منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 30 Sep 2016, 11:58 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي شَهْرُ اللهِ المُحَرَّم ، فَضَائِلٌ وَ أَحْكَامٌ



إِتْحَافُ الأَخِلاّءْ بِفَضَائِلِ وَ أَحْكَامِ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ وَ يَوْمِ عَاشُورَاءْ




الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السّلام على أشرف المرسلين ؛ نبيّنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، أما بعد :

فإن من كمال ربوبيّة االله تعالى و حكمته في خلقه أن فضل بعضهم على بعض ، و اصطفى منهم صفايا , قال تعالى: ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ ) [القصص:68]. و كان ممّا فضّل سبحانه من الأزمنة ;بعض الشّهور على بعض ، و اختصها بمزيد حرمة و تعظيم فجعل بعضها أشد حرمة من غيرها، فقال سبحانه وتعالى: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ )[التوبة - 3،6]. و عن أبي بكرة -- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خطب الناس يوم النحر في حجة الوداع ، فكان مما قال : ( إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ : ذُو الْقَعْدَةِ ، وَذُو الْحِجَّةِ ، وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبٌ ، شَهْرُ مُضَرَ ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) [متفق عليه ؛رواه البخاري (3197) ومسلم (1679)].

و كان مما اختصّ الله من تلك الشّهور ، أول شهور السنّة الهجرية ؛شهر الله المحرم ، و هو أحد الأشهر الحُرُم -التي سبق الاشارة إليها- ، فحريّ بالمؤمن أن يعظم شعائر الله ،أن تعظيمها و ما اختصّه الباري بالتّشريف و التعظيم من تقوى القلوب ،و خير للعبد عند ربّه في دنياه و أخراه ، كما قال سبحانه: ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ) [الحج:30] ، و قال بعدها سبحانه : ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )[الحج:32]

أيّ الأشهر الحرم أفضل ؟

قال ابن رجب -- : "اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل فقال الحسن وغيره : أفضلها شهر الله المحرم .
ورجحه طائفة من المتأخرين وروى وهب بن جرير عن قرة بن خالد عن الحسن قال: "إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم وكان يسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه".["لطائف المعارف" له(34)]
نقلت : قيل أن تّسميته ب"الأصم" من تسمية أهل الجاهلية و الله أعلم .

تعظيم أهل الجاهليّة للأشهر الحرم

قال ابن جرير -- : "هذه الشهور الاثنا عشر منها أربعة أشهر حرم كانت الجاهلية تعظمهن ، وتحرمهن ، وتحرم القتال فيهن ، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يهجه ، وهن : رجب مضر وثلاثة متواليات ، ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم . وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".["تفسيره" 14/235]

العلّة في تسمية الشهّر المحرّم بهذه التّسمية

قال ابن كثير -- : "ذكر الشيخ علم الدين السخاوي في جزء جمعه سماه " المشهور في أسماء الأيام والشهور " : أن المحرم سمي بذلك لكونه شهرا محرما ، وعندي أنه سمي بذلك تأكيدا لتحريمه ؛ لأن العرب كانت تتقلب به ، فتحله عاما وتحرمه عاما ، قال : ويجمع على محرمات ، ومحارم ، ومحاريم" .["تفسيره" 4/ 128]

العلّة في أضافة هذا الشهر إلى الله ( شهر الله المحرّم ) و استحباب الصّيام فيه

قال الحافظ ابن رجب -- : "وقد سمى النبي -- المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله عز وجل تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمدًا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته، ونسب إليه بيته وناقته.
ولما كان هذا الشهر مختصًا بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصيام من بين الأعمال مضافًا إلى الله تعالى، فإنه له سبحانه من بين الأعمال؛ ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله، بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام.
وقد قيل في معنى إضافة هذا الشهر إلى الله ﻷنّه إشارة إلى أن تحريمه إلى الله عز وجل ليس لأحد تبديله كما كانت الجاهلية يحلونه ويحرمون مكانه صفرًا، فأشار إلى أنه شهر الله الذي حرمه، فليس لأحد من خلقه تبديل ذلك وتغييره.
شهرُ الحرام مباركٌ ميمونُ **** والصوم فيه مضاعفٌ مسنون
وثوابُ صائمهِ لوجه إلههِ **** في الخُلدِ عند مليكهِ مخزُونُ" . انتهى["لطائف المعارف" (ص:90-91)]

و قال السّيوطي --: " قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ : مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ ؟!
يَحْتَمِل أَنْ يُقَال : إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال, وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه –تَعَالَى- عَنْ النَّبِيّ -صَلَّ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم ". اهـ["شرح سنن النسائي" للسيوطي( 1613 )]


من فضائل هذا الشّهر المبارك

و مع ما مرّ من بيان مزيّة هذا الشّهر على غيره ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرّم ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) .[رواه مسلم (1163)] "و هذا "تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الْمَشْهُور لِلصَّوْمِ . وَأَمَّا إِكْثَار النَّبِيّ صَلَّ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْم شَعْبَان دُون الْمُحَرَّم فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْله فِي آخِر حَيَاته . وَالثَّانِي : لَعَلَّهُ يَعْرِض فِيهِ أَعْذَار مِنْ سَفَر أَوْ مَرَض أَوْ غَيْرهمَا .["عون المعبود في شرح سنن أبي داود" ( 2429 )] .

ولكن قد ثبت في الصّحيح أنّ النبي -- لم يصم شهراً كاملاً قطّ -كما في حديث أمِّنا عائشة <رضي الله عنها>- غير رمضان فيُحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر محرم لا صومه كله .

أفضل الأيام في شهر الله المحرّم العشر الأُول

قال أَبِو عُثْمَانَ النَّهْدِيّ : كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلاثَ عَشَرَاتٍ : " الْعَشْرُ الأُوَلُ مِنَ الْمُحَرَّمِ , وَالْعَشْرُ الأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ , وَالْعَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ ".["قيام الليل" للمروزي(33 -باب الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان-) و "لطائف المعارف" لابن رجب(35)]

و قال ابن رجب -- : "قيل: إن العشر الذي أتم الله به ميقات موسى عليه السلام أربعين ليلة وإن التكلم وقع في عاشره.
وروي عن وهب بن منبه قال: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن مر قومك أن يتوبوا إلي في أول عشر المحرم فإذا كان يوم العاشر فليخرجوا إلي أغفر لهم.
وعن قتادة أن الفجر الذي أقسم الله به في أول سورة الفجر هو فجر أول يوم من المحرم تنفجر منه السنة" .["لطائف المعارف" (35)]
فهذا بعض ما قيل في فضائل هذه العشر دون غيرها من الشّهر ، و أفضلها -كما صحّت الأحاديث- يوم عاشوراء ، قال العز بن عبدالسلام: "وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان: أحدهما: دنيويٌّ... والضرب الثاني: تفضيل ديني، راجع إلى أنَّ الله يجود على عباده فيها بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء.. ففضلها راجع إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها" .["قواعد الأحكام" 1/38]

أي يومٍ هو يوم عاشوراء ؟

قال النووي -- :" وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَرُدُّ قَوْلَهُ ; لِأَنَّهُ قَالَ : ( أَنَّ النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ صل الله عليه وسلم : إنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ ) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ صل الله عليه وسلم لَيْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ , وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ " .["المجموع شرح المهذّب" 6/ 433 - 434]

قال ابن القيّم --: (فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس، تبَّين له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس -<رضي الله عنهما>-، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع ،بل قال للسائل:" صم اليوم التاسع "، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول الله -- كان يصومه كذلك، فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به، وعزمه عليه في المستقبل، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى: ( صوموا يوماً قبله ويوماً بعده ) وهو الذي روى: " أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصوم يوم عاشوراء يوم العاشر". وكل هذه الآثار عنه، يصدق بعضها بعضاً ".ـ [زاد المعاد :2/75،76]

نقلت : حديث ( صوموا يوماً قبله ويوماً بعده ) الذي أشار إليه ابن القيّم -رحمه الله- ، أورده الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة" (2225) بنفس اللفظ، وقال : "رواه أحمد والبيهقي بسند ضعيف ، لضعف محمد بن أبي ليلى ، لكنه لم ينفرد به ، فقد تابعه عليه صالح بن أبي صالح بن حي".

من فضائل يوم عاشوراء

لهذا اليوم المبارك عدّة فضائل ، نذكر منها :

أنَّ من الأنبياء -عليهم الصلاة و السلام- مَن صام يوم عاشوراء لِشَرَفه ومكانته؛ فعن ابن عبَّاس -<رضي الله عنهما>- أنَّ رسول الله -<صلَّى الله عليه وسلَّم>- قَدِم المدينة فوجدَ اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله -<صلَّى الله عليه وسلَّم>- : ( ما هذا اليوم الَّذي تصومونه ؟ )، فقالوا: هذا يومٌ عظيم؛ أنجَى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعونَ وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، فقال رسول الله -<صلَّى الله عليه وسلَّم>-: ( فنحن أحَقُّ وأولى بموسى منكم )، فصامه رسولُ الله -<صلَّى الله عليه وسلَّم>- وأمرَ بصيامه .[رواه مسلم (1911)] ،و كان ذلك قبل فرض صيام رمضان .

و منها أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يتوخَّى صيامه، ويتحرَّى فضله، ويطلب أجره؛ فعن ابن عبَّاس -<رضي الله عنهما>- وسُئِل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: "ما علمتُ أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صام يومًا يطلب فضله على الأيام إلاَّ هذا اليوم - يعني يوم عاشوراء - ولا شهرًا إلاَّ هذا الشهر"؛ يعني شهر رمضان ".[متًفق عليه، رواه البخاري (2006) ، ومسلم (1914)]

و من فضائله أيضا ، أنه يوم نجَّى اللَّه بَني إِسْرائيل من عدُوِّهم ؛فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -<رضي اللَّه عنهما>- قال : قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ : ( مَا هَذَا ؟ ) ، قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ : ( فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) ".[رواه البخاري (1865)]

و منها -أيضا- أنَّ صيامه يُكفِّر خطايا و ذُّنوب لسنةٍ الماضية كاملة إذا اجتُنِبت الكبائر؛ فعَن أبي قتادة -- أنَّ رجلاً سأل النبيَّ -<صلَّى الله عليه وسلَّم>- عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: ( أحتَسِبُ على الله أن يُكفِّر السنة التي قبله).[رواه مسلم(1976)]. لذلك استحبت هذه العبادة في هذا اليوم المبارك .

أيهما أفضل: يوم عرفة أم يوم عاشوراء؟

قال ابن حجر -- : "روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعاً: ( إن صوم يوم عاشوراء يكفر سنة، وإن صيام يوم عرفة يكفر سنتين ).
وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك: "إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك كان أفضل" اهـ.["فتح الباري" له(4/315)]

وقال ابن القيم --: "فإن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام، بخلاف عاشوراء.
الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا، بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم". ["بدائع الفوائد" 4/293]

حكم صيامه

حين هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم فرحًا بنجاة موسى -<صلى الله عليه و سلم>- قال: ( أنا أحق بموسى منكم ) فصامه وأمر بصيامه. [متفق عليه]. وكان ذلك في أول السنة الثانية، فكان صيامه واجبًا ، فلما فرض رمضان فوض الأمر في صومه إلى التطوع، و ذلك لما أخرج البخاري :
أوّلا : برقم (2002) من حديث أمّنا عائشة -<رضي الله عنها>- : ( كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ،فلما قدم -- المدينة صامه - أي عاشوراء - وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء ، من شاء صامه ومن شاء تركه) .

ثانيا : برقم (2003) عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – يوم عاشوراء، عام حجّ، على المنبر يقول: (يا أهل المدينة ! أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر" .[ورواه مسلم في صحيحه (1129)].

قال ابن حجر -- : "ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض ، والإجماع على أنه مستحب ، وكان ابن عمر يكره قصده بالصوم ، ثم انقرض القول بذلك " .["فتح الباري" 2/290]

مراتب صيام عاشوراء وأفضلها

قال الإمام ابن القيم -- : "مراتب الصوم ثلاثة: أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم.
وأما إفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار ، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها ، وهو بعيد من اللغة والشرع ، والله الموفق للصواب ".[زاد المعاد في هدي خير العباد (2/76)]

نقلت : روى أحمد في "المسند"(2155) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا) ، وقد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث ، فحسنه الشيخ أحمد شاكر ، وضعفه محققو المسند و الشيخ الألباني في ضعيف الجامع الصّغير ، و لكن لا يخفى فضل الصّيام في هذا الشّهر عموما كما مرّ .

و في حكم إفراده بالصّيام

سئل الإمام ابن باز -- ما نصّه : إذا صام الشخص يوم عاشوراء من محرم فقط ولم يصم يوماً قبله ولا يوماً بعده, هل يجزئه ذلك؟
فأجاب -طيّب الله ثراه- : "نعم يجزئه، لكن ترك الأفضل، الأفضل أن يصوم قبله يوم أو بعده يوم، هذا هو الأفضل، يعني يصوم يومين، التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر أو يصوم الثلاثة، التاسع والعاشر والحادي عشر، هذا أفضل، خلافاً لليهود" .["فتاوى نور على الدّرب" (4894)]

علّة صيام يوم إضافيّ مع يوم عاشوراء :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -- : "ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم بلغه أن اليهود يتخذونه عيدًا ، قال: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) ليخالف اليهود، ولا يشابههم في اتخاذه عيدًا، وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه ولا يستحب صومه بل يكره إفراده بالصوم، كما نقل ذلك عن طائفة من الكوفيين، ومن العلماء من يستحب صومه، والصحيح أنه يستحب لمن صامه أن يصوم معه التاسع؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: ( لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر ) كما جاء ذلك مفسرًا في بعض طرق الحديث، فهذا الذي سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ["مجموع الفتاوى" (13/167)]

و قال ابن حجر -- في تعليقه على حديث: ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ): "ما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح، وبه يُشعر بعض روايات مسلم ". ["فتح الباري" 4/245]

من اشتبه عليه الحساب فلم يدر متى اليوم العاشر

قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -: "فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام، وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر ، ابن سيرين يقول ذلك". ["المغني" لابن قدامة 3/174].
و روى ابن أبي شيبة في ["المصنف" (2/313)] : عن طاوس -- أنه كان يصوم قبله وبعده يوما مخافة أن يفوته .

ما المقصود بتكفير صيام يوم عاشوراء للذنوب ؟هل هو للصغائر أم الكبائر ؟

الذي عليه أكثر أهل العلم أن صوم يوم عاشوراء لا يكفر إلا صغائر الذنوب ،مثله مثل يوم عرفة ، وأما كبائرها فتحتاج إلى توبة نصوح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : صيام يوم عرفة يكفر سنتين ، وصيام يوم عاشوراء يكفر سنة . لكن إطلاق القول بأنه يكفِّر ، لا يوجب أن يكفر الكبائر بلا توبة ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال في الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان : ( كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) ؛ ومعلوم أن الصلاة هي أفضل من الصيام ، وصيام رمضان أعظم من صيام يوم عرفة ، ولا يكفر السيئات إلا باجتناب الكبائر كما قيده النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فكيف يظن أن صوم يوم أو يومين تطوعا يكفر الزنا والسرقة وشرب الخمر والميسر والسحر ونحوه ؟ فهذا لا يكون ".["مختصر الفتاوي المصرية" 1 /254 ] . و بنحوه قال النووي -- في ["المجموع" ( 6 / 428 - 431)] و غيرهما.

التحذير من ظلمِ النفس بالمعاصي في هذه الأشهر و بالأخص شهر الله المحرّم

خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ، ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها وإن كان منهيا عنه في كل الزمان . قال الشيخ السعدي -- : "(مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهي: رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها.
و قوله تعالى : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرا، وأن اللّه تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها، وتقييضها لمصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها.
ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها.
ومن ذلك النهي عن القتال فيها، على قول من قال: إن القتال في الأشهر الحرام لم ينسخ تحريمه ، عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها" .["تفسيره" (336)]

وقال القرطبي -- : "في الظلم قولان:
أحدهما : لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتال، ثم نسخ بإباحة القتال في جميع الشهور.
الثاني : لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب" .انتهى ["تفسير القرطبي" 8/134]

فعلى الكيّس الفطِنِ الحذر من المعاصي و الشهوات،و المبادرة بالطاعة و عمل الصالحات ،و اغتنام النّفحات الربانية ،لتزكُو بها نفسه ، و تعلو بها درجته ، فذلك خيرٌ له و أبقى ، والجزاء من جنس العمل .
و لا نحسب مسلما عاقلا ، يكون أهل الجاهليّة -مع جاهليّتهم التي كانوا عليها- ، أكثر تعظيما منه لشعائر الله و قد شرع له هذه الشّريعة المطهّرة خلافا لما كان عليه أولائك ، فلنتنبّه يا عباد الله ,..!

الحث على الإجتهاد في هذه الأشهر و بالأخص -الشهر المحرّم-

قال عليه الصلاة و السلام : ( افعلوا الخير دهركم ، و تعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته
يصيب بها من يشاء من عباده و سلوا الله أن يستر عوراتكم و أن يؤمن روعاتكم ).[قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 511 : حسن بشواهده]
ولمَّا كانت الأشهر الحرمُ أفضلَ الأشهر بعد رمضان أو مطلقًا، وكان صيامها مندوبًا إليه، وكان بعضها ختام السَّنة الهلاليَّة، وبعضها مفتاحًا لها؛ فمن صام شهر ذي الحجَّة - سوى الأيام المحرَّم صيامها منه - وصام المحرَّم، فقد ختم السَّنة بالطاعة وافتتحها بالطاعة، فيُرجى أن تُكتبَ سنته كلها طاعة، فإنَّ من كان أول عمَلِه طاعة وآخره طاعة، فهو في حُكْم من استغرقَ بالطاعة ما بين العمَليْن.
قال ابن المبارك:" مَن ختم نَهاره بذِكْر الله، كتب نهاره كله ذِكرًا "، يشير بذلك إلى أنَّ الأعمال بالخواتيم، فإذا كان البداءة والختام ذِكرًا؛ فهو أولى أن يكون في حُكْم الذِّكْر شامِلاً للجميع، ويتعيَّن افتتاحُ العامِ بتوبةٍ نَصوح تَمْحو ما سلفَ من الذُّنوب السالفة في الأيام الخالية .
قطعت شهور العام لهوا وغفلة ... ولم تحترم فيما أتيت المحرما
فلا رجبا وافيت فيه بحقه ... ولا صمت شهر الصوم صوما متمما
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي ... مضى كنت قواما ولا كنت محرما
فهل لك أن تمحو الذنوب بعبرة ... وتبكي عليها حسرة وتندما
وتستقبل العام الجديد بتوبة ... لعلك أن تمحو بها ما تقدما .["لطائف المعارف" (59) بتصريف يسير].

و قريش فإنها على وثنيتها وعبادتها الأصنام ،كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه؛ فعن أمِّنا عائشة -<رضي الله عنها>-: (كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله يصومه في الجاهلية).[متّفق عليه ؛البخاري (2002) ومسلم (1129)].

وتأمل يا عبد الله دورة الأيام و سرعة انقضائها، فها نحنُ كنا منذ أيام نستقبل شهر رمضان ،ثم ما أسرع أن انقضى ؛ فاستقبلنا عشر ذي الحجة ويوم عرفة وما أدراك ما يوم عرفة ؛ ثم ما أسرع أن انقضى ، وها نحنُ قد استقبلنا شهر الله المحرم ويوم عاشوراء , فالبدار البدار قبل فوات الآوان ، وافزع إلى التوبة وصدق الالتجاء الى الله عز وجل ، وَوَطِّنْ أيها الحبيب نفسك على الطاعة وألزمها العبادة ، فإنما أنت أيام إذا ذهب يومك ذهب بعضك ...

اللهّم أعنّا على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك .

الحثّ على الإخلاص في الصّيام و العمل عموما

قال ابن رجب -- : "ولما كان الصيام سرا بين العبد وبين ربه اجتهد المخلصون في إخفائه بكل طريق حتى لا يطلع عليه أحد قال بعض الصالحين: بلغنا عن عيسى بن مريم عليه السلام أنه قال: إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن لحيته ويمسح شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فيظن أنه ليس بصائم وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا أصبح أحدكم صائما فليترجل ـ يعني يسرح شعره ـ ويدهنه وإذا تصدق بصدقة عن يمينه فليخفها عن شماله وإذا صلى تطوعا فليصل داخل بيته وقال أبو التياح: أدركت أبي وشيخة الحي إذا صام أحدهم ادهن ولبس صالح ثيابه.
صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد كان له دكان فكان كل يوم يأخذ من بيته رغيفين ويخرج إلى دكانه فيتصدق بهما في طريقه فيظن أهله أنه يأكلهما في السوق ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته قبل أن يجيء اشتهر بعض الصالحين بكثرة الصيام فكان يقوم يوم الجمعة في مسجد الجامع فيأخذ إبريق الماء فيضع بلبلته في فيه ويمتصها والناس ينظرون إليه ولا يدخل حلقه منه شيء لينفي عن نفسه ما اشتهر به من الصوم كم يستر الصادقون أحوالهم وريح الصدق ".["لطائف المعارف" (38)]

هذا ما تيسّر جمعه و نقله ، و الله أسأل أن يوفقنا لما يحب و يرضى ، و صلّى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .


ملاحظة : يلي هذه الأسطر إن شاء الله : بدع يوم عاشوراء ، و فتاوى متعلّقة بها و بشهر الله المحرّم .

أخوكم .

التعديل الأخير تم بواسطة أبو أيوب صهيب زين ; 22 Sep 2017 الساعة 04:57 PM سبب آخر: عنونة2ذ
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, الشهرالمحرم, فضائل

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013