منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 17 Feb 2015, 03:40 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي إشارة غريبة وتخيل بديع...!

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

أمَّا بعدُ:

فهذه فائدةٌ لطيفةٌ بديعةٌ زانَها وحسنَّها أنَّها تتعلَّق بصحابيَّين جليلين أحدهما والد الآخر، وحصل لكل واحد منهما قصَّة وحادثة، فربط العلَّامة السُّهيليُّ –رحمه الله- بين القصَّتين بربط يدلُّ على إيغاله في جودة القريحة، ودقَّة النظر، وبراعة الاستنباط، ولبديع ما ذكره السُّهيليُّ –رحمه الله- اعتنى به الحافظ ابن كثير –رحمه الله- فاختصره وضمنه كتابه "البداية والنِّهاية" وعلَّق عليه بتعليق يدلُّ على إعجابه بالفائدة وتحرُّكه لهذا الاستنباط، فرحمهم الله ونفعنا بعلوهم.

ويظهر أنَّه من المناسب ذكر حادثة عبد الله بن حرام وولده جابر بن عبد الله رضي الله عنهما توطئة للفائدة الَّتي ذكرها السُّهيلي –رحمه الله- وإتباعها بتعليق الحافظ –رحمه الله- تقريبا لها، وإتماما للفائدة.

حادثة عبد الله بن حرام رضي الله عنه
روى ابن ماجه في "سننه"(190) و(2800) والترمذي في "سننه"(3010) وأحمد في "مسنده"(14881) وصحَّحه الألبانيُّ بشواهده في "السِّلسلة الصَّحيحة" (3290):

عن جابر بن عبد الله أنَّه قال: لما قُتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد، لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا جابر، ألا أخبرك ما قال الله لأبيك؟" قال: بلى يا رسول الله. قال: "ما كلَّم الله أحدًا قطُّ إلا من وراء حجاب، وكلَّم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي، تمن عليَّ أعطك. قال: يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانية. فقال الرَّبُّ سبحانه: إنَّه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب، فأبلغ من ورائي. قال: فأنزل الله تعالى: "ولا تحسبنَّ الَّذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون"[آل عمران: 169].

حادثة ولده جابر بن عبد الله رضي الله عنه
روى البخاري (2097) ومسلم (715):

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كنت مع النَّبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأبطأ بي جملي وأعيا، فأتى عليَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال «جابر»: فقلت: نعم، قال: «ما شأنك؟» قلت: أبطأ علي جملي وأعيا، فتخلَّفت، فنزل يحجنه بمحجنه ثم قال: «اركب»، فركبت، فلقد رأيته أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «تزوجت» قلت: نعم، قال: «بكرا أم ثيبا» قلت: بل ثيبا، قال: «أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك» قلت: إن لي أخوات، فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن، وتمشطهن، وتقوم عليهن، قال: «أما إنك قادم، فإذا قدمت، فالكيس الكيس»، ثم قال: «أتبيع جملك» قلت: نعم، فاشتراه مني بأوقية، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلي، وقدمت بالغداة، فجئنا إلى المسجد فوجدته على باب المسجد، قال: «آلآن قدمت» قلت: نعم، قال: «فدع جملك، فادخل، فصل ركعتين»، فدخلت فصليت، فأمر بلالا أن يزن له أوقية، فوزن لي بلال، فأرجح لي في الميزان، فانطلقت حتى وليت، فقال: «ادع لي جابرا» قلت: الآن يرد علي الجمل، ولم يكن شيء أبغض إلي منه، قال: «خذ جملك ولك ثمنه».

ربط بديع بين الحادثتين
قال السُّهيلي –رحمه الله- في "الروض الأنف"(7/ 172-173):

«ومنْ لطيف العلم في حديث جابر بعد أن تعلم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل شيئا عبثا بل كانت أفعاله مقرونة بالحكمة ومؤيدة بالعصمة فاشتراؤه الجمل من جابر ثم أعطاه الثمن وزاده عليه زيادة ثم رد الجمل عليه وقد كان يمكن أن يعطيه ذلك العطاء دون مساومة في الجمل ولا اشتراء ولا شرط ولا توصيل، فالحكمة في ذلك بديعة جدا، فلتنظر بعين الاعتبار وذلك أنَّه سأله هل تزوجت؟، ثم قال له هلا بكرا، فذكر له مقتل أبيه وما خلف من البنات وقد كان عليه السَّلام قد أخبر جابرا "بأنَّ الله قد أحيا أباه ورد عليه روحه وقال ما تشتهي فأزيدك" فأكد عليه السلام هذا الخبر بمثل ما يشبهه فاشترى منه الجمل وهو مطيته، كما اشترى الله تعالى من أبيه ومن الشهداء أنفسهم بثمن هو الجنة، ونفس الإنسان مطيته كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إنَّ نفسي مطيتي"، ثم زادهم زيادة فقال {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس:26] ثم رد عليهم أنفسهم التي اشترى منهم فقال: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا} [آل عمران:169] الآية.

فأشار عليه السلام باشترائه الجمل من جابر وإعطائه الثمن وزيادته على الثمن ثم رد الجمل المشترى عليه أشار بذلك كلِّه إلى تأكيد الخبر الذي أخبر به عن فعل الله تعالى بأبيه فتشاكل الفعل مع الخبر، كما تراه وحاش لأفعاله أن تخلو من حكمة بل هي كلها ناظرة إلى القرآن ومنتزعة منه صلى الله عليه وسلم».

إيراد ابن كثير –رحمه الله- لقول السُّهيلي مختصرًا وتعليقه عليه
قال الحافظ –رحمه الله- في "البداية والنِّهاية"(5/ 571-572):

«قال السُّهيلي: في هذا الحديث إشارة إلى ما كان أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله أن الله أحيا والده وكلمه فقال له تمن علي.

وذلك أنه شهيد وقد قال الله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) وزادهم على ذلك في قوله (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) ثم جمع لهم بين العوض والمعوض فرد عليهم أرواحهم التي اشتراها منهم فقال (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموات بل أحياء عند ربهم يرزقون) والروح للإنسان بمنزلة المطية كما قال عمر بن عبد العزيز.

قال: فلذلك اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جابر جمله وهو مطيته، فأعطاه ثمنه ثم رده عليه وزاده مع ذلك، قال: ففيه تحقيق لما كان أخبره به عن أبيه.

وهذا الذي سلكه السهيلي هاهنا إشارة غريبة وتخيل بديع والله سبحانه وتعالى أعلم».

فصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، ورضي عن جابر ووالده، ورحم السهيليَّ وابن كثير، آخره والحمد لله رب العالمين.


فتحي إدريس
27/ربيع الثاني/1435
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013