نِعـمَ التـحيُّز … و تحـذيرٌ من التـميُّع … و دعـوةٌ إلى التـميُّز
نِعـمَ التـحيُّز … و تحـذيرٌ من التـميُّع … و دعـوةٌ إلى التـميُّز
الحمد لله ، و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه.
أما بعد :
فقد حذَّر جهابذة السنة من منهج التمييع ـ وريث و سليل منهج الموازنات ـ ، و بينوا خطورته للناس ،و أنه "مصادم لعلوم الجرح و التعديل ، التي سلّمت لها الأمة " ، وحثوا طلبة العلم على هدِّ أُسُسه ، و تقويض أركانه و قواعده ، و تعاونوا على كشف أهداف واضعيه و منظريه ؛ فظهرت ثمار ذلك الجهد ، و سَعِد الشباب السلفي لصفاء منهجهم ، و وضوح سبيلهم ، و فرحوا بنصائح أهل الحق والغيرة من حماة المنهج السلفي.
فَـدَكُّ كهوف هذا المنهج الدخيل العميل ، و قصف مغاراته جهادٌ في سبيل الله تعالى ، لأن راية التَّمَـيُّز لا تخفق ظاهرة في عُلاها فوق قلاع التحيُّز لأهل الأثر و السنة ما لم ينتفض حماة السنة و جُنْدها ، و يتحرك جيش الأثر أتباع السلف ، و يزحفون لإبادة " طابور التمييع " الذي يريد أن يُدمِّر سلاح الطائفة المنصورة الناجية .
بالأمس القريب " هاجت " خفافيش أدعياء السلفية ( من سرورية و قطبية و غيرها ) تريد إرساء منهج الموازنات كخطة مضادة لعلم الجرح و النقد ؛ دفاعاً عن محدثاتهم و بدعهم ، و استمراراً لتلبيساتهم و كيدهم ، و تجذيراً لزمرتهم و حزبهم .
و اليوم ظهر "تيارٌ أو حزبٌ أو مذهبٌ " جديد يرفع شعار العدل ، و الانصاف ، و التريث يتخذ من " التوقف " منهجاً يتحرك به و له، و رايةً يُكَـتِّل و يجمِّع الشباب حولها ؛ مُلقِناً إياهم علماً ما عَرفه الأوائل ، و لا سمع به السلفنا الصالح.
زمرة لا تقبل جرحاً أو نقداً في بعض " الرموز " ، و تعنِّف من نقل شيئاً من ذلك ، و أكثر من ذلك تطعن في كل من لم يوافقها في "فكرها و اتجاهها " الجديد ؛ هذه هي إذاً : " الوافـفـة " في ثوبها المتجدد المتلون .
لقد أعانوا "حزب الموازنات " على ما لم يقدر عليه ـ سابقاً ـ، و مكَّنوا له في عقر "ديارنا" ، وخدموه خدمةً جليلة لم يكن ينتظرها وما حلم بها من قبل ، فلا حول و لا قوة إلا بالله العظيم ، و إلـــى الله المشتكى .
لقد سمعت واحداً من "رؤوس الواقفة الجدد " ـ عندنا ـ يقول بعد وفاة الإمام الألباني رحمه الله تعالى : من اليوم فصاعداً لا جرح و لا تعديل ، تعليمٌ و تدريسٌ فقط ، إلى أن يبعث الله تعالى للأمة من يجدد لها دينها بعد قرن من الآن ، ثم قال : يومها يعود علم الجرح و التعديل (أو كما قال).
نعم ، لقد تغلغلت في قلوبهم شبه (السرورية و المتحزبة وأصحاب الموازنات ويحسبون أو يظنون أن عورتهم غير مكشوفة ، بل ـ كما ترى أيها القرئ المحترمـ هم الآن في خندق واحد ، و جنباً إلى جنب مع أعداء الأمس ، وخصوم البارحة ، فانظر ماذا يفعل التمييع بأهله ؟؟
لقد زهَّدوا الشباب في حمل سلاحهم الفتَّاك : الجرح و التعديل ، و بثُّوا فيهم التخذيل و التثبيط و التخويف ، و ذهبوا إلى القرآن الكريم و الأحاديث النبوية ، و إلى أقول السلف و قواعدهم "فعجنوها " و أخرجوا لنا عجائنهم في قوالب محدثة ، و قواعد مبتدعة تنصر ما هم عليه ، و تزكي منهجهم ـ الضال ـ المتجدد ، لقد شابهوا المبتدعة حينما اعتقوا ثم استدلوا ، فسبحان الله.
قال الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله تعالى :"فمن انتقد مبتدعاً ، أو كتاباً فيه بدع ، أو جرح من يستحق الجرح ، و قدح فيمن يستحق القدح ؛ من راوٍ ، و شاهد زور ، و ظالم ، و فاسق معلنٍ فسقه ؛ فليس بظالم ، لأنه وضع الأمور في نصابها و مواضعها.
و الظالم المعتدي من يتصدى للطعن فيه ، و التأليب عليه ، و هو في الواقع الذي يضع الشيء في غير موضعه ، حيث يزكّي المجروحين الدعاة إلى أبواب الجحيم ، و يطعن في الناصحين للمسلمين ، الداعين إلى سلوك الصراط المستقيم ، و أتباع السلف الصالحين "(1).
و أظهر دليل على بطلان منهج التمييع الذي أعاده إلى الحياة "زمرة الواقفة " من جديد ، ما يلي:
أولاً : إنه مصادمٌ لقول النبي صلى الله عليه و سلم ، الذي أخرجه البخاري عن عمران بن حصين :" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين .." و التمييع و التوقف يطمسان الحق و يحجبانه عن الباحثين عنه .
و أهل التمييع و التوقف ليسوا "على الحق ظاهرين " ، بل هم في شك و ريب ،و للحق ساترين ؛ و إلا لماذا اختروا التميع و التوقف ؟.
ثانياً : إن علماء السلف لم يُـعرف عنهم تميِّيعاً و لا له دارسين أو مدرسين ، و لا لقواعده مقعدين ، و لا لمبادئه مؤصلين ، بل وجدناهم لمن جعل " التوقف " له منهجاً محذرين نابذين طاعنين . ( فأين إتباع سبيل المؤمنين يا هؤلاء ؟؟)
ثالثاً : إنه مضادٌ للعقل و الفطرة ، معارضٌ للعدل و الانصاف ، مناقضٌ للعلم و الورع
"تَحْسَـبُهُمْ جَمِيعاً و قُلُوبُهُم شَتَّى" ، و فيه مشابهة لليهود.
رابعاً : و هو صريح في مخالفتنا لأمر الله لنا بالتعاون على البر و التقوى ، "المؤمن للمؤمن كاليد تغسل إحاهما الأخرى و قد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة ؛ لكن ذلك يوجب من النظافة و النعومة ، ما نحمد معه ذلك التخشين "(2)
و أخيراً : فيه معاونة و مظاهرة لأهل البدع و الأهواء ، و تكثيرٌ لسوادهم على حساب ظهور الحق و صفاء منهج أهل السنة السنية .
الحق شمس و العيون نواظر *** لكنها تخفى على العميان
قال الشاطبي رحمه الله : "حين تكون الفِرقة تدعو إلى ضلالتها ، و تزيّنها في قلوب العوام ، و مَن لا علم عنده ؛ فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس ، و هم من شياطين الانس ؛ فلابد من التصريح ( انتبه إلى هذه الكلمة يرعاك الله ) فلابد من التصريح [لا التمييع و التوقف ] فلابد من التصريح بأنهم من أهل البدع و الضلالة ، و نسبتهم إلى الفِرق إذا قامت الشهود على أنهم منهم .
فمثل هؤلاء لابد من ذكرهم ، و التشريد بهم ؛ لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم و التنفير منهم ؛ إذا كان سبب ترك التعيين و الخوف من التفرق و العداوة.
و لا شك أن التَّفرق بين المسلمين و بين الداعين إلى البدعة وحدهم ـ إذا أقيم عليهم ـ أسهل من التفرق بين المسلمين و بين الداعين ، و من شايعهم و اتبعهم.
و إذا تعارض الضرران فالمرتكب أخفهما و أسهلهما ، و بعض الشر أهون من جميعه ، كقطع اليد المتآكلة ؛ إتلافها أسهل من إتلاف النفس.
و هذا حكم الشرع أبداً : يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل "(2).
و الحمد لله الذي جعل الجماعة ممدوحة ، و الفرقة مذمومة ، ورحم الله القاضي عياض القائل :" عليك بسنن الهدى لا يضرك قلة السالكين و إياك و طرق الضلالة و لا تغتر بكثرة بككثرة الهالكين ".
و حفظ الله الشيخ ربيع المدخلي القائل:" ويعيش نقاد أهل السنة في كل زمان و مكان للأفكار المصنوعة ، و المنهاهج الضالة ، و العقائد الباطلة ، و يقفون لها بالمرصاد ، حماية لدين الله ، و تأسياً بأسلافهم المجاهدين ".(3)
"و إذا كانت الأشباح التي تحمل نفوساً محشوة بمرض الشبهة و ما تلقيه بين يدي الأمة من أمراض متنوعة : هي أسوأ داء ينزل في ساحة المسلمين ، و يتجول بينهم ، و يدمر طلائعهم ؛ فإن المسلم الموحد ، ليصاب بأذى مضاعف من المقرَّنين بالتخذيل ، إذا خفقت في الصف ريحهم ، فما أن يقبض عالم قبضةً من الهداية ليرمي بها بدعة و عماية ، إلاَّ و ترى في الصف نزراً رغبت بطونهم ، ملتفين بالتخذيل ، و التحطيم ، صبرة بلا كيل و لا وزن ، فيبسطون ألسنتهم بالنقد حيناً ، و الاستعداء أحياناً ، و ينزلون أنفسهم في "روزنة" ، يفيضون منها : الحكمة و التعقل ، و الذكاء الخارق في أبعاد الأمور ، و هكذا من أمور ما إن تفور إلا و تغور ؟
و هم في الحقيقة : المخذَّلون ، المنزوون عن الواقع ، الفرَّارون من المواجهة ..و البصراء يعرفون ، أن المخذِّل ، قد لا يقصد التخذيل ، و إنما يرمي إلى الاعتذار لنفسه ، عن القيام بهذا الواجب ، و حجب تقصيره عن العذل و الملام
.. و الذين يلوون ألسنتهم باستنكار نقد الباطل و أن كان في بعضهم صلاح و خير ، لكنه الوهن و ضعف العزائم حيناً ، و ضعف إدراك مدارك الحق و مناهج الصواب أحياناً ، بل في حقيقته من " التولي يوم الزحف" عن " مواقع الحراسة" لدين الله و الذب عنه ، و حينئذ يكون الساكت عنكلمة الحق كالناطق بالباطل في "الإثم " قال أبو علي الدقاق :" الساكت عن الحق شيطان أخرس و المتكلم بالباطل شيطان ناطق".
و النبي صلى الله عليه و سلم يخبر بافتراق هذه الأمة إلى ثلاث و سبعين فرقة ، و النجاة منها لفرقة واحدة على منهاج النبوة ، أيريد هؤلاء اختصار الأمة إلى فرقة و جماعة واحدة مع قيام التمايز العقدي المضطرب ؟؟"
قال تعالى :" و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتَّبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولَّـى و نصله جهنم و ساءت مصيراً "(النساء:115)
و ختما لهذا المقال أقول:
لـكـل زمـان مضى آية *** و آية هذا الزمان [التمييعُ]
أسأل الله أن يثبتنا على المحجة البيضاء ـ آمين ـ
حــاشية :
1- المحجة البيضاء (ص11).
2- مجموع الفتاوى (28/53).
3- الاعتصام 2/228-229 بواسطة المحجة البيضاء.
4 - المحجة البيضاء (هامش ص 50).
5- الرد على المخالف (ص 70-74)
###########
التعديل الأخير تم بواسطة مراقب ; 27 Mar 2010 الساعة 09:39 PM
|