[تفريغ شريط] ضرورة التفقه في الدين للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله

[أم صهيب السلفية]

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الوجه الأول

الحمد لله،بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون،أحمده سبحانه خير حمد وأوفاه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،وخليله وصفيه،شهد أنه بلغ الرسالة ونصح الأمة،وجاهد في الله حق الجهاد،اللم صلي وسلم على عبدك محمدا،كلما صلى عليه المصلون،وكلما غفل عن الصلاة عليه الغافلون،وسلم اللهم تسليما مزيدا،أما بعد:

فأسأل الله جل وعلا،أن يجعلني وإياكم ممن إذا أُعطي شكر،وإذا أُبتلي صبر،وإذا أذنب استغفر،كما أسأله سبحانه أن يمنحني الفقه في دينه والصبر على ذلك،وأن ينور قلوبنا بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم،وأن لا يحجب ذلك عنا بذنوبنا،إنه سبحانه سميع قريب.
أيّها الإخوة،لا شك أن إنزال هذا الدين على محمد عليه الصلاة والسلام،أمر جليل عظيم كما قال جل وعلا: { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } ص.
وقال سبحانه:{ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ }النبأ.

فالقرآن نبأ عظيم،ودين الاسلام نبأ عظيم،وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم نبأ عظيم،ولهذا وجب على الجميع من العقلاء وذوي الألباب،الذين يعلمون ما يصلحهم في دنياهم وفي آخرتهم،أن يرفعوا رأسهم بهذا الدين،وأن يُقبلوا عليه،كما أقبل عليه الرعيل الأول من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،الذين وصفهم الله جل وعلا في قوله:{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا }الفتح.

والرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،أُمروا فأتمروا ونُهوا فانتهوا،وعُمرت قلوبهم بالإيمان،وعُمرت نفوسهم بتوحيد الله جل وعلا،وبالإقبال على القرآن والفقه فيه،لهذا حُفظ هذا الدين بنقل العدول على العدول،عن العدول إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،فالعلم هو الذي أورثنا محمد صلى الله عليه وسلم،ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:"إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهم،وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر".

وقال أيضا عليه الصلاة والسلام:"مثل ما بعثني الله به من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا".الحديث الذي في الصحيحين.

فإذا كوننا على ميراث من دين الاسلام،ليس هذا أمرا هينا،وليس هذا بالأمر السهل،وإنما هذا بالأمر العظيم،وإنما يتفطن لعظمته أولوا الألباب وأولوا العقول.
وهذا الدين أوجب الله جل وعلا،على عباده أن يتعلموه،فقال سبحانه:{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ }محمد.
وقال سبحانه وتعالى:{ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة.

ولا شك أن بقاء الدين عزيزا،إنما يكون ببقاء العلم وبقاء العلماء،لهذا صح عنه عليه الصلاة والسلام كما في البخاري وغيره:"إن الله لا ينزع العلم انتزاعا"،وفي رواية قال:" لا يقبض العلم انتزاعا"،ينتزعه من صدور العلماء

" ولكن يقبض العلم بموت العلماء،حتى إذا لم يبقى عالما"،وهي أصح من لم يُبقي عالما،" حتى إذا لم يبقى عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ".
لم يحدث هذا الدين إلا بتوفيق الله جل وعلا،ورحمته ومنته ونعمته،بسبب جهاد الصحابة رضوان الله عليهم،في امتثال العلم الذي ورثه إياه النبي صلى الله عليه وسلم،لهذا كان من أعظم أنواع الجهاد،بل هو أعظم أنواع الجهاد،الجهاد في التفقه في الدين والتعلم،ولهذا جاء ابن عباس رجل فقال:يا ابن عباس - رضي الله عنهما – قال له يا ابن عباس:إني أريد الجهاد في سبيل الله،فقال له:ابني مسجدا وتعلم العلم،وعلم فيه الفرائض والسنن،فذاك أفضل.

ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن طلب العلم أو طلب التفقه في الدين،أفضل من جهاد التطوع الذي لم يتعين على المسلم،وذلك لأن حفظ الدين يكون بوسيلتين،يكون حفظ الدين برد أعدائه الذين يقاتلون بأنفسهم،ويكون حفظ الدين برد كيد الأعداء والشيطان والنفس،بانتزاع العلم من الناس،لأنه إذا نُزع العلم فاض الجهل،وجاءت الضلالات بأنواعها.



يتبع