منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11 Jul 2010, 10:06 PM
عبد المجيد جمعة عبد المجيد جمعة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 33
افتراضي كشف الوجه الصّبيح في فوائد قصّة الذبيح ( الجزء الكامل )

بسم الله الرحمن الرحيم








كشف الوجه الصّبيح في فوائد قصّة الذبيح





الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و أصحابه أجمعين أما بعد :



إنّ الله تعالى ذكر قصص أنبيائه ورسله ، لنأخذ منها العبرة والعظة، ونستخلص منها الذِّكرى والموعظة، فقال سبحانه: )لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[يوسف(111)]
وإنَّ من أبرز هذه القصص، قصَّة إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السَّلام ، وذلك أنَّ إبراهيم عليه السَّلام دعا قومه إلى توحيد الله تعالى وترك عبادة الأصنام، فلمَّا لم يتستجيبوا له، أراد أن يقيمَ عليهم الحجُّةَ، ويبيِّنَ لهُم أنَّ هذه الأصنامَ لا تنفع ولا تضرُّ، بل هي عاجزة عن نفع نفسها ودفع الضَّررِ عنها، فكيف تنفع من يعبدها؟! فجعلها حطاما.

فلمَّا أقام عليهم الحجُّةَ همُّوا بإحراقه بالنَّار، فأنجاه الله تعالى منها، وأظهره عليهم، فلمَّا نصره الله تعالى على قومه، وأيِس من إيمانِهم، تركهم وهاجر مِن بَيْنِ أظهرهم، فسأل ربَّه أن يَهَبَه ولدًا صالحًا، عوضًا عن قومه، ويؤنسه في غربته، ويعينُه على طاعة ربِّه والدَّعوةِ إلى دينِه. فاستجابَ اللهُ دعاءَه فَرَزَقَهُ ولدًا صالحًا، فأحبَّه وقرَّت عينُه، وتعلَّق قلبُه به. ثمَّ أمره الله تعالى بذَبحِه بيده.

وهنا تتجلَّى الحكمةُ من القصَّة. وذلك أنَّ أَصْلَ التَّوحيدِ بل لبّه وروحه هو محبّةُ اللهِ تعالى، ولهذا كان رأسَ الإيمان الحبُّ في الله والبغضُ في الله، وكان من أحبَّ لله وأبغضَ لله، وأعطى لله ومنع لله فقدِ اسْتكمَلَ الإيمانَ, وأصلُ المحبَّة التِّي أمرَ اللهُ بها وخلَق خلقَه لأَجْلِهَا، هي ما في عبادتِه وحده لا شريك له، إذ العبادةُ متَضَمِّنَةٌ لغايةِ الحُبِّ بغايةِ الذُلِّ, فهذه المحبَّةُ يجِب أنْ تكونَ خالصةً للهِ وحدَه، ولا تشوبُها شائبَةٌ، ولا يزاحِمُها مُزاحِم.

فابتَلَى الله تعالى إبراهيمَ في محبَّتِه له سبحانه، وإيثارِها وتقدِيمِها على محبَّةِ ابنِهِ، فأمره بذَبْحِه في محبَّة الله تعالى، حتَّى يكونَ اللهُ أحبَّ إليه من ابنِه، ويبلغَ كمالَ المحبَّةِ ومرتبةَ الخَلّة. فلمَّا حصَلَ المطْلُوبُ فَداهُ الله بذِبْحٍ عظيمٍ.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في جلاء الأفهام (274):«ولما اتَّخذه ربُّه خليلاً؛ والخَلّة هي كمال المحبَّة، وهي مرتبة لا تَقبَلُ المشاركةَ والمزاحمةَ، وكان قد سأل ربَّه أن يهَبَ له ولدًا صالحًا، فوهَب له إِسماعيلَ، فأخذ هذا الولدُ شعبةً من قلْبه، فغار الخليلُ على قلب خليلِه أن يكونَ فيه مكانٌ لغيرِه، فامتحَنَه بذَبْحِه ليظهرَ سرُّ الخَلّة في تقدِيمه محبّةَ خليلِه على محبَّةِ ولدِه، فلمَّا استسلم لأمر ربّه، وعزم على فعله، وظهر سلطان الخَلَّة في الإقدام على ذبح الولد إيثارًا لمحبَّة خليله على محبّته، نسخ الله ذلك عنه، وفداه بالذِّبح العظيم، لأنَّ المصلحة في الذَّبح كانت ناشئةً من العزم وتوطين النَّفس على ما أمر به، فلمَّا حصلت هذه المصلحة، عاد الذَّبح مفسدة، فنُسخ في حقِّه، فصارت الذَّبائح والقرابين من الهدايا والضَّحايا سُنَّة في اتّباعه إلى يوم القيامة».
قال تعالى :

( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ . رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ . فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ . فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . و َنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ . سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ) [الصافات 99-113]

فقد تضمّنت هذه الآيات درر الفوائد وغرر الفرائد، فاقتنصت هذه الشّوارد، من تضاعيف كتب الأماجد، لبلوغ مرام المقاصد، فجمعت أنواع الموائد ، -فوائد عقدية، أصولية، فقهية، علمية، تربوية- بصريح العبارة، أو بدلالة الإشارة وهي من ألطف الدّلالات-، مع الاعتراف بالتّقصير، وسوء التّدبير، والله المستعان، وعليه التّكلان.

الفائدة الأولى :

فيه وجوب الهجرة من دار الشِّرك والكفر إلى دار التَّوحيد والإيمان، ومن دار المعصية إلى دار الطَّاعة.
فقد هاجر إبراهيم من بلد قومه إلى حيث يتمكَّن من عبادة ربِّه, وقال كما في آية أخرى:( وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[العنكبوت: 26] , ويلحق بهذا الهجرة من دار البدعة إلى دار السُّنة، قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: لا يحلُّ لأحد أن يقيم ببلد سب فيها السلف([1]).

الفائدة الثَّانية :

فيه دليل على مشروعيَّة الهجرة والفرار من المكان الذِّي يكثر فيه الأعداء، ويخشى فيها الإذاية في الدِّين أو البدن، وذلك أنَّ إبراهيم عليه السَّلام لمَّا أحسَّ العداوة الشَّديدة من قومه حيث أضرموا النَّار وألقَوْه فيها، فلمَّا نجَّاه الله تعالى منها هاجر، وقد قال تعالى عن نبيِّه موسى عليه السَّلام: ( فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) [الشعراء: 21] وقال أيضا: ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) [ القصص 21] ولهذا أمر النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام بالهجرة من مكَّة لمَّا اشتدَّت إذاية المشركين له.

الفائدة الثَّالثة :

وفيه أنَّ المهاجِر ينبغي أن تكونَ هجرته لله، ويكونَ عملُه له وحده، لقوله تعالى: ( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ) ، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه و سلم : «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِِالنِّيَاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» متفق عليه.

الفائدة الرابعة :

في قوله تعالى: ( رَبِّي سَيَهْدِينِ )إشارة إلى أقسام التَّوحيد الثَّلاثة: فقوله: ( رَبِّي ) ، تضمن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، حيث أقرَّ بربوبيَّة الله تعالى عليه، مستعملا اسما من أسمائه تعالى، وهو «الرّب»؛ وقوله: {سيهدين} تضمن توحيد الإلهية، حيث دعا اللهَ تعالى أن يهديَه، والدُّعاء هو العبادة.

الفائدة الخامسة :

وفيه سؤال الله تعالى بأسمائه بحسب ما يقتضيه المقام، ولهذا لم يقل إبراهيم: إنِّي ذاهب إلى الله، بل قال: ( إِلَى رَبِّي )، ولم يقل: اللهم هب لي، بل قال: ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ )؛ لأنَّه في موضع يفتقر فيه إلى الرُّبوبيَّة، إذ الرَّبُّ هو القائم على هدايته، المدبِّر لأمره. ولهذا لا يقول الدَّاعي: اللَّهمَّ ارزقني يا قابض، ولا: اللَّهمَّ اغفر لي وارحمني يا عزيز يا جبّار، بل يقول: اللّهم ارزقني يا رزاق، و اللّهم اغفر لي وارحمني يا غفور يا رحيم ونحو ذلك.

الفائدة السادسة :

وفيه التودُّد إلى الله تعالى والافتقار إليه وإظهار احتياجه إليه، وسؤاله الهداية والتّوفيق، فحاجته إلى ذلك فوق حاجته إلى طعامه وشرابه بل الهواء الذي يتنفَّس به، لأنَّ ذلك يتضمَّن حصولَ كلِّ خير والسَّلامة من كلِّ شرٍّ، ولهذا أمرنا تعالى أن نسأَله إيَّاها في كلِّ ركعة من صلاتنا عند قراءة الفاتحة: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) [الفاتحة 5 ].

الفائدة السابعة :

وفيه إخلاص الدُّعاء لله تعالى، لقوله : ( رَبِّ هَبْ لِي ).

الفائدة الثامنة :

وفيه استحباب طلب الولد الصَّالح، لأنَّ نعمة الولد تكون في صلاحه، فإنَّ صلاح الأبناء قُرَّةُ عينٍ للآباء.

الفائدة التاسعة :

وفيه تفضيل الأولاد على البنات، لقوله: ( هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ )، ثمَّ قال: ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ )، وهذه البشارة تدلُّ على أنَّه مبشَّر بابنٍ ذكرٍ، وقد قال تعالى: ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ) [آل عمران :36].

الفائدة العاشرة :

وفيه الحثُّ على الزَّواج، لأنَّه الوسيلة الوحيدة في جلب الأولاد.

الفائدة الحادي عشر :

وفيه الحثُّ على مصاحبة الصَّالحين والاستعانة بهم في أمور الدِّين والدُّنيا وهو أفضل من الاعتزال، لقوله: ( هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ) .

الفائدة الثَّاني عشر :

وفيه إجابة الله تعالى لدعاء إبراهيم حيث قال عقيب سؤاله الولد:( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ).

الفائدة الثالثة عشر :

وفيه استحباب بشارة من ولد له مولود وإعلامه بما يسرُّه.

الفائدة الرابعة عشر :

وفيه أنَّ الأولاد نعمة من الله تعالى، وقد وصفهم سبحانه بالبشرى، فقال: ( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ) [هود: 69].

الفائدة الخامسة عشر :

وفيه منقبة لإسماعيلَ، حيث وصفه الله تعالى بأنّه حليم، كما وصفَ بذلك أباه إبراهيمَ عليه السّلام حيث قال: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) [التوبة ١١٤] .

الفائدة السادسة عشر :

وفيه من أعلام نبوَّة إبراهيم ، حيث بُشِّر بالولد ووصف بأنَّه غلام حليم، فتضمَّنت هذه البشارة على بقائه حتى يكبر ويصير حليمًا؛ لأنَّ الصَّغير لا يوصف بالحلم.

الفائدة السَّابعة عشر :

وفيه أنَّه ينبغي على المرء أن يوطِّئ بين يدي المسائل الشَّديدة، ما يكون مؤذنا بها حتَّى يستأنس بها، لقوله تعالى: ( بِغُلَامٍ حَلِيمٍ )، فوطَّأ سبحانه بين يدي الأمر بذبحه، فوصف الغلامَ أنّه حليم، إشارة إلى حصول البلاء، أي أنّه سيبتلى فيحلم.

الفائدة السابعة عشر :

وفيه جواز تسمية المخلوق ببعض أسماء الخالق، لقوله: ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ )، وقوله: ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )، ومن أسمائه سبحانه «الحليم» و«العظيم»، قال تعالى: ( وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ )[البقرة: 263]، وقال سبحانه: ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) [البقرة 255]؛ ومثله: أنّ الله عز وجل سمَّى نفسه عليما كما في قوله: ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الأنعام115 ]، وسمَّى بعض عباده عليمًا كما في قوله تعالى:( وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) [الذاريات 28]، ووصف نفسه بأنَّه رؤوف رحيم، قال:( إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [النّحل7 ]، ووصف نبيَّنا عليه الصلاة و السلام بذلك فقال: ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التّوبة 128 ]، ونحو ذلك كثير، ومعلوم أنَّ الاسم في حقِّ الخالق يقصد به إطلاق الوصف، أمَّا في حقِّ المخلوق فهو على سبيل التَّقييد وما يناسب وصفه، فالاشتراك في الأسماء لا يستلزم التَّشبيه، فليس المسمَّى كالمسمَّى، فليس الحليم كالحليم، وليس العظيم كالعظيم، وليس العليم كالعليم وهكذا في سائر الأسماء، والحاصل أنَّ من أسمائه تعالى ما يسمَّى به غيرُه، ومنها مالا يسمَّى به غيره كاسم «الله» و«الرَّحمن» و«الخالق» و«الرَّازق» ونحو ذلك.

الفائدة الثامنة عشر :

وفيه فضل الحلم، لأنَّ الله تعالى أثنى على إسماعيل، حيث وصفه به، وجعل ذلك بشارة لإبراهيم عليهما السَّلام.

الفائدة التَّاسعة عشر :

فيه بلاغة الإيجاز، لقوله: ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ) لأنَّ الكلام فيه حذف، تقديره: فوهبنا له الغلام ، فنشأ حتَّى بلغ مبلغ الذِّي يسعى فيه مع أبيه في أمور دنياه.

الفائدة العشرون :

فيه استحباب مصاحبة الولد للوالد في السَّعي والعمل.

الفائدة الواحدة و العشرون :

فيه من أدب إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السَّلام، حيثخاطبه بالبنوَّة إضافة إلى نفسه ( يَا بُنَيَّ )على سبيل التّعطّف والشَّفقة والحنان والتّرحُّم.

الفائدة الثَّانية والعشرون :

وفيه من أدب إبراهيم مع ابنه إسماعيل، حيثخاطبه بالبنوَّة إضافة إلى نفسه ( يَا بُنَيَّ ) على سبيل التعطّف والشَّفقة والحنان والترحُّم.

الفائدة الثالثة و العشرون :

وفيه أدب إسماعيل مع أبيه إبراهيم، حيث ناداه بوصف الأبوَّة إضافة الأب إلى ياء المتكلِّم المعوَّض عنها التَّاء ( يَا أَبَتِ )، على سبيل التَّوقير والتَّرقيق.

الفائدة الرابعة والعشرون :

فيه الحثُّ على تأدُّب الآباء مع الأبناء بمناداتهم بالبنوَّة، وتأدّب الأبناء مع الآباء بمناداتهم بالأبوة.

الفائدة الخامسة والعشرون :

وفيه جواز مناداة القريب على سبيل التَّلطُّف والتَّوقير، لقوله: ( يَا بُنَيَّ )، وقوله: ( يَا أَبَتِ ).

الفائدة السادسة والعشرون :

وفيه دليل على أنّ رؤيا الأنبياء وحي معصوم، قال عبيد بن عمير : «رؤيا الأنبياء وحي» ثم قرأ: ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ )» رواه البخاري برقم (138)
وقد كان أول ما بدئ به رسول ح الرُّؤيا الصَّادقة النَّوم فكان لا يرى رؤيا إلاَّ جاءت مثل فلق الصُّبح.

الفائدة السابعة والعشرون :

وفيه دليل على صحَّة التَّكليف بالمشاقِّ، ولا شكَّ أنّ َالأمر بذبح فَلْذَةِ الكبِدِ من أشدِّ أنواع المشاقِّ، لكنَّه في وسع الإنسان.

الفائدة الثامنة والعشرون :

وفيه استحباب مشورة الأبناء من ذوي الرَّأي في الأمور المهمَّة والنَّوازل المدلهمَّة.

الفائدة التاسعة والعشرون :

وفيه دليل على أنَّ للأمر صيغا أخرى غير الوجوب، فتستعمل لمعان كثيرة، منها: المشورة لقوله تعالى: ( فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى )، إشارة إلى مشاورته في هذا الأمر، وهو قوله: ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ).

الفائدة الثَّلاثون :

وفيه دلالة على أنَّ صيغة الأمر للوجوب، لقوله: ( افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ )وهو أمر، وقول إبراهيم: ( إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ )، وإن كانت صيغته صيغة الخبر، فإنَّ معناها الأمر ضرورة؛ ولهذا أقبلا على الفعل، وانقادا لأمر الله تعالى فقال سبحانه: ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ).

الفائدة الواحدة والثَّلاثون :

وفيه دلالة على أنَّ الأمر للفور، ولهذا بادر إبراهيم وإسماعيل إلى امتثال أمر الله تعالى، فلم يقصِّرا في البدار، ولم يتراخيا في الامتثال.

الفائدة الثَّانية والثَّلاثون :

وفيه أنَّ الأمر بالأمر بالشَّيء أمر به، وذلك أنّ الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ابنه، وأمره أن يأمرَ ابنَه بالطَّاعة والامتثال، فتعلَّّق الخطابُ بأمرين: أمر لإبراهيم بالتَّنفيذ، وأمر لإسماعيل بالطَّاعة، ويدلًُّ عليه قوله تعالى: ( أَسْلَمَا )، أي استسلما وانقادا؛ إبراهيم امتثل أمْرَ الله، وإسماعيل طاعة الله وأبيه، فلو قدّر أنّه عصاه، لم يختلف حاله عن حال ابن نوح عليه السّلام الذي أمره أبوه أن يركب السّفينة فعصاه وقال: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. وأما قول إبراهيم: ( فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى )، لا يعني أنّه لم يأمره بطاعته، أو وكل الأمر إليه، وإنَّما شاوره ليختبرَ ما عنده من الصَّبر والعزم على طاعة الله تعالى، وليأنس بالذَّبح وينقاد للأمر به، والله أعلم.

الفائدة الثَّالثة والثَّلاثون :

وفيه عظَم مقام إسماعيل عليه السَّلام، وذلك أنَّ إبراهيم عليه السَّلام لمَّا شاوره في الأمر ليختبرَ ما عنده من العزم على طاعة الله، والصَّبر على أمره، وتهيئته لتنفيذ ما أمر به، بادر إلى الإذعان والامتثال دون اضطراب ولا تردُّد، قائلا: ( افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) .

الفائدة الرَّابعة و الثَّلاثون :

وفيه تعليق الأمور بمشيئة الله، وتقديمها في كلِّ قول.

الفائدة الخامسة والثَّلاثون :

وفيه إثبات المشيئة لله تعالى.

الفائدة السَّادسة والثَّلاثون :

وفيه الحثُّ على اللُّجوء إلى الله تعالى والاستعانةِ به في الأمور الصَّعبة وسؤالِه الثَّباتَ وإفراغَ الصَّبرِ.

الفائدة السَّابعة والثَّلاثون :

وفيه من تواضع إسماعيل ؛، حيث قال:( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ، ولم يقل: صابرًا . و قد صدق فيما وعد، ولهذا قال الله تعالى في آية أخرى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) .


الفائدة الثامنة والثلاثون:
فيه فضل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، حيث أثنى الله عليهما باستسلامهما ومبادرتهما لامتثال أمر الله تعالى؛ وهذا حقيقة الإسلام وهو الانقياد التام لأمر الله تعالى.

الفائدة التاسعة والثلاثون :

فيه استحباب اضطجاع الأضحية عند الذبح، وأن يذبح المضحّي بيده، لقوله تعالى: {وتله للجبين}، ويشهد له ما رواه أنس قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين. فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما([2]) يسمّي ويكبّر فذبحهما بيده» متفق عليه.

الفائدة الأربعون :

فيه دلالة على إثبات الإرادة والاختيار للعباد خلافًا للجبرية، لقوله تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين}، ونظيره في القرآن لا يكاد يحصى ولا يستقصى، يسند الله تعالى الأفعال إلى العباد الذين قاموا بها كقوله تعالى: {فوكزه موسى فقضى عليه} [القصص: 15].

الفائدة الواحدة والأربعون :

وفيه فضل نبيّنا صلى الله عليه وسلم، لأنّ الله تعالى لم يناده باسمه «محمد»، بل يناديه بصفة الرسالة أو النبوة، كقوله: {يا أيها الرسول}، {يا أيها النبي} تعظيما له وتبجيلا، ولم يذكر اسمه إلا في صيغة الإخبار، كقوله تعالى: {محمد رسول الله}، {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}؛ أما سائر أنبيائه فناداهم بأسمائهم، لقوله: {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا}، وكقوله: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} [البقرة : ]5)، {يا نوح اهبط بسلام} [هود : 48] ، {يا موسى} [الأعراف: 144]، {يا عيسى} [آل عمران : 55] .

الفائدة الثانية والأربعون :

فيه فضل طاعة الله وامتثال أمره، فإنّه سبب في صرف المصائب، لقوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي: هكذا نصرف عمّن أطاعنا المكاره والشدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجا ومخرجا، كقوله تعالى: { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق:2].

الفائدة الثالثة والأربعون :

استدلّ بالآية على أنّ الأضحية بالغنم أفضل من الإبل والبقر.

الفائدة الرابعة والأربعون :

وفيه استحباب الأضحية بالسمينة، لقوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } أي ضخم الجثة سمين.

الفائدة الخامسة والأربعون :

واستُدلّ بالآية على أنّ من نذر ذبح ولده ، لزمه ذبح شاة كما فدى به إبراهيم ابنه ؛ وفي نظر، والصحيح أنّه معصية يلزمه الاستغفار، قال الكيا الهراسي في «أحكام القرآن» (4/78): «وهذا إغفال منهم, فإنّه إن ثبت أنّ إبراهيم كان مأموراً بذبح الولد, فقد ارتفع الأمر إلى بدل جعل فداء, فكان الأمر متقرّراً في الأصل, ثم أزيل ونسخ إلى بدل, وفيما نحن فيه لا أمر بذبح الولد, بل هو معصية قطعاً, فلم يكن للأمر تعلّق بذبح الولد بحال, فإذا لم يتعلّق به بحال, فلا يجوز أن يجعل له فداء وخلفاً».

الفائدة السادسة والأربعون :

فيه دلالة على أنّ الأنبياء أشدّ الناس بلاء، لقوله تعالى: {إنّ هذا لهو البرلاء المبين}، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم، وقد سئل: أيّ أشدّ الناس بلاء؟: قال: « الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة»([ 3]).

الفائدة السابعة والأربعون :

وفيه دلالة على ما تقرّر في أصول الفقه على صحة النسخ قبل التمكّن من الفعل، خلافا لطائفة من المعتزلة، والدلالة من هذه الآية ظاهرة، فإنّ الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده، ثم نسخه عنه قبل التمكّن من فعله، وصرفه إلى الفداء بذبح عظيم
.

الفائدة الثامنة والأربعون :

وفيه دلالة على إثبات الحكمة في أفعال الله تعالى، لقوله: {إن هذا لهو البلاء المبين}، فابتلى الله نبيّه في محبته له سبحانه وتقديمها على محبّته لابنه حتى تتم خلّته، فكان المقصود الابتلاء لا نفس الفعل؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لا يأمر بفعل لا مصلحة ولا منفعة ولا حكمة فيه، بل أوامره سبحانه ونواهيه وجميع شرائعه مبنية على حكم ومصالح ومنافع.
فالحكمة هنا ناشئة من نفس الأمر، والمصلحة حاصلة به، أما الفعل فلا مصلحة فيه ألبتة، لذلك كان المقصود من الأمر الحكمة منه وهي الابتلاء دون الفعل
.
قال ابن القيم رحمه الله في «مفتاح دار السعادة» (2/40):وهذا كأمر إبراهيم الخليل بذبح ولده، فإنّ المصلحة لم تكن في ذبحه، وإنّما كانت في استسلام الوالد والولد لأمر الله وعزمهما عليه وتوطينهما أنفسهما على أمتثاله، فلمّا حصلت هذه المصلحة، بقي الذبح مفسدة في حقّهما، فنسخه الله ورفعه. وهذا هو الجواب الحقّ الشافي في المسئلة (أي التحسين والتقبيح العقليين)، وبه تتبيّن الحكمة الباهرة في إثبات ما أثبته الله من الأحكام، ونسخ ما نسخه منها بعد وقوعه، ونسخ ما نسخ منها قبل إيقاعه، وأنّ له في ذلك كلّه من الحكم البالغة ما تشهد له بأنّه أحكم الحاكمين، وأنّه اللطيف الخبير الذي بهرت حكمته العقول، فتبارك الله رب العالمين»
اهـ.

الفائدة الثامنة والأربعون :

وفيه ثناء الله تعالى على إبراهيم عليه السلام، حيث أبقى عليه لسان صدق وثناء حسنا في العالم، فلا يذكر إلا بالثناء، والصلاة والسلام عليه، ووصفه بثلاث خصال، الإحسان والعبودية والإيمان، فجمع مقام الدين كلّه، لقوله: { وَتَرَكْنا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. كَذَلِكَ نَجْزِي المُسِنِينَ. إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.

الفائدة التاسعة والأربعون :

وفيه دلالة على أنّ الذبيح هو إسماعيل، وليس هو إسحاق كما يزعم اليهود والنصارى،وذلك أنّ الله تعالى لما ذكر البشارة الأولى بالغلام الحليم من ابني إبراهيم، وذكر قصّة الأمر بذبحه، فلما استوفى ذلك، عطف بذكر البشارة الثانية بالابن الثاني، وقد سمّاه إسحاق فقال: {وبشّرناه بإسحاق نبيا من الصالحين}، فبيّن أنّهما بشارتان:
بشارة بالذبيح وبشارة ثانية بإسحاق
، وهذه البشارة من الله تعالى له شكراً على صبره على ما أُمِرَ به، فدلّ هذا على أنّ إسحاق غير الغلام الحليم الذي أمر بذبحه؛ ومن المقرّر في الأصول أنّ التأسيس أولى من التأكيد؛ ومعلوم في اللغة أنّ العطف يقتضي المغايرة.فهذا نصّ صريح لا يحتمل التأويل.
قال القرطبي في «تفسيره» (15/100): وسُئل أبو سعيد الضرير عن الذبيح فأنشد :

إنّ الذبيح هُديت إسماعيلُ ***نطق الكتاب بذاك والتنزيل

شرفٌ به خَصّ الإلهُ نبيَّنا *** وأتى به التفسير والتأويلُ

إن كنت أمّته فلا تنكر له *** شرفاً به قد خصّه التفضيلُ

الفائدة الخمسون
:
وفيه ثناء الله على إسحاق عليه السلام، لقوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَوباركنا عليه وعلى إسحاق}.

الفائدة الواحدة والخمسون
:
وفيه إشارة إلى أنّ النسب لا ينفع صاحبه، وإنّما ينفعه عمله، لقوله تعالى: {وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وظالم لّنَفْسِهِ مُبِينٌ}، أي: محسن في عمله بالإيمان ، والتوحيد ، وظالم لها بالكفر والشرك، والمعاصي. فاليهود والنصارى، وإن كانوا من ولد إسحاق، فقد صاروا إلى ما صاروا إليه من الكفر الضلال المبين؛ والعرب، وإن كانوا من ولد إسماعيل، فقد صاروا إلى الشرك إلا من أنقذه الله بالإسلام. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في «المجموع» (8/151):«ولهذا لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلا لا على ولد نبي ولا على أبي نبي وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم وإذا ذكر صنفا وأثنى عليهم فلما فيهم من الإيمان والعمل لا لمجرد النسب ولما ذكر الأنبياء ذكرهم في الأنعام وهم ثمانية عشر قال: {ومن آبائهم وذرياتهم وإخواتهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم}. فبهذا حصلت الفضيلة باجتبائه سبحانه وتعالى وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم لا بنفس القرابة».

الفائدة الثانية والخمسون
:
فيه أنّ عاقبة الصبر على البلاء محمودة، وذلك أنّ إبراهيم عليه السلام لما ابتلاه الله تعالى بذبح ابنه، امتثل لأمر ربه، وصبر على بلائه، فجزاه الله تعالى أن فداه بذبح عظيم، وجعل له لسان ذكر في الآخرين، ورزقه غلاما آخر من الصالحين.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في «مفتاح دار السعادة» (1/300): ثم تأمّل حال أبينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه و سلم، إمام الحنفاء، وشيخ الأنبياء، وعمود العالم، وخليل ربّ العالمين، من بني آدم، وتأمّل ما آلت إليه محنته وصبره وبذله نفسه لله! وتأمّل، كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه إلى أن اتخذه الله خليلا لنفسه وأمر رسوله وخليله محمدًا صلى الله عليه و سلم أن يتّبع ملّته. وأنبّهك على خصلة واحدة مما أكرمه الله به في محنته بذبح ولده، فإنّ الله تبارك وتعالى جازاه على تسليمه ولده لأمر الله بأن بارك في نسله وكثره حتى ملأ السهل والجبل، فإنّ الله تبارك وتعالى لا يتكرّم عليه أحد وهو أكرم الأكرمين، فمن ترك لوجهه أمرا او فعله لوجهه بذل الله له أضعاف ما تركه من ذلك الأمر أضعافا مضاعفة، وجازاه بأضعاف ما فعله لأجله أضعافا مضاعفة، فلمّا أمر إبراهيم بذبح ولده، فبادر لأمر الله ووافق عليه الولد أباه رضاء منهما وتسليما، وعلم الله منهما الصدق والوفاء فداه بذبح عظيم، وأعطاهما ما أعطاهما من فضله، وكان من بعض عطاياه أن بارك في ذرّيّتهما حتى ملؤا الأرض؛ فإنّ المقصود بالولد إنّما هو التناسل وتكثير الذرّيّة، ولهذا قال إبراهيم: {رب هب لي من الصالحين}، وقال: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذرّيّتي} فغاية ما كان يحذر ويخشى من ذبح ولده انقطاع نسله فلمّا بذل ولده لله، وبذل الولد نفسه ضاعف الله له النسل وبارك فيه وكثّر حتى ملؤا الدنيا، وجعل النبوة والكتاب في ذرّيّته خاصة، وأخرج منهم محمدًا صلى الله عليه و سلم.
قال: فجعل من نسله هاتين الأمّتين العظيمتين اللّتين لا يحصى عددهم الا الله خالقهم ورازقهم، وهم بنو إسرائيل وبنو إسماعيل؛ هذا سوى ما أكرمه الله به من رفع الذكر والثناء الجميل على ألسنة جميع الأمم، وفي السموات بين الملائكة. فهذا من بعض ثمرة معاملته. فتبًّا لمن عرفه ثم عامل غيره! ما أخسر صفقته وما أعظم حسرته!» اهـ.
هذا ما يسّر الله لي جمعه من بدائع الفوائد، وإلا لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله تعالى، وقد جعل الله كتابه ربيع القلوب ونور الصدور وجلاء الأحزان وذهاب الهموم، حقّا، فلقد تسليت بهذه القصة العظيمة، والموعظة الحسنة، وخفّفت من ألم مصيبتي يوم فقدت فلذة كبدي عبدالرحيم رحمه الله تعالى.
والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، والحمد لله في الأولين والآخرين.

______________

([1]) «أحكام القرآن» لابن العربي (؟؟؟).
([ 2]) قال النووي في شرح مسلم (13/121): أي صفحة العنق وهى جانبه وإنما فعل هذا ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه.
([ 3]) أخرجه الترمذي (2398) وابن ماجه (4023) عن سعد بن أبي وقاص، بإسناد جيّد، وهو صحيح بشواهده. أنظر «الصحيحة» (143).







التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 24 Oct 2010 الساعة 12:06 AM
رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
عبدالمجيدجمعة, فوائدقصةالذبيح

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013