فصل الخطاب في كيف يعرف الكذاب .. جوابي على الحية (أم شاتم):

[أبو عبد الله بلال يونسي]

جوابي على الحية (أم شاتم):

حسبكم .. لن تراعوا .. لا يهولنكم الضجيج .. فهذا تخبط الحية لتموت لا لتحيا ..

آخر الفصول من قصة الحية اللئيمة، فلن أضيع وقتي الثمين على فويسقات ليس لهن قيمة (وقد سقت الجواب كشفا للتلبيس وفضحا لعونة إبليس في هذا الأمر خاصة) :

دخلت بيتي توا لأريح وقبلُ حدثني سمح مليح عن بروز حية ذات فحيح تقذف بالكلام القبيح يكسوه تدليس وحشوه تلبيس صريح ودعواها تكذيب وتجريح تزعم فيه اضطرارا وحقه نتن يريح عن تقرح وقيح.
فلزم الجواب الصحيح بقول فصيح يغني عن التوضيح لمن كان ذا فهم رجيح فضمنته نصا وسؤالا وخاتمة، فالنص للتفهيم والسؤال للتكميم وخاتمة حظها التسليم من كل عاقل فهيم ، بعيدة عمن فقهه مثلوم وقلبه مكلوم من ساكني الشروم .
فأقول والله حسبي ونعم الوكيل :
أولا: النص:
للكلام منطوق ومفهوم ،والمفهوم مقارب وبعيد وخطأ وصواب، والكذب نوعان: أولهما يتجه للمفهوم (المعنى) ويطلق على الخطأ وعليه لغة أهل الحجاز والثاني يتجه إلى المنطوق (اللفظ) وهو الكذب على الحقيقة (أي الكذب المعروف)، وكما له أوجها أخرى لا تدخل في قصتنا أسوقها للفائدة نقلا عن الزبيدي:
(( قال الإمام ابن الأنباري-رحمه الله-: ((إِنّ الكَذِبَ ينقسمُ إِلى خَمْسَة أَقسام:
إِحداهُنَّ تَغْيِيرُ الحاكي مَا يَسمَعُ، وقولُهُ مَا لَا يَعْلَمُ نقلا ورِوَايَةً، وَهَذَا القسمُ هُوَ الَّذِي يُؤْثِمُ ويَهْدِمُ المُرُوءَةَ.
الثّاني: أَنْ يقولَ قولا يُشْبِهُ الكَذِبَ، وَلَا يَقْصِد بِهِ إِلاَّ الحَقَّ، وَمِنْه حديثُ: (كَذَبَ إِبراهِيمُ ثَلاثَ كَذِباتٍ) ، أَي: قالَ قولا يُشْبِهُ الكَذِبَ، وَهُوَ صادقٌ فِي الثّلاث.
الثّالثُ بِمَعْنى الخَطَإِ، وَهُوَ كثيرٌ فِي كَلَامهم.
والرّابعُ البُطُولُ، كَذَبَ الرَّجُلُ: بِمَعْنى بَطَلَ عَلَيْهِ أَمَلُهُ وَمَا رَجاهُ. الخامسُ بِمَعْنى الإِغراءِ، وَقد تقدَّم بيانُه. وعَلى الثّالث خَرَّجُوا حديثَ صَلاةِ الوِتْر (كَذَبَ أَبو محمَّد) ، أَي: أَخطأَ، سمّاهُ كاذِباً، لأنَّهُ شَبِيهُهُ فِي كَوْنِه ضِدَّ الصَّواب، كَمَا أَنَّ الكَذِبَ ضِدُّ الصِّدق وإِن افْتَرقا مِنْ حَيْثُ النِّيَّةُ والقَصْدُ؛ لأنَّ الكاذبَ يَعلَم أَنّ مَا يقولُهُ كَذِبٌ، والمُخطِىءَ لَا يعلَمُ. وهاذا الرَّجُلُ لَيْسَ بمُخْبِرٍ، وإِنّما قَالَه بِاجْتِهَاد أَدَّاهُ إِلى أَنَّ الوِتْرَ واجبٌ، والاجتهادُ لَا يدخُلُه الكَذِبُ، وإِنّما يدخُلُه الخَطأُ وأَبو محمّدٍ الصَّحابيُّ: اسمهُ مسعودُ بْنُ زَيْدٍ. وفي التوشيح : أهل الحجاز يقولون : كذبت بمعنى أخطأت وقد تبعهم فيه بقية الناس . وعلى الرابع خرجوا قول الله عز وجل : " انظر كيف كذبوا على أنفسهم " : انظر كيف بطل عليهم أملهم وكذا قول أبي طالب :
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولما نطاعن حوله ونناضل)). [تاج العروس] [ولابن الأنباري مصنف بعنوان: (رسالة في شرح معاني الكذب) ولكنني لم أقف عليها وهي عمدة صاحب التاج في نقله عنه] .
ثانيا: سؤال التحدي:
كيف كذَّبت الحية المفهوم وتركت المنطوق؟ فأتحدَّاها والتحدي قائم إلى أن تقوم القيامة بأمرين: الأول: أن تُكذِب المنطوق المنقول وتترك عنها الفهوم، والثاني: أن تصرح عند التكذيب أنها تريد وتعتقد بالتكذيب الكذب المعروف لدى الجمهور.
ثالثا: الخاتمة:
وفيها ثلاث مسائل:
الأولى: عن الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَال حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) ، وهذا لقذف الحية بالكذب وسفه العقل في من تصفه بـ (تولى كبرها) ..
الثانية: القوم كذبوا (خطَّؤوا) مشايخ الفقه والأصول، فما بالك بمن هو عندهم جاهل مجهول .
الثالثة: ليت الحية سكتت وما هاجت لواقحها فقد أحرجت من نحب راحته وأقلقت ساكنا ذا وقار بلا تدبير ولا تقدير وكل همها الدفع بلا تفكير ولو بمفسدة عظيمة التدمير والله عليم بالواقع والمصير .

وكتب منبها ذوي الحجا معرضا عن سواهم:
بلال يونسي السكيكدي