منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 08 Jan 2018, 07:13 PM
أبو الحسين عبد الحميد الصفراوي أبو الحسين عبد الحميد الصفراوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 196
افتراضي 1- ضابط سلفي: أسباب تزكية شيخٍ سلفيٍ لشخصٍ منحرف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أول موضوع سأشاركم فيه بإذن الله ضمن الملخص الذي طرحته بين أيديكم سابقا بعنوان (قَوَاعِدُ وَضَوَابِطْ وَمَسَالِكُ وَعِبَارَاتْ مَدْسُوسَةٌ فِي مَنْهَجِ خَيْرِ البَرِيَاتْ وهو على الرابط: http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=22591 ) هو:



1- ضابط سلفي: أسباب تزكية شيخٍ سلفيٍ لشخصٍ منحرفٍ.



معنى هذا الضَّابط:

معنى هذا أنَّ هناك أسبابًا دفعت الشَّيخ السَّلفيَّ لأنْ يُزكيَّ شخصًا منحرفًا ينبغي معرفتها.

الغرض من سوق هذه الأسباب:

- هو التماسٌ المعاذير لعلمائنا الَّذين قد يخفى حال بعض المُنحرفين عنهم لسببٍ من الأسباب؛ خاصَّةً وأنَّه قد عُرف عنهم الذَّبُّ عن الحقِّ والوقوف في جانبه، ومعرفة هذه الأسباب تدفع التُّهمة عنهم وتصون كرامتهم.

- ومن الأهداف أيضًا التَّعريف بمدى مكر أهل البدع والانحراف وشدَّة تلوُّنهم وصعوبة كشف مسالكهم حتَّى على بعض العلماء والأفاضل.

من بين تلك الأسباب:

1. أن يكون العالم يُحسن الظَّنَّ بالشَّخص قبل انحرافه فيستمرُّ على القول بتزكيته ولم يبلغه التَّحذير منه، خصوصًا إن كان العالم بعيدًا عن مكان الحدث.

2. أو أن يتظاهر الشَّخص أمام العالم بمظهر السُّنَّة، فيزكِّيه بناءً على ما يظهر من حاله وهو في الواقع منحرفٌ.

3. أو أن يكون كلُّ وقت العالم مشغولًا فيه بالتَّدريس وليس لديه وقت كافٍ لمتابعة أحوال الأشخاص فيكتفي بما يبلغه عن إخوانه العلماء في هذا الباب.

4. أو أن تخفى على العالم حقيقة مقاصد كلام المُنحرف على وجهها بناءً على إحسانه للظَّنِّ به.

5. أو أن تكون للعالم بطانةٌ سيِّئةٌ تحول دون وصول الحقِّ إليه، أو تزيفه بعد وصوله، وهو يحسن الظَّنَّ بهم.

6. أو أن لا يصحَّ طريق نقل الجرح لديه فيه؛ إمَّا لأنَّ النَّاقل له ضعيفٌ أو مجهولٌ.

7. أو أن يكون العالم قد زكى سابقا هذا المُنحرف وأنه يرى أن لم يصل إلى حدِّ التَّبديع أو التَّحذير وأنَّ الأفضل أن يستمرَّ في مناصحته.

آثار الجهل بتلك الأسباب:

1. يؤدِّي إلى حصول ارتباك وحيرةٍ عند البعض بسبب الجهل بكيفية التَّصرف حيال هذا الواقع.

2. وإلى حصول اختلافات يُخطَّأُ فيها المُصيبُ ويُصوَّبُ فيها المُخطأُ مِمَّا قد يُؤدِّي إلى وقوع التَّهاجر والتَّقاطع بين المُصيبين والمُخطئين[1].

3. وإلى مسالك التَّمييع من الاغترار بالمزكَّى المنحرف والأخذ عنه والوصاية به.

4. وإلى اشتراط الإجماع في الجرح مع أنَّه شرط باطلٌ (وستأتي مناقشته في بحثٍ خاصٍ لاحقًا).

5. أو إلى مسالك الغلو في هذا الباب من تبديع المُزكِّي أو التَّحذير منه أو حتَّى مجرد الطَّعن فيه.

6. وإلى الجهل بمدى وسطيَّة أهل السُّنَّة بين الغلاة والجفاة.

الموقف الصَّحيح اتِّجاه هذه التَّزكية:

فأمَّا أهل السُّنَّة فوسطٌ في هذا الباب كوسطيَّتهم في سائر الأبواب:

- فيردُّون خطأ هذا العالم ولا يجوِّزون متابعته على خطئه، وتسميته خطأً من جهة أنَّ الشَّخص قد ثبت انحرافه، وليس من جهة أنَّ الشَّيخ سلك مسلكًا خاطئًا حين زكَّاه، بل بالعكس فهو قد استعمل قواعدَ سلفيَّة فزكَّاه على حسب ما ظهر له من حاله.

- ويحفظون كرامة المُزكِّي لأنَّه معذورٌ وينصحونه في شأنه.

- ولا يبدِّعونه أو يحذِّرون منه ولا يَلْتمِسُون له أيَّ عذرٍ، كما يفعل الحداديَّة.

- ولا يتَّخذون من زلَّة العالم وخطئه حجَّةً لضرب أدلَّة وأقوال الأئمَّة المُجرِّحين كما يفعل المُميِّعة.

- ولا يقولون أنَّ في هذا اسقاطًا لقول العالم الَّذي زكاَّه أو غضٌّ من منزلته وتنقصٌ له كما يفعل المميعة أيضًا.



· فأهل الحقِّ يدورون مع الحقِّ أينما دار، ولا يُعظِّمون الخلق على حساب الحقِّ، والعبرة بالأدلَّة.



الأدلَّة وكلام الأئمَّة على ما تقدَّم:

- قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة r: " وليس لأحدٍ أن يحتَّج بقول أحدٍ في مسائل النِّزاع وإنَّما الحجَّة النَّص والإجماع ودليلٌ مستنبطٌ من ذلك تُقرَّرُ مقدماته بالأدلَّة الشَّرعيَّة لا بأقوال بعض العلماء، فإنَّ أقوال العلماء يحتجُّ لها بالأدلَّة الشَّرعيَّة لا يحتجُّ بها على الأدلَّة الشَّرعيَّة... وتنازعُ العلماء لا يفرِّق بين ما جاء عن الرَّسول وتلقَّته الأمَّة بالقَبول بحيث يجب الايمان به وبين ما قاله بعض العلماء ويتعسَّر أو يتعذَّر إقامة الحجَّة عليه، ومن كان لا يفرِّق بين هذا وهذا لم يَحسن أن يتكلَّم في العلم بكلام العلماء " [المجموع 26/202-203].

- وقال العلامة الشَّوكاني r : " وقد جرت قاعدة أهل البدع في سابق الدَّهر ولاحقه: بأنَّهم يفرحون بصدور الكلمة الواحدة عن عالمٍ من العلماء، ويبالغون في إشهارها وإذاعتها فيما بينهم!، ويجعلونها حجَّة لبدعتهم!، ويضربون بها وجه من أنكر عليهم!؛ كما تجده في كتب الرَّوافض من الرِّوايات لكلماتٍ وقعت من علماء الإسلام فيما يتعلَّق بما شجر بين الصَّحابة، وفي المناقب والمثالب، فإنَّهم يطيرون عند ذلك فرحًا ويجعلونه من أعظم الذَّخائر والغنائم " [أدب الطَّلب ومنتهى الأدب ص64].

- وقال شيح الإسلام r : " إنَّ الرَّجل الجليل الَّذي له في الإسلام قدمٌ صالحٌ وآثارٌ حسنةٌ وهو من الإسلام وأهله بمكانةٍ عليَّة، قد تكون منه الهفوة والزَّلة هو فيها معذورٌ بل مأجورٌ لا يجوز أن يتَّبع فيها!، مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين... فإنَّه ما من أحدٍ من أعيان الأمة من السَّابقين الأوَّلين ومن بعدهم إلَّا لهم أقوالٌ وأفعالٌ خفي عليهم فيها السُّنَّة!، وهذا بابٌ واسعٌ لا يحصى، مع أنَّ ذلك لا يغضٌّ من أقدارهم، ولا يسوِّغ إتباعهم فيها!، كما قال سبحانه: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}، قال ابن مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم: "ليس أحدٌ من خلق الله إلَّا يؤخذ من قوله ويترك إلَّا النَّبيَّ g"، وقال سليمان التَّيمي: " إنْ أخذت برخصة كلِّ عالمٍ اجتمع فيك الشَّرُّ كلُّه "، قال ابن عبد البَّر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا، وقد روي عن النَّبيِّ g وأصحابه في هذا المعنى ما ينبغي تأمُّله [وساق جملةً من الآثار]... وهذه آثارٌ مشهورةٌ رواها ابن عبد البَّر وغيره، فإذا كنَّا قد حُذِّرنا من "زلَّة العالم"!، وقيل لنا: أنَّها أخوف ما يخاف علينا، وأمرنا مع ذلك أنْ لا يرجع عنه!، فالواجب على مَنْ شرح الله صدره للإسلام إذا بلغته مقالةٌ ضعيفةٌ عن بعض الأئمَّة أن لا يحكيها لمن يتقلَّد بها!، بل يسكت عن ذكرها إلى أن يتيقَّن صحَّتها!، وإلَّا توقَّف في قبولها!، فما أكثر ما يحكى عن الأئمَّة ما لا حقيقة له!، وكثيرٌ من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعةٍ مع أنَّ ذلك الإمام لو رأى أنَّها تفضي إلى ذلك لَمَا التزمها!!، والشَّاهد يرى ما لا يرى الغائب، ومَنْ علم فقه الأئمَّة وورعهم؛ علم أنَّهم لو رأوا هذه الحيل وما أفضت إليه من التَّلاعب بالدِّين لقطعوا بتحريم ما لم يقطعوا به أولاً " [الفتاوى الكبرى: 6/ 92].

- وقال رحمه الله : " فجماع هذا: أنَّ هذه الأمور تعطى حقَّها من الكتاب والسُّنَّة، فما جاء به الكتاب والسُّنَّة من الخبر والأمر والنَّهي؛ وجب إتباعه ولم يلتفت إلى مَنْ خالفه كائنًا من كان، ولم يجز إتباع أحدٍ في خلاف ذلك كائنًا من كان؛ كما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمَّة من إتباع الرَّسول وطاعته، وأنَّ الرَّجل الَّذي صدر عنه ذلك يُعطى عذره حيث عذرته الشَّريعة؛ بأن يكون مسلوب العقل، أو ساقط التَّمييز، أو مجتهداً مخطئًا اجتهادًا قوليًا أو عمليًا، أو مغلوبًا على ذلك الفعل أو التَّرك بحيث لا يمكنه ردُّ ما صدر عنه من الفعل المُنكر بلا ذنبٍ فعله ولا يمكنه أداء ذلك الواجب بلا ذنبٍ فعله، ويكون هذا الباب نوعه محفوظًا، بحيث لا يُتَّبع ما خالف الكتاب والسُّنَّة، ولا يجعل ذلك شرعةً ولا منهاجًا!!. بل لا سبيل إلى الله ولا شرعة إلَّا ما جاء به محمد رسول الله g، وأمَّا الأشخاص الَّذين خالفوا بعض ذلك على الوجوه المتقدمة: فيعذرون ولا يُذمُّون ولا يعاقبون. فإنَّ كلَّ أحدٍ من النَّاس قد يؤخذ من قوله وأفعاله ويترك إلَّا رسول الله g . وما من الأئمَّة إلَّا مَنْ له أقوالٌ وأفعالٌ لا يُتَّبع عليها مع أنَّه لا يُذمُّ عليها " [المجموع 10/ 383-385].

- سُئل الشَّيخ ربيع بن هادي -حفظه الله-: هل القاعدة الَّتي تقول الجرح المفسَّر مقدَّمٌ على التَّعديل المبهم مجمعٌ عليها عند علماء الجرح والتَّعديل؟ وهل يمكن تطبيقها على الجماعات الإسلامية؟ حيث أنَّ بعض أهل العلم عدَّلوا هذه الجماعات، وبعضهم جرَّحوها؛ فهل يقدَّم المُجرِّح على المعدِّل لإنَّ عنده زيادة علمٍ؟

الجواب: " نعم هذا المنهج قائمٌ ومستمرٌ إلى يوم القيامة إن شاء الله؛ لأنَّه منهجٌ إسلاميٌ وصحيحٌ تقوم عليه حياة المسلمين ويقوم عليها دينهم ويحمى به دينهم وتحمى به أعراضهم وتحمى به أموالهم، فهذا منهجٌ عظيمٌ لا يحطُّ من شأنه إلَّا إنسانٌ منحرفٌ ساذجُ التَّصور والتَّفكير.

فنعم هذا المنهج ماشي الآن في الجماعات؛ فقد يزكِّي الرَّجل -وهو فاضلٌ- بناءً على الظَّاهر ولا يعرف حقيقة ما عليه القوم، فيأتي إنسانٌ يَدْرُسُ كتبهم ويَدْرُسُ واقعهم فيجد أنَّ هذا الَّذي زكَّاهم قد وقع في خطإٍ من حيث لا يدري، فزكَّاهم بناءً على هذا الظَّاهر، فهذا شيءٌ حصل للأئمَّة الكبار !.

فكم من إنسان زكَّاه الإمام أحمد فقال تلاميذه الَّذين لا يَصِلُون إلى شيءٍ من فضله: عرفوا ما عند هؤلاء وما فيهم من قدح وما فيهم من جرح فأسقطوهم؛ وإن كان قد زكَّاهم أحمد r؟ وزكَّى الشافعي أناسًا وجرَّحهم آخرون؛ وقُدِّم جرح هؤلاء المفسَّر القائم على معرفة الحقيقة على أقوال الأئمَّة الَّذين زكُّوا بناءً على ما ظهر لهم؟ لأنَّه قد يأتي إنسانٌ يعني عنده طلب علم يتظاهر بالدِّين والنُّسك والأخلاق الطَّيبة ويلازمك أيام: فتبنيه على الظَّاهر.

أنا –والله !- زكَّيتُ أناسًا في هذا العام، والله لازموني، وما شاء الله تنسُّك، وكذا، وكذا، وكذا، ثمَّ ظهر لي جرحهم، أنا إذا صلَّى معي وزُكِّي وكذا وذكر الله وسافر معي وإلى آخره؛ أشهد بناءً على ما رأيتُ، لا أزكي على الله أحدًا، لكن يأتي إنسانٌ آخرُ عرفه أكثر مني، كشف عنه أخطاء، وكشف عنده أشياء تقدح في عدالته، فيجرِّح، فيجرحه بعلمٍ ويبرهن على جرحه بالأدلَّة ويفسِّر جرحه، فيُقدَّم جرحه على تعديلي، وأنا أستسلم صراحةً، قَدِّم الأدلَّة على جرح هذا الإنسان أقول: خلاص الحقُّ معك.

فجماعةٌ جاءوا عند عالمٍ من العلماء، وقالوا: نحن ندعو إلى السُّنَّة، وندعوا إلى التَّوحيد، ونحارب الشِّرك، ونحارب القبوريَّة، وكذا، وكذا، رأى فيهم الصَّلاح، كتب إلى مَنْ يعاونهم؛ فإنهم يدعون إلى السُّنَّة، ثم راح ناسٌ معهم، خالطوهم وعاشروهم من طلابهم، فوجدوا أنَّ الحقيقة تختلف تمامًا، وأنَّ هؤلاء أهل بدعٍ، وأنَّهم صوفيَّة، وأنَّهم خرافيُّون، فقَدَّم الأدلَّة على ما يقول، فيُصدَّق، فيُقدَّم على تعديله، أو تعديل هذا العالم، هذه قاعدةٌ مطردةٌ مستمرةٌ إن شاء الله للأفراد والجماعات إلى قيام السَّاعة؛ ما دام هذا الدِّين، نعم " [أسباب الانحراف وتوجيهات منهجية].

- وسُئِلَ –حفظه الله- أيضًا : بعض الدُّعاة لا تُعرف لهم سلفيَّةٌ وقد حُذِّر منهم، وما زال هناك مَنْ يجالس أولئك بحجَّة أنَّه لم يجُرح بجرحٍ مفصَّلٍ، وقد زُكُّوا من قبل الشَّيخ العبَّاد وغيره، فانقسم الأخوة بين مجرحٍ ومعدلٍ بسبب أولئك الدُّعاة؛ فما قولكم لهم؟

الجواب: " يجب على الشَّخص الَّذي يختلف حوله الَّناس، و[هُو] لا يزكِّي نفسه بإبراز المنهج السَّلفيِّ وإنَّما يعتمد على تزكية فلانٍ وفلانٍ!، وفلانٌ وفلانٌ ليسوا بمعصومين في تزكياتهم، فقد يزكُّون بناءً على ظاهر حال الشَّخص الَّذي قد يتملَّقهم ويتظاهر لهم بأنَّه على سلفيَّةٍ وعلى منهجٍ صحيحٍ، وهو يبطن خلاف ما يظهر، ولو كان يبطن مثلما يظهر لظهر على فلتات لسانه وفي جلساته وفي دروسه ومجالسه، فإنَّ الإناء ينضحُ بما فيه، "وكل إناءٍ بما فيه ينضح"، فإذا كان سلفيًا فلو درَّس أيَّ مادةٍ، ولو جغرافيا ! أو حسابٍ ! لرأيت المنهج السَّلفي ينضح في دروسه وفي جلساته وغيرها.

فأنا أنصح هذا الإنسان الَّذي لا يُظهر سلفيَّته ويكتفي بالتَّزكيات أن يزكِّي نفسه بالصَّدع بهذا المنهج في دروسه، في أيِّ مكان من الأمكنة، فإنَّ الأمَّة بأمسِّ الحاجة إلى الدَّعوة إلى هذا المنهج السَّلفيِّ... وأنا مرةً قلتُ للشَّيخ ابن بازٍ r [و] كان تصدر منه بعض الكلمات تشبه تزكيةً لجماعة التَّبليغ؛ وإن كان إلى جانبها شيءٌ من لفتات الأذكياء إلى ما عندهم من ضلالٍ وجهلٍ فيستغلُّ هؤلاء الكلمات الَّتي فيها شيءٌ من الثَّناء عليهم، ويخفي أو يخفون ما فيها من طعنٍ خفيٍ في عقيدتهم ومنهجهم، فيبرزون الثَّناء ويخفون الجرح، فجلستُ مع الشَّيخ r جلسة فقلتُ له: يا شيخنا أنت الآن يمنزلة أحمد بن حنبل وابن تيميَّة رحم الله الجميع، لك منزلةٌ عند النَّاس، إذا قلتَ كلمةً تلقـفـوها على أنَّها حقٌ، والآن أنت يصدر منك كلماتٌ يعتبروها تزكياتٍ لجماعة التَّبليغ، وإنْ كنت تتحفَّظ خلال كلامك، ولكنَّهم عندهم دهاءٌ ومكرٌ يستغلون التَّزكية والثَّناء ويدفنون ما تشير إليه وتلمِّح إليه من جهلٍ وضلالٍ، ودار الكلام بيني وبينه، إلى أن قلتُ له: يا شيخ، قال: نعم، قلتُ له: هل جاءك أحدٌ من أهل الحديث من الهند وباكستان أو من أنصار السُّنَّة في مصر والسُّودان - ذاك الوقت كانوا على غاية الثَّبات على المنهج السَّلفيِّ، ثُمَّ هبت أعاصير الفتن والسِّياسة دبَّت في الصُّفوف ووقعت شيءٌ من الخللة - يطلب منك تزكيةً على أنَّهم على حقٍ وعلى سنَّةٍ؟ !، قال: لا، قلتُ: لماذا؟ قال: لماذا أنت؟ قلتُ: لأنَّ هؤلاء تشهد لهم أعمالهم وتزكِّيهم بأنَّهم على الحقِّ، وأمَّا جماعة التَّبليغ وأمثالهم فإنَّ أعمالهم لا تزكِّيهم؛ بل تُدينهم بأنَّهم على ضلالٍ وبدعٍ، فضحك الشَّيخ رحمه الله.

فبعض النَّاس لا تزكِّيه أعماله ولا مواقفه، ولا تشهد له بأنَّه سلفيٌ، فيلجأ إلى هذه الوسائل الدَّنيئة من الاحتيال على بعض النَّاس والتَّملق لهم حتَّى يحصلوا على التَّزكية، ويكتفون بهذا، ويذهبون، ليتهم يكفُّون بأسهم وشرَّهم عن أهل الحقِّ والسُّنَّة، فيذهبون ويتصيَّدون أهل السُّنَّة بهذه التَّزكيات، فتكون مصيدةً يضيِّعون بها شبابًا كثيرًا، ويحرِّفونهم عن المنهج السَّلفيِّ، وأنا أعرف من هذا النَّوع كثيرًا، وكثيرٌ الَّذي يسلك هذا المسلك السَّيِّء، نسأل الله العافية، وأن يوفِّقهم لأن يزكُّوا أنفسهم بأعمالهم، وأن يجعل من أعمالهم شاهدًا لهم بالخير والصَّلاح وبالمنهج السَّلفيِّ " [أسباب الإنحراف وتوجيهات منهجية].

- وقال أيضًا -حفظه الله-: " قال محمدٌ بن جريرٍ حدثنا ابن حميدٍ حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريجٍ عن عطاء عن كعبٍ بن عجرة عن النَّبيٍّ g في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، وهذا إسنادٌ فيه ابن حميد فيه كلامٌ، "محمد بن حميد الرَّازي"، وفيه كلامٌ عند المحدثين، يزكِّيه الإمام أحمد، وينتقده غيره وضعَّفه ويبالغ في تضعيفه، وممَّن يضعفه ابن خزيمة r ، فقيل له: إنَّ أحمد يُعدِّله أو يزكِّيه، فقال: لو عرفه أحمد كما عرفناه ما زكاه!.

وهذا منهجٌ يسير عليه أهل السُّنَّة والجماعة وأهل الحديث، وهو أنَّ مَنْ علم حجَّةٌ على مَنْ لم يعلم، وأنَّ الجرح مقدَّم على التَّعديل، وأنَّه لا غضاضة في هذا ولا نقصَ من أيِّ إمام يزكِّي رجلًا ثُمَّ يأتي من هو مثله أو دونه فيثبت بالحجَّة والبرهان الطَّعن في هذا الرَّجل الَّذي زكَّاه ذلكم الإمام.

لا ضير في هذا، ولا حرج، ولا يقال تنقَّص !، ولا يقال مخالفٌ!، ولا يقال شيءٌ، لماذا؟ لأنَّهم يدورون مع الحجج والبراهين، لا يريدون إلَّا الحقَّ، ولا يريدون إلَّا وجه الله عزَّ وجلَّ، فلا تأخذهم في الله لومة لائمٍ، ولا يقول: والله زكَّاه أحمد فلماذا أنا أجرِّحه؟! والله هذا غلطٌ، ما يقولون هذا الكلام، بل يصدعون بالحقِّ، ويتلقاه أئمَّة السُّنَّة كلُّهم بصدورٍ رحبةٍ، لا يرون في ذلك حرجًا أبدًا، لكن الآن نحن في عصر الظُّلمات، والجهل الكثيف، الَّذي شنَّه أهل البدع والأهواء على منهج أهل السُّنَّة والجماعة.

فالإمام أحمد إمام أهل السُّنَّة، ما قال أحد: أنَّ مخالفة ابن وارة وابن خزيمة وغيرهم ممَّن جرَّحوا "محمد بن حميد"؛ ما قالوا إنَّهم ينتقصون الإمام أحمد أو يخالفوه!، لا كلَّهم سلَّموا.

فتجد أصحاب أحمد وأصحاب الشَّافعي إذا كان الرَّجل مدحه أحمد وجرَّحه غيره والحجَّة معهم، يقبلون جرح صاحب الحجَّة، وكذلك أتباع الشَّافعي، إذا زكَّى مثل "إبراهيم بن أبي يحيى"، وجرحه غيره، تلقَّوا هذا الجرح بالقَبول، وما قالوا: والله إمامنا، والله نتعصَّب له، لأنَّه زكَّى فلانًا، ونحن بهذه العصبيَّة العمياء نثبت أركان هذا الرَّجل المجروح، وندفع بحجَّة إمامنا الحجَّة والبرهان؟! حاشاهم أن يقولوا هذا.

وهكذا يكون تربَّوا على هذا المنهج المبارك الطَّيب، ويجب ترك التَّعصب لأيِّ شخصٍ كائنٍ من كان!؛ إلَّا محمدًا g، فهو الَّذي لا يُنتقد ولا تُقبل مخالفته من أحدٍ، فإنَّ محمدًا g يدور مع الحقِّ أين ما دار، وأصحاب محمدٍ g كذلك يدور معهم الحقُّ أين ما داروا، ومن عداهم "فكلٌّ يؤخذ من قوله ويردُّ " [الشَّريط الَّثاني من تعليقه على كتاب "حادي الأرواح].

- وقال -حفظه الله- في كتابه [الحدُّ ال بين الحقِّ والباطل]: " ومعظم النَّاس لا يعرفون قواعد الجرح والتَّعديل، وأنَّ الجرح المفصَّل مقدَّم على التَّعديل؛ لأنَّ المعدِّل يبني على الظَّاهر وعلى حُسن الظَّن، والجارح يبني على العلم والواقع، كما هو معلومٌ عند أئمَّة الجرح والتَّعديل ".

- وقال الشَّيخ عبيد الجابري -حفظه الله-:" فإذا حذَّر عالمٌ من رجلٍ وأقام عليه الدَّليل بأنَّه من أهل الأهواء أو من الجهَّال الَّذين لا يستحقون الصَّدارة في العلم والتَّعليم، وكان هذا العالم معروفًا بين النَّاس بالسُّنَّة والاستقامة عليها، وتقوى الله سبحانه وتعالى، فإنَّا نقبل كلامه، ونَحذر مَنْ حذرنا منه وإن خالفه مئات؛ ما دام أنَّه أقام الدَّليل وأقام البيِّنة على ما قاله في ذلكم المحذِّر منه، فهذا وُسعنا، بل هو فَرضُنا والواجب علينا، وإلَّا ضاعت السُّنَّة، فإنَّ كثيرًا من أهل الأهواء يخفى أمرهم على جمهرة أهل العلم، ولا يتمكَّنون من كشف عوارهم وهتك أستارهم لأسبابٍ منها:

- البطانة السَّيئة الَّتي تحول بين هذا العالم الجليل السُّنيِّ القَّويِّ، وبين وصول ما يُهتك به ستر ذلك اللَّعاب الماكر الغشَّاش الدسَّاس؛ فلا يمكن أن يصل إليه شيءٌ، حتَّى أنَّها تحول بينه وبين إخوانه الَّذين يحبُّهم في الله، فلا يستطيع أن يقرأ كلَّ شيءٍ.

- ومنها: أن يكون ذلك العالم ليس عنده وقتٌ، بل وقته كلَّه في العلم والتَّعليم.

- ومنها: أن يكون بعيدًا عن هذه السَّاحة؛ يكون هذا الشَّخص مثلًا: في مصر، أو الشَّام، أو المغرب، أو مثلًا اليمن، وهذا العالم الَّذي في السُّعودية لا يدري عما يجري في تلك السَّاحة!، ما بلَّغه ثِقةٌ بما يجري في تلك السَّاحة والسَّاحات؛ فهو جاهلٌ بحاله.

- ومنها: أن يكون هذا العالم قد نَمى إلى علمه وتعلَّق في فكره أنَّ ذلك الرَّجل ثقةٌ عنده، فما استطاع أن يصل إلى ما كشـفه غيره من أهل العلم؛ للأسباب المتقدِّمة وغيرها، لكن نَمى إلى علمه سابقًا أنَّه صاحب سُنَّة وأنَّه يدعو إلى الله، وكان أمامه يُظهر السُّنَّة وحبُّ أهل السُّنَّة والدَّعوة إلى السُّنَّة، ويذكر قَصصًا من حياته ومصارعته للأفكار الفاسدة والمناهج الكاسدة، ويأتي له بكتبٍ سليمةٍ، وما درى عن دسـائسه، فإذًا ماذا نصنع؟ ! نعمل على كلام ذلك العالم الَّذي أقام الَّدليل وأقام البيِّنة الَّتي توجب الحذر من ذلك الرَّجل من كتبه ومن أشرطته ومن شخصه.

وأمَّا ذلك العالم الجليل فهو على مكانته عندنا؛ لا نجرحه، ولا نحطُّ من قدره، ولا نقلِّل من شأنه بل نعتذر له؛ نقول ما علم، لو علِمَ ما عَلِمنا لكان عليه مثلنا أو أشدَّ منا " [الحدُّ ال بين أهل الحقِّ وأهل الباطل-السُّؤال التَّاسع].



- وقال الشَّيخ -حفظه الله تعالى- أيضًا لَمَا سُئل عن كتاب [رفقًا أهل السُّنَّة بأهل السُّنَّة]: " أقول: مَنْ عَلِمَ - هذه قاعدة يا ابني محمد - حجَّة على مَنْ لم يعلم؛ فمن تكلَّم في أبي الحسن تكلَّم بناء على أدلَّة وبيِّناتٍ واضحةٍ مثل الشَّمس في رابعة النَّهار، وصريحةٍ في نقد أقواله وأعماله. هذه القاعدة؛ فمن جرح أبا الحسن أو غيره بدليلٍ وأقام الدَّليل على جرحه فالواجب عليه التَّسليم له وإلَّا كنا أصحاب أهواءٍ!. وذلك العالم الَّذي لم يقف على ما وقف عليه الجارحون هذا لا يضرُّه؛ ولكن نحن لا نتابع ذلك العالم!. وأنا أتكلَّم بصفة عامَّةٍ لا نتابع ذلك العالم الَّذي جهل حال المجروح والأمثلة كثيرةٌ جدًا فمن أمثلة القدامى: كان الشَّافعي r يوثِّق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ويزكِّيه، ولكن العلماء من قبل الشَّافعي ومن بعده وقفوا على جرحٍ للرَّجل وأنَّه ليس بثقةٍ كما يقول الشَّافعي، فتوثيق الشَّافعيِّ هذا لإبراهيم ابن أبي يحيى هذا لم ينفعه، ولم يضرَّ الشَّافعي، أهل العلم المحقِّقون على جرح الجارحين" [جواب مفرغ من شبكة سحاب].



- وقال حفظه الله تعالى أيضًا في تمام جوابه السَّابق: " وخذ مثالًا آخر من الأمثلة المعاصرة: فنحن وغيرنا نردُّ على سفر وسلمان وغيره من أساطين فقه الواقع وننقد أقوالهم ونكشف عوارها ونبيِّن انحرافها بالدَّليل، وسماحة الوالد الإمام الأثري العلَّامة الفقيه المجتهد الشَّيخ عبدالعزيز بن باز r وسماحة الإمام العلَّامة الفقيه المحقِّق المدقِّق المجتهد الشَّيخ محمد بن صالح العثيمين r وغيره من مشائخنا هيئة كبار العلماء لم يتكلَّموا بشيءٍ، بعد نحو أربع سنواتٍ أو خمس سنواتٍ أو ما يقارب هذا صدر قرارٌ من هيئة كبار العلماء بإدانة القوم، قرارٌ خوَّل لولي الأمر إيقافهم، لأنَّهم وقفوا على أخطائهم وتجاوزاتهم.

ومثال آخر خذه أيضًا: الإمام محدِّث العصر الشَّيخ الألباني r كان يثني على سفرٍ سلمانَ وغيرهما ويزكِّيهم هُمَا وغيرهُمَا، لكن بعد حوالي ستِّ سنواتٍ أو سبعٍ تبيَّن له ما كان خافيًا عليه من قبل، فقال قبل موته بسنةٍ: يظهر أنَّنا تعجَّلنا، وأنَّ أهل المدينة هم أحرى بالقول " [المَصدر السَّابق].

- وقال أيضًا: " ويجب أن يعلم علماؤنا الأفاضل أنَّ لأهل الأهواء والتَّحزب أساليب رهيبةٌ لاحتواء الشَّباب، والتَّسلط والسَّيطرة على عقولهم، ولإحباط جهود المناضلين في السَّاحة عن المنهج السَّلفي وأهله...ومن أساليبهم: انتزاع التَّزكيات من بعض العلماء لأناسٍ تُدِينهم مؤلَّفاتـهم ومواقفهم ونشاطهم بالبعد عن المنهج السَّلفيِّ، ومنابذة أهله وموالاة خصومه وأمورٍ أخرى . ومعظم النَّاس لا يعرفون قواعد الجرح والتَّعديل، وأنَّ الجرح المفصَّل مقدمٌ على التَّعديل؛ لأنَّ المعدِّل يبني على الظَّاهر وعلى حسن الظَّن، والجارح يبني على العلم والواقع، كما هو معلومٌ عند أئمَّة الجرح والتَّعديل. وبهذين الأسلوبين وغيرهما، يحبطون جهود النَّاصحين ونضال المناضلين بكلِّ سهولةٍ ويحتوون دهماء النَّاس بل كثيرًا من المثقَّفين، ويجعلون منهم جنودًا لمحاربة المنهج السَّلفي وأهله والذَّب عن أئمَّة البدع والضَّلال. وما أشدَّ ما يعاني السَّلفيُّون من هاتين الثَّغرتين اَّلتي يجب على العلماء سدُّهما بقوةٍ وحسمٍ، لِمَا ترتَّب عليها من المضار والأخطار " [كتاب "الجدال" (ص170)].

-

للاستزادة:

- كتابٌ: رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابن تيمية r.

- كتابٌ: إختلاف العلماء؛ أسبابه وموقفنا منه للشيخ ابن عثيمين r.

- كتابٌ: جهود العلَّامة ربيع المَدخلي في نقض شبهات الحزبيِّين لإبراهيم بويران.

- مقطعٌ صوتيٌ: مسائل الاجتهاد والخلاف-اختلاف العلماء في الجرح والتَّعديل للشَّيخ سليمان الرُّحيلي.

[1] - مع الإشارة إلى أنَّ التَّهاجر لو وقع فهجر المُصيبين هجرٌ بحقٍّ !، بخلاف هجر المُخطئين الَّذين لم يُحكموا هذه المَسألة !



في انتظار ملاحظاتكم بارك الله فيكم

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
قواعد وأصول سلفية وخلفية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013