجاءً لثوابه وخوفًا من عقابه ومحبّةً له سبحانه وتعالى .

قال: ((فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهُ ، فَإِنَّهُ لَا تَحْصُلُ لَهُ الْعُبُودِيَّةُ بِدُونِهِ ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ)) وعرفنا أنّ العبودية لله سبحانه وتعالى لا تصلح بدون هذه الأمور الثلاثة: الحب والرجاء والخوف .

((فَإِنْ قِيلَ فَالْعَبْدُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَحَبَّةٌ )) بعض الأحيان تضعف المحبّة في قلبه بسبب غلبة الصوارف والشواغل .

((فَإِنْ قِيلَ فَالْعَبْدُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُهُ عَلَى طَلَبِ مَحْبُوبِهِ)) وهذا الذي يتكلم عنه شيخ الإسلام هذا أمر واقع نجده من أنفسنا ، فما العمل ؟ كيف يحرّك الإنسان في قلبه هذه المحبّة؟ وكيف يستشعرها القلب ؟ كيف يقوِّيها ؟

قال : ((قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُهُ عَلَى طَلَبِ مَحْبُوبِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يُحَرِّكُ الْقُلُوبَ ؟ )) أي بـالمحبّة .
((قُلْنَا يُحَرِّكُهَا شَيْئَانِ)) إذا أردت أن تحرّك محبّة الله في قلبك تجعلها تزيد وتقوى تحتاج إلى أمرين :
الأول: ((كَثْرَةُ الذِّكْرِ لِلْمَحْبُوبِ ، لِأَنَّ كَثْرَةَ ذِكْرِهِ تُعَلِّقُ الْقُلُوبَ بِهِ ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالذِّكْرِ الْكَثِيرِ فَقَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } [الأحزاب:41-42])) ، قال الله جل وعلا : { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب:35] .

وَالأمر الثَّانِي: مُطَالَعَةُ آلَائِهِ وَنَعْمَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأعراف:69] ، وَقَالَ تَعَالَى: { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] ، وَقَالَ تَعَالَى: { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20] ، وَقَالَ تَعَالَى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل:18] ، فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَسْخِيرِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَشْجَارِ وَالْحَيَوَانِ وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْهِ مِنْ النِّعَمِ الْبَاطِنَةِ مِنْ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بَاعِثًا )) .

إذاً يحرّك في قلب العبد المحبّة هذان الأمران :كثرة الذكر للمحبوب سبحانه وتعالى ، وكثرة المطالعة للنعم والآلاء ، يتذكر الإنسان نعمة الله عليه في سمعه ، في بصره ، في صحته ، في بيته ، في ماله ، أعظم من ذلك نعمة الله عليه بـاهتدائه لهذا الدّين وأن الله سبحانه وتعالى تفضل عليه بالإيمان ، يذكر نعمة الله { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [النحل:53] فهذا الذكر له والمطالعة للنعم والآلاء يحرك القلب حبًا لله سبحانه وتعالى .

والإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «مدارج السالكين» عندما تكلم عن منزلة المحبّة ذكر فصلًا أحيلكم عليه نافعٌ جدا أسماه رحمه الله «الأسباب الجالبة للمحبّة» ، وذكر عشرة أسباب مهمّة وعظيمة تجلب المحبّة للقلب . وأنصح إخواني الخطباء أن يستخرجوا هذه الأسباب العشرة ويأتوا بها في بعض خطبهم للعوام فإنّها نافعة جدا ، تعلِّمهم كيف يستجلبون محبة الله إلى قلوبهم ، والناس في هذا الزمان أهلكتهم الدنيا وشغلتهم وألهتهم وأضعفت في قلوبهم محبّة الله سبحانه وتعالى فهم حاجة إلى دعاة صالحين يعلِّمونهم هذه الأمور التي تجلب المحبّة إلى القلوب .

وفي أحد المجالس عقدتُ درسًا في هذه الأسباب التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في الأسباب الجالبة للمحبّة -محبّة الله -، وكلامه عظيم وواضح ودلائله أيضاً التي ساقها رحمه الله تعالى بيِّنة وظاهرة ، وتجدون كلامه كما ذكرت الكلام عن منزلة المحبّة عقد فصلًا بعنوان «عشرة أسباب جالبة للمحبّة » .

قال رحمه الله: ((وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ)) الآن تقدم ذكر الذي يحرّك المحبّة في القلوب ، ما الذي يحرّك الخوف ؟ عرفنا الّذي يحرّك المحبّة فما الذي يحرك الخوف ؟

قال: ((وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ تُحَرِّكُهُ مُطَالَعَةُ آيَاتِ الْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ وَالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ وَنَحْوِهِ)) ؛ إذاً العبد يحتاج إلى أن يقرأ آيات الوعيد ، آيات التهديد ، آيات التخويف والزجر حتى يتحرك في قلبه الخوف من الله ويتذكر الحساب والجزاء والعقاب والوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى حتى يتحرك في قلبه الخوف من الله والخوف من لقائه سبحانه وتعالى والخوف من الحساب والجزاء والعرض على الله { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] فيعِدّ لذلك اليوم يوم العرض عدّته ويكون خائفًا من لقاء الله سبحانه وتعالى خائفًا من يوم الخزي ، من يوم التغابن ، من يوم الحساب ، فهذه الأمور كلها تحرك في قلبه الخوف .

قال: ((وَكَذَلِكَ الرَّجَاءُ يُحَرِّكُهُ مُطَالَعَةُ الْكَرَمِ وَالْحِلْمِ وَالْعَفْوِ )) ، إذا قرأت آيات الرجاء ، آيات الوعد ، آيات الثواب ، آيات الإنعام والإكرام ، هذه تحرك في قلبك الرجاء ، مثل ما قلنا عندما تقرأ { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] يحرك في قلبك الرجاء لرحمته ، وإذا قرأت { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [الفاتحة:4] يوم الحساب والعقاب تحرك في قلبك خوفًا .

وهذان الأمران الخوف والرجاء ينبغي أن يتحرّكا في قلب العبد بتوازن ، ولهذا تلاحظ القرآن الكريم مبني على الرجاء والخوف ، على الترغيب والترهيب { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } [الأنبياء:90] ، { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [الإسراء:57] فالقرآن قائم على الرجاء والخوف ، ولهذا تجد آيات الرجاء وآيات الخوف جنبًا إلى جنب {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } [الحجر:49-50] ،

{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ماذا يُحدث لك هذا ؟ رجاءً ، مثل ما قال هنا آيات العفو تُحدث في قلبك رجاءً ، { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } هذا يُحدث لك خوفًا ، وهكذا ينبغي أن تكون ، رَاجٍٍ خائف ، ترجو رحمة الله سبحانه وفي الوقت نفسه تخاف عقابه .

وهنا يتنبّه المسلم إلى أمر مهم في هذا الباب : أن لا يغلِّب أحدهما على الآخر ، لأنّه إن غلَّب الرجاء على الخوف ربّما أمن من مكر الله ، والأمن من مكر الله من كبائر الذنوب ، وإذا غلَّب الخوف على الرجاء ربما قنط من رحمة الله ، والقنوط من رحمة الله من كبائر الذنوب ، لا يجوز للإنسان أن يكون آمنًا من مكر الله ولا يجوز أن يكون أيضا قانطًا من رحمة الله ، فالأمن من مكر الله من كبائر الذنوب والقنوط أيضا من كبائر الذنوب {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56] ، فالقنوط من كبائر الذنوب والأمن أيضًا من كبائر الذنوب ، فيجب أن يتجنّب هذا وهذا ، كيف يتجنّبهما ؟ بـ:التّوازن بين الرجاء والخوف : يرجو ويخاف يجمع بينهما ، عندما تصلّي لله سبحانه وتعالى تصلّي حُبًا لله وفي الوقت نفسه ترجو ثواب الله وفي الوقت نفسه تخاف عقاب الله ، أيضًا ترجو أن يُقبل عملك وتخاف أن لا يُقبل مثل ما قال الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } [المؤمنون:60] قالت عائشة رضي الله عنها: «يا رسول الله أهو الرجل يزني ويسرق ويخاف أن يعذب؟» قال : ((لا يا ابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يُقبل )) ،

وعبد الله بن أبي مليكة وهو من علماء التابعين يقول : « أدركت أكثر من ثلاثين صحابيًا كلهم يخاف النفاق على نفسه» ، عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : «لو أعلم أنّني تُقبل منّي سجدة واحدة خير لي من الدنيا وما فيها» ، فيكون جامعًا بين الرّجاء يرجو الرحمة يرجو القبول يرجو الفوز يرجو العتق من النار ، في الوقت نفسه خائف ، يخاف أن يعاقب ، يخاف أن يعذب ، يخاف أن ترد عليه أعماله ، أن لا تُقبل منه طاعاته ، يكون دائمًا بين الرجاء والخوف فتكون أعماله ماضية بالتوازن .

ولمّا كان هذا الكلام كلامًا مختصرًا نبّه رحمه الله تعالى إلى أمر بقوله : ((وَمَا وَرَدَ فِي الرَّجَاءِ وَالْكَلَامِ فِي التَّوْحِيدِ وَاسِعٌ )) لكن هذا كلام مختصر ((وَإِنَّمَا الْغَرَضُ مَبْلَغُ التَّنْبِيهِ عَلَى تَضَمُّنِهِ الِاسْتِغْنَاءَ بِأَدْنَى إشَارَةٍ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَم وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ )) .

الشاهد أنّ هذا الكلام حقيقةً عظيم جدًا وهم في بيان هذه الأركان الثلاثة للتّعبّد : المحبّة والرجاء والخوف ، وأنّها مطلوبة من كل عبدٍ في جميع أعماله وتعبّداته وتقرّباته لله سبحانه وتعالى .

سبحانك اللّهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

----------------------------------------------------------------------

عن طريق الوورد:

http://al-badr.net/dl/doc/mfaZTA5hcy

الملف الصوتي:

http://al-badr.net/dl/mp3/mfaZTA5hcy

المصدر:

http://al-badr.net/detail/mfaZTA5hcy





الصور المرفقة
نوع الملف: jpg الأنس بالله.jpg‏ (37.7 كيلوبايت, المشاهدات 2716)
نوع الملف: jpg محركات القلوب إلى الله.jpg‏ (169.7 كيلوبايت, المشاهدات 1677)
نوع الملف: jpg لذة العلم بالله.jpg‏ (107.1 كيلوبايت, المشاهدات 1806)
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013