منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 31 Mar 2008, 09:15 AM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي تفسير القرآن الكريم للشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وعلى من اتبع هداه وبعد:

سأقوم ان شاء الله برفع تفسير الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ وذلك برفع تفسير اية او ايتين منه كل مرة . اسال الله التوفيق و السداد.
.................................................. .................................................. ..............................
تفسير سورة الفاتحة

سورة الفاتحة سمِّيت بذلك؛ لأنه افتتح بها القرآن الكريم؛ وقد قيل: إنها أول سورة نزلت كاملة..
هذه السورة قال العلماء: إنها تشتمل على مجمل معاني القرآن في التوحيد، والأحكام، والجزاء، وطرق بني آدم، وغير ذلك؛ ولذلك سمِّيت "أم القرآن"(1)؛ والمرجع للشيء يسمى "أُمّاً"..

وهذه السورة لها مميزات تتميّز بها عن غيرها؛ منها أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين: فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب؛ ومنها أنها رقية: إذا قرئ بها على المريض شُفي بإذن الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال للذي قرأ على اللديغ، فبرئ: "وما يدريك أنها
رقية"(2) ..

وقد ابتدع بعض الناس اليوم في هذه السورة بدعة، فصاروا يختمون بها الدعاء، ويبتدئون بها الخُطب ويقرؤونها عند بعض المناسبات .، وهذا غلط: تجده مثلاً إذا دعا، ثم دعا قال لمن حوله: "الفاتحة"، يعني اقرؤوا الفاتحة؛ وبعض الناس يبتدئ بها في خطبه، أو في أحواله . وهذا أيضاً غلط؛ لأن العبادات مبناها على التوقيف، والاتِّباع..





(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم)


قوله تعالى: { بسم الله الرحمن الرحيم }: الجار والمجرور متعلق بمحذوف؛ وهذا المحذوف يقَدَّر فعلاً متأخراً مناسباً؛ فإذا قلت: "باسم الله" وأنت تريد أن تأكل؛ تقدر الفعل: "باسم الله آكل"..

قلنا: إنه يجب أن يكون متعلقاً بمحذوف؛ لأن الجار والمجرور معمولان؛ ولا بد لكل معمول من عامل..

وقدرناه متأخراً لفائدتين:

الفائدة الأولى: التبرك بتقديم اسم الله عزّ وجل.

والفائدة الثانية: الحصر؛ لأن تأخير العامل يفيد الحصر، كأنك تقول: لا آكل باسم أحد متبركاً به، ومستعيناً به، إلا باسم الله عزّ وجلّ.

وقدرناه فعلاً؛ لأن الأصل في العمل الأفعال . وهذه يعرفها أهل النحو؛ ولهذا لا تعمل الأسماء إلا بشروط

وقدرناه مناسباً؛ لأنه أدلّ على المقصود؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "من لم يذبح فليذبح باسم الله"(3) . أو قال صلى الله عليه وسلم "على اسم الله"(4) : فخص الفعل..

و{ الله }: اسم الله رب العالمين لا يسمى به غيره؛ وهو أصل الأسماء؛ ولهذا تأتي الأسماء تابعة له..

و{ الرحمن } أي ذو الرحمة الواسعة؛ ولهذا جاء على وزن "فَعْلان" الذي يدل على السعة..

و{ الرحيم } أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده؛ ولهذا جاءت على وزن "فعيل" الدال على وقوع الفعل

فهنا رحمة هي صفته . هذه دل عليها { الرحمن }؛ ورحمة هي فعله . أي إيصال الرحمة إلى المرحوم . دلّ عليها { الرحيم }..

و{ الرحمن الرحيم }: اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، وعلى الأثر: أي الحكم الذي تقتضيه هذه الصفة..

والرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقية دلّ عليها السمع، والعقل؛ أما السمع فهو ما جاء في الكتاب، والسنّة من إثبات الرحمة لله . وهو كثير جداً؛ وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمة الله..

هذا وقد أنكر قوم وصف الله تعالى بالرحمة الحقيقية، وحرّفوها إلى الإنعام، أو إرادة الإنعام، زعماً منهم أن العقل يحيل وصف الله بذلك؛ قالوا: "لأن الرحمة انعطاف، ولين، وخضوع، ورقة؛ وهذا لا يليق بالله عزّ وجلّ"؛ والرد عليهم من وجهين:.

الوجه الأول: منع أن يكون في الرحمة خضوع، وانكسار، ورقة؛ لأننا نجد من الملوك الأقوياء رحمة دون أن يكون منهم خضوع، ورقة، وانكسار..

الوجه الثاني: أنه لو كان هذا من لوازم الرحمة، ومقتضياتها فإنما هي رحمة المخلوق؛ أما رحمة الخالق سبحانه وتعالى فهي تليق بعظمته، وجلاله، وسلطانه؛ ولا تقتضي نقصاً بوجه من الوجوه..

ثم نقول: إن العقل يدل على ثبوت الرحمة الحقيقية لله عزّ وجلّ، فإن ما نشاهده في المخلوقات من الرحمة بَيْنها يدل على رحمة الله عزّ وجلّ؛ ولأن الرحمة كمال؛ والله أحق بالكمال؛ ثم إن ما نشاهده من الرحمة التي يختص الله بها . كإنزال المطر، وإزالة الجدب، وما أشبه ذلك . يدل على رحمة الله..

والعجب أن منكري وصف الله بالرحمة الحقيقية بحجة أن العقل لا يدل عليها، أو أنه يحيلها، قد أثبتوا لله إرادة حقيقية بحجة عقلية أخفى من الحجة العقلية على رحمة الله، حيث قالوا: إن تخصيص بعض المخلوقات بما تتميز به يدل عقلاً على الإرادة؛ ولا شك أن هذا صحيح؛ ولكنه بالنسبة لدلالة آثار الرحمة عليها أخفى بكثير؛ لأنه لا يتفطن له إلا أهل النباهة؛ وأما آثار الرحمة فيعرفه حتى العوام، فإنك لو سألت عامياً صباح ليلة المطر: "بِمَ مطرنا؟"، لقال: "بفضل الله، ورحمته"..

مسألة:هل البسملة آية من الفاتحة؛ أو لا؟

في هذا خلاف بين العلماء؛ فمنهم من يقول: إنها آية من الفاتحة، ويقرأ بها جهراً في الصلاة الجهرية، ويرى أنها لا تصح إلا بقراءة البسملة؛ لأنها من الفاتحة؛ ومنهم من يقول: إنها ليست من الفاتحة؛ ولكنها آية مستقلة من كتاب الله؛ وهذا القول هو الحق؛ ودليل هذا: النص، وسياق السورة..

أما النص: فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: إذا قال: { الحمد لله رب العالمين } قال الله تعالى: حمدني عبدي؛ وإذا قال: { الرحمن الرحيم } قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي؛ وإذا قال: { مالك يوم الدين } قال الله تعالى: مجّدني عبدي؛ وإذا قال: { إياك نعبد وإياك نستعين } قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي نصفين؛ وإذا قال: { اهدنا الصراط المستقيم }... إلخ، قال الله تعالى: هذا لعبدي؛ ولعبدي ما سأل"(5) ؛ وهذا كالنص على أن البسملة ليست من الفاتحة؛ وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "صلَّيت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر؛ فكانوا لا يذكرون { بسم الله الرحمن الرحيم } في أول قراءة، ولا في آخرها"(6) : والمراد لا يجهرون؛ والتمييز بينها وبين الفاتحة في الجهر وعدمه يدل على أنها ليست منها..

أما من جهة السياق من حيث المعنى: فالفاتحة سبع آيات بالاتفاق؛ وإذا أردت أن توزع سبع الآيات على موضوع السورة وجدت أن نصفها هو قوله تعالى: { إياك نعبد وإياك نستعين } وهي الآية التي قال الله فيها: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"؛ لأن { الحمد لله رب العالمين }: واحدة؛ { الرحمن الرحيم }: الثانية؛ { مالك يوم الدين }: الثالثة؛ وكلها حق لله عزّ وجلّ { إياك نعبد وإياك نستعين }: الرابعة . يعني الوسَط؛ وهي قسمان: قسم منها حق لله؛ وقسم حق للعبد؛ { اهدنا الصراط المستقيم } للعبد؛ { صراط الذين أنعمت عليهم } للعبد؛ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } للعبد..

فتكون ثلاث آيات لله عزّ وجل وهي الثلاث الأولى؛ وثلاث آيات للعبد . وهي الثلاث الأخيرة؛ وواحدة بين العبد وربِّه . وهي الرابعة الوسطى..

ثم من جهة السياق من حيث اللفظ، فإذا قلنا: إن البسملة آية من الفاتحة لزم أن تكون الآية السابعة طويلة على قدر آيتين؛ ومن المعلوم أن تقارب الآية في الطول والقصر هو الأصل..

فالصواب الذي لا شك فيه أن البسملة ليست من الفاتحة . كما أن البسملة ليست من بقية السور..


.................................................. ..................
(1) أخرجه البخاري في صحيحه ص61، كتاب الأذان، باب 104: القراءة في الفجر، حديث رقم 772؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص740 في كتاب الصلاة، باب 11: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، حديث رقم 878 [38] 395؛ وأخرجه الترمذي في جامعه ص1968، كتاب تفسير القرآن، باب 15: ومن سورة الحجر، حديث رقم 3124، ولفظه: "الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني".

(2) أخرجه البخاري في صحيحه ص177، كتاب الإجارة، باب 16: ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، حديث رقم 2276؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص1068، كتاب السلام، باب 23: جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، حديث رقم 5733 [65] 2201.

(3) أخرجه البخاري في صحيحه ص77، كتاب العيدين، باب 23: كلام الإمام والناس في خطبة العيد، حديث رقم 985؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص1027، كتاب الأضاحي، باب 1: وقتها، حديث رقم 5064 [1] 1960.

(4) أخرجه البخاري في صحيحه ص474، كتاب الذبائح والصيد، باب 17: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فليذبح على اسم الله"، حديث رقم 5500؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص1027، كتاب الأضاحي، باب 1: وقتها، حديث رقم 5064 [2] 1960.

(5) أخرجه مسلم في صحيحه ص740، كتاب الصلاة، باب 11: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، حديث رقم 878 [38] 395.

(6) أخرجه مسلم في صحيحه ص741، كتاب الصلاة، باب 13، حجة من قال: لا يجهر بالبسملة، حديث رقم 892 [52] 399.


التعديل الأخير تم بواسطة ابومحمد بلال ; 02 Apr 2008 الساعة 06:22 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31 Mar 2008, 07:59 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

بارك الله فيك على المبادرة الطيبة ؛ و أسأل الله أن يوفقك للمداومة عليها
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01 Apr 2008, 07:53 AM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)



قوله تعالى: { الحمد لله رب العالمين }: { الحمد } وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ الكمال الذاتي، والوصفي، والفعلي؛ فهو كامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله؛ ولا بد من قيد وهو "المحبة، والتعظيم" ؛ قال أهل العلم: "لأن مجرد وصفه بالكمال بدون محبة، ولا تعظيم: لا يسمى حمداً؛ وإنما يسمى مدحاً"؛ ولهذا يقع من إنسان لا يحب الممدوح؛ لكنه يريد أن ينال منه شيئاً؛ تجد بعض الشعراء يقف أمام الأمراء، ثم يأتي لهم بأوصاف عظيمة لا محبة فيهم؛ ولكن محبة في المال الذي يعطونه، أو خوفاً منهم؛ ولكن حمدنا لربنا عزّ وجلّ حمدَ محبةٍ، وتعظيمٍ؛ فلذلك صار لا بد من القيد في الحمد أنه وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ و "أل" في { الحمد } للاستغراق: أي استغراق جميع المحامد..

وقوله تعالى: { لله }: اللام للاختصاص، والاستحقاق؛ و "الله" اسم ربنا عزّ وجلّ؛ لا يسمى به غيره؛ ومعناه: المألوه . أي المعبود حباً، وتعظيماً..

وقوله تعالى: { رب العالمين }؛ "الرب" : هو من اجتمع فيه ثلاثة أوصاف: الخلق، والملك، والتدبير؛ فهو الخالق المالك لكل شيء المدبر لجميع الأمور؛ و{ العالمين }: قال العلماء: كل ما سوى الله فهو من العالَم؛ وُصفوا بذلك؛ لأنهم عَلَم على خالقهم سبحانه وتعالى؛ ففي كل شيء من المخلوقات آية تدل على الخالق: على قدرته، وحكمته، ورحمته، وعزته، وغير ذلك من معاني ربوبيته..

الفوائد:

.1 من فوائد الآية: إثبات الحمد الكامل لله عزّ وجلّ، وذلك من "أل" في قوله تعالى: { الحمد }؛ لأنها دالة على الاستغراق..

.2 ومنها: أن الله تعالى مستحق مختص بالحمد الكامل من جميع الوجوه؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه ما يسره قال: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات" ؛ وإذا أصابه خلاف ذلك قال: "الحمد لله على كل حال"[1] ..

.3 ومنها: تقديم وصف الله بالألوهية على وصفه بالربوبية؛ وهذا إما لأن "الله" هو الاسم العَلَم الخاص به، والذي تتبعه جميع الأسماء؛ وإما لأن الذين جاءتهم الرسل ينكرون الألوهية فقط..

.4 ومنها: عموم ربوبية الله تعالى لجميع العالم؛ لقوله تعالى:(العالمين.. )



(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)



قوله تعالى: { الرحمن الرحيم }: { الرحمن } صفة للفظ الجلالة؛ و{ الرحيم } صفة أخرى؛ و{ الرحمن } هو ذو الرحمة الواسعة؛ و{ الرحيم } هو ذو الرحمة الواصلة؛ فـ{ الرحمن } وصفه؛ و{ الرحيم } فعله؛ ولو أنه جيء بـ "الرحمن" وحده، أو بـ "الرحيم" وحده لشمل الوصف، والفعل؛ لكن إذا اقترنا فُسِّر { الرحمن } بالوصف؛ و{ الرحيم } بالفعل..

الفوائد:

.1 من فوائد الآية: إثبات هذين الاسمين الكريمين . { الرحمن الرحيم } لله عزّ وجلّ؛ وإثبات ما تضمناه من الرحمة التي هي الوصف، ومن الرحمة التي هي الفعل..

.2 ومنها: أن ربوبية الله عزّ وجلّ مبنية على الرحمة الواسعة للخلق الواصلة؛ لأنه تعالى لما قال: { رب العالمين } كأن سائلاً يسأل: "ما نوع هذه الربوبية؟ هل هي ربوبية أخذ، وانتقام؛ أو ربوبية رحمة، وإنعام؟" قال تعالى: { الرحمن الرحيم }..



(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)


قوله تعالى: { مالك يوم الدين } صفة لـ{ الله }؛ و{ يوم الدين } هو يوم القيامة؛ و{ الدين } هنا بمعنى الجزاء؛ يعني أنه سبحانه وتعالى مالك لذلك اليوم الذي يجازى فيه الخلائق؛ فلا مالك غيره في ذلك اليوم؛ و "الدين" تارة يراد به الجزاء، كما في هذه الآية؛ وتارة يراد به العمل، كما في قوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} [الكافرون: 6] ، ويقال: "كما تدين تدان"، أي كما تعمل تُجازى..

وفي قوله تعالى: { مالك } قراءة سبعية: { مَلِك}، و "الملك" أخص من "المالك"..

وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛ وهي أن ملكه جلّ وعلا ملك حقيقي؛ لأن مِن الخلق مَن يكون ملكاً، ولكن ليس بمالك: يسمى ملكاً اسماً وليس له من التدبير شيء؛ ومِن الناس مَن يكون مالكاً، ولا يكون ملكاً: كعامة الناس؛ ولكن الرب عزّ وجلّ مالكٌ ملِك..

الفوائد:
.1 من فوائد الآية: إثبات ملك الله عزّ وجلّ، وملكوته يوم الدين؛ لأن في ذلك اليوم تتلاشى جميع الملكيات، والملوك..

فإن قال قائل: أليس مالك يوم الدين، والدنيا؟

فالجواب: بلى؛ لكن ظهور ملكوته، وملكه، وسلطانه، إنما يكون في ذلك اليوم؛ لأن الله تعالى ينادي: {لمن الملك اليوم} [غافر: 16] فلا يجيب أحد؛ فيقول تعالى: {لله الواحد القهار} [غافر: 16] ؛ في الدنيا يظهر ملوك؛ بل يظهر ملوك يعتقد شعوبهم أنه لا مالك إلا هم؛ فالشيوعيون مثلاً لا يرون أن هناك رباً للسموات، والأرض؛ يرون أن الحياة: أرحام تدفع، وأرض تبلع؛ وأن ربهم هو رئيسهم..

.2 ومن فوائد الآية: إثبات البعث، والجزاء؛ لقوله تعالى: ( مالك يوم الدين )

.3 ومنها: حث الإنسان على أن يعمل لذلك اليوم الذي يُدان فيه العاملون..

.................................................. ...
[1] أخرجه ابن ماجه في سننه ص 2703 كتاب الأدب باب 55 فضل الحامدين حديث رقم 2803 وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/499 كتاب الدعاء وقال: هذا حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/319 حديث رقم 3066.

التعديل الأخير تم بواسطة ابومحمد بلال ; 02 Apr 2008 الساعة 06:25 AM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01 Apr 2008, 03:59 PM
ابوعبدالله الجزائري ابوعبدالله الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 287
افتراضي

واصل وصلك الله برحمته واوصلك الى جنته جهد مبارك اعانك الله ايها الحبيب .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02 Apr 2008, 06:17 AM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

قوله تعالى: { إياك نعبد }؛ { إياك }: مفعول به مقدم؛ وعامله: { نعبد }؛ وقُدِّم على عامله لإفادة الحصر؛ فمعناه: لا نعبد إلا إياك؛ وكان منفصلاً لتعذر الوصل حينئذ؛ و{ نعبد } أي نتذلل لك أكمل ذلّ؛ ولهذا تجد المؤمنين يضعون أشرف ما في أجسامهم في موطئ الأقدام ذلاً لله عزّ وجلّ: يسجد على التراب؛ تمتلئ جبهته من التراب . كل هذا ذلاً لله؛ ولو أن إنساناً قال: "أنا أعطيك الدنيا كلها واسجد لي" ما وافق المؤمن أبداً؛ لأن هذا الذل لله عزّ وجلّ وحده..

و "العبادة" تتضمن فعل كل ما أمر الله به، وترك كل ما نهى الله عنه؛ لأن من لم يكن كذلك فليس بعابد: لو لم يفعل المأمور به لم يكن عابداً حقاً؛ ولو لم يترك المنهي عنه لم يكن عابداً حقاً؛ العبد: هو الذي يوافق المعبود في مراده الشرعي؛ فـ "العبادة" تستلزم أن يقوم الإنسان بكل ما أُمر به، وأن يترك كل ما نُهي عنه؛ ولا يمكن أن يكون قيامه هذا بغير معونة الله؛ ولهذا قال تعالى: { وإياك نستعين } أي لا نستعين إلا إياك على العبادة، وغيرها؛ و "الاستعانة" طلب العون؛ والله سبحانه وتعالى يجمع بين العبادة، والاستعانة، أو التوكل في مواطن عدة في القرآن الكريم؛ لأنه لا قيام بالعبادة على الوجه الأكمل إلا بمعونة الله، والتفويض إليه، والتوكل عليه..

الفوائد:

.1 من فوائد الآية: إخلاص العبادة لله؛ لقوله تعالى: { إياك نعبد }؛ وجه الإخلاص: تقديم المعمول..

.2 ومنها: إخلاص الاستعانة بالله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { وإياك نستعين }، حيث قدم المفعول..

فإن قال قائل: كيف يقال: إخلاص الاستعانة لله وقد جاء في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2] إثبات المعونة من غير الله عزّ وجلّ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة"؟(1) ..

فالجواب: أن الاستعانة نوعان: استعانة تفويض؛ بمعنى أنك تعتمد على الله عزّ وجلّ، وتتبرأ من حولك، وقوتك؛ وهذا خاص بالله عزّ وجلّ؛ واستعانة بمعنى المشاركة فيما تريد أن تقوم به: فهذه جائزة إذا كان المستعان به حياً قادراً على الإعانة؛ لأنه ليس عبادة؛ ولهذا قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2 )

فإن قال قائل: وهل الاستعانة بالمخلوق جائزة في جميع الأحوال؟

فالجواب: لا؛ الاستعانة بالمخلوق إنما تجوز حيث كان المستعان به قادراً عليها؛ وأما إذا لم يكن قادراً فإنه لا يجوز أن تستعين به: كما لو استعان بصاحب قبر فهذا حرام؛ بل شرك أكبر؛ لأن صاحب القبر لا يغني عن نفسه شيئاً؛ فكيف يعينه!!! وكما لو استعان بغائب في أمر لا يقدر عليه، مثل أن يعتقد أن الوليّ الذي في شرق الدنيا يعينه على مهمته في بلده: فهذا أيضاً شرك أكبر؛ لأنه لا يقدر أن يعينه وهو هناك..

فإن قال قائل: هل يجوز أن يستعين المخلوقَ فيما تجوز استعانته به؟

فالجواب: الأولى أن لا يستعين بأحد إلا عند الحاجة، أو إذا علم أن صاحبه يُسَر بذلك، فيستعين به من أجل إدخال السرور عليه؛ وينبغي لمن طلبت منه الإعانة على غير الإثم والعدوان أن يستجيب لذلك..

.................................................. ..................................
(1) أخرجه البخاري ص232، كتاب الجهاد، باب 72: فضل من حمل متاع صاحبه في السفر حديث رقم 2891؛ وأخرجه مسلم ص837، كتاب الزكاة، باب 16: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، حديث رقم 2335 [56] 1009، واللفظ لمسلم.

التعديل الأخير تم بواسطة ابومحمد بلال ; 02 Apr 2008 الساعة 06:28 AM
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03 Apr 2008, 02:14 PM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)

قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم }: { الصراط } فيه قراءتان: بالسين: {السراط} ، وبالصاد الخالصة: { الصراط }؛ والمراد بـ{ الصراط } الطريق؛ والمراد بـ "الهداية" هداية الإرشاد، وهداية التوفيق؛ فأنت بقولك: { اهدنا الصراط المستقيم } تسأل الله تعالى علماً نافعاً، وعملاً صالحاً؛ و{ المستقيم } أي الذي لا اعوجاج فيه..

الفوائد:

.1 من فوائد الآية: لجوء الإنسان إلى الله عزّ وجلّ بعد استعانته به على العبادة أن يهديه الصراط المستقيم؛ لأنه لا بد في العبادة من إخلاص؛ يدل عليه قوله تعالى: { إياك نعبد }؛ ومن استعانة يتقوى بها على العبادة؛ يدل عليه قوله تعالى: { وإياك نستعين }؛ ومن اتباع للشريعة؛ يدل عليه قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم }؛ لأن { الصراط المستقيم } هو الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم

.2 ومن فوائد الآية: بلاغة القرآن، حيث حذف حرف الجر من { اهدنا }؛ والفائدة من ذلك: لأجل أن تتضمن طلب الهداية: التي هي هداية العلم، وهداية التوفيق؛ لأن الهداية تنقسم إلى قسمين: هداية علم، وإرشاد؛ وهداية توفيق، وعمل؛ فالأولى ليس فيها إلا مجرد الدلالة؛ والله عزّ وجلّ قد هدى بهذا المعنى جميع الناس، كما في قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس} [البقرة: 185] ؛ والثانية فيها التوفيق للهدى، واتباع الشريعة، كما في قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتقين} [البقرة: 2] وهذه قد يحرمها بعض الناس، كما قال تعالى: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17] : {فهديناهم} أي بيّنّا لهم الحق، ودَلَلْناهم عليه؛ ولكنهم لم يوفقوا..

.3 ومن فوائد الآية: أن الصراط ينقسم إلى قسمين: مستقيم، ومعوج؛ فما كان موافقاً للحق فهو مستقيم، كما قال الله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه} [الأنعام: 153] ؛ وما كان مخالفاً له فهو معوج..

(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)


قوله تعالى: { صراط الذين أنعمت عليهم } عطف بيان لقوله تعالى: { الصراط المستقيم }؛ والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في قوله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً(النساء: 69)

قوله تعالى: { غير المغضوب عليهم }: هم اليهود، وكل من علم بالحق ولم يعمل به..

قوله تعالى: { ولا الضالين }: هم النصارى قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل من عمل بغير الحق جاهلاً به..

وفي قوله تعالى: { عليهم } قراءتان سبعيتان: إحداهما ضم الهاء؛ والثانية كسرها؛ واعلم أن القراءة التي ليست في المصحف الذي بين أيدي الناس لا تنبغي القراءة بها عند العامة لوجوه ثلاثة:.

الوجه الأول: أن العامة إذا رأوا هذا القرآن العظيم الذي قد ملأ قلوبهم تعظيمه، واحترامه إذا رأوه مرةً كذا، ومرة كذا تنزل منزلته عندهم؛ لأنهم عوام لا يُفرقون..

الوجه الثاني: أن القارئ يتهم بأنه لا يعرف؛ لأنه قرأ عند العامة بما لا يعرفونه؛ فيبقى هذا القارئ حديث العوام في مجالسهم..

الوجه الثالث: أنه إذا أحسن العامي الظن بهذا القارئ، وأن عنده علماً بما قرأ، فذهب يقلده، فربما يخطئ، ثم يقرأ القرآن لا على قراءة المصحف، ولا على قراءة التالي الذي قرأها . وهذه مفسدة..

ولهذا قال عليّ: "حدِّثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يُكذب الله، ورسوله"(1) ، وقال ابن مسعود: "إنك لا تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"(2) ؛ وعمر بن الخطاب لما سمع هشام بن الحكم يقرأ آية لم يسمعها عمر على الوجه الذي قرأها هشام خاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهشام: "اقرأ" ، فلما قرأ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت" ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "اقرأ" ، فلما قرأ قال النبي صلى الله عليه وسلم "هكذا أنزلت"(3) ؛ لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فكان الناس يقرؤون بها حتى جمعها عثمان رضي الله عنه على حرف واحد حين تنازع الناس في هذه الأحرف، فخاف رضي الله عنه أن يشتد الخلاف، فجمعها في حرف واحد . وهو حرف قريش؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن بُعث منهم؛ ونُسيَت الأحرف الأخرى؛ فإذا كان عمر رضي الله عنه فعل ما فعل بصحابي، فما بالك بعامي يسمعك تقرأ غير قراءة المصحف المعروف عنده! والحمد لله: ما دام العلماء متفقين على أنه لا يجب أن يقرأ الإنسان بكل قراءة، وأنه لو اقتصر على واحدة من القراءات فلا بأس؛ فدع الفتنة، وأسبابها..

الفوائد:

.1 من فوائد الآيتين: ذكر التفصيل بعد الإجمال؛ لقوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم }: وهذا مجمل؛ (صراط الذين أنعمت عليهم ): وهذا مفصل؛ لأن الإجمال، ثم التفصيل فيه فائدة: فإن النفس إذا جاء المجمل تترقب، وتتشوف للتفصيل، والبيان؛ فإذا جاء التفصيل ورد على نفس مستعدة لقبوله متشوفة إليه؛ ثم فيه فائدة ثانية هنا: وهو بيان أن الذين أنعم الله عليهم على الصراط المستقيم..

.2 ومنها: إسناد النعمة إلى الله تعالى وحده في هداية الذين أنعم عليهم؛ لأنها فضل محض من الله..

.3 ومنها: انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: قسم أنعم الله عليهم؛ وقسم مغضوب عليهم؛ وقسم ضالون؛ وقد سبق بيان هذه الأقسام..

وأسباب الخروج عن الصراط المستقيم: إما الجهل؛ أو العناد؛ والذين سببُ خروجهم العناد هم المغضوب عليهم . وعلى رأسهم اليهود؛ والآخرون الذين سبب خروجهم الجهل كل من لا يعلم الحق . وعلى رأسهم النصارى؛ وهذا بالنسبة لحالهم قبل البعثة . أعني النصارى؛ أما بعد البعثة فقد علموا الحق، وخالفوه؛ فصاروا هم، واليهود سواءً . كلهم مغضوب عليهم..

.4 ومن فوائد الآيتين: بلاغة القرآن، حيث جاء التعبير عن المغضوب عليهم باسم المفعول الدال على أن الغضب عليهم حاصل من الله تعالى، ومن أوليائه..

.5 ومنها: أنه يقدم الأشد، فالأشد؛ لأنه تعالى قدم المغضوب عليهم على الضالين؛ لأنهم أشد مخالفة للحق من الضالين؛ فإن المخالف عن علم يصعب رجوعه . بخلاف المخالف عن جهل..

وعلى كل حال السورة هذه عظيمة؛ ولا يمكن لا لي، ولا لغيري أن يحيط بمعانيها العظيمة؛ لكن هذا قطرة من بحر؛ ومن أراد التوسع في ذلك فعليه بكتاب "مدارج السالكين" لابن القيم رحمه الله..

.................................................. ............
(1) أخرجه البخاري ص14، كتاب العلم، باب 49: من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا، رقم 127.

(2) أخرجه مسلم ص675، مقدمة الكتاب، رقم 14.

(3) أخرجه البخاري ص189، كتاب الخصومات، باب 4: كلام الخصوم بعضهم في بعض، حديث رقم 2419؛ وأخرجه مسلم ص805 – 806، كتاب صلاة المسافرين، كتاب فضائل القرآن وما يتعلق به، باب 48: بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف وبيان معناها، حديث رقم 1899 [270] 818.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03 Apr 2008, 05:50 PM
أبوياسر عبدالحق الجزائري أبوياسر عبدالحق الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 158
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبوياسر عبدالحق الجزائري
افتراضي

بارك الله فيك و أعانك الله
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 05 Apr 2008, 06:06 AM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

تفسير سورة البقرة


نزلت سورة البقرة بعد الهجرة؛ ولذلك فهي مدنية؛ فإن كل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني؛ وما نزل قبلها فهو مكي؛ هذا هو الصحيح؛ لأن العبرة بالزمن . لا بالمكان..

وغالب السور المدنية يكون فيها تفصيل أكثر من السور المكية؛ ويكون التفصيل فيها في فروع الإسلام دون أصوله؛ وتكون غالباً أقل شدة في الزجر، والوعظ، والوعيد؛ لأنها تخاطب قوماً كانوا مؤمنين موحدين قائمين بأصول الدين، ولم يبق إلا أن تُبَيَّن لهم فروع الدين ليعملوا بها؛ وتكون غالباً أطول آيات من السور المكية..



(بسم الله الرحمن الرحيم)

قوله تعالى: { بسم الله الرحمن الرحيم }: قد تقدم الكلام عليها في سورة الفاتحة..

(الم) (1) (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)
.{ 1 } قوله تعالى: { الم } حروف هجائية: ثلاثة أحرف: ألِف، ولام، وميم؛ تقرأ لا على حسب الكتابة: "أَلَمْ"؛ ولكن على حسب اسم الحرف: "ألِفْ لامْ ميمْ"..

هذه الحروف الهجائية اختلف العلماء فيها، وفي الحكمة منها على أقوال كثيرة يمكن حصرها في أربعة أقوال

القول الأول: أن لها معنًى؛ واختلف أصحاب هذا القول في تعيينه: هل هو اسم لله عزّ وجلّ؛ أو اسم للسورة؛ أو أنه إشارة إلى مدة هذه الأمة؛ أو نحو ذلك؟

القول الثاني: هي حروف هجائية ليس لها معنًى إطلاقاً..

القول الثالث: لها معنًى الله أعلم به؛ فنجزم بأن لها معنًى؛ ولكن الله أعلم به؛ لأنهم يقولون: إن القرآن لا يمكن أن ينزل إلا بمعنى..

القول الرابع: التوقف، وألا نزيد على تلاوتها؛ ونقول: الله أعلم: أَلَها معنًى، أم لا؛ وإذا كان لها معنًى فلا ندري ما هو..

وأصح الأقوال فيها القول الثاني؛ وهو أنها حروف هجائية ليس لها معنًى على الإطلاق؛ وهذا مروي عن مجاهد؛ وحجة هذا القول: أن القرآن نزل بلغة العرب؛ وهذه الحروف ليس لها معنًى في اللغة العربية، مثل ما تقول: ألِف؛ باء؛ تاء؛ ثاء؛ جيم؛ حاء...؛ فهي كذلك حروف هجائية..

أما كونه تعالى اختار هذا الحرف دون غيره، ورتبها هذا الترتيب فهذا ما لا علم لنا به..

هذا بالنسبة لذات هذه الحروف؛ أما بالنسبة للحكمة منها فعلى قول من يعين لها معنًى فإن الحكمة منها: الدلالة على ذلك المعنى . مثل غيرها مما في القرآن..

وأما على قول من يقول: "ليس لها معنًى"؛ أو: "لها معنًى الله أعلم به"؛ أو: "يجب علينا أن نتوقف" فإن الحكمة عند هؤلاء على أرجح الأقوال . وهو الذي اختاره ابن القيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره تلميذه الحافظ الذهبي، وجمع كثير من أهل العلم . هو الإشارة إلى بيان إعجاز القرآن العظيم، وأن هذا القرآن لم يأتِ بكلمات، أو بحروف خارجة عن نطاق البشر؛ وإنما هو من الحروف التي لا تعدو ما يتكلم به البشر؛ ومع ذلك فقد أعجزهم..

فهذا أبين في الإعجاز؛ لأنه لو كان في القرآن حروف أخرى لا يتكلم الناس بها لم يكن الإعجاز في ذلك واقعاً؛ لكنه بنفس الحروف التي يتكلم بها الناس . ومع هذا فقد أعجزهم .؛ فالحكمة منها ظهور إعجاز القرآن الكريم في أبلغ ما يكون من العبارة؛ قالوا: ويدل على ذلك أنه ما من سورة افتتحت بهذه الحروف إلا وللقرآن فيها ذكر؛ إلا بعض السور القليلة لم يذكر فيها القرآن؛ لكن ذُكر ما كان من خصائص القرآن:.

فمثلاً قوله تعالى: {كهيعص} [مريم: 1] ليس بعدها ذكر للقرآن؛ ولكن جاء في السورة خاصية من خصائص القرآن . وهي ذِكر قصص من كان قبلنا .: {ذكر رحمت ربك عبده زكريا...} (مريم: 2)

كذلك في سورة الروم قال تعالى في أولها: {الم * غلبت الروم} [الروم: 1، 2] ؛ فهذا الموضع أيضاً ليس فيه ذكر للقرآن؛ ولكن في السورة ذكر شيء من خصائص القرآن . وهو الإخبار عن المستقبل .: {غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين} [الروم: 2 . 4)

وكذلك أيضاً قوله تعالى: {الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} [العنكبوت: 1، 2] ليس فيها ذكر القرآن؛ ولكن فيها شيء من القصص الذي هو أحد خصائص القرآن: {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا...} (العنكبوت: 3)

فهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، واختاره جمع من أهل العلم هو الراجح: أن الحكمة من هذا ظهور إعجاز القرآن في أبلغ صوره، حيث إن القرآن لم يأتِ بجديد من الحروف؛ ومع ذلك فإن أهل اللغة العربية عجزوا عن معارضته وهم البلغاء الفصحاء..

وقال بعضهم: إن الحكمة منها تنشيط السامعين؛ فإذا تلي القرآن، وقرئ قوله تعالى: { الم } كأنه تعالى يقول: أنصتوا؛ وذلك لأجل المشركين . حتى ينصتوا له ...

ولكن هذا القول فيه نظر؛ لأنه لو كان كذلك لكان هذا في كل السور؛ مع أن أكثر السور غير مبتدئ بمثل هذه الحروف؛ وأيضاً لو كان كذلك ما صارت في السور المدنية . مثل سورة البقرة .؛ لأن السور المدنية ليس فيها أحد يلغو في القرآن؛ فالصواب أن الحكمة من ذلك هو ظهور إعجاز القرآن..

.{ 2 } قوله تعالى: { ذلك الكتاب }: "ذا" اسم إشارة؛ واللام للبعد؛ فإذا كان المشار إليه بعيداً تأتي بهذه اللام التي نسميها "لام البعد"؛ أما الكاف فهي للخطاب؛ وهذه الكاف فيها ثلاث لغات:.

الأولى: مراعاة المخاطب؛ فإن كان مفرداً مذكراً فُتِحت؛ وإن كان مفرداً مؤنثاً كُسِرت، وإن كان مثنى قرنت بالميم، والألف: "ذلكما" ؛ وإن كان جمعاً مذكراً قرنت بالميم: "ذلكم"؛ وإن كان جمعاً مؤنثاً قرنت بالنون المشددة: "ذلكنَّ"؛ وهذه هي اللغة الفصحى..

اللغة الثانية: لزوم الفتح والإفراد مطلقاً، سواء خاطبت مذكراً، أو مؤنثاً، أو مثنى، أو جمعاً؛ فتقول للرجل: "ذلكَ" ؛ وللمرأة: "ذلكَ"؛ وللاثنين: "ذلكَ"؛ وللجماعة: "ذلكَ"..

اللغة الثالثة: أن تكون بالإفراد سواء كان المخاطب واحداً، أم أكثر . مفتوحة في المذكر مكسورة في المؤنث.؛ فتقول: "ذلكَ" إذا كان المخاطب مذكراً؛ وتقول: "ذلكِ" إذا كان مؤنثاً..

والخطاب في قوله تعالى: { ذلك } لكل مخاطب يصح أن يوجه إليه الخطاب؛ والمعنى: ذلك أيها الإنسان المخاطَب..

والمراد بـ{ الكتاب } القرآن؛ و{ الكتاب } بمعنى المكتوب؛ لأن "فِعال" كما تأتي مصدراً . مثل: قتال، ونضال . تأتي كذلك بمعنى اسم مفعول، مثل: بناء بمعنى مبني؛ وغراس بمعنى مغروس؛ فكذلك "كتاب" بمعنى مكتوب؛ فهو مكتوب عند الله؛ وهو أيضاً مكتوب بالصحف المكرمة، كما قال تعالى: {في صحف مكرمة * مرفوعة مطهَّرة * بأيدي سفرة} [عبس: 13 . 15] ؛ وهو مكتوب في الصحف التي بين أيدي الناس؛ وأشار إليه بأداة البعيد لعلوّ منزلته؛ لأنه أشرف كتاب، وأعظم كتاب..

قوله تعالى: { لا ريب فيه هدًى للمتقين }: أهل النحو يقولون: إنّ { لا } هنا نافية للجنس؛ و{ ريب } اسمها مبني على الفتح؛ لأنه مركب معها؛ فهي في محل نصب؛ ويقولون: إنّ { لا } النافية للجنس تفيد العموم في أقصى غايته . يعني تدل على العموم المطلق .، فتشمل القليل، والكثير؛ فإذاً القرآن ليس فيه ريب لا قليل، ولا كثير..

و "الريب" هو الشك؛ ولكن ليس مطلق الشك؛ بل الشك المصحوب بقلق لقوة الداعي الموجب للشك؛ أو لأن النفس لا تطمئن لهذا الشك؛ فهي قلقة منه . بخلاف مطلق الشك .؛ ولهذا من فسّر الريب بالشك فهذا تفسير تقريبي؛ لأن بينهما فرقاً..

والنفي هنا على بابه؛ فالجملة خبرية؛ هذا هو الراجح؛ وقيل: إنه بمعنى النهي . أي لا ترتابوا فيه .؛ والأول أبلغ؛ فإن قال قائل: ما وجه رجحانه؟

فالجواب: أن هذا ينبني على قاعدة هامة في فهم وتفسير القرآن: وهي أنه يجب علينا إجراء القرآن على ظاهره، وأن لا نصرفه عن الظاهر إلا بدليل، مثل قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] ، فهذه الآية ظاهرها خبر؛ لكن المراد بها الأمر؛ لأنه قد لا تتربص المطلقة؛ فما دمت تريد تفسير القرآن الكريم فيجب عليك أن تجريه على ظاهره إلا ما دلّ الدليل على خلافه؛ وذلك؛ لأن المفسر للقرآن شاهد على الله بأنه أراد به كذا، وكذا؛ وأنت لو فسّرت كلام بشر على خلاف ظاهره لَلامَكَ هذا المتكلم، وقال: "لماذا تحمل كلامي على خلاف ظاهره! ليس لك إلا الظاهر"؛ مع أنك لو فسرت كلام هذا الرجل على خلاف ظاهره لكان أهون لوماً مما لو فسرت كلام الله؛ لأن المتكلم . غير الله . ربما يخفى عليه المعنى، أو يعييه التعبير، أو يعبر بشيء ظاهره خلاف ما يريده، فتفسره أنت على ما تظن أنه يريده؛ أما كلام الله عزّ وجلّ فهو صادر عن علم، وبأبلغ كلام، وأفصحه؛ ولا يمكن أن يخفى على الله عزّ وجلّ ما يتضمنه كلامه؛ فيجب عليك أن تفسره بظاهره..

فقوله تعالى: { لا ريب فيه }: ظاهرها أنها جملة خبرية تفيد النفي؛ والمعنى: ليس فيه ريب أبداً؛ وقيل: إن الخبر هنا بمعنى النهي؛ فمعنى: { لا ريب فيه }: لا ترتابوا فيه؛ والذي أوجب أن يفسروا النفي بمعنى النهي قالوا: لأنه قد حصل فيه ريب من الكفار، والمنافقين؛ قال تعالى: {فهم في ريبهم يترددون} [التوبة: 45] ؛ فلا يستقيم النفي حينئذ؛ وتكون هذه القرينة الواقعية من ارتياب بعض الناس في القرآن قرينةً موجبة لصرف الخبر إلى النهي؛ ولكننا نقول: إن الله تعالى يتحدث عن القرآن من حيث هو قرآن . لا باعتبار من يتلى عليهم القرآن .؛ والقرآن من حيث هو قرآن لا ريب فيه؛ عندما أقول لك: "هذا الماء عذب" فهذا بحسب وصف الماء بقطع النظر عن كون هذا الماء في مذاق إنسان من الناس ليس عذباً؛ كون مذاق الماء العذب مراً عند بعض الناس فهذا لا يؤثر على طبيعة الماء العذب؛ وقد قال المتنبي:.

(ومن يك ذا فمٍ مرٍّ مريضٍ، يجدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالا) فما علينا من هؤلاء إذا كان القرآن عندهم محل ريبة؛ فإن القرآن في حد ذاته ليس محل ريبة؛ والله سبحانه وتعالى يصف القرآن من حيث هو قرآن؛ على أن كثيراً من الذين ادّعوا الارتياب كاذبون يقولون ذلك جحوداً، كما قال تعالى: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [الأنعام: 33] ؛ فكثير منهم ربما لا يكون عنده ارتياب حقيقي في القرآن؛ ويكون في داخل نفسه يعرف أن هذا ليس بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يأتي بمثله؛ ولكن مع ذلك يجحدون، وينكرون..

وعلى هذا فالوجه الأول هو الوجه القوي الذي لا انفصام عنه . وهو أن الله تعالى وصف القرآن من حيث هو قرآن بقطع النظر عمن يُتلى عليهم هذا القرآن: أيرتابون، أم لا يرتابون فيه..

وقوله تعالى: { لا ريب فيه هدًى للمتقين }: وقف بعض القراء على قوله تعالى: { لا ريب }؛ وعليه فيكون خبر { لا } محذوفاً؛ والتقدير: لا ريب في ذلك؛ ويكون الجار والمجرور خبراً مقدماً، و{ هدًى } مبتدأً مؤخراً؛ ووقف بعضهم على قوله تعالى: { فيه }؛ وعليه فيكون الجار والمجرور خبر { لا }؛ ويكون قوله تعالى: { هدًى } خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو هدًى للمتقين..

و"التقوى":اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه..

الفوائد:

.1 من فوائد الآية: بيان علوّ القرآن؛ لقوله تعالى: { ذلك }؛ فالإشارة بالبعد تفيد علوّ مرتبته؛ وإذا كان القرآن عالي المكانة والمنزلة، فلا بد أن يعود ذلك على المتمسك به بالعلوّ والرفعة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {ليظهره على الدين كله} [التوبة: 33] ؛ وكذلك ما وُصِف به القرآن من الكرم، والمدح، والعظمة فهو وصف أيضاً لمن تمسك به..

.2 ومنها: رفعة القرآن من جهة أنه قرآن مكتوب معتنىً به؛ لقوله تعالى: { ذلك الكتاب }؛ وقد بيّنّا أنه مكتوب في ثلاثة مواضع: اللوح المحفوظ، والصحف التي بأيدي الملائكة، والمصاحف التي بأيدي الناس..

.3 ومن فوائد الآية: أن هذا القرآن نزل من عند الله يقيناً؛ لقوله تعالى: ( لا ريب فيه )

.4 ومنها: أن المهتدي بهذا القرآن هم المتقون؛ فكل من كان أتقى لله كان أقوى اهتداءً بالقرآن الكريم؛ لأنه عُلِّق الهدى بوصف؛ والحكم إذا عُلق بوصف كانت قوة الحكم بحسب ذلك الوصف المعلَّق عليه؛ لأن الوصف عبارة عن علة؛ وكلما قويت العلة قوي المعلول..

.5 ومن فوائد الآية: فضيلة التقوى، وأنها من أسباب الاهتداء بالقرآن، والاهتداء بالقرآن يشمل الهداية العلمية، والهداية العملية؛ أي هداية الإرشاد، والتوفيق..

فإن قيل: ما الجمع بين قوله تعالى: { هدًى للمتقين }، وقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس وبينات من الهدى والفرقان}؟ (البقرة: 185) .

فالجواب: أن الهدى نوعان: عام، وخاص؛ أما العام فهو الشامل لجميع الناس وهو هداية العلم، والإرشاد؛ ومثاله قوله تعالى عن القرآن: {هدًى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان} [البقرة: 185] ، وقوله تعالى عن ثمود: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: 17] ؛ وأما الخاص فهو هداية التوفيق : أي أن يوفق الله المرء للعمل بما علم؛ مثاله: قوله تعالى { هدًى للمتقين }، وقوله تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدًى وشفاء} [فصلت: 44] ..
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05 Apr 2008, 05:57 PM
أبوياسر عبدالحق الجزائري أبوياسر عبدالحق الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 158
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبوياسر عبدالحق الجزائري
افتراضي

بارك الله فيك مرة أخرى وليتك ترفق الموضوع بملف وورد حتى يسهل طباعته
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07 Apr 2008, 07:41 AM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة: 3-5)


.{ 3 } بعد أن ذكر الله عزّ وجلّ أن المتقين هم الذين ينتفعون ويهتدون بهذا الكتاب، بيَّن لنا صفات هؤلاء المتقين؛ فذكر في هذه الآيات خمس صفات:.

الأولى: الإيمان بالغيب في قوله تعالى: { الذين يؤمنون بالغيب }، أي يقرون بما غاب عنهم مما أخبر الله به عن نفسه، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وغير ذلك مما أخبر الله به من أمور الغيب؛ وعلى هذا فـ{ الغيب } مصدر بمعنى اسم الفاعل: أي بمعنى: غائب..

الصفة الثانية: إقامة الصلاة في قوله تعالى: { ويقيمون الصلاة }، أي يقومون بها على وجه مستقيم، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والمراد بـ{ الصلاة } هنا الجنس؛ فتعم الفريضة، والنافلة..

الصفة الثالثة: الإنفاق مما رزقهم الله في قوله تعالى: { ومما رزقناهم ينفقون }، أي مما أعطيناهم من المال يخرجون؛ و "مِن" هنا يحتمل أن تكون للتبعيض، وأن تكون للبيان؛ ويتفرع على ذلك ما سيُبَيَّن في الفوائد . إن شاء الله تعالى ...

.{ 4 } الصفة الرابعة قوله تعالى: { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك }، أي يؤمنون بجميع الكتب المنزلة؛ وبدأ بالقرآن مع أنه آخرها زمناً؛ لأنه مهيمن على الكتب السابقة ناسخ لها؛ والمراد بـ{ ما أنزل من قبلك } التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وموسى، وغيرها..

الصفة الخامسة: الإيقان بالآخرة في قوله تعالى: { وبالآخرة هم يوقنون }؛ والمراد بذلك البعث بعد الموت، وما يتبعه مما يكون يوم القيامة من الثواب، والعقاب، وغيرهما؛ وإنما نص على الإيقان بالآخرة مع دخوله في الإيمان بالغيب لأهميته؛ لأن الإيمان بها يحمل على فعل المأمور، وترك المحظور؛ و "الإيقان" هو الإيمان الذي لا يتطرق إليه شك..

.{ 5 } قوله تعالى: { أولئك }: المشار إليه ما تقدم ممن اتصفوا بالصفات الخمس؛ وأشار إليهم بصيغة البعد لعلوّ مرتبتهم؛ { على هدًى } أي على علم، وتوفيق؛ و{ على } للاستعلاء؛ وتفيد علوهم على هذا الهدى، وسيرهم عليه، كأنهم يسيرون على طريق واضح بيّن؛ فليس عندهم شك؛ تجدهم يُقبلون على الأعمال الصالحة وكأن سراجاً أمامهم يهتدون به: تجدهم مثلاً ينظرون في أسرار شريعة الله، وحِكَمها، فيعلمون منها ما يخفى على كثير من الناس؛ وتجدهم أيضاً عندما ينظرون إلى القضاء والقدر كأنما يشاهدون الأمر في مصلحتهم حتى وإن أصيبوا بما يضرهم أو يسوءهم، يرون أن ذلك من مصلحتهم؛ لأن الله قد أنار لهم الطريق؛ فهم على هدًى من ربهم وكأن الهدى مركب ينجون به من الهلاك، أو سفينة ينجون بها من الغرق؛ فهم متمكنون غاية التمكن من الهدى؛ لأنهم عليه؛ و{ من ربهم } أي خالقهم المدبر لأمورهم؛ والربوبية هنا خاصة متضمنة للتربية الخاصة التي فيها سعادة الدنيا، والآخرة..

قوله تعالى: { وأولئك هم المفلحون }: الجملة مبتدأ وخبر، بينهما ضمير الفصل الدالّ على التوكيد، والحصر؛ وأعيد اسم الإشارة تأكيداً لما يفيده اسم الإشارة الأول من علوّ المرتبة، والعناية التامة بهم كأنهم حضروا بين يدي المتكلم؛ وفيه الفصل بين الغاية، والوسيلة؛ فالغاية: الفلاح؛ ووسيلته: ما سبق؛ و "الفلاح" هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب؛ فهي كلمة جامعة لانتفاء جميع الشرور، وحصول جميع الخير.

تنبــــيه:من المعروف عند أهل العلم أن العطف يقتضي المغايرة . أي أن المعطوف غير المعطوف عليه .؛ وقد ذكرنا أن هذه المعطوفات أوصاف للمتقين وهو موصوف واحد؛ فكيف تكون المغايرة؟

والجواب: أن التغاير يكون في الذوات كما لو قلت: "قدم زيد، وعمرو"؛ ويكون في الصفات كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدَّر فهدى * والذي أخرج المرعى} [الأعلى: 1 . 4] ؛ قالوا: والفائدة من ذلك أن هذا يقتضي تقرير الوصف الأول . كأنه قال: "أتصف بهذا، وزيادة ...


الفوائد:.


.1 من فوائد الآية: أن من أوصاف المتقين الإيمان بالغيب؛ لأن الإيمان بالمُشاهَد المحسوس ليس بإيمان؛ لأن المحسوس لا يمكن إنكاره..

.2 ومنها: أن من أوصاف المتقين إقامة الصلاة؛ وهو عام لفرضها، ونفلها..

ويتفرع على ذلك: الترغيب في إقامة الصلاة؛ لأنها من صفات المتقين؛ وإقامتها أن يأتي بها مستقيمة على الوجه المطلوب في خشوعها، وقيامها، وقعودها، وركوعها، وسجودها، وغير ذلك..

.3 ومن فوائد الآيات: أن من أوصاف المتقين الإنفاق مما رزقهم الله؛ وهذا يشمل الإنفاق الواجب كالزكاة، وإنفاقَ التطوع كالصدقات، والإنفاقِ في سبل الخير..

.4 ومنها: أن صدقة الغاصب باطلة؛ لقوله تعالى: { ومما رزقناهم }؛ لأن الغاصب لا يملك المال الذي تصدق به، فلا تقبل صدقته..

.5 ومنها: أن الإنفاق غير الزكاة لا يتقدر بشيء معين؛ لإطلاق الآية، سواء قلنا: إن "مِن" للتبعيض؛ أو للبيان..

ويتفرع على هذا جواز إنفاق جميع المال في طرق الخير، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه حين تصدق بجميع ماله(1) ؛ لكن هذا مشروط بما إذا لم يترتب عليه ترك واجب من الإنفاق على الأهل، ونحوهم؛ فإن ترتب عليه ذلك فالواجب مقدم على التطوع..

.6 ومن فوائد الآية: ذم البخل؛ ووجهه أن الله مدح المنفقين؛ فإذا لم يكن إنفاق فلا مدح؛ والبخل خلق ذميم حذر الله سبحانه وتعالى منه في عدة آيات..


تنـــبيه:


لم يذكر الله مصرف الإنفاق أين يكون؛ لكنه تعالى ذكر في آيات أخرى أن الإنفاق الممدوح ما كان في سبيل الله من غير إسراف، ولا تقتير، كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً} [الفرقان: 67] ..

.7ومن فوائد الآية: أن من أوصاف المتقين الإيمان بما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله.

.8 ومنها: أن من أوصاف المتقين الإيقان بالآخرة على ما سبق بيانه في التفسير..

.9 ومنها: أهمية الإيمان بالآخرة؛ لأن الإيمان بها هو الذي يبعث على العمل؛ ولهذا يقرن الله تعالى دائماً الإيمان به عزّ وجلّ، وباليوم الآخر؛ أما من لم يؤمن بالآخرة فليس لديه باعث على العمل؛ إنما يعمل لدنياه فقط: يعتدي ما دام يرى أن ذلك مصلحة في دنياه: يسرق مثلاً؛ يتمتع بشهوته؛ يكذب؛ يغش...؛ لأنه لا يؤمن بالآخرة؛ فالإيمان بالآخرة حقيقة هو الباعث على العمل..

.10 ومنها: سلامة هؤلاء في منهجهم؛ لقوله تعالى: ( أولئك على هدًى من ربهم ).

.11ومنها: أن ربوبية الله عزّ وجلّ تكون خاصة، وعامة؛ وقد اجتمعا في قوله تعالى عن سحرة فرعون: {آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون} (الأعراف: 121، 122)

.12 ومنها: أن مآل هؤلاء هو الفلاح؛ لقوله تعالى: ( وأولئك هم المفلحون )

.13 ومنها: أن الفلاح مرتب على الاتصاف بما ذُكر؛ فإن اختلَّت صفة منها نقص من الفلاح بقدر ما اختل من تلك الصفات؛ لأن الصحيح من قول أهل السنة والجماعة، والذي دلّ عليه العقل والنقل، أن الإيمان يزيد، وينقص، ويتجزأ؛ ولولا ذلك ما كان في الجنات درجات: هناك رتب كما جاء في الحديث: "إن أهل الجنة ليتراءون أصحاب الغرف كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق؛ قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال صلى الله عليه وسلم لا؛ والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين"(2) ، أي ليست خاصة بالأنبياء..


.................................................. .....................
(1)راجع سنن أبي داوود 1348 كتاب الزكاة باب 40: الرخصة في ذلك حديث 1678 والترمذي ص 2030 كتاب المناقب باب 1: رجاؤه صلى الله عليه وسلم أن يكون أبو بكر ممن يدعى من جميع أبواب الجنة حديث 3675 والدارمي 1/ ص480 كتاب الزكاة باب 26: الرجل يتصدق بجميع ما عنده حديث رقم 1660 وقال الألباني في صحيح أبي داود 1/466 حسن.

(2) أخرجه البخاري ص263، كتاب بدء الخلق، باب 8: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، حديث رقم 3256؛ وأخرجه مسلم ص1170، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب 3: ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء، حديث رقم 7144 [11] 2831.
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 09 Apr 2008, 07:08 AM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:6) )خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:7)


ثم ذكر الله قسماً آخر . وهم الكافرون الخلَّص .؛ ففي هذه السورة العظيمة ابتدأ الله تعالى فيها بتقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام: المؤمنون الخلَّص؛ ثم الكافرون الخلَّص؛ ثم المؤمنون بألسنتهم دون قلوبهم؛ فبدأ بالطيب، ثم الخبيث، ثم الأخبث؛ إذاً الطيب: هم المتقون المتصفون بهذه الصفات؛ والخبيث: الكفار؛ والأخبث: المنافقون..

.{ 6 } قوله تعالى: { سواء } أي مستوٍ؛ وهي إما أن تكون خبر { إن } في قوله تعالى: { إن الذين كفروا }؛ ويكون قوله تعالى: { أأنذرتهم } فاعلاً بـ{ سواء } مسبوكاً بمصدر؛ والتقدير: سواء عليهم إنذارُك، وعدمُه؛ وإما أن تكون { سواء } خبراً مقدماً، و{ أأنذرتهم } مبتدأً مؤخراً؛ والجملة خبر { إن }؛ والأول أولى؛ لأنه يجعل الجملة جملة واحدة؛ وهنا انسبك قوله تعالى: { أأنذرتهم } بمصدر مع أنه ليس فيه حرف مصدري؛ لكنهم يقولون: إن همزة الاستفهام التي للتسوية يجوز أن تسبك، ومدخولها بمصدر..

قوله تعالى: { إن الذين كفروا } أي بما يجب الإيمان به..

قوله تعالى: { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون }: هذا تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم. لا اعتذاراً للكفار .، ولا تيئيساً له صلى الله عليه وسلم و "الإنذار" هو الإعلام المقرون بالتخويف؛ والرسول صلى الله عليه وسلم بشير، ونذير؛ بشير معلم بما يسر بالنسبة للمؤمنين؛ نذير معلم بما يسوء بالنسبة للكافرين؛ فإنذار النبي صلى الله عليه وسلم وعدمه بالنسبة لهؤلاء الكفار المعاندين، والمخاصمين . الذين تبين لهم الحق، ولكن جحدوه . مستوٍ عليهم..

وقوله تعالى: { لا يؤمنون }: هذا محط الفائدة في نفي التساوي . أي إنهم أنذرتهم أم لم تنذرهم . لا يؤمنون؛ وتعليل ذلك قوله تعالى: ( ختم الله على قلوبهم )

و "الختم" : الطبع؛ و"الطبع" هو أن الإنسان إذا أغلق شيئاً ختم عليه من أجل ألا يخرج منه شيء، ولا يدخل إليه شيء؛ وهكذا فهؤلاء . والعياذ بالله . قلوبهم مختوم عليها لا يصدر منها خير، ولا يصل إليها خير..

.{ 7 } قوله تعالى: { وعلى سمعهم } أي وختم على سمعهم، فهي معطوفة على قوله تعالى: { على قلوبهم }؛ والختم على الأذن: أن لا تسمع خيراً تنتفع به..

قوله تعالى: { وعلى أبصارهم غشاوة }: الواو للاستئناف؛ فالجملة مستقلة عما قبلها؛ فهي مبتدأ، وخبر مقدم؛ ويحتمل أن تكون الواو عاطفة، لكن عطف جملة على جملة؛ و{ غشاوة } أي غطاء يحول بينها وبين النظر إلى الحق؛ ولو نظرت لم تنتفع..

قوله تعالى: { ولهم } أي لهؤلاء الكفار الذين بقوا على كفرهم { عذاب عظيم }: وهو عذاب النار؛ وعظمه الله تعالى؛ لأنه لا يوجد أشد من عذاب النار..

انتهى الكلام على الصنف الثاني من أصناف الخلق، وهم الكفار الخُلَّص الصرحاء..

الفوائد:

.1 من فوائد الآيتين: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم حين يردُّه الكفار، ولا يَقبلون دعوته..

.2 ومنها: أن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن مهما كان المنذِر والداعي؛ لأنه لا يستفيد . قد ختم الله على قلبه .، كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97] ، وقال تعالى: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار} [الزمر: 19] يعني هؤلاء لهم النار؛ انتهى أمرهم، ولا يمكن أن تنقذهم..

.3 ومنها: أن الإنسان إذا كان لا يشعر بالخوف عند الموعظة، ولا بالإقبال على الله تعالى فإن فيه شبهاً من الكفار الذين لا يتعظون بالمواعظ، ولا يؤمنون عند الدعوة إلى الله..

.4 ومنها: أن محل الوعي القلوب؛ لقوله تعالى: { ختم الله على قلوبهم } يعني لا يصل إليها الخير..

.5 ومنها: أن طرق الهدى إما بالسمع؛ وإما بالبصر: لأن الهدى قد يكون بالسمع، وقد يكون بالبصر؛ بالسمع فيما يقال؛ وبالبصر فيما يشاهد؛ وهكذا آيات الله عزّ وجلّ تكون مقروءة مسموعة؛ وتكون بيّنة مشهودة..

.6 ومنها: وعيد هؤلاء الكفار بالعذاب العظيم..

مسألة:.

إذا قال قائل: هل هذا الختم له سبب من عند أنفسهم، أو مجرد ابتلاء وامتحان من الله عزّ وجلّ؟

فالجواب: أن له سبباً؛ كما قال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5] ، وقال تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية(المائدة: 13)

التعديل الأخير تم بواسطة ابومحمد بلال ; 12 Apr 2008 الساعة 11:58 AM
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 11 Apr 2008, 07:08 AM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة:8)

.{ 8 } قوله تعالى: { ومن الناس }: { من } للتبعيض؛ أي: وبعض الناس؛ ولم يصفهم الله تعالى بوصف . لا بإيمان، ولا بكفر .؛ لأنهم كما وصفهم الله تعالى في سورة النساء: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 143] ؛ و{ الناس } أصلها الأناس؛ لكن لكثرة الاستعمال حذفت الهمزة تخفيفاً، كما قالوا في "خير"، و"شر": إن أصلهما: "أخير"، و"أشر"؛ لكن حذفت الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال؛ وسُموا أناساً: من الأُنس؛ لأن بعضهم يأنس بعضاً، ويركن إليه؛ ولهذا يقولون: "الإنسان مدني بالطبع"؛ بمعنى: أنه يحب المدنية . يعني الاجتماع، وعدم التفرق ...

قوله تعالى: { من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر } أي يقول بلسانه . بدليل قوله تعالى: { وما هم بمؤمنين } أي بقلوبهم .؛ وسبق معنى الإيمان بالله، وباليوم الآخر..

الفوائد:

.1 من فوائد الآية: بلاغة القرآن؛ بل فصاحة القرآن في التقسيم؛ لأن الله سبحانه وتعالى ابتدأ هذه السورة بالمؤمنين الخلَّص، ثم الكفار الخلَّص، ثم بالمنافقين؛ وذلك؛ لأن التقسيم مما يزيد الإنسان معرفة، وفهماً..

.2 . ومنها: أن القول باللسان لا ينفع الإنسان؛ لقوله تعالى: ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)

.3 ومنها: أن المنافقين ليسوا بمؤمنين . وإن قالوا: إنهم مؤمنون .؛ لقوله تعالى: { وما هم بمؤمنين }؛ ولكن هل هم مسلمون؟ إن أريد بالإسلام الاستسلام الظاهر فهم مسلمون؛ وإن أريد بالإسلام إسلام القلب والبدن فليسوا بمسلمين..

.4 ومنها: أن الإيمان لا بد أن يتطابق عليه القلب، واللسان..

ووجه الدلالة: أن هؤلاء قالوا: "آمنا" بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم؛ فصح نفي الإيمان عنهم؛ لأن الإيمان باللسان ليس بشيء..

(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (البقرة:9)

.{ 9 } قوله تعالى: { يخادعون الله } أي بإظهار إسلامهم الذي يعصمون به دماءهم، وأموالهم..

قوله تعالى: { والذين آمنوا } معطوف على لفظ الجلالة؛ والمعنى: ويخدعون الذين آمنوا بإظهار الإسلام، وإبطان الكفر، فيظن المؤمنون أنهم صادقون..

قوله تعالى: { وما يخدعون إلا أنفسهم } أي ما يخدع هؤلاء المنافقون إلا أنفسهم، حيث منَّوها الأماني الكاذبة..

قوله تعالى: { وما يشعرون } أي ما يشعر هؤلاء أن خداعهم على أنفسهم مع أنهم يباشرونه؛ ولكن لا يُحِسُّون به، كما تقول: "مَرَّ بي فلان ولم أشعر به"..

الفوائد:

.1 من فوائد الآية: مكر المنافقين، وأنهم أهل مكر، وخديعة؛ لقوله تعالى: { يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم }؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة المنافقين: {هم العدو فاحذرهم} [المنافقون: 4] ؛ فحصر العداوة فيهم؛ لأنهم مخادعون..

.2 ومنها: التحفظ من المنافقين؛ لأنه إذا قيل لك: "فلان يخدع" فإنك تزداد تحفظاً منها؛ وأنه ينبغي للمؤمن أن يكون يقظاً حذراً، فلا ينخدع بمثل هؤلاء..

فإن قال قائل: كيف نعرف المنافق حتى نكون حذرين منه؟

فالجواب: نعرفه بأن نتتبع أقواله، وأفعاله: هل هي متطابقة، أو متناقضة؟ فإذا علمنا أن هذا الرجل يتملق لنا، ويظهر أنه يحب الإسلام، ويحب الدين، لكن إذا غاب عنا نسمع عنه بتأكد أنه يحارب الدين عرفنا أنه منافق؛ فيجب علينا أن نحذر منه..

.3 ومن فوائد الآية: أن المكر السيئ لا يحيق إلّا بأهله؛ فهم يخادعون الله، ويظنون أنهم قد نجحوا، أو غلبوا؛ ولكن في الحقيقة أن الخداع عائد عليهم؛ لقوله تعالى: { وما يخدعون إلا أنفسهم }: فالحصر هنا يدل على أن خداعهم هذا لا يضر الله تعالى شيئاً، ولا رسوله، ولا المؤمنين..

.4 ومنها: أن العمل السيئ قد يُعمي البصيرة؛ فلا يشعر الإنسان بالأمور الظاهرة؛ لقوله تعالى: { وما يشعرون } أي ما يشعرون أنهم يخدعون أنفسهم؛ و "الشعور" أخص من العلم؛ فهو العلم بأمور دقيقة خفية؛ ولهذا قيل: إنه مأخوذ من الشَّعر؛ والشعر دقيق؛ فهؤلاء الذين يخادعون الله، والرسول، والمؤمنين لو أنهم تأملوا حق التأمل لعرفوا أنهم يخدعون أنفسهم، لكن لا شعور عندهم في ذلك؛ لأن الله تعالى قد أعمى بصائرهم . والعياذ بالله .، فلا يشعرون بهذا الأمر..
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 13 Apr 2008, 08:32 AM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة:10)

.{ 10 } قوله تعالى: { في قلوبهم مرض }: هذه الجملة جملة اسمية تدل على مكث وتمكن هذا المرض في قلوبهم؛ ولكنه مرض على وجه قليل أثّر بهم حتى بلغوا النفاق؛ ومن أجل هذا المرض قال سبحانه وتعالى: { فزادهم الله مرضاً }: الفاء هنا عاطفة؛ ولكنها تفيد معنى السببية: زادهم الله مرضاً على مرضهم؛ لأنهم . والعياذ بالله . يريدون الكفر؛ وهذه الإرادة مرض أدى بهم إلى زيادة المرض؛ لأن الإرادات التي في القلوب عبارة عن صلاح القلوب، أو فسادها؛ فإذا كان القلب يريد خيراً فهو دليل على سلامته، وصحته؛ وإذا كان يريد الشر فهو دليل على مرضه، وعلته..

وهؤلاء قلوبهم تريد الكفر؛ لأنهم يقولون لشياطينهم إذا خلوا إليهم: {إنا معكم إنما نحن مستهزئون} [البقرة: 14] ، أي بهؤلاء المؤمنين السذج . على زعمهم . ويرون أن المؤمنين ليسوا بشيء، وأن العِلْية من القوم هم الكفار؛ ولهذا جاء التعبير بـ {إنا معكم} [البقرة: 14] الذي يفيد المصاحبة، والملازمة..

فهذا مرض زادهم الله به مرضاً إلى مرضهم حتى بلغوا إلى موت القلوب، وعدم إحساسها، وشعورها..

قوله تعالى في مجازاتهم: { ولهم عذاب } أي عقوبة؛ { أليم } أي مؤلم؛ فهو شديد، وعظيم، وكثير؛ لأن الأليم قد يكون مؤلماً لقوته، وشدته: فضربة واحدة بقوة تؤلم الإنسان؛ وقد يكون مؤلماً لكثرته: فقد يكون ضرباً خفيفاً؛ ولكن إذا كثر، وتوالى آلَم؛ وقد اجتمع في هؤلاء المنافقين الأمران؛ لأنهم في الدرك الأسفل من النار . وهذا ألم حسي .؛ وقال تعالى في أهل النار: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} [السجدة: 20] ، وهذا ألم قلبي يحصل بتوبيخهم..

قوله تعالى: { بما كانوا يكذبون }: الباء للسببية . أي بسبب كذبهم .، أو تكذيبهم؛ و "ما" مصدرية تؤول وما بعدها بمصدر؛ فيكون التقدير: بكونهم كاذبين؛ أو: بكونهم مكذبين؛ لأن في الآية قراءتين؛ الأولى: بفتح الياء، وسكون الكاف، وكسر الذال مخففة؛ ومعناها: يَكْذِبون بقولهم: آمنا بالله، وباليوم الآخر . وما هم بمؤمنين .؛ والقراءة الثانية: بضم الياء، وفتح الكاف، وكسر الذال مشددة؛ ومعناها: يُكَذِّبون الله، ورسوله؛ وقد اجتمع الوصفان في المنافقين؛ فهم كاذبون مكذبون..

الفوائد:
.1 من فوائد الآية: أن الإنسان إذا لم يكن له إقبال على الحق، وكان قلبه مريضاً فإنه يعاقب بزيادة المرض؛ لقوله تعالى: { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً }؛ وهذا المرض الذي في قلوب المنافقين: شبهات، وشهوات؛ فمنهم من علم الحق، لكن لم يُرِده؛ ومنهم من اشتبه عليه؛ وقد قال الله تعالى في سورة النساء: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلًا} [النساء: 137] ، وقال تعالى في سورة المنافقين: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} [المنافقون: 3] ..

.2 ومن فوائد الآية: أن أسباب إضلال اللَّهِ العبدَ هو من العبد؛ لقوله تعالى: { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً }؛ ومثل ذلك قوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5] ، وقوله تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} [الأنعام: 110] ، وقوله تعالى: {فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم} [المائدة: 49] ..

.3 ومنها: أن المعاصي والفسوق، تزيد وتنقص، كما أن الإيمان يزيد وينقص؛ لقوله تعالى: { فزادهم الله مرضاً }؛ والزيادة لا تُعقل إلا في مقابلة النقص؛ فكما أن الإيمان يزيد وينقص، كذلك الفسق يزيد، وينقص؛ والمرض يزيد، وينقص..

.4 ومنها: الوعيد الشديد للمنافقين؛ لقوله تعالى: ( ولهم عذاب أليم )

.5 ومنها: أن العقوبات لا تكون إلا بأسباب . أي أن الله لا يعذب أحداً إلا بذنب .؛ لقوله تعالى:

( بما كانوا يكذبون )

.6 ومنها: أن هؤلاء المنافقين جمعوا بين الكذب، والتكذيب؛ وهذا شر الأحوال..

.7 ومنها: ذم الكذب، وأنه سبب للعقوبة؛ فإن الكذب من أقبح الخصال؛ وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكذب من خصال المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب..."(60) الحديث؛ والكذب مذموم شرعاً، ومذموم عادة، ومذموم فطرة أيضاً..

مسألة :-


إن قيل: كيف يكون خداعهم لله وهو يعلم ما في قلوبهم؟

فالجواب: أنهم إذا أظهروا إسلامهم فكأنما خادعوا الله؛ لأنهم حينئذ تُجرى عليهم أحكام الإسلام، فيلوذون بحكم الله . تبارك وتعالى . حيث عصموا دماءهم وأموالهم بذلك..
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 14 Apr 2008, 12:20 PM
ابومحمد بلال ابومحمد بلال غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر
المشاركات: 24
افتراضي


(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (البقرة:11)

(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (البقرة:12)

.{ 11 } قوله تعالى: { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض }: القائل هنا مبهم للعموم . أي ليعم أيَّ قائل كان؛ و "الإفساد في الأرض" هو أن يسعى الإنسان فيها بالمعاصي . كما فسره بذلك السلف؛ لقوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم: 41]

وقوله تعالى: { في الأرض }: المراد الأرض نفسها؛ أو أهلها؛ أو كلاهما . وهو الأولى؛ أما إفساد الأرض نفسها: فإن المعاصي سبب للقحط، ونزع البركات، وحلول الآفات في الثمار، وغيرها، كما قال تعالى عن آل فرعون لما عصوا رسوله موسى عليه السلام: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون} [الأعراف: 130] ، فهذا فساد في الأرض..

وأما الفساد في أهلها: فإن هؤلاء المنافقين يأتوا إلى اليهود، ويقولون لهم: {لئن أخرجتم لنخرجنَّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم} [الحشر: 11] : فيزدادوا استعداءً للرسول صلى الله عليه وسلم ومحاربة له؛ كذلك أيضاً من فسادهم في أهل الأرض: أنهم يعيشون بين المسلمين، ويأخذون أسرارهم، ويفشونها إلى أعدائهم؛ ومن فسادهم في أهل الأرض: أنهم يفتحون للناس باب الخيانة والتَقِيَّة، بحيث لا يكون الإنسان صريحاً واضحاً، وهذا من أخطر ما يكون في المجتمع..

قوله تعالى: { قالوا إنما نحن مصلحون }؛ { إنما }: أداة حصر؛ و{ نحن }: مبتدأ؛ و{ مصلحون }: خبر؛ والجملة اسمية؛ والجملة الاسمية تفيد الثبوت، والاستمرار؛ فكأنهم يقولون: ما حالنا إلا الإصلاح؛ يعني: أنه ليس فيهم إفساد مطلقاً..

ومن توفيق الله أنه لم يلهمهم، فيقولوا: إنما نحن المصلحون؛ فلو أنهم قالوا: "نحن المصلحون" كان مقتضاه أن لا مصلح غيرهم؛ لكنهم قالوا: { إنما نحن مصلحون } أي ما حالنا إلا إصلاح؛ ولم يدَّعوا أنهم المصلحون وحدهم..

.{ 12 } قوله تعالى: { ألا إنهم هم المفسدون }؛ { ألا }: أداة تفيد التنبيه، والتأكيد؛ و{ إنهم }: توكيد أيضاً؛ و{ هم }: ضمير فصل يفيد التوكيد أيضاً؛ فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: { ألا }، و "إن" ، و{ هم } وهذا من أبلغ صيغ التوكيد؛ وأتى بـ "أل" الدالة على حقيقة الإفساد، وأنهم هم المفسدون حقاً؛ ووجه حصر الإفساد فيهم أن { هم } ضمير فصل يفيد الحصر . أي هم لا غيرهم المفسدون؛ وهذا كقوله تعالى: {هم العدو فاحذرهم} [المنافقون: 4] أي هم لا غيرهم؛ فلا عداء أبلغ من عداء المنافقين للمؤمنين؛ ولا فساد أعظم من فساد المنافقين في الأرض..

قوله تعالى: { ولكن لا يشعرون } أي لا يشعرون أنهم مفسدون؛ لأن الفساد أمر حسي يدرك بالشعور والإحساس؛ فلبلادتهم وعدم فهمهم للأمور، لا يشعرون بأنهم هم المفسدون دون غيرهم..

الفوائد:

.1 من فوائد الآيتين: أن النفاق الذي هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر من الفساد في الأرض؛ لقوله تعالى: { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض }؛ والنفاق من أعظم الفساد في الأرض..

.2 ومنها: أن من أعظم البلوى أن يُزَيَّن للإنسان الفساد حتى يَرى أنه مصلح؛ لقولهم: ( إنما نحن مصلحون )

.3 ومنها: أن غير المؤمن نظره قاصر، حيث يرى الإصلاح في الأمر المعيشي فقط؛ بل الإصلاح حقيقة أن يسير على شريعة الله واضحاً صريحاً..

.4 ومنها: أنه ليس كل من ادعى شيئاً يصدق في دعواه؛ لأنهم قالوا: { إنما نحن مصلحون }؛ فقال الله تعالى: { ألا إنهم هم المفسدون }؛ وليس كل ما زينته النفس يكون حسناً، كما قال تعالى: {أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} [فاطر: 8] ..

.5 ومنها: أن الإنسان قد يبتلى بالإفساد في الأرض، ويخفى عليه فساده؛ لقوله تعالى: { ولكن لا يشعرون

.6 ومنها: قوة الرد على هؤلاء الذين ادعوا أنهم مصلحون، حيث قال الله عزّ وجلّ: { ألا إنهم هم المفسدون }؛ فأكد إفسادهم بثلاثة مؤكدات؛ وهي { ألا } و "إن" ، و{ هم }؛ بل حصر الإفساد فيهم عن طريق ضمير الفصل..
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 14 Apr 2008, 03:42 PM
ابوعبدالله الجزائري ابوعبدالله الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 287
افتراضي

ماشاء الله واصل .................. ايها الحبيب
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
العثيمين, الفاتحة, تفسير, قرآن

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013