منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 26 Sep 2019, 03:26 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي الحِكمَةُ: بِنَاءُ سُلُوكٍ وتَرْبِيَة.







الحِكمَةُ: بِنَاءُ سُلُوكٍ وتَرْبِيَة.

بقلم: أم وحيد بهية صابرين.


مَلاَمِحُ الشَّخْصِيَّة ( قد) يراها إِنْسَانٌ حَاذِقٌ، أتاه الله العلمَ والحكمَة، في النّظر في سلوكات النّاس، ولاتتطلّب عِلْمًا مُتَخَصّـِصًا، لأنّ العِلْمَ المتخصّص(قد) يدرسه أُنَاسٌ لايُجِيدُون التّعمّق في تحليل الشّخصيات، وَإِنْ تَتَبَّعُوا مراحل كيفية تحليل الشخصيّة. ليس إلاّ هذا، لأنّ الأَمْرَ هنا يحتاج فقط إلى خِبْرَةٍ في مُخَالَطَةِ أَنْوَاعِ الشّخصيّات. ومُعَاشَرَةِ أَغْلَبِهِم. والمُعَاشَرَة تبيّن للإنسان شخصيّة مَن يُخَالِط، بِتَتَالِي الصّدمات الّتي تُثَبّـِطُ الهِمَم، وتهوي بـالحَمَاس إلى الفُتُور والخَيْبَات، أو المفاجآت السّارّة، الّتي تنعش الأفكار، وترفع المعنويات.
والتّجارب دُرُوسُ الحياة. فَمَن لَمْ يَتَّعِظْ بِغَيْرِهِ -واقعًا لاَمَسَهُ- صار مِن أَغْبَى النَّاسِ، يعيش..حَيَاةً، يتجرّع فيها، مَرَارَةَ بَلاَدَتِه، وسُوءَ اسْتِيعَابِ مَا يَمُرُّ به من أَحْدَاث. واللهُ المُوَفّـِق لِكُلِّ خَيْرٍ، يُسْعِدُنَا بِهِ، فِي الحياة.
وليس كلّ النّاس يُوصَفُون بـالحكمة في التّفكير والتّدبير والتّسيير. فَالّذين يملكون بُعْدَ النَّظَر والإصابة في القول والعمل هم قليلون في أُنَاسٍ كثيرين على وسط إدراكهم، أو قليل فهمهم، للأمور الّتي تحتاج إلى فطنة ونباهة في التّحليل. أو حتّى لايدركون تمامًا، ما يدور حولهم .
وعلى هذا ، فـالحَذَقَة يُعَدُّون على الأصابع. ويُعْتَبَرُون من جواهر خلق الله في عباده.
وياسَعَادَةَ مُجْتَمَعٍ، عاش فيه أمثالهم، لأنّهم الخير الّذي يجمعهم، ويقوّي شوكتهم، ويمنع كلّ ما يفسد عليهم ودّهم. يؤسّسون بالعِلْمِ، والحِلْمِ، والصّبْرِ، مَا يَبْنِي مجتمعًا، لاتزعزعه الوشاية، والإشاعة، والنّميمة، وهم فيه مُتَحَابُّون.



لكن، ومع هذا، فـالحاذق لايملك كمال التّفكير والإصابة التّامّة فيه، فقد يحلّل أمورًا يجانب الصّواب فيها لأنّ الحكيم بَشَر، غير معصوم من الخطأ، قد يَرَى سلوكات ظاهرة يبني عليها تَصَوُّرًا، يخالف تماما مَا يخفيه أصحاب تلك السلوكات. والنِيَّات لايعلمها إلاّ رَبُّ البَريَّات.
وكلّ حكيمٍ مسلمٍ، منحه الله، نَبَاهَةً، يستعملها في جمعِ شملِ المسلمين، حتّى يردّ كيدَ المتربّصين بالإسلام، الّذين يسعون إلى تمزيق أواصر الأخوّة، بين، مَن هم، إليه منتسبين.

والنّبي صلى الله عليه وسلم لم يحدّد المنافقين إلاّ بِـوَحْيٍّ من ربّ العالمين. ومع هذا، لم يفضح نفاقهم، ولم يأمر بـقتلهم، حتّى لا يُقال أنّ محمدا يقتل أصحابه.
وهذه، حكمةٌ من رَجُلٍ نَبِيهٍ، يخشى تَصَدُّعَ مُجْتَمَعٍ، صبر على بنائه، ثلاثة عشرة سنة، يرسّخ، أثناءها، عقيدة التّوحيد، في قُلُوبِ، مَن جَاءُوا إليه، مُسْلِمِين.

وفي مقال عنوانه:"الألفة الألفة..ياأهل السُنَّة"، قال صاحبه:" أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بالعفو عن أصحابه والإستغفار لهم ومشاورتهم في الأمر فقال سبحانه (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ). فإذا كانت الغلظة تجعل النّاس ينفضّون من حول النّبي صلى الله عليه وسلم ، فـما بالك في غيره!!! بأبي هو وأمّي صلى الله عليه وسلم. فجمع الله به القلوب وألّف بينها، وقَوِيَتْ شوكة الدّين فقاموا بالدّين وقام الدّين بهم، إِذْ لاَ دِينَ إلاّ بجماعة ولا جماعة إلاّ بإمام" انتهـ.(1)

أقول: "لقد كان النّبي محمد صلى الله عليه وسلم يحسن الظنّ بأصحابه وقد نهى عن سوء الظنّ بالمؤمنين . فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نظرَ رسول الله ﷺ إلى الكعبة فقال: «مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ» . وفي الطَّريق الأخرى: لمّا نظر رسول الله ﷺ إلى الكعبة، قال: «مَرْحَبًا بِكَ مِنْ بَيْتٍ، مَا أَعْظَمَكَ، وَمَا أَعْظَمَ حُرْمَتَك! ولَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكَ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنْكَ وَاحِدَة، وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلاَثًا: دَمَهُ وَمَالَهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السُّوءِ». (2)

وسُوءُ الظَنّ بالمؤمنين ما هو إلاّ نِتَاجَ بُغْضٍ لهم وكراهيّةٍ تحمل المسيء إلى اعتبارهم عدوًا له ،ولهذا تجده يَرَى ما يصدر منهم على أقبح تأويلٍ يصوّره له الشّيطان. حقيقةً يلزمها، والمثل يقول:"نَظَرُوا بِعَيْنِ عَدَاوَةٍ ، ولَوْأَنَّهَا عَيْنُ الرِضَا لَاسْتَحْسَنُوا مَاسْتَقْبَحُوا".

والسّعيد مَن بصّره الله، فأدرك أخطاءَه وحمل تصرّفات غيره على أحسن الصّور، وإن أبطنوا الغشّ، فليس له أن ينقّب في سرائرهم الّتي لايعلمها إلاّ مَن خلقهم.

قال الشيخ عثمان عيسي حفظه الله: "إنَّ سُوءَ الظَّنِّ أَصْلُ التَّباغض والتَّحاسد، «وذلك أنَّ المباغض والمحاسد يتأوَّل أفعال مَن يبغضه ويحسده على أسوأ التَّأويل، وقد أوجب الله تعالى أنْ يكون ظنُّ المؤمن بالمؤمن حسنًا أبدًا إذْ يقول: {لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِين} [النور:12]، فإذا جعل الله سوء الظَّنِّ بالمؤمنين إفكًا مبينًا فقد ألزم أن يكونَ حُسْنُ الظَّنِّ بهم صِدقًا بيِّنًا والله الموفِّق» انتهـ.(3).

ثمّ إنّ الخليفة عمر رضي الله عنه قال في كلام منسوب إليه: "لَسْتُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني" ومعنى ذلك أنّه كان بَعِيدَ النَّظَر، أَرِيبًا، حَاذِقًا، في التّمييز بين الطيّب والخبيث، وبين المخادع والأمين، لكنّه لم يكن يوجّه هذا الكلام إلى مَن حَمَلُوا الشّريعة ودَافَعُوا عنها، وإن بَدَت منهم، أخطاء، فَهُم بَشَر، يعتريهم كلّ نقص، يُقَوَّم بالصّبر والمصابرة، على جَمْعِ الشَّمْلِ الّذي هو من أسمى غايات الإسلام .

قال الشيخ عثمان عيسي حفظه الله: "وكذلك كان السَّلف الصَّالح من الصَّحابة رضوان الله عليهم، والتَّابعين، في تحسينهم الظَّنَّ بإخوانهم، ودرء التُّهَم عنهم، والتماس المعاذير لهم، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان صادق الفِراسة في النَّاس، ممَّن يصيب كبد اليقين بسهم ظنِّه، إذا حدَّث كِدْتَ تقول أنَّه يُملَى عليه بلسان الغيب، قال فيه النَّبيُّ ﷺ: «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ ابْنَ الْخَطَّابِ»(23)، قد أثر عنه أنّه قال: «لا تَظُنَنَّ بكلمة خرجت من فِي مسلم شَرًّا وأنت تجد لها في الخير مَحْمَلاً».

وعن بكر بن عبد الله المزني رحمه الله أنَّه قال: «إيَّاك من الكلام الَّذي إن أصبت فيه لم تُؤجر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء ظنِّك بأخيك»، وذلك «لأنَّك إن أصبت فيه لا تحصل أجرًا، لأنَّك ظننت به سوءًا، فإن كنت على صواب وكان ظنُّك مطابقًا لما فيه فلن تحصل أجرًا، وإن كنت مخطئًا فأنت آثم، فالإثم محقَّق وحاصل، والفائدة غير متحقّقة»(25) اهـ. (4).

وأختم كلامي إن شاء الله بما ختم به صاحب مقال:"الألفة الألفة..ياأهل السُنَّة"حيث قال: "وأختم هذه الكلمة المختصرة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو داوود في سننه من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال:"كان النّاس إذا نزلوا منزلاً تفرّقوا في الشعاب والأودية فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنّ تفرّقكم في هذه الشعاب والأودية إنّما ذلكم من الشيطان".
فإذا كان تفرّق الأبدان من الشيطان فما بالك بـتفرّق القلوب الّذي هو أعظم ؟!!!..اللّهم سلِّم سلِّم، والحمد لله ربّ العالمين".(5)
-----------------------------------------------
-(1) مقال :"الألفة الألفة..ياأهل السُنَّة" للأخ الفاضل: أبوعبدالله إبراهيم تله، من شبكة سحاب.
-(2) الحديث : حسن: أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (5 /296 ـ 297 /6706)، انظر: «الصَّحيحة» (3420).(منقول من مقال: سوء الظنّ بالمؤمنين:الدّاء والدّواء.للشيخ عثمان عيسي حفظه الله).
-(3) من مقال: سوء الظنّ بالمؤمنين:الدّاء والدّواء.للشيخ عثمان عيسي حفظه الله.
-(4) نفس المصدر.
-(5) من مقال :"الألفة الألفة..ياأهل السُنَّة" للأخ الفاضل: أبوعبدالله إبراهيم تله :شبكة سحاب.






الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	الحكمة والموعظة الحسنة.png‏
المشاهدات:	1224
الحجـــم:	390.0 كيلوبايت
الرقم:	7259   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	السلفيون ليسوا معصومين.jpg‏
المشاهدات:	1377
الحجـــم:	62.7 كيلوبايت
الرقم:	7260   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	مجالسة العلماء.png‏
المشاهدات:	1077
الحجـــم:	961.4 كيلوبايت
الرقم:	7261   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	تلقى الله خفيف الظهر.png‏
المشاهدات:	1201
الحجـــم:	565.3 كيلوبايت
الرقم:	7262  
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 Sep 2019, 12:54 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





الحكيم: بعيد النّظر، يَرَى ما لاَيُبْصِرُهُ النّاس، ولهذا كانت البصيرة، أوسع في تحديد الرُؤى وفهمها من البَصَر، ونلحظ هذا الأمر، في تركيبة حروف كلمة: "البَصيرة" بزيادة "الياء"، التي تفتقدها كلمة:"البَصَر".
فـالبَصَر، فيه نوع من الرؤية المباشرة للأشياء والأمور، والمُبْصِر يعاين ما وُجِد حوله، بعين مجرّدة من إضافات، تعطي مَن يبصرها من تحليلات، تنتج أحكامًا وتصوّرات، قد لايراها ذلك المبصر، وهي موجودة فعلاً، في البصيرة التي يحملها البصير، وهو الحكيم في قومه، الذي يرى الأشياء والأمور الحادثة، بـعين، تربط بينها وبين الأسباب والنتائج المترتّبة عن الاعتماد على عدّة عناصر، تتمّ، باستخدامها، الإصلاحات، والتّقليص من حدّة الأزمات، في علاج كثير من الظّواهر والآفات، التي تفتكّ بكثير من المجتمعات.


وعلى أهميّة الحكمة، التي هي منبع كلّ عملٍ قويم، وبناءٍ متين، ونذرة مَن يمتلكها، يقول الله تعالى:
"يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ(269)"


وقد اختلف المفسّرون في الإسلام في تحديد معنى الحكمة، فمنهم مَن قال أنّها القرآن، ومنهم مَن قال أنّها النبوّة، ومنهم مَن قال أنّها السُّنّة. ومنهم مَن عرّفها على أنّها الإصابة في القول والعمل.


سوف أنقل لكم، بحول الله، بعض التفسيرات للآية، تكون عونًا لي على تقديم ما يزيدني وإيّاكم فقهًا وعلمًا معرفةً، إن شاء الله. وأسأل الله الإخلاص في القول والعمل.

تعليق: أم وحيد بهية صابرين


يقول الإمام الطبري في بعض تفسيرات الآية، التي انتقيتها من تفسيره رحمه الله:

"...واختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم،" الحكمة " التي ذكرها الله في هذا الموضع، هي: القرآن والفقه به.
* ذكر مَن قال ذلك:
6177 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) ، يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.
6178 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " يؤتي الحكمة مَن يشاء "، قال: الحكمة: القرآن، والفقه في القرآن.
6179 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا"، والحكمة: الفقه في القرآن.
6180 - حدثنا محمد بن عبد الله الهلالي، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، قال: حدثنا شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية:"وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا"، قال: الكتاب والفهم به. (99) .
6181 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قوله: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ" الآية، قال: ليست بالنّبوّة، ولكنّه القرآن والعلم والفقه.
6182 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: الفقه في القرآن.

وقال آخرون: معنى " الحكمة "، الإصابة في القول والفعل.
* ذكر من قال ذلك:
6183 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت مجاهدا قال: " وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ"، قال: الإصابة.
6184 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ"، قال: يؤتي إصابته مَن يشاء.
6185 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ"، قال: الكتاب، يؤتي إصابته مَن يشاء .
* * *
وقال آخرون: هو العلم بالدين.
* ذكر من قال ذلك:
6186 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ" العقل في الدين، وقرأ: "وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا".
6187 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الحكمة: العقل.
6188 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قلت لمالك: وما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدّين، والفقه فيه، والاتّباع له.
* * *
وقال آخرون: " الحكمة " الفهم.
* ذكر من قال ذلك:
6190 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سفيان، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، قال: الحكمة: هي الفهم. (100) .
* * *
وقال آخرون: هي الخشية.
* ذكر من قال ذلك:
6191 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ " الآية، قال: " الحكمة " الخشية، لأنّ رأس كل شيء خشية الله. وقرأ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ . [ سورة فاطر: 28].

وقال آخرون: هي النبوّة.
* ذكر من قال ذلك:
6192 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ "، الآية، قال: الحكمة: هي النبوة.

وقد بينا فيما مضى معنى " الحكمة "- وأنّها مأخوذة من " الحكم " وفصل القضاء، وأنّها الإصابة - بما دلّ على صحّته، فأغنى ذلك عن تكريره في هذا الموضع. (101) .
* * *
وإذا كان ذلك كذلك معناه، (102) كان جميع الأقوال التي قالها القائلون الذين ذكرنا قولهم في ذلك داخلا فيما قلنا من ذلك، لأنّ الإصابة في الأمور إنّما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة. وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره مفهما خاشيا لله فقيها عالما، (103) .
وكانت النبوّة من أقسامه. لأنّ الأنبياء مسددون مفهمون، وموفقون لإصابة الصواب في بعض الأمور،" والنبوّة " بعض معاني" الحكمة ".
* * *
فتأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل مَن يشاء، ومَن يؤته الله ذلك فقد آتاه خيرا كثيرا.
* * *
القول في تأويل قوله : وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ (269)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وما يتعظ بما وعظ به ربه في هذه الآيات = التي وعظ فيها المنفقين أموالهم بما وعظهم به غيرهم= (104) فيها وفي غيرها من آي كتابه= (105) فيذكر وعده ووعيده فيها، فينـزجر عما زجره عنه ربه، ويطيعه فيما أمره به=" إلا أولوا الألباب "، يعني: إلا أولوا العقول، الذين عقلوا عن الله عز وجل أمره ونهيه. (106) .
فأخبر جل ثناؤه أن المواعظ غير نافعة إلا أولي الحجا والحلوم، وأن الذكرى غير ناهية إلا أهل النهي والعقول.
------------------------------
الهوامش :
(99) الأثر : 6180 -"محمد بن عبد الله الهلالي" هو : محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي ، أبو مسعود البصري ، روي عن جده عبيد بن عقيل ، وعثمان بن عمر بن فارس ، وعمرو ابن عاصم الكلابى وغيرهم ، وروى عنه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه وغيرهم . قال النسائي : "لا بأس به" . وقال مسلمة : "ثقة" . "مسلم بن إبراهيم" الأزدي الفراهيدي ، أبو عمرو البصري الحافظ . قال ابن معين : "ثقة مأمون" . وكان يقول : "ما أتيت حلالا ولا حراما قط" ، وقال أبو حاتم : "كان لا يحتاج إليه" . وكان من المتقنين . مات سنة 222 . "مهدي بن ميمون" الأزدي المعولي . كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات . مات سنة 171 . "شعيب بن الحبحاب" و"المعولي" بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو .
وكان في المطبوعة : "والفهم فيه" . وهي صواب في المعنى ، جيد في العربية وأثبت ما في المخطوطة ، وهو أيضًا صواب جيد .
(100) الأثر : 6190 -"أبو حمزة" هو أبو حمزة الأعور القصاب الكوفي ، وهو صاحب إبراهيم النخعي . قال البخاري : "ليس بذاك" . وقال : "ضعيف ذاهب الحديث" . قال أبو موسى : "ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن : سفيان ، عن أبي حمزة ، قط" . وقال ابن عدي : "وأحاديثه خاصة عن إبراهيم ، مما لا يتابع عليه" . مترجم في التهذيب .
(101) انظر تفسير"الحكمة"فيما سلف 3 : 87 ، 88 ، 211 /ثم 5 : 15 ، 16 ، 371 .
(102) في المطبوعة : "فإذا كان ذلك..." بالفاء ، ولا معنى لتغيير ما هو في المخطوطة .
(103) في المطبوعة : "فهما خاشيا..." . وفي المخطوطة : "ففهما" ، والصواب قراءتها كما أثبت ، بدليل معناه الذي أراده ، من إدخال الأنبياء في معنى ذلك ، وبدليل قوله بعد : "مفهمون..." .
(104) في المطبوعة : "بما وعظ به غيرهم" ، وهو غير مستقيم تمام الاستقامة في السياق . وفي المخطوطة : "بما وعظهم به غيرهم" ، والصواب أن تزاد"الواو" قبل"غيرهم" ، ليستقيم السياق .
(105) سياق الجملة : "وما يتعظ بما وعظه به ربه في هذه الآيات... فيذكر وعده ووعيده..." وما بينهما فصل .
(106) انظر تفسير"الألباب"فيما سلف 3 : 383 / 4 : 162 .


الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	يؤتي الحكمة من يشاء.png‏
المشاهدات:	1835
الحجـــم:	317.6 كيلوبايت
الرقم:	7266  
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01 Oct 2019, 01:13 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 364
افتراضي





قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)

{ لمّا أمر تعالى بهذه الأوامر العظيمة المشتملة على الأسرار والحكم وكان ذلك لا يحصل لكل أحد، بل لِمَن منَّ عليه وآتاه الله الحكمة، وهي العلم النافع والعمل الصالح ومعرفة أسرار الشرائع وحكمها، وإنّ مَن آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيرا كثيرا وأيّ خير أعظم من خير فيه سعادة الدارين والنجاة من شقاوتهما! وفيه التّخصيص بهذا الفضل وكونه من ورثة الأنبياء، فـكمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوّتيه العلمية والعملية. فـتكميل قوّته العلمية بمعرفة الحق ومعرفة المقصود به، وتكميل قوّته العملية بالعمل بالخير وترك الشرّ، وبذلك يتمكّن من الإصابة بالقول والعمل وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا يمكنه ذلك، ولمّا كان الله تعالى قد فطر عباده على عبادته ومحبّة الخير والقصد للحق، فبعث الله الرّسل مذكّرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم، ومفصلين لهم ما لم يعرفوه، انقسم الناس قسمين:
-قسم أجابوا دعوتهم فتذكّروا ما ينفعهم ففعلوه، وما يضرّهم فتركوه، وهؤلاء هم أولو الألباب الكاملة، والعقول التامّة،
قسم لم يستجيبوا لدعوتهم، بل أجابوا ما عرض لفطرهم من الفساد، وتركوا طاعة رب العباد، فهؤلاء ليسوا من أولي الألباب، فلهذا قال تعالى: ( وما يذكر إلاّ أولو الألباب ) } انتهـ.



وقال الحافظ الإمام ابن كثير رحمه الله:

{ وقوله : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله .
وروى جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس مرفوعا : الحكمة : القرآن . يعني : تفسيره ، قال ابن عباس : فإنه [ قد ] قرأه البر والفاجر . رواه ابن مردويه .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يعني بـالحكمة : الإصابة في القول .
وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : ( يؤتي الحكمة من يشاء ) ليست بالنبوة ، ولكنه العلم والفقه والقرآن .
وقال أبو العالية : الحكمة خشية الله ، فإنّ خشية الله رأس كلّ حكمة .
وقد روى ابن مردويه ، من طريق بقية ، عن عثمان بن زفر الجهني ، عن أبي عمار الأسدي ، عن ابن مسعود مرفوعا : " رأس الحكمة مخافة الله " .
وقال أبو العالية في رواية عنه : الحكمة : الكتاب والفهم . وقال إبراهيم النخعي : الحكمة : الفهم . وقال أبو مالك : الحكمة : السُّنَّة . وقال ابن وهب ، عن مالك ، قال زيد بن أسلم : الحكمة : العقل . قال مالك : وإنّه ليقع في قلبي أنّ الحكمة هو الفقه في دين الله ، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله ، ومما يبين ذلك ، أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا ذا نظر فيها ، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه ، عالما بأمر دينه ، بصيرا به ، يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا ، فالحكمة : الفقه في دين الله .

وقال السدي : الحكمة : النبوة .
والصحيح أنّ الحكمة كما قاله الجمهور لا تختصّ بالنبوّة ، بل هي أعمّ منها ، وأعلاها النبوة ، والرسالة أخص ، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع ، كما جاء في بعض الأحاديث : "مَن حفظ القرآن فقد أدرجت النبوّة بين كتفيه غير أنّه لا يوحى إليه" . رواه وكيع بن الجراح في تفسيره ، عن إسماعيل بن رافع عن رجل لم يسمه ، عن عبد الله بن عمر وقوله .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ويزيد قالا : حدثنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا حسد إلاّ في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً، فسلّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها " .
وهكذا رواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق متعددة عن إسماعيل بن أبي خالد ، به .
وقوله : (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) أي : وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لب وعقل يعي به الخطاب ومعنى الكلام.}. انتهـ.




الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	رأس الحكمة مخافة الله.jpg‏
المشاهدات:	2635
الحجـــم:	51.7 كيلوبايت
الرقم:	7268   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ومن يؤت الحكمة.jpg‏
المشاهدات:	912
الحجـــم:	29.3 كيلوبايت
الرقم:	7269   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ربنا وابعث فيهم رسولا.jpg‏
المشاهدات:	813
الحجـــم:	45.8 كيلوبايت
الرقم:	7270  
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013