منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 19 Dec 2013, 07:03 PM
أبو أويس الشلفاوي أبو أويس الشلفاوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 53
افتراضي ابو حاتم الرازي ورحلته الممتعة في طلب الحديث

حافظ المشرق أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي، كان بارع الحفظ، واسع الرحلة، من أوعية العلم... وكان ثقةً جاريًا في مضمار البخاري وأبي زُرعة الرازي... وأثنى عليه خلق من المحدثين...)(1).

يقول أبو حاتم الرازي فيما يرويه عنه ابنه عبد الرحمن:
" أولَ ما خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين، أحصيت ما مشَيْت على قدميَّ زيادةً على ألف فَرسخ _ يعني خمسة آلاف كيلو متر على وجه التقريب _ لم أزل أُحصي حتى لما زاد على ألف فرسخ تركتُه _ أي صار يمشي دون أن يحسُب كم مشى _.
ثم ذكر البلاد التي رحل إليها على قدميه، وطلب العلم فيها في تلك المدة، فقال:
" ... سرت من الكوفة إلى بغداد ما لا أحصي كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مراتٍ كثيرة، وخرجت من البحر من قرب مدينة " سَلا " _ وهي على المحيط الأطلسي من المغرب _ إلى مصر ماشيًا، ومن مصر إلى الرَّمْلة _ من مدن فلسطينَ المحتلة _ ماشيًا، ومن الرملة إلى بيت المقدس، ومن الرملة إلى عسقلان، ومن الرملة إلى طَبَريَّة _ وهي مدن فلسطينية _ ، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص _ في سورية _ ومن حمص إلى أنطاكِيَة _ وهي الآن في تركية _ ومن أنطاكية إلى "طَرَسُوس" _ مدينة في جنوب تركية _.
ثم رجعت من "طَرَسوس" إلى حمص، وكان بقي عليَّ شيء من حديث أبي اليَمَان _ الحكمِ بن نافع _ فسمعتُه، ثم خرجت من حمصَ إلى بَيْسان _ من فلسطين _، ومن بَيْسان إلى الرَّقَّة _ في شمال شرق سورية _، ومن الرقة ركبت _ نهر _ الفرات إلى بغداد، وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسِط _ وهي مدينة بين البصرة والكوفة _ إلى النيل _ في مصر _، ومن النيل إلى الكوفة، كل ذلك ماشيًا، هذا في سفري الأول، وأنا بن عشرين سنة، أجول سبع سنين، خرجت من الري سنة /213هـ/ ثلاث عشرة ومئتين للهجرة في شهر رمضان، ورجعت سنة /221هـ/ إحدى وعشرين ومئتين...
وخرجت المرة الثانية سنة /242هـ/ اثنتين وأربعين _ ومئتين _ ورجعت سنة /245هـ/ خمسٍ وأربعين _ ومئتين _ أقمت ثلاث سنين، وكانت سني في هذه الرحلة سبعًا وأربعين سنةً ".
قال عبد الرحمن بن أبي حاتَم الرازي: " سمعت أبي يقول: بَقِيتُ بالبصرة في سنةِ أربعَ عشْرةَ ومئتين ثمانية أشهر، _ وهذا في رحلته الأولى، قال: _ وكان في نفسي أن أقيم سنة، فانقطعتْ نفقتي، فجعلت أبيع ثيابي شيئًا بعد شيءٍ! حتى بَقِيت بلا نفقة! ومضيْت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة _ يعني المشايخ _، وأسمع منهم إلى المساء، فانصرف رفيقي ورجعت إلى بيتٍ خالٍ _ أي: من الطعام _، فجعلت أشرب الماء من الجوع!
ثم أصبحت من الغد، وغَدَا عليَّ رفيقي، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، فانصرف عني وانصرفت جائعًا، فلما كان الغد غدا عليَّ فقال: مُرَّ بنا إلى المشايخ، فقلت: أنا ضعيف لا يمكنني. قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتُمُك أمري، قد مضى يومان ما طَعِمت فيهما شيئًا. فقال لي: قد بقى معي دينار، فأنا أواسيك بنصفه، ونجعل النصف الآخر في الكِراء _ أي: في استئجار المراكب _. فخرجنا من البصرة، وقبَضتُ منه النصف دينار.
ثم قال عبد الرحمن بن أبي حاتَم: سمعت أبى يقول: لما خرجنا من المدينة _ يريد مدينةَ النبي صلى الله عليه وسلم _ من عند داودَ _بنِ عبد الله_ الجعفري _وهو أحد شيوخه_ صرنا إلى (الجار)(2) _ مدينة على البحر الأحمر _، وركبنا البحر، وكنا ثلاثة أنفس: أنا... وشيخ مَرْوَرُوذِيُّ _ نسبةً إلى مدينة " مَرْوُ الرُّوذ " في خراسان، وآخرُ نيسابوري.
ولما كنا في البحر احتلمتُ، فأصبحت وأخبرت أصحابي بذلك، فقالوا لي: اغمِس نفسك في البحر. قلت: إني لا أحسن أن أسبح. فقالوا: إنا نشُد فيك حبلاً، ونَدْلُوك في الماء. فشدوا فيَّ حبلاً، وأرسلوني في الماء، وأنا في الماء أريد إسباغ الوضوء، فلما توضأت قلت لهم: أرسلوني قليلاً. فأرسلوني، فغمست نفسي في الماء فقلت: ارفعوني. فرفعوني.
وركبنا البحر ثم مشَيْنا وكانت الريح في وجوهنا، فبقِينا في البحر ثلاثة أشهر! وضاقت بنا صدورنا، وفنيَ ما كان معنا من الزاد، وبقيت بقية، فخرجنا إلى البر، فجعلنا نمشي أيامًا على البر، حتى فني ما كان معنا من الزاد والماء!.
فمشَيْنا يومًا وليلة لم يأكل أحد منا شيئًا ولا شربنا، واليومَ الثاني كمثله، واليومَ الثالث، كلَّ يوم نمشي إلى الليل، فإذا جاء المساء صلينا وألقينا بأنفسنا حيث كنا، وقد ضعفت أبداننا من الجوع والعطش والعَياء، فلما أصبحنا اليومَ الثالث جعلنا نمشي على قدْر طاقتنا، فسقط الشيخ المَرْوَرُوذِيُّ مغشيًّا عليه، فجئنا نحركه وهو لا يعقل، فتركناه! _ لأنهما لو بقيا معه لهلكوا جميعًا _.
ومشَيْنا أنا وصاحبي النيسابوريُّ قَدْر فرسخ أو فرسخين، فضَعُفتُ وسقطت مغشيًّا علي، ومضى صاحبي وتركني!
فلم يزل هو يمشى إذ بَصُر من بعيد قومًا قد قَرَّبوا سفينتهم من البر، ونزلوا على بئر موسى صلى الله عليه وسلم _ وهو مكان هناك معروف _، فلما عاينهم لوَّح بثوبه إليهم، فجاؤوه معهم الماء في إداوة، فسقَوْه وأخذوا بيده، فقال لهم: الحَقُوا رفيقين لي قد ألقَوْا بأنفسهم مغشيًّا عليهما، فما شعرت إلاَّ برجُل يصُب الماء على وجهي، ففتَحتُ عينيَّ فقلت: اسقني، فصب من الماء في رَكْوةٍ _ أو مَشْرَبة _ شيئًا يسيرًا، فشربت ورجَعتْ إليَّ نفسي، ولم يُرْوِني ذلك القدْرَ، فقلت: اسقني. فسقاني شيئًا يسيرًا _ لأنه لو سقاه شيئًا كثيرًا لأضره _ قال: وأخذ بيدي.
فقلت: ورائي شيخ ملقًى! قال: قد ذهب إلى ذاك جماعة، فأخذ بيدي وأنا أمشي أجُرُّ رِجليَّ، ويسقيني شيئًا بعد شيءٍ، حتى إذا بلغتُ إلى سفينتهم، وأتَوْا برفيقي الثالث الشيخ، أحسنَ إلينا أهل السفينة، فبَقِينا أيامًا حتى رجعت إلينا أنفسُنا.
ثم كتبوا لنا كتابًا _ أي: كتاب توصية _ إلى والي _ أو أمير _ مدينة يقال لها: "راية" _ في مصر الجنوبية _ وزودونا من الكعك والسَّوِيق والماء _ والسويق: قمح أو شعير يُقلى ثم يُطحن _ فلم نزل نمشي حتى نَفِد ما كان معنا من الماء والسويق والكعك! فجعلنا نمشي جياعًا عطاشًا على شط البحر، حتى وقعنا إلى سُلحفاة قد رمى بها البحر مثلَ التُّرس، فعَمَدنا إلى حجرٍ كبيرٍ فضربنا على ظهرها فانفلق ظهرها، وإذا فيها مثلُ صُفْرة البيْض، فأخذنا من بعض الأصداف المُلقاةِ على شط البحر، فجعلنا نغترف من ذلك الأصفر فنتحَسَّاه، حتى سكن عنا الجوعُ والعطش...
حتى دخلنا مدينة الراية، وأوصلنا الكتاب إلى عاملها _ أي: أميرِها _، فأنزلَنا في داره، وأحسنَ إلينا، وكان يقدِّم إلينا كل يوم القَرْع، ويقول لخادِمه: هاتِي لهم اليَقْطِينَ المبارَك، فقدم إلينا من ذاك اليقطين مع الخبز أيامًا! فقال واحد منا بالفارسية: ألا تدعو _ لنا _ باللحم المشؤوم؟! وجعل يُسمع الرجلَ صاحب الدار، فقال: أنا أحسن الفارسية؛ فإن جدتي كانت هَرَوِيَّةً _ نسبةً إلى مدينة هَراة في خراسان _، فأتانا بعد ذلك باللحم، ثم خرجنا من هناك وزوَّدَنا إلى أن بلغْنا مِصر " _ يقصِد مركز البلاد المصرية، ومجتمع العلماء، والله أعلم _.
أحبابي الكرام! كان ذلك بعضَ ما لقيه أحد أئمتنا في طلب العلم، وفي تاريخنا من أمثاله الكثيرُ الكثير، ممن رفع الله بِكَدِّهم وإخلاصهم ذكرهم، وأعلى درجتهم.
أما نحن فما عذرنا وقد تقاعسنا عن طلب العلم بعدما امتن الله علينا بتيسير سبله، وتقريب مناله؟! فما كان أسلافنا يضربون لأجله أكباد الإبل بات لا يحتاج منا إلا ضغطةً واحدةً على زِرِّ الحاسوب لنجدَ فيه بغيتنا، فإن شئنا قرأناها، وإن شئنا على جناح السرعة نسخناها، أو هتفنا بها إلى أخ كريم، أو أرسلناها بالبريد الإلكتروني، أو بالفاكس، أو بالهاتف الجوال.
كما يجب علينا أن لا ننسى أبدًا أن نبينا محمدًا _ صلى الله عليه وسلم _ قد أوصانا بنقل العلم وتبليغه لتعُمَّ في المعمورة فائدته، وينعمَ به أهلُها كافةً، فقال _ صلى الله عليه وسلم _: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً... "(3). أخرجه البخاري. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: " نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ "(4). أخرجه الترمذي وقال:... حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(توفي أبو حاتم الرازي في شعبان، وهو في عُشر التسعين، سنة سبع وسبعين ومائتين)(5) للهجرة.
وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

(1) ابن العماد _ شذرات الذهب _ دار ابن كثير _ (ج 2 / ص 171).
(2) مدينة على بحر " القُلْزُم _ البحر الأحمر _ بينها وبين المدينة المنورة يوم وليلة، وهي مرفأ لها.
(3) البخاري: 3461 في " أحاديث الأنبياء ".
(4) الترمذي: 2656 في " العلم ".
(5) ابن العماد _ شذرات الذهب _ دار ابن كثير _ (ج 2 / ص 171).

منقول

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
تزكية, رحلةالرازي, علم

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013