أكيد أنّ المسلم لله حقًّا، عندما رضي بالله ربَّا وبالإسلام دينًا وبـمحمّد صلّى الله عليه وسلّم نبيًّا ، شعر أنّ نفسه تهفو إلى كلّ عملٍ يقرّبه من مولاه سبحانه ، وينفر من كلّ عملٍ يبعده عن ربّه ، الذي لايَرضَى بربٍّ سواه ولامعبودٍ بحقٍّ غيره .
وعلى هذا ، فإنّه يسير في هذه الدّنيا لتحقيق مراد الله في خلقه الذي يجده في أحكامه البليغة في شريعته السّمحاء التي لايعتريها نقص ولاخلل ، ولاسعادة لنا إلاّ بالإستقامة عليها .
والمسلم حينها يَرَى طاعته لله كذرّة تحتاج إلى أن تكبر أكثر فأكثر للحصول على المنتهى من أمانيه وهي رضا الله والجنّة ، وقد يرى ذنوبه أكبر بكثير ممّا هي عليه حتّى يتمكّن من التّخلّص منها مااستطاع إلى ذلك سبيلاً ، وإن كان يراها غيره صغيرة صِغر النملة بخفّة وزنها .
أسأل الله أن يجعلنا ممّن ينظرون إلى قيمة أعمالهم بما يرضون به مولاهم وأن يرزقنا الفقه في دينه على الوجه الذي يرضيه عنّا وأن يرزقنا حسن الخاتمة ، ندخل بها أعالي الجنان ورؤية وجه ربّنا الرّحمن .
بسم الله الرّحمن الرّحيم
يا مَن تسرف على نفسك بالذّنوب!!!
ولسان حالك يقول:
بعد رمضـان مـاذا جَنَيْتُ أَنَــا ؟!!!
أشفقتُ على نفسي من أن أكثر من الآمال والمُنَى؟
بكيتُ نفسِي وشَهْرُ رمضان يزفّ الرّحيل.
ولم أجمع من الحسنات كَمًّا وَكَيْفًا،يُرْضِي الجليل.
الصّالحون يجتهدون في إتمام العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمّون بعد ذلك بالقبول و يخافون من ردّه و هؤلاء الّذين قال تعالى عنهم: (والّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )
وقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) أي : يعطون العطاء وهم خائفون ألا يُتَقَبَّل منهم ، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء . وهذا من باب الإشفاق والإحتياط ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا مالك بن مغول ، حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب ، عن عائشة، أنّها قالت : يا رسول الله ، (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر ، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال : " لا يا بنت أبي بكر ، يا بنت الصدّيق ، ولكنّه الذي يصلّي ويصوم ويتصدّق ، وهو يخاف الله عز وجل " .
وهكذا رواه الترمذي وابن أبي حاتم ، من حديث مالك بن مغول ، به بنحوه . وقال : " لا يا بنت الصدّيق ، ولكنّهم الّذين يصلّون ويصومون ويتصدّقون ، وهم يخافون ألاّ يُقْبَل منهم "
{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} أي: يعطون من أنفسهم مما أمروا به، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه، من صلاة، وزكاة، وحج، وصدقة، وغير ذلك، {و} مع هذا {قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أي: خائفة {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} أي: خائفة عند عرض أعمالها عليه، والوقوف بين يديه، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله، لعلمهم بربّهم، وما يستحقّه من أصناف العبادات