منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 06 Jun 2017, 08:04 AM
عبد الباسط لهويمل عبد الباسط لهويمل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: الجزائر
المشاركات: 96
افتراضي خواطر في الصحبة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم أما بعد :

إنّ من أسباب الثبات البطانةُ الصالحة ، وهي من رموز العافية وعلاماتها، فمن وُفِق لصحبة الكرام فلا يتوانى للإنتفاع بصحبتهم ، والتخلق بأدبهم ، والأخذ من سمتهم ، ومشورتهم فيما يعرض له من الأمور المُشكلة ، و كذا الصبر و المصابرة على مجالسهم والمرابطة على تلكم الرِفقة ، حتى تحدث له الألفة في ذلك ، وتصبح له عادة من عوائده الراتبة اللازمة ،ويتحصّل له التشّبه بهم في الأمور الظاهرة ، والباطنة ، لأن سَوْقَ النفس من المداركِ السفلى إلى المدارج العليا فيه من المكابدة ما فيه ، حيث أن هوى النفوس إلى الدّعة والراحة وملازمة ما تهواه مؤكد فيها، وما تميل إليه من الشهوات والرغبات مطبوع فيها، أما طلبُ المعالي فهو لها كَلفٌ عسير، ومرتقى صعب ، يُرادُ له العزيمة القوية الوافية بشروطها ولوازمها ، مع دوام المراقبة والتهذيب ، لئلا ينتكس العبد وتركن نفسه لعوائدها الأولى ، فلا يبعد أن تتفلت أعصاب الإنسان وتخور عزيمته فينقلب على عقبيه القهقرى إلا إذا جاهد نفسه المجاهدة الحقة ، وألزمها سراط التقوى ، وعوّدها ميزان العدل والإحسان .
وإن من أعظم ما يجتمع عليه الناس ويتصلون به فيما بينهم؛ هو إجتماع القلوب وتآلفها ، وتشابهها وتعارف الأرواح فيما بينها وبخاصة ، ولا يؤلف بينها إلا الكتاب والسنة والوحي المنزََّل فإن الأهواء مفرقةٌ مبعثرة ، لا تصل بين الأناسي بقدر ما تقطع بينهم من الصلات والعلائق. وخير الألفة والإجتماع ماكان على البرِّ والتقوى ، وشرها ماكان على الإثم والعدوان .
فقد ذكر الله تعالى تشابه القلوب في معرض ذكره لأهل المقالات الردية الكفرية وتشابه الأقوال والقلوب ، قال عز وجل (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )(1)
كما أمر بالإعتصام بحبله المتين ، وحضّ على شروط الإجتماع والتلاقيِ حيث قال المولى تبارك وتعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ()(2)
وفي قوله تعالى(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (3)
كما ذكر من أمر التعارف والتناكر ما جاء في السُّنة من حديث أبي هريرة رضى الله عنه يرفعه :.. وَالْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ")(4)
فلا عجب إذا رأيت أصحاب الصناعات يجالسون بعضهم البعض ، وأصحاب المتاجرِ يجالسون أمثالهم ، وأهل اللهو واللعب يجالسون أشباههم ، وكذلك أهل التقوى والمغفرة يتولون بعضهم البعض ، فكلٌّ يجالس من يشاكله ويشاكهه ، وكما جاء في الأمثال إن الطيور على أشكالها تقع ، وكلما قويت علّة المشابهةِ قويت الصحبة ، وقد رأينا عجائب في ما يشجر بين الناس في روابطهم من القواطعِ والصوارف والعواطف ، فكثيرا ما ترى فُرقة تطرأ بين الأصحاب من غيرِ سببِ بائن ، فتعجبُ وقد كانوا قبلُ على مثلِ وافقَ شنٌّ طبقة ، ولا تجد لذلك علة صحيحة تجلّيِ لك حقيقة الأمر الحادث بينهما ، ثمّ بعد النظر يتبين لك أن المصلحة قد انقضت ومضّت ، حيثُ أن الجامع بينهما لم يكن جذرا أصيلا ضاربا في سويداء القلوب والأرواح ، إنما كانت مصالح مرسلة إذا وُصِلتْ قُطِعتْ ، وإذا بلغت آجالها لفت أكفانها ، وتولى بعضهم عن بعض مفتون، وأعرض كل صاحب عن جليسه ونأى بجانبه واستراح .
وغالب ما يجمع بين الناس هي أمور واهية غير راسخة ، كـأن يجمع بينهم المال أو مجالس اللهو والقمار والأفراح ، كما تجمع بينهم المصائب والأتراح فمتى زالت العلل الآنفة تفرقت الجماعة ، وانفضّت المجالس، وأصبح الأصحابُ معارفَ ، والمعارف غرباء ، فإذا علمت ذلك تنبهت لكثير من الأمور التي قد تستشكل لكثيـر من الأناسيِّ .
أما الصحبة الصالحة فهي على غيـر قياس المثل الأوليِّ، فهي مؤَسسةٌ على أصل شرعيِّ مستقيم ، ورباط ربانيِّ قويم ، وهو الحبُّ في ذات الله ، والموالاة في ذات الله، والتواصيِ بالحق ، والتواصي بالصبر، و التعاون الشرعيِ والإنساني ، والإجتماع على الكلمة الطيبة ، والإيثار ، والسعي في حاجات الغير ، وغير ذلك من المكرمات والفضائل ، يحتسب العبد كل ما يبذله من الجهد والصدق والإخلاص ، لله تبارك وتعالى .
وسيماء الصحبة الصالحة أنها في السراء والضراء سواء من جهة خلّوها من الريّاء والنفاق والزور ، وإلا فإن في ساعات الضيق تجدها تزداد وثاقا وتتمكن وشائجها عما كانت عليه قبلُ ، فهي شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وتسقى من ماء مبارك.وقد وردت في مظاهرِ الصحبة والمحبة ومن متعلقات الإيمان أثار كثيرة ومن أهمها قول النبي عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبهُ لنفسه)(5)
وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنواع المجالسة والمصاحبة أبلغ الأمثلة ؛ فشبّه الجليس الصالح وجليس السوء ببائع المسك ونافخ الكير ، وبيّن ما بينهما من الفوارق ، ووجوه المفاضلة بينهما بالكلمِ الجامع المانع ، الصادر من مشكاة النبوة ، ثمّ إن الصاحب الصادق الأميـن لا يرجو شيئا من صدق مودته و حقيقة صحبته ، وما يبذله من المعونة ويتعنّاه من المؤونة وغيـر ذلك من الخلال الفاضلة إلا إبتغاء وجه الله عزّ وجلا ، فتساقطت العلل والدوافع التي ترد من جهة النفس وحظوظها مثل ابتغاء الشكرِ والذكرِ والمعاوضةِ بالمثلِ فلم يشب الإحسان دخنُ الريّاء والكبـر تحقيقا لقوله تعالى(لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)(6)
حيث تلفي هذا الضرب من الناس حتى لو جوزي بخلاف نيّاته وما يبذله من الخيـر للأخرين، أو خُذل في أمور أو خولف فيما يأمر به وينهى عنه فلا يضرّه ذلك ألبتة ، لأن مبدؤه وغايته ومنتهى مطالبه هو ابتغاء مرضات الله عزّ وجلا ، فلا تكسره إساءة الناس إليه ولا يبدلّه إنكار معروفه من قِبلهم وإن كان بلوغ الأذى من أؤلئك محقق في نفوس هؤلاء لما جُبلت عليه النفوس محبة المُكرم إليها وبغض الشانىء لها وبخاصة اللئيم الذي يكافىء بدل الحسنةِ السيئة ، وعوض المعروف المناكر، لكنه أذىً يُخلفه اللهُ رفعة ودرجة ، فالمسألة لا تتعلق بالهوى وحظّ النّفس إنما جميع ذلك في سبيل الله ، وهذا الفـارق بين هؤلاء وهؤلاء .
والناس اليوم غالبا ما يتصاحبون على أسبابٍ تحمل بذور فنائها ، فيتصاحب القوم لنازلة ألمت بهم ، أو اصطحبوا في قافلة واحدة، أو اشتركوا في هوى جارف ، أو تشابهت أحوالهم فتصاحبوا ، سواء في المضرات أو المسرّات ، واعتبر على ذلك القياس ، فإذا حُقِقَ الأمر عليهم ألفيتهم بددا ، وتفرقوا طرائق قددا ، لا يولي أحدهم على أحد متنافرين ، أشدّ غربة فيما بينهم ، قد ألقيت بينهم العداوة والبغضاء ، وذاك لما قد يرد على النفوس من الأمراض كالإستكبار والتحاسد وهما أمحق للقلوبِ من السُمِّ الزعاف.
فلهذا فإن العاقل لا يعتمد على هذه المودة والصحبة فإن عرضت له أمثالها ،فإنه يجتمع معهم على قدر الحاجة ولا يمنعه ذلك ، إن كان يجد في نفسهِ المقدرة والوسع فيناصحهم ويسوقهم سوقا جميلا إلى سبيل الجماعة والإئتلاف ، ويُعلِّمهم أن سرَّ السعادة والكرامة في الإستقامة ، وأن أصدقُ الجماعة وأبرَّها وأوفاها ذمة هي المتابعة للذي كان عليه السلف الصالحون ، كما ينبؤهم أن المجاهدة من وسائط الهداية ،فإن الله سبحانه وتعالى يجازى على الجهد القليل الثواب الكبـير ، إذا تحقق الإيمان وصحت العزيمة، وقد قال في محكم تنزيله : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} (7)
وكذلك العزم على التغيِّر من مدارك المعاصي إلى مدارج الطاعات ، ومن سجنِ الهوى إلى جنةِ التقوى ، وقد ربط الله عز وجل تغير الحال بتغيِّر ما في النفوسِ من الأمراض والرّيب قال تعالى (: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ )(8)
وقد روي في بعض الآثار أن أصدق الأسماء همام وحارث فكل إنسان همام وحارث ،حارث لدنياه و لدينه ، و همام بهما سواء كانت همةً صحيحة أم فاسدة ، أو كان حرثا طيبا أو خبيثا ، فكلٌّ رهينٌ بعَملهِ وما انتوى فيه . كما جاء في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام [color="darkgreen"]( إنما الأعمال بالنيّات)(9)

وليعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه ما كان ليصيبه ، فإن وجد ما يسوؤه فإن كان من المعايب فليحدث لها توبة وإستغفارا فتتبدل المحنة في حقه إلى منحة ، وإن كان من المصائب فلتقر عينه بقضاء الله ،وليصبـر محتسبا، وليعلم يأن قضاء الله لعباده الصالحين خيـرٌ من قضائهم لأنفسهم لو كانوا فاعليـن ، فإنه تبارك وتعالى أهلٌ للحمد والشكـر ، وأفعاله كلها مستوجبة للحمد لأنها بمقتضـى الحكمة والعدل والفضل ، وإن خفيت على العبد تلكم الحكم والعلل فليكن على بيّنة من أمره أن لكل ذلك حكمة بالغة وتدبيـر محكم ، ورحمة ومغفرة ، فإن الصبـر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد ، وإن صبـرا لا يحتسب فيه لهو صبـرٌ أبـترٌ غيـرُ ذي جدوى .بل إن كل عملٍ لا يحتسبُ فيه الثوابُ والأجرُ فهو أبتـرٌ أجذم ، لا خلاق له .
فإن ثواب الصبر والإحتساب كائن بالإيمان بالله واليوم الآخر ، كما ينبغي أن يكون عند العبد يقينا بالثواب على الطاعة ويقينا بالعقاب على المعصية ،كما ينبغي عليه التوكل على الله تبارك وتعالى عقد العزائم ، وإلا فهل يصبر من لا إيمان له ولا يقين عنده ، ولا يتوكل على الحيِّ الذي لا يموت .(؟)
وقد قرنَ الإيمان بالله تبارك وتعالى بالإيمان باليوم الآخر في غير ما آية وحديث ، دليلا على إرتباط الإيمان والإحتساب ، فترى العبد المؤمن غير جزعٍ ولا مهموم لما يتعنّى من الشدائد الكبار إيمانا منه وإحتسابا بالأجر والثوب ، وليس ذلك إلا للمؤمن كما جاء في الحديث (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )[/color](10) بينما الكافر يجد في الصبرِ شدةً ولأواء لا يستطيع المداومة عليها حتى لو أصابتهُ شوكة ،و يفضي به المُصابُ الصغير إلى السَخطِ والجـزع الكثيـر والإرتياب ، بل قد يفضي به إلى قتل النفسِ ، لعدم تَعلقُ الإبتلاء عنده بشىء ، فهو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ، فيكون الإبتلاء في نفسه ظلما وجورا وعبثا وسفها ، فيقبل على المهالك إقبال من يبتغيِ الخَلاص مما هو فيه ، فلا يجد إلا منفذ ( الإنتحار أو تعاطي المهلوسات أو الإغراق في الإباحية والإلحاد)، ولعل ها هنا يزول عليك الإلتباس المستشكل من إقبال كثيـر من ذوي الزعمات والمقامات من أرباب الفنون والصناعات في بلاد الغربية الكافرة على قتل أنفسهم لما يجدونه في أنفسهم من الخواء ويعتقدونه من العبثية الوجودية ، فهم أشدّ النّاس هما وحزنا وضنكا وضيقا .
وأصبح الصاحب الصالح كالشامة البيضاء في متن الثور الأسود ، وقلّة الصحبة الصالحة -فيما أرى- من ضعف الإيمان وتغوّل الأهواء على أصحابها، فأكثرُ النّاس مفتونون فإما في شعبة شهوة محرمة ، وإما في شعبة شبهةٍ حالقة ، إلا من تواصى بالحق وتواصى بالصبر ، مع صحة الإيمان ، وصحة الإرادة ، والعزيمة الصادقة . وخير الأصحاب هم أصحاب الأنبياء وخيرهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، سندهم موصول لا ينقطع ، فهمُ النّاس ، أهل الإيمان والعمل الصالح ، والعلم النافع ، والبلاء الحسن ، وهمُ الصابرون والصادقون والمنفقون والقانتون ، والمجاهدون بأموالهم وأنفسهم ،كيلهم وافي وإيمانهم صافي لم يخالطه دخن ، فالمد من أحدهم يعادل جبلا عند غيرهم ، شهدوا المشاهد العظيمة ، ونالوا الدرجة الكريمة ، قاتلوا أهل الكفر على تنزيله ، وقاتلوا أهل البغي على تأويله ، وصانوا بيضة الدين من إنتحال المبطلين ، وزيغ المرتابين ، وإختلاق المنافقين ، وقد شهد شاهد منهم فقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه : ( من كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد،كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ) (11)
قال شيخ الاسلام:(فأخبر عنهم بكمال بر القلوب، مع كمال عمق العلم، وهذا قليل في المتأخرين، كما يقال‏:‏ من العجائب فقيه صوفي، وعالم زاهد ونحو ذلك‏.‏ فإن أهل برّ القلوب وحسن الإرادة وصلاح المقاصد يحمدون على سلامة قلوبهم من الإرادات المذمومة، ويقترن بهم كثيرًا عدم المعرفة، وإدراك حقائق أحوال الخلق التي توجب الذم للشر والنهي عنه، والجهاد في سبيل الله، وأهل التعمق في العلوم قد يدركون من معرفة الشرور والشبهات ما يوقعهم في أنواع الغى والضلالات، وأصحاب محمد كانوا أبر الخلق قلوبًا وأعمقهم علماً‏.‏
ثم إن أكثر المتعمقين في العلم من المتأخرين يقترن بتعمقهم التكلف المذموم من المتكلمين والمتعبدين، وهو القول والعمل بلا علم، وطلب ما لا يدرك‏.‏ وأصحاب محمد كانوا مع أنهم أكمل الناس علمًا نافعًا وعملاً صالحًا أقل الناس تكلفًا، يصدر عن أحدهم الكلمة والكلمتان من الحكمة أو من المعارف، ما يهدي الله بها أمة، وهذا من منن الله على هذه الأمة‏.‏ وتجد غيرهم يحشون الأوراق من التكلفات والشطحات، ما هو من أعظم الفضول المبتدعة، والآراء المخترعة، لم يكن لهم في ذلك سلف إلا رعونات النفوس المتلقاة ممن ساء قصده في الدين)(12)
أهـ

هذا ما جالت به الخاطرة ، واستحكمت فيه الفكرة ، مع قلة البضاعة وكسادها ، وركاكة المعاني وركابها ، وسماجة الأمثال ومقاصدها ، فإن يكن من صوابٍ فمن الله تبارك وتعالى ، وإن يكن من خطأ فمن نفسـي والشيطان ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيـرا .
--------
الهوامش :
(1)-[ البقرة /118]
(2)-(المائدة /02]
(3)-[ آل عمران /103]
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب عن أبي هريرة رضى الله عنه يرفعه وشطره الأول(النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ، إِذَا فَقُهُوا..) ورواه البخاري تعليقا عن عائشة رضى الله عنها ووصله في الأدب المفرد
(5) رواه الشيخان في صحيحهما .
(6)[ الإنسان/09]
(7) [ العنكبوت/69]
(8)[ الرعد/11]
(9) رواه الشيخان في صحيحهما.
(10)رواه مسلم
(11) رواه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله)
(12) مجموع الفتاوى (ج4/138
)


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الباسط لهويمل ; 08 Jun 2017 الساعة 02:58 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, أخلاق, الصحبةالطيبة, تزكية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013