منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15 Nov 2014, 10:30 AM
أبو صهيب إسماعيل خليلي أبو صهيب إسماعيل خليلي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 363
افتراضي فوائد ونوادر من كلام السلف والعلماء ( أكثر من 200 فائدة )

وسطية أهل السنة
«وأحب أن أوضح هنا - تأكيداً لما ذكرت هناك- أن السلف يفهمون معاني الصفات العامة ويفوضون الكيفية فقط، فليسوا بالمؤولين المحرفين وليسوا بالمشبهين المجسمين ولا بالمفوضين الجاهلين. ولا الواقفين الحائرين، بل هم أصحاب فهم صحيح وفقه دقيق، إذ هم وسط بين هذه النحل المختلفة. ومنهجهم لبن خالص يخرج من بين فرث التشبيه ودم التعطيل، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم».
[«الصفات الإلهية» لمحمد أمان الجامي (365)]


أهل البدع ليسوا علماء
«أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أنّ أهل الكلام أهلُ بدعٍ وزيغٍ، ولا يُعدون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم».
[«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (2/942)]

عدل السلف
«الواجب ـ عند خبر الفاسقِ ـ التثبُّتُ والتبيُّنُ، فإن دلَّتِ الدلائلُ والقرائن على صدقه عُمِل به وصُدِّق، وإن دلَّتْ على كَذِبِه كُذِّب ولم يُعْمَل به، ففيه دليلٌ على أنَّ خبر الصادق مقبولٌ، وخبرَ الكاذب مردودٌ، وخبرَ الفاسق متوقَّفٌ فيه كما ذَكَرْنا؛ ولهذا كان السلفُ يقبلون رواياتِ كثيرٍ مِن الخوارج المعروفين بالصدق ولو كانوا فُسَّاقًا».
[«تيسير الكريم» للسعدي (943)]

خير الأمورِ السالفاتُ على الهدى
«وعند هذا تعلم أنَّ خير الأمور السالفاتُ على الهدى، وشرَّ الأمور المحدثاتُ البدائعُ، وأنَّ الحقَّ الذي لا شكَّ فيه ولا شبهة، هو ما كان عليه خيرُ القرون، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، وقد كانوا ـ رحمهم الله، وأرشدنا إلى الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم ـ يُمرُّون أدلَّةَ الصفاتِ على ظاهرها، ولا يتكلَّفون عِلْمَ ما لا يعلمون، ولا يحرِّفون ولا يؤوِّلون».
[«الفتح الربَّاني» للشوكاني (1/ 255)]

الإسلام مبنيٌّ على التوحيد والاتِّباع
«والإسلامُ هو توحيدُ اللهِ وعبادتُه وحدَه لا شريكَ له، والإيمانُ بالله وبرسولِه واتِّباعُه فيما جاء به، فما لم يأتِ العبدُ بهذا فليس بمسلمٍ وإن لم يكن كافرًا معاندًا فهو كافرٌ جاهلٌ».
[«طريق الهجرتين» لابن القيِّم (411)]

منقبة علماء هذه الأمَّة
«كلُّ أمَّةٍ قبل مبعث محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم علماؤُها شرارُها، إلَّا المسلمين، فإنَّ علماءهم خيارُهم، فإنهم خلفاءُ الرسول مِن أمَّته، والمُحْيُون لِمَا مات مِن سنَّته، فَبِهم قام الكتابُ وبه قاموا، وبهم نطق الكتابُ وبه نطقوا، وكلُّهم متَّفقون اتِّفاقًا يقينًا على وجوب اتِّباع الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكنْ إذا وُجِد لواحدٍ منهم قولٌ قد جاء حديثٌُ صحيحٌ بخلافه فلا بدَّ له في تركه مِن عذرٍ...».
[«شرح العقيدة الطحاوية» (2/ 740 ـ 741)]

فساد العلم وفساد الإرادة
قال ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا العلم فآفته عدمُ مطابقته لمراد الله الدينيِّ الذي يحبُّه الله ويرضاه وذلك يكون مِن فساد العلم تارةً، ومن فساد الإرادة تارةً:
ففسادُه من جهة العلم أن يعتقد أنَّ هذا مشروعٌ ومحبوبٌ لله وليس كذلك، أو يعتقد أنه يقرِّبه إلى الله وإن لم يكن مشروعًا، فيظنُّ أنه يتقرَّب إلى الله بهذا العمل وإن لم يعلم أنه مشروعٌ.
وأمَّا فساده من جهة القصد فأن لا يقصد به وجهَ الله والدارَ الآخرة، بل يقصد به الدنيا والخَلْق. وهاتان الآفتان في العلم والعمل لا سبيل إلى السلامة منهما إلَّا بمعرفة ما جاء به الرسول في باب العلم والمعرفة، وإرادة وجه الله والدار الآخرة في باب القصد والإرادة، فمتى خلا من هذه المعرفة وهذه الإرادة فسد علمُه وعمله».
[«الفوائد» لابن القيِّم (85)]

ليس في الشريعة قشور
«لا يجوز التعبير عن الشريعة بأنها قشرٌ مع كثرة ما فيها مِن المنافع والخيور، وكيف يكون الأمر بالطاعة والإيمان قشرًا؟ وأنَّ العلم الملقَّب بعلم الحقيقة جزءٌ من أجزاء علم الشريعة، ولا يُطلِق مثلَ هذه الألقابِ إلَّا غبيٌّ شقيٌّ قليل الأدب، ولو قيل لأحدهم: «إنَّ كلام شيخك قشورٌ» لأنكر ذلك غايةَ الإنكار، ويُطلِق لفظَ القشور على الشريعة، وليست الشريعةُ إلَّا كتابَ الله وسنَّةَ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، فيُعزَّر هذا الجاهل تعزيرًا يليق بمثل هذا الذنب».
[«فتاوى العزِّ بن عبد السلام» (71 ـ 72)]

كمال الدين الإسلامي
«هذه أكبرُ نِعَم الله تعالى على هذه الأمَّة حيث أكمل تعالى لهم دينَهم فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره، ولا إلى نبيٍّ غيرِ نبيِّهم صلواتُ الله وسلامُه عليه؛ ولهذا جَعَله اللهُ خاتَمَ الأنبياء، وبَعَثه إلى الإنس والجنِّ، فلا حلال إلَّا ما أحلَّه، ولا حرام إلَّا ما حرَّمه، ولا دينَ إلَّا ما شَرَعه، وكلُّ شيءٍ أخبر به فهو حقٌّ وصدقٌ لا كَذِبَ فيه ولا خُلْفَ، كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي، فلمَّا أكمل الدينَ لهم تمَّت النعمةُ عليهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] أي: فارْضَوْه أنتم لأَنْفُسكم، فإنه الدِّينُ الذي أحبَّه اللهُ ورَضِيَه وبَعَث به أَفْضَلَ الرسل الكرام، وأنزل به أَشْرَفَ كُتُبه».
[«تفسير ابن كثير» (2/ 12)]

من فارق الدليل ضلَّ عن سواء السبيل
«ومَن أحالك على غيرِ «أخبرنا» و«حدَّثنا» فقد أحالك: إمَّا على خيالٍ صوفيٍّ، أو قياسٍ فلسفيٍّ، أو رأيٍ نفسيٍّ. فليس بعد القرآن و«أخبرنا» و«حدَّثنا» إلَّا شبهاتُ المتكلِّمين، وآراءُ المنحرفين، وخيالاتُ المتصوِّفين، وقياسُ المتفلسفين. ومَن فارق الدليلَ ضلَّ عن سواء السبيل، ولا دليل إلى الله والجنَّة سوى الكتاب والسنَّة. وكلُّ طريقٍ لم يصحبها دليلُ القرآن والسنَّة فهي مِن طرق الجحيم والشيطان الرجيم».
[«مدارج السالكين» ابن القيِّم (2/ 439)]

الاتِّعاظ بالقرآن
«ومَن تدبَّر كلامَه عرف الربَّ عزَّ وجلَّ، وعَرَفَ عظيمَ سلطانه وقدرتِه، وعظيمَ تفضُّله على المؤمنين، وعَرَف ما عليه مِن فرض عبادته، فألزم نَفْسَه الواجبَ، فحَذِر ممَّا حذَّره مولاه الكريم، فرَغِب فيما رغَّبه، ومَن كانت هذه صفتَه عند تلاوته للقرآن وعند استماعه مِن غيره كان القرآنُ له شفاءً فاستغنى بلا مالٍ، وعَزَّ بلا عشيرةٍ، وأَنِسَ ممَّا يستوحش منه غيرُه، وكان همُّه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها: «متى أتَّعظُ بما أتلو؟»، ولم يكن مرادُه: «متى أختم السورةَ؟»، وإنما مراده: «متى أَعْقِلُ عن الله الخطابَ؟ متى أزدجِرُ؟ متى أعتبر؟»، لأنَّ تلاوة القرآن عبادةٌ لا تكون بغفلةٍ، واللهُ الموفِّق لذلك».
[«أخلاق حَمَلة القرآن» الآجرِّي (10)]

تصحيح الأحاديث بالمعنى دون الإسناد
«لو فُتح باب تصحيح الأحاديث مِن حيث المعنى دون التفاتٍ إلى الأسانيد لَاندسَّ كثيرٌ مِن الباطل على الشرع، ولقال الناس على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما لم يقل، ثمَّ تبوَّءوا مقعدَهم مِن النار والعياذ بالله تعالى».
[«السلسلة الضعيفة» للألباني (4/ 37)]

وصيَّةٌ لطلبة العلم
«اتَّقوا الله، ارحموا عبادَ الله، اخدُموا العلمَ بتعلُّمه ونشرِه، وتحمَّلوا كلَّ بلاءٍ ومشقَّةٍ في سبيله، وليَهُنْ عليكم كلُّ عزيزٍ ولْتَهُنْ عليكم أرواحُكم مِن أجله، أمَّا الأمور الحكومية وما يتَّصل بها فدَعُوها لأهلها، وإيَّاكم أن تتعرَّضوا لها بشيءٍ».
[ابن باديس «الآثار» (3/ 223)]

أساليب أهل البدع
«ومقالة أهل البدع لم تظهر إلَّا بسلطانٍ قاهرٍ، أو بشيطانٍ معاندٍ فاجرٍ، يُضلُّ الناسَ خفيًّا ببدعته، أو يقهر ذاك بسيفه وسوطه، أو يستميل قلبَه بماله ليُضِلَّه عن سبيل الله؛ حميَّةً لبدعته وذبًّا عن ضلالته؛ ليردَّ المسلمين على أعقابهم، ويفتنهم عن أديانهم بعد أن استجابوا لله وللرسول طوعًا وكرهًا».
[«شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة» للالكائي (1/ 15)]

كثرة الكلام لا تدلُّ على العلم
«وقد فُتن كثيرٌ مِن المتأخِّرين بهذا فظنُّوا أنَّ مَن كثر كلامُه وجداله وخصامه في مسائل الدين فهو أعلمُ ممَّن ليس كذلك، وهذا جهلٌ محضٌ، وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكرٍ وعمر وعليٍّ ومعاذٍ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ كيف كانوا؟ كلامهم أقلُّ مِن كلام ابن عبَّاسٍ وهم أعلمُ منه، وكذلك كلام التابعين أكثرُ مِن كلام الصحابة والصحابةُ أعلمُ منهم، وكذلك تابِعو التابعين كلامُهم أكثرُ مِن كلام التابعين والتابعون أعلمُ منهم، فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال، ولكنَّه نورٌ يقذف في القلب يفهم به العبد الحقَّ ويميِّز به بينه وبين الباطل، ويعبِّر عن ذلك بعباراتٍ وجيزةٍ محصِّلةٍ للمقاصد».
[«فضل علم السلف على الخلف» لابن رجب (5)]

مكانة العلماء
«فما ظنُّكم ـ رحمكم الله ـ بطريقٍ فيه آفاتٌ كثيرةٌ، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلةٍ ظلماءَ، فإن لم يكن فيه مصباحٌ وإلَّا تحيَّروا، فقيَّض الله لهم فيه مصابيحَ تُضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثمَّ جاءت طبقاتٌ مِن الناس لا بدَّ لهم مِن السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح فبَقُوا في الظلمة فما ظنُّكم بهم؟ هكذا العلماء في النَّاس، لا يعلم كثيرٌ مِن الناس كيف أداءُ الفرائض، وكيف اجتنابُ المحارم، ولا كيف يُعْبَد اللهُ في جميع ما يَعبده به خَلْقُه، إلَّا ببقاء العلماء، فإذا ماتَ العلماء تحيَّر الناس، ودرس العلمُ بموتهم وظهر الجهل، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، مصيبةٌ ما أعظمَها على المسلمين».
[«أخلاق العلماء» للآجرِّي (29)]

فائدةٌ في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾
«علَّق سبحانه الهدايةَ بالجهاد، فأكملُ الناسِ هدايةً أعظمُهم جهادًا، وأفرضُ الجهادِ جهادُ النفس وجهادُ الهوى وجهادُ الشيطان وجهادُ الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعةَ في الله هداه الله سُبُلَ رضاه الموصِلةَ إلى جنَّته، ومن ترك الجهادَ فاته مِن الهدى بحسب ما عطَّل مِن الجهاد، قال الجنيد: والذين جاهدوا أهواءَهم فينا بالتوبة لنهدينَّهم سُبُلَ الإخلاص، ولا يتمكَّن مِن جهاد عدوِّه في الظاهر إلَّا مَن جاهد هذه الأعداءَ باطنًا، فمن نُصر عليها نُصر على عدوِّه، ومن نُصرت عليه نُصر عليه عدوُّه».
[«الفوائد» لابن القيِّم (59)]

فضائل العلوم
المزني: قال الشافعيُّ: «من تعلَّم القرآنَ عَظُمَت قيمتُه، ومن تكلَّم في الفقه نما قدرُه، ومن كتب الحديثَ قَوِيَت حجَّتُه، ومن نظر في اللغة رقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جَزُلَ رأيُه، ومن لم يَصُنْ نَفْسَه لم ينفعه علمُه».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (8/ 243)]

ميراث أهل السنَّة وأهل البدعة
قيل لأبي بكر بن عيَّاشٍ: «إنَّ بالمسجد قومًا يجلسون ويُجلس إليهم فقال: «من جلس للناس جلس الناس إليه، ولكنَّ أهل السنَّة يموتون ويحيا ذكرُهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرُهم؛ لأنَّ أهل السنَّة أحيَوْا ما جاء به الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم فكان لهم نصيبٌ مِن قوله: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: 4]، وأهل البدعة شنئوا ما جاء به الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم فكان لهم نصيبٌ مِن قوله: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾[الكوثر: 3]».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (16/ 528)]

الظلمة مقرونةٌ بالإعراض عن الوحي
«فإنَّ المُعْرِض عمَّا بعث اللهُ تعالى به محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم من الهدى ودين الحقِّ يتقلَّب في خمس ظلماتٍ: قولُه ظلمةٌ، وعمله ظلمةٌ، ومدخله ظلمةٌ، ومخرجه ظلمةٌ، ومصيره إلى الظلمة، فقلبُه مظلمٌ، ووجهه مظلمٌ، وكلامه مظلمٌ، وحاله مظلمةٌ، وإذا قابلت بصيرته الخفَّاشية ما بعث الله به محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم من النور جدَّ في الهرب منه وكاد نوره يخطَف بصرَه فهرب إلى ظلمات الآراء التي هي به أنسب وأَوْلى كما قيل:
«خَفَافِيشُ أَعْشَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ * وَوَافَقَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ»
فإذا جاء إلى زُبالة الأفكار ونُحاتة الأذهان جال وصال، وأبدى وأعاد، وقعقع وفرقع، فإذا طلع نور الوحي وشمس الرسالة انحجر في أحجرة الحشرات».
[«اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيِّم (2/ 58)]

ذمُّ من خرج عن الشرع من أهل التصوُّف أو الكلام
قال ابن عقيلٍ في ذمِّ مَن خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوُّف في كتابه المفقود أكثرُه «الفنون»: «المتكلِّمون وقفوا النظرَ في الشرع بأدلَّة العقول فتفلسفوا، واعتمد الصوفية المتوهِّمة على واقعهم فتكهَّنوا، لأنَّ الفلاسفة اعتمدوا على كشف حقائق الأشياء بزعمهم، والكهَّانَ اعتمدوا على ما يُلقى إليهم من الإطلاع، وجميعًا خوارجُ على الشرائع، هذا يتجاسر أن يتكلَّم في المسائل التي فيها صريح نقلٍ بما يخالف ذلك المنقولَ بمقتضى ما يزعم أنه يجب في العقل، وهذا يقول: قال لي قلبي عن ربِّي، فلا على هؤلاء أصبحتُ ولا على هؤلاء أمسيتُ، لا كان مذهبٌ جاء على غير طريق السفراء والرسل، يريد تعلُّم بيان الشرايع، وبطلان المذاهب والتوهُّمات، والطرايق المخترعات: هل لعلم الصوفية عملٌ في إباحة دمٍ أو فرجٍ، أو تحريم معاملةٍ، أو فتوى معمولٍ بها في عبادةٍ أو معاقدةٍ؟ أو للمتكلِّمين بحكم الكلام حاكمٌ ينفَّذ حكمُه في بلدٍ أو رستاقٍ؟ أو تصيب للمتوهِّمة فتاوى وأحكامٌ؟ إنما أهل الدولة الإسلامية والشريعة المحمَّدية المحدِّثون والفقهاء: هؤلاء يروون أحاديثَ الشرع، وينفون الكذبَ عن النقل، ويحمون النقل عن الاختلاف.
وهؤلاء المُفتون ينفون عن الأخبار تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، هم الذي سمَّاهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: الحمَلَة العدول، فقال: «يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ..»».
[«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (8/ 61)]

العقل الصريح لا يعارض النقلَ الصحيح
«والمقصود هنا التنبيهُ على أنه لو سُوِّغ للناظرين أن يُعرضوا عن كتاب الله تعالى ويعارضوه بآرائهم ومعقولاتهم لم يكن هناك أمرٌ مضبوطٌ يحصل لهم به علمٌ ولا هدى، فإن الذين سلكوا هذه السبيلَ كلُّهم يخبر عن نفسه بما يوجب حيرتَه وشكَّه، والمسلمون يشهدون عليه بذلك، فثبت بشهادته وإقراره على نفسه وشهادةِ المسلمين الذين هم شهداءُ الله في الأرض، أنه لم يظفر مَن أعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه بيقينٍ يطمئنُّ إليه ولا معرفةٍ يسكن بها قلبُه، والذين ادَّعَوْا في بعض المسائل أنَّ لهم معقولًا صريحًا يناقض الكتابَ قابلهم آخَرون مِن ذوي المعقولات، فقالوا: إنَّ قول هؤلاء معلومٌ بطلانُه بصريح المعقول، فصار ما يدَّعي معارضتَه للكتاب من المعقول ليس فيه ما يُجزم بأنه معقولٌ صحيحٌ: إمَّا بشهادة أصحابه عليه وشهادةِ الأمَّة، وإمَّا بظهور تناقُضهم ظهورًا لا ارتياب فيه، وإمَّا بمعارضة آخَرين مِن أهل هذه المعقولات لهم، بل مَن تدبَّر ما يعارضون به الشرعَ من العقليات وجد ذلك ممَّا يُعلم بالعقل الصريح بطلانُه».
[«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (1/ 168)]

من أضرار البدع
«وإنَّني أقول لهؤلاء الذين ابتُلُوا بالبدع ـ الذين قد تكون مقاصدُهم حسنةً ويريدون الخيرَ ـ: إذا أردتم الخيرَ فلا ـ واللهِ ـ نعلم طريقًا خيرًا من طريق السلف رضي الله عنهم. أيُّها الإخوة عَضُّوا على سنَّة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بالنواجذ، واسلكوا طريقَ السلف الصالح، وكونوا على ما كانوا عليه، وانظروا هل يضيركم ذلك شيئًا؟ وإنِّي أقول ـ وأعوذ بالله أن أقول ما ليس لي به علمٌ ـ أقول: إنك لَتجد الكثيرَ مِن هؤلاء الحريصين على البدع يكون فاترًا في تنفيذ أمورٍ ثبتت شرعيَّتُها وثبتت سنِّيَّتُها، فإذا فرغوا من هذه البدع قابلوا السننَ الثابتة بالفتور، وهذا كلُّه من نتيجة أضرار البدع على القلوب، فالبدع أضرارها على القلوب عظيمةٌ، وأخطارها على الدين جسيمةٌ، فما ابتدع قومٌ في دين الله بدعةً إلَّا أضاعوا من السنَّة مثلها أو أشدَّ، كما ذكر ذلك بعضُ أهل العلم من السلف، لكنَّ الإنسان إذا شعر أنه تابعٌ لا مشرِّعٌ حصل له بذلك كمال الخشية والخضوع والذلِّ والعبادة لربِّ العالمين، وكمالُ الاتِّباع لإمام المتَّقين وسيِّد المرسلين ورسول ربِّ العالمين محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم».
[«مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين» (5/ 255)]

ميزة السلفيين
«وما يمتاز به المنهج السلفيُّ أنَّ الذين ينهجونه لا يختلفون إلَّا في الأسلوب والتعبير على اختلاف أزمنتهم ومشاكلهم، وذلك راجعٌ لوحدة المصدر لدعوتهم، وهو كتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وآثارُ الصحابة الموضِّحة لمعاني النصوص، إذ هم الذين حضروا نزولَ الوحي وفهموا النصوصَ فور نزولها، قبل أن يطول عليها العهد، ولذلك يحرص اللاحقون مِن السلف أن يقتدوا بالسابقين».
[«الصفات الإلهية» لمحمَّد أمان الجامي (112)]

سبب ضلال أهل البدع
«أهل البدع أجمعُ أضربوا عن السنَّة وتأوَّلوا الكتابَ على غير ما بيَّنت السنَّةُ، فضلُّوا وأضلُّوا، ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله التوفيق والعصمة برحمته، وقد روي عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التحذيرُ عن ذلك في غير ما أثرٍ منها ما أخبرنا عبد الله بن محمَّدٍ...قال: سمعتُ عقبةَ بن عامرٍ الجهنيَّ يقول: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «هَلَاكُ أُمَّتِي فِي الكِتَابِ وَاللَّبَنِ» فقيل: «يا رسول الله، ما الكتاب واللبن؟» قال: «يَتَعَلَّمُونَ القُرْآنَ وَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُحِبُّونَ اللَّبَنَ فَيَدَعُونَ الجَمَاعَاتِ وَالجُمَعَ وَيَبْدُونَ».
[«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (2/ 1199)]

بين العافية والبلاء
قال عمر بن السكن: «كنت عند سفيان بن عيينة فقام إليه رجلٌ من أهل بغداد فقال: «أخبِرني عن قول مطرِّفٍ: «لَأن أعافى فأشكر أحبُّ إليَّ» أم قول أخيه أبي العلاء: «اللهمَّ رضيتُ لنفسي ما رضيتَ لي»؟» قال فسكت سكتةً ثمَّ قال: «قول مطرِّفٍ أحبُّ إليك»، قال: «وكيف وقد رضي هذا لنفسه ما رضي الله له؟»، قال: «إنِّي قرأتُ القرآنَ فوجدت صفةَ سليمان مع العافية التي كان فيها: ﴿نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ووجدتُ صفة أيُّوب مع البلاء الذي كان فيه: ﴿نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، فاستوت الصفتان، فهذا معافًى وهذا مبتلًى، ورأيتُ الشكر قد قام مقام الصبر، فلمَّا اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحبَّ إليَّ من البلاء مع الصبر».
[تاريخ دمشق لابن عساكر (58/ 317)]

الموقف الوسط من اجتهادات العلماء واختلافهم
قال ابنُ القيِّمِ ـ رحمه الله ـ: «لا قولَ مع قولِ الله وقولِ الرسول، ولا بُدَّ من أمرين أحدُهما أعظمُ من الآخَرِ، وهو النصيحةُ لله ولرسوله وكتابِه ودينِه، وتنزيهُه عن الأقوال الباطلةِ المناقِضَةِ لِما بعث اللهُ به رسولَه من الهدى والبيِّناتِ التي هي خلافُ الحكمةِ والمصلحةِ والرحمةِ والعدلِ وبيانُ نفيِها عنِ الدِّينِ وإخراجِها منه وإن أدخلها فيه من أدخلها بنوعِ تأويلٍ.
والثاني: معرفةُ فضلِ أئمَّة الإسلام ومقاديرِهم وحقوقِهم ومراتبِهم وأنَّ فضْلَهم وعلْمَهم ونصْحَهم لله ورسولِه لا يُوجِبُ قَبولَ كلِّ ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائلِ التي خَفِيَ عليهم فيها ما جاء به الرسولُ فقالوا بمبلغِ علْمِهم والحقُّ في خلافِها لا يُوجِبُ اطِّراحَ أقوالِهم جملةً وتنقُّصَهم والوقيعةَ فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصدِ، وقصدُ السبيلِ بينهما، فلا نُؤَثِّمُ ولا نُعَصِّمُ، ولا نسلك بهم مسلكَ الرافضةِ في عليٍّ، ولا مسلكَهم في الشيخينِ، بل نسلك مسلكَهم أنفُسَهم فيمن قبلهم من الصحابة، فإنهم لا يؤثِّمونهم ولا يعصِّمونهم، ولا يقبلون كلَّ أقوالهم ولا يُهدرونها، فكيف يُنكرون علينا في الأئمَّةِ الأربعةِ مسلكًا يسلكونه هم في الخلفاءِ الأربعةِ وسائرِ الصحابةِ؟! ولا منافاةَ بين هذين الأمرين لمن شرح اللهُ صدرَه للإسلامِ، وإنما يتنافيان عند أحدِ رجلين: جاهلٍ بمقدارِ الأئمَّةِ وفضلِهم، أو جاهلٍ بحقيقةِ الشريعةِ التي بعث اللهُ بها رسولَه، ومن له علمٌ بالشرعِ والواقعِ يعلم قطعًا أنَّ الرجلَ الجليلَ الذي له في الإسلامِ قَدَمٌ صالِحٌ وآثارٌ حسنةٌ وهو من الإسلامِ وأهلِه بمكانٍ، قد تكون منه الهَفْوَةُ والزَّلَّةُ، هو فيها معذورٌ، بل مأجورٌ لاجتهادِه، فلا يجوز أن يُتَّبَعَ فيها، ولا يجوز أن تُهْدَرَ مكانتُه وإمامتُه ومَنْزلتُه في قلوبِ المسلمين».
[«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (3/ 282 ـ 283)]

مباينة الطرق الفلسفية والكلامية للطريقة القرآنية
قال أبو عبد الله محمَّدُ بن عمر الرازيُّ: «لقد تأمَّلتُ الطرقَ الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتُها تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا، ورأيتُ أقرب الطرق طريقةَ القرآن: أقرأ في الإثبات: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾، وأقرأ في النفي: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾، ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾، ومن جرَّب مثلَ تجربتي عرف مثل معرفتي».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (4/ 73)]

من ترك شيئًا لله عوَّض الله ذرِّيَّته خيرًا
«وفي كونه ـ أي: المهدي ـ من ولد الحسن سرٌّ لطيفٌ وهو أنَّ الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافةَ لله، فجعل الله مِن ولده مَن يقوم بالخلافة، الحق المتضمِّن للعدل الذي يملأ الأرض، وهذه سنَّة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئًا أعطاه الله أو أعطى ذرِّيَّتَه أفضل منه، وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم».
[«المنار المنيف» لابن القيِّم (151)]

أهل الأهواء عند الإمام مالك
قال أبو عبد الله بن خويز منداد المالكي: «أهل الأهواء عند مالكٍ وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكلُّ متكلِّمٍ فهو من أهل الأهواء والبدع: أشعريًّا كان أو غير أشعريٍّ، ولا تُقبل له شهادةٌ في الإسلام، ويُهجر ويؤدَّب على بدعته، فإن تمادى عليها استُتيب منها».
[«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (2/ 942)]

من لا يؤخذ عنه العلم
قال الإمام مالكٌ ـ رحمه الله ـ: «لا يؤخذ العلم عن أربعةٍ: سفيهٍ يُعلن السفهَ وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعةٍ يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنتُ لا أتَّهمه في الحديث، وصالحٌ عابدٌ فاضلٌ إذا كان لا يحفظ ما يحدِّث به».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (7/ 162)]

حكم أهل الكلام
قال الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ: «حُكْمِي فِي أَصْحَابِ الْكَلامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالجَرِيدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الإِبِلِ، وَيُطَافَ بِهِمْ فِي العَشَائِرِ وَالقَبَائِلِ، وَيُقَالَ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَخَذَ فِي الكَلامِ».
[«جامع بيان العلم» لابن عبد البرِّ (2/ 941)]

صفات القلب السليم
«والقلب السليم معناه الذي سَلِم من الشرك والشكِّ ومحبَّة الشرِّ والإصرار على البدعة والذنوب، ويَلزم من سلامته ممَّا ذُكر اتِّصافُه بأضدادها من الإخلاص والعلم واليقين ومحبَّة الخير وتزيينه في قلبه، وأن تكون إرادتُه ومحبَّته تابعةً لمحبَّة الله وهواه تابعًا لِما جاء عن الله».
[«تيسير الكريم الرحمن» للسعدي (593)]

توحيد المرسِل وتوحيد متابعة الرسول
«فالواجب كمال التسليم للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، والانقياد لأمره، وتلقِّي خبره بالقبول والتصديق، دون أن نعارضه بخيالٍ باطلٍ نسمِّيه معقولًا، أو نحمله شبهةً أو شكًّا، أو نقدِّم عليه آراءَ الرجال وزبالةَ أذهانهم، فنوحِّده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما نوحِّد المرسِل بالعبادة والخضوع والذلِّ والإنابة والتوكُّل، فهما توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلَّا بهما: توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا نحاكم إلى غيره، ولا نرضى بحكم غيره، ولا نوقِف تنفيذَ أمره وتصديقَ خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظِّمه، فإن أذنوا له نفَّذه وقَبِل خبرَه، وإلَّا فإن طلب السلامةَ فوَّضه إليهم وأعرض عن أمره وخبره، وإلَّا حرَّفه عن مواضعه وسمَّى تحريفَه تأويلًا وحملًا، فقال: نؤوِّله ونحمله. فلَأَن يلقى العبدُ ربَّه بكلِّ ذنبٍ ـ ما خلا الإشراكَ بالله ـ خيرٌ له من أن يلقاه بهذه الحال».
[«شرح الطحاوية» لابن أبي العزِّ الحنفي (200)]

حُسن الخُلُق مع الله
«أمَّا حُسن الخُلُق مع الله: فهو الرضا بحكمه شرعًا وقَدَرًا، وتلقِّي ذلك بالانشراح وعدمِ التضجُّر، وعدمِ الأسى والحزن، فإذا قدَّر الله على المسلم شيئًا يكرهه رضي بذلك واستسلم وصبر، وقال بلسانه وقلبه: رضيتُ بالله ربًّا، وإذا حكم الله عليه بحكمٍ شرعيٍّ؛ رضي واستسلم، وانقاد لشريعة الله عزَّ وجلَّ بصدرٍ منشرحٍ ونفسٍ مطمئنَّةٍ، فهذا حسنُ الخُلُق مع الله عزَّ وجلَّ».
[«شرح رياض الصالحين» لابن عثيمين (3/ 556)]

أصول الذنوب وأدويتها
«أركان الكفر أربعةٌ: الكبر والحسد والغضب والشهوة، فالكبر يمنعه الانقياد، والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلُها، والغضب يمنعه العدل، والشهوة تمنعه التفرُّغ للعبادة، فإذا انهدم ركن الكبر سَهُل عليه الانقياد، وإذا انهدم ركن الحسد سَهُل عليه قبول النصح وبذلُه، وإذا انهدم ركنُ الغضب سَهُل عليه العدل والتواضع، وإذا انهدم ركن الشهوة سَهُل عليه الصبر والعفاف والعبادة، وزوال الجبال عن أماكنها أيسر مِن زوال هذه الأربعة عمَّن بُلي بها ولاسيَّما إذا صارت هيئاتٍ راسخةً وملكاتٍ وصفاتٍ ثابتةً، فإنه لا يستقيم له معها عملٌ ألبتَّة ولا تزكو نفسُه مع قيامها بها، وكلَّما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعة، وكلُّ الآفات متولِّدةٌ منها، وإذا استحكمت في القلب أَرَتْه الباطلَ في صورة الحقِّ والحقَّ في صورة الباطل، والمعروفَ في صورة المنكر والمنكرَ في صورة المعروف، وقرَّبت منه الدنيا وبعَّدت منه الآخرةَ، وإذا تأمَّلتَ كُفْرَ الأمم رأيتَه ناشئًا منها، وعليها يقع العذاب، وتكون خفَّتُه وشدَّتُه بحسب خفَّتها وشدَّتها، فمن فتحها على نفسه فُتح عليه أبوابُ الشرور كلِّها عاجلًا وآجلًا، ومن أغلقها على نفسه أغلق عنه أبوابَ الشرور، فإنها تمنع الانقيادَ والإخلاص والتوبة والإنابة وقبول الحقِّ ونصيحةَ المسلمين والتواضع لله ولخلقه».
[«الفوائد» لابن القيِّم (157)]

تبليغ الدين فوق أهواء المنحرفين
قال الشيخ العربي التبسِّي: «وإن تعجب فعجبٌ أمرُ هؤلاء الذين يُريدون مِن علماء الدِّين أن يُذعنوا لأباطيلهم ويطأطئوا رؤوسَهم أمام عظمة أهوائهم، وما ضمَّتها من عفوناتِ ما يلقيه الشيطانُ عليهم رغم تعاليم الدين الذي يلعن مَن يكتم مِن الدين المنزَّل على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا، وكأنَّ هؤلاء لم يعلموا أنَّنا لم نكتب ما كتَبْنا وما كتبه إخوانُنا مِن أهل الدين والبصيرة النافذة لقضاء شهوةٍ من الشهوات أو طلبِ دخلٍ من الدخول أو لنيل حظٍّ من الحظوظ، وأنَّ الله يعلم والمسلمين يعلمون أنه لولا أنَّ الله تعالى أَمَرنا بأن نبلِّغ هذا الدينَ كما أَخَذْناه لا ننقص ولا نزيد، ولولا أنَّنا نزحزح أنفسَنا عن الذين يكتمون ما أنزل الله من البيِّنات والهدى ما رضينا لأنفسنا أن نخاطب هذه الهلثاء(1) التي لا فقه لها، ولكنَّنا سوف نثبت حيث أمرنا الله مستميتين في الدفاع عن الدين ولو قُطِّعنا إِرَبًا أو رُمي بنا في أَتونٍ(2)وإن نحن لقينا ما لقينا فحَسْبُنا:
مَا أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ».
[«مجلَّة الشهاب» (3/ 297)]

التحذير من الحزبية
«وأوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَم بالشر ناجِمُها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجِمُها، وسَجَم على الوطن بالملح الأجاج ساجِمُها، إنَّ هذه الأحزاب كالميزاب، جَمَع الماء كدرًا، وفرَّقه هدرًا، فلا الزلالَ جَمَع، ولا الأرض نَفَع».
[«الآثار» لمحمَّد البشير الإبراهيمي (3/ 265)]

بدعية التفريق بين الأصول والفروع
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «ولم يفرِّق أحدٌ من السلف والأئمَّة بين أصولٍ وفروعٍ، بل جَعْلُ الدين قسمين: أصولًا وفروعًا لم يكن معروفًا في الصحابة والتابعين. ولم يقل أحدٌ من السلف والصحابة والتابعين: إنَّ المجتهد الذي استفرغ وُسْعَه في طلب الحقِّ يأثم، لا في الأصول ولا في الفروع. ولكنَّ هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة، وأدخله في أصول الفقه مَن نَقَلَ ذلك عنهم».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (13/ 125)]

القياس الفاسد
«وكلُّ بدعةٍ ومقالةٍ فاسدةٍ في أديان الرسل فأصلها من القياس الفاسد، فما أنكرت الجهمية صفاتِ الربِّ وأفعالَه وعلوَّه على خلقه واستواءَه على عرشه وكلامَه وتكليمَه لعباده ورؤيتَه في الدار الآخرة إلَّا من القياس الفاسد، وما أنكرت القدرية عمومَ قدرته ومشيئته وجعلتْ في ملكه ما لا يشاء وأنه يشاء ما لا يكون إلَّا بالقياس الفاسد، وما ضلَّت الرافضة وعادَوْا خيارَ الخلق وكفَّروا أصحابَ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وسبُّوهم إلَّا بالقياس الفاسد، وما أنكرت الزنادقةُ والدهرية معادَ الأجسام وانشقاقَ السماوات وطيَّ الدنيا وقالت بقِدَم العالم إلَّا بالقياس الفاسد، وما فَسَد ما فَسَد من أمر العالم وخَرِبَ ما خَرِبَ منه إلَّا بالقياس الفاسد، وأوَّل ذنبٍ عُصي اللهُ به القياسُ الفاسد، وهو الذي جرَّ على آدم وذرِّيته مِن صاحب هذا القياس ما جرَّ، فأصلُ شرِّ الدنيا والآخرة جميعُه مِن هذا القياس الفاسد».
[«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (2/ 7)]

المجادلة المحمودة
«والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستَند الأقوال والأعمال، وأمَّا إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمدَ في القول والعمل فنوعٌ من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل».
[«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (2/ 90)
ترك الاحتفال بالمولد اقتداء بالسلف
«فانظر ـ رحمنا الله وإيَّاك ـ إلى مخالفة السنَّة ما أشنعها وما أقبحها وكيف تجرُّ إلى المحرَّمات، ألا ترى أنهم خالفوا السنَّةَ المطهَّرة وفعلوا المولد؟ لم يقتصروا على فعله بل زادوا عليه ما تقدَّم ذكرُه من الأباطيل المتعدِّدة، فالسعيد السعيد مَن شدَّ يدَه على امتثال الكتاب والسنَّة والطريق الموصِلة إلى ذلك وهي اتِّباع السلف الماضين رضوان الله عليهم أجمعين لأنهم أعلم بالسنَّة منَّا إذ هم أعرف بالمقال وأفقهُ بالحال، وكذلك الاقتداء بمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ولْيحذرْ من عوائد أهل الوقت وممَّن يفعل العوائدَ الرديئة، وهذه المفاسد مركَّبةٌ على فعل المولد إذا عُمل بالسماع، فإن خلا منه وعمل طعامًا فقط ونوى به المولدَ ودعا إليه الإخوانَ وسَلِم مِن كلِّ ما تقدَّم ذكرُه فهو بدعةٌ بنفس نيَّته فقط، إذ إنَّ ذلك زيادةٌ في الدين وليس مِن عمل السلف الماضين، واتِّباع السلف أَوْلى بل أوجب مِن أن يزيد نيَّةً مخالِفةً لِما كانوا عليه لأنهم أشدُّ الناس اتِّباعًا لسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وتعظيمًا له ولسنَّته صلَّى الله عليه وسلَّم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم يُنقل عن أحدٍ منهم أنه نوى المولدَ ونحن لهم تبعٌ فيسعنا ما وَسِعَهم».
[«المدخل» لابن الحاج (2/ 10)]

القياس الفاسد
«وكلُّ بدعةٍ ومقالةٍ فاسدةٍ في أديان الرسل فأصلُها من القياس الفاسد، فما أنكرت الجهميةُ صفاتِ الربِّ وأفعالَه وعلوَّه على خلقه واستواءَه على عرشه وكلامَه وتكليمَه لعباده ورؤيتَه في الدار الآخرة إلَّا من القياس الفاسد، وما أنكرت القدرية عمومَ قدرته ومشيئتِه وجعلت في مُلكه ما لا يشاء وأنه يشاء ما لا يكون إلَّا بالقياس الفاسد، وما ضلَّت الرافضةُ وعادَوْا خيارَ الخلق وكفَّروا أصحابَ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وسبُّوهم إلَّا بالقياس الفاسد، وما أنكرت الزنادقة والدهرية معادَ الأجسام وانشقاقَ السماوات وطيَّ الدنيا وقالت بقِدَمِ العالَم إلَّا بالقياس الفاسد، وما فَسَدَ ما فَسَدَ مِن أمر العالَم وخَرِبَ ما خَرِبَ منه إلَّا بالقياس الفاسد، وأوَّلُ ذنبٍ عُصي اللهُ به القياسُ الفاسد، وهو الذي جرَّ على آدم وذرِّيَّته مِن صاحب هذا القياس ما جرَّ، فأصل شرِّ الدنيا والآخرة جميعُه من هذا القياس الفاسد، وهذه الحكمةُ لا يدريها إلَّا من له اطِّلاعٌ على الواجب والواقع وله فقهٌ في الشرع والقدر».
[«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (2/ 7)]

عامَّة فساد الأولاد من قِبَل الآباء
«وكم ممَّن أشقى وَلَدَه وفلذةَ كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وتركِ تأديبه وإعانته له على شهواته، ويزعم أنه يُكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظَلَمَه وحرمه، ففَاتَهُ انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظَّه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرتَ الفسادَ في الأولاد رأيتَ عامَّتَه من قِبَل الآباء».
[«تحفة المودود» لابن القيِّم (242)]

انتشار الشرك بسبب الاستعمار
«وسِرْ ما شئت في جميع الأوقات، وفي جميع طُرُق المواصلات تَرَ القبابَ البيضاء لائحةً في جميع الثنايا والآكام ورؤوس الجبال، وسلْ تجدِ القليل منها منسوبًا إلى معروفٍ من أجداد القبائل، وتجد الأقلَّ مجهولًا، والكثرة منسوبةٌ إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، واسأل الحقيقةَ تُجبك عن نفسها بأنَّ الكثير من هذه القباب إنما بناها المعمِّرون الأوربيون في أطراف مزارعهم الواسعة، بعد ما عرفوا افتتانَ هؤلاء المجانين بالقباب واحترامَهم لها، وتقديسَهم للشيخ عبد القادر الجيلاني، فعلوا ذلك لحماية مزارعهم من السرقة والإتلاف، فكلُّ معمِّرٍ يَبني قبَّةً أو قبَّتين من هذا النوع يأمن على مزارعه السرقةَ ويستغني عن الحرَّاس ونفقات الحراسة، ثمَّ يترك لهؤلاء العميان ـ الذين خسروا دينَهم ودنياهم ـ إقامةَ المواسم عليها في كلِّ سنةٍ، وإنفاقَ النفقات الطائلة في النذور لها وتعاهُدها بالتبييض والإصلاح، وقد يحضر المعمِّر معهم الزردة، ويشاركهم في ذبح القرابين، ليقولوا عنه إنه محبٌّ في الأولياء خادمٌ لهم، حتى إذا تمكَّن من غرس هذه العقيدة في نفوسهم راغ عليهم نزعًا للأرض من أيديهم، وإجلاءً لهم عنها، وبهذه الوسيلة الشيطانية استولى المعمِّرون على تلك الأراضي الخصبة التي أحالوها إلى جنَّاتٍ، زيادةً على الوسائل الكثيرة التي انتزعوا بها الأرضَ من أهلها».
[«آثار محمد البشير الإبراهيمي» (3/ 321)]

مقام الرجل بحسب بلائه
«وأيضًا فإنه يُعفى للمحبِّ ولصاحب الإحسان العظيم ما لا يُعفى لغيره، ويسامح بما لا يسامح به غيره.
وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدَّس الله روحه ـ يقول: انظر إلى موسى صلوات الله وسلامه عليه رمى الألواحَ التي فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها، وجرَّ بلحية نبيٍّ مثله وهو هارون، ولطم عينَ ملك الموت ففقأها، وعاتب ربَّه ليلة الإسراء في محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ورفعِه عليه، وربُّه تعالى يحتمل له ذلك كلَّه، ويحبُّه ويكرمه ويدلله، لأنه قام لله تلك المقاماتِ العظيمةَ في مقابلة أعدى عدوٍّ له، وصدع بأمره، وعالج أمَّتَيِ القبط وبني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر.
وانظر إلى يونس بن متَّى حيث لم يكن له هذه المقامات التي لموسى، غاضَبَ ربَّه مرَّةً، فأخذه وسجنه في بطن الحوت، ولم يحتمل له ما احتمل لموسى، وفرقٌ بين من إذا أتى بذنبٍ واحدٍ، ولم يكن له من الإحسان والمحاسن ما يشفع له، وبين من إذا أتى بذنبٍ جاءت محاسنه بكلِّ شفيع، كما قيل:
وَإِذَا الحَبِيبُ أَتَى بِذَنْبٍ وَاحِدٍ ... جَاءَتْ مَحَاسِنُهُ بِأَلْفِ شَفِيعِ».
[«مدارج السالكين» لابن القيِّم (1/ 337)]

توقير أهل البدع هدمٌ للإسلام
«فإنَّ توقير صاحب البدعة مظنَّةٌ لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: الْتفاتُ الجُهَّال والعامَّة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأنَّ ما هو عليه خيرٌ ممَّا عليه غيرُه، فيؤدِّي ذلك إلى اتِّباعه على بدعته دون اتِّباع أهل السنَّة على سُنَّتهم.
والثانية: أنه إذا وُقِّر مِن أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرِّض له على إنشاء الابتداع في كلِّ شيءٍ وعلى كلِّ حالٍ، فتحيا البِدَعُ وتموت السنن، وهو هدمُ الإسلام بعينه».
[«الاعتصام» للشاطبي (1/ 202)]

براءة أهل السنَّة الغرَّاء من نبز أهل البدع والأهواء
«إنَّ المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القولَ أصحابَ الحديث وحَمَلَة أخباره، ونَقَلَة آثاره وأحاديثه، فسمَّاهم بعضُهم حشويةً، وبعضهم مشبِّهةً، وبعضهم نابتةً، وبعضهم ناصبةً، وبعضهم جبريةً، وأصحاب الحديث عِصَامةٌ من هذه المعايب، وليسوا إلَّا أهل السيرة المرضيَّة، والسبل السويَّة، والحجج البالغة القويَّة، قد وفَّقهم الله جلَّ جلاله لاتِّباع كتابه، ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أخباره التي أمر فيها أمَّتَه بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منهما، وأعانهم على التمسُّك بسيرته، والاهتداء بملازمة سنَّته، وشرح صدورَهم لمحبَّته ومحبَّة أئمَّة شريعته وعلماء أمَّته، ومن أحبَّ قومًا فهو معهم يوم القيامة بحكم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»».
[«عقيدة السلف» للصابوني (107)]

السلفية دعوة حقٍّ
قال السعيد الزاهري ـ رحمه الله ـ (عضو إداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في ردِّه على وزير المعارف بالمغرب الأقصى آنذاك: «بقي شيءٌ واحدٌ وهو قول الوزير: «إنَّ مؤسِّس هذا المذهب هو شيخ الإسلام ابن تيمية، واشتهر به ابن عبد الوهَّاب»، والواقع أنَّ مؤسِّس هذا المذهب ليس هو ابن تيمية ولا ابن عبد الوهَّاب، ولا الإمام أحمد ولا غيره من الأئمَّة والعلماء، وإنما مؤسِّسه هو خاتم النبيِّين سيِّدنا محمَّد بن عبد الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، على أنه في الحقيقة ليس مذهبًا، بل هو دعوةٌ إلى الرجوع إلى السنَّة النبوية الشريفة، وإلى التمسُّك بالقرآن الكريم، وليس هنا شيءٌ آخر غير هذا».
[«مجلَّة الصراط السوي» (العدد: 5/ 5)، الصادرة في: 26 جمادى الثانية 1352ه/ 16 أكتوبر 1933م]

أهل البدع هم أهل الأهواء
«ولهذا كان السلف يُسَمُّون أهل البدع أهلَ الأهواء، فإنهم على ضلالٍ، والضلالُ مستلزمٌ لاتِّباع الهوى كما أنَّ الهدى لازمٌ لاتِّباع سبيله».
[«جامع مسائل ابن تيمية» (6/ 146)]

حكم الانتساب إلى السلف
«لا عيب على من أظهر مذهبَ السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قَبولُ ذلك منه بالاتِّفاق، فإنَّ مذهب السلف لا يكون إلَّا حقًّا، فإن كان موافقًا له باطنًا وظاهرًا فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحقِّ باطنًا وظاهرًا، وإن كان موافقًا له في الظاهر فقط دون الباطن: فهو بمنزلة المنافق، فتُقْبَل منه علانيتُه وتُوكَل سريرتُه إلى الله، فإنَّا لم نُؤْمَر أن ننقِّب عن قلوب الناس ولا نَشُقَّ بطونَهم».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (4/ 149)]

لا خروج لأحد من الأولياء عن متابعة الأنبياء
قال ابن أبي العزِّ الحنفيُّ شارحًا قولَ الطحاويِّ رحمهما الله: «ولا نفضِّل أحدًا من الأولياء على أحدٍ من الأنبياء عليهم السلام، ونقول: نبيٌّ واحدٌ أفضل من جميع الأولياء»: «ش: يشير الشيخ رحمه الله إلى الردِّ على الاتِّحادية وجَهَلة المتصوِّفة، وإلَّا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع، فقد أوجب الله على الخلق كلِّهم متابعة الرسل، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ﴾ إلى أن قال: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 64 ـ 65]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]. قال أبو عثمان النيسابوري: من أمَّر السنَّةَ على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة».
[«شرح العقيدة الطجاوية» (504)]

تصحيح العقائد والأعمال رأس المال في الدين
«أمَّا رأس المال في الدين فهو تصحيح العقائد، وتصحيح العبادات، وتصحيح الأخلاق الصالحة، واتِّباع سنَّة نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم في كلِّ ما فعل وترك، والمحافظة عليها والانتصار لها، ونبذ البدع المخالفة لها، ثمَّ صرفُ الوقت الزائد على ذلك في الأعمال النافعة في الدنيا، فإنَّ الله لا يرضى لعبده المؤمن أن يكون ذليلًا حقيرًا، وإنما يرضى له بعد الإيمان الصحيح أن يكون عزيزًا شريفًا عاملًا لدينه ودنياه، معينًا لإخوانه على الخير، ناصحًا لهم، آخذًا بيد ضعيفهم، محسنًا لهم بيده ولسانه وبجاهه وماله. فصحِّحوا عقائدكم في الله، واعلموا أنه واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ، لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، هو المتفرد بالخلق والرزق والإعطاء والمنع والضرِّ والنفع. فأخلِصوا له الدعاء والعبادة، ولا تدعوا معه أحدًا ولا من دونه أحدًا، وطهِّروا أنفسكم وعقولكم من هذه العقائد الباطلة الرائجة بين المسلمين اليوم، فإنها أهلكتهم وأضلَّتهم عن سواء السبيل، وإيَّاكم والبِدعَ في الدين فإنها مُفسدةٌ له، وكلُّ ما خالف السنَّةَ الثابتة عن نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم فهو بدعةٌ. وصحِّحوا عباداتِكم بمعرفة أحكامها وشروطها ومعرفة ما هو مشروعٌ وما هو غير مشروعٍ، فإنَّ الله تعالى لا يقبل منكم إلَّا ما شرعه لكم على لسان نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم».
[«آثار البشير» الإبراهيمي (1/ 406)]

في التفريق بين الداعي إلى بدعته وغيره من أهل البدع
«فأمَّا من كان مستترًا بمعصيةٍ أو مُسِرًّا لبدعةٍ غيرِ مكفِّرةٍ؛ فإنَّ هذا لا يُهْجَر، وإنما يُهْجَر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوعٌ من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصيةَ قولًا أو عملًا، وأمَّا من أظهر لنا خيرًا فإنَّا نقبل علانيتَه، ونَكِلُ سريرتَه إلى الله تعالى، فإنَّ غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقبل علانيتهم وَيَكِلُ سرائرهم إلى الله لَمَّا جاءوا إليه عامَ تبوكَ يحلفون ويعتذرون، ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمَّة كمالكٍ وغيره لا يقبلون روايةَ الداعي إلى بدعةٍ ولا يجالسونه بخلاف الساكت، وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعاتٍ مِمَّن رُمِيَ ببدعةٍ من الساكتين، ولم يُخْرِجوا عن الدعاة إلى البدع».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (24/ 175)]

حِكَم التشريع في مخالفة الكفَّار
«وهذا ـ وإن دلَّ على أنَّ مخالفتهم أمرٌ مقصودٌ للشرع ـ فذلك لا ينفي أن تكون في نفس الفعل الذي خولفوا فيه مصلحةٌ مقصودةٌ مع قطع النظر عن مخالفتهم، فإنَّ هنا شيئين:
أحدهما: أنَّ نفس المخالفة لهم في الهدي الظاهر مصلحةٌ ومنفعةٌ لعباد الله المؤمنين لِما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم، وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنوَّر قلبُه حتى رأى ما اتَّصف به المغضوب عليهم والضالُّون من مرض القلب الذي ضرره أشدُّ من ضرر أمراض الأبدان.
والثاني: أنَّ نفس ما هم عليه من الهدي والخُلُق قد يكون مضرًّا أو منقصًا فيُنهى عنه ويُؤْمَر بضدِّه لِما فيه من المنفعة والكمال، وليس شيءٌ من أمورهم إلَّا وهو إمَّا مضرٌّ أو ناقصٌ؛ لأنَّ ما بأيديهم من الأعمال المبتدعة والمنسوخة ونحوها مُضرَّةٌ، وما بأيديهم ممَّا لم يُنْسَخ أصله فهو يقبل الزيادة والنقص، فمخالفتهم فيه بأن يُشْرَع ما يحصِّله على وجه الكمال، ولا يُتصوَّر أن يكون شيءٌ من أمورهم كاملًا قطُّ، فإذًا المخالفة فيها منفعةٌ وصلاحٌ لنا في كلِّ أمورنا حتى ما هم عليه من إتقان بعض أمور دنياهم قد يكون مضرًّا بأمر الآخرة أو بما هو أهمُّ منه من أمر دنيانا، فالمخالفة فيه صلاحٌ لنا».
[«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (56)]

أهل الأهواء لا ينفردون عن أهل السنَّة بحقٍّ
«ومفاريد الرافضة التي تدلُّ على غاية الجهل والضلال كثيرةٌ لم نقصد ذكرها هنا، لكنَّ المقصود أنَّ كلَّ طائفةٍ سوى أهل السنَّة والحديث المتَّبعين لآثار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا ينفردون عن سائر الطوائف بحقٍّ، والرافضة أبلغ في ذلك من غيرهم.
وأمَّا الخوارج والمعتزلة والجهمية فإنهم أيضًا لم ينفردوا عن أهل السنَّة والجماعة بحقٍّ، بل كلُّ ما معهم من الحقِّ ففي أهل السنَّة من يقول به، لكن لم يبلغ هؤلاء من قلَّة العقل وكثرة الجهل ما بلغت الرافضة».
[«منهاج السنَّة النبوية» (5/ 177)]

طرق أهل الأهواء في الاستدلال
«ومن نظر إلى طرق أهل البدع في الاستدلال عرف أنها لا تنضبط؛ لأنها سيَّالةٌ لا تقف عند حدٍّ، وعلى وجهٍ يصحُّ لكلِّ زائغٍ وكافرٍ أن يستدلَّ على زيغه وكفره حتى ينسب النحلة التي التزمها إلى الشريعة، فقد رأينا وسمعنا عن بعض الكفَّار أنه استدلَّ على كفره بآيات القرآن... وكذلك يمكن كلَّ من اتَّبع المتشابهات، أو حرَّف المناطات، أو حمَّل الآيات ما لا تحتمله عند السلف الصالح، أو تمسَّك بالواهية من الأحاديث، أو أخذ الأدلَّة ببادي الرأي: أن يستدلَّ على كلِّ فعلٍ أو قولٍ أو اعتقادٍ وافق غرضه بآيةٍ أو حديثٍ لا يعوز ذلك أصلًا».
[«الاعتصام» للشاطبي (2/ 140)]

الفرقان بين دعاة الحقِّ ودعاة الشيطان
«فمن دعا إلى ما دعا إليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهو من دعاة الله، يدعو إلى الحقِّ والهدى، ومن دعا إلى ما لم يدعُ إليه محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم فهو من دعاة الشيطان يدعو إلى الباطل والضلال».
[ابن باديس «آثار ابن باديس» (1/ 182)]

تأثير الصحبة
«اعلموا إخواني أنِّي فكَّرتُ في السبب الذي أخرج أقوامًا من السنَّة والجماعة، واضطرَّهم إلى البدعة والشناعة، وفتح باب البليَّة على أفئدتهم، وحجب نور الحقِّ عن بصيرتهم، فوجدتُ ذلك من وجهين: أحدهما: البحث والتنقير وكثرة السؤال عمَّا لا يغني ولا يضرُّ العاقلَ جهلُه، ولا ينفع المؤمنَ فهمُه. والآخر: مجالسة من لا تُؤْمَن فتنتُه، وتُفسد القلوبَ صحبتُه».
[«الإبانة الكبرى» لابن بطَّة (1/ 390)]

كن على جادَّة السلف الصالح
«كن سلفيًّا على الجادَّة، طريق السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، فمن بعدهم ممَّن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين، من التوحيد، والعبادات ونحوها، متميِّزًا بالتزام آثار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال، والمراء، والخوض في علم الكلام، وما يجلب الآثام، ويصدُّ عن الشرع».
[«حلية طالب العلم» لبكر أبو زيد (143)]

تأثُّر الظاهر بالباطن
«وهذا الحسن والجمال الَّذي يكون عن الأعمال الصالحة في القلب يسري إلى الوجه، والقبح والشين الَّذي يكون عن الأعمال الفاسدة في القلب يسري إلى الوجه ـ كما تقدَّم ـ، ثمَّ إنَّ ذلك يقوى بقوَّة الأعمال الصالحة والأعمال الفاسدة، فكلَّما كثر البر والتقوى قوي الحسن والجمال، وكلَّما قوي الإثم والعدوان قوي القبح والشين حتَّى ينسخ ذلك ما كان للصورة من حسنٍ وقبحٍ، فكم ممَّن لم تكن صورته حسنةً ولكنْ من الأعمال الصالحة ما عظم بِهِ جماله وبهاؤه حتَّى ظهر ذلك على صورته، ولهذا ظهر ذلك ظهورًا بيِّنًا عند الإصرار على القبائح في آخر العمر عند قرب الموت، فنرى وجوهَ أهل السنَّة والطاعة كلَّما كبروا ازداد حسنها وبهاؤها حتَّى يكون أحدهم في كبره أحسن وأجمل منه في صغره، ونجد وجوهَ أهل البدعة والمعصية كلَّما كبروا عظم قبحها وشينها حتَّى لا يستطيع النظرَ إِلَيْهَا من كان منبهرًا بها في حال الصغر لجمال صورتها».
[«الاستقامة» لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 365)]

حاجة القلب إلى الغيرة
«وهذا يدلُّك على أنَّ أصل الدين الغَيرة، ومن لا غيرةَ له لا دين له، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدمُ الغيرة تميت القلب فتموت له الجوارح، فلا يبقى عندها دفعٌ ألبتَّةَ، ومَثَلُ الغيرة في القلب مَثَلُ القوَّة التي تدفع المرضَ وتقاومه، فإذا ذهبت القوَّة وجد الداء المحلَّ قابلًا ولم يجد دافعًا فتمكَّن فكان الهلاك، ومثلها مثل صياصي [قرون] الجاموس التي تدفع بها عن نفسه وولده، فإذا تكسَّرت طمع فيها عدوُّه».
[«الداء والدواء» لابن القيِّم (109 ـ 110)]

دخول الأشعرية المغربَ
«وكان أهل المغرب سلفيِّين حتَّى رحل ابن تومرت إلى الشرق وعزم على إحداث انقلابٍ بالمغرب سياسيٍّ علميٍّ دينيٍّ، فأخذ بطريقة الأشعري ونصرها، وسمَّى المرابطين السلفيِّين مجسِّمين، ثمَّ انقلابه على يد عبد المؤمن، فتمَّ انتصار الأشاعرة بالمغرب، واحتجبت السلفية بسقوط دولة صنهاجة، فلم ينصرْها بعدهم إلَّا أفرادٌ قليلون من أهل العلم في أزمنةٍ مختلفةٍ».
[«تاريخ الجزائر في القديم والحديث» لمبارك الميلي (711)]

أظهر علامات أهل البدع
«وعلامات البدع على أهلها باديةٌ ظاهرةٌ، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدَّةُ معاداتهم لحملة أخبار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، واحتقارُهم لهم وتسميتهم إياهم حشويةً وجَهَلَةً وظاهريةً ومشبِّهةً، اعتقادًا منهم في أخبار الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أنها بمعزلٍ عن العلم، وأنَّ العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتاج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير، وكلماتهم وحججهم العاطلة بل شبههم الداحضة الباطلة».
[«عقيدة السلف أصحاب الحديث» لأبي عثمان الصابوني (ص 110)]

الطعن في الوهَّابية طعنٌ في المالكية
«ولهذا قلت وما زلت ولن أزال أقول: إنَّ المالكي الذي يطعن في الوهَّابيِّين يطعن في مالكٍ ومذهبِه من حيث يشعر أو لا يشعر، أو لأنه جاهلٌ أو متجاهلٌ».
[أبو يعلى الزواوي، العدد السابع من جريدة «الصراط السويُّ» (7)]

في بيان أشقِّ الصبر على النفوس
«مشقَّة الصبر بحسب قوَّة الداعي إلى الفعل وسهولته على العبد، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشقَّ شيءٍ على الصابر، وإن فُقدا معًا سَهُل الصبر عنه، وإن وُجد أحدهما وفُقد الآخر سَهُل الصبر من وجهٍ وصَعُب من وجهٍ، فمن لا داعيَ له إلى القتل والسرقة وشرب المسكر وأنواع الفواحش ولا هو سهلٌ عليه فصبره عنه من أيسر شيءٍ عليه وأسهله، ومن اشتدَّ داعيه إلى ذلك وسَهُل عليه فعلُه فصبره عنه أشقُّ شيءٍ عليه، ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم وصبرُ الشاب عن الفاحشة وصبرُ الغنى عن تناوُل اللذَّات والشهوات عند الله بمكان».
[«عدَّة الصابرين» لابن القيِّم (69)]

من أوليات الداعية الصادق التحذير من الشرك
«لعلك لا تجد في عيوب النفس ونقائص الإِنسان ما يضاهي الشرك في اقتضاء طبع المتدين له، وخفاء مساربه إلى نفسه، ودفاع المتأولين عنه؛ فكان لزاماً على من يهتم لسعادته في الدار الباقية أن يعترف بحاجته الشديدة إلى معرفة الشرك ومظاهره، وأن يعتني كل الاعتناء بالبحث عن كل ذريعة إلى هذا الداء؛ ليتقيه أيما اتقاء، فلا يسري إلى جنانه، ولا يعلق بلسانه، ولا يظهر على شيء من أركانه، وكان من آيات المرشد النصوح وأخص مظاهر نصحه أن يجعل أولى ما يتقدم به إلى العامة وأول ما يقرع به أسماعهم التحذير من الشرك ومظاهره، وبيان مدلوله وأنواعه، ثم الصبر على ما يلحقه لذلك من أذى جاهل متحمس، ومغرض متعصب، وضال متأول».
[المبارك الميلي «الشرك ومظاهره» (44)]

الفعل المذموم مذمومٌ مهما كان فاعله
والشرُّ في أهل الأهواء أكثر منه في أهل السنَّة
«وكلُّ ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذمومٌ منهيٌّ عنه، سواءٌ كان فاعله منتسبًا إلى السنَّة أو إلى التشيُّع، ولكنَّ الأمور المذمومة المخالفة للكتاب والسنَّة في هذا وغيره هي في الرافضة أكثر منها في أهل السنَّة، فما يوجد في أهل السنَّة من الشرِّ ففي الرافضة أكثر منه، وما يوجد في الرافضة من الخير ففي أهل السنَّة أكثر منه».
[«منهاج السنَّة» لابن تيمية (1/ 483)]

كمال الإسلام في الجمع بين الجمال والجلال
«... ففي شريعته صلَّى الله عليه وسلَّم من اللين والعفو والصفح ومكارم الأخلاق أعظم مما في الإنجيل، وفيها من الشدَّة والجهاد، وإقامة الحدود على الكفَّار والمنافقين أعظم ممَّا في التوراة، وهذا هو غاية الكمال؛ ولهذا قال بعضهم: بُعث موسى بالجلال، وبُعث عيسى بالجمال، وبُعث محمد بالكمال».
[«الجواب الصحيح» لابن تيمية (5/ 86)]

حقيقة الابتداع وخطره
«مِن أبين المخالفة عن أمره وأقبحها، الزيادةُ في العبادة التي تعبَّد لله بها على ما مضى من سنَّته فيها، وإحداثُ محدثاتٍ على وجه العبادة في مواطنَ مرَّت عليه ولم يتعبَّد بمثل ذلك المحدَث فيها، وكلا هذين زيادةٌ وإحداثٌ وابتداعٌ مذمومٌ، يكون مرتكبُه كمن يرى أنه اهتدى إلى طاعةٍ لم يهتدِ إليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وسبقَ إلى فضيلةٍ قَصُر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عنها، وكفى بهذا وحده فتنةً وبلاءً، دع ما يجرُّ إليه من بلايا أُخرى».
[«آثار ابن باديس» (1/ 375)]

دعوة الحق والخلاف حولها
«التفريق ليس مذمومًا لذاته، فتنفير بعض الناس من الدعوة إلى الكتاب والسنَّة، والتحذير ممَّا يخالفهما من محدثات الأمور، أو الزعم بأنه ما جاء وقتها بعد! بدعوى أنها تنفِّر الناس وتفرِّقهم جهلٌ عظيمٌ بدعوة الحقِّ وما يقترن بها من الخلاف والتعادي حولها كما هو مشاهدٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، سنَّةَ الله في خلقه، ولن تجد لسنَّة الله تبديلًا ولا تحويلًا، ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود: 118 ـ 119]».
[«سلسلة الأحاديث الصحيحة» للألباني (6/ 781)]

الحكمة من تقدير الذنب على العبد
لمَّا سلم لآدم أصل العبودية لم يقدح فيه الذنب. «ابنَ آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثمَّ لقيتني لا تشرك بي شيئًا لقيتك بقرابها مغفرةً». لمَّا علم السيِّد أنَّ ذنب عبده لم يكن قصدًا لمخالفته ولا قدحًا في حكمته علَّمه كيف يعتذر إليه، ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 37]. العبد لا يريد بمعصيته مخالفة سيِّده ولا الجرأةَ على محارمه، ولكن غلبات الطبع وتزيين النفس والشيطان، وقهرُ الهوى، والثقةُ بالعفو، ورجاء المغفرة، هذا من جانب العبد، وأمَّا من جانب الربوبية فجريانُ الحكم وإظهار عزِّ الربوبية وذلِّ العبودية وكمال الاحتياج وظهور آثار الأسماء الحسنى: كالعفوِّ والغفور والتوَّاب والحليم لمن جاء تائبًا نادمًا، والمنتقمِ والعدل وذي البطش الشديد لمن أصرَّ ولزم المجرَّة، فهو سبحانه يريد أن يرى عبدُه تفرُّده بالكمال ونقْصَ العبد وحاجتَه إليه ويُشهده كمالَ قدرته وعزَّته، وكمالَ مغفرته وعفوه ورحمته، وكمالَ برِّه وستره وحلمه وتجاوُزه وصفحه، وأنَّ رحمته به إحسانٌ إليه لا معاوضةٌ وأنه إن لم يتغمَّده برحمته وفضله فهو هالكٌ لا محالة فلله كم في تقدير الذنب من حكمةٍ، وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحةٍ ورحمةٍ. التوبةُ من الذنب كشرب الدواء للعليل ورُبَّ علَّةٍ كانت سبب الصحَّة.
لعلَّ عتبك محمودٌ عواقبه ... وربَّما صحَّت الأجساد بالعلل
لولا تقدير الذنب هلك ابن آدم من العجب. ذنبٌ يَذِلُّ به أحبُّ إليه من طاعةٍ يُدِلُّ بها عليه. شمعةُ النصر إنما تنزل في شمعدان الانكسار.
[«الفوائد» لابن القيِّم (86)]

ظهور قصد القائل صارف عن إرادة عمومه وإطلاقه
والواجب طرد هذا الأصل في كلام للمكلف يترتب عليه أمر شرعي، فإن الكلام إنما يترتب عليه موجبه لدلالته على قصد صاحبه، فإذا ظهر قصده لم يجز أن يعدل عنه إلى عموم كلامه وإطلاقه، فإن ذلك غلط وتغليط، وجميع الأمم على اختلاف لغاتها تراعي مقاصد المتكلمين وإراداتهم وقرائن كلامهم، ولو سئل أحدهم عن جاريته وقيل له: إنها فاجرة، فقال: كلا، بل هي عفيفة حرة لم يشكوا أنه لم يرد عتقها ولا خطر بباله، فإلزامه بعتقها بمجرد ذلك خطأ، واللفظ إنما يكون صريحا إذا تجرد عن القرائن الصارفة له عن موضوعه عند الإطلاق، ولهذا لو وصل قوله (أنت طالق) بقوله (من وثاق) لم يكن صريحا، وكذا لو دعي إلى غداء فقال: والله لا أتغدى، لم يشك هو ولا عاقل أنه لم يرد ترك الغداء أبدا إلى آخر العمر، فإلزامه بما لم يرده قطعا بناء على إطلاق لفظ لم يرد إطلاقه وتعميم ما لم يرد عمومه إلزام بما لم يلزمه، ولا ألزمه الله ورسوله به، وبالله التوفيق.
[«أحكام أهل الذمَّة» لابن القيِّم (219)]


الحكمة من وقوع بعض المخلصين في الأخطاء
«واعلَمْ أنَّ الله تعالى قد يُوقِعُ بعضَ المخلصين في شيءٍ من الخطإِ ابتلاءً لغيره: أيتَّبعون الحقَّ ويَدَعُونَ قولَه، أم يغترُّون بفضله وجلالته؟ وهو معذورٌ بلْ مأجورٌ لاجتهاده وقصْدِه الخيرَ وعدم تقصيره. ولكنَّ مَنِ اتَّبعه مغترًّا بعظمته بدون الْتفاتٍ إلى الحُجَجِ الحقيقية من كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم فلا يكون معذورًا، بل هو على خطرٍ عظيمٍ. ولَمَّا ذهبتْ أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها إلى البصرة قبل وقعة الجمل أَتْبَعَها أميرُ المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه ابْنَه الحَسَنَ وعمَّارَ بن ياسرٍ رضي الله عنهما لينصحا الناس، فكان مِن كلام عمَّارٍ لأهل البصرة أنْ قال: «وَاللهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللهَ ابْتَلاكُمْ بهَا، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ ؟». ومِن أعظم الأمثلة في هذا المعنى مطالبةُ فاطمةَ رضي الله عنها بميراثها مِنْ أبيها صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا ابتلاءٌ عظيمٌ للصدِّيق رضي الله عنه ثبَّته الله عزَّ وجلَّ فيه».
[«رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله» للمعلِّمي اليمني (152 ـ 153)]

مراتب العلم والعمل
«فرضٌ على الناس تعلُّمُ الخير والعملُ به، فمَن جَمَع الأمرين فقد استوفى الفضيلتين معًا، ومن عَلِمه ولم يعمل به فقد أحسن في التعليم وأساء في ترك العمل به، فخلط عملًا صالحًا وآخر سيِّئًا وهو خيرٌ من آخَرَ لم يعلمه ولم يعمل به، وهذا الذي لا خير فيه أمثلُ حالًا وأقلُّ ذمًّا مِن آخَرَ ينهى عن تعلُّم الخير ويصدُّ عنه، ولو لم يَنْهَ عن الشرِّ إلَّا مَن ليس فيه منه شيءٌ ولا أَمَر بالخير إلَّا من استوعبه لَما نهى أحدٌ عن شرٍّ ولا أَمَر بخيرٍ بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وحَسْبُك بمن أدَّى رأيُه إلى هذا فسادًا وسوءَ طبعٍ وذمَّ حالٍ وبالله تعالى التوفيقُ».
[«مداواة النفوس» لابن حزم (85)]

الانتفاع بكتب أهل الباطل
«والمقصود أنَّ كُتُبَ أهل الكلام يستفاد منها ردُّ بعضهم على بعضٍ، وهذا لا يحتاج إليه من لا يحتاج إلى ردِّ المقالة الباطلة لكونها لم تخطر بقلبه، ولا هناك من يخاطبه بها، ولا يطالع كتابًا هي فيه. ولا ينتفع به من لم يفهم الردَّ، بل قد يستضرُّ به مَن عرف الشبهةَ ولم يعرف فسادَها. ولكنَّ المقصود هنا أنَّ هذا هو العلم الذي في كُتُبهم، فإنهم يردُّون باطلًا بباطلٍ، وكلا القولين باطلٌ».
[«منهاج السنَّة» لابن تيمية (5/ 283)]

خطورة التمسُّك بالمتشابه
«إنَّ الزَّائغ المتَّبع لِمَا تشابه مِن الدَّليل لا يزال في ريبٍ وشكٍ؛ إذ المتشابه لا يعطي بيانًا شافيًا، ولا يقف منه متَّبعُه على حقيقةٍ، فاتِّباعُ الهوى يُلْجِئه إلى التمسُّك به، والنظرُ فيه لا يتخلَّص له، فهو على شكٍّ أبدًا، وبذلك يفارق الرَّاسخ في العلم لأنَّ جداله إن افتقر إليه فهو في مواقع الإشكال العارض طلبًا لإزالته فسرعان ما يزول إذا بيِّن له موضع النَّظر، وأمَّا ذو الزيغ فإنَّ هواه لا يخلِّيهِ إِلَى طَرْحِ المتَشَّابِهِ فَلا يَزَالُ فِي جِدَالٍ عَلَيْهِ وَطَلَبٍ لِتَأْوِيلِهِ».
[«الاعتصام» للشاطبي (2/ 236)]

العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله
قال الحافظ ابن كثيرٍ معلِّقًا على قوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة:44].
«وذهب بعضهم إلى أنَّ مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيفٌ، وأضعف منه تمسُّكهم بهذه الآية؛ فإنه لا حجَّة لهم فيها. والصحيح: أنَّ العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه.
قال مالكٌ: عن ربيعةَ عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ يقول: لَوْ كَانَ المرْءُ لَا يَأْمُر بالمعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَن المنْكَر حَتَّى لَا يَكُونَ فِيه شَيْءٌ مَا أَمَرَ أَحَدٌ بِالمعْرُوفِ، وَلَا نَهَى عَنِ المنْكَرِ.
قال مالكٌ: «وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيءٌ؟!».
قلت: لكنَّه والحالة هذه مذمومٌ على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرةٍ فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم، ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك».
[«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (1/ 85)]

مهمَّة العالم الدينيِّ وموقفه
«واجب العالم الدينيِّ أن يَنْشَطَ إلى الهداية كلَّما نشط الضلالُ، وأن يسارع إلى نصرة الحقِّ كلَّما رأى الباطلَ يصارعه، وأن يحارب البدعةَ والشرَّ والفساد قبل أن تمدَّ مدَّها وتبلغ أشُدَّها، وقبل أن يتعوَّدها الناسُ فترسخَ جذورُها في النفوس ويعسر اقتلاعُها. وواجبه أن ينغمس في الصفوف مجاهدًا ولا يكونَ مع الخوالف والقَعَدة، وأن يفعل ما يفعله الأطبَّاءُ الناصحون من غشيان مواطن المرض لإنقاذ الناس منه، وأن يغشى مجامعَ الشرور لا ليركبها مع الراكبين بل ليفرِّق اجتماعَهم عليها».
[«آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (4/ 117)]

من نصائح الشيخ ابن باديس
«واحذرْ كلَّ «متريبطٍ» يريد أن يقف بينك وبين ربِّك، ويسيطر على عقلك وقلبك وجسمك ومالِك بقوَّةٍ يزعم التصرُّفَ بها في الكون، فربُّك يقول لك إذا سألتَ عنه: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ الآية، ويقول لك: ﴿أَلَا لَهُ الخلْقُ وَالأَمْرُ﴾، وأنَّ أولياء الله الصالحين بعيدون عن كلِّ تظاهُرٍ ودعوى، مُتَحَلُّون بالزهد والتواضع والتقوى، يعرفهم المؤمن بنور الإيمان، وبهذا الميزان، واحذرْ كلَّ دجَّالٍ يتاجر بالرُّقى والطلاسم، ويتَّخذ آياتِ القرآنِ وأسماءَ الرحمن هُزُؤًا، يستعملونها في التمويه والتضليل، و«القيادة» و«التفريق» ويُرفقونها بعقاقيرَ سُمِّيَّةٍ فيُهلكون العقول والأبدان».
[عبد الحميد بن باديس «الشهاب» (2/ 240 ـ 241)]

بين الصدق والادعاء في محبة النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم
«الحبُّ الصحيح لمحمَّد صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم هو الذي يَدُعُّ صاحبَه عن البدع، ويحملُه على الاقتداء الصحيح، كما كان السلف يحبُّونه، فيحبُّون سُنَّته، ويَذُودون عن شريعته ودينه، من غير أن يقيموا له الموالد، وينفقُوا منها الأموال الطائلة التي تفتقر المصالحُ العامَّةُ إلى القليل منها فلا تَجدُه».
[«آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (2/ 132)]

من صفات أهل السنَّة و الجماعة
«أئمَّة السنَّة والجماعة وأهل العلم والإيمان: فيهم العلمُ والعدل والرحمة، فيعلمون الحقَّ الذي يكونون به موافقين للسنَّة سالمين مِن البدعة، ويعدلون على مَن خرج منها ولو ظلمهم كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]، ويرحمون الخلقَ فيريدون لهم الخيرَ والهدى والعلم، لا يقصدون الشرَّ لهم ابتداءًا، بل إذا عاقبوهم وبيَّنوا خطأَهم وجَهْلَهم وظُلْمَهم؛ كان قصدُهم بذلك بيانَ الحقِّ ورحمةَ الخلق والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر وأن يكون الدينُ كلُّه لله، وأن تكون كلمةُ الله هي العليا».
[«الردُّ على البكري» لابن تيمية (251)]

من عقوبة الحسود
«لا ينبغي أن تطلب لحاسدك عقوبةً أكثر ممَّا هو فيه فإنه في أمرٍ عظيمٍ متَّصلٍ لا يرضيه إلَّا زوال نعمتك، وكلَّما امتدَّت امتدَّ عذابُه فلا عيش له، وما طاب عيش أهل الجنَّة إلَّا حين نُزع الحسد والغِلُّ من صدورهم، ولولا أنه نُزع تحاسدوا وتنغَّص عيشهم».
[«صيد الخاطر» لابن الجوزي (362)]

الإنصاف والاعتدال في الحكم على الرجال
«إنَّ الرجل العظيم في العلم والدين مِن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه، وإن كان من أولياء الله المتقين، ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه، وطائفة تذمه فتجعل ذلك قدحا في ولايته وتقواه، بل في بره وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان، وكلا هذين الطرفين فاسد، والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا، ومن سلك طريق الاعتدال عَظَّم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق، ويعلم أنَّ الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم، ويثاب ويعاقب، ويحب من وجه، ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة و الجماعة، خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم».
[«منهاج السنة النبوية» لابن تيمية (4/ 543 ـ 544)]

في العمل عند استبطاء الفرج
«... وأيضًا فإنَّ المؤمن إذا استبطأ الفرجَ، وأَيِسَ منه بعد كثرة دعائه وتضرُّعه، ولم يظهر عليه أثرُ الإجابة يرجعُ إلى نفسه باللائمة، وقال لها: إنما أُتيتُ مِن قِبَلك، ولو كان فيكِ خيرٌ لَأُجِبْتِ، وهذا اللوم أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطاعات، فإنه يوجب انكسارَ العبد لمولاه واعترافَه له بأنه أهلٌ لِما نزل به من البلاء، وأنه ليس بأهلٍ لإجابة الدعاء، فلذلك تسرع إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاء وتفريجُ الكُرَب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبُهم من أجله».
[«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (1/ 494)]

سبيل الإخلاص
«لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبَّته المدحَ والثناء والطمع فيما عند الناس إلَّا كما يجتمع الماء والنار، والضبُّ والحوت، فإذا حدَّثتك نفسك بطلب الإخلاص فأَقْبِلْ على الطمع أوَّلًا فاذبحه بسكِّين اليأس، وأَقْبِلْ على المدح والثناء فازهد فيهما زُهْدَ عُشَّاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبحُ الطمع، والزهد في الثناء والمدح سَهُلَ عليك الإخلاص».
[«الفوائد» لابن القيِّم (195 ـ 197)]

الجرح المقبول
قال ابنُ عبد البرِّ: «إنَّ من صحَّت عدالتُه، وثبتت في العلم إمامتُه، وبانت ثِقَتُه وبالعلم عنايتُه؛ لم يُلتفت فيه إلى قول أحدٍ إلَّا أن يأتيَ في جرحته ببيِّنةٍ عادلةٍ يصحُّ بها جرحتُه على طريق الشهادات والعملِ فيها من المشاهدة والمعاينة».
[«جامع بيان العلم وفضله» (2/ 152)]

صفة القلب الذي يقبل العلم ويزكو فيه
«وبلغنا عن بعض السلف قال: «القلوب آنية الله في أرضه فأحبها إلى الله أرقها وأصفاها » وهذا مثل حسن، فإن القلب إذا كان رقيقا لينا كان قبوله للعلم سهلا يسيرا ورسخ العلم فيه وثبت وأثر، وإن كان قاسيا غليظا كان قبوله للعلم صعبا عسيرا، ولا بد مع ذلك أن يكون زكيا صافيا سليما، حتى يزكو فيه العلم، ويثمر ثمرا طيبا وإلا فلو قبل العلم وكان فيه كدر وخبث أفسد ذلك العلم، وكان كالدغل في الزرع إن لم يمنع الحب من أن ينبت منعه أن يزكو ويطيب، وهذا يبين لأولي الأبصار»
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (9/ 315)]

حقيقة العلم النافع
«تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن وفسَّره الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم قولًا وفعلًا ولم يأتِ نهيٌ عنه، قال عليه السلام: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»، فعليك يا أخي بتدبُّر كتاب الله، وبإدمان النظر في «الصحيحين» و«سنن النسائي» و«رياض النواوي» و«أذكاره» تُفْلِحْ وتُنْجِحْ، وإيَّاك وآراء عُبَّاد الفلاسفة، ووظائفَ أهل الرياضات، وَجُوع الرهبان، وخطابَ طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكلُّ الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فواغوثاه بالله، اللهمَّ اهدِنا إلى صراطك المستقيم».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (19/ 340)]

دعائم الصدع بالحقِّ
«الصدع بالحقِّ عظيمٌ يحتاج إلى قوَّةٍ وإخلاصٍ، فالمخلص بلا قوَّةٍ يعجز عن القيام به، والقويُّ بلا إخلاصٍ يُخْذَل، فمن قام بهما كاملًا فهو صدِّيقٌ، ومن ضَعُفَ فلا أقلَّ من التألُّم والإنكار بالقلب، ليس وراء ذلك إيمانٌ، فلا قوَّة إلَّا بالله».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (9/ 434)]

الهلاك في رؤية النفس، والفلاح في ترك ذلك
«فلا شيء أنفعُ للصادق من التحقُّق بالمسكنة والفاقة والذلِّ وأنه لا شيء، وأنه ممَّن لم يصحَّ له بعدُ الإسلامُ حتَّى يدَّعيَ الشرفَ فيه.
ولقد شاهدتُ من شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس اللهُ روحَه من ذلك أمرًا لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيرًا: «ما لي شيءٌ، ولا منِّي شيءٌ، ولا فيَّ شيءٌ»، وكان كثيرًا ما يتمثَّل بهذا البيت:
أنا المكدي وابن المكدي * وهكذا كان أبي وجدِّي
وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول: «والله إنِّي إلى الآن أجدِّد إسلامي كلَّ وقتٍ، وما أسلمتُ بعدُ إسلامًا جيِّدًا»».
[«مدارج السالكين» لابن القيِّم (1/ 581)]

سرُّ إخفاء الدعاء
«إنَّ أعظم النِّعمة: الإقبالُ والتعبُّدُ، ولكلِّ نعمة حاسدٌ على قدرها دَقَّت أو جَلَّت، ولا نعمةَ أعظمُ مِن هذه النعمة ـ يعني دعاءَ الله عزَّ وجلَّ ـ فإنَّ أنْفُس الحاسدين مُتعلِّقةٌ بها، وليس للمحسود أسلمُ مِن إخفاء نعمته عن الحاسد، وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام: ﴿لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾ [يوسف: 5] الآية، وكم مِن صاحب قلبٍ وجمعيةٍ وحالٍ مع الله تعالى قد تحدَّث بها وأخبر بها فسلبه إيَّاها الأغيارُ، ولهذا يوصي العارفون والشيوخ بحفظ السرِّ مع الله تعالى، ولا يطَّلع عليه أحدٌ».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (15/ 18)]

أصدق الناس
«ليس للعبد شيءٌ أنفع من صدقه ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمَّد: 21]، فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل، فصدق العزيمة جمعها وعدم التردد فيها، بل تكون عزيمة لا يشوبها تردد ولا تلوم، فإذا صدقت بقي عليه صدق الفعل وهو استفراغ الوسع وبذل الجهد فيه، وأن لا يتخلف عنه شيء من ظاهره وباطنه، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة وصدق الفعل يمنعه من الكسل والفتور، ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص وصدق التوكُّل، فأصدق الناس من صح إخلاصه وتوكله».
[«الفوائد» لابن القيِّم (266)]

كَنْزٌ عظيم
«قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِنْ مِن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ [الحجر: 21]، متضمِّنٌ لكَنْزٍ من الكنوز، وهو أن يطلب كلَّ شيءٍ لا يطلب إلَّا ممَّن عنده خزائنه، ومفاتيح تلك الخزائن بيده، وأنَّ طلبه من غيره طلب ممَّن ليس عنده ولا يقدر عليه».
[«الفوائد» لابن القيِّم (285)]

من ترك شيئًا لله عَوَّضه الله خيرًا منه
«إنَّما يجد المشقَّةَ في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أمَّا من تركها صادقًا مُخلِصًا مِن قلبه لله فإنه لا يجد في تركها مشقَّةً إلَّا في أَوَّل وهلة، لِيُمتحَن: أصادقٌ هو في تركها أم هو كاذب؟ فإن صبر على تلك المشقَّة قليلًا استحالت لذَّةً. قال ابن سيرين: سمعتُ شُرَيْحًا يحلف بالله ما ترك عبدٌ لله شيئًا فوجد فَقْدَه».
[«الفوائد» لابن القيِّم (1/ 107)]

أصول الإسلام
«وفي الكلام المأثور عن الإمام أحمد: أصول الإسلام أربعة: دالٌّ ودليلٌ، ومُبيِّنٌ ومستدِلٌّ، فالدَّالُّ هو: الله، والدليل هو: القرآن، والمبيِّن هو: الرسولُ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم، قال الله تعالى: ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44]، والمستدِلُّ هم: أولو العلم وأولو الألباب الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم».
[«النبوَّات» لابن تيمية (248)]

حقيقة العاقل
قال سفيان بن عيينة ـ رحمه الله ـ: «ليس العاقل الذي يَعرِفُ الخيرَ والشرَّ؛ إنما العاقل الذي إذا رأى الخير اتَّبعه، وإذا رأى الشرَّ اجتنبه».
[«حلية الأولياء» لأبي نعيم (8/ 339)، و«شعب الإيمان» للبيهقي (4664)]

قيمة الوقت
«إضاعة الوقت أشدُّ من الموت؛ لأنَّ إضاعة الوقت تقطعك عن الله وعن الدار الآخرة، والموتُ يقطعك عن الدنيا وأهلها، والدنيا من أوَّلها إلى آخرها لا تساوي غمَّ ساعةٍ فكيف بغمِّ العمر؟».
[«فوائد الفوائد» لابن القيِّم (458)]

التلازم بين العلم والعمل وبين العمل والإخلاص
«لو نفع العلم بلا عملٍ لَما ذمَّ الله سبحانه وتعالى أحبار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاصٍ لَما ذمَّ المنافقين».
[«فوائد الفوائد» لابن القيِّم (459)]

الاستخفاف بالناس
قال ابن المبارك ـ رحمه الله ـ: «من استخفَّ بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخفَّ بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخفَّ بالإخوان ذهبت مروءته».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (8/ 405)]

هجر القرآن
«هجر القرآن أنواع:
1ـ هجر سماعه، والإيمانِ به، والإصغاءِ إليه.
2ـ هجر العمل به، والوقوفِ عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به.
3ـ هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدِّين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأنَّ أدلَّته لفظيةٌ لا تحصل العلم.
4ـ هجر تدبُّره وتفهُّمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
6ـ هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به.
وكلُّ هذا داخل في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30].
[«الفوائد» لابن القيِّم (1/ 82)]

أصول الخطايا
«أصول الخطايا كلُّها ثلاث: الكِبر وهو: الذي أصار إبليسَ إلى ما أصاره؛ والحرص وهو: الذي أخرج آدم من الجنَّة؛ والحسد وهو: الذي جرَّأ أحد ابني آدم على أخيه. فمن وُقِيَ شرَّ هذه الثلاث فقد وُقي الشرَّ، فالكفر من الكِبر، والمعاصي من الحرص، والبغي والظلم من الحسد».
[«الفوائد» لابن القيِّم (1/ 58)]

عنوان سعادة العبد وشقائه
«وكثيرًا ما يجمع اللهُ تعالى بين الصلاة والزَّكاة في القرآن؛ لأنَّ الصلاة متضمِّنةٌ الإخلاصَ للمعبود، والزكاة والنفقة متضمِّنةٌ الإحسانَ إلى عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصُه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق، كما أنَّ عنوان شقاوة العبد عدمُ هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان».

الصبر على الأذى في سبيل الإصلاح
«وإن تعجب فعجب أمر هؤلاء الذين يريدون من علماء الدين أن يذعنوا لأباطيلهم ويطأطئوا رؤوسهم أمام عظمة أهوائهم، وما ضمتها من عفونات ما يلقيه الشيطان عليهم رغم تعاليم الدين الذي يلعن من يكتم من الدين المنزَّل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم شيئا وكأنَّ هؤلاء لم يعلموا أننا لم نكتب ما كتبنا وما كتبه إخواننا من أهل الدين والبصيرة النافذة لقضاء شهوة من الشهوات أو طلب دخل من الدخول أو لنيل حظ من الحظوظ، وأن الله يعلم والمسلمين يعلمون أنه لولا أن الله تعالى أمرنا بأن نبلغ هذا الدين كما أخذناه لا ننقص ولا نزيد ولولا أننا نزحزح أنفسنا عن الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى ما رضينا لأنفسنا أن نخاطب هذه الهلثاء التي لا فقه لها ولكننا سوف نثبت حيث أمرنا الله مستميتين في الدفاع عن الدين ولو قطعنا إربا أو رمى بنا في أتون وإن نحن لقينا ما لقينا فحسبنا:
ما أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت»
[العربي التبسي «الشهاب» (3/ 297)]

إلباس الحق بالباطل
«تأسس الإسلام، وتأسس معه التمرد الذي هو عبارة عن عدم الاستسلام، وهو الكفر والجحود بعينه والعياذ بالله وجاء الإسلام بالإصلاح العام لما أحدثه الأنام فقام المعارضون ضد المصلحين الحقيقيين الذين هم المرسلون وقالوا لنوح عليه السلام: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأعراف: 60]، وقالوا لهود عليه السلام: ﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ [الأعراف:70]، وقالوا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿سَاحِرٌ كَذَّابٌ. أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص:4، 5].
وهذا الذي وقع لنا معشر المصلحين المخلصين في هذا العصر كلما نوهنا أو نبهنا إلى خطإ أو فساد في العقائد والعوائد أو عارضنا المفاسد والمعابد بالباطل أو ذكرنا الملل والنحل التي تفرعت في الإسلام الذي جاء بالتوحيد قام في وجوهنا فريق من البله الجامدين المغفلين وخرجوا إلينا بطرا ورئاء الناس أنهم يدافعون عن الأولياء والصاحين فيلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون».
[أبو يعلى الزواوي «الشهاب» (3/ 351)]

فضل السلف على الخلف
«أقام سلفنا الصالح دين الله كما يجب أن يقام، واستقاموا على طريقته أتم استقامة، وكانوا يقفون عند نصوصه من الكتاب والسنة، ولا يتعدونها ولا يتناولونها بالتأويل، وكانت أدواتهم لفهم القرآن، روح القرآن، وبيان السنة، ودلالة اللغة والاعتبارات الدينية العامة، ومن وراء ذلك فطرة سليمة وذوق متمكن ونظر سديد وإخلاص غير مدخول واستبراء للدين، قد بلغ من نفوسهم غايته، وعزوف عن فتنة الرأي وفتنة التأويل، أدبهم قوله تعالى: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: 13] وقوله تعالى ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: 59] فكانوا أحرص الناس على وفاق، وكانوا كلما طاف بهم طائف الخلاف في مسألة دينية بادروه بالرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله فانحسم الداء وانجابت الحيرة»
[«آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (1/ 164)]

سبب تفرق الأمة
«إنَّنا عَلِمْنا حقَّ العلم ـ بعد التروِّي والتثبُّت، ودراسة أحوال الأمَّة ومناشئ أمراضها ـ أنَّ هذه الطرق المبتدعة في الإسلام هي سبب تفرُّق المسلمين، لا يستطيع عاقلٌ سَلِم منها ولم يُبْتَل بأهوائها أن يكابر في هذا أو يدفعه، وعَلِمْنا أنها هي السبب الأكبر في ضلالهم في الدين والدنيا، ونعلم أنَّ آثارها تختلف في القوَّة والضعف اختلافًا يسيرًا باختلاف الأقطار، ونعلم أنها أظهر آثارًا وأعراضًا وأشنع صورًا ومظاهر في هذا القطر الجزائريِّ والأقطار المرتبطة به ارتباطَ الجوار القريب منها في غيره، لأنها في هذه الأقطار فروعٌ بعضها من بعض، ونعلم أنَّنا حين نقاومها نقاوم كلَّ شرٍّ، وأنَّنا حين نقضي عليها ـ إن شاء الله ـ نقضي على كلِّ باطلٍ ومنكرٍ وضلالٍ، ونعلم ـ زيادةً على ذلك ـ أنه لا يتمُّ في الأمَّة الجزائرية إصلاحٌ في أيِّ فرعٍ من فروع الحياة مع وجود هذه الطرقية المشؤومة، ومع ما لها من سلطانٍ على الأرواح والأبدان، ومع ما فيها من إفسادٍ للعقول وقتلٍ للمواهب».
[«آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (1/ 190)]

القائد الحقيقي
«فإنَّ ممَّا نعلمُه ولا يخفَى على غيرِنا أنَّ القائد الَّذي يقول للأمَّة: «إنَّكِ مظلومَةٌ في حقوقِكِ، وإنَّني أريدُ إيصالَكِ إليها»، يجدُ منها ما لا يجدُ مَنْ يقول لها: «إنَّكِ ضالَّةٌ عن أصولِ دينِك، وإنَّني أريدُ هِدايتكِ»، فذلك تُلبِّيه كلُّها، وهذا يقاومُه مُعظمُها أو شطرُها»
[عبد الحميد بن باديس «الصِّراط السَّوي» (العدد 15، 08 رمضان 1352ه/ 25-12-1933م)]

الدين قبل كلِّ شيء
«إنَّنا نعتقد ولم نَزَلْ نعتقد في إيمانٍ وإخلاصٍ بأنَّ الدين وحده هو الذي ينهض بهذه الأمَّة حديثًا كما نهض بها قديمًا، بالدين فقط نصل إلى حيث نأمل ونبلغ كلَّ ما نرجوه ونتمنَّاه، والدين هو رأس مالنا الذي لا خسارة معه، ولا ندامة تلحق العاملين به والمعتصمين بحبله المتين، وإذن فالدين قبل كلِّ شيءٍ».
[محمَّد الطيِّب العقبي «جريدة الإصلاح» (العدد 46، 18 جمادى الأولى 1366ه/ 01-04-1947م)]

جهل المسلمين مِن أسباب العدوان عليهم
«وإنَّ أخوفَ ما يخافه المشفقون على الإسلام جَهْلُ المسلمين لحقائقه وانصرافهم عن هدايته، فإنَّ هذا هو الذي يُطْمِع الأعداءَ فيه وفيهم، وما يُطْمِع الجارَ الحاسد في الاستيلاء على كرائم جاره الميِّت إلَّا الوارثُ السفيه».
[محمَّد البشير الإبراهيمي «جريدة البصائر» (العدد 13، 26 ذي الحجة 1366ه/ 10-11-1947م)]

خطر البدع والضلالات
«إنَّ شيوع ضلالات العقائد، وبدع العبادات، والخلاف في الدين هو الذي جرَّ على المسلمين هذا التحلل من الدين، وهذا البعد من أصليه الأصليين، وهو الذي جرَّدهم من مزاياه وأخلاقه حتى وصلوا إلى ما نراه، وتلك الخلال من إقرار البدع والضلالات هي التي مهدت السبيل لدخول الإلحاد على النفوس، وهيأت النفوس لقبول الإلحاد، ومحال أن ينفذ الإلحاد إلى النفوس المؤمنة، فإن الإيمان حصن حصين للنفوس التي تحمله، ولكن الضلالات والبدع ترمي الجد بالهويْنا، وترمي الحصانة بالوهن، وترمي الحقيقة بالوهم، فإذا هذه النفوس كالثغور المفتوحة لكل مهاجم».
[«آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (4/ 201)]

من فوائد التوبة النصوح
«فليس للعبد إذا بُغي عليه وأُوذي، وتسلَّط عليه خصومُهُ شيءٌ أنفع له مِن التوبة النصوح، وعلامةُ سعادته: أن يعكس فِكْرَه ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه، فيشتغل بها وبإصلاحها والتوبة منها، فلا يبقى فيه فراغٌ لتدبُّر ما نزل به، بل يتولَّى هو التوبةَ وإصلاحَ عيوبه، واللهُ يتولَّى نُصرتَه وحِفْظه والدفعَ عنه ولا بُدَّ، فما أسعدَه مِن عبدٍ! وما أبركَها مِن نازلةٍ نزلت به! وما أحسنَ أثَرَها عليه! ولكنَّ التوفيق والرشد بيدِ الله، لا مانعَ لِما أعطى ولا مُعطيَ لِما منع، فما كلُّ أحدٍ يُوفَّقُ لهذا، لا معرفةً به، ولا إرادةً له، ولا قُدرةً عليه، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله».
[«بدائع الفوائد» لابن القيِّم (2/ 771)]

الصبر سر الظفر ومفتاح الفرَج
ذكر ابن القيِّم أنَّ من أسباب اندفاع شر الحاسد:
«الصبر على عدوِّه، وأن لا يقابله ولا يشكوه، ولا يحدِّث نفسَه بأذاه أصلًا، فما نُصِرَ على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتَّوكُّل على الله، ولا يستطِلْ تأخيرهُ وبغيَه، فإنَّه كلما بغى عليه كان جندا وقوَّةً للمبغي عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسَه وهو لا يشعرُ، فبغيه سهامٌ يرميها من نفسه إلى نفسه، ولو رأى المبغيُّ عليه ذلك لسَرَّه بغيُهُ عليه، ولكن لضعفِ بصيرته لا يرى إلَّا صورة البغي دون آخره ومآله، وقد قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاَقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ﴾ [الحج: 60] فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنَّه قد استوفى حقَّهُ أولًا، فكيف بمن لم يستوفِ شيئا من حقِّه؟ بل بُغِي عليه وهو صابر!؟ وما من الذُّنوب ذنبٌ أسرع عقوبةً من البغي وقطيعة الرحم، وقد سبقت سُنَّة الله: أنَّه لو بغى جبلٌ على جبل جعل الباغِيَ منهما دَكَّا»
[«بدائع الفوائد» لابن القيِّم (2/ 766)]

المخلص يرحب بالنصيحة ولا يخاف النقد
«والقاصد لوجه الله لا يخاف أن يُنقد عليه خَلَلٌ في كلامه، ولا يَهاب أن يُدَلَّ على بطلان قوله، بل يحب الحق من حيث أتاه، ويقبل الهدى ممَّن أهداه، بل المخاشنة بالحق والنصيحة أحبُّ إليه مِن المُداهنة على الأقوال القبيحة، وصديقك مَن أَصْدَقَكَ لا من صدَّقَك، وفي نوابغ الكلم وبدائع الحِكم: (عليك بمَن يُنذر الإبسال والإبلاس وإيَّاك ومَن يقول: لا باس ولا تاس)».
[«العواصم والقواصم» لابن الوزير (1/ 224)]

شروط الزجر بالألفاظ الغليظة
قال ابن الوزير:«واعلم أنَّ للزجر والتخويف بالألفاظ الغليظة شروطا أربعة:
شرطين في الإباحة وهما:
1ـ أن لا يكون المزجور مُحِقًّا في قوله أو فعله.
2ـ وأن لا يكون الزاجر كاذبا في قوله فلا يقول لمَن ارتكب مكروها: يا عاصي، ولا لمَن ارتكب ذنبا لا يعلم كِبره يا فاسق، ولا لصاحب الفِسق مِن المسلمين: يا كافر، ونحو ذلك.
وشرطين في الندب وهما:
1ـ أن يَظُنَّ المتكلِّم أنَّ الشدة أقربُ إلى قَبول الخصم للحقِّ أو إلى وُضوح الدليل عليه.
2ـ وأن يفعل ذلك بنيَّةٍ صحيحة، ولا يفعلُه لمجرَّد داعية الطبيعة».
[«العواصم والقواصم» لابن الوزير (1/ 234)]

العدل والاعتدال عند وقوع الفتن
«الفتن التي يقع فيها التهاجرُ والتباغض والتطاعن والتلاعن ونحوُ ذلك هي فتنٌ وإن لم تبلغ السيفَ، وكلُّ ذلك تفرُّقٌ بغيًا، فعليك بالعدل والاعتدال والاقتصادِ في جميع الأمور، ومتابعةِ الكتاب والسنَّة، وردِّ ما تنازعَتْ فيه الأمَّةُ إلى الله والرسول، وإن كان المتنازعون أهلَ فضائل عظيمةٍ ومقاماتٍ كريمةٍ».
[«جامع المسائل» لابن تيمية (6/ 42)]

من صور التباين بين العالم والجاهل
«العالم يعرف الجاهلَ لأنَّه كان جاهلًا، والجاهل لا يعرف العالمَ لأنَّه ما كان عالمًا».
[«جواب الاعتراضات المصرية» لابن تيمية (172)]

من أسباب الحرمان
«خوف المخلوق ورجاؤه أحدُ أسباب الحرمان ونزولِ المكروه لمن يرجوه ويخافه، فإنه على قَدْر خوفك مِن غير الله يُسلَّط عليك، وعلى قَدْر رجائك لغيره يكون الحرمانُ»
[«الفوائد» لابن القيِّم (93)]

المال وسيلة لمقاصد محمودة
«المال إن لم ينفع صاحبه ضرَّه ولا بدَّ، وكذلك العلم والملك والقدرة، كلُّ ذلك إن لم ينفعه ضرَّه فإنَّ هذه الأمورَ وسائلُ لمقاصدَ يتوصَّل بها إليها في الخير والشرِّ، فإن عُطِّلت عن التوصُّل بها إلى المقاصد والغايات المحمودة تُوُصِّل بها إلى أضدادها، فأربحُ الناس مَن جعلها وسائلَ إلى الله والدار الآخرة، وذلك الذي ينفعه في معاشه ومعاده، وأخسرُ الناس مَن توصَّل بها إلى هواه ونيلِ شهواته وأغراضه العاجلة فخَسِر الدنيا والآخرة».
[«عدَّة الصابرين» لابن القيِّم (188)]

قوَّة اليقين وصدق التوكُّل
قال ابن عيينة ـ رحمه الله ـ: دخل هشامٌ الكعبة، فإذا بسالم بن عبد الله فقال: «سَلْنِي حاجةً» قال: «إنِّي أستحي مِن الله أن أسأل في بيته غيرَه»، فلمَّا خرجا قال: «الآن فسَلْني حاجةً» فقال له سالمٌ: «مِن حوائج الدنيا أم مِن حوائج الآخرة؟» فقال: «مِن حوائج الدنيا»، قال: «واللهِ ما سألتُ الدنيا مَن يملكها، فكيف أسأل مَن لا يملكها».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 466)]

خطر الرياء والابتداع
«الْعَمَلُ بِغَيْرِ إِخْلَاصٍ وَلَا اقْتِدَاءٍ كَالْمُسَافِرِ يَمْلَأُ جِرَابَهُ رَمْلًا يُثْقِلُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ.».
[«الفوائد» لابن القيِّم (52)]

حقيقة دعوة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
«بقي شيء واحد وهو قول الوزير: (إنَّ مؤسس هذا المذهب هو شيخ الإسلام ابن تيمية، واشتهر به ابن عبد الوهاب). والواقع أنَّ مؤسس هذا المذهب ليس هو ابن تيمية ولا ابن عبد الوهاب، ولا الإمام أحمد ولا غيره من الأئمة والعلماء، وإنما مؤسسه هو خاتم النبيين سيدنا محمد بن عبد الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على أنه في الحقيقة ليس مذهبًا، بل هو دعوة إلى الرجوع إلى السنة النبوية الشريفة، وإلى التمسك بالقرآن الكريم، وليس هنا شيء آخر غير هذا.».
[السعيد الزاهري (عضو إداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين) «مجلَّة الصراط السوي» (5/ 5)]

من أساليب محاربة دعوة الحق
«يقولون عنا أننا وهابيون، كلمة كثر تردادها في هذه الأيام الأخيرة حتى أَنْسَت ما قبلها من كلمات: عبداويين وإباضيين وخوارج، فنحن ـ بحمد الله ـ ثابتون في مكان واحد وهو مستقر الحقِّ، لكن القوم يصبغوننا في كل يوم بصبغة ويَسِمُونَنَا في كل لحظة بِسِمَةٍ، وهم يتخذون من هذه الأسماء المختلفة أدوات لتنفير العامة منا وإبعادها عنا وأسلحة يقاتلوننا بها، وكلما كلَّت أداة جاءوا بأداة، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغناء، وقد كان آخر طراز من هذه الأسلحة المغلولة التي عرضوها في هذه الأيام كلمة «وهابي» ولعلهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها، ولعلهم كافأوا مبتدعها بلقب (مبدع كبير)».
[«آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (1/ 123 ـ 124)]

إعمال المعاول والمقاول لهدم أضرحة الباطل
«يا قوم!! إنَّ الحق فوق الأشخاص، وإنَّ السنة لا تسمى باسم من أحياها، وإنَّ الوهابيين قوم مسلمون يشاركونكم في الانتساب إلى الإسلام ويفوقونكم في إقامة شعائره وحدوده، ويفوقون جميع المسلمين في هذا العصر بواحدة وهي أنهم لا يقرون البدعة، وما ذنبهم إذا أنكروا ما أنكره كتاب الله وسنة رسوله وتيسر لهم من وسائل الاستطاعة ما قدروا به على تغيير المنكر؟
أإذا وافقنا طائفة من المسلمين في شيء معلوم من الدين بالضرورة، وفي تغيير المنكرات الفاشية عندنا وعندكم ـ والمنكر لا يختلف حكمه بحكم الأوطان ـ تنسبوننا إليهم تحقيرًا لنا ولهم وازدراءً بنا وبهم، وإن فرَّقت بيننا وبينهم الاعتبارات فنحن مالكيون برغم أنوفكم، وهم حنبليون برغم أنوفكم، ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة، ونحن نُعمِل في طريق الإصلاح الأقلامَ، وهم يُعمِلون فيها الأقدامَ، وهم يُعْمِلُونَ في الأضرحة المعاول ونحن نُعْمِلُ في بانيها المقاول».
[«آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (1/ 123 ـ 124)]

عدم اجتماع مسجدٍ وقبرٍ في الإسلام
«فلا يجتمع في دين الإسلام مسجدٌ وقبرٌ، بل أيُّهما طرأ على الآخَر مُنِع منه وكان الحكمُ للسابق، فلو وُضِعَا معًا لم يَجُز، ولا يصحُّ هذا الوقفُ ولا يجوز، ولا تصحُّ الصلاةُ في هذا المسجد لنهيِ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عن ذلك، ولعنِه مَن اتَّخذ القبرَ مسجدًا أو أوقد عليه سراجًا، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسولَه ونبيَّه، وغربتُه بين الناس كما ترى».
[«زاد المعاد» لابن القيِّم (3/ 572)]

تسلُّط الجاهل على الفتوى
«ولقد أذكَرَنا هذا مفتيًا كان عندنا بالأندلس وكان جاهلًا، فكانت عادتُه أن يتقدَّمه رجلان، كان مدارُ الفتيا عليهما في ذلك الوقت، فكان يكتب تحت فتياهما: «أقول بما قاله الشيخان»، فقضى أنَّ ذينك الشيخين اختلفا، فلمَّا كتب تحت فتياهما ما ذكَرْنا قال له بعضُ مَن حضر: «إنَّ الشيخين اختلفا؟» فقال: «وأنا أختلف باختلافهما!!»».
[«الإحكام» لابن حزم (6/ 240)]

أخلاق أهل العلم
«فإذا ظفرت برجل واحد من أولي العلم طالب للدليل محكم له متبع للحق حيث كان وأين كان ومع من كان زالت الوحشة وحصلت الألفة ولو خالفك فإنه يخالفك ويعذرك، والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة ويكفرك أو يبدعك بلا حجة، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة وسيرته الذميمة، فلا تغتر بكثرة هذا الضرب، وإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم يعدل بملء الأرض منهم».
[«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (3/ 396)]

تقلد الفسَّاق منصب الفتوى
«وقد شهدنا نحن قومًا فُسَّاقًا حملوا اسم التقدُّم في بلدنا، وهم مِمَّن لا يَحِلُّ لهم أن يفتوا في مسألة من الديانة، ولا يجوز قَبول شهادتهم. وقد رأيت أنا بعضهم، وكان لا يقدم عليه في وقتنا هذا أحد في الفتيا، وهو يتغطى الديباج الذي هو الحرير المحض لحافًا، ويتخذ في مَنْزِله الصور ذوات الأرواح من النحاس والحديد تقذف الماء أمامه، ويفتي بالهوى للصديق فتيا، وعلى العدو فتيا ضِدَّها، ولا يستحي من اختلاف فتاويه على قدر ميله إلى من أفتى وانحرافه عليه، شاهدنا نحن هذا عيانًا، وعليه جمهور أهل البلد إلى قبائح مستفيضة، لا نستجيز ذكرها لأننا لم نشاهدها».
[«الإحكام» لابن حزم (6/ 240)]

خطورة الفتيا بالتشهِّي
«وبالجملة فلا يجوز العملُ والإفتاء في دين الله بالتشهِّي والتخيُّر وموافقة الغرض، فيطلب القولَ الذي يوافق غرضَه وغرضَ مَن يحابيه فيعملَ به ويفتيَ به ويحكمَ به، ويحكمَ على عدوِّه ويفتيَه بضدِّه، وهذا مِن أفسق الفسوق وأكبرِ الكبائر، والله المستعان».
[«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (4/ 211)]

محق وسائل التفريق بين الأمَّة
«وكلُّ هذه الكتب المتضمِّنة لمخالفة السُّنَّة غيرُ مأذونٍ فيها، بل مأذونٌ في محقها وإتلافها، وما على الأمَّة أضرُّ منها، وقد حرَّق الصحابةُ جميعَ المصاحف المخالِفة لمصحف عثمان لَمَّا خافوا على الأُمَّة مِن الاختلاف، فكيف لو رأَوْا هذه الكتبَ التي أوقعتِ الخلافَ والتفرُّق بين الأمَّة».
[«الطرق الحكمية» لابن القيِّم (233)]

فضيلة الإنصاف
«فمن هداه اللهُ ـ سبحانه ـ إلى الأخذ بالحقِّ حيث كان ومع مَن كان ولو كان مع مَن يبغضه ويعاديه، وردَّ الباطل مع مَن كان ولو كان مع مَن يحبُّه ويواليه؛ فهو ممَّن هُدِي لما اختُلف فيه مِن الحقِّ».
[«الصواعق المرسلة» لابن القيِّم (2/ 516)]

الراجح ما قام عليه الدليل
«إنَّ أهل السنَّة لم يقل أحدٌ منهم: إنَّ إجماع الأئمَّة الأربعة حُجَّةٌ معصومةٌ، ولا قال: إنَّ الحقَّ منحصرٌ فيها وأنَّ ما خرج عنها باطلٌ، بل إذا قال مَن ليس مِن أتباع الأئمَّة كسفيان الثوريِّ والأوزاعيِّ والليث بنِ سعدٍ ومَن قبلهم مِن المجتهدين قولًا يخالف قولَ الأئمة الأربعة رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله، وكان القولُ الراجحُ هو الذي قام عليه الدليلُ».
[«منهاج السنَّة» لابن تيمية (3/ 412)]

التقليد ضرورة
«وبهذا تعلم أنَّ المضطرَّ للتقليد الأعمى اضطرارًا حقيقيًّا بحيث يكون لا قدرةَ له ألبتَّةَ على غيره مع عدم التفريط لكونه لا قدرة له أصلًا على الفهم، أو له قدرةٌ على الفهم وقد عاقته عوائقُ قاهرةٌ عن التعلُّم، أو هو في أثناء التعلُّم، ولكنَّه يتعلُّم تدريجيًّا فهو معذورٌ في التقليد المذكور للضرورة؛ لأنه لا مندوحة له عنه، أمَّا القادر على التعلُّم المفرِّطُ فيه، والمقدِّم آراءَ الرجال على ما عَلِمَ مِن الوحي، فهذا الذي ليس بمعذورٍ».
[«أضواء البيان» للشنقيطي (7/ 553)]

الحذر من الصادين عن العلم
«العلمَ العلمَ أيُّها الشباب، لا يُلهيكم عنه سمسار أحزاب، ينفخ في ميزاب، ولا داعية انتخاب، في المجامع صخَّاب، ولا يلفتنكم عنه معللٌ بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولا عاوٍ في خراب، يأتم بغراب، ولا يفتننَّكم عنه مُنزوٍ في خنقه، ولا مُلتوٍ في زنقةٍ، ولا جالس في ساباط، على بساط، يحاكي فيكم سنة الله في الأسباط، فكل واحد من هؤلاء مشعوذ خلاب وساحر كذَّاب. إنكم إن أطعتم هؤلاء الغواة، وانصعتم إلى هؤلاء العواة، خسرتم أنفسكم، وخسركم وطنكم، وستندمون يوم يجني الزارعون ما حصدوا، ولات حين ندم».
[محمَّد البشير الإبراهيمي «عيون البصائر» (350 ـ 351)]

شرف الانتساب إلى السلفية
«وهذه الطائفة السلفية التي تعد نفسها سعيدة بالنسبة إلى السلف، وأرجو أن تكون ممن عناهم حديث مسلم «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين يوم القيامة» الحديث، قد وفقوا إلى تقليد السلف في إنكار الزيادة في الدين، وإنكار ما أحدثه المحدثون وما اخترعه المبطلون ويَروْن أنه لا أسوة إلَّا برسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أو من أمرنا بالائتساء به فلمَّا شاركوا السلف وتابعوهم في هذه المزية الإسلامية نَسبُوا أنفسهم إليهم، ولم يَدَعِّ أحدٌ منهم أنه يدانيهم فيما خصَّهم الله به من الهداية التي لا مطمع فيها لسواهم»
[العربي بن بلقاسم التبسي «مجلَّة الشهاب» (4/ 149)]

تضييع الحق بفوت الأدب
«وينبغي إذا دارت المباحثةُ بين الكُتَّاب أن تكون في دائرة الموضوع، وفي حدودِ الأدب، وبروح الإنصاف، وخيرٌ أن تقيم الدليلَ على ضلالِ خصمك أو على غلطه أو على جهله، مِن أن تقول له: يا ضالُّ، أو يا جاهلُ، أو يا غالطُ، فبالأول تحجُّه فيعترف لك، أو يكفيك اعترافُ قُرَّائك، وبالثاني تهيِّجه فيعاند، ويضيعُ ما قد يكون معك مِن حقٍّ بما فاتك معه مِن أدبٍ».
[عبد الحميد بن باديس «مجلَّة الشهاب» ( 4/ 244)]

التزام السلفية منجاةٌ من الفُرقة
«ولا يقف بالجميع عند حدٍّ واحد إلَّا دليلٌ واحد، وهو التزام الصحيح الصريح مما كان عليه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وكان عليه أصحابه، فكلُّ قول يراد به إثبات معنى ديني لم نجده في كلام أهل ذلك العصر نكون في سعة من رده وطرحه وإماتته وإعدامه، كما وسعهم عدمه، ولا وسَّع الله على من لم يسعه ما وسعهم، وكذلك كلُّ عقيدة، فلا نقول في ديننا إلَّا ما قالوا، ولا نعتقد فيه إلَّا ما اعتقدوا ولا نعمل فيه إلَّا ما عملوا، ونسكت عمَّا سكتوا فيه... ونرى كلَّ فتنة كانت بين الفرق الإسلامية ناشئةً عن مخالفة هذا الأصل».
[عبد الحميد بن باديس «مجلَّة الشهاب» (5/ 570)]

آفة العلوم
«لا آفةَ على العلوم وأهلها أضرُّ من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنُّون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدِّرون أنهم يصلحون».
[«مداواة النفوس» لابن حزمٍ (1/ 23)]

المنصب والولاية لا تُصيِّر غير العالم عالمًا
«والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالمًا مجتهدًا عالمًا مجتهدًا، ولو كان الكلام في العلم والدين بالولاية والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحقَّ بالكلام في العلم والدين وبأن يستفتيَه الناس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين، فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدَّعي ذلك لنفسه ولا يَلزم الرعيَّةَ حكمُه في ذلك بقولٍ دون قولٍ إلا بكتاب الله وسنَّة رسوله؛ فمن هو دون السلطان في الولاية أَوْلى بأن لا يتعدَّى طوره ولا يقيم نفسه في منصبٍ لا يستحقُّ القيام فيه أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليٌّ ـ وهم الخلفاء الراشدون ـ فضلًا عمَّن هو دونهم؛ فإنهم رضي الله عنهم إنما كانوا يُلزمون الناس باتِّباع كتاب ربِّهم وسنَّة نبيِّهم».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (27/ 296 ـ 297)]

تأثير الباطن على الظاهر
«اعلم أنَّ الجمال ينقسم قسمين: ظاهرٌ وباطنٌ، فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفَّة والشجاعة، وهذا الجمال الباطن هو محلُّ نظر الله من عبده وموضع محبَّته كما في الحديث الصحيح: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»، وهذا الجمال الباطن يزيِّن الصورةَ الظاهرة وإن لم تكن ذات جمالٍ، فتكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتستْ روحُه من تلك الصفات، فإنَّ المؤمن يُعطى مهابةً وحلاوةً بحسب إيمانه، فمن رآه هابه ومن خالطه أحبَّه، وهذا أمرٌ مشهودٌ بالعيان، فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورةً وإن كان أسود أو غير جميلٍ، ولا سيَّما إذا رُزق حظًّا من صلاة الليل، فإنها تنوِّر الوجهَ وتحسِّنه».
[«روضة المحبِّين» لابن القيِّم (221)]

تحقيق الحاكمية بتوحيد الاتباع
«فوطنوا أيها الأخوة الكرامُ أنفسكم على أن تؤمنوا بكلِّ حديث ثبت لديكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواء كان في العقيدة أو الأحكام وسواء قال به إمامك الذي نشأت على مذهبه بحكم بيئتك أو غيره من أئمة المسلمين، ولا تتبنوا قاعدةً من تلك القواعد التي وضعت بآراء بعض الرجال واجتهاداتهم وهم غير مجتهدين، فيصدكم ذلك عن الاتباع. ولا تقلِّدوا بشرا مهما علا أو سما تؤثرون قوله على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن بلغتموه، واعلموا أنكم بذلك فقط لا بغيره تحققون علمًا وعملًا المبدأ القائل: «لا إله إلَّا الله منهج الحياة» و«الحاكمية لله وحده تبارك وتعالى» وبدون ذلك يستحيل أن نوجد «الجيل القرآني الفريد» الذي ـ هو وحده ـ يستطيع أن ينشئ «المجتمع المسلم وخصائصه» وبالتالي الدولة المسلمة المنشودة مصداقًا للحكمة الصادقة التي قالها أحدُ الدعاة الإسلاميين الكبار رحمه الله تعالى: « أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم» وعسى أن يكون ذلك قريبًا».
[الألباني «الحديث حجَّةٌ بنفسه في العقائد والأحكام» (98)]

جناية الإقصائيين على العلوم
«فلو كان كلُّ من أخطأ أو غلط تُرك جملة، وأُهدرت محاسنُه لفسدت العلومُ والصناعاتُ والحكم وتعطلت معالمها».
[«مدارج السالكين» لابن القيِّم (2/ 39)]

فهمُ الكلام على غير مرادِ قائله قدحٌ في السامع لا في قائلهِ
«فغيرُ الرسول صلَّى الله وعليه وسلَّم إذا عبَّر بعبارةٍ مُوهِمةٍ مقرونةٍ بما يُزيل الإيهامَ كان هذا سائغًا باتِّفاق أهل الإسلام، وأيضًا: فالوهمُ إذا كان لسوءِ فهم المستمع لا لتفريط المتكلِّمين لم يكن على المتكلِّم بذلك بأسٌ، ولا يُشترط في العلماء إذا تكلَّموا في العلم أن لا يتوهَّم متوهِّمٌ من ألفاظهم خلافَ مرادهم، بل ما زال الناسُ يتوهَّمون من أقوال الناس خلافَ مرادهم، ولا يقدح ذلك في المتكلِّمين بالحقِّ».
[«الردُّ على البكري» لابن تيمية (2/ 705)]

التحذير من منهج الإقصاء
«ولو أنَّا كلَّما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له، قمنا عليه، وبدَّعناه، وهجرناه، لما سلم معنا لا ابنُ نصر، ولا ابنُ منده، ولا من هو أكبرُ منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحقِّ، وهو أرحمُ الراحمين، فنعوذُ بالله من الهوى والفظاظة».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (14/ 40)]

الانتساب إلى الحديث بين الادعاء والحقيقة
«وقد رأيت خَلقًا من أهل هذا الزمان ينتسبون إلى الحديث، ويَعدُّون أنفسَهم من أهله المتخصِّصين بسماعه ونقله، وهم أبعد الناس مما يدَّعون، وأقلُّهم معرفة بما إليه ينتسبون، يرى الواحد منهم إذا كتب عددًا قليلًا من الأجزاء، واشتغل بالسماع برهة يسيرة من الدهر، أنه صاحب حديث على الإطلاق، ولمَّا يجهدْ نفسه ويتعبها في طِلابِه، ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه وأبوابه وهم ـ مع قلة كَتْبهم له، وعدم معرفتهم به ـ أعظم الناس كبرًا، وأشدُّ الخلق تيهًا وعجبًا، لا يراعون لشيخ حرمة، ولا يوجبون لطالب ذِمَّة، يخرقون بالراوين، ويعنفون على المتعلمين، خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه، وضدَّ الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه».
[«الجامع لأخلاق الراوي» للخطيب البغدادي (1/ 75)]

التحذير من مناظرة المتعنِّت
«وعليك ألَّا تفاتِحَ بالمناظرة مَن تعلمه متعنِّتًا، لأنَّ كلام المتعنِّت ومن لا يقصد مرضاةَ الله في تعرُّف الحقِّ والحقيقة بما تقوَّله يورِث المباهاة والضجر وحزن القلب وتعدِّيَ حدود الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن لم تعلمه كذلك حتى فاتَحْتَه بالكلام ثمَّ علمته عليه وجب عليك الإمساك عن مناظرته، فإن رأيت نصرة دين الله سبحانه في الإمساك عنه زدت في الحد وبالغت في التحرز عنه».
[«الكافية في الجدل» للجويني (532)]

طبقات الناس
«الناس على طبقاتٍ ثلاثٍ:
فالطبقة العالية: العلماء الأكابر وهم يعرفون الحقَّ والباطل، وإن اختلفوا لم ينشأ عن اختلافهم الفتن لعلمهم بما عند بعضهم بعضًا.
والطبقة السافلة: عامَّةٌ على الفطرة لا ينفرون عن الحق وهم أتباع من يقتدون به، إن كان محقًّا كانوا مثله وإن كان مُبْطِلًا كانوا كذلك.
والطبقة المتوسِّطة: هي منشأ الشرِّ وأصل الفتن الناشئة في الدين، وهم الذين لم يمعنوا في العلم حتَّى يرتقوا إلى رتبة الطبقة الأولى، ولا تركوه حتَّى يكونوا من أهل الطبقة السافلة، فإنهم إذا رَأَوْا أحدًا من أهل الطبقة العليا يقول ما لا يعرفونه مما يخالف عقائدهم التي أوقعهم فيها القصورُ فَوَّقُوا إليه سهامَ التقريع ونسبوه إلى كلِّ قولٍ شنيعٍ، وغيَّروا فِطَرَ أهل الطبقة السفلى عن قَبُولِ الحق بتمويهاتٍ باطلةٍ، فعند ذلك تقوم الفتن الدينية على ساق».
[علي بن قاسم حنش نقلا من «البدر الطالع» للشوكاني (1/ 473)]

دفع أعظم الفسادين بالتزامِ أدناهما
«ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنَّة أنهم لا يَرَوْن الخروجَ على الأئمَّة وقتالَهم بالسيف ـ وإن كان فيهم ظلمٌ ـ، كما دلَّتْ على ذلك الأحاديثُ الصحيحة المستفيضة عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لأنَّ الفسادَ في القتال والفتنة أعظمُ من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتالٍ ولا فتنةٍ، فيُدْفَع أعظمُ الفسادين بالتزام أدناهما، ولعلَّه لا يكاد يُعْرَفُ طائفةٌ خرجتْ على ذي سلطانٍ إلَّا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظمُ من الفساد الذي أزالته».
[«منهاج السنَّة النبوية» لابن تيمية (3/ 231)]

من صفات المستقيمين على الصراط
«قد ذكرتُ من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغٌ لمن عصمه اللهُ تعالى عن مذهب الخوارج ولم يَرَ رأيَهم، وصبر على جَوْرِ الأئمَّة وحَيْفِ الأمراء ولم يخرجْ عليهم بسيفه، وسأل اللهَ تعالى كشْفَ الظلم عنه وعن المسلمين، ودعا للوُلَاةِ بالصلاح، وحجَّ معهم، وجاهد معهم كلَّ عدُوٍّ للمسلمين، وصلَّى معهم الجُمُعةَ والعيدين، فإنْ أمروه بطاعةٍ فأمكنه أطاعهم، وإن لم يُمكنْه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصيةٍ لم يُطِعْهم، وإذا دارت الفِتَنُ بينهم لزم بيتَه وكفَّ لسانَه ويدَه، ولم يَهْوَ ما هم فيه، ولم يُعِنْ على فتنةٍ، فمَنْ كان هذا وصْفَه كان على الصراط المستقيم إن شاء اللهُ».
[«الشريعة» للآجرِّي (40)]

الفرق بين الناصح والمؤنِّب
«النصيحة: إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه والغيرة له وعليه، فهو إحسانٌ محضٌ يصدر عن رحمة ورِقَّة، ومرادُ الناصح بها وجهُ الله ورضاه، والإحسانُ إلى خلقه، فيتلطَّفُ في بذلها غاية التلطُّف، ويحتمل أذى المنصوح ولَائِمَتَه، ويعامله معاملةَ الطبيبِ العالمِ المشفقِ للمريض الْمُشْبَعِ مرضًا، فهو يحتمل سوء خُلُقِه وشراستَه ونفرتَه، ويتلطَّف في وصول الدواء إليه بكلِّ ممكنٍ فهذا شأن الناصح. وأمَّا المؤنِّب فهو: رجل قصْدُه التعييرُ والإهانة وذمُّ من أنَّبه وشتمه في صورة النصح، فهو يقول له: يا فَاعِلَ كذا وكذا، يا مستحِقًّا للذمِّ والإهانة في صورة ناصحٍ مشفقٍ.
وعلامةُ هذا أنه لو رأى من يُحِبُّه ويحسن إليه على مثل عمل هذا أو شرٍّ منه لم يعرض له، ولم يقل له شيئًا، ويطلب له وجوهَ المعاذير، فإن غُلِبَ قال: وأنَّى ضُمِنَتْ له العصمةُ؟ والإنسان عرضة للخطإ ومحاسنُه أكثرُ من مساوئه، والله غفور رحيم، ونحو ذلك. فيا عجبًا، كيف كان هذا لمن يحبُّه دون من يبغضه؟ وكيف كان حظُّ ذلك منك التأنيبَ في صورة النصح، وحظُّ هذا منك رجاءَ العفوِ والمغفرةِ وطَلَبَ وجوهِ المعاذير؟. ومن الفروق بين الناصح والمؤنِّب: أنَّ الناصحَ لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته، وقال: قد وقع أجري على الله، قبلتَ أو لم تقبلْ ويدعو لك بظهر الغيب، ولا يذكر عيوبك ولا يُبيِّنُها للناس، والمؤنِّب بضِدِّ ذلك».
[«الروح» لابن القيِّم (443)]

فائدة في قوله تعالى:
﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: 43]
قال أبو القاسم السُّهَيْلِيُّ: «... وممَّا قُدِّم بالفضل قولُه: ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: 43]، لأنَّ السجود أفضل، «وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ».
فإنْ قيل: فالركوعُ قبله بالطبع والزمان والعادة؛ لأنه انتقالٌ من علوٍّ إلى انخفاضٍ، والعلوُّ بالطبع قبل الانخفاض، فهلَّا قُدِّم الركوعُ؟
الجوابُ أن يقال: انتبهْ لمعنى الآية من قوله: ﴿وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، ولم يقلْ: «اسجدي مع الساجدين»، فإنما عبَّر بالسجود عن الصلاة وأراد صلاتَها في بيتها؛ لأنَّ صلاة المرأة في بيتها أفضلُ من صلاتِها مع قومها، ثمَّ قال لها: «اركعي مع الراكعين»، أي: «صلِّي مع المصلِّين في بيت المقدس»، ولم يُرِدْ أيضًا الركوعَ وحْدَه دون أجزاء الصلاة، ولكنَّه عبَّر بالركوع عن الصلاة كما تقول: «ركعتُ ركعتين وأربعَ ركعاتٍ»، يريد الصلاةَ لا الركوعَ بمجرَّده، فصارت الآيةُ متضمِّنةً لصلاتين: صلاتِها وحْدَها عبَّر عنها بالسجود؛ لأنَّ السجودَ أفضلُ حالات العبد، وكذلك صلاة المرأة في بيتها أفضلُ لها، ثمَّ صلاتُها في المسجد عبَّر عنها بالركوع؛ لأنه في الفضل دون السجود، وكذلك صلاتُها مع المصلِّين دون صلاتها وحْدَها في بيتها ومحرابها»، وهذا نظمٌ بديعٌ وفقهٌ دقيقٌ ...
[«بدائع الفوائد» لابن القيِّم (1/ 63)]

ما يكون عليه الولاء والبراء
«وليس لأحدٍ أن ينصِبَ للأمَّة شخصًا يدعو إلى طريقتِه ويوالي ويعادي عليها غيرَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا ينصِبَ لهم كلامًا يوالي عليه ويعادي غيرَ كلام الله ورسولِه وما اجتمعتْ عليه الأُمَّةُ، بل هذا مِنْ فعلِ أهلِ البدعِ الذين ينصِبُون لهم شخصًا أو كلامًا يفرِّقون به بين الأُمَّة، يوالون به على ذلك الكلامِ أو تلك النِّسبة ويعادون».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (20/ 164)]

في الفرق بين التحزب المذموم وبين التعاون على البر والتقوى المأمور به
قال ابن تيمية: «وليس للمعلِّمين أن يحزِّبوا الناسَ ويفعلوا ما يُلْقِى بينهم العداوةَ والبغضاءَ، بل يكونون مثل الإخوةِ المتعاونين على البِرِّ والتقوى، كما قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2]».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (28/ 15 ـ 16)]

كلام الأقران في بعضهم يُطوى ولا يُروى (1/ 2)
قال الإمام الذهبي: «لسنا ندَّعِي في أئمَّةِ الجرحِ والتعديلِ العصمةَ مِنَ الغلطِ النادِرِ، ولا مِنَ الكلامِ بنَفَسٍ حادٍّ فيمن بينهم وبينه شحناءُ وإِحْنةٌ، وقد عُلِمَ أنَّ كثيرًا من كلامِ الأقرانِ بعضِهم في بعضٍ مُهْدَرٌ لا عبرةَ به، لا سيَّما إذا وَثَّقَ الرجلَ جماعةٌ يلوح على قولِهم الإنصافُ».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (7/ 40 ـ 41)]

كلام الأقران في بعضهم يُطوى ولا يُروى (2/ 2)
قال الذهبي: «كلام الأقران بعضِهم في بعضٍ لا يعبأ به لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد وما ينجو منه إلَّا من عصم الله، وما علمت أنَّ عصرًا من الأعصار سَلِمَ أهلُهُ من ذلك سِوَى الأنبياءِ والصدِّيقين ولو شئتُ لسَرَدْتُ من ذلك كراريس ، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم».
[«ميزان الاعتدال» للذهبي (1/ 111)]

لازم المذهب
قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «ولو كان لازم المذهب مذهبًا للزم تكفيرُ كلِّ من قال عن الاستواء وغيرِه من الصفات: إنَّه مجازٌ ليس بحقيقة، فإنَّ لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (20/ 217)]

قاعدة في الجرح والتعديل (1)
قال التاج السبكي: «فإنك إذا سمعت أن الجرح مقدم على التعديل ورأيت الجرح والتعديل وكنت غرا بالأمور أو فدما مقتصرا على منقول الأصول حسبت أن العمل على جرحه فإياك ثم إياك والحذر كل الحذر من هذا الحسبان بل الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة وإلا فلو فتحنا هذا الباب أو أخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون».
[«طبقات الشافعية» للسبكي (1/ 188)]

قاعدة في الجرح والتعديل (2)
قال التاج السبكي: «عرفناك أنَّ الجارح لا يقبل منه الجرح، وإن فسَّره في حقِّ من غلبت طاعته على معاصيه، ومادحوه على ذامِّيه، ومُزَكُّوه على جارحيه، إذا كانت هناك منافسة دنيوية، كما يكون بين النظراء أو غير ذلك، وحينئذٍ فلا يلتفت لكلام الثوريِّ وغيرِه في أبي حنيفة، وابن أبي ذئب وغيرِه في مالكٍ، وابنِ معينٍ في الشافعي، والنسائيِّ في أحمدَ بنِ صالحٍ ونحوِه، ولو أطلقنا تقديم الجرحِ لَمَا سَلِمَ لنا أحدٌ من الأئمَّة، إذ ما من إمامٍ إلَّا وقد طَعَنَ فيه الطاعنون، وهَلَكَ فيه الهالكون»
[«طبقات الشافعية» للسبكي (1/ 190)]

محبَّة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم الشرعية
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: «هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كُلِّ من ادعى محبةَ اللهِ وليس هو على الطريقة المحمَّدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمَّدِيَّ، والدِّينَ النبويَّ في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»» [متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها].
[«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (1/ 358)]

جهاد خواصِّ الأمَّة
«لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة في الدنيا فهم الأعلون في الدنيا والآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه، واستولى على أنواعه كلِّها، فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان والسيف والسنان، وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه ولسانه ويده ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا وأعظمهم عند الله قدرا.
وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه وقال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا في كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا. فَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾، فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة وإلَّا فهم تحت قهر أهل الإسلام قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ﴾، فجهاد المنافقين أصعبُ من جهاد الكفار، وهو جهادُ خواصِّ الأمَّة، وورثة الرسل والقائمون به أفراد في العالم والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا».
[«زاد المعاد» لابن القيِّم (3/ 5)]

أساس الإصلاح
«لن يصلح المسلمون حتَّى يصلح علماؤهم، فإنما العلماء مِن الأمَّة بمثابة القلب، إذا صلح صلح الجسدُ كلُّه، وإذا فسد فسد الجسدُ كلُّه، وصلاحُ المسلمين إنما هو بفقههم الإسلامَ وعملِهم به، وإنما يصل إليهم هذا على يد علمائهم، فإذا كان علماؤهم أهلَ جمودٍ في العلم وابتداعٍ في العمل فكذلك المسلمون يكونون، فإذا أرَدْنا إصلاحَ المسلمين فلنُصْلِحْ علماءَهم.
ولن يصلح العلماء إلَّا إذا صلح تعليمُهم، فالتعليم هو الذي يطبع المتعلِّمَ بالطابع الذي يكون عليه في مستقبل حياته وما يستقبل مِن عمله لنفسه وغيره، فإذا أرَدْنا أن نُصلح العلماءَ فلْنُصْلِحِ التعليم، ونعني بالتعليم التعليمَ الذي يكون به المسلم عالمًا من علماء الإسلام يأخذ عنه الناس دينَهم ويقتدون به فيه.
ولن يصلح هذا التعليم إلَّا إذا رجَعْنا به للتعليم النبويِّ في شكله وموضوعه، في مادَّته وصورته، فيما كان يعلِّم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وفي صورة تعليمه».
[«آثار الإمام ابن باديس» لابن باديس (4/ 78)]

التعليم السنيُّ السلفيُّ
«وقال الإمام ابن حزمٍ في كتاب «الإحكام» ـ وهو يتحدَّث عن السلف الصالح كيف كانوا يتعلَّمون الدين ـ: «كان أهل هذه القرون الفاضلة المحمودة ـ يعني القرون الثلاثة ـ يطلبون حديث النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والفقه في القرآن، ويرحلون في ذلك إلى البلاد، فإن وجدوا حديثًا عنه عليه السلام عملوا به واعتقدوه»، ومَن راجع كتاب العلم من «صحيح البخاريِّ» ووقف على كتاب «جامع العلم» للإمام ابن عبد البرِّ ـ عصريِّ ابن حزمٍ وبلديِّه وصديقه ـ عرف مِن الشواهد على سيرتهم تلك شيئًا كثيرًا.
هذا هو التعليم الدينيُّ السنيُّ السلفيُّ، فأين منه تعليمُنا نحن اليومَ وقبل اليوم، بل منذ قرونٍ وقرونٍ؟».
[«آثار الإمام ابن باديس» (4/ 78)]

نصيحة نافعة ووصية جامعة
«اعلموا جعلكم الله من وعاة العلم، ورزقكم حلاوة الإدراك والفهم، وجمَّلكم بعزَّة الاتِّباع، وجنَّبكم ذلَّة الابتداع، أنَّ الواجب على كلِّ مسلمٍ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ أن يعتقد عقدًا يتشرَّبه قلبه وتسكن له نفسه وينشرح له صدره، ويلهج به لسانه، وتنبني عليه أعماله، أنَّ دين الله تعالى من عقائد الإيمان، وقواعد الإسلام، وطرائق الإحسان إنما هو في القرآن والسنَّة الثابتة الصحيحة وعمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وأنَّ كلَّ ما خرج عن هذه الأصول، ولم يحظ لديها بالقبول ـ قولًا كان أو عملًا أو عقدًا أو احتمالًا ـ فإنه باطلٌ من أصله، مردودٌ على صاحبه، كائنًا من كان في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فاحفظوها واعملوا بها تهتدوا وترشدوا إن شاء الله تعالى، فقد تضافرتْ عليها الأدلَّة من الكتاب والسنَّة، وأقوال أساطين الملَّة من علماء الأمصار، وأئمَّة الأقطار، وشيوخ الزهد الأخيار، وهي لَعَمْرُ الحقِّ لا يقبلها إلَّا أهل الدين والإيمان، ولا يردُّها إلَّا أهل الزيغ والبهتان».
[«آثار الإمام ابن باديس» (3/ 222)]

الجهل والعجز سببا العدول عن الطرق الشرعية
«فلا يمكن أن يقال إن العصاة لا تمكن توبتهم إلَّا بهذه الطرق البدعية بل قد يقال: إنَّ في الشيوخ من يكون جاهلا بالطرق الشرعية عاجزا عنها ليس عنده علم بالكتاب والسنة وما يخاطب به الناس ويسمعهم إياه مما يتوب الله عليهم فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية إمَّا مع حسن القصد إن كان له دين، وإمَّا أن يكون غرضه الترأس عليهم وأخذ أموالهم بالباطل كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾، فلا يعدل أحدٌ عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلَّا لجهل أو عجز أو غرض فاسد».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (11/ 620)]

اختلاف عبارات السلف في تفسير الإيمان من اختلاف التنوع
«ومِن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنَّة في تفسير الإيمان، فتارة يقولون: هو قول وعمل، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونيَّة، وتارة يقولون: قول وعمل ونية واتِّباع السنَّة، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وكلُّ هذا صحيح، فإذا قالوا: قول وعمل، فإنَّه يدخل في القول قول القلب واللسان جميعًا وهذا هو المفهوم من لفظ القول والكلام ونحو ذلك إذا أطلق… والمقصود هنا أنَّ مَن قال مِن السلف: الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، ومن أراد الاعتقاد رأى أنَّ لفظ القول لا يُفْهَم منه إلَّا القول الظاهر أو خاف ذلك فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال: قول وعمل ونيَّة قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان وأمَّا العمل فقد لا يُفْهَم منه النيَّة فزاد ذلك، ومن زاد اتِّباعَ السنَّة فلأنَّ ذلك كلَّه لا يكون محبوبًا لله إلَّا باتِّباع السنَّة، وأولئك لم يريدوا كلَّ قول وعمل، إنَّما أرادوا ما كان مشروعًا من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الردَّ على المرجئة الذين جعلوه قولًا فقط، فقالوا: بل هو قول وعمل، والذين جعلوه أربعة أقسام فسَّروا مرادهم كما سُئِل سهل بن عبد الله التستريِّ عن الإيمان: ما هو؟ فقال: قول وعمل ونيَّة وسنَّة، لأنَّ الإيمان إذا كان قولًا بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولًا وعملًا بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولًا وعملًا ونية بلا سنة فهو بدعة».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (7/ 171 ـ 170)]

مقابلة الباطل بباطلٍ من الباطل
«وقد روي في التوسُّع فيه ـ أي: عاشواء ـ على العيال آثارٌ معروفةٌ أعلى ما فيها حديثُ إبراهيم بن محمَّد بن المنتشر عن أبيه قال: «بَلَغَنا أنه من وسَّع على أهله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائرَ سَنَته» رواه عنه ابن عيينة. وهذا بلاغٌ منقطعٌ لا يُعرف قائلُه، والأشبه أنَّ هذا وُضع لمَّا ظهرت العصبيةُ بين الناصبة والرافضة، فإنَّ هؤلاء اتَّخذوا يومَ عاشوراء مأتمًا فوضع أولئك فيه آثارًا تقتضي التوسُّعَ فيه واتِّخاذَه عيدًا، وكلاهما باطلٌ».
[«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (2/ 129)]

أتباع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم الفرقة الناجية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في معرض تعيين الفرقة الناجية: «وبهذا يتبيَّن أنَّ أحقَّ الناسِ بأنْ تكونَ هي الفرقةَ الناجيةَ أهلُ الحديثِ والسنَّةِ، الذين ليس لهم متبوعٌ يتعصَّبون له إلَّا رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهم أعلمُ الناسِ بأقوالِه وأحوالِه، وأعظمُهم تمييزًا بين صحيحِها وسقيمِها، وأئمَّتُهم فقهاءُ فيها وأهلُ معرفةٍ بمعانيها، واتِّباعًا لها: تصديقًا وعملًا وحبًّا وموالاةً لمن والاها ومعاداةً لمن عاداها، الذين يروون المقالاتِ المجملةَ إلى ما جاء به من الكتابِ والحكمةِ، فلا يُنَصِّبُون مقالةً ويجعلونها من أصولِ دينِهم وجُمَلِ كلامِهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرسولُ، بل يجعلون ما بُعث به الرسولُ مِنَ الكتابِ والحكمةِ هو الأصلَ الذي يعتقدونه ويعتمدونه».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (3/ 347)]

بالتوحيد تنال السعادة
«المهمُّ بنا أيها الإخوة أن نحرص على بثِّ روح التوحيد: توحيدِ الألوهية في نفوس الناس حتى يكون هدف الإنسان وجه الله والدار الآخرة في جميع شؤونه في عباداته وأخلاقه ومعاملاته وجميع شؤونه، لأنَّ هذا هو المهمُّ: أن يكون الإنسان قصدُه ورجاؤه وإنابته ورجوعه إلى الله عزَّ وجلَّ وبهذا التوحيد أعني توحيد الألوهية والعبادة ينال العبد سعادة الدنيا والآخرة».
[«مجموع رسائل فضيلة الشيخ ابن عثيمين» ابن عثيمين (7/ 351)]

ربط التعليم بالعلماء
«فالتعليم مربوطٌ بالعلماء من حيث وضعُ خططه ومناهجه ومتابعته وتنميته، ومتى انفكَّ التعليم عن العلماء ضاع وتغيَّر وحلَّ محلَّه الجهلُ وفساد العقائد، وهذا ما يريده الأعداء حينما دسُّوا على الإسلام فرقة الخوارج والمعتزلة الذين اعتزلوا العلماء ووضعوا لأنفسهم مناهج خاصَّةً، نتج عنها الضلال والانحلال وتعدَّدت الفرق الضالَّة التي ما زال المسلمون يعانون منها ويحاربون أفكارها».
[صالح الفوزان «الموقع الرسمي»]

لا قومية ولا عصبية في الإسلام
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «وكلُّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن مِن نسبٍ أو بلدٍ أو جنسٍ أو مذهبٍ أو طريقةٍ فهو مِن عزاء الجاهلية، بل لمَّا اختصم رجلان مِن المهاجرين والأنصار فقال المهاجريُّ: «يا للمهاجرين»، وقال الأنصاري: «يا للأنصار»، قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ»، وغضب لذلك غضبًا شديدًا».
[«السياسة الشرعية» لابن تيمية (84)]

الحدود شُرِعَتْ رحمةً من الله بعباده
فينبغي أنْ يُعْرَفَ أنَّ إقامةَ الحدِّ رحمةٌ مِنَ اللهِ بعبادِه: فيكون الوالي شديدًا في إقامةِ الحدِّ، لا تأخذه رأفةٌ في دينِ اللهِ فيعطِّله، ويكون قصدُه رحمةَ الخلقِ بكفِّ الناسِ عنِ المنكراتِ؛ لا شفاءَ غيظِه وإرادةَ العلوِّ على الخَلْقِ، بمنزلةِ الوالدِ إذا أدَّب ولدَه؛ فإنَّه لو كفَّ عن تأديبِ ولدِه ـ كما تُشير بِهِ الأمُّ رقَّةً ورأفةً ـ لفسد الولدُ، وإنَّما يؤدِّبه رحمةً به وإصلاحًا لحالِه؛ مع أنَّه يؤدِّبه ويُؤْثِرُ أنْ لا يُحوجَه إلى تأديبٍ، وبمنزلةِ الطبيبِ الذي يسقي المريضَ الدواءَ الكريهَ، وبمنزلةِ قطعِ العضوِ المتآكلِ والحجمِ وقطعِ العروقِ بالفصادِ ونحوِ ذلك، بل بمنزلةِ شربِ الإنسانِ الدواءَ الكريهَ، وما يُدخله على نفسِه مِنَ المشقَّةِ لينالَ به الراحةَ، فهكذا شُرعتِ الحدودُ، وهكذا ينبغي أن تكونَ نيَّةُ الوالي في إقامتِها، فإنَّه متى كان قصدُه صلاحَ الرعيَّةِ والنهيَ عنِ المنكراتِ بجلبِ المنفعةِ لهم ودفعِ المضرَّةِ عنهم، وابتغى بذلك وجهَ اللهِ تعالى وطاعةَ أمرِه؛ ألان اللهُ له القلوبَ وتيسَّرتْ له أسبابُ الخيرِ، وكفاه العقوبةَ اليسيرةَ، وقد يرضى المحدودُ إذا أقام عليه الحدَّ. وأمَّا إذا كان غرضُه العلوَّ عليهم وإقامةَ رياستِه ليعظِّموه، أو ليبذلوا له ما يريد من الأموالِ انعكس عليه مقصودُه.
[«السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعيَّة» لابن تيمية (79)]

طهارة قلوب أولي الألباب
مِن بغضِ خيار المؤمنين من الأصحاب
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في أوَّل ردِّه على ابن مطهِّر الحِلِّيِّ الرافضيِّ الإماميِّ:
«وَهَذَا الْمُصَنِّفُ سَمَّى كِتَابَهُ «مِنْهَاجَ الْكَرَامَةِ فِي مَعْرِفَةِ الإِمَامَةِ»، وَهُوَ خَلِيقٌ بِأَنْ يُسَمَّى «مِنْهَاجَ النَّدَامَةِ»، كَمَا أَنَّ مَنِ ادَّعَى الطَّهَارَةَ وَهُوَ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ، بَلْ مِنْ أَهْلِ الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَالنِّفَاقِ؛ كَانَ وَصْفُهُ بِالنَّجَاسَةِ وَالتَّكْدِيرِ أَوْلَى مِنْ وَصْفِهِ بِالتَّطْهِيرِ، وَمِنْ أَعْظَمِ خَبَثِ الْقُلُوبِ أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ غِلٌّ لِخِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَادَاتِ أَوْلِيَاءِ اللهِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ، وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلِ اللهُ تَعَالَى فِي الْفَيْءِ نَصِيبًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
[«منهاج السنَّة النبوية» لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 14)]

لا اعتصام من الضلال إلا بسلوك سبيل السلف الصالح
«فاتِّباعُ سبيلِ المؤمنين أو عدمُ اتِّباعِ سبيلِهم أمرٌ هامٌّ جدًّا إيجابًا وسلبًا، فمن اتَّبعَ سبيلَ المؤمنين فهو الناجي عند ربِّ العالَمين، ومن خالف سبيلَ المؤمنين فحسْبُه جهنَّمُ وبئسَ المصيرُ.
من هنا ضلَّتْ طوائفُ كثيرةٌ جدًّا ـ قديمًا وحديثًا ـ لأنهم لم يكتفوا بعدمِ التزامِ سبيلِ المؤمنين فحسْبُ، ولكنْ ركبوا عقولَهم واتَّبعوا أهواءَهم في تفسير الكتاب والسنَّة، ثمَّ بَنَوْا على ذلك نتائجَ خطيرةً جدًّا خرجوا بها عمَّا كان عليه سلفُنا الصالحُ رضوانُ اللهِ تعالى عليهم جميعًا».
[الألباني «فتنة التكفير» (2)]

لزوم مجانبة الجهل والظلم
«ومعلومٌ أنَّا إذا تكلَّمْنا فيمن دون الصحابةِ مثل الملوكِ المختلفين على الملكِ، والعلماءِ والمشايخِ المختلفين في العلمِ والدينِ؛ وجب أن يكونَ الكلامُ بعلمٍ وعدلٍ، لا بجهل وظلم؛ فإنَّ العدلَ واجبٌ لكلِّ أحدٍ على كلِّ أحدٍ في كلِّ حالٍ، والظلمَ محرَّمٌ مطلقًا لا يُباح قطُّ بحالٍ، قال اللهُ تعالى: âوَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىá [المائدة:8]، وهذه الآيةُ نزلتْ بسببِ بُغْضِهم للكفَّارِ، وهو بغضٌ مأمورٌ به، فإذا كان البغضُ الذي أمر اللهُ به قد نُهي صاحبُه أن يظلمَ من أبغضه؛ فكيف في بغضِ مسلمٍ بتأويلٍ وشبهةٍ أو بهوى نفسٍ؟!! فهو أحقُّ ألَّا يُظْلَم، بل يُعدلُ عليه... »
[«منهاج السنَّة» (5/ 126 ـ 127)]

ليس الشأن أن تحبَّ، إنَّما الشأن أن يحبَّك الله باتِّباعك نبيَّه
قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
«هذه الآيةُ الكريمةُ حاكمةٌ على كلِّ من ادَّعى محبَّةَ اللهِ وليس هو على الطريقةِ المحمَّديةِ؛ فإنه كاذبٌ في دعواه في نفسِ الأمرِ حتَّى يتَّبعَ الشرعَ المحمَّديَّ والدينَ النبويَّ في جميعِ أقوالِه وأحوالِه؛ كما ثبت في الصحيح عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ولهذا قال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ أي: يحصلْ لكم فوق ما طلبْتم من محبَّتِكم إيَّاه، وهو محبَّتُه إيَّاكم، وهو أعظمُ من الأوَّلِ، كما قال بعضُ الحكماءِ العلماءِ: «ليس الشأنُ أن تحبَّ، إنَّما الشأنُ أن تُحَبَّ»، وقال الحسنُ البصريُّ وغيرُه من السلفِ: زعم قومٌ أنَّهم يحبُّون اللهَ فابتلاهم اللهُ بهذه الآيةِ، فقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾».
[«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (1/ 340)]

من صفات أهل التفرق والاختلاف
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «من والى موافقه وعادى مخالفه وفرق بين جماعة المسلمين وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات ؛ واستحل قتال مخالفه دون موافقه فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (3/ 349)]

التعصب للأشخاص سبب التفرق والضلال
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أيضًا: «فمَن جعل شخصًا من الأشخاص غير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من أحبَّه ووافقه كان من أهل السنَّة والجماعة ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة ـ كما يوجد ذلك في الطوائف من اتِّباع أئمَّةٍ في الكلام في الدين وغير ذلك ـ كان من أهل البدع والضلال والتفرُّق».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (3/ 347)]

كثرة الأتباع ليس معيارا لصحَّة الدعوة
«والمدعوُّ عليه أن لا يستوحش من قلَّة المستجيبين للداعية، ويتَّخذ ذلك سببًا للشكِّ في الدعوة الحقِّ وترك الإيمان بها، فضلًا عن أنْ يتَّخذ ذلك دليلًا على بطلان دعوته، بحجَّة أنه لم يتَّبعه أحدٌ، أو إنما اتَّبعه الأقلُّون، ولو كانت دعوته صادقةً لاتَّبعه جماهير الناس، والله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾».
[«السلسلة الصحيحة» للألباني (1/ 755)]

أثر التقليد العام على الأمة الإسلامية
«كما أُدخِلَت على مذهب أهل العلم بدعة التقليد العامِّ الجامد التي أماتت الأفكار، وحالت بين طلَّاب العلم وبين السُّنَّة والكتاب، وصيَّرتْها في زعم قوم غير محتاجٍ إليهما من نهاية القرن الرابع إلى قيام الساعة، لا في فقهٍ ولا استنباطٍ ولا تشريعٍ، استغناءً عنهما زعموا بكتب الفروع من المتون والمختصرات، فأعرض الطلَّاب عن التفقُّه في الكتاب والسنَّة وكتب الأئمَّة، وصارت معانيها الظاهرة، بَلْهَ الخفيَّة مجهولةً حتَّى عند كبار المتصدِّرين».
[«آثار عبد الحميد ابن باديس» (5/ 38)]

ألا بذكر الله تطمئن القلوب
«قلوبنا معرَّضةٌ لخطرات الوسواس، بل للأوهام والشكوك، فالذي يثبِّتها ويدفع عنها الاضطرابَ ويربطها باليقين هو القرآن العظيم، ولقد ذهب قومٌ مع تشكيكات الفلاسفة وفروضهم، ومُماحكات المتكلِّمين ومناقضاتهم، فما ازدادوا إلَّا شكًّا، وما ازدادت قلوبهم إلَّا مرضًا، حتَّى رجع كثيرٌ منهم في أواخر أيَّامهم إلى عقائد القرآن وأدلَّة القرآن، فشُفُوا بعدما كادوا، كإمام الحرمين والفخر الرازي».
[«مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير» لابن باديس (257)]

ذمُّ علم الكلام
«نحن ـ معشرَ المسلمين ـ قد كان مِنَّا للقرآن العظيم هجرٌ كثيرٌ في الزمان الطويل وإن كنَّا به مؤمنين، بَسَط القرآنُ عقائدَ الإيمان كلَّها بأدلَّتها العقلية القريبة القاطعة، فهجرْناها وقلنا تلك أدلَّةٌ سمعيةٌ لا تحصِّل اليقينَ، فأخَذْنا في الطرائق الكلامية المعقَّدة، وإشكالاتها المتعدِّدة، واصطلاحاتها المحدثة، مِمَّا يصعب أمْرَها على الطلبة فضلًا عن العامَّة».
[«مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير» لابن باديس (250)]

المخرج من الفتنة
«لا نجاةَ لنا من هذا التِّيه الذي نحن فيه، والعذاب المنوَّع الذي نذوقه ونقاسيه، إلَّا بالرجوع إلى القرآن: إلى علمه وهديه، وبناءِ العقائد والأحكام والآداب عليه، والتفقُّه فيه وفي السُّنَّة النبويَّة وشرحه وبيانه، والاستعانة على ذلك بإخلاص القصد وصحَّة الفهم، والاعتضاد بأنظار العلماء الراسخين والاهتداء بهديهم في الفهم عن ربِّ العالمين».
[«مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير» لابن باديس (252)]

علامةُ أهلِ البدعِ الوقيعةُ في أهلِ الأثرِ
قال أبو حاتمٍ الرازيُّ: «علامةُ أهل البدع الوقيعةُ في أهل الأثر، وعلامةُ الزَّنادقة تسميتُهم أهلَ الأثر حشويَّةً، يريدون بذلك إبطالَ الأثر، وعلامةُ القدرية تسميتُهم أهلَ السنَّة مُجْبِرَةً، وعلامةُ الجهميَّة تسميتُهم أهلَ السنَّة مشبِّهةً، وعلامةُ الرافضة تسميتُهم أهلَ الأثر نابتةً وناصبةً».
[«عقيدة السلف» (105)]

الكيِّس من بادر المعصية بالتوبة والانكسار والعمل الصالح
قال ابن القيِّم: «إيَّاك والمعاصِيَ، فإنَّها أزالتْ عِزَّ ﴿اسْجُدُوا﴾ [البقرة: 34]، وأخرجتْ إقطاع ﴿اسْكُنْ﴾[البقرة: 35]. يَا لَهَا لَحْظَةً أثمرتْ حرارة القلق ألفَ سنةٍ ما زال يكتب بِدَمِ الندم سطورَ الحزن في القَصص، ويُرسلها مع أنفاس الأسف، حتَّى جاءه توقيعُ ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 37].
فرح إبليسُ بنزول آدمَ من الجنَّة، وَمَا علم أَنَّ هبوط الغائص فِي اللُّجةِ خلف الدرِّ صعُودٌ.
كم بَين قَوْله لآدَم: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30] وقولِه لك: ﴿اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾[الإسراء: 63].
ما جرى على آدم المُرَادُ من وجوده «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا» [مسلم (2749)].
يَا آدمُ لا تجزع من قولي لَك: «اخْرُجْ مِنْهَا»، فلك ولِصالحِ ذريَّتك خلقتُها.
يا آدمُ كنتَ تدخل عليَّ دُخُول الْمُلُوك على الْمُلُوك، وَالْيَوْمَ تدخل عليَّ دُخُول العبيد على الْمُلُوك.
يَا آدم لا تجزعْ من كأس زللٍ كانت سبب كيسك فقد استخرج منك داء العُجب وأُلبستَ خِلعةَ العبودية، ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرهُوا﴾ [البقرة: 216].
يَا آدم لم أُخرِجْ إقطاعك إلى غيرك، إنَّما نحَّيْتُك عنه لأُكملَ عمارته لك، وليبعثَ إلى العمَّال نفقةَ ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾ [السجدة: 16].
تالله ما نفعه عند معصيته عزُّ: ﴿اسْجُدُوا﴾ [البقرة: 34]، ولا شرفُ: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ﴾ [البقرة: 31]، ولا خصيصةُ: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: 75]، ولا فخرُ: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: 29]، وإنَّما انتفع بذلِّ: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23].
لمَّا لبِس دِرْعَ التوحيد على بدن الشكر وقع سهمُ العدوِّ منه في غير مقتلٍ فجرحه فَوُضع عليه جبَارُ الانكسار، فعاد كما كان فقام الجريح كأنْ لم يكن به قلبة».
[«الفوائد» لابن القيِّم (36)]

ما يَزَعُ الله بالسلطان أكثرُ مما يَزَعُ بالقرآن
قال الجوينيُّ ـ رحمه الله ـ: «ولا يرتاب من معه مَسْكةٌ من عقلٍ أنَّ الذبَّ عن الحوزة، والنضالَ دون حفظِ البيضة محتومٌ شرعًا، ولو تُرك الناس فوضى لا يجمعهم على الحقِّ جامعٌ، ولا يَزَعُهم وازعٌ، ولا يردعهم عن اتِّباع خطوات الشيطان رادعٌ، مع تفنُّن الآراء وتفرُّق الأهواء؛ لَانتثر النظام، وهلك العظام، وتوثَّبت الطَّغام(1) والعوامُّ، وتحزَّبت الآراء المتناقضة، وتفرَّقت الإرادات المتعارضة، وملك الأرذلون سراةَ الناس، وفُضَّت المجامع، واتَّسع الخرقُ على الراقع، وفَشَتِ الخصوماتُ، واستحوذ على أهل الدين ذوو العرامات(2)، وتبدَّدت الجماعات، ولا حاجةَ إلى الإطناب بعد حصول البيان، وما يَزَعُ الله بالسلطان أكثرُ مما يَزَعُ بالقرآن».
[«غياث الأمم» للجويني (23 ـ 24)]

الأسلوب القويم لأداء واجب النصيحة
قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ: «وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحدٍ وعظوه سرًّا، حتى قال بعضهم: «من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه». وقال الفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ: «المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعيِّر». قال عبد العزيز بن أبي رواد: «كان مَنْ كان قبلكم إذا رأى الرجلُ من أخيه شيئًا يأمره في رفق فيُؤْجَرُ في أمره ونهيه، وإنَّ أحد هؤلاء يخرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك ستره». وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر، فقال: «إن كنتَ فاعلًا ولا بدَّ ففيما بينك وبينه»».
[«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (77)]

وجوب طاعة ولاة الأمر في المعروف
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأمَّا أهل العلم والدين والفضل فلا يرخِّصون لأحدٍ فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغِشِّهِم والخروج عليهم بوجهٍ من الوجوه، كما قد عُرِف من عادات أهل السنَّة والدين قديمًا وحديثًا، ومن سيرة غيرهم».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (35/ 12)]

سبب الجهل بعقائد الإسلام
«أدلَّة العقائد مبسوطةٌ كلُّها في القرآن العظيم بغاية البيان ونهاية التيسير، ... فحقٌّ على أهل العلم أن يقوموا بتعليم العامَّة لعقائدها الدينيَّة، وأدلَّةِ تلك العقائد من القرآن العظيم، إذ يجب على كلِّ مكلَّفٍ أن يكون في كلِّ عقيدة من عقائده الدينية على علم، ولن يجد العامِّيُّ الأدلَّة لعقائده سهلةً قريبةً إلَّا في كتاب الله، فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا إليه في تعليم العقائد للمسلمين، أمَّا الإعراض عن أدلَّة القرآن والذهاب مع أدلَّة المتكلِّمين الصعبة ذات العبارة الاصطلاحية؛ فإنَّه من الهجر لكتاب الله، وتصعيب طريقة العلم على عباده وهم في أشدِّ الحاجة إليه، وقد كان من نتيجته ما نراه اليوم في عامَّة المسلمين من الجهل بعقائد الإسلام وحقائقه».
[«آثار ابن باديس» (1/ 272)]

من منهج أهل السنَّة والجماعة
قال الصابوني رحمه الله: «ويرى أصحاب الحديث الجمعةَ والعيدين، وغيرَهما من الصلوات خلف كلِّ إمامٍ مسلمٍ بَرًّا كان أو فاجرًا، ويَرَوْنَ جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جَوَرَةً فَجَرَةً، ويَرَوْنَ الدعاءَ لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبَسْطِ العدل في الرعية، ولا يَرَوْنَ الخروج عليهم وإن رَأَوْا منهم العدول عن العدل إلى الجَوْرِ والحيف، ويَرَوْنَ قتال الفئة الباغية حتَّى ترجع إلى طاعة الإمام العدل».
[«عقيدة السلف» للصابوني (92)]

كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
قال ابن تيمية رحمه الله: «والله قد أمرنا ألَّا نقول عليه إلَّا الحقَّ وألَّا نقول عليه إلَّا بعلمٍ، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهوديٌّ أو نصرانيٌّ ـ فضلًا عن الرافضي ـ قولًا فيه حقٌّ أن نتركه أو نردَّه كلَّه، بل لا نردُّ إلَّا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحقِّ».
[«منهاج السنَّة النبوية» لابن تيمية (2/ 342)]

حقيقة دعوى الجاهلية
يقول ابن تيمية رحمه الله: «وكلُّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسبٍ أو بلدٍ أو جنسٍ أو مذهبٍ أو طريقةٍ: فهو من عزاء الجاهلية، بل لَمَّا اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار، فقال المهاجري: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، وقال الأنصاري: يَا لَلْأَنْصَارِ، قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» وغضب لذلك غضبًا شديدًا(1)».
[«السياسة الشرعية» لابن تيمية (84)]

شعائر الإسلام الجماعية إنما تقام مع ولي الأمر
قال الصابوني رحمه الله: «ويرى أصحاب الحديث الجمعةَ والعيدين، وغيرَهما من الصلوات خلف كلِّ إمامٍ مسلمٍ بَرًّا كان أو فاجرًا، ويَرَوْنَ جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جَوَرَةً فَجَرَةً، ويَرَوْنَ الدعاءَ لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبَسْطِ العدل في الرعيَّة، ولا يَرَوْنَ الخروج عليهم وإن رَأَوْا منهم العدول عن العدل إلى الجَوْرِ والحيف، ويَرَوْنَ قتال الفئة الباغية حتَّى ترجع إلى طاعة الإمام العدل».
[«عقيدة السلف» للصابوني (92)]

طاعة الأمير تبعٌ لطاعة الله ورسوله
قال ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ:
«فأهل السنَّة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقًا، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، كما قال تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [النساء: 59]».
[«منهاج السنَّة» لابن تيمية (2/ 76)]
وقال ـ رحمه الله ـ أيضًا :
«ولهذا كان مذهبُ أهل الحديث تَرْكَ الخروج بالقتال على الملوك البغاة، والصبرَ على ظلمهم إلى أن يستريحَ بَرٌّ أو يُستراحَ من فاجرٍ».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (4/ 444)]

صلاح الناس منوط بصلاح علمائهم وأمرائهم
قال ابن تيمية رحمه الله: «وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه؛ وهم الذين يأمرون الناس؛ وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام؛ فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء، فإذا صلَحوا صلَح الناس، وإذا فسَدوا فسَد الناس».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (28/ 170)]

الغاية الحسنة لا تبرِّر العمل الفاسد
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «ليس كلُّ سببٍ نال به الإنسان حاجتَه يكون مشروعًا ولا مباحًا، وإنما يكون مشروعًا إذا غلبتْ مصلحتُه على مفسدته ممَّا أَذِن فيه الشرعُ».
[«مختصر الفتاوى المصرية» لابن تيمية (169)]

لا يُزال الشر بأشرَّ منه
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «ولهذا نرى أنَّ من الخطإ الفاحش ما يقوم به بعض الناس من الكلام على العلماء أو على الأمراء، فيملأ قلوب الناس عليهم بُغضًا وحقدًا، وإذا رأى شيئًا من هؤلاء يرى أنه مُنكر فالواجب عليه النصيحة، وليس الواجب عليه إفشاءَ هذا المنكر أو هذه المخالفة، ونحن لا نشكُّ أنه يوجد خطأٌ من العلماء، ويوجد خطأٌ من الأمراء، سواءً كان متعمَّدًا أو غير متعمَّد، لكن ليس دواء المرض بإحداث مرضٍ أعظمَ منه، ولا زوال الشرِّ بِشَرٍّ أَشَرَّ منه أبدًا، ولم يضرَّ الأمة الإسلامية إلَّا كلامُها في علمائها وأمرائها، وإلَّا فما الذي أوجب قتْلَ عثمان ؟».
[«لقاء الباب المفتوح» لابن العثيمين (32/ 10)]

أبعد الخلق عن الكتاب والسنة
أبعد الخلق عن كتاب الله وسنَّة رسوله هم أهل الاعتقادات الباطلة، وأهل الغلوِّ في الأنبياء والأولياء والصالحين؛ وهم أضلُّ خلق الله عمَّا جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، وإن ورثوا الكتابَ ودرسوه؛ فإنَّ الوراثة والدراسة والاطِّلاع نوعٌ، والعلمَ به والإيمان والعمل ومعرفة حقائقه ونصوصه نوعٌ آخَرُ.
[«الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (12/ 190)]

ضلال الرافضة في المنقول والمعقول
قال ابن تيمية في الردِّ على الرافضي:
«فالقوم من أضلِّ الناس عن سواء السبيل، فإنَّ الأدلة إمَّا نقليةٌ وإمَّا عقليةٌ، والقوم من أضلِّ الناس في المنقول والمعقول في المذاهب والتقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: 10]، والقوم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات، يصدِّقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل، ويكذِّبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظم تواترٍ في الأمَّة جيلًا بعد جيلٍ، ولا يميِّزون في نَقَلَة العلم ورواة الأحاديث والأخبار؛ بين المعروف بالكذب أو الغلط أو الجهل بما ينقل وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار، وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد، وإن ظنُّوا إقامته بالبرهانيات، فتارةً يتَّبعون المعتزلة والقدرية، وتارةً يتَّبعون المجسِّمة والجبرية، وهم من أجهل هذه الطوائف بالنظريات، ولهذا كانوا عند عامَّة أهل العلم والدين من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين.
[«منهاج السنَّة» لابن تيمية (1/ 8)]

الرافضة بابٌ لأهل الشرك والإلحاد
قال ابن تيمية في الردِّ على الرافضي:
ومنهم من أدخل على الدين من الفساد ما لا يحصيه إلا ربُّ العباد، فملاحدة الإسماعيلية والنُّصَيْرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولَوْا بهم على بلاد الإسلام، وسبَوُا الحريم وأخذوا الأموال وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمَّة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلا ربُّ العالمين، إذ كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين، الذين عاقبهم في حياته عليٌّ أمير المؤمنين رضي الله عنه، فحرَّق منهم طائفةً بالنار، وطلب قَتْلَ بعضهم ففرُّوا من سيفه البتَّار، وتوعَّد بالجلد طائفةً مفتريةً فيما عُرف عنه من الأخبار.
[«منهاج السنَّة» لابن تيمية (1/ 10)]

إصلاح النية في حضور مجالس العلم
«إِذا حضرت مجْلِس علم فَلا يكن حضورك إِلا حُضُور مستزيدٍ علمًا وَأَجرًا، لا حُضُور مستغنٍ بِمَا عنْدك طَالبًا عَثْرَة تشيعها أَو غَرِيبَةً تشنِّعها، فَهَذِهِ أَفعَال الأرذال الَّذين لا يفلحون فِي الْعلم أبدًا، فَإِذا حضرتها على هَذِه النِّيَّة فقد حصَّلت خيرًا على كلِّ حَالٍ، وَإِن لم تحضرها على هَذِه النِّيَّة فجلوسك فِي مَنْزِلك أروح لبدنك وَأكْرم لخُلُقك وَأسلم لدينك».
[«مداواة النفوس» لابن حزم (92)]

مخالفة المتعصبِّين لمن يتعصَّبون له من أئمَّة الهدى
قال ابن تيمية في الردِّ على الرافضي:
إذ قد تواتر عنه (أي: علي بن أبي طالب) من الوجوه الكثيرة أنه قال على منبر الكوفة وقد أسمع من حضر: خيرُ هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكرٍ ثمَّ عمر، وبذلك أجاب ابنه محمَّد بن الحنفية، فيما رواه البخاري في صحيحه وغيره من علماء الملَّة الحنيفية، ولهذا كانت الشيعة المتقدِّمون الذين صحبوا عليًّا أو كانوا في ذلك الزمان، لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكرٍ وعمر، وإنما كان نزاعهم في تفضيل عليٍّ وعثمان، وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر، حتى ذكر مثْلَ ذلك أبو القاسم البلخي. قال: سأل سائلٌ شريك بن عبد الله بن أبي نمر، فقال له: أيُّهما أفضل: أبو بكرٍ أو علي؟ فقال له: أبو بكر، فقال له السائل: أتقول هذا، وأنت من الشيعة؟ فقال: نعم إنما الشيعي من قال مثل هذا، والله لقد رَقِيَ عليٌّ هذه الأعواد، فقال: ألا إنَّ خير هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكرٍ ثمَّ عمر، أفكنَّا نردُّ قولَه؟ أكنَّا نكذِّبه؟ والله ما كان كذَّابًا! ذكر هذا أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي اعتراضَه على الجاحظ. نقله عنه القاضي عبد الجبَّار الهمداني في كتاب «تثبيت النبوَّة».
[«منهاج السنَّة» لابن تيمية (1/ 11)]

فائدةٌ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ»
«والمقصود أنَّ قوله: «مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ»، ردٌّ على الطائفتين:
القدرية الذين ينكرون عموم أقضية الله في عبده، ويُخرجون أفعال العباد عن كونها بقضائه وقدره، ويردُّون القضاء إلى الأمر والنهي.
وعلى الجبرية الذين يقولون: كلُّ مقدورٍ عدلٌ، فلا يبقى لقوله: «عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ» فائدةٌ، فإنَّ العدل عندهم كلُّ ما يمكن فعلُه، والظلم هو المحال لذاته، فكأنَّه قال: «ماضٍ ونافذٌ فيَّ قضاؤك»، وهذا هو الأوَّل بعينه».
[«الفوائد» لابن القيِّم (26)]

اتِّباع السلف شرط لحوق الخلف
قيل للحسن: «سبقَنا القوم على خيلٍ دُهمٍ ونحن على حُمُرٍ معقَّرةٍ»، فقال: «إن كنتَ على طريقهم فما أَسْرَعَ اللحاق بهم!».
[«الفوائد» لابن القيِّم (43)]

شرط قبول العمل الإخلاص وأن يكون على علمٍ واتِّباعٍ
«علَّمتَ كلبك فهو يترك شهوته في تناوُل ما صاده احترامًا لنعمتك وخوفًا من سطوتك، وكم علَّمك معلِّم الشرع وأنت لا تقبل.
حُرِّم صيد الجاهل والممسك لنفسه فما ظنُّ الجاهل الذي أعماله لهوى نفسه.
جُمع فيك عقلُ الملَك وشهوةُ البهيمة وهوى الشيطان، وأنت للغالب عليك من الثلاثة: إن غلبْتَ شهوتك وهواك زدتَ على مرتبة ملكٍ، وإن غلبك هواك وشهوتُك نقصتَ عن مرتبة كلبٍ.
لَمَّا صاد الكلب لربِّه أُبيح صيده، ولَمَّا أمسك على نفسه حُرِّم ما صاده».
[«الفوائد» لابن القيِّم (79)]

في المراد بأهل السنَّة والجماعة
قال البربهاري رحمه الله: اعلموا أن الإسلام هو السنَّة، والسنَّة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلَّا بالآخَر. فمن السنَّة لزومُ الجماعة، فمن رغب عن الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وكان ضالًّا مضلًّا. والأساس الذي تُبنى عليه الجماعة، وهم أصحاب محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ورحمهم الله أجمعين، وهم أهل السنَّة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضلَّ وابتدع، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، والضلالة وأهلها في النار. وقال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: «لا عذر لأحدٍ في ضلالةٍ ركبها حسبها هدًى، ولا في هدًى تركه حسبه ضلالةً، فقد بُيِّنت الأمور، وثبتت الحجَّة، وانقطع العذر».
وذلك أنَّ السنَّة والجماعة قد أحكما أمر الدين كلِّه وتبيَّن للناس، فعلى الناس الاتِّباع.
واعلم ـ رحمك الله ـ أنَّ الدين إنما جاء من قِبَل الله تبارك وتعالى، لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم، وعلمُه عند الله وعند رسوله، فلا تتَّبع شيئًا بهواك فتمرقَ من الدين فتخرجَ من الإسلام، فإنه لا حجَّة لك، فقد بيَّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأمَّته السنَّة، وأوضحها لأصحابه وهُم الجماعة، وهُم السواد الأعظم، والسواد الأعظم: الحقُّ وأهله، فمن خالف أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في شيءٍ من أمر الدين فقد كفر.
[«شرح السنَّة» للبربهاري (1/ 35)]

مَا خلا جَسَدٌ من حسد
«الْحَسَد مرضٌ من أمراض النَّفس وَهُوَ مرضٌ غَالبٌ فَلا يخلص مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيل من النَّاس، وَلِهَذَا يُقَال مَا خلا جَسَدٌ من حسدٍ، لَكِنَّ اللَّئِيم يبديه والكريم يخفيه، وَقد قيل لِلْحسنِ الْبَصْرِيِّ: أيحسد الْمُؤمن فَقَالَ مَا أنساك إخوة يُوسُف لا أَبَا لَك وَلَكِنْ عَمِّه فِي صدرك فَإِنَّهُ لَا يَضرُّك مَا لم تَعْدُ بِهِ يدًا وَلِسَانًا، فَمن وجد فِي نَفسه حسدا لغيره فَعَلَيهِ أَن يسْتَعْمل مَعَه التَّقْوَى وَالصَّبْر فَيكْرَهَ ذَلِك من نَفسه، وَكثيرٌ من النَّاس الَّذين عِنْدهم دينٌ لا يعتدون على الْمَحْسُود فَلا يعينون مَن ظلمه وَلَكنَّهُمْ أَيْضًا لا يقومُونَ بِمَا يجب من حَقِّه بل إِذا ذمَّه أحدٌ لم يوافقوه على ذمِّه وَلا يذكرُونَ محامده وَكَذَلِكَ لَو مدحه أحدٌ لسكتوا وَهَؤُلاء مدينون فِي ترك الْمَأْمُور فِي حَقِّه مفرِّطون فِي ذَلِك لا معتدون عَلَيْهِ، وجزاؤهم أَنهم يُبخسون حُقُوقهم فَلا يُنْصَفون أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ وَلا يُنْصرُونَ على من ظلمهم كَمَا لم يَنْصرُوا هَذَا الْمَحْسُودَ، وَأمَّا من اعْتدى بقولٍ أَو فعلٍ فَذَلِك يُعَاقَب، وَمن اتَّقى اللهَ وصبر فَلم يدْخل فِي الظَّالِمين نَفعه الله بتقواه»
[«أمراض القلب وشفاؤها» لابن تيمية (21)]

وجه امتناع الصحابة عن الدفاع عن عثمان رضي الله عنه
«عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: «لَقَدْ كَانَ فِي الدَّارِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَبْنَاؤُهُمْ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، الرَّجُلُ مِنْهُمْ خَيْرٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا يَقُولُونَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، خَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَقَالَ: «أَعْزِمُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ وَإِنَّ لِي عَلَيْهِ حَقًّا أَنْ لَا يُهْرِيقَ فِيَّ دَمًا، وَأُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمَا كَفَانِي الْيَوْمَ نَفْسَهُ»».
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ مَظْلُومٌ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَنَعَهُمْ، قِيلَ لَهُ: مَا أَحْسَنْتَ الْقَوْلَ؛ لِأَنَّكَ تَكَلَّمْتَ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ، فَإِنْ قَالَ: وَلِمَ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَصْحَابَ طَاعَةٍ وَفَّقَهُمُ اللهُ تَعَالَى لِلصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، فَقَدْ فَعَلُوا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الإِنْكَارِ بِقُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ، وَعَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ لِنُصْرَتِهِ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِمْ، فَلَمَّا مَنَعَهُمْ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ نُصْرَتِهِ، عَلِمُوا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ، وَأَنَّهُمْ إِنْ خَالَفُوهُ لَمْ يَسْعَهُمْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْحَقُّ عِنْدَهُمْ فِيمَا رَآهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ».
[«الشريعة» للآجرِّي (4/ 1980)]

لا يطمئنُّ بذكر الله من لم يؤمن بما ورد من أسمائه وصفاته على لسان رسله
«وحقيقة الطمأنينة التي تصير بها النفس مطمئنَّةً: أن تطمئنَّ في باب معرفة أسمائه وصفاته ونعوت كماله إلى خبره الَّذي أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله فتتلقَّاه بالقبول والتسليم والإذعان وانشراح الصدر له وفرح القلب به، فإنه معرِّفٌ من معرِّفات الربِّ سبحانه إلى عبده على لسان رسوله فلا يزال القلب في أعظم القلق والاضطراب في هذا الباب حتى يخالط الإيمان بأسماء الربِّ تعالى وصفاته وتوحيده وعلوِّه على عرشه وتكلُّمه بالوحي بشاشةَ قلبه، فينزل ذلك عليه نزولَ الماء الزلال على القلب الملتهب بالعطش فيطمئنُّ إليه ويسكن إليه ويفرح بِهِ ويلين له قلبه ومه حتى كأنَّه شَاهَد الأمر كما أخبرت به الرسل بل يصير ذلك لقلبه بمنزلة رؤية الشمس في الظهيرة لعينه فلو خالفه في ذلك مَن بين شرق الأرض وغربها لم يلتفت إلى خلافهم».
[«الروح» لابن القيِّم (221)]

أفضل الأعمال
«قال: قال عمر رضي الله عنه: «لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لحقت بالله، لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي في التراب ساجدا، أو أجالس قوما يلتقطون طيِّب الكلام كما يلتقط طيب الثمر».
وكلام عمر رضي الله عنه من أجمع الكلام وأكمله، فإنه ملهم محدث، كل كلمة من كلامه تجمع علما كثيرا، مثل هؤلاء الثلاث التي ذكرهن؛ فإنه ذكر الصلاة والجهاد والعلم، وهذه الثلاث هي أفضل الأعمال بإجماع الأمَّة، قال أحمد بن حنبل: أفضل ما تطوَّع به الإنسان الجهاد، وقال الشافعي: أفضل ما تُطوُّع به الصلاة. وقال أبو حنيفة ومالك: العلم.
والتحقيق أنَّ كلًّا من الثلاثة لا بدَّ له من الآخرَيْن، وقد يكون هذا أفضل في حالٍ، وهذا أفضل في حالٍ، كما كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وخلفاؤه يفعلون هذا وهذا وهذا، كلٌّ في موضعه بحسب الحاجة والمصلحة، وعمر جمع الثلاث»
[«منهاج السنَّة» لابن تيمية (6/ 75)]

تشنيع الشانئين على دعوة المصلحين
«إذا كان الاحتياج إلى معرفة الشرك شديدًا كان تعريف الناس به أمرًا لازمًا أكيدًا، وإذا كان الباعث على هذا التعريف إقامة العقيدة فهو من النصيحة المفيدة الحميدة، وليس الإرشاد إلى الخير النافع بأَوْلى من التنبيه على الباطل الضارِّ، بل كلاهما غرضٌ حسنٌ وسَننٌ، لا يُعدل عنه الساعون في خير سُننٍ، وهذا ما حمل المصلحين المجدِّدين على الاهتمام بدعوة المسلمين إلى إقامة التوحيد وتخليصه من خيالات المشركين. وما رفَعْنا صوتنا بتلك الدعوة حتى ثارت علينا زوابعُ ممَّن سلكوا للشرك كلَّ الذرائع، وشوَّهوا للعامَّة غرضنا الحميد بما يجدون الجزاء عنه يوم الوعيد، ومِن أقوى ما لبَّسوا به على العموم ومدُّوا به صخب الخصوم: رميُهم لنا بأنَّا نحكم على المسلمين بحكم المشركين، ثمَّ ينتصبون للدفاع محافظةً على غفلة الأتباع الذين ينتفعون منهم بكلِّ وجوه الانتفاع، ولكنَّ قذف الله بالحقِّ على الباطل بعيدُ الأثر، وسنَّتَه في ظهور المصلحين على المعاندين قديمةٌ في البشر».
[«الشرك ومظاهره» لمبارك الميلي (51)]

من أسباب انتشار البدع
«المفْسدَة الثَّالِثَة: أَن الرجل الْعَالم الْمُقْتَدِي بِهِ والمرموق بِعَين الصلاح إِذا فعلهَا كَانَ موهما للعامة أَنَّهَا من السنَن كَمَا هُوَ الْوَاقِع فَيكون كَاذِبًا على رَسُول الله صلَّى الله عَلَيْهِ وَسلَّم بِلِسَان الْحَال قد يقوم مقَام لِسَان الْمقَال وَأكْثر مَا أَتَى النَّاس فِي الْبدع بِهَذَا السَّبَب يظنُّ فِي شخصٍ أَنه من أهل الْعلم وَالتَّقوى وَلَيْسَ هُوَ فِي نفس الْأَمر كَذَلِك فيرمقون أَقْوَاله وأفعاله فيتبعونه فِي ذَلِك فتفسد أُمُورهم».
[«الباعث على إنكار البدع والحوادث» أبو شامة (55)]

المبتدعة أشر على الإسلام من غيرهم
قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني: «مبتدعة الإسلام والكذابون والواضعون للحديث أشد من الملحدين، لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل، فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله، والملحدون كالمحاصِرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن، فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له».
[«الصارم المسلول» لابن تيمية (1/ 171)]

الجرح المقبول
قال ابنُ عبد البر: «إنَّ من صحَّت عدالتُهُ، وثبتت في العلم أمانتُهُ، وبانت ثقتُهُ وعنايته بالعلم لم يُلتفتْ فيه إلى قول أحدٍ إلَّا أن يأتيَ في جرحته بِبَيِّنَةٍ عادلةٍ تصحُّ بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة».
[«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (2/ 152)]

شمول الدعوة إلى الكتاب والسنَّة للدعوة إلى سائر الكتب والعلوم
«ومن اعتقد في إحياء الكتاب والسنَّة والأنس بهما موتًا لتصانيف المتقدِّمين وهجرانًا لها؛ فقد اعتقد أنها منافيةٌ لهما، وأنَّ بينها وبينهما ما بين الضرَّتين (رضى هذي يحرِّك سُخْط هذي)، ثمَّ آثرها ـ وهي الفرع ـ عليهما ـ وهما الأصل ـ، وتلك غباوةٌ مغبَّتها شقاوةٌ. ونحن لا نرى منافاةً بين تفهُّم الكتاب والسنَّة ودراسة مؤلَّفات العلماء، وليست الدعوة إليهما تزهيدًا في تراثنا من أسلافنا، بل هي حثٌّ على الانتفاع بذلك التراث القيِّم، لأنَّ الناظر فيهما يحتاج إلى النظر فيما كُتب عليهما وما استُنبط منهما وما هو وسيلةٌ إليهما، وقد يتعرَّف بذلك إلى علومٍ كونيةٍ مجملةٍ فيهما، هذا إلى تحصيل مَلَكة البيان من أسلوبهما، وإحياء طريقتهما في الهداية، فتكون الدعوة إليهما دعوةً إلى الأصل والفرع معًا، أمَّا الدعوة إلى كتب الفقه مثلًا خاصَّةً كما يريد المعارِضون؛ فهي دعوةٌ إلى الفرع وإهمالٌ للأصل، والنهِم الذي لا يشبع من طلب العلم لا يتَّسع لنهمه غير الكتاب والسنَّة، والقهِم غير الشهوان لا يجمل به أن يقيِّد قدرةَ غيره بعجزه، ولا يزيِّنه أن يتَّخذ من ضعفه مقياسًا لقوَّة القويِّ».
[«رسالة الشرك ومظاهره» لمبارك الميلي (79)]

الإقبال عل وسطية أهل السنة
«وأحب أن أوضح هنا - تأكيداً لما ذكرت هناك- أن السلف يفهمون معاني الصفات العامة ويفوضون الكيفية فقط، فليسوا بالمؤولين المحرفين وليسوا بالمشبهين المجسمين ولا بالمفوضين الجاهلين. ولا الواقفين الحائرين، بل هم أصحاب فهم صحيح وفقه دقيق، إذ هم وسط بين هذه النحل المختلفة. ومنهجهم لبن خالص يخرج من بين فرث التشبيه ودم التعطيل، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم».
[«الصفات الإلهية» لمحمد أمان الجامي (365)]


أهل البدع ليسوا علماء
«أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أنّ أهل الكلام أهلُ بدعٍ وزيغٍ، ولا يُعدون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم».
[«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (2/942)]

عدل السلف
«الواجب ـ عند خبر الفاسقِ ـ التثبُّتُ والتبيُّنُ، فإن دلَّتِ الدلائلُ والقرائن على صدقه عُمِل به وصُدِّق، وإن دلَّتْ على كَذِبِه كُذِّب ولم يُعْمَل به، ففيه دليلٌ على أنَّ خبر الصادق مقبولٌ، وخبرَ الكاذب مردودٌ، وخبرَ الفاسق متوقَّفٌ فيه كما ذَكَرْنا؛ ولهذا كان السلفُ يقبلون رواياتِ كثيرٍ مِن الخوارج المعروفين بالصدق ولو كانوا فُسَّاقًا».
[«تيسير الكريم» للسعدي (943)]

خير الأمورِ السالفاتُ على الهدى
«وعند هذا تعلم أنَّ خير الأمور السالفاتُ على الهدى، وشرَّ الأمور المحدثاتُ البدائعُ، وأنَّ الحقَّ الذي لا شكَّ فيه ولا شبهة، هو ما كان عليه خيرُ القرون، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، وقد كانوا ـ رحمهم الله، وأرشدنا إلى الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم ـ يُمرُّون أدلَّةَ الصفاتِ على ظاهرها، ولا يتكلَّفون عِلْمَ ما لا يعلمون، ولا يحرِّفون ولا يؤوِّلون».
[«الفتح الربَّاني» للشوكاني (1/ 255)]

الإسلام مبنيٌّ على التوحيد والاتِّباع
«والإسلامُ هو توحيدُ اللهِ وعبادتُه وحدَه لا شريكَ له، والإيمانُ بالله وبرسولِه واتِّباعُه فيما جاء به، فما لم يأتِ العبدُ بهذا فليس بمسلمٍ وإن لم يكن كافرًا معاندًا فهو كافرٌ جاهلٌ».
[«طريق الهجرتين» لابن القيِّم (411)]

منقبة علماء هذه الأمَّة
«كلُّ أمَّةٍ قبل مبعث محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم علماؤُها شرارُها، إلَّا المسلمين، فإنَّ علماءهم خيارُهم، فإنهم خلفاءُ الرسول مِن أمَّته، والمُحْيُون لِمَا مات مِن سنَّته، فَبِهم قام الكتابُ وبه قاموا، وبهم نطق الكتابُ وبه نطقوا، وكلُّهم متَّفقون اتِّفاقًا يقينًا على وجوب اتِّباع الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكنْ إذا وُجِد لواحدٍ منهم قولٌ قد جاء حديثٌُ صحيحٌ بخلافه فلا بدَّ له في تركه مِن عذرٍ...».
[«شرح العقيدة الطحاوية» (2/ 740 ـ 741)]

فساد العلم وفساد الإرادة
قال ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا العلم فآفته عدمُ مطابقته لمراد الله الدينيِّ الذي يحبُّه الله ويرضاه وذلك يكون مِن فساد العلم تارةً، ومن فساد الإرادة تارةً:
ففسادُه من جهة العلم أن يعتقد أنَّ هذا مشروعٌ ومحبوبٌ لله وليس كذلك، أو يعتقد أنه يقرِّبه إلى الله وإن لم يكن مشروعًا، فيظنُّ أنه يتقرَّب إلى الله بهذا العمل وإن لم يعلم أنه مشروعٌ.
وأمَّا فساده من جهة القصد فأن لا يقصد به وجهَ الله والدارَ الآخرة، بل يقصد به الدنيا والخَلْق. وهاتان الآفتان في العلم والعمل لا سبيل إلى السلامة منهما إلَّا بمعرفة ما جاء به الرسول في باب العلم والمعرفة، وإرادة وجه الله والدار الآخرة في باب القصد والإرادة، فمتى خلا من هذه المعرفة وهذه الإرادة فسد علمُه وعمله».
[«الفوائد» لابن القيِّم (85)]

ليس في الشريعة قشور
«لا يجوز التعبير عن الشريعة بأنها قشرٌ مع كثرة ما فيها مِن المنافع والخيور، وكيف يكون الأمر بالطاعة والإيمان قشرًا؟ وأنَّ العلم الملقَّب بعلم الحقيقة جزءٌ من أجزاء علم الشريعة، ولا يُطلِق مثلَ هذه الألقابِ إلَّا غبيٌّ شقيٌّ قليل الأدب، ولو قيل لأحدهم: «إنَّ كلام شيخك قشورٌ» لأنكر ذلك غايةَ الإنكار، ويُطلِق لفظَ القشور على الشريعة، وليست الشريعةُ إلَّا كتابَ الله وسنَّةَ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، فيُعزَّر هذا الجاهل تعزيرًا يليق بمثل هذا الذنب».
[«فتاوى العزِّ بن عبد السلام» (71 ـ 72)]

كمال الدين الإسلامي
«هذه أكبرُ نِعَم الله تعالى على هذه الأمَّة حيث أكمل تعالى لهم دينَهم فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره، ولا إلى نبيٍّ غيرِ نبيِّهم صلواتُ الله وسلامُه عليه؛ ولهذا جَعَله اللهُ خاتَمَ الأنبياء، وبَعَثه إلى الإنس والجنِّ، فلا حلال إلَّا ما أحلَّه، ولا حرام إلَّا ما حرَّمه، ولا دينَ إلَّا ما شَرَعه، وكلُّ شيءٍ أخبر به فهو حقٌّ وصدقٌ لا كَذِبَ فيه ولا خُلْفَ، كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي، فلمَّا أكمل الدينَ لهم تمَّت النعمةُ عليهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] أي: فارْضَوْه أنتم لأَنْفُسكم، فإنه الدِّينُ الذي أحبَّه اللهُ ورَضِيَه وبَعَث به أَفْضَلَ الرسل الكرام، وأنزل به أَشْرَفَ كُتُبه».
[«تفسير ابن كثير» (2/ 12)]

من فارق الدليل ضلَّ عن سواء السبيل
«ومَن أحالك على غيرِ «أخبرنا» و«حدَّثنا» فقد أحالك: إمَّا على خيالٍ صوفيٍّ، أو قياسٍ فلسفيٍّ، أو رأيٍ نفسيٍّ. فليس بعد القرآن و«أخبرنا» و«حدَّثنا» إلَّا شبهاتُ المتكلِّمين، وآراءُ المنحرفين، وخيالاتُ المتصوِّفين، وقياسُ المتفلسفين. ومَن فارق الدليلَ ضلَّ عن سواء السبيل، ولا دليل إلى الله والجنَّة سوى الكتاب والسنَّة. وكلُّ طريقٍ لم يصحبها دليلُ القرآن والسنَّة فهي مِن طرق الجحيم والشيطان الرجيم».
[«مدارج السالكين» ابن القيِّم (2/ 439)]

الاتِّعاظ بالقرآن
«ومَن تدبَّر كلامَه عرف الربَّ عزَّ وجلَّ، وعَرَفَ عظيمَ سلطانه وقدرتِه، وعظيمَ تفضُّله على المؤمنين، وعَرَف ما عليه مِن فرض عبادته، فألزم نَفْسَه الواجبَ، فحَذِر ممَّا حذَّره مولاه الكريم، فرَغِب فيما رغَّبه، ومَن كانت هذه صفتَه عند تلاوته للقرآن وعند استماعه مِن غيره كان القرآنُ له شفاءً فاستغنى بلا مالٍ، وعَزَّ بلا عشيرةٍ، وأَنِسَ ممَّا يستوحش منه غيرُه، وكان همُّه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها: «متى أتَّعظُ بما أتلو؟»، ولم يكن مرادُه: «متى أختم السورةَ؟»، وإنما مراده: «متى أَعْقِلُ عن الله الخطابَ؟ متى أزدجِرُ؟ متى أعتبر؟»، لأنَّ تلاوة القرآن عبادةٌ لا تكون بغفلةٍ، واللهُ الموفِّق لذلك».
[«أخلاق حَمَلة القرآن» الآجرِّي (10)]

تصحيح الأحاديث بالمعنى دون الإسناد
«لو فُتح باب تصحيح الأحاديث مِن حيث المعنى دون التفاتٍ إلى الأسانيد لَاندسَّ كثيرٌ مِن الباطل على الشرع، ولقال الناس على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما لم يقل، ثمَّ تبوَّءوا مقعدَهم مِن النار والعياذ بالله تعالى».
[«السلسلة الضعيفة» للألباني (4/ 37)]

وصيَّةٌ لطلبة العلم
«اتَّقوا الله، ارحموا عبادَ الله، اخدُموا العلمَ بتعلُّمه ونشرِه، وتحمَّلوا كلَّ بلاءٍ ومشقَّةٍ في سبيله، وليَهُنْ عليكم كلُّ عزيزٍ ولْتَهُنْ عليكم أرواحُكم مِن أجله، أمَّا الأمور الحكومية وما يتَّصل بها فدَعُوها لأهلها، وإيَّاكم أن تتعرَّضوا لها بشيءٍ».
[ابن باديس «الآثار» (3/ 223)]

أساليب أهل البدع
«ومقالة أهل البدع لم تظهر إلَّا بسلطانٍ قاهرٍ، أو بشيطانٍ معاندٍ فاجرٍ، يُضلُّ الناسَ خفيًّا ببدعته، أو يقهر ذاك بسيفه وسوطه، أو يستميل قلبَه بماله ليُضِلَّه عن سبيل الله؛ حميَّةً لبدعته وذبًّا عن ضلالته؛ ليردَّ المسلمين على أعقابهم، ويفتنهم عن أديانهم بعد أن استجابوا لله وللرسول طوعًا وكرهًا».
[«شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة» للالكائي (1/ 15)]

كثرة الكلام لا تدلُّ على العلم
«وقد فُتن كثيرٌ مِن المتأخِّرين بهذا فظنُّوا أنَّ مَن كثر كلامُه وجداله وخصامه في مسائل الدين فهو أعلمُ ممَّن ليس كذلك، وهذا جهلٌ محضٌ، وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكرٍ وعمر وعليٍّ ومعاذٍ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ كيف كانوا؟ كلامهم أقلُّ مِن كلام ابن عبَّاسٍ وهم أعلمُ منه، وكذلك كلام التابعين أكثرُ مِن كلام الصحابة والصحابةُ أعلمُ منهم، وكذلك تابِعو التابعين كلامُهم أكثرُ مِن كلام التابعين والتابعون أعلمُ منهم، فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال، ولكنَّه نورٌ يقذف في القلب يفهم به العبد الحقَّ ويميِّز به بينه وبين الباطل، ويعبِّر عن ذلك بعباراتٍ وجيزةٍ محصِّلةٍ للمقاصد».
[«فضل علم السلف على الخلف» لابن رجب (5)]

مكانة العلماء
«فما ظنُّكم ـ رحمكم الله ـ بطريقٍ فيه آفاتٌ كثيرةٌ، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلةٍ ظلماءَ، فإن لم يكن فيه مصباحٌ وإلَّا تحيَّروا، فقيَّض الله لهم فيه مصابيحَ تُضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثمَّ جاءت طبقاتٌ مِن الناس لا بدَّ لهم مِن السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح فبَقُوا في الظلمة فما ظنُّكم بهم؟ هكذا العلماء في النَّاس، لا يعلم كثيرٌ مِن الناس كيف أداءُ الفرائض، وكيف اجتنابُ المحارم، ولا كيف يُعْبَد اللهُ في جميع ما يَعبده به خَلْقُه، إلَّا ببقاء العلماء، فإذا ماتَ العلماء تحيَّر الناس، ودرس العلمُ بموتهم وظهر الجهل، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، مصيبةٌ ما أعظمَها على المسلمين».
[«أخلاق العلماء» للآجرِّي (29)]

فائدةٌ في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾
«علَّق سبحانه الهدايةَ بالجهاد، فأكملُ الناسِ هدايةً أعظمُهم جهادًا، وأفرضُ الجهادِ جهادُ النفس وجهادُ الهوى وجهادُ الشيطان وجهادُ الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعةَ في الله هداه الله سُبُلَ رضاه الموصِلةَ إلى جنَّته، ومن ترك الجهادَ فاته مِن الهدى بحسب ما عطَّل مِن الجهاد، قال الجنيد: والذين جاهدوا أهواءَهم فينا بالتوبة لنهدينَّهم سُبُلَ الإخلاص، ولا يتمكَّن مِن جهاد عدوِّه في الظاهر إلَّا مَن جاهد هذه الأعداءَ باطنًا، فمن نُصر عليها نُصر على عدوِّه، ومن نُصرت عليه نُصر عليه عدوُّه».
[«الفوائد» لابن القيِّم (59)]

فضائل العلوم
المزني: قال الشافعيُّ: «من تعلَّم القرآنَ عَظُمَت قيمتُه، ومن تكلَّم في الفقه نما قدرُه، ومن كتب الحديثَ قَوِيَت حجَّتُه، ومن نظر في اللغة رقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جَزُلَ رأيُه، ومن لم يَصُنْ نَفْسَه لم ينفعه علمُه».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (8/ 243)]

ميراث أهل السنَّة وأهل البدعة
قيل لأبي بكر بن عيَّاشٍ: «إنَّ بالمسجد قومًا يجلسون ويُجلس إليهم فقال: «من جلس للناس جلس الناس إليه، ولكنَّ أهل السنَّة يموتون ويحيا ذكرُهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرُهم؛ لأنَّ أهل السنَّة أحيَوْا ما جاء به الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم فكان لهم نصيبٌ مِن قوله: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: 4]، وأهل البدعة شنئوا ما جاء به الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم فكان لهم نصيبٌ مِن قوله: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾[الكوثر: 3]».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (16/ 528)]

الظلمة مقرونةٌ بالإعراض عن الوحي
«فإنَّ المُعْرِض عمَّا بعث اللهُ تعالى به محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم من الهدى ودين الحقِّ يتقلَّب في خمس ظلماتٍ: قولُه ظلمةٌ، وعمله ظلمةٌ، ومدخله ظلمةٌ، ومخرجه ظلمةٌ، ومصيره إلى الظلمة، فقلبُه مظلمٌ، ووجهه مظلمٌ، وكلامه مظلمٌ، وحاله مظلمةٌ، وإذا قابلت بصيرته الخفَّاشية ما بعث الله به محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم من النور جدَّ في الهرب منه وكاد نوره يخطَف بصرَه فهرب إلى ظلمات الآراء التي هي به أنسب وأَوْلى كما قيل:
«خَفَافِيشُ أَعْشَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ * وَوَافَقَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ»
فإذا جاء إلى زُبالة الأفكار ونُحاتة الأذهان جال وصال، وأبدى وأعاد، وقعقع وفرقع، فإذا طلع نور الوحي وشمس الرسالة انحجر في أحجرة الحشرات».
[«اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيِّم (2/ 58)]

ذمُّ من خرج عن الشرع من أهل التصوُّف أو الكلام
قال ابن عقيلٍ في ذمِّ مَن خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوُّف في كتابه المفقود أكثرُه «الفنون»: «المتكلِّمون وقفوا النظرَ في الشرع بأدلَّة العقول فتفلسفوا، واعتمد الصوفية المتوهِّمة على واقعهم فتكهَّنوا، لأنَّ الفلاسفة اعتمدوا على كشف حقائق الأشياء بزعمهم، والكهَّانَ اعتمدوا على ما يُلقى إليهم من الإطلاع، وجميعًا خوارجُ على الشرائع، هذا يتجاسر أن يتكلَّم في المسائل التي فيها صريح نقلٍ بما يخالف ذلك المنقولَ بمقتضى ما يزعم أنه يجب في العقل، وهذا يقول: قال لي قلبي عن ربِّي، فلا على هؤلاء أصبحتُ ولا على هؤلاء أمسيتُ، لا كان مذهبٌ جاء على غير طريق السفراء والرسل، يريد تعلُّم بيان الشرايع، وبطلان المذاهب والتوهُّمات، والطرايق المخترعات: هل لعلم الصوفية عملٌ في إباحة دمٍ أو فرجٍ، أو تحريم معاملةٍ، أو فتوى معمولٍ بها في عبادةٍ أو معاقدةٍ؟ أو للمتكلِّمين بحكم الكلام حاكمٌ ينفَّذ حكمُه في بلدٍ أو رستاقٍ؟ أو تصيب للمتوهِّمة فتاوى وأحكامٌ؟ إنما أهل الدولة الإسلامية والشريعة المحمَّدية المحدِّثون والفقهاء: هؤلاء يروون أحاديثَ الشرع، وينفون الكذبَ عن النقل، ويحمون النقل عن الاختلاف.
وهؤلاء المُفتون ينفون عن الأخبار تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، هم الذي سمَّاهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: الحمَلَة العدول، فقال: «يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ..»».
[«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (8/ 61)]

العقل الصريح لا يعارض النقلَ الصحيح
«والمقصود هنا التنبيهُ على أنه لو سُوِّغ للناظرين أن يُعرضوا عن كتاب الله تعالى ويعارضوه بآرائهم ومعقولاتهم لم يكن هناك أمرٌ مضبوطٌ يحصل لهم به علمٌ ولا هدى، فإن الذين سلكوا هذه السبيلَ كلُّهم يخبر عن نفسه بما يوجب حيرتَه وشكَّه، والمسلمون يشهدون عليه بذلك، فثبت بشهادته وإقراره على نفسه وشهادةِ المسلمين الذين هم شهداءُ الله في الأرض، أنه لم يظفر مَن أعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه بيقينٍ يطمئنُّ إليه ولا معرفةٍ يسكن بها قلبُه، والذين ادَّعَوْا في بعض المسائل أنَّ لهم معقولًا صريحًا يناقض الكتابَ قابلهم آخَرون مِن ذوي المعقولات، فقالوا: إنَّ قول هؤلاء معلومٌ بطلانُه بصريح المعقول، فصار ما يدَّعي معارضتَه للكتاب من المعقول ليس فيه ما يُجزم بأنه معقولٌ صحيحٌ: إمَّا بشهادة أصحابه عليه وشهادةِ الأمَّة، وإمَّا بظهور تناقُضهم ظهورًا لا ارتياب فيه، وإمَّا بمعارضة آخَرين مِن أهل هذه المعقولات لهم، بل مَن تدبَّر ما يعارضون به الشرعَ من العقليات وجد ذلك ممَّا يُعلم بالعقل الصريح بطلانُه».
[«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (1/ 168)]

من أضرار البدع
«وإنَّني أقول لهؤلاء الذين ابتُلُوا بالبدع ـ الذين قد تكون مقاصدُهم حسنةً ويريدون الخيرَ ـ: إذا أردتم الخيرَ فلا ـ واللهِ ـ نعلم طريقًا خيرًا من طريق السلف رضي الله عنهم. أيُّها الإخوة عَضُّوا على سنَّة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بالنواجذ، واسلكوا طريقَ السلف الصالح، وكونوا على ما كانوا عليه، وانظروا هل يضيركم ذلك شيئًا؟ وإنِّي أقول ـ وأعوذ بالله أن أقول ما ليس لي به علمٌ ـ أقول: إنك لَتجد الكثيرَ مِن هؤلاء الحريصين على البدع يكون فاترًا في تنفيذ أمورٍ ثبتت شرعيَّتُها وثبتت سنِّيَّتُها، فإذا فرغوا من هذه البدع قابلوا السننَ الثابتة بالفتور، وهذا كلُّه من نتيجة أضرار البدع على القلوب، فالبدع أضرارها على القلوب عظيمةٌ، وأخطارها على الدين جسيمةٌ، فما ابتدع قومٌ في دين الله بدعةً إلَّا أضاعوا من السنَّة مثلها أو أشدَّ، كما ذكر ذلك بعضُ أهل العلم من السلف، لكنَّ الإنسان إذا شعر أنه تابعٌ لا مشرِّعٌ حصل له بذلك كمال الخشية والخضوع والذلِّ والعبادة لربِّ العالمين، وكمالُ الاتِّباع لإمام المتَّقين وسيِّد المرسلين ورسول ربِّ العالمين محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم».
[«مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين» (5/ 255)]

ميزة السلفيين
«وما يمتاز به المنهج السلفيُّ أنَّ الذين ينهجونه لا يختلفون إلَّا في الأسلوب والتعبير على اختلاف أزمنتهم ومشاكلهم، وذلك راجعٌ لوحدة المصدر لدعوتهم، وهو كتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وآثارُ الصحابة الموضِّحة لمعاني النصوص، إذ هم الذين حضروا نزولَ الوحي وفهموا النصوصَ فور نزولها، قبل أن يطول عليها العهد، ولذلك يحرص اللاحقون مِن السلف أن يقتدوا بالسابقين».
[«الصفات الإلهية» لمحمَّد أمان الجامي (112)]

سبب ضلال أهل البدع
«أهل البدع أجمعُ أضربوا عن السنَّة وتأوَّلوا الكتابَ على غير ما بيَّنت السنَّةُ، فضلُّوا وأضلُّوا، ونعوذ بالله من الخذلان ونسأله التوفيق والعصمة برحمته، وقد روي عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التحذيرُ عن ذلك في غير ما أثرٍ منها ما أخبرنا عبد الله بن محمَّدٍ...قال: سمعتُ عقبةَ بن عامرٍ الجهنيَّ يقول: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «هَلَاكُ أُمَّتِي فِي الكِتَابِ وَاللَّبَنِ» فقيل: «يا رسول الله، ما الكتاب واللبن؟» قال: «يَتَعَلَّمُونَ القُرْآنَ وَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُحِبُّونَ اللَّبَنَ فَيَدَعُونَ الجَمَاعَاتِ وَالجُمَعَ وَيَبْدُونَ».
[«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (2/ 1199)]

بين العافية والبلاء
قال عمر بن السكن: «كنت عند سفيان بن عيينة فقام إليه رجلٌ من أهل بغداد فقال: «أخبِرني عن قول مطرِّفٍ: «لَأن أعافى فأشكر أحبُّ إليَّ» أم قول أخيه أبي العلاء: «اللهمَّ رضيتُ لنفسي ما رضيتَ لي»؟» قال فسكت سكتةً ثمَّ قال: «قول مطرِّفٍ أحبُّ إليك»، قال: «وكيف وقد رضي هذا لنفسه ما رضي الله له؟»، قال: «إنِّي قرأتُ القرآنَ فوجدت صفةَ سليمان مع العافية التي كان فيها: ﴿نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ووجدتُ صفة أيُّوب مع البلاء الذي كان فيه: ﴿نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾، فاستوت الصفتان، فهذا معافًى وهذا مبتلًى، ورأيتُ الشكر قد قام مقام الصبر، فلمَّا اعتدلا كانت العافية مع الشكر أحبَّ إليَّ من البلاء مع الصبر».
[تاريخ دمشق لابن عساكر (58/ 317)]

الموقف الوسط من اجتهادات العلماء واختلافهم
قال ابنُ القيِّمِ ـ رحمه الله ـ: «لا قولَ مع قولِ الله وقولِ الرسول، ولا بُدَّ من أمرين أحدُهما أعظمُ من الآخَرِ، وهو النصيحةُ لله ولرسوله وكتابِه ودينِه، وتنزيهُه عن الأقوال الباطلةِ المناقِضَةِ لِما بعث اللهُ به رسولَه من الهدى والبيِّناتِ التي هي خلافُ الحكمةِ والمصلحةِ والرحمةِ والعدلِ وبيانُ نفيِها عنِ الدِّينِ وإخراجِها منه وإن أدخلها فيه من أدخلها بنوعِ تأويلٍ.
والثاني: معرفةُ فضلِ أئمَّة الإسلام ومقاديرِهم وحقوقِهم ومراتبِهم وأنَّ فضْلَهم وعلْمَهم ونصْحَهم لله ورسولِه لا يُوجِبُ قَبولَ كلِّ ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائلِ التي خَفِيَ عليهم فيها ما جاء به الرسولُ فقالوا بمبلغِ علْمِهم والحقُّ في خلافِها لا يُوجِبُ اطِّراحَ أقوالِهم جملةً وتنقُّصَهم والوقيعةَ فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصدِ، وقصدُ السبيلِ بينهما، فلا نُؤَثِّمُ ولا نُعَصِّمُ، ولا نسلك بهم مسلكَ الرافضةِ في عليٍّ، ولا مسلكَهم في الشيخينِ، بل نسلك مسلكَهم أنفُسَهم فيمن قبلهم من الصحابة، فإنهم لا يؤثِّمونهم ولا يعصِّمونهم، ولا يقبلون كلَّ أقوالهم ولا يُهدرونها، فكيف يُنكرون علينا في الأئمَّةِ الأربعةِ مسلكًا يسلكونه هم في الخلفاءِ الأربعةِ وسائرِ الصحابةِ؟! ولا منافاةَ بين هذين الأمرين لمن شرح اللهُ صدرَه للإسلامِ، وإنما يتنافيان عند أحدِ رجلين: جاهلٍ بمقدارِ الأئمَّةِ وفضلِهم، أو جاهلٍ بحقيقةِ الشريعةِ التي بعث اللهُ بها رسولَه، ومن له علمٌ بالشرعِ والواقعِ يعلم قطعًا أنَّ الرجلَ الجليلَ الذي له في الإسلامِ قَدَمٌ صالِحٌ وآثارٌ حسنةٌ وهو من الإسلامِ وأهلِه بمكانٍ، قد تكون منه الهَفْوَةُ والزَّلَّةُ، هو فيها معذورٌ، بل مأجورٌ لاجتهادِه، فلا يجوز أن يُتَّبَعَ فيها، ولا يجوز أن تُهْدَرَ مكانتُه وإمامتُه ومَنْزلتُه في قلوبِ المسلمين».
[«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (3/ 282 ـ 283)]

مباينة الطرق الفلسفية والكلامية للطريقة القرآنية
قال أبو عبد الله محمَّدُ بن عمر الرازيُّ: «لقد تأمَّلتُ الطرقَ الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتُها تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا، ورأيتُ أقرب الطرق طريقةَ القرآن: أقرأ في الإثبات: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾، وأقرأ في النفي: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾، ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾، ومن جرَّب مثلَ تجربتي عرف مثل معرفتي».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (4/ 73)]

من ترك شيئًا لله عوَّض الله ذرِّيَّته خيرًا
«وفي كونه ـ أي: المهدي ـ من ولد الحسن سرٌّ لطيفٌ وهو أنَّ الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافةَ لله، فجعل الله مِن ولده مَن يقوم بالخلافة، الحق المتضمِّن للعدل الذي يملأ الأرض، وهذه سنَّة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئًا أعطاه الله أو أعطى ذرِّيَّتَه أفضل منه، وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم».
[«المنار المنيف» لابن القيِّم (151)]

أهل الأهواء عند الإمام مالك
قال أبو عبد الله بن خويز منداد المالكي: «أهل الأهواء عند مالكٍ وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكلُّ متكلِّمٍ فهو من أهل الأهواء والبدع: أشعريًّا كان أو غير أشعريٍّ، ولا تُقبل له شهادةٌ في الإسلام، ويُهجر ويؤدَّب على بدعته، فإن تمادى عليها استُتيب منها».
[«جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (2/ 942)]

من لا يؤخذ عنه العلم
قال الإمام مالكٌ ـ رحمه الله ـ: «لا يؤخذ العلم عن أربعةٍ: سفيهٍ يُعلن السفهَ وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعةٍ يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنتُ لا أتَّهمه في الحديث، وصالحٌ عابدٌ فاضلٌ إذا كان لا يحفظ ما يحدِّث به».
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي (7/ 162)]

حكم أهل الكلام
قال الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ: «حُكْمِي فِي أَصْحَابِ الْكَلامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالجَرِيدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الإِبِلِ، وَيُطَافَ بِهِمْ فِي العَشَائِرِ وَالقَبَائِلِ، وَيُقَالَ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَخَذَ فِي الكَلامِ».
[«جامع بيان العلم» لابن عبد البرِّ (2/ 941)]

صفات القلب السليم
«والقلب السليم معناه الذي سَلِم من الشرك والشكِّ ومحبَّة الشرِّ والإصرار على البدعة والذنوب، ويَلزم من سلامته ممَّا ذُكر اتِّصافُه بأضدادها من الإخلاص والعلم واليقين ومحبَّة الخير وتزيينه في قلبه، وأن تكون إرادتُه ومحبَّته تابعةً لمحبَّة الله وهواه تابعًا لِما جاء عن الله».
[«تيسير الكريم الرحمن» للسعدي (593)]

توحيد المرسِل وتوحيد متابعة الرسول
«فالواجب كمال التسليم للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، والانقياد لأمره، وتلقِّي خبره بالقبول والتصديق، دون أن نعارضه بخيالٍ باطلٍ نسمِّيه معقولًا، أو نحمله شبهةً أو شكًّا، أو نقدِّم عليه آراءَ الرجال وزبالةَ أذهانهم، فنوحِّده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما نوحِّد المرسِل بالعبادة والخضوع والذلِّ والإنابة والتوكُّل، فهما توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلَّا بهما: توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا نحاكم إلى غيره، ولا نرضى بحكم غيره، ولا نوقِف تنفيذَ أمره وتصديقَ خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظِّمه، فإن أذنوا له نفَّذه وقَبِل خبرَه، وإلَّا فإن طلب السلامةَ فوَّضه إليهم وأعرض عن أمره وخبره، وإلَّا حرَّفه عن مواضعه وسمَّى تحريفَه تأويلًا وحملًا، فقال: نؤوِّله ونحمله. فلَأَن يلقى العبدُ ربَّه بكلِّ ذنبٍ ـ ما خلا الإشراكَ بالله ـ خيرٌ له من أن يلقاه بهذه الحال».
[«شرح الطحاوية» لابن أبي العزِّ الحنفي (200)]

حُسن الخُلُق مع الله
«أمَّا حُسن الخُلُق مع الله: فهو الرضا بحكمه شرعًا وقَدَرًا، وتلقِّي ذلك بالانشراح وعدمِ التضجُّر، وعدمِ الأسى والحزن، فإذا قدَّر الله على المسلم شيئًا يكرهه رضي بذلك واستسلم وصبر، وقال بلسانه وقلبه: رضيتُ بالله ربًّا، وإذا حكم الله عليه بحكمٍ شرعيٍّ؛ رضي واستسلم، وانقاد لشريعة الله عزَّ وجلَّ بصدرٍ منشرحٍ ونفسٍ مطمئنَّةٍ، فهذا حسنُ الخُلُق مع الله عزَّ وجلَّ».
[«شرح رياض الصالحين» لابن عثيمين (3/ 556)]

أصول الذنوب وأدويتها
«أركان الكفر أربعةٌ: الكبر والحسد والغضب والشهوة، فالكبر يمنعه الانقياد، والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلُها، والغضب يمنعه العدل، والشهوة تمنعه التفرُّغ للعبادة، فإذا انهدم ركن الكبر سَهُل عليه الانقياد، وإذا انهدم ركن الحسد سَهُل عليه قبول النصح وبذلُه، وإذا انهدم ركنُ الغضب سَهُل عليه العدل والتواضع، وإذا انهدم ركن الشهوة سَهُل عليه الصبر والعفاف والعبادة، وزوال الجبال عن أماكنها أيسر مِن زوال هذه الأربعة عمَّن بُلي بها ولاسيَّما إذا صارت هيئاتٍ راسخةً وملكاتٍ وصفاتٍ ثابتةً، فإنه لا يستقيم له معها عملٌ ألبتَّة ولا تزكو نفسُه مع قيامها بها، وكلَّما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعة، وكلُّ الآفات متولِّدةٌ منها، وإذا استحكمت في القلب أَرَتْه الباطلَ في صورة الحقِّ والحقَّ في صورة الباطل، والمعروفَ في صورة المنكر والمنكرَ في صورة المعروف، وقرَّبت منه الدنيا وبعَّدت منه الآخرةَ، وإذا تأمَّلتَ كُفْرَ الأمم رأيتَه ناشئًا منها، وعليها يقع العذاب، وتكون خفَّتُه وشدَّتُه بحسب خفَّتها وشدَّتها، فمن فتحها على نفسه فُتح عليه أبوابُ الشرور كلِّها عاجلًا وآجلًا، ومن أغلقها على نفسه أغلق عنه أبوابَ الشرور، فإنها تمنع الانقيادَ والإخلاص والتوبة والإنابة وقبول الحقِّ ونصيحةَ المسلمين والتواضع لله ولخلقه».
[«الفوائد» لابن القيِّم (157)]

تبليغ الدين فوق أهواء المنحرفين
قال الشيخ العربي التبسِّي: «وإن تعجب فعجبٌ أمرُ هؤلاء الذين يُريدون مِن علماء الدِّين أن يُذعنوا لأباطيلهم ويطأطئوا رؤوسَهم أمام عظمة أهوائهم، وما ضمَّتها من عفوناتِ ما يلقيه الشيطانُ عليهم رغم تعاليم الدين الذي يلعن مَن يكتم مِن الدين المنزَّل على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا، وكأنَّ هؤلاء لم يعلموا أنَّنا لم نكتب ما كتَبْنا وما كتبه إخوانُنا مِن أهل الدين والبصيرة النافذة لقضاء شهوةٍ من الشهوات أو طلبِ دخلٍ من الدخول أو لنيل حظٍّ من الحظوظ، وأنَّ الله يعلم والمسلمين يعلمون أنه لولا أنَّ الله تعالى أَمَرنا بأن نبلِّغ هذا الدينَ كما أَخَذْناه لا ننقص ولا نزيد، ولولا أنَّنا نزحزح أنفسَنا عن الذين يكتمون ما أنزل الله من البيِّنات والهدى ما رضينا لأنفسنا أن نخاطب هذه الهلثاء(1) التي لا فقه لها، ولكنَّنا سوف نثبت حيث أمرنا الله مستميتين في الدفاع عن الدين ولو قُطِّعنا إِرَبًا أو رُمي بنا في أَتونٍ(2)وإن نحن لقينا ما لقينا فحَسْبُنا:
مَا أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ».
[«مجلَّة الشهاب» (3/ 297)]

التحذير من الحزبية
«وأوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَم بالشر ناجِمُها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجِمُها، وسَجَم على الوطن بالملح الأجاج ساجِمُها، إنَّ هذه الأحزاب كالميزاب، جَمَع الماء كدرًا، وفرَّقه هدرًا، فلا الزلالَ جَمَع، ولا الأرض نَفَع».
[«الآثار» لمحمَّد البشير الإبراهيمي (3/ 265)]

بدعية التفريق بين الأصول والفروع
قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «ولم يفرِّق أحدٌ من السلف والأئمَّة بين أصولٍ وفروعٍ، بل جَعْلُ الدين قسمين: أصولًا وفروعًا لم يكن معروفًا في الصحابة والتابعين. ولم يقل أحدٌ من السلف والصحابة والتابعين: إنَّ المجتهد الذي استفرغ وُسْعَه في طلب الحقِّ يأثم، لا في الأصول ولا في الفروع. ولكنَّ هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة، وأدخله في أصول الفقه مَن نَقَلَ ذلك عنهم».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (13/ 125)]

القياس الفاسد
«وكلُّ بدعةٍ ومقالةٍ فاسدةٍ في أديان الرسل فأصلها من القياس الفاسد، فما أنكرت الجهمية صفاتِ الربِّ وأفعالَه وعلوَّه على خلقه واستواءَه على عرشه وكلامَه وتكليمَه لعباده ورؤيتَه في الدار الآخرة إلَّا من القياس الفاسد، وما أنكرت القدرية عمومَ قدرته ومشيئته وجعلتْ في ملكه ما لا يشاء وأنه يشاء ما لا يكون إلَّا بالقياس الفاسد، وما ضلَّت الرافضة وعادَوْا خيارَ الخلق وكفَّروا أصحابَ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وسبُّوهم إلَّا بالقياس الفاسد، وما أنكرت الزنادقةُ والدهرية معادَ الأجسام وانشقاقَ السماوات وطيَّ الدنيا وقالت بقِدَم العالم إلَّا بالقياس الفاسد، وما فَسَد ما فَسَد من أمر العالم وخَرِبَ ما خَرِبَ منه إلَّا بالقياس الفاسد، وأوَّل ذنبٍ عُصي اللهُ به القياسُ الفاسد، وهو الذي جرَّ على آدم وذرِّيته مِن صاحب هذا القياس ما جرَّ، فأصلُ شرِّ الدنيا والآخرة جميعُه مِن هذا القياس الفاسد».
[«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (2/ 7)]

المجادلة المحمودة
«والمجادلة المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستَند الأقوال والأعمال، وأمَّا إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمدَ في القول والعمل فنوعٌ من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل».
[«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (2/ 90)
ترك الاحتفال بالمولد اقتداء بالسلف
«فانظر ـ رحمنا الله وإيَّاك ـ إلى مخالفة السنَّة ما أشنعها وما أقبحها وكيف تجرُّ إلى المحرَّمات، ألا ترى أنهم خالفوا السنَّةَ المطهَّرة وفعلوا المولد؟ لم يقتصروا على فعله بل زادوا عليه ما تقدَّم ذكرُه من الأباطيل المتعدِّدة، فالسعيد السعيد مَن شدَّ يدَه على امتثال الكتاب والسنَّة والطريق الموصِلة إلى ذلك وهي اتِّباع السلف الماضين رضوان الله عليهم أجمعين لأنهم أعلم بالسنَّة منَّا إذ هم أعرف بالمقال وأفقهُ بالحال، وكذلك الاقتداء بمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ولْيحذرْ من عوائد أهل الوقت وممَّن يفعل العوائدَ الرديئة، وهذه المفاسد مركَّبةٌ على فعل المولد إذا عُمل بالسماع، فإن خلا منه وعمل طعامًا فقط ونوى به المولدَ ودعا إليه الإخوانَ وسَلِم مِن كلِّ ما تقدَّم ذكرُه فهو بدعةٌ بنفس نيَّته فقط، إذ إنَّ ذلك زيادةٌ في الدين وليس مِن عمل السلف الماضين، واتِّباع السلف أَوْلى بل أوجب مِن أن يزيد نيَّةً مخالِفةً لِما كانوا عليه لأنهم أشدُّ الناس اتِّباعًا لسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وتعظيمًا له ولسنَّته صلَّى الله عليه وسلَّم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم يُنقل عن أحدٍ منهم أنه نوى المولدَ ونحن لهم تبعٌ فيسعنا ما وَسِعَهم».
[«المدخل» لابن الحاج (2/ 10)]

القياس الفاسد
«وكلُّ بدعةٍ ومقالةٍ فاسدةٍ في أديان الرسل فأصلُها من القياس الفاسد، فما أنكرت الجهميةُ صفاتِ الربِّ وأفعالَه وعلوَّه على خلقه واستواءَه على عرشه وكلامَه وتكليمَه لعباده ورؤيتَه في الدار الآخرة إلَّا من القياس الفاسد، وما أنكرت القدرية عمومَ قدرته ومشيئتِه وجعلت في مُلكه ما لا يشاء وأنه يشاء ما لا يكون إلَّا بالقياس الفاسد، وما ضلَّت الرافضةُ وعادَوْا خيارَ الخلق وكفَّروا أصحابَ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وسبُّوهم إلَّا بالقياس الفاسد، وما أنكرت الزنادقة والدهرية معادَ الأجسام وانشقاقَ السماوات وطيَّ الدنيا وقالت بقِدَمِ العالَم إلَّا بالقياس الفاسد، وما فَسَدَ ما فَسَدَ مِن أمر العالَم وخَرِبَ ما خَرِبَ منه إلَّا بالقياس الفاسد، وأوَّلُ ذنبٍ عُصي اللهُ به القياسُ الفاسد، وهو الذي جرَّ على آدم وذرِّيَّته مِن صاحب هذا القياس ما جرَّ، فأصل شرِّ الدنيا والآخرة جميعُه من هذا القياس الفاسد، وهذه الحكمةُ لا يدريها إلَّا من له اطِّلاعٌ على الواجب والواقع وله فقهٌ في الشرع والقدر».
[«إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (2/ 7)]

عامَّة فساد الأولاد من قِبَل الآباء
«وكم ممَّن أشقى وَلَدَه وفلذةَ كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وتركِ تأديبه وإعانته له على شهواته، ويزعم أنه يُكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظَلَمَه وحرمه، ففَاتَهُ انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظَّه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرتَ الفسادَ في الأولاد رأيتَ عامَّتَه من قِبَل الآباء».
[«تحفة المودود» لابن القيِّم (242)]

انتشار الشرك بسبب الاستعمار
«وسِرْ ما شئت في جميع الأوقات، وفي جميع طُرُق المواصلات تَرَ القبابَ البيضاء لائحةً في جميع الثنايا والآكام ورؤوس الجبال، وسلْ تجدِ القليل منها منسوبًا إلى معروفٍ من أجداد القبائل، وتجد الأقلَّ مجهولًا، والكثرة منسوبةٌ إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، واسأل الحقيقةَ تُجبك عن نفسها بأنَّ الكثير من هذه القباب إنما بناها المعمِّرون الأوربيون في أطراف مزارعهم الواسعة، بعد ما عرفوا افتتانَ هؤلاء المجانين بالقباب واحترامَهم لها، وتقديسَهم للشيخ عبد القادر الجيلاني، فعلوا ذلك لحماية مزارعهم من السرقة والإتلاف، فكلُّ معمِّرٍ يَبني قبَّةً أو قبَّتين من هذا النوع يأمن على مزارعه السرقةَ ويستغني عن الحرَّاس ونفقات الحراسة، ثمَّ يترك لهؤلاء العميان ـ الذين خسروا دينَهم ودنياهم ـ إقامةَ المواسم عليها في كلِّ سنةٍ، وإنفاقَ النفقات الطائلة في النذور لها وتعاهُدها بالتبييض والإصلاح، وقد يحضر المعمِّر معهم الزردة، ويشاركهم في ذبح القرابين، ليقولوا عنه إنه محبٌّ في الأولياء خادمٌ لهم، حتى إذا تمكَّن من غرس هذه العقيدة في نفوسهم راغ عليهم نزعًا للأرض من أيديهم، وإجلاءً لهم عنها، وبهذه الوسيلة الشيطانية استولى المعمِّرون على تلك الأراضي الخصبة التي أحالوها إلى جنَّاتٍ، زيادةً على الوسائل الكثيرة التي انتزعوا بها الأرضَ من أهلها».
[«آثار محمد البشير الإبراهيمي» (3/ 321)]

مقام الرجل بحسب بلائه
«وأيضًا فإنه يُعفى للمحبِّ ولصاحب الإحسان العظيم ما لا يُعفى لغيره، ويسامح بما لا يسامح به غيره.
وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدَّس الله روحه ـ يقول: انظر إلى موسى صلوات الله وسلامه عليه رمى الألواحَ التي فيها كلام الله الذي كتبه بيده فكسرها، وجرَّ بلحية نبيٍّ مثله وهو هارون، ولطم عينَ ملك الموت ففقأها، وعاتب ربَّه ليلة الإسراء في محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ورفعِه عليه، وربُّه تعالى يحتمل له ذلك كلَّه، ويحبُّه ويكرمه ويدلله، لأنه قام لله تلك المقاماتِ العظيمةَ في مقابلة أعدى عدوٍّ له، وصدع بأمره، وعالج أمَّتَيِ القبط وبني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فكانت هذه الأمور كالشعرة في البحر.
وانظر إلى يونس بن متَّى حيث لم يكن له هذه المقامات التي لموسى، غاضَبَ ربَّه مرَّةً، فأخذه وسجنه في بطن الحوت، ولم يحتمل له ما احتمل لموسى، وفرقٌ بين من إذا أتى بذنبٍ واحدٍ، ولم يكن له من الإحسان والمحاسن ما يشفع له، وبين من إذا أتى بذنبٍ جاءت محاسنه بكلِّ شفيع، كما قيل:
وَإِذَا الحَبِيبُ أَتَى بِذَنْبٍ وَاحِدٍ ... جَاءَتْ مَحَاسِنُهُ بِأَلْفِ شَفِيعِ».
[«مدارج السالكين» لابن القيِّم (1/ 337)]

توقير أهل البدع هدمٌ للإسلام
«فإنَّ توقير صاحب البدعة مظنَّةٌ لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: الْتفاتُ الجُهَّال والعامَّة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس، وأنَّ ما هو عليه خيرٌ ممَّا عليه غيرُه، فيؤدِّي ذلك إلى اتِّباعه على بدعته دون اتِّباع أهل السنَّة على سُنَّتهم.
والثانية: أنه إذا وُقِّر مِن أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرِّض له على إنشاء الابتداع في كلِّ شيءٍ وعلى كلِّ حالٍ، فتحيا البِدَعُ وتموت السنن، وهو هدمُ الإسلام بعينه».
[«الاعتصام» للشاطبي (1/ 202)]

براءة أهل السنَّة الغرَّاء من نبز أهل البدع والأهواء
«إنَّ المبتدعة خذلهم الله اقتسموا القولَ أصحابَ الحديث وحَمَلَة أخباره، ونَقَلَة آثاره وأحاديثه، فسمَّاهم بعضُهم حشويةً، وبعضهم مشبِّهةً، وبعضهم نابتةً، وبعضهم ناصبةً، وبعضهم جبريةً، وأصحاب الحديث عِصَامةٌ من هذه المعايب، وليسوا إلَّا أهل السيرة المرضيَّة، والسبل السويَّة، والحجج البالغة القويَّة، قد وفَّقهم الله جلَّ جلاله لاتِّباع كتابه، ووحيه وخطابه، والاقتداء برسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في أخباره التي أمر فيها أمَّتَه بالمعروف من القول والعمل، وزجرهم فيها عن المنكر منهما، وأعانهم على التمسُّك بسيرته، والاهتداء بملازمة سنَّته، وشرح صدورَهم لمحبَّته ومحبَّة أئمَّة شريعته وعلماء أمَّته، ومن أحبَّ قومًا فهو معهم يوم القيامة بحكم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»».
[«عقيدة السلف» للصابوني (107)]

السلفية دعوة حقٍّ
قال السعيد الزاهري ـ رحمه الله ـ (عضو إداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في ردِّه على وزير المعارف بالمغرب الأقصى آنذاك: «بقي شيءٌ واحدٌ وهو قول الوزير: «إنَّ مؤسِّس هذا المذهب هو شيخ الإسلام ابن تيمية، واشتهر به ابن عبد الوهَّاب»، والواقع أنَّ مؤسِّس هذا المذهب ليس هو ابن تيمية ولا ابن عبد الوهَّاب، ولا الإمام أحمد ولا غيره من الأئمَّة والعلماء، وإنما مؤسِّسه هو خاتم النبيِّين سيِّدنا محمَّد بن عبد الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، على أنه في الحقيقة ليس مذهبًا، بل هو دعوةٌ إلى الرجوع إلى السنَّة النبوية الشريفة، وإلى التمسُّك بالقرآن الكريم، وليس هنا شيءٌ آخر غير هذا».
[«مجلَّة الصراط السوي» (العدد: 5/ 5)، الصادرة في: 26 جمادى الثانية 1352ه/ 16 أكتوبر 1933م]

أهل البدع هم أهل الأهواء
«ولهذا كان السلف يُسَمُّون أهل البدع أهلَ الأهواء، فإنهم على ضلالٍ، والضلالُ مستلزمٌ لاتِّباع الهوى كما أنَّ الهدى لازمٌ لاتِّباع سبيله».
[«جامع مسائل ابن تيمية» (6/ 146)]

حكم الانتساب إلى السلف
«لا عيب على من أظهر مذهبَ السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قَبولُ ذلك منه بالاتِّفاق، فإنَّ مذهب السلف لا يكون إلَّا حقًّا، فإن كان موافقًا له باطنًا وظاهرًا فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحقِّ باطنًا وظاهرًا، وإن كان موافقًا له في الظاهر فقط دون الباطن: فهو بمنزلة المنافق، فتُقْبَل منه علانيتُه وتُوكَل سريرتُه إلى الله، فإنَّا لم نُؤْمَر أن ننقِّب عن قلوب الناس ولا نَشُقَّ بطونَهم».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (4/ 149)]

لا خروج لأحد من الأولياء عن متابعة الأنبياء
قال ابن أبي العزِّ الحنفيُّ شارحًا قولَ الطحاويِّ رحمهما الله: «ولا نفضِّل أحدًا من الأولياء على أحدٍ من الأنبياء عليهم السلام، ونقول: نبيٌّ واحدٌ أفضل من جميع الأولياء»: «ش: يشير الشيخ رحمه الله إلى الردِّ على الاتِّحادية وجَهَلة المتصوِّفة، وإلَّا فأهل الاستقامة يوصون بمتابعة العلم ومتابعة الشرع، فقد أوجب الله على الخلق كلِّهم متابعة الرسل، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ﴾ إلى أن قال: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 64 ـ 65]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]. قال أبو عثمان النيسابوري: من أمَّر السنَّةَ على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة».
[«شرح العقيدة الطجاوية» (504)]

تصحيح العقائد والأعمال رأس المال في الدين
«أمَّا رأس المال في الدين فهو تصحيح العقائد، وتصحيح العبادات، وتصحيح الأخلاق الصالحة، واتِّباع سنَّة نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم في كلِّ ما فعل وترك، والمحافظة عليها والانتصار لها، ونبذ البدع المخالفة لها، ثمَّ صرفُ الوقت الزائد على ذلك في الأعمال النافعة في الدنيا، فإنَّ الله لا يرضى لعبده المؤمن أن يكون ذليلًا حقيرًا، وإنما يرضى له بعد الإيمان الصحيح أن يكون عزيزًا شريفًا عاملًا لدينه ودنياه، معينًا لإخوانه على الخير، ناصحًا لهم، آخذًا بيد ضعيفهم، محسنًا لهم بيده ولسانه وبجاهه وماله. فصحِّحوا عقائدكم في الله، واعلموا أنه واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ، لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، هو المتفرد بالخلق والرزق والإعطاء والمنع والضرِّ والنفع. فأخلِصوا له الدعاء والعبادة، ولا تدعوا معه أحدًا ولا من دونه أحدًا، وطهِّروا أنفسكم وعقولكم من هذه العقائد الباطلة الرائجة بين المسلمين اليوم، فإنها أهلكتهم وأضلَّتهم عن سواء السبيل، وإيَّاكم والبِدعَ في الدين فإنها مُفسدةٌ له، وكلُّ ما خالف السنَّةَ الثابتة عن نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم فهو بدعةٌ. وصحِّحوا عباداتِكم بمعرفة أحكامها وشروطها ومعرفة ما هو مشروعٌ وما هو غير مشروعٍ، فإنَّ الله تعالى لا يقبل منكم إلَّا ما شرعه لكم على لسان نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم».
[«آثار البشير» الإبراهيمي (1/ 406)]

في التفريق بين الداعي إلى بدعته وغيره من أهل البدع
«فأمَّا من كان مستترًا بمعصيةٍ أو مُسِرًّا لبدعةٍ غيرِ مكفِّرةٍ؛ فإنَّ هذا لا يُهْجَر، وإنما يُهْجَر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوعٌ من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصيةَ قولًا أو عملًا، وأمَّا من أظهر لنا خيرًا فإنَّا نقبل علانيتَه، ونَكِلُ سريرتَه إلى الله تعالى، فإنَّ غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقبل علانيتهم وَيَكِلُ سرائرهم إلى الله لَمَّا جاءوا إليه عامَ تبوكَ يحلفون ويعتذرون، ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمَّة كمالكٍ وغيره لا يقبلون روايةَ الداعي إلى بدعةٍ ولا يجالسونه بخلاف الساكت، وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعاتٍ مِمَّن رُمِيَ ببدعةٍ من الساكتين، ولم يُخْرِجوا عن الدعاة إلى البدع».
[«مجموع الفتاوى» لابن تيمية (24/ 175)]

حِكَم التشريع في مخالفة الكفَّار
«وهذا ـ وإن دلَّ على أنَّ مخالفتهم أمرٌ مقصودٌ للشرع ـ فذلك لا ينفي أن تكون في نفس الفعل الذي خولفوا فيه مصلحةٌ مقصودةٌ مع قطع النظر عن مخالفتهم، فإنَّ هنا شيئين:
أحدهما: أنَّ نفس المخالفة لهم في الهدي الظاهر مصلحةٌ ومنفعةٌ لعباد الله المؤمنين لِما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم، وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنوَّر قلبُه حتى رأى ما اتَّصف به المغضوب عليهم والضالُّون من مرض القلب الذي ضرره أشدُّ من ضرر أمراض الأبدان.
والثاني: أنَّ نفس ما هم عليه من الهدي والخُلُق قد يكون مضرًّا أو منقصًا فيُنهى عنه ويُؤْمَر بضدِّه لِما فيه من المنفعة والكمال، وليس شيءٌ من أمورهم إلَّا وهو إمَّا مضرٌّ أو ناقصٌ؛ لأنَّ ما بأيديهم من الأعمال المبتدعة والمنسوخة ونحوها مُضرَّةٌ، وما بأيديهم ممَّا لم يُنْسَخ أصله فهو يقبل الزيادة والنقص، فمخالفتهم فيه بأن يُشْرَع ما يحصِّله على وجه الكمال، ولا يُتصوَّر أن يكون شيءٌ من أمورهم كاملًا قطُّ، فإذًا المخالفة فيها منفعةٌ وصلاحٌ لنا في كلِّ أمورنا حتى ما هم عليه من إتقان بعض أمور دنياهم قد يكون مضرًّا بأمر الآخرة أو بما هو أهمُّ منه من أمر دنيانا، فالمخالفة فيه صلاحٌ لنا».
[«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (56)]

أهل الأهواء لا ينفردون عن أهل السنَّة بحقٍّ
«ومفاريد الرافضة التي تدلُّ على غاية الجهل والضلال كثيرةٌ لم نقصد ذكرها هنا، لكنَّ المقصود أنَّ كلَّ طائفةٍ سوى أهل السنَّة والحديث المتَّبعين لآثار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا ينفردون عن سائر الطوائف بحقٍّ، والرافضة أبلغ في ذلك من غيرهم.
وأمَّا الخوارج والمعتزلة والجهمية فإنهم أيضًا لم ينفردوا عن أهل السنَّة والجماعة بحقٍّ، بل كلُّ ما معهم من الحقِّ ففي أهل السنَّة من يقول به، لكن لم يبلغ هؤلاء من قلَّة العقل وكثرة الجهل ما بلغت الرافضة».
[«منهاج السنَّة النبوية» (5/ 177)]

طرق أهل الأهواء في الاستدلال
«ومن نظر إلى طرق أهل البدع في الاستدلال عرف أنها لا تنضبط؛ لأنها سيَّالةٌ لا تقف عند حدٍّ، وعلى وجهٍ يصحُّ لكلِّ زائغٍ وكافرٍ أن يستدلَّ على زيغه وكفره حتى ينسب النحلة التي التزمها إلى الشريعة، فقد رأينا وسمعنا عن بعض الكفَّار أنه استدلَّ على كفره بآيات القرآن... وكذلك يمكن كلَّ من اتَّبع المتشابهات، أو حرَّف المناطات، أو حمَّل الآيات ما لا تحتمله عند السلف الصالح، أو تمسَّك بالواهية من الأحاديث، أو أخذ الأدلَّة ببادي الرأي: أن يستدلَّ على كلِّ فعلٍ أو قولٍ أو اعتقادٍ وافق غرضه بآيةٍ أو حديثٍ لا يعوز ذلك أصلًا».
[«الاعتصام» للشاطبي (2/ 140)]

الفرقان بين دعاة الحقِّ ودعاة الشيطان
«فمن دعا إلى ما دعا إليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فهو من دعاة الله، يدعو إلى الحقِّ والهدى، ومن دعا إلى ما لم يدعُ إليه محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم فهو من دعاة الشيطان يدعو إلى الباطل والضلال».
[ابن باديس «آثار ابن باديس» (1/ 182)]

تأثير الصحبة
«اعلموا إخواني أنِّي فكَّرتُ في السبب الذي أخرج أقوامًا من السنَّة والجماعة، واضطرَّهم إلى البدعة والشناعة، وفتح باب البليَّة على أفئدتهم، وحجب نور الحقِّ عن بصيرتهم، فوجدتُ ذلك من وجهين: أحدهما: البحث والتنقير وكثرة السؤال عمَّا لا يغني ولا يضرُّ العاقلَ جهلُه، ولا ينفع المؤمنَ فهمُه. والآخر: مجالسة من لا تُؤْمَن فتنتُه، وتُفسد القلوبَ صحبتُه».
[«الإبانة الكبرى» لابن بطَّة (1/ 390)]

كن على جادَّة السلف الصالح
«كن سلفيًّا على الجادَّة، طريق السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم، فمن بعدهم ممَّن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين، من التوحيد، والعبادات ونحوها، متميِّزًا بالتزام آثار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال، والمراء، والخوض في علم الكلام، وما يجلب الآثام، ويصدُّ عن الشرع».
[«حلية طالب العلم» لبكر أبو زيد (143)]

تأثُّر الظاهر بالباطن
«وهذا الحسن والجمال الَّذي يكون عن الأعمال الصالحة في القلب يسري إلى الوجه، والقبح والشين الَّذي يكون عن الأعمال الفاسدة في القلب يسري إلى الوجه ـ كما تقدَّم ـ، ثمَّ إنَّ ذلك يقوى بقوَّة الأعمال الصالحة والأعمال الفاسدة، فكلَّما كثر البر والتقوى قوي الحسن والجمال، وكلَّما قوي الإثم والعدوان قوي القبح والشين حتَّى ينسخ ذلك ما كان للصورة من حسنٍ وقبحٍ، فكم ممَّن لم تكن صورته حسنةً ولكنْ من الأعمال الصالحة ما عظم بِهِ جماله وبهاؤه حتَّى ظهر ذلك على صورته، ولهذا ظهر ذلك ظهورًا بيِّنًا عند الإصرار على القبائح في آخر العمر عند قرب الموت، فنرى وجوهَ أهل السنَّة والطاعة كلَّما كبروا ازداد حسنها وبهاؤها حتَّى يكون أحدهم في كبره أحسن وأجمل منه في صغره، ونجد وجوهَ أهل البدعة والمعصية كلَّما كبروا عظم قبحها وشينها حتَّى لا يستطيع النظرَ إِلَيْهَا من كان منبهرًا بها في حال الصغر لجمال صورتها».
[«الاستقامة» لشيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 365)]

حاجة القلب إلى الغيرة
«وهذا يدلُّك على أنَّ أصل الدين الغَيرة، ومن لا غيرةَ له لا دين له، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدمُ الغيرة تميت القلب فتموت له الجوارح، فلا يبقى عندها دفعٌ ألبتَّةَ، ومَثَلُ الغيرة في القلب مَثَلُ القوَّة التي تدفع المرضَ وتقاومه، فإذا ذهبت القوَّة وجد الداء المحلَّ قابلًا ولم يجد دافعًا فتمكَّن فكان الهلاك، ومثلها مثل صياصي [قرون] الجاموس التي تدفع بها عن نفسه وولده، فإذا تكسَّرت طمع فيها عدوُّه».
[«الداء والدواء» لابن القيِّم (109 ـ 110)]

دخول الأشعرية المغربَ
«وكان أهل المغرب سلفيِّين حتَّى رحل ابن تومرت إلى الشرق وعزم على إحداث انقلابٍ بالمغرب سياسيٍّ علميٍّ دينيٍّ، فأخذ بطريقة الأشعري ونصرها، وسمَّى المرابطين السلفيِّين مجسِّمين، ثمَّ انقلابه على يد عبد المؤمن، فتمَّ انتصار الأشاعرة بالمغرب، واحتجبت السلفية بسقوط دولة صنهاجة، فلم ينصرْها بعدهم إلَّا أفرادٌ قليلون من أهل العلم في أزمنةٍ مختلفةٍ».
[«تاريخ الجزائر في القديم والحديث» لمبارك الميلي (711)]

أظهر علامات أهل البدع
«وعلامات البدع على أهلها باديةٌ ظاهرةٌ، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدَّةُ معاداتهم لحملة أخبار النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، واحتقارُهم لهم وتسميتهم إياهم حشويةً وجَهَلَةً وظاهريةً ومشبِّهةً، اعتقادًا منهم في أخبار الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أنها بمعزلٍ عن العلم، وأنَّ العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتاج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير، وكلماتهم وحججهم العاطلة بل شبههم الداحضة الباطلة».
[«عقيدة السلف أصحاب الحديث» لأبي عثمان الصابوني (ص 110)]

الطعن في الوهَّابية طعنٌ في المالكية
«ولهذا قلت وما زلت ولن أزال أقول: إنَّ المالكي الذي يطعن في الوهَّابيِّين يطعن في مالكٍ ومذهبِه من حيث يشعر أو لا يشعر، أو لأنه جاهلٌ أو متجاهلٌ».
[أبو يعلى الزواوي، العدد السابع من جريدة «الصراط السويُّ» (7)]

في بيان أشقِّ الصبر على النفوس
«مشقَّة الصبر بحسب قوَّة الداعي إلى الفعل وسهولته على العبد، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشقَّ شيءٍ على الصابر، وإن فُقدا معًا سَهُل الصبر عنه، وإن وُجد أحدهما وفُقد الآخر سَهُل الصبر من وجهٍ وصَعُب من وجهٍ، فمن لا داعيَ له إلى القتل والسرقة وشرب المسكر وأنواع الفواحش ولا هو سهلٌ عليه فصبره عنه من أيسر شيءٍ عليه وأسهله، ومن اشتدَّ داعيه إلى ذلك وسَهُل عليه فعلُه فصبره عنه أشقُّ شيءٍ عليه، ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم وصبرُ الشاب عن الفاحشة وصبرُ الغنى عن تناوُل اللذَّات والشهوات عند الله بمكان».
[«عدَّة الصابرين» لابن القيِّم (69)]

من أوليات الداعية الصادق التحذير من الشرك
«لعلك لا تجد في عيوب النفس ونقائص الإِنسان ما يضاهي الشرك في اقتضاء طبع المتدين له، وخفاء مساربه إلى نفسه، ودفاع المتأولين عنه؛ فكان لزاماً على من يهتم لسعادته في الدار الباقية أن يعترف بحاجته الشديدة إلى معرفة الشرك ومظاهره، وأن يعتني كل الاعتناء بالبحث عن كل ذريعة إلى هذا الداء؛ ليتقيه أيما اتقاء، فلا يسري إلى جنانه، ولا يعلق بلسانه، ولا يظهر على شيء من أركانه، وكان من آيات المرشد النصوح وأخص مظاهر نصحه أن يجعل أولى ما يتقدم به إلى العامة وأول ما يقرع به أسماعهم التحذير من الشرك ومظاهره، وبيان مدلوله وأنواعه، ثم الصبر على ما يلحقه لذلك من أذى جاهل متحمس، ومغرض متعصب، وضال متأول».
[المبارك الميلي «الشرك ومظاهره» (44)]

الفعل المذموم مذمومٌ مهما كان فاعله
والشرُّ في أهل الأهواء أكثر منه في أهل السنَّة
«وكلُّ ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذمومٌ منهيٌّ عنه، سواءٌ كان فاعله منتسبًا إلى السنَّة أو إلى التشيُّع، ولكنَّ الأمور المذمومة المخالفة للكتاب والسنَّة في هذا وغيره هي في الرافضة أكثر منها في أهل السنَّة، فما يوجد في أهل السنَّة من الشرِّ ففي الرافضة أكثر منه، وما يوجد في الرافضة من الخير ففي أهل السنَّة أكثر منه».
[«منهاج السنَّة» لابن تيمية (1/ 483)]

كمال الإسلام في الجمع بين الجمال والجلال
«... ففي شريعته صلَّى الله عليه وسلَّم من اللين والعفو والصفح ومكارم الأخلاق أعظم مما في الإنجيل، وفيها من الشدَّة والجهاد، وإقامة الحدود على الكفَّار والمنافقين أعظم ممَّا في التوراة، وهذا هو غاية الكمال؛ ولهذا قال بعضهم: بُعث موسى بالجلال، وبُعث عيسى بالجمال، وبُعث محمد بالكمال».
[«الجواب الصحيح» لابن تيمية (5/ 86)]

حقيقة الابتداع وخطره
«مِن أبين المخالفة عن أمره وأقبحها، الزيادةُ في العبادة التي تعبَّد لله بها على ما مضى من سنَّته فيها، وإحداثُ محدثاتٍ على وجه العبادة في مواطنَ مرَّت عليه ولم يتعبَّد بمثل ذلك المحدَث فيها، وكلا هذين زيادةٌ وإحداثٌ وابتداعٌ مذمومٌ، يكون مرتكبُه كمن يرى أنه اهتدى إلى طاعةٍ لم يهتدِ إليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وسبقَ إلى فضيلةٍ قَصُر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عنها، وكفى بهذا وحده فتنةً وبلاءً، دع ما يجرُّ إليه من بلايا أُخرى».
[«آثار ابن باديس» (1/ 375)]

دعوة الحق والخلاف حولها
«التفريق ليس مذمومًا لذاته، فتنفير بعض الناس من الدعوة إلى الكتاب والسنَّة، والتحذير ممَّا يخالفهما من محدثات الأمور، أو الزعم بأنه ما جاء وقتها بعد! بدعوى أنها تنفِّر الناس وتفرِّقهم جهلٌ عظيمٌ بدعوة الحقِّ وما يقترن بها من الخلاف والتعادي حولها كما هو مشاهدٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، سنَّةَ الله في خلقه، ولن تجد لسنَّة الله تبديلًا ولا تحويلًا، ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود: 118 ـ 119]».
[«سلسلة الأحاديث الصحيحة» للألباني (6/ 781)]

الحكمة من تقدير الذنب على العبد
لمَّا سلم لآدم أصل العبودية لم يقدح فيه الذنب. «ابنَ آدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثمَّ لقيتني لا تشرك بي شيئًا لقيتك بقرابها مغفرةً». لمَّا علم السيِّد أنَّ ذنب عبده لم يكن قصدًا لمخالفته ولا قدحًا في حكمته علَّمه كيف يعتذر إليه، ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 37]. العبد لا يريد بمعصيته مخالفة سيِّده ولا الجرأةَ على محارمه، ولكن غلبات الطبع وتزيين النفس والشيطان، وقهرُ الهوى، والثقةُ بالعفو، ورجاء المغفرة، هذا من جانب العبد، وأمَّا من جانب الربوبية فجريانُ الحكم وإظهار عزِّ الربوبية وذلِّ العبودية وكمال الاحتياج وظهور آثار الأسماء الحسنى: كالعفوِّ والغفور والتوَّاب والحليم لمن جاء تائبًا نادمًا، والمنتقمِ والعدل وذي البطش الشديد لمن أصرَّ ولزم المجرَّة، فهو سبحانه يريد أن يرى عبدُه تفرُّده بالكمال ونقْصَ العبد وحاجتَه إليه ويُشهده كمالَ قدرته وعزَّته، وكمالَ مغفرته وعفوه ورحمته، وكمالَ برِّه وستره وحلمه وتجاوُزه وصفحه، وأنَّ رحمته به إحسانٌ إليه لا معاوضةٌ وأنه إن لم يتغمَّده برحمته وفضله فهو هالكٌ لا محالة فلله كم في تقدير الذنب من حكمةٍ، وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحةٍ ورحمةٍ. التوبةُ من الذنب كشرب الدواء للعليل ورُبَّ علَّةٍ كانت سبب الصحَّة.
لعلَّ عتبك محمودٌ عواقبه ... وربَّما صحَّت الأجساد بالعلل
لولا تقدير الذنب هلك ابن آدم من العجب. ذنبٌ يَذِلُّ به أحبُّ إليه من طاعةٍ يُدِلُّ بها عليه. شمعةُ النصر إنما تنزل في شمعدان الانكسار.
[«الفوائد» لابن القيِّم (86)]

ظهور قصد القائل صارف عن إرادة عمومه وإطلاقه
والواجب طرد هذا الأصل في كلام للمكلف يترتب عليه أمر شرعي، فإن الكلام إنما يترتب عليه موجبه لدلالته على قصد صاحبه، فإذا ظهر قصده لم يجز أن يعدل عنه إلى عموم كلامه وإطلاقه، فإن ذلك غلط وتغليط، وجميع الأمم على اختلاف لغاتها تراعي مقاصد المتكلمين وإراداتهم وقرائن كلامهم، ولو سئل أحدهم عن جاريته وقيل له: إنها فاجرة، فقال: كلا، بل هي عفيفة حرة لم يشكوا أنه لم يرد عتقها ولا خطر بباله، فإلزامه بعتقها بمجرد ذلك خطأ، واللفظ إنما يكون صريحا إذا تجرد عن القرائن الصارفة له عن موضوعه عند الإطلاق، ولهذا لو وصل قوله (أنت طالق) بقوله (من وثاق) لم يكن صريحا، وكذا لو دعي إلى غداء فقال: والله لا أتغدى، لم يشك هو ولا عاقل أنه لم يرد ترك الغداء أبدا إلى آخر العمر، فإلزامه بما لم يرده قطعا بناء على إطلاق لفظ لم يرد إطلاقه وتعميم ما لم يرد عمومه إلزام بما لم يلزمه، ولا ألزمه الله ورسوله به، وبالله التوفيق.
[«أحكام أهل الذمَّة» لابن القيِّم (219)]
ى فعل البدع أدعى لإحداث غيرها
«فعلُ البدع ممَّا يغري المبتدعين الواضعين بوضعها واقترابها والزيادة عليها إذا رأَوْا رواجَ ما اقترفوه ووضعوه وانهماكَ الناس عليه، ويقع لهم الطمع في إضلال الناس واستدراجهم من بدعةٍ إلى بدعةٍ، ويتوصَّل بذلك إلى إهمال الشريعة والانسلاخ منها، فكان في فعلها إغراءٌ بالباطل وإعانةٌ عليه وذلك ممنوعٌ شرعًا، وفي اطِّراح البدع وتنفير الناس عنها زاجرٌ للمبتدعين والوضَّاعين عن وضع مثلها وابتداعه، والزجر عن المنكرات واجبٌ على المنزلة عند الله تعالى».
[«الباعث على إنكار البدع والحوادث» لأبي شامة (55)]

( قسم " الفوائد و النّوادر " الموقع الرّسميّ لفضيلة الشيخ د. محمد علي فركوس - حفظه الله - )

التعديل الأخير تم بواسطة أبو صهيب إسماعيل خليلي ; 16 Nov 2014 الساعة 11:23 AM
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
أقوال السلف, أقوال العلماء, فوائد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013