منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 16 Nov 2016, 06:50 PM
مراد قرازة مراد قرازة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: الجزائر ولاية أم البواقي
المشاركات: 438
افتراضي جذور البلاء في أعين العقلاء أو (تعريف المسلمين بتاريخ المشركين)



جذور البلاء في أعين العقلاء
أو: (تعريف المسلمين بتاريخ المشركين)


المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾، ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً﴾، ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾.

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسنَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
وبعد فإنه لما ظهر ببلدنا من خراف الصّوفية، من يطعن في عقيدة التّوحيد، ويصفها بالبلاء، ويحاول جاهدا أن ينسبها لغير أهلها، ويزور تاريخها، يعاونه في ذلك، ويفرح له، ويروّج لكتابه، رأس الرّوافض وداعيتهم في بلدنا، (أعني الملحق الثقافي بالسفارة الإيرانية)، أحببت أن أبيّن للنّاس حقيقة البلاء ، وأعظمه وأخطره، -والذي تصدّر شأنه الصّوفية والرّوافض-، وأكشف عن جذوره، وأبيّن شيئا من تاريخه، الذي لا يكاد يجهله أحد، ولا يخالف فيه ذو عقل ودين من المسلمين، عسى الخلق أن تعرف أقدارها، وتزن قبل الزّلل أقوالها –والله المستعان-

المطلب الأول : الغاية من خلق بني آدم:
إنّ الله جلّ وعلا قد خلق الإنسان في أحسن تقويم، ليس لله تعالى خلق أحسن منه، فجعله حيا عاقلا عالما ، قادرا مريدا متكلما، سميعا بصيرا، مدبرا حكيما رحيما ، كما خسّن خِلقته فأنشأه في أجمل هيئة، وأبدع تركيب: الرأس بما فيه، والصدر بما جمعه ، والبطن بما حواه ، والفرج وما طواه، واليدان وما بطشتاه، والرجلان وما احتملتاه؛ قال سبحانه (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : 04] (1)
ومن المعلوم أنّه سبحانه لم يخلق هذا الخلق العظيم ، ولم ينشئ هذا النّشأ البديع من غير غاية ظاهرة ، وحكمة باهرة ، قال سبحانه جلّ وعلا ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾[المؤمنون: 115] .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى "أَيْ أَفَظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ مَخْلُوقُونَ عَبَثًا بِلَا قَصْد وَلَا إِرَادَة مِنْكُمْ وَلَا حِكْمَة لَنَا وَقِيلَ لِلْعَبَثِ أَيْ لِتَلْعَبُوا وَتَعْبَثُوا كَمَا خُلِقَتْ الْبَهَائِم لَا ثَوَاب لَهَا وَلَا عِقَاب وَإِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ لِلْعِبَادَةِ وَإِقَامَة أَوَامِر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ( وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) أَيْ لَا تَعُودُونَ فِي الدَّار الْآخِرَة كَمَا قَالَ تَعَالَى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَان أَنْ يُتْرَك سُدًى) يَعْنِي هَمَلًا"( 2)
وقد بيّن الله جلّ وعلا هذه الغاية بأوضح عبارة وأكمل بيان فقال سبحانه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ(57)إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[الذاريات:56-58 ] .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – "إن الله سبحانه وتعالى خلق الجن والإنس لحكمة عظيمة وغاية حميدة، وهي عبادته تبارك وتعالى كما قال سبحانه وتعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وقال تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)، وقال تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن لله تعالى حكمة بالغة من خلق الجن والإنس وهي عبادته، والعبادة هي: "التذلل لله عز وجل محبة وتعظيماً، بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه"، قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)، فهذه الحكمة من خلق الجن والإنس، وعلى هذا فمن تمرد على ربه واستكبر عن عبادته فإنه يكون نابذاً لهذه الحكمة التي خلق الله العباد من أجلها، وفعله يشهد أن الله خلق الخلق عبثاً وسدى، وهو وإن لم يصرح بذلك لكن هذا هو مقتضى تمرده واستكباره عن طاعة ربه"(3 )
وقال رحمه الله: "العبادة لها مفهوم عام، ومفهوم خاص: فالمفهوم العام هو: " التذلل لله محبة وتعظيماً بفعل أوامره، واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه " والمفهوم الخاص: يعني تفصيلها، قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: هي: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة كالخوف، والخشية، والتوكل والصلاة، والزكاة، والصيام، وغير ذلك من شرائع الإسلام "(4)
وعن مقتضى هذه الكلمة العظيمة، والغاية الجليلة وقع الامتحان، وجرى الابتلاء، قال جلّ وعلا ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك:2]، أي : يختبركم في عبادته هل يعبد وحده لا شريك له أم يتخذ هذا المخلوق آلهةً أخرى مع الله جل وعلا؟( 5)
فتحقيق التّوحيد وإفراد الله عزّ وجل بالعبادة هو المحكّ الذي يختبر عليه العباد ، والفيصل والفرقان بين عباد الرّحمن وجنود الشّيطان ، وعبادة غيره عزّ وجل هو عنوان الشّرك، وسبيل الخسران، ( إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما)[النساء:48]
وبهذا المقصد أيضا جعل الإنسان خليفة في الأرض، قال جلّ وعلا ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) [النور:55]، وقال سبحانه (الّذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) [الحج:41]
وهذه العبادة المفروضة في الدنيا هي سبب دخول الجنة والفوز بالرضوان و النظر إلى وجه الله -الكريم-، كما أن الامتناع عن العبادة أو صرفها لغير الله عزّ وجل ،سبب في دخول جهنم وبئس المصير، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )[غافر60] .

المطلب الثاني : التوحيد أعظم النّعم والشرك بالله أعظم البلايا:
مما لا يشكّ فيه عاقل مسلم، ولا يخالف فيه عالم مميّز، أنّ التّوحيد أعظم النّعم ،قال جلّ وعلا ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير ممّا يجمعون)[يونس: 58]
يقول الإمام السعدي رحمه الله :" (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ) الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة وفضل تفضل الله به على عباده ( وَبِرَحْمَتِهِ ) الدين والإيمان، وعبادة الله ومحبته ومعرفته. ( فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) من متاع الدنيا ولذاتها.
فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين، لا نسبة بينها، وبين جميع ما في الدنيا، مما هو مضمحل زائل عن قريب، وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم كما قال الله تعالى عن قوم قارون له: ( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) ، وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل المناقض لما جاءت به الرسل: ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ )" ( 6)
فتحقيق التوحيد يحصل به الأمن التام في الدنيا والآخرة، قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [سورة الأنعام:82]، وتحقيق التّوحيد يحرّم صاحبه على النّار، ومثقال حبّة خردل منه تمنع الخلود فيها، كما جاء ذلك في حديث عتبان في الصحيحين وغيرهما قال: "فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"( 7)، وجميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة وإن عظمت فقبولها متوقف على تحقيق التوحيد، وبه تضاعف هذه الأعمال، قال سبحانه ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) [سورة الفرقان:23]، وكل ما قوي التوحيد والإخلاص لله -جل وعلا- كملت جميع الأعمال الصالحة وتمت، والمخلص في إيمانه وفي توحيده تخف عليه الطاعات، قال سبحانه (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ) [البقرة :45]، كما أنّ تحقيق التوحيد يخفف على العبد المكاره، ويهون عليه المصائب، فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان يتلقى هذه المصائب وهذه المكاره وهذه الآلام بقلب منشرح ونفس مطمئنة قال سبحانه (وما يلقّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [سورة فصلت:35]
ومع ذلك فالموحد حر من رق العباد ومن التعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم وهذا هو العز الحقيقي والشرف الغالي، فيكون بذلك متألهاً متعبداً لله، فلا يرجو سواه، ولا يخشى غيره، ولا ينيب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، وبذلك يتم فلاحه ونجاحه في الدنيا والآخرة، وما أروع المثل الذي ضربه الله -جل وعلا- للموحد والمشرك، قال -جل وعلا-: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [سورة الزمر:29]، يقول أبو السعود في تفسيره: هذا تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض، وتنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية بتوفيق الله تعالى، وأن هذه نعمة جليلة موجبة عليهم أن يداوموا على حمده وعبادته أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل أن لهم المثل الأعلى وللمشركين مثل السوء، صنع جميل، ولطف تام منه -عز وجل-، مستوجب لحمده وعبادته "( 8)
وعلى النّقيض منه ، فإنّ الشّرك أعظم البلايا ، وأسوأ المصائب والنّقم، ذلك أنّ عبادة غير الله أظلم الظّلم ، وأعدى العدوان، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13] ، والشرك يُحبِط جميع الأعمال، قال سبحانه ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، وكلّ عمل سواه مغفور، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، وقد حرّم سبحانه على المشرك الجنّة، قال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، والشرك سبب لاستحلال الدّم والمال، قال سبحانه : ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ [التوبة: 5]، وهو أكبر الكبائر بإجماع المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين "(9 )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "اعلم ـ رحمك الله ـ أن الشرك بالله أعظم ذنب عُصى الله به، قال الله تعالى‏(إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن)‏[النساء‏:‏ 48، 116‏]‏ وفى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل‏:‏أى الذنب أعظم ‏؟‏ قال‏:‏ "‏أن تجعل لله ندا وهو خلقك‏"!‏‏!‏
والند المثل‏، قال تعالى‏:‏ (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) ‏[‏البقرة‏:‏ 22]‏، وقال تعالى‏{وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}‏[الزمر‏:‏ 8‏]‏ فمن جعل لله ندا من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية والربوبية فقد كفر بإجماع الأمة‏.‏
فإن الله ـ سبحانه ـ هو المستحق للعبادة لذاته؛ لأنه المألوه المعبود، الذي تألهه القلوب وترغب إليه، وتفزع إليه عند الشدائد، وما سواه فهو مفتقر مقهور بالعبودية، فكيف يصلح أن يكون إلها‏؟‏ قال الله تعالى‏: (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ) ‏[‏الزخرف‏:‏15]‏ وقال تعالى‏: (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا)‏‏[‏مريم‏:‏ 93‏]‏، وقال الله تعالى‏: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)[‏النساء‏:‏ 172‏]‏، وقال تعالى‏: (وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)‏[‏الذاريات‏:‏ 51‏]‏، وقال تعالى‏: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ)[‏الزمر‏:‏ 11]‏، فالله ـ سبحانه ـ هو المستحق أن يعبد لذاته، قال تعالى: ‏(الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[‏الفاتحة‏:‏ 2‏]‏، فذكر ‏(‏الحمد‏)‏ بالألف واللام التي تقتضى الاستغراق لجميع المحامد، فـدل على أن الحمد كله لله، ثم حصره في قوله‏: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)‏[‏الفاتحة‏:‏ 5‏]"(10)‏
وبالجملة فإنّ كلّ منصف يبحث في "جذور البلاء"، لابدّ أن يدرك أنّ أصل البلايا، وأعظم المصائب هو الشّرك بالله جلّ وعلا، قال سبحانه : ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً)[الكهف:103-105]، وقال سبحانه (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [ البقرة121]، وقال: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:5].

المطلب الثالث: عداوة الشّيطان لبني آدم وكيده لهم:
لما امتنع إبليس من السجود لآدم طرده الله سبحانه من رحمته، وحقت عليه لعنة الله إلى يوم القيامة فقال الله له: (فاخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ) [ص:77-78]
ثم سأل الله أن ينظره إلى البعث فأنظره الله ، قال سبحانه عزّ وجلّ: (قال أنظرني إلى يوم يبعثون، قال إنك من المنظرين) [الأعراف:14-15]
فلما أمِنَ إبليس من الهلاك تمرد وطغى وعاند (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) [الأعراف:16-17]
ولما قال إبليس ذلك قال الله له: (اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءً موفوراً ، واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعِدهم , وما يعدهم الشيطان إلا غروراً ، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ، وكفى بربك وكيلاً) [الإسراء:62-64]
ومن هنا أعلن الشيطان عن خبث عداوته لبني آدم فبدأ يزين لهم المعاصي ويغريهم بالمحرمات والخبائث ويأمرهم بالسوء والفحشاء فانخدع بذلك أكثر الناس ، ووقعوا في تلك المعاصي والمحرمات : ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين ) [سبأ:20]
فكل ما يقع بين بني آدم من الكفر والقتل والعداوة والبغضاء وانتشار الفواحش والزنا ، وشرب الخمور وعبادة الأصنام واقتراف الكبائر فذلك كله من عمل الشيطان ليصد عن سبيل الله ويفسد الناس ويجرهم معه إلى نار جهنم : (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) [المائدة/90-91]
وأعظم مكائد الشّيطان وحبائله التي ينال بها من ابن آدم الشّرك ؛ قال ابن القيّم رحمه الله تعالى – في حصر مراتب إغواء الشّيطان للإنسان-: "المدخل الأول: شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه، وهو أول ما يريد من العبد فلا يزال به حتى يناله منه، فإذا نال ذلك صيره من جنده وعسكره واستنابه على أمثاله وأشكاله فصار من دعاة إبليس ونوابه ولا شك أن الشرك والكفر من أعظم الذنوب التي يقترفها بني آدم، وهي قدح في حق من أعظم الحقوق التي هي لله تعالى على البشر، ولذلك حكم الله تعالى على أن هذا الذنب العظيم لا يغفره الله تعالى لبني آدم البتة أعاذنا الله وإياكم منه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48] ( 11)
لذلك كان أكثر أعمال الشيطان في هذه الدّنيا شرا، وأعظمها أُثرا، وأبلغها ضررا ؛ الدعوة للشّرك بربّ العالمين ، وعبادة غيره جلّ وعلا، قال تعالى : ( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) [الحشر: 16]، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ اللهَ تعالى قال : «.. خَلَقْتُ عبادي حنفاء كلَّهم، وإنهم أَتَتْهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحَرَّمَتْ عليهم ما أحللت لهم، وأَمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سلطانًا»(12)

المطلب الرابع: في عمارة الأرض بالتّوحيد أوّلا وأنه الفطرة التي فطر النّاس عليها:
إنّ آدم عليه السّلام لمّا أنزل إلى الأرض، أعلم بالغاية التي لها خلق، والوظيفة التي من أجلها برء، فكان منه أن حقّق التوحيد على وجهه، وأدّى العبودية التي أمر بها، وعلّمها أبناءه، ودعاهم إليها، ونهاهم عن ضدّها، كيف لا وقد كان لله نبيّا مصطفى، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن آدم: أنبي هو؟ قال: " نعم، نبي مكلم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه روحه ..." ( 13)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمة الله- "ولم يكن الشرك أصلاً في الآدميين، بل كان آدم ومن كان على دينه من بنيه على التوحيد لله، لا تباعهم النبوة... فإن آدم أمرهم بما أمره الله به، حيث قال له: قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:38-39]، فهذا الكلام الذي خاطب الله به آدم وغيره لما أهبطهم قد تضمن أنه أوجب عليهم اتباع هداه المنزل"( 14)
وكذلك فقد أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه أن الفطرة التي فطرت عليها البشرية كلها هي فطرة الإسلام التي هي التوحيد الخالص، فلم يكد يظهر الشّرك إلا بعد أن تغيّرت الفطر ونكست القلوب، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30] وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 172] فهاتان الآيتان تبينان أن العباد كلهم مفطورون على التوحيد وأنه الأصل في بني آدم، وقد فسر غير واحد من المفسرين الفطرة بأنها الإسلام والتوحيد .
قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه. قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم: 30]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديث: " فالصواب أنها فطرة الإسلام وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال: ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا )[ الأعراف: 172]، وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة والقبول للعقائد الصحيحة... " ( 15)
قال ابن القيّم – رحمه الله – " فالقلوب مفطورة على حب إلهها وفاطرها وتأليهه ، فصرف ذلك التأله والمحبة إلى غيره تغيير للفطرة ولما تغيرت فطر الناس بعث الله الرسل بصلاحها وردها إلى حالتها التى خلقت عليها فمن استجاب لهم رجع إلى أصل الفطرة، ومن لم يستجب لهم استمر على تغيير الفطرة وفسادها "( 16)

المطلب الخامس: بداية ظهور الشّرك في بني آدم:
قد أسلفنا أنّ الناس كانوا أمة واحدة، على التوحيد والفطرة، من عهد آدم إلى قبيل عهد نوح عليهما الصلاة والسـلام، حتى طرأ على بعض الناس ما يفسد فطرتهم فدخل الشرك عليهم، قال تعالى: ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) [البقرة:213]
وجمهور المفسرين يقولون بأن الناس كانوا أمة واحدة على الهدى والتوحيد، فظهر فيهم الشرك عن طريق تعظيم الموتى، فبعث الله إليهم رسله ليردوهم إلى التوحيد.
قال ابن جرير الطبري –رحمه الله-: "وأولى التأويلات في هذه الآية بالصواب أن يقال: إن الله عز وجل أخبر عباده أن الناس كانوا أمة واحدة على دين واحد وملة واحدة، وقد يجوز أن يكون ذلك الوقت الذي كانوا فيه أمة واحدة في عهد آدم إلى عهد نوح - عليهما السلام - كما روى عكرمة عن ابن عباس، وكما قاله قتادة، ويؤيده ما جاء في قراءة أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين...)، كما يؤيده قوله تعالى: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ) [يونس: 19] " ( 17)
قال قتادة: " ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح- عليهما السلام- عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق، ثم اختلفوا بعد ذلك، فبعث الله عز وجل نوحاً وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض "( 18)
وأوّل ظهور الشّرك في بني آدم كان من جهة تعظيم المخلوقين فوق قدرهم، وصرف العبادة لهم من دون اللّه جلّ وعلا، قال شيخ الإسلام : " أصل الشرك في بني آدم كان من الشّرك بالبشر الصّالحين المعظّمين، فإنّهم لمّا ماتوا عكفوا على قبورهم، ثمّ صوّروا تماثيلهم ثمّ عبدوهم، فهذا أوّل شرك كان في بني آدم وكان في قوم نوح "( 19)
وقال -رحمه الله- في " التوسل والوسيلة " ما نصه: "والمشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان: قوم نوح، وقوم إبراهيم. فقوم نوح كان أصل شركهم العكوف على قبور الصالحين ثم صوروا تماثيلهم، ثم عبدوهم، وقوم إبراهيم كان أصل شركهم عبادة الكواكب والشمس والقمر، وكل من هؤلاء يعبدون الجن، فإن الشياطين قد تخاطبهم، وتعينهم على أشياء، وقد يعتقدون أنهم يعبدون الملائكة، وإن كانوا في الحقيقة إنما يعبدون الجن، فإن الجن هم الذين يعينونهم، ويرضون بشركهم قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ[سبأ:40]" ( 20)
وروى البخاري عن ابن عباس : " ودُّ وسُواع ويغوث ويَعُوق ونَسْرٌ : أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم انصِبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسَمُّوها بأسمائهم ففعلوا ، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت "( 21)
هكذا ظهر الشّرك في بني آدم بسبب الغلوّ في المخلوقات، ورفعها فوق منازلها، بصرف العبادة لها، وإساءة الظنّ بالله ربّ العالمين، وإنزال قدره، وتنقّص منزلته سبحانه ، قال الله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [الفتح: 6]، وقال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام في رده على قومه: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 87-85] ، وقال سبحانه :(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة الزمر:67].
وسيأتيك أنّ عامة شرك بني آدم بعد هؤلاء، إنّما وقع على هذا المنوال، من تعظيم الصّالحين، وبناء قبورهم، وتصوير صورهم، والعكوف على آثارهم، ثم التدرج في ذلك إلى عبادتهم ودعائهم من دون اللّه جلّ وعلا، وليس المقصود حصر الشّرك في هذا النّوع، وإنّما القصد بيان الصّورة النمطية، والصّفة الغالبة، على شرك بني آدم .
قال المقريزي : "فالشرك في الألوهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعباد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات الذين قالوا ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) ويشفعوا لنا عنده وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة، كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه وخاصته.
والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله وتنص على أنهم أعداء الله تعالى. وجميع الرسل صلوات الله عليهم متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم. وما أهلك الله تعالى من أهلك من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله. وأصله الشرك في محبة الله. قال تعالى: { يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله }. فأخبر سبحانه وتعالى أنه من أحب مع الله شيئا غيره كما يحبه فقد اتخذ ندا من دونه. وهذا على أصح القولين في الآية: أنهم يحبونهم كما يحبون الله. وهذا هو العدل المذكور في قوله تعالى: { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون }. والمعنى على أصح القولين أنهم يعدلون به غيره في العبادة، فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة. وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم { تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين }. ومعلوم قطعا أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربهم وخالقهم، فإنهم كانوا كما أخبر الله عنهم مقرين بأن الله تعالى وحده هو ربهم وخالقهم، وأن الأرض ومن فيها لله وحده، وأنه رب السموات السبع ورب العرش العظيم، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه – وإنما كانت هذه التسوية بينهم وبين الله تعالى في المحبة والعبادة. فمن أحب غير الله تعالى وخافه ورجاه وذل له كما يحب الله تعالى ويخافه ويرجوه فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله، فكيف بمن كان غير الله آثر عنده وأحب إليه وأخوف عنده وهو في مرضاته أشد سعيا منه في مرضاة الله؟ فإذا كان المسوي بين الله وبين غيره في ذلك مشركا فما الظن بهذا؟ فعياذا بالله من أن ينسلخ القلب من التوحيد والإسلام كانسلاخ الحية من قشرها، وهو يظن أنه مسلم موحد "(22 )

المطلب السادس: قصة الشّرك واحدة ومشاهده متكررة:
قضى الله عزّ وجلّ على قوم نوح - بعد أن كذّبوا رسوله، وعتوا في طغيانهم – بالطّوفان، فأغرق أوثانهم، وأهلك أعيانهم، ولم يستبق من النّاس إلا المؤمنين، وجعل ذرّية نوح هم الباقين ، وعاد التّوحيد الخالص كما كان دينا للعالمين، إلاّ أنّ الشّيطان عاود الكرّة، فجمع جنده، وأجلب على بني آدم بخيله، ولازال له في كل أمّة دعوة، وفي كلّ قرن أثر .
فأوّل الأقوام بعدهم قوم عاد، الذين ذكر لنا القرآن اعتقادهم وبيّن لنا ضلالهم من جهة عبادة غير الله، قال تعالى عنهم : (قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِين **إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُون)[هود:54]
قال العلامة المعلمي رحمه الله تعالى معلقا :" ففي هذا أنهم كانوا يعتقدون في آلهتهم القدرة على الضرر ويلحق به النفع , وهو بقرينة ما تقدم – من أنهم كانوا يعبدون الله وأنه لا رب سواه - يدل على أنهم يعتقدون لتلك الأصنام الآلهة قدرة منحها الله عز وجل إياهم , فهي تتصرف فيها بحسب إرادتها كما يتصرف الإنسان بالقدرة التي مُنِحها بحسب إرادته "( 23)
وبعدهم من قريب قوم صالح: وقد ذكر القرآن الكريم أيضا أنّهم أشركوا مع الله غيره في عبادته، قال سبحانه وتعالى : (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [هود:62]
قال ابن جرير: " يقول تعالى ذكره: قالت ثمود لصالح نبيِّهم: (يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا) ، أي كنا نرجُو أن تكون فينا سيدًا قبل هذا القول الذي قلته لنا، من أنه مالنا من إله غير الله ، (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا)، يقول: أتنهانا أن نعبد الآلهة التي كانت آباؤنا تعبدها، (وإننا لفي شك مما تدعونَا إليه مريب)، يعنون أنهم لا يعلمون صحَّة ما يدعوهم إليه من توحيد الله، وأن الألوهة لا تكون إلا لهُ خالصًا"( 24)
وبعدهم قوم إبراهيم، وقد بيّن سبحانه أنّهم نهجوا في الشّرك نهج من قبلهم، من عبادة غير اللّه سبحانه، قال جلّ وعلا –على لسان إبراهيم – (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا) [مريم:42]، وقال على لسان والده: ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}[مريم:46]
قال المعلمي رحمه الله : " وهل كانوا يعتقدون في ذواتها قدرة على النفع والضر ؟ ، الظاهر عدم ذلك , فإنه لما سألهم الخليل عليه السلام (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُون * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّون * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُون)[الشعراء:74], وظاهر أنهم لو كانوا يعتقدون أنها تضر وتنفع لما فروا إلى الاعتصام بالتقليد , بل ربما يفهم من تعبيرهم بـ(بل) تسليم أنها لا تسمع ولا تضر ولا تنفع "( 25)
وبعده أرسل يوسف عليه السّلام في أهل مصر، فنهاهم عن عبادة غير الله أيضا فقال: (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [يوسف:39-40]
قال ابن جرير –رحمه الله- :"يقول: أعبادة أرباب شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر، خيرٌ أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه ، الذي قهر كل شي فذلـله وسخره، فأطاعه طوعًا وكرهًا؟" ، وقال ابن كثير رحمه الله: " ثم إن يوسف - عليه السلام - أقبل على الفتيين بالمخاطبة ، والدعاء لهما إلى عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما ، فقال : ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) [ أي ] الذي ولى كل شيء بعز جلاله ، وعظمة سلطانه، ثم بين لهما أن [الأوثان] التي يعبدونها ويسمونها آلهة ، إنما هو جهل منهم ، وتسمية من تلقاء أنفسهم ، تلقاها خلفهم عن سلفهم ، وليس لذلك مستند من عند الله; ولهذا قال : ( ما أنزل الله بها من سلطان ) أي : حجة ولا برهان "( 26)
وبعد أهل مصر كان الدّور على أهل مدين، وكان من شركهم أيضا عبادة غير الله، فقد ذكر اللّه عزّ وجلّ أنّهم قالوا لشعيب عليه السّلام : (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ) [هود:87].
قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره: قال قوم شعيب: يا شعيب ، أصَلواتك تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام ، (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) ، من كسر الدراهم وقطعها ، وبخس الناس في الكيل والوزن ، (إنك لأنت الحليم) ، وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لم يكن ليفعله في حال الرّضى ، (الرشيد) ، يعني: رشيد الأمر في أمره إياهم أن يتركوا عبادة الأوثان " ( 27)
وبعدهم كان بنو إسرائيل، وقد ذكر اللّه عنهم من أنواع الشّرك الكثير، غير أنّهم لم يخالفوا من كان قبلهم، فكان أول الشّرك فيهم عبادة غير الله، قال تعالى ( قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) [الأعراف:138].
قال ابن جريج: "وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر ، فلهذا أثار ذلك شبهة لهم في عبادتهم العجل بعد ذلك ، فقالوا: (يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) أي : تجهلون عظمة الله وجلاله ، وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل"( 28)
ولم يكتفوا بالطّلب، فما لبثوا أن عبدوا العجل حقيقة وواقعا، قال تعالى ( فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ )[طه:88]، وقال ( قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى )[طه:91].
وذكر اللّه عنهم أيضا أنّهم عبدوا بعد ذلك بعلا – على عهد إلياس عليه السلام-، قال سبحانه: ( وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) [الصافات:123-127].
ثمّ كانت أمّة النّصارى، فلم تشذّ عمّن قبلها، وأشركت في عبادة الله جلّ وعلا غيره ، قال سبحانه: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [المائدة:116-117]
قال الشّيخ فركوس –حفظه الله- : "أمَّا عن مظاهر شرك النصارى في الألوهية فتتجلَّى في عبادة المسيح عليه السلام في مجمل صلواتهم، وتصويرِ الصور والتماثيل في كنائسهم وعبادتِها، وتوجُّهِ بعضهم إلى مريم البَتُولِ بالعبادة على أنَّها والدةُ الإله، وتعظيمِ الصليب الذي هو شعارٌ لهم جارٍ مجرى تعظيم قبور الأنبياء، ولذلك لَعَنَ خاتمُ النَّبِيِّينَ صلى الله عليه وسلم اليهودَ والنصارى الذين اتَّخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ، وأصلُ الشركِ وعبادةِ الأوثان مِن العكوف على القبور واتِّخاذها مساجدَ "( 28)

المطلب السابع: مبعث الأنبياء لمقصد واحد وبرسالة واحدة:
وقد علمنا أنّ أكثر الأمم إنّما أشركت في عبادة غير الله عزّ وجل، وإشراك غير الله سبحانه في ألوهيته، فلا بدّ أن يعلم أيضا، أنّ الأنبياء جميعهم، قد اتّفقوا في دعوتهم على تقديم الدّعوة للتّوحيد ونفي الشّرك وإفراد الله عزّ وجلّ بالعبادة
قال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) [النحل: 36] وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25] وقال تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يَعْبُدُون) [الزخرف: 45].
وقد دل القرآن الكريم في مواطن عديدة أن توحيد الألوهية هو دعوة الرسل جميعا، وأن كل رسول يبعثه الله يكون أول ما يدعو قومه إليه توحيد الله وإخلاص العبادة له، ونحن هنا نكتفي بذكر بعضهم عن بعض:
فقال عن نوح عليه السّلام : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) [الأعراف:59] وقال عن هود عليه السّلام: ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 65] وقال عن صالح عليه السّلام: ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [الأعـراف:73] وقال عن إبراهيم عليه السّلام: ( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) [الصافات:95-96] وقال عن شعيب عليه السّلام: ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [الأعراف:85] وقال عن موسى عليه السّلام: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) [طه:14] وقال عن عيسى عليه السّلام: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [المائدة: 117].
بل قد أخبر سبحانه أنّ المصلحين من غير الأنبياء في الأمم السّابقة قد دعوا قومهم للتّوحيد، فقال عن صاحب أهل القرية : (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ ) [يس:22-23].
وأخبر سبحانه عن أهل الكهف أنّهم قالوا: (ربّنا ربّ السّماوات والأرض لن ندعو من دونه إله لقد قالنا إذا شططا * هؤلاء قومنا اتّخذوا من دونه آلهة لولا ياتون عليهم بسلطان بيّن فمن أظلم ممن افترى عل الله كذبا ) [الكهف14-15]
بل قد بيّن سبحانه أن الدّعوة للتّوحيد ، وإفراد الله عزّ وجلّ بالعبادة، هو المقصود من إنـزال الكتب الإلـهية، كمـا في قوله تعالى: ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ) [النحل: 2]

المطلب الثامن: الشرك عند العرب:
تكاد تجمع كتب السّيرة والتّاريخ، أنّ العرب كانوا على دين إبراهيم عليه السّلام، إلى عهد قريب من بعثة النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ذلك أنّ نبي الله إسماعيل دعاهم إلى توحيد الله فأجابوه، أو أجابه أكثرهم على الإسلام والتّوحيد.
وأوّل من بدّل دين العرب وأحدث عبادة الأصنام بمكّة، كما أجمع عليه أهل التاريخ والسيرة، بل ذكره النّبيّ صلى الله عليه وسلّم في غير ما حديث( 30) : عمرو بن لحي الخزاعي ، وكان رئيس خزاعة حينما غلبت على البيت، وأخرجت منه جرهم، وانفرد هو في قومه بالملك والأمر والتّدبير.
قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم: أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره، فلما قدم مآب من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق، رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ ، قالوا له: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: ألا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له: هبل، فقدم به مكة فنصبه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه(31 ).
ثمّ كان بعد ذلك أن نصب لهم هبلا، وإساف ونائلة، والاّت والعزّى ومناة وغيرها، وأخبارها جميعا في كتب السير والتاريخ والتفسير مشهورة متداولة( 32)، والأعجب منه، أنّه كان أول من أخرج أصنام قوم نوح، ودعا الناس لعبادتها كما سيأتي بإذن الله.
أمّا خارج مكّة فلعلّ الشّرك قد سبق عهد عمرو بن لحي، فقد ذكر أهل التّاريخ أنّ أبناء إسماعيل عليه السّلام، قد تكاثروا حتى أخرج بعضهم بعضا من مكّة، فكان كلّ فريق منهم يأخذ معه شيئا من حجارة البيت، للذكرى والبركة، ثمّ تعدّوا ذلك للعبادة، كما هو حال الشّرك في كلّ زمن والله أعلم(33 ).
وشرك العرب من أكثر ما ذكره اللّه عزّ وجل في القرآن ، كيف لا وهم أمّة دعوة النّبي صلى الله عليه وسلم قبل كلّ أحد، وقد تواترت النّصوص في أنّ غالب ما تورّطوا فيه من الشّرك هو من قبيل عبادة غير الله عزّ وجل
قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) [فاطر:13-14]
وقال الله عز وجل: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورً﴾ [الفرقان: 3]
قال: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾[فاطر: 40]
وقال سبحانه: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )[المائدة:79]
وقال سبحانه: (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) [الحجر:96]
وقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ [الحج: 73]
والآيات في الباب أكثر من أن تحصر، ولا أدل على ذلك من كونه عزّ وجل يستدل عليهم في عبادته، بربوبيته التي يثبتونها، قال سبحانه : (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) [يونس:31]
قال ابن كثير رحمه الله : " يَحْتَجّ تَعَالَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِاعْتِرَافِهِمْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّته عَلَى وَحْدَانِيّته وَإلَاهِيَّته ... ( فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) أَيْ أَفَلَا تَخَافُونَ مِنْهُ أَنْ تَعْبُدُوا مَعَهُ غَيْره بِآرَائِكُمْ وَجَهْلكُمْ "(34 )
والآيات في الباب كثيرة متوافرة، وأمّا الأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين، والشواهد الشعرية، ونصوص أهل السير والتاريخ، فأشهر من أن تذكر، وهي لا تخفى عن أحد من المشتغلين بالعلم -والله أعلم-

المطلب التاسع: مبعث النبي – صلى الله عليه وسلم- بالتّوحيد والدّعوة إلى إخلاص العبادة لله وحده:
أمّا دعوة النّبي صلى الله عليه وسلم، فلم تخالف دعوات سائر الرّسل، في محاربة الشرك، وبيان التوحيد، ودعوة النّاس إلى إخلاص العبادة لله عزّ وجل، قال - صلى الله عليه وسلم -: " إن مَثَلي ومَثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسَنَه وأجمله إلا موضِع لَبِنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويَعجبون له ويقولون: هلا وُضِعتْ هذه اللَّبِنة! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين" ( 35)
والآيات الداعية لتوحيد العبادة في القرآن الكريم كثيرة جدا، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 21 ـ 22] وقال سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ) [النساء:4]وقال سبحانه: ( فإياي فاعبدون ) [العنكبوت:56]وقوله تعالى: ﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92] وقوله تعالى: ﴿ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [يس: 61]
بل قد أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بالعبادة الخالصة لله:
قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2] وقال سبحانه: ﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 66] وقال: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
قال ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ: " إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه؛ فإن القرآنَ إما خبَرٌ عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العِلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلعِ كل ما يُعبَد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطَّلبي، وإما أمر أو نهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوقُ التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعَل بهم في الدنيا، وما يُكرِمهم به في الآخرة، فهو جزاءُ توحيده، وإما خبر عن أهل الشِّرك، وما فعَل بهم في الدنيا من النَّكال، وما يحلُّ بهم في العقبى من العذاب، فهو خبرٌ عمن خرَج عن حُكم التوحيد؛ فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقِه وجزائه، وفي شأن الشِّركِ وأهله وجزائهم "(36 )
وأما السنة النبوية فهي كذلك مليئة بالأدلة على هذا التوحيد وأهميته، فمن ذلك:
ما رواه البخاري في صحيحه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ » قال: الله ورسوله أعلم. قـال: « أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ » قال: الله ورسـوله أعلم. قال: « أن لا يعذبهم » ( 37)
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا نحو اليمن قال لـه: « إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكـن أول مـا تدعوهـم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فـرض عليـهم خمـس صلوات.... الحديث »(38 )
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قـال: «من مـات وهـو يـدعو من دون الله نـدًّا دخل النار»( 39)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شـيئا دخـل النـار»(40 )، والأحاديث في هذا الباب كثيرة

المطلب العاشر: الشرك في أمّة النّبي –صلى الله عليه وسلم-:
رغم أن القرآن كلّه قد جاء في التوحيد –كما سبق-، والنبي صلى الله عليه وسلّم قد حذّر من الشرك أيما تحذير، وبيّن خوفه منه على أمّته، وسدّ الطرق المؤدية إليه، إلا أنّ هذه الأمّة لم تشذّ عمّن قبلها، بل قد ظهر فيها من الشّرك في الألوهية والعبادة، ما تضاهي به الأمم السّالفة ، غير أنّ الله جلّ وعلا قد عصمها في جملتها أن تقع في الشّرك، فلا تزال طائفة منها على الحق ظاهرة، لا يضرها من عاداها ولا من خالفها، حتى يأتي أمر الله وهي على ذلك.
وأكثر من أظهر الشّرك وعبادة غير الله عزّ وجلّ في هذه الأمة طائفتان: الرّوافض والصّوفية، " فالذي أوقع كثيرًا من الأمَّة في هذا الضلال إنَّما هم الروافض الزنادقة، والصوفية وفيهم زنادقة وملاحدة، أوقعوا الأمَّة في هذا الضلال ودعوهم إلى عبادة غير الله، والذبح لهم، والنذر لهم، وتشييد القباب والبناءات على قبورهم، ما فعل اليهود والنصارى فعلًا إلَّا وفاقهم كثير من المسلمين في هذه الأفاعيل الشنعاء " ( 41)
فأمّا الصوفية فشركهم في عبادة غير الله أشهر من أن يذكر، قال الشّيخ ابن باز – رحمه الله - : " وبعض بدعهم – أي الصوفية - تصل إلى الشرك كعبادة الأموات, والاستغاثة بالأموات من أصحاب القبور وغيرهم, وكدعاء البدوي, والاستغاثة بالبدوي, أو بالحسين أو ما أشبه ذلك كل هذا من الشرك الأكبر, وهكذا الطواف بالقبور أو بخشبة تصنع يطاف حولها كل هذا من المنكرات العظيمة, والطواف عبادة لله حول الكعبة ومن طاف على قبر, أو خشبة, أو غير ذلك يطوف تعبداً لغير الله لصاحب القبر, أو لمن وضع الخشبة, أو للخشبة نفسها يدعوها ويعتقد فيها صار كفراً أكبر نسأل الله العافية "
وقال رحمه الله: "فعبادة أهل القبور بدعائهم والاستغاثة والنذور والذبائح لهم وطلب المدد والعون منهم كما هو واقع الآن في بلدان كثيرة في السودان ومصر وفي الشام وفي العراق وفي بلدان أخرى - كل ذلك من الشرك الأكبر، يأتي الرجل العامي الجاهل فيقف على صاحب القبر المعروف عندهم فيطلبه المدد والعون كما يقع عند قبر البدوي والحسين وزينب والست نفيسة، وكما يقع في السودان عند قبور كثيرة، وكما يقع في بلدان أخرى، وكما يقع في بعض الحجاج الجهال عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وعند قبور أهل البقيع وقبور أخرى يقع هذا من الجهال، فهم يحتاجون إلى التعليم والبيان والعناية من أهل العلم حتى يعرفوا دينهم على بصيرة " ( 42)
حتى ألّف بعض الصوفية كتاباً سمّاه: " تحفة الأحباب وبغية الطلاّب في الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات "( 43)
وأمّا الشّيعة الرّوافض فشركهم في هذا الباب أوضح وأشهر، ومشاهدهم معلومة، وقبورهم وأوثانهم مشهورة؛
قال شيخ الإسلام: "وكما تأمر شيوخ الشيعة أتباعهم وكما تأمر شيوخ النصارى أتباعهم، فهم يأمرونهم بالإشراك بالله وعبادة غير الله ويصدونهم عن سبيل الله ، فيخرجون عن حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن حقيقة التوحيد أن نعبد الله وحده فلا يدعى إلا هو ولا يخشى إلا هو ولا يتقى إلا هو ولا يتوكل إلا عليه ولا يكون الدين إلا له لا لأحد من الخلق وأن لا نتخذ الملائكة والنبيين أربابا، فكيف بالأئمة والشيوخ والعلماء والملوك وغيرهم ، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله أمره ونهيه فلا يطاع مخلوق طاعة مطلقة إلا هو ، فإذا جعل الإمام والشيخ كأنه إله يدْعى مع مغيبه وبعد موته ويستغاث به ويطلب منه الحوائج والطاعة إنما هي لشخص حاضر يأمر بما يريد وينهى عما يريد كان الميت مشبَّهاً بالله تعالى، والحيُّ مشبَّهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرجون عن حقيقة الإسلام الذي أصله شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله " ( 44)
وقال" وقد صنف شيخهم ابن النعمان كتاباً سمّاه مناسك المشاهد، جعل قبور المخلوقين تُحجُ كما تحج الكعبة " (45 ).
ولا يسعنا في هذا المقال نقل أقوالهم الداعية للشّرك والمناقضة للتوحيد، فهي كثيرة متوافرة معلومة، وليس هذا موضعه، إنما الغرض من المقال ذكر تاريخ ديانتهم وجذور ملتهم -والله المستعان-

المطلب الحادي عشر: شبهة الشّرك وخدعة الشّيطان:
ولعلّ عاقلا بعد كلّ هذا أن يسأل: كيف استساغ النّاس على عصور مديدة، وأزمنة متعاقبة، أي يعبدوا من دون الله ما لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا، بل يعبدون من ضرّه أقرب من نفعه، ومن لا يستجيب لهم إلى يوم القيامة وهم عن عبادتهم غافلون ؟؟
والجواب قد بيّنه الله جلّ وعلى على لسان هؤلاء أنفسهم، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ)[الزمر:3]، قال ابن جرير " يقول تعالى ذكره: والذين اتخذوا من دون الله أولياء يَتَوَلَّوْنَهُم, ويعبدونهم من دون الله, يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلى الله زُلْفَى, قربة ومنـزلة, وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا "( 46)
ونظيره قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ) [يونس:18]، قال ابن كثير رحمه الله " ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ، ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله ، فأخبر تعالى أنها لا تنفع ولا تضر ولا تملك شيئا ، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها ، ولا يكون هذا أبدا "( 47)
فالسّبب الرّئيس في عبادة المخلوقات، ظنّ أصحابها أنّ لها جاها عند الله عزّ وجلّ، تتوسط به لعابدها، فتقرّبهم إلى اللهّ عزّ وجل، كما أنّهم قاسوا الخالق على المخلوق، وأمعنوا في التّشبيه ، حتّى ظنّوا أنّه لا سبيل إلى اللّه عزّ وجلّ إلا عن طريق تلك الوسائط والشّفاعات، وقد ردّ الله عليهم هذه الشّبهة بقوله:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [سورة البقرة:186]
ومن ذلك أيضا، أنّهم قصدوا بذلك التّبرك، فلم يزل الشّيطان بهم حتى جاوزوا حدّه إلى الشّرك، وكذلك قصد بعضهم التّوسل، فلم يلبث أن ساقه إلى ماهو أسوأ منه.
يضاف إلى هذا ما يجريه الشّيطان على صور هذه المخلوقات من الأمور التي تفتن ضعاف القلوب، وقاصري العقول، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق إما حي أو ميت سواء كان ذلك الحي مسلماً أو نصرانياً أو مشركاً، فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به ويقضي بعض حاجة ذلك المستغيث، فيظن أنه ذلك الشخص أو هو ملك على صورته، وإنما هو شيطان أضله لما أشرك بالله كما كانت الشياطين تدخل الأصنام وتكلم المشركين"( 48)
وقال رحمه الله: "والشيطان يضل بني آدم بحسب قدرته، فمن عبد الشمس والقمر والكواكب ودعاها - كما يفعل أهل دعوة الكواكب - فإنه ينزل عليه شيطان يخاطبه ويحدثه ببعض الأمور ويسمون ذلك روحانية الكواكب وهو شيطان، والشيطان - وإن أعان الانسان على بعض مقاصده - فانه يضره أضعاف ما ينفعه وعاقبة من أطاعه إلى شر الا أن يتوب الله عليه وكذلك عباد الأصنام قد تخاطبهم الشياطين، وكذلك من استغاث بميت أو غائب ..." ( 49).
وبالجملة فإن الغلوّ في الصّالحين، وانتقاص قدر الله جلّ وعلا، هما سببا هذا الشقاء، ومادتا هذا البلاء –والله المستعان-
قال شيخ الإسلام : "أصل الشرك في بني آدم كان من الشّرك بالبشر الصّالحين المعظّمين، فإنّهم لمّا ماتوا عكفوا على قبورهم، ثمّ صوّروا تماثيلهم ثمّ عبدوهم، فهذا أوّل شرك كان في بني آدم وكان في قوم نوح" ( 50)
وقال ابن القيّم –رحمه الله-: "وبالجملة فمن ظن به خلاف ما وصف به نفسه ووصفه به رسله أو عطل حقائق ما وصف به نفسه ، ووصفه به رسله فقد ظن به ظن السوء . ومن ظن به أن له ولدا أو شريكا، أو أن أحدا يشفع عنده بدون أذنه ، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه ، أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه ويتوسلون بهم إليه ، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه ، فيدعونهم ويحبونهم كحبه ، ويخافونهم ويرجونهم فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه"( 51)

المطلب الثاني عشر: أواصر مشتركة وصلات متوارثة:
وحتى يعلم مدى ترابط حوادث التّاريخ السالفة، والعلاقة بينها، والصّلات بين أهلها، لابدّ أن يعلم أنّ الشّرك رحم بين أهل، موروث في جماعته، كما أنّ الإسلام رحم أهله، وعماد أواصرهم، ورابط أخوّتهم
يكفي للدّلالة على هذا الأصل ، أنّ العرب وهم من آخر الأمم، قد عبدوا عين الأصنام التي عبدت في عهد نوح، أي عند أوّل أمّة مشركة من البشر ، فقد روى البخاري في ( صحيحه ) عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع
ومن الأدلة أيضا أنّ النّبي صلى الله عليه وسلّم، قد أخبر أنّ النّاس في جزيرة العرب من بعده، سيعبدون آلهة كانت قد عبدت قبل مبعثه، رغم اندراسها في وقته، وذهاب أثرها ، وطمس صورتها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " لا تقوم السّاعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة " وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية(52 )
وقد يدلّ على هذ المقصد أيضا، ما تواتر عن الأنبياء من تذكير أقوامهم بعاقبة من قبلهم من المشركين، ففي مثل هذا الاستدلال منهم عليهم السلام، دلالة على قرب الشّبه، وعموم الصّلات، فقال سبحانه على لسان هود عليه السّلام:(واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله علّكم تفلحون ) [الأعراف:69]، وقال على لسان صالح عليه السّلام ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصوراوتنحتون الجبال بيوتا) [الأعراف:74]، وقال على لسان شعيب عليه السّلام: (ويا قوم لا يجرمنّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد )[هود:89].
وبالجملة فلا تكاد صورة من القرآن تخلوا من ذكر قصص الأنبياء، وسير الصّالحين، وطرائق المشركين، وتدحض شبههم، وتبيّن ضلالهم، وقد بيّن سبحانه الحكمة من ذلك، وهو أخذ العبرة، والتزام الأسوة، والبراءة من الشّرك وأهله في كلّ زمان ومكان، قال سبحانه: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ماكان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) [يوسف:111]
ولعلّ السّبب في كلّ هذه الصّلات، والعلّة وراء هذا الارتباط، برغم اختلاف الأزمنة، وتباعد الأمصار، أنّ الشّرك كلّه من مشكاة واحدة، وإن اختلفت صوره، وتنوّعت أسماؤه، كما أنّ دين الله واحد، وإن اختلفت شرائعه، فالشّيطان أصل كلّ شرك وفجور ورذيلة، كما أنّ اللّه عزّ وجلّ مصدر كلّ توحيد وبرّ وإحسان، فالمشركون على تعدّد آلهتهم، لم يعبدوا على التّحقيق إلاّ الشّيطان
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: " وكل من عبد غير الله فإنما يعبد الشيطان وإن كان يظن أنه يعبد الملائكة والأنبياء "(53 )

الخاتمة:
هذا الذي يسّر الله جمعه، على اختصار شديد متعمّد، حتى يسهل المقال في عيون القراء، ويتيسّر وجمعه وحفظه واستحضاره عند الاقتضاء، حمّلته المعنى الحقيقي للبلاء، وتاريخه القديم، وورثته من أهل الهوى المعاصرين.
ولو أنصف قارئ هذا التاريخ المختصر –على ما فيه من ضعف وتقصير-، لعلم أنّ شرّ البلاء فعل المشركين، وعين الدّواء دعوة الموحدين، وأن جند التّوحيد هم الغالبون، وأنصاره لهم المنصورون، وأنّ أعداءهم وإن علت دولتهم، وظهرت في الناس شوكتهم، فإنّهم إلى الخسران سائرون، وبالهزيمة متوعّدون.
وقد اقتصرت فيه على جذور الشّرك في الألوهية، لأنه أخص خصائص المتصوفة والرّوافض، ولو أنّ للدّعي الصوفي أيضا انتماء لعقيدة الأشاعرة ، وحلفاؤه الروافض على دين الاعتزال في النّظريات، ومذهب الجميع مبنيّ على التّعطيل والالحاد في ربوبية الله عزّ وجل، وهو بلاء لا يقل شأنا عن الّذي تتبعناه، وله جذور كالّتي ذكرناها، فلعلّنا -أو غيرنا- في قادم الأيام، أن نبيّن لهؤلاء، تاريخ نحلتهم، وسلف ملتهم الذين سبقوهم في الشّرك والالحاد، فتبعوهم على غير هدى، وفي غير رشاد.
أسال الله العظيم الرّشد والسّداد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


ـــــــــــــــ
1- الجامع لأحكام القرآن (20/102) بتصرف يسير

2- تفسير ابن كثير (04/302)
3- مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين (1/206)
4- المصدر نفسه
5- من كلام الشيخ صالح آل الشيخ – حفظه الله – ( شرح الأصول الثلاثة ص 28 )
6- تفسير السعدي (ص344)
7- البخاري (425) ومسلم (33)
8- مختصرا من محاضرة بعنوان " نعمة التوحيد " للشّيخ عبد الكريم الخضير – حفظه الله-
9- مسلم (87)، والبخاري (2510)
10- مجموع الفتاوى (1/88).
11- بدائع الفوائد (2/ 259)
12- رواه مسلم (2865)
13- رواه أحمد (22342) وهو في " سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/359)
14- مجموع الفتاوى (28/603)
15- مجموع الفتاوى (4/245)
16- إغاثة اللّهفان (2/158)
17- تفسير الطبري (4/278)
18- المصدر نفسه
19- مجموع الفتاوى (14/363)
20-مجموع الفتاوى (1/157)
21- رواه البخاري (4920)
22- تجريد التوحيد المفيد (ص25)
23- رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله (ص446)
24- تفسير الطبري (10/213)
25-رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله (ص451)
26- تفسير ابن كثير (4/390)
27-تفسير الطبري (15/450)
28- تفسير الطبري (3/467)
29- الموقع الرسمي للشيخ ( الكلمة الشهرية رقم 10)
30- منها ما رواه البخاري (3521)ومسلم (2856)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : « رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب"
31- نقلا عن البداية والنهاية (2/188)
32- وقد جمع الكلبي منها جملة في كتابه (الأصنام)
33- البداية والنهاية (2/188) (بتصرف يسير).
34- تفسير ابن كثير (4/266)
35- رواه البخاري( 3535)، مسلم (2286 – 2287)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه
36- ﻣﺪﺍﺭﺝ ﺍﻟﺴﺎﻟﻜﻴﻦ (450/3)
37- صحيح البخاري ( 7373)
38- صحيح البخاري ( 7372)
39- صحيح البخاري ( 4497)
40- صحيح مسلم ( 93)
41- من كلام العلَّامة ربيع المدخلي في شريط بعنوان: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ...)
42- نقلا عن الموقع الرسمي للشيخ ابن باز –رحمه الله-
43- من تأليف: "أبي الحسن علي" مطبوع, دار النشر: مكتبة الكليّات الأزهرية, ط 2/ 1413 هـ
44- في منهاج السنة النبوية (3 / 403)
45- منهاج السنة النبوية (1 / 476)
46- تفسير الطبري (15/46)
47- تفسير ابن كثير (4/256)
48- مجموع الفتاوى (11/287-288)
49- مجموع الفتاوى (11/292-293)
50- مجموع الفتاوى (14/363)
51- زاد المعاد (3/233)
52- البخاري (7116) ومسلم (2906)
53- مجموع الفتاوى (14/283).




التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ محمد مرابط ; 18 Nov 2016 الساعة 04:08 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 Nov 2016, 06:35 PM
أبو عبد الله حيدوش أبو عبد الله حيدوش غير متواجد حالياً
وفقه الله
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: الجزائر ( ولاية بومرداس ) حرسها الله
المشاركات: 757
افتراضي

جزاك الله خيراً أخانا الفاضل بوركت يمينك شاعرنا السلفي الجزائري مراد قرازة حفظك الله ورعاك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 Nov 2016, 11:50 AM
مراد قرازة مراد قرازة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: الجزائر ولاية أم البواقي
المشاركات: 438
افتراضي

جزاك الله خيرا وأحسن إليك أبا عبد الله
سررت بطلعتكم
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 Nov 2016, 04:10 PM
أبو معاذ محمد مرابط
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

أحسنت أخي العزيز مراد في اختيار الموضوع وبارك الله فيك فقد أصبت ووفقت فيه.
أسأل الله أن يكتب لك أجره. نعم هذه هي جذور البلاء لمن أراد الخلاص في الدنيا والآخرة، بقلم سلفي صادق مبارك.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 Nov 2016, 07:48 PM
إلياس عطية إلياس عطية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2016
المشاركات: 22
افتراضي

جزاك الله خيرًا أخي وبارك الله فِيك .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 Nov 2016, 10:20 AM
ناصر الوهراني ناصر الوهراني غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2015
الدولة: الجزائر - وهران
المشاركات: 106
افتراضي

جزاك الله خيرًا أخي مراد وبارك الله فِيك .
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 Nov 2016, 01:50 PM
مراد قرازة مراد قرازة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: الجزائر ولاية أم البواقي
المشاركات: 438
افتراضي

جزاكم الله خيرا وأحسن إليك، سررت بمروركم
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, البوروبي, جذورالبلاء, ردود

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013