منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03 May 2008, 09:29 AM
ابو ياسر عبد القادر بن كلتوم ابو ياسر عبد القادر بن كلتوم غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
المشاركات: 27
افتراضي تسلية صالحي الفقراء بم لهم من الفضل على أصحاب الثراء

الشيخ يحي بن علي الحجوري

تسلية صالحي الفقراء
بما لهم من الفضل على أصحاب الثراء









المقدمة
الحمدلله القائل: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ [النساء:135]، والقائل: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:273].
والقائل: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل:75].
والصلاة والسلام على محمد عبد الله ورسوله القائل: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا»( ).
ثم أما بعد فإن مسألة: المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر، مسألة توسع الخلاف فيها جدًا كما قال العيني في عمدة القارئ (23/55) حيث قال: وأما الخلاف في أن الفقير الصابر أفضل أو الغني الشاكر فهو مشهور قد تكلمت فيه جماعة كثيرون.
وقد أفردت هذه المسألة بمؤلفات عديدة قال الألوسي في روح المعاني (3/360) ويَنْجَرُ الكلام إلى مسألة تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر، وهي مسألة طويلة الذيل، قد ألّفت فيها الرسائل.
قلت: وممن ألف فيها عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله التميمي أبو منصور بن أبي عبد الله الفقيه الشافعي صاحب كتاب الفرق بين الفرق، له مؤلف بعنوان: تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر، ذكره الصفدي في الوافي بالوفيات (19/33)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/377).
وألف شيخ الإسلام ابن تيمية رسالة بعنوان: المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر كما في الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون، والظاهر أنها طبعت ضمن مجموع الفتاوى كما سترى النقل منها في هذه الرسالة إن شاء الله.
وألّف ابن حبان رسالة بعنوان الفضل بين الغنى والفقر، كما قال ذلك في كتابه روضة العقلاء (ص:201) قال: ولقد ذكرت هذه المسألة بتمامها بالعلل والحكايات في كتاب الفضل بين الغنى والفقر، بما أرجوا الغنية فيها لمن أراد الوقوف على معرفتها.
وألّف في هذا الباب: محمد بن أبي الحسن البكري رسالة بعنوان: شرف الفقراء وبيان أنهم الأمراء ذكر هذا حاجي خليفة في كشف الظنون (4/34).
وألّف أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الكلاباذي، رسالة بعنوان: شرف الفقر على الغنى ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (2/75).
وألف ابن المنذر رسالة بعنوان تشريف الغني على الفقير.
وألف أبو سعيد ابن الأعرابي ردًا على ابن المنذر بعنوان تشريف الفقير على الغني ذكر هذين الكتابين ابن حجر في لسان الميزان (5/28).
وألف عبد الله بن أحمد بن ربيعة بن زبر القاضي رسالة في ذلك، ذكر ذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق وابن حجر في لسان الميزان قال: وله تصانيف منها تشريف الفقر على الغنى.
وعقد أهل العلم فصولًا في كتبهم للمحاكمة بين أصحاب القولين، كما صنع ابن القيم في كتابه عدة الصابرين في فصل الحكم بين الفريقين، والفصل بين الطائفتين -أي بين الصابرين، والشاكرين-، خلص في نهايته بما سيأتي
وعقد ابن مفلح في الآداب الشرعية (4/142) فصلًا في المفاضلة بين الفقير الصابر والغني الشاكر.
ولا نعلم من تلك الرسائل المذكورة في هذه المسألة رسالة مطبوعة؛ يستفاد منها الصحيح في القول بأدلته -غير ما سبق الإشارة إليه عن رسالة شيخ لإسلام- الأمر الذي يجعل لهذه الرسالة التي بين يديك والتي هي عبارة عن إحدى الدرر التي تلتقط من دروس شيخنا وولدنا فضيلة الشيخ يحيى بن علي الحجوري -حفظه الله ومتعنا بصحته وعلمه- أهمية عظيمة إذ هي أحد الأسئلة التي يوجهها طلاب الشيخ للشيخ حفظه الله في دروسه، وكان هذا السؤال في درس بعد صلاة العصر فأجاب بما يُغني عن التطويل، وعن تكثير الأوراق فيها؛ مما يدلك على ما آتاه الله من طول باع، وقوة استحضار، وكما يلاحظ هذا في خطبه ودروسه وفتاواه من سوق الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف والترجيح بما يراه صوابًا، و﴿ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الجمعة:4].
هذا وإني لأشكر الأخ الفاضل: ثابت بن هود الحضرمي -حفظه الله- وإخوانه الحريصين على تسجيل مثل هذه العلوم النافعة، وقد فرغ هذه المادة من أصل الشريط، بعض طلاب الشيخ الأفاضل، فقمت بالعناية بها وتخريج أحاديثها في الحاشية؛ ثم قرأها الشيخ وأضاف إليها بعض ما هو من بابها من الأدلة والأقوال نسأل الله أن ينفع بها.
كتبه: أبو مصعب حسين بن أحمد بن علي الحجوري
بتاريخ ‏27‏/02‏/1428هـ
وإلى الفتوى:

فتوى بعنوان
تسلية صالحي الفقراء بما لهم من الفضل على أصحاب الثراء
سئل شيخنا يحيى بن علي الحجوري -وفقه الله- أيهما أفضل الغني الشاكر أم الفقير الصابر ؟
فأجاب -أثابه الله-: كل واحد منهما له فضل يدل أنه صابر شاكر؛ فالفقير الصابر عنده شكر على ما يسره الله له، وصبر على ما قدره الله عليه، والغني الشاكر عنده صبر على أداء الواجبات، وإخراج الزكوات، وتحري وضع الصدقات في أيدي مستحقيها، وشكر على نعمة الله.
والغني الشاكر يبذل أمواله في الحج، والعمرة، و في إكرام الضيف، وصلة الأرحام، وإبلاغ ابن السبيل، والصدقة، وإعانة المستحقين.
والفقير الصبور: يدخل الجنة قبل الغني الشكور؛ لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة عام» ( ).
وفي الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «اطلعت إلى الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء» ( ).
وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء» ( )
وثبت عند الترمذي من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة؛ من الخصاصة، وهم أصحاب الصفة حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين، أو مجانون، فإذا صلى رسول الله ﷺ انصرف إليهم فقال: «لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة» ( ).
وأخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه» ( ).
وصح عند الترمذي من حديث فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع» ( ).
وأخرج مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله ﷺ قال: «... وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال...» ( )
ومن هنا فضل بعض أهل العلم الفقير الصبور، حتى قال بعضهم: عن الأعمش: ثكلت الأعمش إن قارنته بالزهري، الأعمش فقير صبور، و الزهري يدخل على ملوك بني أمية ( )، هذا هو منظار أئمة الدين، أما منظار أصحاب المنهج القاروني: فالغني عندهم سواء كان شكورًا أو كفورًا هو المقدم، وهذا منبعث عن الهوى و الجهل وحب الدنيا، وليس منبعثا عن العدل والإنصاف و الزهد.
والصبر على الفقر أشد من الصبر على إخراج المال؛ الغني ممكن أن يتحرى ويحتسب الأجر ويخرج الصدقة بغير مشقة عليه، لكن الفقير: قد لا يستطيع إكرام ضيفه وهذا يؤلمه، ويجد من الألم على ما لا يصل به أرحامه وأسرته؛ وهذا يؤلمه، ويجد من الألم على عدم كفاية أهله وأولاده، ويجد من الألم مما يجعله مكبلاً؛ لا يستطيع الحج والعمرة، ولا يتحرك يمينًا ولا يسارًا في بعض أموه ومهامه, ويجد من الألم من تحقير أصحاب الدنيا والذين لا يعبئون بشأن الفقراء ولو كانوا صالحين، وآلام كثيرة قد تحصل فى نفسه وهو صابر عليها، ومعتز بعزة الله التي أعطاه الله وأكرمه الله بها.
وقد قال النبي ﷺ لعائشة: «أجرك على قدر نصبك»( ).
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم؛ حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»( ).
فمن هذا الجانب يفضل الفقير الصبور الزاهد عما في أيدي الناس، على الغني الشكور.
وأيضًا الله يقول :﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾[العلق:6 -7] فالغنى مفتاح الطغيان.
والحي لا تؤمن عليه الفتنة لحديث: كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال» أخرجه الترمذي وهو حديث صحيح ( ).
والله عز وجل يقول: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ﴾[سبأ: 37].
وما كان ذريعة إلى شر؛ فإن الشر يتوقع منه، ولهذا ثبت عند أحمد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ما أخشى عليكم الفقر، ولكن أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ، ولكن أخشى عليكم العمد» ( )، وحديث إنما ورثت هذا كابر عن كابر»متفق عليه ( ).
والفقر أيضا عبارة عن تأديب للعبد، قال الله: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِير﴾ٌ[الشورى:27]، فقد يعلم الله من هذا الإنسان أنه يستحق التأديب بالفقر فيؤدبه به، أو أنه يستحق رفع درجاته بالفقر فيعز به؛ بحيث أنه يرفع له الدرجات؛ لما ثبت أن النبي ﷺ قال: «إن الرجل لتكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها»( ).
والفقر خفة، والغناء ثقل، الفقير خفيف، ما هو مثقل بأعباء وأتعاب وأمور يسأل عنها يوم القيامة لما ثبت من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: اثنتان يكرههما بن آدم وهما خير له: الموت؛ والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال؛ وقلة المال أقل للحساب» ( ).
وثبت حديث معاذ بما له من المتابعة و الشواهد أن النبي ﷺ قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: ومنها: عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟»( ).
وصح في مسند أحمد من حديث أبي أمامة قال: توفى رجل فوجدوا في مئزره دينارًا أو دينارين، فقال رسول الله ﷺ: «كية أو كيتان»( )،
فالسؤال على الغني أثقل وأشد منه على الفقير.
ثم إن الفقر هو الذي اختاره الله لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام، فقد ثبت من حديث أبي الدرداء أن النبي ﷺ قال: «إن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»( ).
وثبت في صحيح البخاري ومسلم ن حديث أنس بن مال رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة»( ).
وثبت في صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال: «لقد رأيت رسول الله ﷺ يظل اليوم يلتوى ما يجد دقلا يملأ به بطنه»( ).
وأخرج البخاري من حديث جويرة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: ما ترك رسول الله ﷺ عند موته درهما ولا دينارا، ولا عبدا ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة( ).
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى ما يدل أن النبي ﷺ اختار هذا الحال، وأنه قال: «اللهم ارزق آل محمد قوتا»( ).
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير( ).
وأخرج أبو داود عن عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً مؤذن رسول الله ﷺ بحلب فقلت: يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله ﷺ؟ قال: ما كان له شيء كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فاستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت، فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار، فلما أن رآني قال: يا حبشي قلت: يا لباه فتجهمني وقال لي قولاً غليظاً وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قال: قلت: قريب قال: إنما بينك وبينه أربع فآخذك بالذي عليك فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله ﷺ إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني، ولا عندي، وهو فاضحي فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله ﷺ ما يقضي عني، فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي، حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق، فإذا إنسان يسعى يدعو يا بلال أجب رسول الله ﷺ فانطلقت، حتى أتيته فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن، فاستأذنت فقال لي رسول الله ﷺ: «أبشر فقد جاءك الله بقضائك» ثم قال: «ألم تر الركائب المناخات الأربع؟» فقلت: بلى فقال: «إن لك رقابهن وما عليهن، فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إلي عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك» ففعلت فذكر الحديث ثم انطلقت إلى المسجد، فإذا رسول الله ﷺ قاعد في المسجد فسلمت عليه فقال: «ما فعل ما قبلك؟» قلت: قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله ﷺ فلم يبق شيء، قال: «أفضل شيء؟» قلت: نعم، قال: «انظر أن تريحني منه، فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه» فلما صلى رسول الله ﷺ العتمة دعاني فقال: «ما فعل الذي قبلك؟» قال: قلت هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله ﷺ في المسجد، وقص الحديث، حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد دعاني قال: «ما فعل الذي قبلك؟» قال: قلت قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثم اتبعته حتى إذا جاء أزواجه فسلم على امرأة، امرأة حتى أتى مبيته فهذا الذي سألتني عنه( ).
وثبت عند أحمد عن أنس رضي الله عنه قال أتت الأنصار النبي ﷺ بجماعتهم فقالوا: إلى متى ننزع من هذه الآبار؟ فلو أتينا رسول الله ﷺ فدعا الله لنا ففجر لنا من هذه الجبال عيونا، فجاؤوا بجماعتهم إلى النبي ﷺ فلما رآهم قال: «مرحبا وأهلا، لقد جاء بكم إلينا حاجة» قالوا: أي والله يا رسول الله، فقال: «إنكم لن تسألوني اليوم شيئا إلا أوتيتموه، ولا أسأل الله شيئا إلا أعطانيه» فأقبل بعضهم على بعض فقالوا: الدنيا تريدون؟ فاطلبوا الآخرة، فقالوا بجماعتهم: يا رسول الله أدع الله لنا أن يغفر لنا، فقال: «اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار» قالوا: يا رسول الله وأولادنا من غيرنا، قال: وأولاد الأنصار، قالوا: يا رسول الله وموالينا قال وموالي الأنصار»( ).
وقد كان رسول الله ﷺ يأتيه الضيف وهو مجهود، ما يجد ما يكرمه به، فيقول من يضيف ضيف رسول الله ﷺ( ).
وثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: دخلت على رسول الله ﷺ وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظاً مصبوباً، وعند رأسه أهب معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: «ما يبكيك؟» فقلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله، - فقام رسو ل الله ﷺ مبينا لهذا القول - فقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة»»( ) وهذا من الأدلة على فضل الفقر.
وقال الله :﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب:28-29] الله قد أعد لهن الأجر العظيم على صبرهن على الفقر، وخيرهن رسول الله ﷺ ولم يقل أعطهن، بل خيرهن وبقين على الصبر على ذلك الحال.
وبعض المنافقين وبعض المشركين يمتلك من المال والبيوت ما يسعه ويسع أهله وغيرهم، ورسول الله ﷺ كانت له مشربة إذا مد رجله وصلت إلى طرفها الآخر، حتى أنه كان يصلي وعائشة معترضة أمامه فإذا سجد غمزها لتكف رجلها عن موضع سجوده( ).
فما اختار الله لنبيه هذا الشأن إلا لفضله، هذا من الأدلة على فضل الفقر لمن كان صابراً عليه، راضيا، طائعا، صالحا، عابدا، زاهدا؛ هذا في حقه فضيلة عظيمة، ورب العالمين يجبر المنكسرين، فقد ثبت أن النبي ﷺ أمر عمر أن يطلب الدعاء من أويس القرني الفقير المسكين( )،
وثبت أنه قال: رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره( )، من أين جاءه الشعث؟، ومن أين جاءه الغبر؟، والثياب المقطعة إلا من الفقر، هذا من أسباب استجابة دعائه وأنه لو أقسم على الله لأبره.
ثم اعلموا أن الفقر قد يقبل بقلب الإنسان على التواضع، فترى المتواضعين غالبهم الفقراء عندهم التواضع والسكينة، وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «احتجت النار والجنة، فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين، فقال الله عز وجل لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها»( ). إذا فالفقراء هم محط رحمة رب العالمين.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «.. وكانت امرأة ترضع ابنًا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه فقال: اللهم لا تجعلنى مثله ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع -قال فكأني أنظر إلى رسول الله ﷺ وهو يحكى ارتضاعه بإصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها- قال: ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها فقال: اللهم اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث فقالت حلقي مر رجل حسن الهيئة فقلت: اللهم اجعل ابني مثله فقلت: اللهم لا تجعلنى مثله! ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت: اللهم اجعلني مثلها! قال: إن ذاك الرجل كان جبارًا فقلت: اللهم لا تجعلنى مثله، وإن هذه يقولون لها: زنيت ولم تزن، وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها»( ) وهذا الصبي أنطقه الله، لبيان فضل الفقير المسكين الصابر الراضي الطائع لله عز وجل.
وقال النبي ﷺ: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم»( )،
وقال البخاري رحمه الله: باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، وقال بن عباس: أخبرني أبو سفيان قال لي قيصر: وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فزعمت ضعفاءهم وهم أتباع الرسل( ).
وهذا دليل على فضل الضعفاء والمساكين الصالحين؛ وأنهم من أسباب رزق العباد ونصرهم، وأن الأغنياء والملوك والرؤساء لا ينصرون إلا بهذا الصنف، فالفقراء مادة نصرهم وعزهم.
وذم الله عز وجل الذي لا يحض على طعام المسكين قال الله تعالى:﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾[الماعون :1-3] وإنما لفت الأنظار إلى المسكين لكرامته على الله عز وجل.
وكانت في المسجد مسكينة تقم المسجد، فلما أخبر النبي ﷺ أنها ماتت من الليل، قال: «ألا آذنتموني عليها؟» وصلى على قبرها إكراما لها( ).
وحرج النبي ﷺ حق الضعيفين فقال: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: المرأة واليتيم»( ).
وأخبر أن الفقير الصابر العفيف يعتبر غنيا حقًا، قال ﷺ: «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس»( ).
وأخبر أن الله يحبه قال النبي ﷺ: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي»( ).
وما صح في مسلم عن ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى»( ) فالمقصود به الغنى القلبي، والعفاف عما في أيدي الناس.
هذا النموذج من الأدلة والقرائن الدالة على فضل الفقير العفيف الصالح الصابر على حاله وفقره وثباته ودينه كافية فى تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر. والحمد لله.
إضافة إلى الفتوى من كلام أهل العلم.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
 فقال بعضهم لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى، كما هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في مجموع الفتاوى (11/119) قد تنازع كثير من متأخري المسلمين في (الغنى الشاكر والفقير الصابر) أيهما أفضل؟ فرجح هذا طائفة من العلماء والعباد، ورجح هذا طائفة من العلماء والعباد، وقد حكي في ذلك عن الإمام أحمد روايتان، وأما الصحابة والتابعون فلم ينقل عنهم تفضيل أحد الصنفين على الآخر، وقال طائفة ثالثة: ليس لأحدهما على الآخر فضيلة إلا بالتقوى، فأيهما كان أعظم إيمانا وتقوى كان أفضل، وان استويا في ذلك استويا في الفضيلة وهذا أصح الأقوال؛ لأن الكتاب والسنة إنما تفضل بالإيمان والتقوى، وقد قال الله تعالى ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾[النساء:135].

* وقال رحمه الله (11/122) قال: قد كثر تنازع الناس أيهما أفضل (الفقير الصابر، أو الغنى الشاكر) وأكثر كلامهم فيها مشوب بنوع من الهوى، أو بنوع من قلة المعرفة، والنزاع فيها بين الفقهاء والصوفية والعامة والرؤساء وغيرهم، وقد ذكر القاضي أبو الحسين بن القاضي أبى يعلى في كتاب التمام لكتاب الروايتين والوجهين لأبيه فيها عن أحمد روايتين.
أحداهما: إن الفقير الصابر أفضل، وذكر انه اختار هذه الرواية أبو إسحاق بن شاقلا ووالده القاضي ابو يعلى ونصرها هو.
والثانية: أن الغنى الشاكر أفضل اختاره جماعة منهم ابن قتيبة.
والقول الأول: يميل إليه كثير من أهل المعرفة والفقه والصلاح من الصوفية والفقراء، ويحكى هذا القول عن الجنيد وغيره، و القول الثاني: يرجحه طائفة منهم كأبى العباس بن عطاء وغيره وربما حكى بعض الناس في ذلك إجماعا وهو غلط.
وفى المسألة قول ثالث وهو الصواب، أنه ليس هذا أفضل من هذا مطلقاً، ولا هذا أفضل من هذا مطلقاً، بل أفضلهما أتقاهما كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾[الحجرات:13]. وقال عمر بن الخطاب: (الغنى والفقر مطيتان لا أبالى أيتهما ركبت)( ) وقد قال تعالى: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾[النساء:135]. وهذا القول اختيار طائفة منهم الشيخ بن حفص السهروردى وقد يكون هذا أفضل لقوم وفى بعض الأحوال، وهذا أفضل لقوم وفى بعض الأحوال، فان استويا في سبب الكرامة استويا في الدرجة، وإن فضل أحدهما الآخر في سببها ترجح عليه هذا هو الحكم العام اهـ.
* وأقام ابن القيم رحمه الله محكمة بين القولين في عد الصابرين، وخلص (ص:255) بما خلص به شيخه فقال: والتحقيق أن يقال: أفضلهما أتقاهما لله تعالى، فإن فرض استوائهما في التقوى استويا في الفضل، فإن الله سبحانه لم يفضل بالفقر والغنى كما لم يفضل بالعافية والبلاء، وإنما فضل بالتقوى كما قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾[الحجرات:13]، وقد قال ﷺ: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا فضل لعجمي على عربي؛ إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب»( ) والتقوى مبنية على أصلين الصبر والشكر، وكل من الغنى والفقير لا بد له منهما، فمن كان صبره وشكره أتم كان أفضل.
فان قيل: فإذا كان صبر الفقير أتم وشكر الغنى أتم فأيهما أفضل قيل: أتقاهما لله في وظيفته، ومقتضى حاله، ولا يصح التفضيل بغير هذا البتة فان الغنى قد يكون أتقى لله في شكره من الفقير في صبره، وقد يكون الفقير أتقى لله في صبره من الغنى في شكره، فلا يصح أن يقال: هذا بغناه أفضل، ولا هذا بفقره أفضل، ولا يصح أن يقال: هذا بالشكر أفضل من هذا بالصبر ولا بالعكس؛ لأنهما مطيتان للإيمان لا بد منهما، بل الواجب أن يقال: أقومهما بالواجب والمندوب هو الأفضل؛ فان التفضيل تابع لهذين الأمرين كما قال تعالى في الأثر الإلهي: «ما تقرب إلي عبدي بمثل مداومة ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»( ) فأي الرجلين كان أقوم بالواجبات وأكثر نوافل كان أفضل اهـ.
* وقال الحافظ في الفتح (11/274): وأحسن ما رأيت في هذا قول أحمد بن نصر الداودي الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عبادة في الشكر والصبر كما قال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾[الكهف:7]، وقال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾[الأنبياء:35].
* وممن قال بهذا القول القرطبي في التفسير (15/216) حيث قال: وبهذا الاعتبار يكون الغني الشاكر والفقير الصابر سواء.
 القول الثاني: قول من رجح الغنى قال الحافظ في الفتح (11/275): وصرح كثير من الشافعية بأن الغني الشاكر أفضل اهـ.
* وبه قال مطرف بن عبد الله حيث قال: لأن أعافى فأشكر، أحب إلي من أن أبتلى فأصبر( ).
* وابن دقيق العيد كما في الفتح لابن حجر بالرقم السابق قال: وقد تقدم كلام بن دقيق العيد في الكلام على حديث أهل الدثور قبيل كتاب الجمعة، ومحصل كلامه: أن الحديث يدل على تفضيل الغنى على الفقر؛ لما تضمنه من زيادة الثواب بالقرب المالية.
* وممن قال بهذا القول: أبو علي الدقاق كما في الفتح بالرقم السابق قال: وأما قول أبي علي الدقاق شيخ أبي القاسم القشيري: الغني أفضل من الفقير؛ لأن الغنى صفة الخالق، والفقر صفة المخلوق وصفة الحق أفضل من صفة الخلق فقد استحسنه جماعة من الكبار وفيه نظر.
* وقد جنح إليه الحافظ في الفتح (6/421): حيث قال: وفيه فضل الغني الشاكر، وسيأتي بقية مباحث هذه الخصلة الأخيرة في الرقاق.
* والذي عليه الحافظ ابن حجر في كتاب الرقاق من الفتح مثل قول شيخ الإسلام حيث قال: وأحسن ما رأيت في هذا وذكر قول أحمد بن نصر المتقدم.
* وبه قال: الكرماني كما في مرقاة المفاتيح (3/38) قال: وفيه أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر كذا أفاده العلامة الكرماني في شرحه للبخاري.
* والطيبي كما في مرقاة المفاتيح (3/39)حيث قال: قال الطيبي: إشارة ٌ إلى أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر، نعم لا يخلو الغني من أنواعٍ من الخطر والفقير الصابر آمن اهـ.
* وبه قال الطبري كما الفتح (11/286) حيث قال: وبين بعض من فضل الغني على الفقير كالطبري: جهته بطريق أخرى فقال: لا شك أن محنة الصابر أشد من محنة الشاكر، غير أني أقول: كما قال مطرف بن عبد الله: لأن أعافى فأشكر، أحب إلي من أن ابتلى فأصبر( ).
وقال بهذا القول العيني في عمدة القاري (8/297): حيث قال: وفيه الغني الشاكر أفضل من الفقير.
والمناوي في فيض القدير (4/16): حيث قال: فالشاكر الذي تكامل شكره أعظم أجرًا من الصابر؛ فإن أول مقامه أنه صبر عن الطغيان بالنعمة ثم شكر المنعم برؤيتها منه وشكر النعمة حيث لم يستعن بها على معصية، والصائم الصابر له مجرد الصبر، وهذا من أقوى حجج من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر.
 وأكثر أهل العلم على أن الفقير الصابر أفضل، وهو الصحيح الذي تؤيده الأدلة المذكورة في هذه الرسالة.
* قال القاري في مرقاة المفاتيح (9/359): وذهب العلماء أكثرهم إلى أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
* وقال في: (3/39): وهذا يدل على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر.
* وقال في (4/305): وفي هذا مبالغة عظيمة ودلالة جسيمة على أفضلية الفقير الصابر على الغني الشاكر.
* وقال في (4/339): وحاصله: أن أبا ذر كان قائلاً بأن الفقير الصابر أفضل على ما عليه الجمهور، خلافاً لمن قال: أن الغني الشاكر هو الأفضل.
* وقال في (5/79): وهذا الحديث نص على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر.
* وقال في (9/433): إن لم يكن دليل آخر غير هذا الحديث الشريف لكفى حجة واضحة وبينة لائحة على أن الفقير الصابر خير من الغني الشاكر.
* وممن قال بهذا القول الإمام أحمد كما في الآداب الشرعية (2/107): قال: قال المروذي قال أبو عبد الله كأنك بالموت وقد فرق بيننا أنا لا أعدل بالفقر شيئاً أنا أفرح إذا لم يكن عندي شيء.
* وقال: (2/367): وقال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول ما أعدل بفضل الفقر شيئا أتدري إذا سألك أهلك حاجة لا تقدر عليها أي شيء لك من الأجر ما قل من الدنيا كان أقل للحساب.
* وقال: في لمصدر السابق وقال أيضا عن أحمد: ما أعدل بالصبر على الفقر شيئاً كم بين من يعطى من الدنيا ليفتتن إلى آخر تزوى عنه.
* قلت: وقد جاء رواية أخرى عن الإمام أحمد كما ذكر ابن تيمية وابن القيم وغيره، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (4/142): هما روايتان عن الإمام أحمد وذكر القاضي أبو الحسين أن أصحهما أن الفقير الصابر أفضل.
* وممن قال بهذا القول ابن الجوزي كما في الآداب الشرعية (4/143): قال: قال ابن الجوزي: وأما التفضيل بين الغني والفقير فظاهر النقل يدل على تفضيل الفقير، ولكن لابد من تفصيل.
إلى أن قال: وإن أخذت بالأكثر: فالفقير عن الخطر أبعد؛ لأن فتنة الغنى أشد من فتنة الفقر وانظر الفتح (11/275).
* وقال بهذا: عبد الله بن مرزوق كما في الفتح (11/276): قال: قال وإذا كان الأمر كذلك فالأفضل ما اختاره النبي ﷺ وجمهور أصحابه؛ من التقلل في الدنيا، والبعد عن زهراتها.
* وبه قال الماوردي كما في الآداب الشرعية (4/144): قال: قال القرطبي: ذهب قوم إلى تفضيل الغني؛ لأن الغني مقتدر، والفقير عاجز، والقدرة أفضل من العجز، قال الماوردي: وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة، وذهب آخرون إلى تفضيل الفقير لأن الفقير تارك، والغني ملابس، وترك الدنيا أفضل من ملابستها، قال الماوردي: وهذا مذهب من غلب عليه حب السلامة.
* وبه قال: بن هبيرة الوزير الحنبلي كما في الآداب لابن مفلح بالرقم السابق قال: قال ابن هبيرة الوزير الحنبلي: لو لم يكن في الفقر إلاَّ انه باب رضا الله، ولو لم يكن في الغنى إلا أنه باب سخط الله لكفى، لأن الإنسان إذا رأى الفقير رضي عن الله في تقديره، وإذا رأى الغني تسخط بما هو عليه وذلك يكفي في فضل الفقير على الغني.
* وممن قال بهذا القول: السرخسي في المبسوط (14/131): ثم يستدل بظاهر هذا الحديث من يقول بأن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر؛ فإن النبي عليه السلام قدم صفة الغنى لوارثة سعد فقال: «إنك إن تدع عيالك أغنياء»( ) ولكنا نقول قدم صفة الغنى لهم، واختار الفقر لنفسه، والأفضل ما اختاره رسول الله لنفسه، ثم إنما قدم الغني على الفقير الذي يسأل، كما قال من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس أي يلحون في السؤال، ونحن إنما نقدم الفقير الصابر، دون الذي يسأل كما وصفهم الله بقوله تعالى: ﴿يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا﴾ وهذا لأن الفقر مع الصبر أسلم للمرء وأزين للمؤمن.
* وممن قال بهذا القول محمد الشيباني في الكسب (56) قال: فاتضح بما قررنا أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر وفي كل خير.
* وممن قال بهذا القول محمد بن أبي بكر الرازي في تحفة الملوك (474) قال: التفضيل بين الفقير والغني، والفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر، وقيل: العكس والأول عندي أصح.
* وممن قال بهذا: عبد القاهر البغدادي صاحب كتاب الفرق بين الفرق حيث ألف رسالة كما ذكر في المقدمة بعنوان: تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر.
* وممن قال بهذا القول الرازي في التفسير الكبير (14/134) حيث قال: وهذه الآية من أعظم ما يحتج به في بيان أن الفقر خير من الغنى؛ وذلك لأن الاستكبار إنما يتولد من كثرة المال والجاه، والاستضعاف إنما يحصل من قلتهما، فبين تعالى أن كثرة المال والجاه حملهم على التمرد والإباء والإنكار والكفر، وقلة المال والجاه حملهم على الإيمان والتصديق والانقياد وذلك يدل على أن الفقر خير من الغنى.
* وممن قال بهذا القول: شيخنا العلامة الوادعي رحمه الله( ).

فهرس الرسالة
المقدمة 2
نص الفتوى 5
ترجيح الفقير الصابر على الغني الشاكر 17
إضافة إلى الفتوى من كلام أهل العلم. 17
اختلاف العلماء على ثلاثة أقوال: 17
القول الأول لافضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى ومن قال بذلك 17
القول الثاني: قول من رجح الغنى ومن قال بذلك 19
القول الثالث من رجح الفقير ومن قال بذلك 21

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03 May 2008, 08:13 PM
أبو عبد الله علاء الدين معزوزي أبو عبد الله علاء الدين معزوزي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 19
افتراضي

بارك الله فيك أخانا على هذا النقل الطيب
و اسأل الله أن يحفظ شيخنا ووالدنا أبا عبد الرحمن و سائر طلاب دارنا ، دار الحديث السلفية حرسها الله من كل سوء .
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013