منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26 Dec 2016, 12:08 AM
أبو عمر محمد أبو عمر محمد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2015
المشاركات: 176
افتراضي إعجازٌ من ثلاث آيات متشابهات

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربّ العالمين و صلى الله و سلم و بارك على نبيّنا محمد و على آله و صحبه و من اتبع هداه إلى يوم الدين أمّا بعد:


فإنّ الله سبحانه قد أنزل كتابه العظيم هدى و رحمة {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} و قد رغّب في تدبره و إعمال الفكرة فيه {أفلا يتدبّرون القرآن} و ما ذاك إلا لأنّه السبيل إلى الانتفاع به إذ إنّ العلم بمجرد الحروف لا يغني شيئا و صـاحبه يكــون بمنزلة من ذمّ اللهُ {و منهم أمّيون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ}
فاجتمع الأمران : الحثّ على الفعل و الذمّ على الترك و هذا غاية ما يبعث على الامتثال بل قد جعل الله سبحانه الغاية من إنزال الكتاب تدبُّرً آياته {كتابٌ أنزلناه مبارك ليدّبروا آياته و ليتذكر أولو الألباب}
و قد كان لورثة الأنبياء النصيب الأوفى من تدبر كتاب الله لما رزقهم الله من الفقه في دينه و فهم مراده بما يسّر لهم من استجماع آلات النظر و الاستنباط و الوقوف على حقائق الشريعة و قواعدها فتجدهم يذكرون الإشارات البديعة و التنبيهات اللطيفة ممّا يخفى على كثير من النّاس ، فالعكوف على ما سطروه في كتبهم ممّا يعين على التدبر .

و من ذلك ما ذكره الكرمانيّ رحمه الله في كتابه "البرهان في توجيه متشابه القرآن" عند الكلام عن ثلاث آيات متشابهات : في البقرة و المائدة و الحج :

قال تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " ( البقرة 62)

و قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " ( المائدة 69 )

و قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " ( الحج 17)

فقد جاء في آية البقرة تقديم النصارى على الصابئين
و في آية الحج تأخيرهم
و جاءت آية المائدة برفع " الصابئون "

و قبل نقل كلام الكرمانيّ رحمه الله يحسنُ الوقوف قليلا مع آية المائدة و التنبيه على أمرين لتعلقهما بما سيأتي من كلام الكرماني رحمه الله و توقف صحة ما ذكره على الترجيح فيهما و هما :
1- معنى الصابئين في الآيات .
2- ما وجه رفع " الصابئون " في آية المائدة ؟

من هم الصابئون ؟

اختلف أهل العلم فيهم على أقوال و أشكل أمرهم على كثير من الأئمة، قال ابن القيّم – طيّب الله ثراه - : " وقد اختلف الناس فيهم اختلافا كثيرا،وأشكل أمرهم على الأئمة لعدم الإحاطة بمذهبهم ودينهم ؛ فقال الشافعي رحمه الله تعالى : هم صنف من النصارى ، وقال في موضع : ينظر في أمرهم ؛ فإن كانوا يوافقون النصارى في أصل الدين ، ولكنهم يخالفونهم في الفروع ، فتؤخذ منهم الجزية ، وإن كانوا يخالفونهم في أصل الدين لم يقروا على دينهم ببذل الجزية ، وأما أقوال السلف فيهم فذكر سفيان عن ليث عن مجاهد قال : هم قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين ، وفي تفسير شيبان عن قتادة قال : الصابئة قوم يعبدون الملائكة ... )

و قد لخص ابن القيّم رحمه الله حالهم و مجمل ما خلص إليه أنّهم [أمة كبيرة، فيهم السعيد والشقي و هي أمة قديمة قبل اليهود والنصارى ، وهم أنواع : صابئة حنفاء ، وصابئة مشركون وجملة أمرهم أنهم لا يكذبون الأنبياء ولا يوجبون اتباعهم ، وعندهم أن من اتبعهم [ يعني اتبع الأنبياء] فهو سعيد ناج وأن من أدرك بعقله ما دعوا إليه ، فوافقهم فيه وعمل بوصاياهم ، فهو سعيد ، وإن لم يتقيد بهم ، فعندهم دعوة الأنبياء حق ، ولا تتعين طريقا للنجاة ، وهم يقرون أن للعالم صانعا مدبرا حكيما منزها عن مماثلة المصنوعات ، ولكن كثيرا منهم ، أو أكثرهم ، قالوا : نحن عاجزون عن الوصول إلى جلاله بدون الوسائط ؛ والواجب التقرب إليه بتوسط الروحانيين المقدسين المطهرين عن المواد الجسمانية ، المبرئين عن القوى الجسدية ، المنزهين عن الحركات المكانية والتغييرات الزمانية ، بل قد جبلوا على الطهارة ، وفطروا على التقديس] .(1)



إعراب " الصابئون " في آية المائدة

تكلّم أهل العلم في إعراب هذه الكلمة و اختلف أنظارهم و توجيهاتهم لها و وصلت أقوالهم إلى تسعة أقوال ذكرها و بسطها الحلبي في " الدر المصون " و ليس المقصود جمع تلك الأقوال و بيان صحتها و إنما المقصود ذكر القول الذي يناسب إشارة الكرمانيّ رحمه الله و هو من أقوى الأوجه و أنسبها ، و هو قول جمهور أهل البصرة : الخليل و سيبويه و أتباعهما : أنّه مرفوع بالابتداء و خبره محذوف لدلالة خبر الأول عليه و النّية به التأخير و التقدير : إنّ الذين آمنوا و الذين هادوا من آمن منهم إلى آخره و الصابئون كذلك .(2)

سر التقديم و التأخير في الآيات الثلاث

قال الكرمانيّ رحمه الله : " قوله : {إنّ الذين آمنوا و الذين هادوا و النصارى و الصابئين} (البقرة 62) و قال في " الحج " : {و الصابئين و النّصارى} (17) و قال في " المائدة " :{و الصابئون و النصارى}(69) لأنّ النصارى مقدمون على الصابئين في الرتبة لأنّهم أهل كتاب فقدمهم في البقرة ،و الصابئون مقدمون على النصارى في الزمان لأنّهم كانوا قبلهم ، فقدمهم في الحج ، و راعى في المائدة المعنيين ، فقدمهم في اللفظ ، و أخرهم في التقدير لأنّ تقديره : و الصابئون كذلك قال الشاعر : فمن يك أمسى بالمدينة رحله // فإنّي و قيّارٌ بها لغريبُ ، أراد إنّي لغريب و قيار كذلك ، فتأمل فيها و في أمثالها يظهر لك إعجاز القرآن ." (3)

فبيّن رحمه الله أنّ التقديم و التأخير فيه إشارة لطيفة دالة على بيان رتبة و زمان كلٍ من النصارى و الصابئة
فتارة يعتبر الرتبة فتُقدم النصارى لكونهم أهل كتاب و هم بهذا الاعتبار أعلى رتبة ممن ليسوا كذلك
و تارة يراعى ترتيبهم الزمانيّ فيُقدم الأسبقُ و الأقدمُ إشارةً و دلالةً على ذلك
و تارةً يجمع بين المعنيين بأسلوب إعجازيّ فيه من الدلالة على تمام العلم و القدرة و البيان ما يُحيّر الألباب {تنزيل من حكيم حميد} ، و وجهه كما تقدّم و هو الرفع بالابتداء مع حذف الخبر بنية التأخير فيكون مقدّما لفظا مؤخرا تقديرا فجمع بين التقديم و التأخير في سياق واحد .

تنبيه :
لم يزل أعداء الإسلام من زنادقة و نصارى و غيرهم يحاولون الطعن في دين الله و كتابه العظيم بشبهات و زخارف من القول يُضلون بها عباد الله عن صراطه المستقيم و من ذلك زعمهم وجود اللّحن في القرآن الكريم و هذا من أبطل الباطل و قد ردّ عليهم العلماء و بيّنوا زيفهم و جهلهم و تكلّموا عن المواضع المنتقدة و بسطوا القول فيها فأزالوا كلّ إشكال و أجابوا عن كلّ اعتراض و هذا من حفظ الله تعالى لدينه و نصرته لأوليائه
و من تلك المواضع المنتقدة آية المائدة و وجهها بحمد الله ظاهر بل فيه من الإعجاز القرآني ما يُبهر العقول .


فسبحان من جعل كتابه هدى و رحمة للمؤمنين و عمى و ضلالا على الكافرين


آخر ما قصدت جمعه و نشره و الحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1):أحكام أهل الذمة (231) بتصرف
(2): الدر المصون (4/353)
(3): البرهان في توجيه متشابه القرآن (22)
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
إعجازمن آيات متشابهات, تفسير

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013