منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 01 Mar 2019, 06:33 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.































الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	snip_234.png‏
المشاهدات:	1136
الحجـــم:	14.7 كيلوبايت
الرقم:	6544   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة.png‏
المشاهدات:	14551
الحجـــم:	1.04 ميجابايت
الرقم:	7162  
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 Aug 2019, 12:25 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي






حكم النّظر في المصحف دون تحريك الشفتين.

السؤال:
سماحة الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، سلمه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فإنّ بعض الناس يأخذون المصحف ويطالعون فيه دون تحريك شفتيهم، هل هذه الحالة ينطبق عليها اسم قراءة القرآن، أم لا بد من التلفظ بها؛ والإسماع؛ لكي يستحقوا بذلك ثواب قراءة القرآن؟ وهل المرء يثاب على النظر في المصحف؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.

الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لا مانع من النظر في القرآن من دون قراءة للتّدبّر والتّعقّل وفهم المعنى، لكن لا يعتبر قارئا ولا يحصل له فضل القراءة إلاّ إذا تلفّظ بالقرآن ولو لم يسمع مَن حوله، لقول النبي ﷺ: (اقرءوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) رواه مسلم.

ومراده ﷺ بـ(أصحابه) : الّذين يعملون به، كما في الأحاديث الأخرى، وقال ﷺ: (مَن قرأ حرفًا من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها) خرجه الترمذي، والدارمي بإسناد صحيح، ولا يعتبر قارئًا إلا إذا تلفظ بذلك، كما نص على ذلك أهل العلم. والله ولي التوفيق[1].
-----------------------------------------------------
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (363/8).


المصدر




استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

السؤال:
تقول السائلة: هل صحيح بأنّ مَن قرأ سورة الكهف له فضل يوم الجمعة، وما هو الحديث الذي يبيّن فضل هذه السورة العظيمة؟


الجواب:
هذه السورة يستحبّ قراءتها يوم الجمعة جاء فيها أحاديث فيها ضعف، ولكن ثبت عن بعض الصحابة أنّه كان يقرؤها عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ويروي عن ابن عمر ، وهذا يدلّ على أنّ لها أصلًا، لأنّ الصحابي لمّا واظب عليها دلّ على أنّ عنده علمًا من ذلك، فالأفضل قراءتها يوم الجمعة. نعم.

المصدر



تحديد قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

السؤال:
بعد هذا رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين رمز إلى اسمه بالحروف (ع. س. س) أخونا له عدد من الأسئلة في أحدها يقول: ما هو أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، لما ورد في فضل قراءتها يوم الجمعة؟


الجواب:
كل يوم الجمعة وقت، تقرؤها في أول النهار، أو في وسط النهار، أو في آخر النهار، ورد فيها أحاديث فيها ضعف، لكن الثابت عن بعض الصحابة، عن أبي سعيد الخدري كان يقرؤها، ويروى عن ابن عمر ذلك، فإذا قرأتها فهو حسن إن شاء الله، سواء في أول الوقت، في أول اليوم، أو في وسطه، أو في المسجد حين تذهب إلى الصلاة، أو بعد ذلك، الأمر واسع والحمد لله. نعم.

المقدم: جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.

المصدر



الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ذو النفس الملأى بالذنوب.png‏
المشاهدات:	4566
الحجـــم:	178.0 كيلوبايت
الرقم:	7165   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ولقد يسرنا القرآن للذكر.jpg‏
المشاهدات:	3756
الحجـــم:	40.0 كيلوبايت
الرقم:	7166   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	من أصغى إلى كلام الله.jpg‏
المشاهدات:	6109
الحجـــم:	61.5 كيلوبايت
الرقم:	7167  
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 Sep 2019, 12:27 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





من حديث: (كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة..)

8/998- وعنِ البُراء بنِ عَازِبٍ رضيَ اللَّه عَنهما قَالَ: كَانَ رَجلٌ يَقْرَأُ سورةَ الكَهْفِ، وَعِنْدَه فَرسٌ مَربوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّته سَحَابَةٌ فَجَعَلَت تَدنو، وجعلَ فَرسُه ينْفِر مِنها. فَلَمَّا أَصبح أَتَى النَّبِيَّ ﷺ. فَذَكَرَ له ذلكَ فَقَالَ: "تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلتْ للقُرآنِ". متفقٌ عَلَيْهِ.
9/999- وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: "منْ قرأَ حرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فلَهُ حسنَةٌ، والحسنَةُ بِعشرِ أَمثَالِهَا لاَ أَقول: ألم حَرفٌ، وَلكِن: أَلِفٌ حرْفٌ، ولامٌ حرْفٌ، ومِيَمٌ حرْفٌ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
10/1000- وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللَّه عنهما قال: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: "إنَّ الَّذي لَيس في جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
11/1001- وعن عبدِاللَّهِ بنِ عَمْرو بن العاصِ رضي اللَّه عَنهما عنِ النبيِّ ﷺ قَالَ: "يُقَالُ لِصاحبِ الْقُرَآنِ: اقْرأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَما كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا، فَإنَّ منْزِلَتَكَ عِنْد آخِرِ آيةٍ تَقْرَؤُهَا" رواه أَبو داود، والترْمذي وَقالَ: حديث حسن صحيح.

الشيخ:

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة كالتي قبلها في بيان فضل القرآن والحث على تلاوته والإكثار من تلاوته والعمل بما فيه، وهو كتاب فيه الهدى والنّور، مَن استقام عليه فله السعادة، ومَن حاد عنه فله الهلاك، وقد قال الله جل وعلا: "قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ۝ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" [طه:123، 124]، وتقدّم قوله ﷺ: ..... لم تضلّوا إن اعتصمتم به كتاب الله، فيه الهدى والنور.. "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" [الإسراء:9]، وتقدّم قوله ﷺ: "اقرؤوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه يوم القيامة"، وتقدّم أنّه يؤتى بالقرآن، يدعى بالقرآن يوم القيامة بأهله العاملين به، تقدمهم سورة البقرة وآل عمران كأنّهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما، وتقدّم قوله ﷺ: "خيركم مَن تعلّم القرآن وعلّمه" من حديث عثمان: "خيركم مَن تعلّم القرآن وعلّمه"، وحديث عائشة: "الماهر في القرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق فله أجران"، وحديث أبي مالك الأشعري: "والقرآن حُجَّة لك أو عليك" حُجَّة لك إن عملت به، وعليك إن لم تعمل به، وفي حديث البراء بن عازب المذكور هنا أنّ إنسانا كان يقرأ القرآن يتهجّد، فنزلت عليه سحابة وجعلت تدنو، وكان عنده فرس مربوطة بشطنين -يعني بحبلين- وجعلت تنفر الفرس من هذه الغمامة، وسأل النبي ﷺ عن ذلك في الصباح فقال: "تلك السكينة تنزلت لقراءتك" السكينة علم على بعض الملائكة، وفي رواية أخرى أنّه أسيد بن حضير هذا الذي يقرأ، وفي رواية أنّه كان له ولده حوله خاف عليه من الفرس، المقصود أنّ الملائكة مثل ما أنّ الصالحين من الإنس بني آدم يرغبون في سماع القرآن، وهكذا الملائكة تستمع القرآن وترغب في سماعه ولاسيّما من الصوت الحسن المستقيم، فينبغي للمؤمن أن يعنى بقراءة القرآن، أن يحسن صوته ويتخشع فيه، والمؤمن يحرص على أن ينصت ويقرأ ويستمع له، وقال: "لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود" يعني صوتا حسنا ... صوتا حسنا من أصوات آل داود، وقال أبو موسى: "لو علمت أنك تسمع لحبّرته لك تحبيرا"، يعني لزدته تحسينا في القراءة، وفي الحديث الصحيح: "زيّنوا القرآن بأصواتكم"، ينبغي للقارئ أن يزيّن القرآن بصوته ويحسن صوته حتى يخشع ويخشع من يستمع له، وذاك بالترتيل وبيان الحروف وإعطائها حقها.

وهكذا حديث ابن مسعود رضي الله عنه يقول النبي ﷺ: "مَن قرأ حرفا من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرم ولام حرف وميم حرف". إذا قلنا ألم ثلاثة أحرف بثلاثين حسنة، هكذا حم حرفين بعشرين حسنة .. هذا فضل عظيم في قراءة القرآن .. الإخلاص لله هذا خير عظيم .

كذلك حديث عبدالله بن عمرو أنه يقال لقارئ القرآن في الجنة: "اقرأ وارتق ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، يعني أنّه ترفع درجاته ويحصل له المنازل العالية حسب تلك الآية التي يقرأها، ويصعد درجات في الجنة، وهكذا الحديث .. يقول ﷺ: "الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب". هذا يدل على الشر، حال موحشة، وحديث آخر: "مثل الذي لا يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحيّ والميّت". فهذا يدل على أنّه ينبغي للمؤمن أن يحفظ ما تيسّر ولو الفاتحة حتى لا يكون كالبيت الخرب، الفاتحة وما تيسر معها من السور يحفظها ويدرسها حتى يقرأ بها في الصلاة، ويقرأ بها في بيته، يدرسها يكرّرها ولو ما عنده إلاّ سور قليلة، يحصل له بكل حرف عشر حسنات، هذا خير عظيم، إذا قرأ الفاتحة وكررها في بيته أو في أي مكان يحصل له هذا الخير العظيم، كل حرف بعشر حسنة، أو كان معه مع ذلك "قل هو الله أحد"، والمعوذتين، يقرأها ويكرّرها دائما إذا كان عنده زيادة "تَبَّتْ.."، و "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ" وغيرها يقرأها في صلاته، في دروسه، في بيته يكرّرها، في هذا خير عظيم، وفي هذا فضل عظيم. وفّق الله الجميع.


المصدر


الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	قرأ رجل سورة الكهف..png‏
المشاهدات:	21464
الحجـــم:	623.5 كيلوبايت
الرقم:	7212  
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 Sep 2019, 12:30 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





سؤالٌ وجّه إلى فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:

ورد فضلٌ في قراءة سُورة الكهف يوم الجمعة متى يبدأ هذا الفضل؟ وهل لو قرأ الإنسان شيء منها أو بعض الآيات هل يكفي ذلك؟

فكانت الإجابة هكذا:
نعم ورد ت أحاديث في فضل قراءة سورة الكهف في يوم الجُمعة وليلتها، ولكنّها أحاديثٌ ضعيفة لكن بمجموعها يُؤخذ استحباب قراءتها في يوم الجُمعة وليلتها، ولا يكفي قراءة بعضها بل يقرأها كاملة، لأنّ سُورة الكهف لا تنطبق على بعضها لابُد من إكمالها، وهي مُيسّرة ولله الحمد.
مَن كان يحفظها يقرأها من حفظه ومَن كان لا يحفظها يقرأها من المُصحف. نعم.

المصدر بارك الله فيكم

http://alfawzan.af.org.sa/ar/node/16733



أصحاب الكهف عظات وعبر

خطبة جمعة من موقع الشيخ الفاضل علي بن يحي الحدادي وفّقه الله للخير كلّه.

أما بعد:

إنّ أحسن القصص هي قصص القرآن لما فيها من العظات والعبر التي تنفع مَن تدبّرها وتأمّلها عقيدة وعبادة وسلوكاً .

والله عزّ وجل ما ذكر القصص فى القرآن تسلية وإضاعة للأوقات وإنّما أنزلها لأخذ العبرة منها قال الله تعالى ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ )

ومن قصص القرآن قصة أصحاب الكهف التي ذكرها الله فى سورة الكهف وهي السورة التى رغب النبي صلى الله علية وسلم فى قراءتها وحفظ بعض آياتها ففى صحيح مسلم عن أبى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مَن حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال ). وعن أبى سعيد الخدري انه قال ( مَن قرأ سورة الكهف فى يوم الجمعة أضاء له النور ما بينه وبين البيت العتيق ) رواه البيهقي وله حكم الرفع..

وملخّص قصة أصحاب الكهف أنّهم فتية آمنوا بربّهم ووحّدوه في العبادة وكان قومهم مشركين فاعتزلوهم إلى كهف فضرب الله عليهم النوم فناموا ثلاثمائة سنة وتسع سنوات.ثم بعثهم الله من نومهم فحفظ الله لهم دينهم ووقاهم الفتن وعصمهم منها ونالهم شئ كبير من العزّ والشرف بعد أن تبدّلت أحوال الناس جزاء صبرهم وثباتهم وإيمانهم ..

ويستفاد من قصتهم فوائد كثيرة ومنها

-أوّلاً: أنّ قصتهم مع عجيب شأنها فإنّها ليست بأعجب آيات الله، بل أعجب منها خلق الأرض وما خلق فيها من أنواع الزينة ومن كلّ شيء ثم يفنى ذلك بقدرة الله ثم يبعث الله الخلائق ليجازيهم على أعمالهم .

فليتفكّر المسلم فى خلق السموات والأرض وليتذكّر أنّه خلق لعبادة الله وحده وليتذكّر معاده وليستعد له بأحسن العمل قال الله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)) أي وإن كانت قصّتهم عجيبة إلاّ أنّ ما تقدّم ذكره أعجب وأعظم.

-ثانياً: أنّ هؤلاء الفتية نشؤوا في بيئة كافرة مشركة تعبد من دون الله آلهة أخرى ولكن الله عزوجل تداركهم بلطفه ورحمته فهداهم إلى الإيمان والتوحيد. فآمنوا بالله وحده وعلى العاقل أن يكون رائده الحق لا التعصب لما عليه الآباء والأسلاف. فحيث تبيّن له الحق، فليلتزم به ولا يمنعنّه من قبول الحق هوى أو حظ من حظوظ النفس الأمارة بالسّوء. فالحقّ أحقّ أن يتبع.

-ثالثا: لمّا عرف أولئك الفتية الحق جهروا به كما قال تعالى (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)) وأكثر المفسّرين أنّهم قالوا هذا الكلام العظيم أمام ملك زمانهم.

وما كانت دعوتهم إلاّ دعوة الرّسل ألا وهى إفراد الله بالعبادة والبراءة من عبادة ما سواه.

ما طالبوا بحكم ولا نافسوا على ملك ولكن دعوا إلى إفراد الله بالعبادة وهكذا على كلّ مَن عرف الحق وعلمه عليه أن يدعوا إليه على بصيرة وحكمة وأن يسلك في دعوته مسلك النبيّين وأتباعهم من العناية بالتوحيد والدعوة إليه و التّحذير ممّا يضاده.

ومع ما هدى الله أولئك الفتية إليه من الدعوة إلى الحق فقد منّ عليهم بأن ربط على قلوبهم وثبتهم فى ذلك المقام الحرج والله لا يخذل مَن صدق معه وتسلّح بسلاح الصبر واليقين

-رابعا: حين خشي أولئك الفتية من أذى قومهم رأوا أن يفرّوا بدينهم وبأنفسهم في مكان يعبدون ربّهم فيه آمنين مطمئنّين. و العزلة مطلوبة حين لا يكون لمخالطة الناس ودعوتهم جدوى ولا أثر أو كان المرء يخاف على نفسه من أهل الباطل أن يتعرّض لبلاء لا طاقة له به بأن يفتنوه عن دينه ببطشهم أو أن يرتدّ على عقبيه، فيضعف إيمانه لمخالطتهم فيشاركهم في معصية الله تعالى.

فلجؤوا إلى الكهف وابتهلوا إلى الله قائلين (رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)) فكانت قلوبهم معلّقة بالله وحدة فآواهم الله وسلّمهم وحفظهم وجعل لهم لسان صدق إلى يوم القيامة.

وإذا كانت عزلة أولئك الفتية بحقّ، فإنّنا نجد اليوم من الشباب مَن يعتزل أسرته ومجتمعه، بباطل تأثّراً ببعض المناهج التي تصوّر لهم أنّهم يعيشون في مجتمع جاهلي ولا سبيل لهم إلى الخلاص من شروره إلا بالعزلة الشعورية بينهم وبينه ثم بالانضمام إلى مجموعات تحمل نفس الفكر ولهذا نجد كثيراً من الآباء لا يعلم عن أبنائه شيئا ثم لايسمع بهم إلاّ في بلاد الفتن والفوضى، أو ضحايا أعمال تخريبية كانوا هم وقودها وحطبها.

وممّا يلفت الانتباه ما كان عليه أولئك الفتية من الحلم والتؤدة والأناة وهذا من توفيق الله لهم . فإنّهم مع كونهم واجهوا مجتمعا مشركا شركا أكبر إلاّ أنّهم أدركوا ضعف قوّتهم وقلّة عددهم فاعتزلوهم وكفّوا أيديهم عنهم. وأكثر مصائب العالم الإسلامي اليوم ناتجة عن التّهور والطيش حيث يتحرش الضعفاء بالأقوياء فتعود العاقبة وخيمة على الإسلام وأهله ودياره.

-خامسا: أنّ مَن صدق مع الله صدق معه وأحاطه بلطفه وهيّأ له من الأسباب ما لا يخطر له على بال. فقد ألقى الله عليهم النوم مئات السنين وأكرمهم بأن صرف عنهم ضياء الشمس فلا يؤذيهم مع كونهم في مقابلها على ما حقّقه بعض المفسرين لأنّه جعل ذلك من آياته فدلّ على أنّ ما حصل لهم أمر خارق للعادة.

وكان سبحانه يقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال حتّى يحسبهم الناظر أيقاظا وحتّى لا تأكلهم الأرض. وألقي على مَن يطلع عليهم الرعب فلا يدخل إليهم أحد.

فحفظهم الله أيقاظاً وحفظهم نائمين وحفظهم في قلوبهم وفى أبدانهم وفى أموالهم. ومَن حفظ الله حفظه الله .

-سادسا: فضل الصحبة الصالحة. فإنّ الكلب لمّا صحب أولئك الصالحين ناله من بركاتهم. فألقي عليه النوم معهم وبقى ذكره معهم. وفى الحديث (أنّ الرجل يمر بحلقة ذكر فيجلس فيها فيغفر الله له معهم) فعلى المسلم ولا سيّما الشاب في مقتبل عمره أن يحسن اختيار الصحبة وليحرص على أصحاب العقيدة السليمة المجافين للبدع وأهلها. المحافظين على خصال الخير في العبادة والتعامل. وليحذر كذلك من صحبة الأشرار من أصحاب العقائد الفاسدة أو التفريط في العبادة أو الأخلاق السيئة. فإنّ صحبتهم داء عضال يضر في الحال والمآل. وفى الحديث ( أنت مع مَن أحببت ) وفى الحديث الآخر (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم مَن يخالل).

-سابعا: فضل التباحث في العلوم النافعة. فإنّ أولئك الفتية حين بعثهم الله من نومهم أخذوا يتساءلون في المدة التي استغرقوها في نومهم وانقسموا فريقين: منهم مَن قدّرها مدة قصيرة فجعلها يوماً أو بعض يوم، ومنهم مَن شعر أنها مدة طويلة ولكن دون تحقيق. فوكّلوا العلم إلى الله .

ووجه كونه بحثا في علم نافع أنّ الله إنّما بعثهم لمصالح ومنها أن يتساءلوا عن هذه المدة فإذا عرفوها عرفوا بذلك لطف الله بهم وحسن عنايته ورعايته لهم.

وينبغي أن تعمر المجالس بذكر الله وبالتباحث في العلوم النافعة التي بها حياة القلوب وصلاح الأخلاق. وليحذر المسلم من مجالس الغفلة فإنّه (ما من قوم يجلسون مجلساً ثم يقومون ولم يذكروا الله فيه إلاّ قاموا عن مثل جيفة حمار وكان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة).

وإذا بحثت قضية في الدّين فليتكلّم المسلم بعلم أو ليسكت. وليكل العلم إلى الله. وليحذر أن يقول على الله بغير علم فيهلك قال تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ).

-ثامنا: يُستفاد من قصّتهم: الحرص على أكل الطيّب المباح، فإنّهم أرسلوا أحدهم وأمروه أن يعتني بأزكى الطعام. ويدخل في زكائه إباحته وحلّه دخولاً أوّلياً . ولا بأس باختيار أطايب الطعام ولكن على المسلم أن يعنى أولاً بألاّ يأكل إلا طيبا زكياً وليحذر من المكاسب الحرمة، فالجسد إذا نبت على غذاء حرام كان إلى النار وفى الحديث (أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به )

ونحن في زمن كثرت فيه المعاملات التجارية المحرمة والمشتبهة وصار كثير من الناس لايهمّه إلاّ تحقيق الأرباح وتحصيل المكاسب دون أن يبالي أمن حلال ربح أم من حرام والعياذ بالله .. بارك الله لي ولكم في القران العظيم .



الخطبة الثانية

أمّا بعد.

-الفائدة التّاسعة: في هذه القصّة دليل ظاهر باهر على البعث والنّشور يوم القيامة. فالّذي أيقظ أولئك الفتية بعد ثلاث مائة سنة، قادر على إعادة الأجساد بعد موتها، ولذلك قال تعالى (وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا)

أيّها النّاس: إنكم بعد حياتكم هذه تموتون ثم بعد موتكم تُبعثون. ثم إلى عرصات القيامة تحشرون ثم إنّكم بأعمالكم مجزيّون، ثم ينقسم الخلق إلى فريقين: فريق في الجنّة وفريق في السعير. جعلني الله وإيّاكم من أهل الجنّة إنّه جواد كريم.

-الفائدة العاشرة: نوّه الله بشأن أولئك الفتية في آخر أمرهم حيث أعثر عليهم، ورفع ذكرهم وأجَلّ قدرهم، حتّى إنّ الناس اختصموا فيهم بعد الخوف والذلّة والعزلة، مصداق قوله تعالى (فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) ومصداق قولة تعالى (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين)

وهنا يجدر التّنبيه إلى أنّ بناء المساجد على قبور الأنبياء أو الصالحين منكر عظيم، ومَن فعله فهو ملعون، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم عند موته من ذلك تحذيراً بالغاً فقال: (لعنة الله على اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا.

لأنّ بناء المساجد على القبور يصيّرها أوثانا تُعبد من دون الله، بدعائها والذّبح عندها والنّذر لها.

والله عزّ وجل لم يذكر مسألة بناء المسجد على أولئك الفتية، ترغيباً فيه ولا حثاً عليه، ولكنّها حكاية حال، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم ببيان حكم هذا المنكر العظيم فلا حجّة لمن يستدلّ بالقصة على بناء المساجد على القبور أو دفن الموتى في المساجد.

ثمّ اعلموا أنّ خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم… الخ
-----------------------------------

المصدر:

http://www.haddady.com/%D8%A3%D8%B5%...9%D8%A8%D8%B1/

الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أوائل سورة الكهف.png‏
المشاهدات:	4682
الحجـــم:	714.2 كيلوبايت
الرقم:	7263   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أصحاب الكهف.png‏
المشاهدات:	3419
الحجـــم:	500.9 كيلوبايت
الرقم:	7264   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أصحاب الكهف2.png‏
المشاهدات:	3423
الحجـــم:	318.4 كيلوبايت
الرقم:	7265  
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04 Oct 2019, 12:09 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





قال الله تعالى:
"وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا(23)إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا(24)"

ومن درر تفسير الشيخ السعدي رحمه الله لهذه الآيات، قوله رحمه الله:

{ تفسير الآيتين 23 و 24
هذا النّهي كغيره، وإن كان لسبب خاص وموجّهًا للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنّ الخطاب عام للمُكَلَّفين، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة، (إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ) من دون أن يقرنه بـمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل، الّذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه ردّ الفعل إلى مشيئة العبد استقلالاً، وذلك محذور محظور، لأنّ المشيئة كلّها لله، (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربّه. ولمّا كان العبد بشرًا، لا بدّ أن يسهو فيترك ذكر المشيئة، أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر، ليحصل المطلوب، وينفع المحذور، ويؤخذ من عموم قوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) الأمر بـذكر الله عند النّسيان، فإنّه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه، وكذلك يؤمر السّاهي الناسي لذكر الله، أن يذكر ربّه، ولا يكونن من الغافلين.
ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة، وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله، أمره الله أن يقول: (عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) فأمره أن يدعو الله ويرجوه، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرُّشد. وحريّ بِعَبْدٍ، تكون هذه حاله، ثم يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرُّشد، أن يُوَفَّق لذلك، وأن تأتيه المعونة من ربّه، وأن يسدّده في جميع أموره.} انتهـ.

وقد فسّر الإمام الطبري رحمه الله الآيتين 23، 24:

{ وهذا تأديب من الله -عزّ ذكره- لنبيّه صلى الله عليه وسلم، عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنّه كائن لا محالة، إلاّ أن يصله بـمشيئة الله، لأنّه لا يكون شيء إلاّ بمشيئة الله.
وإنّما قيل له ذلك فيما بلغنا من أجل أنّه وعد سائليه عن المسائل الثلاث اللّواتي قد ذكرناها فيما مضى، اللّواتي، إحداهنّ المسألة عن أمر الفتية من أصحاب الكهف أن يجيبهم عنهنّ غد يومهم، ولم يستثنِ، فاحتبس الوحي عنه فيما قيل من أجل ذلك، خمس عشرة، حتّى حزنه إبطاؤه ، ثم أنـزل الله عليه الجواب عنهنّ، وعرف نبيّه سبب احتباس الوحي عنه ، وعلَّمهما الّذي ينبغي أن يستعمل في عداته وخبره عما يحدث من الأمور التي لم يأته من الله بها تنـزيل، فقال: (وَلا تَقُولَنَّ يا محمد لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا) كما قلت لهؤلاء الذين سألوك عن أمر أصحاب الكهف، والمسائل التي سألوك عنها، سأخبركم عنها غدا (إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ). ومعنى الكلام: إلاّ أن تقول معه: إن شاء الله، فترك ذكر تقول اكتفاء بما ذكر منه، إذ كان في الكلام دلالة عليه، وكان بعض أهل العربية يقول: جائز أن يكون معنى قوله: ( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) استثناء من القول، لا من الفعل كأن معناه عنده: لا تقولنّ قولا إلاّ أن يشاء الله ذلك القول، وهذا وجه بعيد من المفهوم بالظاهر من التنـزيل مع خلافه تأويل أهل التأويل.
وقوله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: واستثنِ في يمينك إذا ذكرتَ أنّك نسيت ذلك في حال اليمين.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن هارون الحربيّ ، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا هشيم، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، في الرجل يحلف، قال له: أن يستثني ولو إلى سنة، وكان يقول (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) في ذلك قيل للأعمش سمعته من مجاهد، فقال: ثني به ليث بن أبي سليم، يرى ذهب كسائي (3) هذا.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ)، الاستثناء ، ثم ذكرت، فاستثن.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه ، في قوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) قال: بلغني أنّ الحسن، قال: إذا ذكر أنّه لم يقل: إن شاء الله، فليقل: إن شاء الله.
وقال آخرون: معناه: واذكر ربّك إذا عصيت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا حكام بن سلم، عن أبي سنان، عن ثابت، عن عكرمة، في قول الله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) قال: اذكر ربّك إذا عصيت.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي سنان، عن ثابت، عن عكرمة، مثله .

وأولى القولين في ذلك بالصوّاب، قول مَن قال: معناه: واذكر ربّك إذا تركت ذكره، لأنّ أحد معاني النّسيان في كلام العرب التّرك، وقد بيَّنا ذلك فيما مضى قبل.

فإن قال قائل: أفجائز للرجل أن يستثني في يمينه إذ كان معنى الكلام ما ذكرت بعد مدة من حال حلفه؟ قيل: بل الصوّاب أن يستثني ولو بعد حِنثه في يمينه، فيقول: إن شاء الله، ليخرج بقيله ذلك ممّا ألزمه الله في ذلك بهذه الآية، فيسقط عنه الحرج بتركه ما أمره بقيله من ذلك ، فأمّا الكفّارة فلا تسقط عنه بحال، إلاّ أن يكون استثناؤه موصولا بيمينه.
فإن قال: فما وجه قول مَن قال له: ثُنْياه ولو بعد سنة، ومَن قال له ذلك ولو بعد شهر، وقول مَن قال ما دام في مجلسه؟ قيل: إنّ معناهم في ذلك نحو معنانا في أنّ ذلك له، ولو بعد عشر سنين، وأنّه باستثنائه وقيله إن شاء الله بعد حين من حال حلفه، يسقط عنه الحرج الذي لو لم يقله، كان له لازما، فأمّا الكفّارة، فله لازمة بالحِنْث بكلّ حال، إلاّ أن يكون استثناؤه كان موصولا بالحلف، وذلك أنا لا نعلم قائلا قال ممّن قال له الثُّنْيا بعد حين يزعم أن ذلك يضع عنه الكفّارة إذا حنِث، ففي ذلك أوضح الدليل على صحّة ما قلنا في ذلك، وأنّ معنى القول فيه، كان نحو معنانا فيه.
وقوله: (وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) يقول عز ذكره لنبيّه صلى الله عليه وسلم: قُلْ ولعل الله أن يهديني فيسدّدني لأسدَّ ممّا وعدتكم وأخبرتكم أنّه سيكون، إن هو شاء.
وقد قيل: إنّ ذلك ممّا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقوله إذا نسي الاستثناء في كلامه، الّذي هو عنده في أمر مستقبل مع قوله: إن شاء الله، إذا ذكر.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن محمد، رجل من أهل الكوفة، كان يفسر القرآن، وكان يجلس إليه يحيى بن عباد، قال: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) قال فقال: وإذا نسي الإنسان أن يقول: إن شاء الله، قال: فتوبته من ذلك، أو كفّارة ذلك أن يقول: (عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا). } انتهـ.
-------------------------
الهوامش :
(3) قوله "يرى: ذهب الكسائي هذا " هكذا جاءت هذه العبارة في الجزء الخامس عشر من النسخة المخطوطة رقم 100 الورقة 411 والعبارة غامضة ، ولعل فيها تحريفا. } انتهـ.




للاستماع إلى:

تفسير قوله تعالى: "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ" الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله





ذكر الله تعالى عند النسيان

لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

السؤال:

أحسن الله إليكم. السائل يقول: هل هناك بأس في أن يكثر الإنسان إذا نسي شيئاً أو ضاع منه شيءٌ، أن يكثر من ذكر الله على وجه غير مخصوص، كأن يقول: لا إله إلا الله، أستغفر الله، لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يقول بعد ذلك: عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا، وذلك اتّباعاً لما ورد في سورة الكهف في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً﴾. أم أنّ هذا الأمر خاص بالآية السابقة؟

الجواب:

الشيخ: إذا نسي الإنسان حاجة فإنّه يسأل الله تعالى أن يذكره بها فيقول: اللّهمّ ذكّرني ما نسيت، وعلّمني ما جهلت أو ما أشبه ذلك من الأشياء، وأمّا كون الذكر عند النسيان يوجب التّذكّر فهذا لا أدري عنه. نعم.

السؤال: والآية في سورة الكهف يا شيخ؟

الشيخ: الآية يحتمل معناها اذكر ربّك إذا نسيت لأنّ الله قال له: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً۞إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ يعني استثنِ بقولك: إلاّ أن يشاء الله، إذا نسيت أن تقولها عند قولك: إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا.

المصدر:

http://binothaimeen.net/content/12187


الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ولاتقولنّ.png‏
المشاهدات:	5946
الحجـــم:	308.0 كيلوبايت
الرقم:	7280   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	إلاّ أن يشاء الله.png‏
المشاهدات:	4849
الحجـــم:	64.2 كيلوبايت
الرقم:	7281   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	واذكر ربك إذا نسيت.png‏
المشاهدات:	7839
الحجـــم:	528.1 كيلوبايت
الرقم:	7282  
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 Dec 2019, 01:47 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي






وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم

سؤال طُرِح على فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، قالوا فيه:
ما مناسبة الآية في قوله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً).؟

فأجاب فضيلته حفظه الله:

بِسْمِ اللهِ الَّرَحْمَنِ الَّرَحِيم، والحَمدُ للهِ رَبِ الْعَالمِين وَصَلَّى اللَهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمد.
هذه الآية لها سبب نزول وهو: أنّ جماعةً من مشركي قريش جاءوا إلى النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخاطبهم ويطمع في إسلامهم وتقبّلهم لدعوة الإسلام، وفي أثناء ذلك جاء عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأعمى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يريد أن يسأل الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو يريد أن يجلس مع الرَسُول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليستفيد منه، فكأن النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعرض عنه، وأقبل على هؤلاء طمعًا في إسلامهم، فعاتبه اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وأنزل قوله -تَعَالَى-: (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى* أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى* فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى* وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى* فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى). فعاتب اللهُ تَعَالَى نبيّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا لم يقبل على ابن أم مكتوم وأقبل على هؤلاء طمعًا في إسلامهم، والله نهاه عن ذلك، وقال: (وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ)، وقال: في سورة الكهف: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) احبس نفسك (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) أمثال ابن أم مكتوم، (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ)، يعني: لاتصدّ عنهم.
فهذا فيه مدح أهل الإيمان وأنّهم يجب استقبالهم، والبشاشة معهم، أمَّا أهل الكفر، فأنّه لا ينشغل بهم المسلم ولا سيما ولي الأمر، لاينشغل بهم ويترك أهل الإيمان.

للاستماع



ويقول الشيخ السعدي في تفسير الآية: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)"

{يأمر تعالى نبيّه محمّدا صلى الله عليه وسلم، وغيره، أسوته في الأوامر والنّواهي -أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين (الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) أي: أوّل النّهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النّفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء، فإنّ في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى.
(وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك.
(تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فإنّ هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدّينية، فإنّ ذلك يوجب تعلّق القلب بالدّنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإنّ زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذّات والشّهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
(وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) أي: صار تبعًا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتّخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ) الآية. (وَكَانَ أَمْرُهُ) أي: مصالح دينه ودنياه (فُرُطًا) أي: ضائعة معطّلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأنّ طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنّه لا يدعو إلاّ لما هو متّصف به، ودلّت الآية، على أنّ الّذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للنّاس، مَن امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بـذكر الله، واتّبع مراضي ربّه، فقدّمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما مَنَّ الله به عليه، فحقيقٌ بذلك، أن يُتَّبع ويجعل إماما، والصّبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الّذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتمّ باقي الأقسام. وفي الآية، استحباب الذّكر والدّعاء والعبادة طرفي النهار، لأنّ الله مدحهم بفعله، وكلّ فعل مدح الله فاعله، دلّ ذلك على أنّ الله يحبّه، وإذا كان يحبّه فإنّه يأمر به، ويرغّب فيه.} انتهـ.



والتّفسير المفصّل للآية يقول فيه الإمام الطبري رحمه الله:
{القول في تأويل قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28))
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: (واصْبِرْ) يا محمد (نَفْسَكَ مَعَ) أصحابك ( الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) بذكرهم إيّاه بـالتّسبيح والتّحميد والتّهليل والدّعاء والأعمال الصالحة من الصلوات المفروضة وغيرها، (يُرِيدُونَ) بفعلهم ذلك (وَجْهَهُ) لا يريدون عرضا من عرض الدنيا.

وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في قوله (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) في سورة الأنعام، والصواب من القول في ذلك عندنا، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، والقرّاء على قراءة ذلك ( بالغَدَاةِ والعَشيّ ) ، وقد ذُكر عن عبد الله بن عامر وأبي عبد الرحمن السلمي أنّهما كانا يقرآنه (بالغَدَوةِ والعَشِيّ) ، وذلك قراءة عند أهل العلم بالعربية مكروهة، لأنّ غدوة معرّفة، ولا ألف ولا لام فيها، وإنّما يعرف بالألف واللام ما لم يكن معرفة ، فأمّا المعارف فلا تعرّف بهما، وبعد، فإنّ غدوة لا تضاف إلى شيء، وامتناعها من الإضافة دليل واضح على امتناع الألف واللام من الدخول عليها، لأنّ ما دخلته الألف واللام من الأسماء صلحت فيه الإضافة، وإنّما تقول العرب: أتيتك غداة الجمعة، ولا تقول: أتيتك غدوة الجمعة، والقراءة عندنا في ذلك ما عليه القرّاء في الأمصار لا نستجيز غيرها لإجماعها على ذلك، وللعلة التي بيَّنا من جهة العربية.

(وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) يقول جلّ ثناؤه لنبيّه صلى الله عليه وسلم: ولا تصرف عيناك عن هؤلاء الّذين أمرتك يا محمد أن تصبر نفسك معهم إلى غيرهم من الكفار، ولا تجاوزهم إليه ، وأصله من قولهم: عدوتُ ذلك، فأنا أَعْدُوه: إذا جاوزته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
-حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) قال: لا تجاوزهم إلى غيرهم.
-حدثني عليّ، قال: ثني عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) يقول: لا تتعدّهم إلى غيرهم.
-حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ)... الآية، قال: قال القوم للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إنا نستحيي أن نجالس فلانا وفلانا وفلانا، فجانبهم يا محمد، وجالس أشراف العرب، فنـزل القرآن (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) ولا تحقرهم، قال: قد أمروني بذلك، قال: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
-حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة بن زيد، عن أبي حازم، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف ، أنّ هذه الآية لمّا نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) فخرج يلتمس، فوجد قوما يذكرون الله، منهم ثائر الرأس، وجافّ الجلد، وذو الثوب الواحد، فلمّا رآهم جلس معهم، فقال: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لي فِي أُمَّتِي مَنْ أمرني أنْ أصبِرَ نَفْسي مَعَهُ" ورُفعت العينان بالفعل، وهو لا تعد.

وقوله: (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يقول تعالى ذكره لنبيّه صلى الله عليه وسلم: لا تعدُ عيناك عن هؤلاء المؤمنين الّذين يدعون ربّهم إلى أشراف المشركين، تبغي بمجالستهم الشرف والفخر ، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما ذكر قوم من عظماء أهل الشرك، وقال بعضهم: بل من عظماء قبائل العرب ممّن لا بصيرة لهم بالإسلام، فرأوه جالسا مع خباب وصهيب وبلال، فسألوه أن يقيمهم عنه إذا حضروا ، قالوا: فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله عليه: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ثم كان يقوم إذا أراد القيام، ويتركهم قعودا، فأنـزل الله عليه (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) الآيَةَ (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يريد زينة الحياة الدنيا: مجالسة أولئك العظماء الأشراف. وفد ذكرت الرواية بذلك فيما مضى قبل في سورة الأنعام.

-حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثني أبي، قال: ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي، وكان قارئ الأزد عن أبي الكنود، عن خباب في قصة ذكرها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ذكر فيها هذا الكلام مدرجا في الخبر (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) قال: تجالس الأشراف.

-حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرت أن عيينة بن حصن قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم: لقد آذاني ريح سلمان الفارسي، فاجعل لنا مجلسا منك لا يجامعوننا فيه، واجعل لهم مجلسا لا نجامعهم فيه، فنـزلت الآية.

-حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أنّه لمّا نـزلت هذه الآية قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتي مَنْ أُمرْتُ أنْ أصبِرَ نَفْسِي مَعَه".

-حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) قال: تريد أشراف الدنيا.

-حدثنا صالح بن مسمار، قال: ثنا الوليد بن عبد الملك، قال: سليمان بن عطاء، عن مسلمة بن عبد الله الجهنيّ، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن سلمان الفارسي، قال: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن، (1) والأقرع بن حابس وذووهم، فقالوا: يا نبيّ الله، إنك لو جلست في صدر المسجد، ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذرّ وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف، ولم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك، وأخذنا عنك ، فأنـزل الله : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) ، حتى بلغ (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا) يتهدّدهم بالنار ، فقام نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، فقال: "الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْني حتى أمَرَنِي أنْ أصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رِجالٍ منْ أُمَّتي، مَعَكُمُ المَحْيا وَمَعَكُمُ المَماتُ".

وقوله: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) يقول تعالى ذكره لنبيّه صلى الله عليه وسلم: ولا تطع يا محمد مَن شغلنا قلبه من الكفار الذين سألوك طرد الرهط الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ، عنك، عن ذكرنا، بالكفر وغلبة الشقاء عليه، واتّبع هواه، وترك اتّباع أمر الله ونهيه، وآثر هوى نفسه على طاعة ربّه، وهم فيما ذُكر: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس وذووهم.

-حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود ، عن خباب (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) قال: عُيينة، والأقرع.

وأمّا قوله: (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) فإنّ أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وكان أمره ضياعا.

* ذكر مَن قال ذلك:
-حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) قال ابن عمرو في حديثه قال: ضائعا. وقال الحارث في حديثه: ضياعا.
-حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: ضياعا.

وقال آخرون: بل معناه: وكان أمره ندما.
* ذكر مَن قال ذلك:
-حدثنا محمد بن المثني، قال: ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا عباد بن راشد، عن داود (فُرُطا) قال: ندامة.

وقال آخرون: بل معناه: هلاكا.
* ذكر مَن قال ذلك:
حدثني الحسين بن عمرو، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط ، عن السديّ، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود، عن خباب (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) قال: هلاكا.

وقال آخرون: بل معناه: خلافا للحق.
* ذكر مَن قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد : (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) قال: مخالفا للحقّ، ذلك الفُرُط.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول مَن قال: معناه: ضياعا وهلاكا، من قولهم: أفرط فلان في هذا الأمر إفراطا: إذا أسرف فيه وتجاوز قدره، وكذلك قوله (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) معناه: وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر، واحتقار أهل الإيمان، سرفا قد تجاوز حدّه، فَضَيَّع بذلك الحقّ وهلك.
وقد: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: قيل له: كيف قرأ عاصم؟ فقال (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) قال أبو كريب: قال أبو بكر: كان عُيينة بن حصن يفخر بقول أنا وأنا.
------------------------
الهوامش:
(1) في الأصل : عيينة بن بدر . والصواب : ابن حصن ، ولعله من سبق القلم . وقد ذكره صحيحا بعده بقليل .} انتهـ.



الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	وَاصْبِرْ نَفْسَكَ.png‏
المشاهدات:	3021
الحجـــم:	440.3 كيلوبايت
الرقم:	7637   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم.png‏
المشاهدات:	2912
الحجـــم:	31.2 كيلوبايت
الرقم:	7638  
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 Dec 2019, 01:18 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





في سورة الكهف، من الفوائد الشرعية، والدرر النّفيسة، ما تدفع الحازم إلى اقتنائها، والتدبّر فيما تحتويه، من منافع الدنيا والآخرة. وتتركّز تلك الجواهر في آيات بيّنات من السورة، ننقلها على مراحل إن شاء الله.

وفي هذه العجالة، أذكر فائدة شرعية في معنى المشيئة الإنسانيّة التي يقصد الله ذكرها، في آية، في توجيه عباده إلى الطّريق المستقيم، في أسلوب تحذيري تهديدي لمَن كانت نفسه، تحتاج إلى ردع وترهيب حتّى تنتقل من التّعنّت والصّدود إلى الخضوع والامتثال لأمره، ممَن وفّقهم، وعلم أنّهم أهلاً لذلك.

فالله ربّنا ذو الرّحمة الواسعة، بعد أن وجّه نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم إلى أفضل سلوك ينال به الإرشاد التّام والهداية الكاملة في صُحبة مَن يذكرون الله في كلّ حين، ولايقصدون في أعمالهم إلاّ الله، ولايلتفتون إلى زخارف الدنيا وملذاتها. وهم أفضل ما يُستعان بهم على مواصلة الدّعوة إلى الله، وأفضل ما يكون بهم الثّبات على هدى الله.
صُحبة تذكّر الصّاحب بالله، وتعينه على الدّعوة إلى الله، وعلى الصّبر على المشاق في سبيل الله، لهي الصّحبة التي يتشبّت بأذيالها، مَن يريد النّجاة، والعافية في هذه الحياة.

يقول ربّنا سبحانه بعد هذا التّوجيه القويم من الخبير العليم، مخاطبًا نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، آمرًا له أن يعلن دعوة الحقّ، لينظر مَن يخضع عن طواعية منه، ومَن يكابر ويردّ ما فيه نجاته من هول الموقف يوم يقوم النّاس للحساب.

قال تعالى:"وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(29)"




يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تفسير الآية:

{ قال الله عز وجل : ((وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ)) ((قُل)) الخطاب لِمَن؟ للرسول صلى الله عليه وسلم أي قُلْها معلناً ((الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ)) لا من غيره فلا تطلب الحق من طريق غير طريق الله عز وجل. لأنّ الحقّ من عند الله ((فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)) والأمر في قوله: ((وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)) للتّهديد وليس للإباحة وليس ... بل هو للتّهديد كما يهدد الإنسان غيره فيقول: افعل كذا أو إن كنت صادقاً فافعل ذلك، ويدلّ لذلك قوله: ((إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)) يعني مَن كفر فله النار قد أعدت وقوله : ((للظالمين)) المراد به الكافرين، والدليل على هذا قوله: ((فَلْيَكْفُرْ)) فإذا قال قائل: هل الكفر يسمّى ظلماً؟ الجواب: نعم، كما قال عز وجل: ((وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ))[البقرة:254]، ولا أحد أظلم ممّن جعل مع الله شريكاً وهو الذي خلقه وأمدّه وأعدّه، ((إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)) ((أَحَاطَ بِهِمْ)) أي بالنار، ((سُرَادِقُهَا)) ما حولها يعني أنّ النّار أحاطت بهم والعياذ بالله، لا يمكن أن يفرّوا عنها يميناً ولا شمالاً، ((وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ)) يعني أنّ أهل النار أعاذني الله وإيّاكم منها إذا عطشوا عطشاً شديداً وذلك بأكل الزقوم أو بغير ذلك أغيثوا بهذا الماء أغيثوا بماء كالمهل يقول : "كعكل الزيت" يعني تفله أو ما أشبه ذلك ممّا هو منظر كريه ولا تقبله النفوس كما قال الله تعالى: ((وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)) أي كالصديد ((يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ)) [إبراهيم:17].
((وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ)) أعوذ بالله إذا قرب منها شواها وتساقطت لأنّها تنهري والعياذ بالله من شدّة فيح هذا الماء، طيّب، وإذا وصل إلى أمعائهم قطعها كما قال جل وعلا: ((وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ))[محمد:15]، وما أعظم الوجع والألم فيما تقطع أمعاءهم من الداخل لكن مع ذلك تقطع وتعاد كالجلود ((كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا)) [النساء:56].
الله أكبر، سبحان القادر على كل شيء، وبلحظة يكون هذا الشيء متتابع، كلّما نضجت بدّلوا، كلّما تقطعت الأمعاء فإنّها توصل بسرعة، يقول عز وجل: ((بِئْسَ الشَّرَابُ)) هذا قدح في هذا الشراب، و ((بِئْسَ)) فعل ماضي لإنشاء الذم،بِئْسَ الشراب شرابهم والعياذ بالله، ((وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)) أي قبح مرتفقها والارتفاق بها، المرتفق: ما يرتفق به الإنسان من سكن، وقد يكون حسناً وقد يكون سيئاً، فالجنّة حسنت مرتفقا، والنّار ساءت مرتفقاً} انتهـ.

للتّحميل والاستماع



ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)"
{ أي: قُل للناس يا محمد: هو الحق من ربّكم أي: قد تبيّن الهدى من الضلال، والرشد من الغي، وصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاوة، وذلك بما بيّنه الله على لسان رسوله، فإذا بان واتّضح، ولم يبق فيه شبهة.

(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) أي: لم يبق إلاّ سلوك أحد الطريقين، بحسب توفيق العبد، وعدم توفيقه، وقد أعطاه الله مشيئة، بها يقدر على الإيمان والكفر، والخير والشر، فمَن آمن فقد وفّق للصواب، ومَن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكره على الإيمان، كما قال تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) وليس في قوله: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ الإذن في كلا الأمرين، وإنّما ذلك تهديد ووعيد، لِمَن اختار الكفر بعد البيان التّام، كما ليس فيها ترك قتال الكافرين. ثم ذكر تعالى مآل الفريقين فقال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ) بالكفر والفسوق والعصيان (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) أي: سورها المحيط بها، فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها، تصلاهم النار الحامية.

(وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) أي: يطلبوا الشراب، ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد.
(يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ) أي: كالرصاص المذاب، أو كعكر الزيت، من شدة حرارته.
(يَشْوِي الْوُجُوهَ) أي: فكيف بالأمعاء والبطون، كما قال تعالى (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21))
(بِئْسَ الشَّرَابُ) الذي يراد ليطفئ العطش، ويدفع بعض العذاب، فيكون زيادة في عذابهم، وشدة عقابهم.
(وَسَاءَتْ) النار (مُرْتَفَقًا) وهذا ذمّ لحالة النار، أنّها ساءت المحلّ، الذي يرتفق به، فإنّها ليست فيها ارتفاق، وإنّما فيها العذاب العظيم الشاق، الذي لا يفتر عنهم ساعة، وهم فيه مبلسون قد أيسوا من كل خير، ونسيهم الرحيم في العذاب، كما نسوه.



ويقول الإمام البغوي رحمه الله في تفسير الآية: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)"

(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ) أي ما ذكر من الإيمان والقرآن معناه: قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا : أيها الناس [قد جاءكم من ربّكم الحق] وإليه التوفيق والخذلان وبيده الهدى والضلال ليس إلي من ذلك شيء .

(فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) هذا على طريق التهديد والوعيد كقوله : "اعملوا ما شئتم" ( فصلت - 40 ) .

وقيل معنى الآية: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ) ولست بطارد المؤمنين لهواكم فإن شئتم فآمنوا وإن شئتم فاكفروا، فإن كفرتم فقد أعدّ لكم ربّكم نارا أحاط بكم سرادقها، وإن آمنتم فلكم ما وصف الله عز وجل لأهل طاعته.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية : مَن شاء الله له الإيمان آمن ومَن شاء له الكفر كفر وهو قوله : "وما تشاءون إلا أن يشاء الله" ( الإنسان - 30 ) .

(إِنَّا أَعْتَدْنَا) أعددنا وهيأنا من الإعداد وهو العدة (لِلظَّالِمِينَ) للكافرين (نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) " السرادق " : الحجرة التي تطيف بالفساطيط .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنبأنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد حدثني عمرو بن الحارث عن دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنّه قال: " سرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار مثل مسيرة أربعين سنة " .
قال ابن عباس : هو حائط من نار .
وقال الكلبي : هو عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار كالحظيرة .
وقيل : هو دخان يحيط بالكفار وهو الذي ذكره الله تعالى: "انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب" ( المرسلات - 30 ).

(وَإِن يَسْتَغِيثُوا) من شدة العطش (يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ)
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال حدثنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد حدثنا عمرو بن الحارث عن دراج بن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " (بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ) قال كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه " .
وقال ابن عباس : هو ماء غليظ مثل دردي الزيت .
وقال مجاهد : هو القيح والدم .
وسئل ابن مسعود عن : "المُهْل" فدعا بذهب وفضة فأوقد عليهما النار حتى ذابا ثم قال : هذا أشبه شيء بالمهل .
(يَشْوِي الْوُجُوهَ) ينضج الوجوه من حره .
(بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ) النار (مُرْتَفَقًا) قال ابن عباس : منزلا وقال مجاهد : مجتمعا وقال عطاء : مقرا . وقال القتيبي : مجلسا . وأصل "المرتفق" : المتّكأ .

-----------------------------
تعليق وانتقاء التفسيرات: أم وحيد بهية صابرين غفر الله لها ولوالديها ولجميع المسلمين





الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	من شاء فليؤمن.png‏
المشاهدات:	2955
الحجـــم:	97.8 كيلوبايت
الرقم:	7662   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	عسى ربكم.png‏
المشاهدات:	2504
الحجـــم:	104.4 كيلوبايت
الرقم:	7663   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	من كان يريد العاجلة.png‏
المشاهدات:	2460
الحجـــم:	102.0 كيلوبايت
الرقم:	7664  
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 Jan 2020, 12:52 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي



بسم الله الرّحمن الرّحيم



بارك الله في كلّ مَن تابع موضوعي هذا، وأسأل الله أن يفقّهنا في الدّين، وأن يعلّمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا وأن يزيدَنا علمَا.

نعود، في هذه المشاركة، إلى الوراء، وإلى بداية سورة الكهف، تركيزًا على آية مهمّة في الدّعوة إلى الله، والتي يحتاج صاحبها إلى صبر وحلم وأناة، يدعّمها، سؤال الله الثّبات.

قال الله تعالى:"فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا".

قال الشيخ السّعدي رحمه الله في تفسير الآية:

ولمّا كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية الخلق، ساعيًا في ذلك أعظم السّعي، فكان صلى الله عليه وسلم يفرح ويسرّ بهداية المهتدين، ويحزن ويأسف على المكذبين الضالين، شفقةً منه صلى الله عليه وسلم عليهم، ورحمة بهم، أرشده الله أن لا يشغل نفسه بالأسف على هؤلاء، الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، كما قال في الآية الأخرى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وقال: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) وهنا قال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) أي: مهلكها، غَمًّا وأسفًا عليهم، وذلك أنّ أجرك قد وجب على الله، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم، ولكنّه علم أنّهم لا يصلحون إلاّ للنّار، فلذلك خذلهم، فلم يهتدوا، فإشغالك نفسك غمًّا وأسفًا عليهم، ليس فيه فائدة لك.

وفي هذه الآية ونحوها عِبْرَة، فإنّ المأمور بدعاء الخلق إلى الله، عليه التّبليغ والسّعي بكلّ سبب يوصل إلى الهداية، وسدّ طُرُق الضلال والغواية، بغاية ما يمكنه، مع التّوكل على الله في ذلك، فإن اهتدوا فَبِهَا ونِعْمَتْ، وإلاّ فلا يحزن ولا يأسف، فإنّ ذلك مضعف للنفس، هادم للقوى، ليس فيه فائدة، بل يمضي على فعله الّذي كلّف به وتوجّه إليه، وما عدا ذلك، فهو خارج عن قدرته، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) وموسى عليه السلام يقول: (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي) الآية، فمَن عداهم من باب أولى وأحرى، قال تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) } انتهـ.



ولأنّ من شمائل نبيّنا محمّد، صلى الله عليه وسلم، وصفاته الحميدة: الرّحمة والشّفقة، والحلم والصّبر والأناة، كان يحرص أشدّ الحرص على هداية النّاس إلى الطريق القويم. وكلّ مَن كان في قلبه ذرّة من الرحمة والشفقة من المسلمين، يستنّ بـخصال النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويسير على أثرها، ولايسعه إلاّ ذلك، تعبُّدًا لله بمتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس أيضًا إلاّ لأنّه يحمل نفس المشاعر النّبيلة، التي بها، على أدقّ معاني النّفع والبذل والتّضحية، تتدفّق الخيرات في رحمات على أهل الطّاعات.

وبمناسبة هذه الآية، يسعدني أن أدرج دُرّة نفيسة من مقالات مشايخ الإصلاح حفظهم الله ورعاهم، وعنوانها: "القلب الرّحيم" لشيخنا الفاضل عمر الحاج مسعود له من الله الحفظ والثّبات على السُّنَّة إلى الممات.

يقول في مقتطف من المقال:

{ إنَّ كلمةَ الرَّحمة تحمل معانيَ الرَّأفة والشَّفقة والرِّقَّة والحنان والبِرِّ والإحسان، والدَّعوةِ والتَّعليمِ والنُّصحِ وبذلِ المعروف، وكفِّ الأذى والبعدِ عن الشَّرِّ والسَّلامةِ من القسوة والفظاظة والأنانيَّة والغشِّ والخيانة.

وتحقيقًا لهذا أرسل الله ـ عزَّ وجلَّ ـ الأنبياءَ والمرسلين رحمةً للنَّاس، ينصحون لهم ويقيمون الحجَّةَ عليهم، لذا كانوا يخاطبون أقوامَهم بقولهم ﴿يَا قَوْمِ﴾، فيرحمونهم بدعوتهم إلى توحيدِ الله وعبادتِه وحدَه لا شريكَ له، وبحرصِهم على إنقاذِهم من الشِّرك والضَّلال، والخوفِ عليهم من عذاب الدُّنيا وخزيِ الآخرة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ الله مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم﴾[الأعراف:59]، وقال: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير﴾[هود:3]، وقال إبراهيم عليه السلام لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾[مريم:45]، وقال مؤمن آل فرعون المشفق على قومه: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَاب * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَاد * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَاد * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَاد﴾[غافر:30-33].

وكان لنبينا ﷺ في ذلك القدْحُ المُعلَّى والنَّصيبُ الأوفى، فلقد عمَّتْ رحمتُه جميعَ النَّاس؛ مؤمنِهم وكافرِهم، وغمَرت كبيرَهم وصغيرَهم، وشمِلَت بلادَهم وبهائمَهم، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم﴾[التوبة:128]، قال قتادة رحمه الله: «حَرِيصٌ عَلَى ضالِّهِم أَنْ يَهْدِيَهُ الله» رواه الطبري في «تفسيره» (12 /99)، وقال السِّعدي في «تفسيره» (256): «﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ فيحبُّ لكم الخيرَ، ويسعى جهدَه في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتِكم إلى الإيمان، ويكرَه لكم الشَّرَّ، ويسعى جهدَه في تنفيرِكم عنه، ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم﴾ أي: شديد الرَّأفة والرَّحمة بهم، أرحم بهم من والديهم».

فهو ﷺ أَوْلى بالمؤمنين من أَنفُسِهم، لِمَا بذله لهم من التَّعليم والنَّصيحة، ولِمَا حاطهم به من الشَّفقة والرَّأفة، قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾[الأحزاب:6]، وفي حَرْفِ أُبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ: «وَهُوَ أَبٌ لَهُم»(1) أي دينًا، وروى أحمد (7409) وأبو داود (8) وحسَّنه الألباني أنَّ رَسُولَ الله ﷺ قال: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الوَالِدِ أُعَلِّمُكُم»،بمنزلة الوالد أي: في الشَّفقةِ والحنُوِّ والاعتناءِ بمصالحكم، فهو أَرحم بأمَّتِه وأرأَفُ من الوالِدِ العَطوفِ الشَّفيقِ بِأَوْلَادِهِ، وفي صحيح مسلم (202) من حديث عبدالله ابنِ عمرو بن العاص أنَّ النَّبيَّ ﷺ تلا قولَ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ في إبراهيم: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾[إبراهيم:36]، وقال عيسى عليه السلام: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم﴾[المائدة:118]، فرفع يَدَيْه وقال: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وبكى ... فقال الله: يا جِبْرِيل اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ ولَا نَسُوءُكَ».

وروى البخاري (3232) ومسلم (1795) عن عائشة رضي الله عنها فيما لقِيَه رَسُول الله ﷺ أوَّلَ الدَّعوة من إعراض قومِه وصدِّهم، فبَعَثَ الله إِلَيْه مَلَكَ الجِبَالِ فقَال: «...وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِم الأَخْشَبَيْنِ» فقال له رسولُ الله ﷺ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، فكان يحبُّ اهتداءَ الكفَّار ويفرح بتوبتِهم، ويُحزِنُه كفرُهم ويغمُّه شركُهم، قال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾[الكهف:6].

وهذا خُلُقُ إخوانِه الأنبياء عليهم السلام، قَالَ عَبْدُ الله بنُ مسعود رضي الله عنه:«كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُون»، رواه البخاري (3477) ومسلم (1792)، قال النَّووي رحمه الله في شرح مسلم (12 /150): «فيه ما كانوا عليه ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ من الحلمِ والتَّصبُّرِ والعفوِ والشَّفقةِ على قومِهم، ودُعائهم لهم بالهدايةِ والغفرانِ، وعذرِهم في جِنايتِهم على أنفسِهم بأنَّهم لا يعلمون، وهذا النَّبيُّ المُشارُ إليه من المتقدِّمين، وقد جرى لنبيِّنا ﷺ مثلُ هَذَا يومَ أُحُدٍ»، يشير إلى ما رواه ابنُ حِبَّان (973)، والطَّبراني في «الكبير (5694) وإسنادُه حسن [«الصَّحيحة» (7 /531)] عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدي قال: قال رسولُ الله ﷺ يَومَ أُحُدٍ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»(2).} انتهـ المقصود من النّقل.

https://www.rayatalislah.com/index.p...m/5382-10-1439

اللّهمّ ارزقنا الرّحمة، والحلم والصبر والشّفقة، والحرص على هداية خلقك إلى طريقك القويم. واهدنا واهدِ بنا واجعلنا هداة مهتدين على صراط مستقيم.


تعليق وانتقاء الفوائد من: أم وحيد بهية صابرين غفر الله لها ولوالديها ولجميع المسلمين


الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	فلعلك باخع نفسك.png‏
المشاهدات:	3315
الحجـــم:	322.3 كيلوبايت
الرقم:	7715   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	لسنا مكلفين أن نهدي الناس.png‏
المشاهدات:	2841
الحجـــم:	497.6 كيلوبايت
الرقم:	7716  
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07 Feb 2020, 02:58 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





قال الله تعالى : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا الآية 7 من سورة الكهف

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآ]ية:

{ (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7))
يخبر تعالى: أنّه جعل جميع ما على وجه الأرض، من مآكل لذيذة، ومشارب، ومساكن طيبة، وأشجار، وأنهار، وزروع، وثمار، ومناظر بهيجة، ورياض أنيقة، وأصوات شجية، وصور مليحة، وذهب وفضة، وخيل وإبل ونحوها، الجميع جعله الله زينة لهذه الدار، فتنة واختبارا. ( لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) أي: أخلصه وأصوبه، ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات، فانية مضمحلة، وزائلة منقضية.} انتهـ.

ويقول الإمام البغوي رحمه الله:

{ (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا) فإن قيل : أيّ زينة في الحيات والعقارب والشياطين؟

قيل : فيها زينة على معنى أنّها تدلّ على وحدانيّة الله تعالى .

وقال مجاهد : أراد به الرّجال خاصّة وهم زينة الأرض . وقيل : أراد بهم العلماء والصلحاء وقيل : الزينة بـالنبات والأشجار والأنهار كما قال : "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ" ( يونس - 24 ) .
(لِنَبْلُوَهُمْ) لنختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) أي : أصلح عملا . وقيل : أَيُّهُم أترك للدّنيا .



تفسير فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

(( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا )) أيضاً إذا رأيت في القرآن تجد أنّ الله تعالى يقدّم الشّرع على الخلق ، (( الرّحمن * علّم القرآن * خلق الإنسان ))

وتأمّل الآيات في هذا المعنى تجد أنّ الله يبدأ بـالشّرع قبل ذكر الخلق لأنّ المخلوقات إنّما سُخِّـرت للقيام بطاعة الله عزّ وجل ، قال الله تبارك وتعالى : ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) [الذاريات:56]،
وقال: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا"، إذاً المهم هو القيام بطاعة الله ، تأمّل هذه النكتة حتى يتبيّن لك أنّ خلق الدنيا وإيجاد الدنيا إنّما هو للقيام بطاعة الله عز وجل ،

طيب، يقول: "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا"، {جَعَلْنَا}، بمعنى: صَيَّرنا، وجعل تأتي بمعنى: خلق وبمعنى صيَّر، فإن تعدَّت مفعولا واحدا فإنّها بمعنى "خلق"، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)، (جعل) يعني خلق، وإن تعدَّت لمفعولين فهي بمعنى صَيَّر، مثل قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً)، أي صيَّرناه بلغة العرب، وإنّما نبَّهتُ على ذلك، لأنّ الجهمية يقولون: إنَّ الجعلَ بمعنى الخلق في جميع المواضع، ويقولون: معنى: {جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّا} : أي خلقناه، ولكن هؤلاء قوم عجم ما فهموا اللغة العربية، (جَعَل) إن تعدّت لمفعولٍ واحد، فهي بمعنى (خلق)، ولمفعولين (صيّر).

طيب قال: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا) هنا (جَعَل) بمعنى (خَلَق) أو بمعنى(صَيَّر)؟ فالمفعول الأول "مَا" والمفعول الثاني "زِينَةً لهاما على الأرض جعله الله زينةً للأرض وذلك لاختبار النّاس. هل يتعلقون بهذه الزينة أم يتعلّقون بالخالق؟
الناس ينقسمون إلى قسمين: منهم مَن يتعلّق بالزّينة ومنهم مَن يتعلّق بالخالق، واسمع إلى قوله تعالى مبيناً هذا الأمر:
((..فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا...)) إلى أين؟ إلى المكان العالي ، ((وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ..)) وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ، واطمأنّ إليها، ((وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)).
إذاً جعل الله الزّينة لاختبار العباد، وسَواءٌ، أكانت هذه الزّينة فيما خلقه الله عز وجل وأوجده، أو ممّا صنعه الآدمي، فـالقصور الفخمة المزخرفة زينة ولا شك، ولكنّها من صنع الآدمي، والأرض بجبالها وأنهارها ونباتها وإذا أنزل الله الماء عليها اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، هذه زينة من عند الله تعالى.

{زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }: أي نختبرهم.

{ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } الضمير يعود للخلق، وتأمّل قوله تعالى: {ْ أَحْسَنُ عَمَلاً } ولم يقل: "أكثر عملاً"؛ لأنّ العبرة بالأحسن لا بالأكثر ، وعلى هذا لو صلّى الإنسان أربع ركعات لكنْ على يقين ضعيف أو على إخلال باتّباع الشّرع، وصلّى آخر ركعتين بيقين قوي ومتابعةٍ قوية فأيّهما أحسن؟ الثاني، الثاني أحسن وأفضل، لأنّ العبرة بإحسان العمل وإتقانه إخلاصاً ومتابعة.

في بعض العبادات: الأفضل التّخفيف كركعتي الفجر مثلاً، لو قال إنسان: أنا أحب أن أطيل فيها، أطيل في قراءة القرآن وفي الركوع والسجود والقيام والقعود، وآخر قال: أنا أريد أن أخفف، أيّهما أفضل؟ الثاني أفضل،

ولهذا ينبغي علينا، إذا رأينا عامِّيَّاً يطيل في ركعتي الفجر أن نسأله: "هل هاتان الركعتان ركعتا الفجر أو تحية المسجد؟". فإن كانت تحية المسجد،فشأنه، وإن كانت ركعتي الفجر قلنا: لا، الأفضل أن تخفّف،

وفي الصيام رخَّص النبيّ صلى الله عليه وسلم لأمّته أن يواصلوا إلى السَّحَر، وندبهم إلى أن يفطروا من حين غروب الشمس، فصام رجلان أحدهما امتد صومه إلى السحور والثاني أفطر من حين غابت الشمس، فأيّهما أفضل؟ الثاني بلا شك، والأول وإن كان لا يُنهى عنه لكنّه جائز وليس مشروع، فانتبه لهذا { أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } ولذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم يفعل من العبادات ما كان أحسن: يحث على اتّباع الجنائز، وتمر به الجنائز ولا يتبعها، يحث على أن يصوم يوماً ويفطر يوماً ومع ذلك هو يصوم يوماً ويفطر يوماً ، بل كان أحيانا يطيل الصوم حتى يقال : لا يفطر، وبالعكس ، كل هذا يدفع ما كان أرضى لله عز وجل وأصلح لقلبه ، (( لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ))

لتحميل الصوتية والحفظ



الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	إنا جعلنا ما على الأرض زينة.png‏
المشاهدات:	2767
الحجـــم:	268.8 كيلوبايت
الرقم:	7753   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ولقد يسرنا القرآن للذكر.jpg‏
المشاهدات:	2284
الحجـــم:	40.0 كيلوبايت
الرقم:	7754   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	مثل الحياة الدنيا.png‏
المشاهدات:	2662
الحجـــم:	328.0 كيلوبايت
الرقم:	7755  
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06 Mar 2020, 12:44 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





وقفة نافعة ومفيدة على آية من آيات الله بتفسير من التّفسيرات الرّشيدة،
لشيخنا الجليل عبدالرحمن السعدي رحمه الله.

قال الله تعالى: "وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)"

ويفسّرها العلاّمة الشيخ السعدي رحمه الله بأوجز مقال، وأنفعه، في عِبرة يقف عليها القارىء، يتدبّر فيها أحواله، ويتفكّر في كيف يصيّر ما يتحصّل عليه من قراءة للقرآن وعلومه، إلى أعمال يتقرّب بها إلى مَن وفّقه إلى كلّ خير ينال به رضاه والجنّة. أسأل الله أن نكون منهم!!

يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)"

{ وستعود الأرض صعيدا جرزا، قد ذهبت لذّاتها، وانقطعت أنهارها، واندرست أثارها، وزال نعيمها، هذه حقيقة الدنيا، قد جلاّها الله لنا كأنّها رأي عين، وحذّرنا من الاغترار بها، ورغّبنا في دار يدوم نعيمها، ويسعد مقيمها، كلّ ذلك رحمة بنا، فاغترّ بزخرف الدّنيا وزينتها، مَن نظر إلى ظاهر الدنيا، دون باطنها، فصحبوا الدنيا صحبة البهائم، وتمتّعوا بها تمتّع السوائم، لا ينظرون في حقّ ربّهم، ولا يهتمّون لمعرفته، بل همّهم تناول الشهوات، من أيّ وجه حصلت، وعلى أيّ حالة اتفقت، فهؤلاء إذا حضر أحدهم الموت، قلق لخراب ذاته، وفوات لذّاته، لا لما قدّمت يداه من التّفريط والسيّئات.

وأمّا مَن نظر إلى باطن الدنيا، وعلم المقصود منها ومنه، فإنّه يتناول منها ما يستعين به على ما خُلِق له، وانتهز الفرصة في عمره الشريف، فجعل الدنيا منزل عبور، لا محلّ حبور، وشقّة سفر، لا منزل إقامة، فبذل جهده في معرفة ربّه، وتنفيذ أوامره، وإحسان العمل، فهذا بـأحسن المنازل عند الله، وهو حقيق منه بكل كرامة ونعيم، وسرور وتكريم، فنظر إلى باطن الدنيا، حين نظر المغترّ إلى ظاهرها، وعمل لآخرته، حين عمل البطّال لدنياه، فشتّان ما بين الفريقين، وما أبعد الفرق بين الطائفتين"} انتهـ.



وفسّر الامام ابن كثير رحمه الله الآية: "وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)"

{ ثم أخبر تعالى بـزوالها وفنائها، وفراغها وانقضائها، وذهابها وخرابها، فقال: (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا) أي : وإنّا لمصيّروها بعد الزّينة إلى الخراب والدّمار، فنجعل كلّ شيء عليها هالكا (صعيدا جرزا) : لا ينبت ولا ينتفع به، كما قال العوفي، عن ابن عباس في قوله تعالى (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا) يقول : يهلك كل شيء عليها ويبيد. وقال مجاهد: (صعيدا جرزا) بلقعا.

وقال قتادة: الصعيد: الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات .

وقال ابن زيد: الصعيد: الأرض التي ليس فيها شيء، ألا ترى إلى قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) [ السجدة : 27 ].

وقال محمد بن إسحاق: (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا) يعني الأرض، إن ما عليها لفان وبائد، وإنّ المرجع لإلى الله فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى.} انتهـ.





الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	إِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا.png‏
المشاهدات:	2392
الحجـــم:	436.2 كيلوبايت
الرقم:	7811   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا.png‏
المشاهدات:	3200
الحجـــم:	237.2 كيلوبايت
الرقم:	7812   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	نظرت إلى الخلق.png‏
المشاهدات:	2438
الحجـــم:	1.20 ميجابايت
الرقم:	7813  
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 03 Apr 2020, 12:51 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





سنواصل اليوم، بإذن الله، إضافة فوائد ومنافع من سورة الكهف، يتزوّد بها المرء عقيدةً متينة، ليوم تشخص فيه الأبصار، يتعرّف بهذه العقيدة على قدرة الله، الذي لايعجزه شيء في الأرض ولا في السّماء. وأنّ العبد إذا عرف ذلك أذعن إليه خضوع توحيد له في العمل والعبادة، ولا ريب في أنّ حياته كلّها لله.

قال الله تعالى في سورة الكهف:

"أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)"

يقول الإمام الطبري رحمه الله، في تفسير الآية على وجه الإيجاز:

{ القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، فإنّ ما خلقت من السماوات والأرض، وما فيهنّ من العجائب أعجب من أمر أصحاب الكهف، وحجّتي بكلّ ذلك ثابتة على هؤلاء المشركين من قومك، وغيرهم من سائر عبادي.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل......} انتهـ المقصود.

ويفسّر الشيخ السعدي رحمه الله، بأبسط الألفاظ، وأوجزها، وبراعة التّعبير، الآية:

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا.

{ وهذا الاستفهام بمعنى النّفي، والنّهي. أي: لا تظنّ أنّ قصّة أصحاب الكهف، وما جرى لهم، غريبة على آيات الله، وبديعة في حكمته، وأنّه لا نظير لها، ولا مجانس لها، بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة ما هو كثير، من جنس آياته في أصحاب الكهف وأعظم منها، فلم يزل الله يُري عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، ما يتبيّن به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وليس المراد بهذا النّفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب، بل هي من آيات الله العجيبة، وإنّما المراد، أنّ جنسها كثير جدا، فالوقوف معها وحدها، في مقام العجب والاستغراب، نقص في العلم والعقل، بل وظيفة المؤمن: التّفكّر بجميع آيات الله، التي دعا الله العباد إلى التّفكير فيها، فإنّها مفتاح الإيمان، وطريق العلم والإيقان.
وأضافهم إلى الكهف، الذي هو الغار في الجبل، الرقيم، أي: الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم، لملازمتهم له دهرا طويلا.} انتهـ.



وعلى هذه التفسيرات القيّمة للآية، نعرّج إلى معرفة مَن هم أصحاب الكهف، وما الفرق بينهم وبين أصحاب الصخرة؟

سؤال طُرح على الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله:

ما هو القول الصحيح في عدد أهل الكهف؟ وهل هم أصحاب الصخرة؟ أم أنّهم غيرهم؟ فإن كان كذلك فمَن هم إذن أصحاب الصخرة وما هي قصّتهم؟

فأجاب رحمه الله:

أهل الكهف بيّنهم الله في كتابه العظيم، والأقرب ما قاله جماعة من أهل العلم: أنّهم سبعة وثامنهم كلبهم، هذا هو الأقرب والأظهر، وهم أناس مؤمنون، فتية آمنوا بربّهم وزادهم الله هدى، فلمّا أيقظهم الله بعد أن ناموا المدة الطويلة، توفّاهم الله بعد ذلك على دينهم الحق، هؤلاء هم أهل الكهف كما بيّنهم الله في كتابه الكريم، فتية آمنوا بربّهم فزادهم الله هدى، وناموا النومة الطويلة بإذن الله، ثم ماتوا بعد ذلك، وبنى عليهم بعض أهل الغلبة هناك من الأمراء والرؤساء مسجدًا، وقد أخطأوا وغلطوا في ذلك، لأنّ القبور لا يجوز أن تبنى عليها المساجد، وقد نهى رسول الله ﷺ عن ذلك ولعن مَن فعله فقال: "لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وحذّر من البناء على القبور، وتجصيصها، واتّخاذ المساجد عليها، كلّ هذا نهى عنه النبي ﷺ ولعن من فعله.

فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور مساجد ولا قبابا ولا غير ذلك، بل تكون القبور ضاحية مكشوفة غير مرفوعة، ليس عليها بناء، لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك، هكذا كانت قبور المسلمين في عهد النبي ﷺ وفي عهد الخلفاء الراشدين، حتى غير الناس بعد ذلك وبنوا على القبور، وهذا من الجهل والغلط ومن وسائل الشّـِرْك، قال النبي ﷺ: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا.

وقال عليه الصلاة والسلام لمّا أخبرته أم حبيبة وأم سلمة أنّ في أرض الحبشة عدّة كنائس فيها تصاوير قال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور" ثم قال: "أولئك شرار الخلق عند الله" متفق على صحته، فأخبر أنّهم شرار الخلق بسبب بنائهم على القبور واتّخاذهم الصور عليها، أسأل الله السلامة.

وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه جندب بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: "إنّ الله قد اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمّتي خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا، ألا وإنّ مَن كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد فإنّي أنهاكم عن ذلك" أخرجه مسلم في صحيحه، فنهى ﷺ في هذا الحديث العظيم عن اتّخاذ القبور مساجد وحذّر من هذا، وبيّن أنّه عمل مَن كان قبلنا من المغضوب عليهم والضّالين، وهو عمل مذموم، وما ذاك إلاّ لأنّه من وسائل الشّـِرْك والغُلُوّ في الأنبياء والصالحين، فلا يجوز للمسلمين أن يتّخذوا قبابا ولا مساجد على قبور أمواتهم، بل هذا منكر ومن وسائل الشّـِرْك.

وهكذا لا يجوز تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها، لما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ نهى عن ذلك، كما نهى رسول الله ﷺ عن الكتابة عليها أو إسراجها، في أحاديث أخرى، وكل ذلك من باب سد الذرائع المفضية إلى الشّـِرْك والغُلُوّ، والله المستعان، ولما في القعود عليها من الإهانة لأهلها.

أما أصحاب الصخرة، فكما جاء في الحديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنّه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: { انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى آووا المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنّه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلاّ أن تدعو الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللّهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي في طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنّا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج. قال النبي ﷺ: وقال الآخر: اللّهم كانت لي بنت عمّ كانت أحبّ الناس إليّ، فأردتها عن نفسها فامتنعت منّي حتّى ألمّت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحلّ لك أن تفضّ الخاتم إلاّ بحقّه، فتحرّجتُ من الوقوع عليها فانصرفتُ عنها وهي أحبّ الناس إليّ، وتركتُ الذّهب الذي أعطيتها، اللّهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنّا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، غير أنّهم لا يستطيعون الخروج منها. قال النبي ﷺ: قال الثالث: اللّهم إنّي استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرتُ أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله، أَدِّ إليّ أجري، فقلت له: كلّ ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزىء بي، قلت إنّي لا أستهزئ بك، فأخذه كلّه، فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللّهم فإن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون.}

في هذا الحديث موعظة وذكرى ودلالة على أنّ الله سبحانه على كل شيء قدير، وأنّه سبحانه يبتلي عباده في السرّاء والضرّاء والشدّة والرّخاء ليمتحن صبرهم وشكرهم ويبيّن آياته لعباده وقدرته العظيمة، وهذا حديث صحيح، رواه مسلم والبخاري في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ، وفيه:

- عبرة وإرشاد إلى الضّراعة إلى الله وإلى سؤاله عند الكرب والشدّة، وأنّه سبحانه قريب مجيب يسمع دعاء الداعي ويجيب دعوته إذا شاء عزّوجلّ،

- وفيه دلالة على أنّ الأعمال الصّالحات من أسباب تيسير الأمور وإزالة الشدائد وتفريج الكروب،

- وفيه دليل على أنّه ينبغي للمؤمن إذا وقع في الشدّة أن يضرع إلى الله ويفزع إليه ويسأله ويتوسّل بأعماله الصالحة، كإيمانه بالله ورسوله وتوحيده وإخلاص العبادة له، وكبر الوالدين وأداء الأمانة والعفة عن الفواحش.

هذه وأمثالها هي الأسباب والوسائل الشرعية، والله سبحانه من فضله وإحسانه يجيب دعوة المضطر، ويرحم عبده المؤمن ويجيب سؤاله، كما قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]، وقال سبحانه: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60] وقال سبحانه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل:62] وهؤلاء الثلاثة مضطرّون، نزل بهم أمر عظيم وكربة شديدة، فسألوا الله بصالح الأعمال، فأجاب الله دعاءهم وفرج كربتهم.

وفيه من الفوائد:

-بيان فضل بر الوالدين، وهو من أفضل القربات ومن أسباب تيسير الأمور،

-وهكذا العفة عن الزنا والحذر منه من جملة الأعمال الصالحات ومن أسباب النجاة من كلّ سوء،

-وهكذا أداء الأمانة والنصح فيها من أعظم الأسباب في تيسير الكروب ومن أفضل الأعمال الصالحات،

ولعظم فائدة هذا الحديث أخبر النبي ﷺ به أمّته ليستفيدوا ويعتبروا، ويتأسّوا بمَن قبلهم في الأعمال الصالحة. والله المستعان[1].
-------------------------------------------------------
1- ضمن أسئلة برنامج (نور على الدرب) بالإذاعة. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 6/255)

المصدر




الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أم حسبت أنّ أصحاب الكهف.png‏
المشاهدات:	2975
الحجـــم:	262.6 كيلوبايت
الرقم:	7887   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	من أسرار السعادة.png‏
المشاهدات:	2399
الحجـــم:	1.12 ميجابايت
الرقم:	7888   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	إقبال القلوب على الله في الشدّة.png‏
المشاهدات:	2967
الحجـــم:	186.7 كيلوبايت
الرقم:	7889  
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 17 Apr 2020, 02:38 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي







هذه، سورة الكهف، بما فيها من عِبرٍ وعِظات، يعلّمنا الله سبحانه، من خلالها، ماهي الغاية من خلقنا، وما هي الوسائل التي تعيننا على تحقيق هذه الغاية، بـالطّريق الذي يرضيه عنّا. والغاية من الخلق أن نعبد الله ولانشرك به شيئا.

وما أصحاب الكهف إلاّ قرينة قويّة ودليل ساطع على ما يريده الله من عباده، في توحيدٍ له يقطع على الإنسان، كلّ طمعٍ في غيره، يتعلّق به للحصول على مبتغاه وسعادته في الدّنيا والآخرة.

يقول الله عزّوجلّ، في سورة الكهف، قولاً، يذكّر به نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، على أن يتّخذ كتاب الله دستوره في الحياة، يتلوه آناء اللّيل وأطراف النّهار، بتدبّرٍ يحصل به على المقصود، من إتقان العمل به والدّعوة إليه بما يقرّبه إلى رضاه والجنّة، ويبعده عن سخطه والنّار.

يقول الله تعالى: "وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)"



وقد فسّر الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله هذه الآية بأبسط المعاني وأوجز الألفاظ التي توصل القارىء إلى المعنى الحقيقي للآية، والغاية من قوله سبحانه، حيث قال الشيخ رحمه الله:

{ التّلاوة: هي الاتّباع، أي: اتّبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره ونواهيه، فإنّه الكتاب الجليل، الذي لا مبدّل لكلماته، أي: لا تُغَيّر ولا تُبّدل لصدقها وعدلها، وبلوغها من الحسن فوق كلّ غاية (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا)، فَلِتَمَامِها، استحال عليها التّغيير والتّبديل، فلو كانت ناقصة، لعرض لها ذلك أو شيء منه، وفي هذا: تعظيم للقرآن، في ضمنه: التّرغيب على الإقبال عليه.

(وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) أي: لن تجد من دون ربّك، ملجأ تلجأ إليه، ولا معاذا تعوذ به، فإذا تعيّن أنّه وحده الملجأ في كلّ الأمور، تعيّن أن يكون هو المألوه المرغوب إليه، في السرّاء والضرّاء، المفتقر إليه في جميع الأحوال، المسئول في جميع المطالب.} انتهـ.

ولهذا شرع لنا عند النّوم، لاستحضار عظمة الله سبحانه وتوحيده وإظهار الافتقار إليه سبحانه، دعاء عظيم أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نردّده كلّ يوم ، والحديث هكذا:

عنِ البرَاءِ بنِ عازِبٍ، رَضِيَ اللَّه عنْهمَا، قَالَ: قَالَ لي رسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَتَيتَ مَضْجَعَكَ فَتَوضَّأْ وضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلى شِقِّكَ الأَيمَنِ، وقلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نفِسي إِلَيكَ، وَفَوَّضتُ أَمري إِلَيْكَ، وَأَلَجَأْتُ ظَهرِي إِلَيْكَ، رغبةً ورهْبَةً إِلَيْكَ، لامَلجأَ ولا مَنجي مِنْكَ إِلاَّ إِليكَ، آمنتُ بِـكِتَابِكَ الذِي أَنزَلْت، وَبِـنَبِيِّكَ الذِي أَرسَلتَ، فإِنْ مِتَّ. مِتَّ عَلَى الفِطرةِ، واجْعَلهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ" مُتَّفقٌ عليهِ.

إذا كانت الغاية من خلق الإنسان هو عبادة الله وتوحيده، فما هي الوسائل المؤدّية إلى تحقيق هذه الغاية، في أحكامٍ، شرعها الله لنا في كتابه الحكيم، ووضّحها لنا نبيّ الرّحمة محمد صلى الله عليه وسلم في سُنّته، التي هي الوحي الثاني، الذي يعتمد عليه المسلمون في عباداتهم وكلّ ما ينفعهم في حياتهم؟!!



لقد ذكر فضيلة الشيخ العلاّمة ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه الله وأعلى مقامه، عشر وصايا من سورة الأنعام، يشرحها للقرّاء المنتفعين بها، الّذين ساقهم الله إلى سعادة الدنيا ورخاء الآخرة، في مقال عنوانه: شرح الوصايا العشرة من سورة الأنعام، وسوف أذكرها باختصار كلامه كالآتي، قال حفظه الله:

{ فسوف أفسِّر لكم بعض الآيات من سورة الأنعام ألا وهي قول الله تبارك وتعالى :

{ قُلْتَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( الأنعام :151 - 153 ) .

كان العرب في الجاهلية يُحلِّلون ويٌحرّمون بأهوائهم وبجهلهم وبضلالهم، كانوا يعبدون الأوثان،ويتقرّبون إليها بالقرابين من الأنعام والحرث والأولاد، فأنكر الله تبارك وتعالى عليهم هذا الشرك، وأنكر عليهم هذه التّشريعات، يُحلّلون ويحرِّمون كما شاءوا بجهلهم وضلالهم! قال الله تبارك وتعالى: (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) (المائدة : 103) .

البحيرة: الناقة يُمنَع درّها فلا تُحلَب إلا للطواغيت وسدنتها .

والسائبة: هي التي يسيبونها فلا يحمل عليها أحد شيئا؛ يسيبونها من أجل الأصنام والأوثان.

والوصيلة: هي الناقة البكر تلد أنثى ثم تلد أنثى وليس بينهما ذكر، فيسيبونها لطواغيتهم.
والحام: الفحل من الإبل يضرب الضراب المعيّن، ثم بعد ذلك يُطلق سراحه فلا يُحمل عليه ولا يُركَب من أجل الأوثان، فأنكر الله ذلك وقال: ما شرع الله ذلك بل حرّمه، وهذا كذب وافتراء على الله عز وجل، (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا) ( الأنعام : 139 )

يحِلُّون لأنفسهم ما يشاءون ويحرِّمون على نسائهم ما يشاءون، من أمهاتهم وبناتهم وزوجاتهم -والعياذ بالله- .

وتشريعات أخرى أنكرها الله تبارك وتعالى عليهم، ومنها قول الله تبارك وتعالى: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ) ( الأنعام : 145 ) .

هذا الذي ورد في الكتاب، ثم أضاف الله بعد ذلك على لسان رسوله تحريم أكل الحمر الأهلية، وأكل كلّ ذي ناب من السباع، وأكل كلّ ذي مخلب من الطير.

وفي الحديث عن ابن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلّ ذي ناب من السباع وعن كلّ ذي مخلب من الطير(1) ) وكلّ ذلك من تشريع الله سبحانه وتعالى .

ثم قال الله تبارك وتعالى في هذه الآيات: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) لا آباؤكم ولا أجدادكم، وإنّما الله هو الذي يمتلك حقّ التحليل والتحريم والتّشريع، وحده سبحانه وتعالى، إذ هو الربّ الخالق، البارئ، المصوِّر، الذي خلق هذا الكون ودبّره، وخلق الجنّ والإنس لعبادته، فـالحقّ التّشريعي له سبحانه وتعالى، فحرّم الشِّرْك به، أوّل المحرّمات وأعظمها وأخطرها: الشِّرْك بالله تبارك وتعالى، ذلكم الذّنب العظيم الذي تهتزّ له السماوات والأرض، بل تكاد تتفطّر وتكاد تنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً منه، ذلكم الذّنب الذي لا يغفره: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) (النساء : 116) (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) ( الحج : 31 )، فهذا ذنب لا يُغفَر، فيجب على البشرية جميعا أن يخلصوا الدّين لله وأن يعبدوه وحده وأن يحقّقوا الغاية التي خلقهم من أجلها .

(أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً) :

شيئا من الأشياء، يعني (شيئا) مفعولا، فلا تشركوا بالله شيئا من الأشياء، لا من الملائكة ، ولا من الأنبياء، ولا من الأوثان، ولا من الأشجار، ولا الشمس ولا القمر، ولا شيئا من المعبودات التي يعبدها الناس على اختلاف مللهم ونحلهم .

أو : لا تشركوا به شيئا من الشِّرْك، و (شيئا) على هذا مصدر، لا تشركوا به شيئا من الأشياء، من كل ألوان الشِّرْك صغيره وكبيره .

(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) :

الوالدان لهما حقّ عظيم، لذا يقرن الله حقّهما بحقّه في آيات كثيرة، واعتبر العقوق من أكبر الكبائر، لأنّه نكران للمعروف ونكران للجميل، كما قال الله تبارك وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) ( الإسراء : 23 - 24 ) .

يعني منّة عظيمة للوالدين عليك، وأيادٍ بيضاء، لا تستطيع أن تكافئهما مهما أطعتهما ومهما بالغت في البرّ والإحسان إليهما، إلاّ أن تجد أحدهما مملوكا فتشتريه فتعتقه، كما جاء في الحديث، أمّا لو بذلت ما بذلت من البرّ والإحسان إلى أبويك والطاعة لهما، والإكرام لهما، والتّواضع لهما، فلن تبلغ شكرهما .

فيجب أن يعرف المسلم حقّ أبويه، قال تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ( لقمان : 14 )، قرن شكرهما بشكره سبحانه وتعالى .

كثير من الناس يتهاون في حقّ أبويه -مع الأسف الشديد- وينسى ذلك المعروف العظيم، يعني من الحمل إلى الولادة...المتاعب والمشقّات، إلى كدّ الأب عليه وبرِّه به ورأفته به والإنفاق عليه، إلى أن يكبر ، ثم في الأخير ينسى أبويه! هذا بلاء والعياذ بالله، ونكران للجميل والمعروف، ومن أحطّ أنواع نكران الجميل والمعروف .

فلابدّ من الإحسان إليهما، (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) : أحسنوا بالوالدين إحسانا، (إحسانا) مفعول لفعل محذوف، تأكيدٌ لهذا الفعل .

الإحسان ما هو؟ كلّ ما يطلق عليه إحسان لابدّ أن تبذله لأبويك استخدم كل ما تستطيع من إحسان وإكرام لأبويك.

(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ) :
كان هناك في الجاهلية عادة خبيثة، يقتل ولده خشية الإملاق سواء كان ذكرا أو أنثى، أو يقتل البنت خشية العار! (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل :58 ) والعياذ بالله، كانوا يأنفون من البنات ويقتلونهنّ خشية العار، يئدوهنّ وهنّ أطفال لا ذنب لهنّ : (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير : 8 - 9)، يُسأل القاتل الذي وأد فلذة كبده، يسأل الموؤودة تنكيلاً به وتشهيرا به في ارتكابه لهذا الذنب.
والله تبارك وتعالى أكرم المرأة في الإسلام إكراما عظيما، وقد كانت من سقط المتاع، وكانت تمتهن، تورث ولا ترث ويعضلها الرجل ويتحكّم فيها فيتزوّجها ويطلق ويرجِّع، ويطلق ويرجِّع، وكم أهينت المرأة في الجاهلية وفي الجاهليات كلّها، فأكرمها الإسلام وجعلها ترث وتورث، وأمًّا تُبرّ، وابنة تُحتَرم، وأختا توصل، وهكذا رفع من شأنها، ولكن أعداء الإسلام لا يرون هذا الإحسان إلى المرأة في الإسلام، فيشيرون من قريب أو من بعيد إلى أنّ الإسلام قد هضم المرأة - قاتلهم الله - !
أمّا المساواة التي يريدونها -والعياذ بالله- فهي ليست من العدل: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَــدْراً) ( الطلاق : 3 )، والله تبارك وتعالى أعطى للرجال على النساء درجة، وكلّف الرجل بالإنفاق عليها وإسكانها ورعايتها وحمايتها وإلى آخره، فهي في راحة وهناء .
وإذا قارنت بين وضعها حتى الآن في بلدان غير بلاد المسلمين، المرأة لا تزال ممتهنة، بينما المرأة في الإسلام محجبة، محترمة، يعولها زوجها أو أبوها أو أخوها، يكفلها الرجل حماية لها وصيانة لها .

(وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ)، يعني من الفقر، يعني: لا تقتل ولدك ولو كنت فقيرا وتعيش في غاية من الفقر لتتخلّص منه، يعني تخاف يشاركك في رزقك -والعياذ بالله- ! .

وقال في آية الإسراء: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) فلا تقتله، لا خشية إملاق -إذا كنت غنيا وفي حال السعة ترقبا للفقر-، ولا تقتله وأنت فقير، حماية وصيانة من هذه الوحشية التي كانت تمارس في تلك الجاهلية الجهلاء والعياذ بالله .
فيحمي الإسلام المرء صغيرا وكبيرا ويصونه، وهذا من فضل الله ورحمته سبحانه وتعالى بعباده، بالأطفال والنساء والأيتام وإلى آخره، كلّ ذلك تحدث عنه القرآن والسُنَّة، حتى بالحيوانات كما قال صلى الله عليه وسلم: (عذبت امرأة في هرّة سجنتها حتّى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (2) ) فكيف بالبشر؟! كيف ببني الإنسان؟! الذي كرّمه الله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء :70 ) .

قال تعالى: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) قدّم رزق الآباء هنا، لأنّهم في حال الفقر، فقدّم ذكرهم وذكر رزقهم على رزق الأبناء، وفي سورة الإسراء قال: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) يقدّم الأهم فالأهم.

وقوله: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) :
حماية للمجتمعات من الفواحش والرذائل والعياذ بالله، لأنّ الله خلق الناس لعبادته وطاعته، وشرّع لهم التّشريعات لتكون المجتمعات في غاية النّظافة والنّزاهة والحياة الكريمة، ليست الحياة الجاهلية، سواء الجاهلية المتوحشة أو هذه الجاهلية المتحللة والعياذ بالله، يريد للبشر -الذين كرمهم الله- أن يحيوا حياة طيبة كريمة، لا فحش فيها ولا فواحش، لا فحش اللسان ولا فحش الجوارح والقلوب، والعياذ بالله .

(وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ)، فضلا عن ممارستها، نهاك عن قربانها، والنهي عن ممارستها والوقوع فيها أولى وأولى، فإذا نهاك عن قربانها، يعني الدندنة حول الشيء، فكيف بالوقوع فيها والعياذ بالله؟!

(مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، ما يخفى منها وما يُعلَن، لا تقربوا الفواحش، منها الزنا والعياذ بالله ومقدماته، لا تقربوها، والنظر مقدمة للوقوع في هذه الفاحشة، فأمر الله تبارك وتعالى بغضّ الأبصار من الجانبين، من الرجال والنساء: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور : 30)، يعني هذا سدّ لذرائع الزنا والفواحش، (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) ( النور : 31 )، كل هذا لسدّ الذرائع إلى الوقوع في الفواحش لتبقى المجتمعات التي تؤمن بالله نظيفة طاهرة من الفواحش الظاهرة والخفية : (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) .

(وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)
حماية للدماء التي يستبيحها البشر إذا تمرّدوا على شرائع الله عزّ وجل واستباحوا لأنفسهم سفك الدماء وارتكاب الفواحش، وهذه توجد في المجتمعات الجاهلية .

أمّا الإسلام فإنّه يصون الأعراض ويحفظ الدّماء ويحميها، (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ)، (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) ( المائدة : 32 )، (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء : 93) : حماية، وعيد شديد، يعني بيان فظاعة القتل، الذي يقتل نفسا واحدة فكأنّما قضى على الإنسانية كلها: (فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)، وشرع القصاص من أجل ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى) الآية . (البقرة : 187)، فأيّ حماية للدماء مثل هذه الحماية؟!.

وقوله : (إِلاَّ بِالْحَقِّ)، يعني لا تقتلوها بحال من الأحوال إلا بالحقّ، وهو أن يَقتُل فيُقتَل، يُقاد منه، أو يرتكب وينتهك حرمة الإنسان، فيزني وهو مُحصَن فيُقتَل، أو يرتدّ عن دين الإسلام، يفتح بابا للشرّ على الإسلام فيرتدّ، فيُقتَل كما في الحديث: (لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزّاني والنّفس بالنّفس والتّارك لدينه المفارق للجماعة (3))، فهذا هو الحقّ الذي يستحقّ أن يُقتَل، أن تقتل هذه النفس التي حرّم الله قتلها، لأنّها هي انتهكت حرمات الله تبارك وتعالى، فيعدو على نفس مسلمة فيقتلها، أو نفس حماها الإسلام بالعهد فيقتلها، لأنّ نفس المسلم ونفس الذمّي محرّمة، لأنّه في ذمّة الله وذمّة رسوله فلا نخفر ذمّة الله عز وجل فنقتل الذمّي: ( مَن قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنّة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما(4))، هذا احترام لنفس المسلم ولنفس مَن يأوي ويعيش في ظلّ الإسلام وفي ذمّة المسلمين، هل يوجد دين كهذا؟! الله أكبر، ما أعظم الإسلام!!.

(ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
الإشارة ترجع إلى هذه الأمور التي سلفت، من تجنّب الشِّرْك بالله تبارك وتعالى، ومن تجنّب عقوق الوالدين، والقيام ببرّهما، ومن قتل الأبناء، ومن قتل النفس، الإشارة تعود إلى هذه الخمس (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ) والوصية هي الأمر المؤكد اللازم الذي يجب القيام به، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) تعقلون الأمور وتدركون الأخطار التي تترتب على ارتكاب هذه الجرائم، وتدركون الفوائد العظيمة من التزام تشريع الله تبارك وتعالى تجاه هذه الأمور .

(وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
انظر كيف يعتني الإسلام باليتيم!!
لا تقربوا مال اليتيم في حال من الأحوال، إلاّ بالخصلة التي هي أحسن، وهي رعاية ماله وحفظه وتنميته، وبعضهم يفسّر (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) بالتّجارة فيه، لينمو، ويحرِّم عليك أن تأكل من مال اليتيم شيئا، والوصي عليه إن كان غنياً فليستعفف، وإن كان فقيراً فليأكل بالمعروف: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء :10)، وأوصى الله باليتيم في آيات كثيرة، انظروا هذه الرحمة في الإسلام والعناية بالكبير والصغير، والعناية بكلّ مخلوقات الله عز وجل ولا سيما اليتيم: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) ( الضحى : 9- 10 )

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) ( الماعون : 1- 2 ) أي لا يحترمه، يهينه ويدفعه بعنف، فيدخل في الويل وهذا الوعيد الشديد -والعياذ بالله- فلابد من الرحمة والرأفة باليتيم والعناية به، والذي يعول يتيما يُبعث مع رسول الله، يقيم معه في الجنة: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) . وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا (5) ) عليه الصلاة والسلام، كافل اليتيم، تكفل يتيما لك أو لغيرك تنال منزلة عظيمة وجزاء عظيماً عند الله عز وجلّ، والوعيد الشديد على مَن لا يحترمه ويأكل ماله أو يهينه، ويل له إن أهانه والنار له إن أكل ماله .

ثم يقول تعالى: (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ)، (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) ( الأعراف : 85 )،
لابد من العدل، سواء أخذت أو أعطيت، لابد من العدل .

(لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) يعني إذا اجتهدت غاية الاجتهاد على أن لا تخسر الميزان أو الكيل، اجتهدت فحصل خلل، نقص من حيث لا تدري، فلا يؤاخذك الله به لأنّ التكاليف كلّها مقيّدة بالقدرة والطاقة. فالّذي يخرج عن طاقة الإنسان لا يكلِّفه الله به: (لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، في هذه الآية وفي غيرها: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) ( البقرة : 286 )، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ( الحج : 78 )، فالتكاليف في حدود القدرة والطاقة، فيجتهد الإنسان ويبذل أقصى وسعه في أن لا يظلم هذا الإنسان الذي يتعامل معه، سواء أخذ منه، كال له أو اكتال منه، يحرص أن يكون مقسطا في ذلك، عادلا في ذلك، فإن غُلِب على أمره من حيث لا يدري فلا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها، أمّا أن يتعمّد، فالله أكبر: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ( المطففين : 1-3 ) حتّى لو كان كافرا أوف له الكيل، لو كان كافرا فضلا عن المسلم، فلابد أن تتعامل بالعدل مع كل الناس في الأقوال والأفعال، فقوله: (لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، يعني إذا اجتهد الإنسان وبلغ أقصى طاقته في التّحرز من الوقوع في الإثم، ونقص من يتعامل معه بكيل أو وزن أو نحو ذلك، ثم حصل زيادة حبة أو حبتين من حيث لا يدرك الإنسان أنه نقص أو زاد لنفسه فإنه لا يؤاخذ به، لأنّ الله لا يؤاخذك إلاّ بما تعمدت فيه، أمّا الخطأ والنسيان فمرفوع عن هذه الأمّة .

.....يتبع..إن شاء الله...

الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.png‏
المشاهدات:	1939
الحجـــم:	835.3 كيلوبايت
الرقم:	7915   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	واتلو ما أوحي إليك.png‏
المشاهدات:	2360
الحجـــم:	62.1 كيلوبايت
الرقم:	7916   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	معنى التلاوة عند العثيمين.png‏
المشاهدات:	3371
الحجـــم:	411.5 كيلوبايت
الرقم:	7917   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	لاملجأ ولامنجى منك إلاّ إليك.png‏
المشاهدات:	2380
الحجـــم:	1.08 ميجابايت
الرقم:	7918  
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 08 May 2020, 01:45 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





ثم يقول تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ)

انظروا ! الآية السابقة في الفعل وهنا في القول، إذا قلت فاعدل سواء في الإخبار والأخبار أو في الشهادة، أو في الجرح والتعديل، أيّ قول تقوله فاعدل فيه، تكليف من الله تبارك وتعالى بهذا العدل، الذي قامت عليه السماوات والأرض، فلابد من العدل، إذا قلت فاعدل، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا) ( النساء : 135 )

الله أكبر ! فالعدل في القريب والبعيد، العدل في القول في أيّ مقام من المقامات وفي أيّ حال من الأحوال، بالنسبة للعدو والصديق ، والكافر والمسلم، لابد من العدل، فإنّ العدل واجب في كل حال، وعلى كل حال، ولكل أحد وعلى كل أحد.

العدل أمر عظيم، لا يحملنّك شفقة على قريب أو التّعصّب له أن تقول غير العدل، ولا يحملنّك شدّة العداوة والشنآن للعدوّ أن تتجاوز العدل، لابد من العدل، وإذا ظلمتَ كافرا، فاسقا، مجرما لإجرامه، واستجزتَ أن تظلمه ولا تقيم فيه ميزان الله العدل، فإنّك تحاسب على هذا، لأنّ الله هو العدل سبحانه وتعالى، الّذي تنـزّه عن الظلم، ولا يرضى أن تظلم أحدا مهما كان، لا بقول ولا بفعل، لا في مال ولا في عرض .

تشهد على قريبك ولو كان أبوك، تقوم بالقسط، وتشهد للعدو إذا كان له حقّ مهما بلغ بالعداوة إذا كنت تعرف أن له حقّا على شخص وطُلب منك الشهادة، عليك أن تدلي بهذه الشهادة على وجه العدل ولو كان على أبيك .

الظلم للناس في أموالهم وأعراضهم هذا ديوان لا يترك، ذنب لا يُغفر وهو الشّـِرْك، وذنب لا يُترك وهو تظالم العباد فيما بينهم، حتى لو جاز المسلمون الصراط، المؤمنون النّاجون لو جاوزوا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار ليؤخذ لبعضهم البعض، فالله لا يترك هذا، ويأتي الإنسان بحسنات أمثال الجبال وهو المفلس، سمّاه رسول الله المفلس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع . فقال: إنّ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار (6) ) هذا هو المفلس، فليصن الإنسان لسانه من الغيبة والنميمة والظلم وقول الباطل وشهادة الزور، كل هذه الأشياء تنافي العدل الذي شرعه الله تبارك وتعالى في القول .

ثم قال تعالى: (وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ)

الله أكبر ! رسول الله ضرب أروع الأمثلة في صلح الحديبية، عليه الصلاة والسلام، كان قد جاءه مندوب قريش وآخرهم سهيل بن عمرو واصطلحوا على هدنة عشر سنين ومن الشروط أن لا يدخلوا البيت في هذا العام، وأن لا يطوفوا ولا يسعوا، ومن ضمن الشروط المجحفة أنّ مَن ذهب إلى المدينة لابد أن يُعاد إلى مكة، ومَن ذهب من المسلمين من المدينة إلى مكة لا يعود، فجاء أبو جندل ابن سهيل يرسف في القيود يقول: يا معشر المسلمين كيف أعود، كيف أرجع إلى هؤلاء فيفتنوني ؟! وسهيل يصرّ على أنّه لابد أن يرجع، ورسول الله يتلطّف به، يقول له: اترك هذا لي، يقول له: لا أتركه أبدا، ولن يبرم هذا العهد ولا ينفذ إلاّ إذا عاد هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جندل: ( أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمَن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. إنّا قد صالحنا هؤلاء القوم وجرى بيننا وبينهم العهد وإنّا لا نُغدر (7) ) هذا من الوفاء بالعهود: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) ( المائدة : 1 )، (إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) ( الإسراء : 34 )

أمر العهود عظيم جدا في الإسلام، فلابد من الوفاء بالعهود سواء على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد، وأولى الأمور بالوفاء عهد الله علينا: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) (ياسين : 60 - 61 )

فـنفي بعهد الله بأن نلتزم الإسلام، ونلتزم ما جاء في كتابه، وفي سُنَّة نبيّه عليه الصلاة والسلام، من الأوامر فننفذها، والنواهي فنجتنبها، ونجتنب كل ما حرّم الله علينا سبحانه وتعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه (8)) فنفي بعهد الله ونفي بالعهود، إذا كانت بيننا وبين دول أخرى يجب أن نوفي بها، وإذا كانت بين أفراد وأفراد، الإنسان يدخل في ذمّة المسلم، إذا دخل كافر حربي في ذمة امرأة أو عبد فإنّه يلزم المسلمين جميعا أن يفوا بعهد هذه المرأة أو هذا العبد، انظروا إلى أي حد يحترم الإسلام العهود ؟!

(وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

يؤكّد ويكرّر هذه الوصايا: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم)، (ذَلِكُمْ وَصَّاكُم)، يعني أمور حازمة، جازمة لابد أن نقوم بها، ولماذا يوصينا بهذا؟ يوصينا لنتذكّر، فندرك ونعتبر ونتّعظ وننزجر، هذه أمور عظيمة جدا يجب أن يرعاها المسلمون؛ أفرادا ومجتمعات .

ثم قال بعد ذلك : (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)

ويدخل في هذا الصراط المستقيم، هذه الأمور التي وصانا الله بها، من توحيده وإخلاص الدّين له، ومن اجتناب الشِّرْك، ومن اجتناب العقوق، والقيام بالبرّ ، ومن، ومن ..إلى آخر الأشياء التي ذُكرت في هذه الوصايا، كلّها داخلة في صراط الله المستقيم، وعلينا أن نتّبعه (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ)، وهذه الوصيّة باتّباع الصراط، جاءت في آيات كثيرة، بأساليب مختلفة، منها : الأمر بالاعتصام بحبل الله وأن لا نتفرّق، وهنا قال (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) فنتّبع صراط الله المستقيم، في عقائدنا وفي عباداتنا، وفي معاملاتنا، وفي مناهجنا وفي سياستنا، وفي كلّ أمر شرعه الله تبارك وتعالى، فإنّه صراطه، وإنّه عدله سبحانه وتعالى، ولن تستقيم للمسلمين حياة إلاّ إذا اتّبعوا صراط الله المستقيم، وإلاّ فهي حياة منحرفة، وحياة حقيرة ودنيئة، حياة الذلّ والهوان، لعدم التزامنا وسلوكنا هذا الصراط المستقيم وعدم إتّباعنا لمنهج الله الحقّ .

(وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ) نهي عن التفرّق ونهي عن الضلال: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) : كلّ الملل والنِّحَل لا يجوز أن نتّبع منها شيئا، طرق البدع والضلال لا نتّبع منها شيئا، نلتزم صراط الله المستقيم، لا عوج فيه ولا أمتا، (الصراط المستقيم) هو المعتدل الذي يوصلك إلى الله تبارك وتعالى ومرضاته .

أمّا السُّبُل الأخرى فكما جاء في حديث ابن مسعود وحديث جابر وغيرهما : قال: (خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا وقال: "هذا سبيل الله" ثم خطّ خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال: "هذه سُبُل على كلّ سبيل شيطان يدعو إليه (9))

فللشيطان سبل كثيرة، سبيل اليهود، سبيل النصارى، سبيل الوثنيين، المجوس، الهندوك، سبيل مشركي العرب آنذاك، ولمَن بقي منهم على الشِّرْك، سبل للروافض وللخوارج، للمعتزلة، للمرجئة، لاثنتين والسبعين فرقة، على كل سبيل منها شيطان يزيّنه ويزخرفه ويلمعه للسخفاء الذين لا يعقلون ولا يتبصّرون ولا يتّعظون ولا يتذكّرون !!

(وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

انظروا! قال في الوصية الأولى: (لعلّكم تعقلون) ثم قال في الثانية: (لعلّكم تذكرون) ثم قال هنا: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، قال بعض العلماء وأظن منهم ابن عطية: لأنّه إذا عقِل تذكّر، وإذا عقل وتذكّر حصلت التّقوى، إذا عقل وصية الله وعمل بها، وإذا تذكّر هذه الوصايا العظيمة واستفاد من هذه الذكرى، قاده ذلك إلى تقوى الله ومراقبته وخشيته، استقام على الصراط المستقيم، وأخذ بمواعظ الله ونصائحه ووصاياه، لابدّ أن يكون من أفضل المتّقين إن شاء الله .

وفي هذه الآيات رعاية وحفاظ على مقاصد الشريعة والمصالح العظيمة ودرء المفاسد الكبرى: حفظ المال، حفظ النفس، حفظ النسب، وحفظ الدّين.

فمن هذه المقاصد العظيمة:

- الحفاظ على الدّين وحماية العقيدة، ولهذا شرع الجهاد لإعلاء كلمة الله، وحرّم الشِّرْك وأوجب التّوحيد وشرع الجهاد لتحقيق هذه الغاية، توحيد الله ونبذ الشِّرْك بالله تبارك وتعالى .

- الحفاظ على الدماء، فحرّم قتل النفس وأوجب فيها القصاص .

- الحفاظ على المال: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّام) (البقرة: 188 ) إلى آخره من الآيات التي حرّمت الاعتداء على المال بأيّ شكل من الأشكال، لأنّ المال به قوام الحياة أو كما يقال : عصب الحياة، فلابد من حمايته .

- حماية الأعراض (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) هذا لحماية الأعراض.

فهذه آيات عظيمة جامعة لمصالح الدّين والدّنيا، فلابدّ من العناية بها، فهمًا وتطبيقًا .

نسأل الله تبارك وتعالى أن يفقّهنا وإيّاكم في دينه، وأن يوفّقنا لالتزام شريعته، وأن يثبّتنا عليها، وأن يجنّبنا هذه المعاصي والكبائر ما ظهر منها وما بطن، إنّ ربّنا لسميع الدّعاء، وصلّى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المصدر

الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	وان هذا صراطي مستقيما.png‏
المشاهدات:	2030
الحجـــم:	154.7 كيلوبايت
الرقم:	7932  
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 03 Jul 2020, 08:14 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي



السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته



في هذه المشاركة، سوف أتطرّق إن شاء الله، إلى أمر جدّ مهمّ عند المسلم، حيث نجد ارتباط قويّ بين الإيمان والعمل، إذ لايكون إيمان بأمر إلاّ ويعمل به صاحبه، على يقين أنّ العمل ثمرة لذلك الإيمان كحصاد ناتجٍ عن زرعٍ تمّ في أرضٍ تصلح للبذر، وتتهيّأ لإخراج محصولٍ ينفع النّاس.

فالمسلم المجيب لما دعاه الله إليه، في استقامة صادقة على شريعته، بمثابة الأرض النّافعة التي تزوّد النّاس بما ينعشهم في الدنيا والآخرة.



قال الله تعالى في سورة الكهف بعد ما بيّن عقوبة مَن خالف داعي الله، وقد سمّاهم الظّالمين، على كفرهم بما جاء به المرسلون. قال الله سبحانه، مدحًا فيمَن استجابوا لله ورسله، وإظهارًا للجزاء الذي سوف ينالونه من حسن إيمانهم الذي أثمر العمل به، وعدًا عليه حقًّا، ومَن أوفى بعهده من الله سبحانه، قال عزّوجل: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا"

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تأويل الآية: ( يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بطاعة الله، وانتهوا إلى أمره ونهيه، إنّا لا نضيع ثواب مَن أحسن عملا فأطاع الله، واتّبع أمره ونهيه، بل نجازيه بطاعته وعمله الحسن جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار....
فإن قال قائل: وأين خَبَر " إنّ " الأولى؟ قيل: جائز أن يكون خبرها قوله: ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا ) فيكون معنى الكلام:
إنّا لا نضيع أجر مَن عمل صالحا، فترك الكلام الأوّل، واعتمد على الثاني بنية التكرير، كما قيل : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ) بمعنى: عن قتال فيه على التكرير، وكما قال الشاعر:
إنَّ الخَلِيفَـــةَ إنَّ اللـــهَ سَــرْبَلَهُ
سِـرْبالَ مُلْـك بِـهِ تُرْجَـى الخَـواتِيمُ
(8)

ويروى: تُرْخَى ، وجائز أن يكون: (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) جزاء ، فيكون معنى الكلام: إنّ مَن عمل صالحا فإنّا لا نضيع أجره، فتضمر الفاء في قوله " إنّا " ، وجائز أن يكون خبرها: أولئك لهم جنات عدن، فيكون معنى الكلام: إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك لهم جنات عدن.
------------------------------------------------
الهوامش:
(8) في ( اللسان : سربل ) السربال : القميص والدرع . وفي حديث عثمان : " لا أخلع سربالا سربلنيه الله " كنى به عن الخلافة . واستشهد به المؤلف على أن التكرار في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ ..... الآية ، له نظير في قول الشاعر : " إن الخليفة إن الله سربله . . . " البيت . وقد بين وجهي الإعراب في المكرر . والبيت من شواهد الفراء في ( معاني القرآن : الورقة 185 من مصورة الجامعة ) قال : خبر الذين آمنوا في قوله : إنّا لا نضيع وهو مثل قول الشاعر : إن الخليفة . . . البيت ، فإنه في المعنى : إنا لا نضيع أجر من عمل صالحا . فترك الكلام الأول ، واعتمد على الثاني ، بنية التكرير . كما قال : " يسئلونك عن الشهر الحرام " ، ثم قال : قتال فيه " يريد : عن قتال فيه ، بالتكرير ويكون أن تجعل " إن الذين آمنوا وعملوا " في مذهب جزاء ، كقولك : إنّ مَن عمل صالحا فإنّا لا نضيع أجره ، فتضمر الفاء في قوله " فإنا " ، وإلقاؤها جائز ، وهو أحب الوجوه إلي . ) انتهـ.

ويلخّص الشيخ السعدي تفسير الآية بقوله رحمه الله:

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)

ثم ذكر الفريق الثاني فقال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي: جمعوا بين الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وعمل الصالحات من الواجبات والمستحبات، (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)، وإحسان العمل: أن يريد العبد العمل لوجه الله، متّبعا في ذلك شرع الله. فهذا العمل لا يضيعه الله، ولا شيئا منه، بل يحفظه للعاملين، ويوفيهم من الأجر، بحسب عملهم وفضله وإحسانه) انتهـ.



سُئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ورعاه هكذا

انتشر على الإنترنت مقال يقول فيه صاحبه: إن كثيرًا من العلماء؛ يقولون: الإيمان أصل والعمل كمال؟

فكان الجواب: هذا ما يدري! اللي يقول هذا الكلام ما يدري! هذا إمعة يسمع من يقول هذا القول ويردده.
الإيمان: قولٌ واعتقادٌ وعمل، لابدَّ من الثلاثة: قولٌ باللسان، واعتقادٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح، لابد من الثلاثة، هذا ما درج عليه السلف الصالح وأئمّة الهدى قديمًا وحديثًا. والذي يظهر ويجيب مسائل شاذة ومسائل خلافية ويشوش بها على الناس؛ هذا ما يُلتفت إليه. نعم.

المصدر



الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	آمنت بالله.png‏
المشاهدات:	2125
الحجـــم:	229.5 كيلوبايت
الرقم:	7960   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	إذا أراد الله بعبدٍ خيرا عسله.png‏
المشاهدات:	2076
الحجـــم:	593.2 كيلوبايت
الرقم:	7961   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	شرطا قبول العمل.png‏
المشاهدات:	2069
الحجـــم:	836.6 كيلوبايت
الرقم:	7962   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	إنّ الذين آمنوا.png‏
المشاهدات:	2252
الحجـــم:	672.5 كيلوبايت
الرقم:	7963  
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 25 Dec 2020, 02:03 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي







السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهلا بإخواني وأخواتي، ومرحبا في هذه الصفحة التي أسعى فيها -إن شاء الله- إلى نشر فوائد سورة الكهف، والتي أسأل الله أن ينفعنا بفقهها والعمل بما نستخرج من درر الحكمة وصالح التجربة التي مرّ بها الإنسان في غابر الأزمان.
والعبد الكيّس لاينتفع بالموعظة حتّى يفقه معانيها والمغزى منها، فيحرّكها عملاً ينفع به نفسه متعديًا إلى غيره، بالقدوة المرفقة بالإخلاص وسؤال الله إتقان العمل.

وفي هذه المشاركة، أعرّج بكم إلى فائدة جليلة من درر فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله، من محاضرة نافعة بعنوان: مقاصد ومعاني سورة الكهف، وسيتمّ إن شاء الله متابعتها بإعادة نشر المحاضرة كاملة، متى تيسّر ذلك. وأسأل الله العون والتوفيق.





والفائدة بعنوان:

قصة صاحب الجنّتين:

قال الله – جل وعلا-: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا}[الكهف:32، 33]، هذه القصة في الابتلاء بالمال .

المال والمزارع والحسابات والثروة هذه ابتلاء، بل فتنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في المال: (لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةٌ، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِي الْمَالُ)،(14) هذا الرجل كان له جنّتان، فجّر الله –جل وعلا- خلالهما نهر، معجب بنفسه، ظنّ أنّ الله أعطاه هذه الأشياء وهذه المزارع الكبيرة الملتف بعضها على بعض، لشيء فيه هو، إنّه يستاهل كما يقولون، يستحق ذلك، قال الله –جل وعلا- في شأنه:{وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} صاحب ضعيف لديه مزرعة ضعيفة،{أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، أصحاب المال والثروة إذا اعتزوا بمالهم وثرواتهم، فقد خالفوا نهج الله ووقعوا في سوء عملهم، يعني: فشلوا في الابتلاء، ولم ينجحوا في ابتلاء الله لهم، ولكن: (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ)،(15) ولكن أن يفتخر على الناس، مَن أعطاك المال؟ الله -جلّ وعلا-، لو يقيس أي واحد من أصحاب الثروات جهده بما أفيض عليه من المال لم يكن هناك وجه مقارنة، فبذل قليلا وجاءه كثير، فإذًا هو ابتلاء وعطاء من الله تعالى، وقد قال هنا: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} بِمَ ظلم نفسه؟ بالكبر ورؤية النفس وعدم الاعتراف بالنعمة أنّها لله، فابتلي ففشل في الابتلاء، {قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف:35، 36]، فقد وصل به الحد إلى أنّه يظنّ أنّه ملك الدنيا، وملك القوّة ، حتى السّاعة أصبح في شك منها، وهنا جاء نداء الإيمان الذي يكون مع الغني الصالح، ويكون مع الفقير الصابر، ويكون مع مَن أعطاه الله ما أعطاه،{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}[الكهف:37، 38]، دلّه على أنّ مقولته السابقة شِرّك بالله -جلّ وعلا-، ثم قال مرشدًا له: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}[الكهف:39]، فتكون قد تواضعت لله -جلّ وعلا-، ثم قال له: {إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}[الكهف:39، 40].. إلى آخر الآيات إلى قوله تعالى:{وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ} يعني: النُّصْرَة والمحبّة، {لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف:43، 44].

هذا رجل صاحب مال، لاشك الحياة كلّها فيها أصحاب أموال يُختبرون، وأيضًا أصحاب قلّة يُختبرون، أمّا أن يكون صاحب القلّة يرى في نفسه حقدًا على صاحب الثروة، فهذا ليس من سمة أهل الإيمان، ولكن من سمة الذين فشلوا في الابتلاء وأحبّوا الدنيا، لأنّ ما حقد عليه إلاّ لأنّه يحب الدنيا، وإلاّ فما عند الله خير وأبقى، وما أعطاك الله خير ممّا حرمك، هنا نجح الذي عنده مال قليل وضلّ مَن عنده مال كثير في الابتلاء، فما راعى الله حق رعايته، ولم ينسب الشيء إلى الله -جل وعلا-، كما قال قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}[القصص:78]، إذ يقول: "أنا فعلت وفعلت وفعلت، وتاريخي.. وعملت وقلت.." لابد أن تقيّد هذا كلّه بـتوفيق الله -جلّ وعلا-، وكلّما نسبت الشيء لنفسك فلتنسبه إلى الله –جلّ وعلا- أوّلاً، ثم إلى نفسك، حتى تنجح في هذا الابتلاء.

فسورة (الكهف) فيها كلّ هذه المعاني، والواجب أنّكم إذا جاء يوم الجمعة وقرأتموها أن تتوقّفوا عند هذه المعاني، فكلّ جمعة تظهر لكم أسرار القرآن وما فيه من الفوائد والعلوم التي تجعل القلب يتحرك في كل لحظة، ولكن لمَن علم، والعلم من أعظم أثره على عبد الله –جل وعلا- الذي علم إنه يكون حفيا بالقرآن العظيم.



للاستماع من هنا


الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	فهم القرآن والعمل به.png‏
المشاهدات:	1567
الحجـــم:	762.1 كيلوبايت
الرقم:	8146   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ.png‏
المشاهدات:	2433
الحجـــم:	352.2 كيلوبايت
الرقم:	8147   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	قصة صاحب الجنتين.png‏
المشاهدات:	1846
الحجـــم:	895.8 كيلوبايت
الرقم:	8148   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	العمل بالقرآن.png‏
المشاهدات:	1423
الحجـــم:	264.9 كيلوبايت
الرقم:	8149  
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013