منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 23 Aug 2017, 04:36 PM
أبو عبد الله إسماعيل كوشي أبو عبد الله إسماعيل كوشي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 10
افتراضي إضاءات أصولية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ نبينا محمدا عبده ورسوله، وبعد:
يعتبر علم أصول الفقه من بين أهم العلوم الشرعية ، بحيث لا يستغني عنه أي طالب علم فضلا عن العلماء؛ ذلك أن هذا العلم هو عبارة عن القواعد والضوابط التي يُتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية.
وإن من أهم تلكم القواعد قاعدة ترك النبي صلى الله عليه وسلم للفعل – أو السنة التَّركية -، إذ تعتبر من الأهمية بمكان خصوصا في سد باب الابتداع في الدين؛ إذ هي من أهم الأدلة على بدعية الأعمال والأقوال المحدثة.
ولهذه الأهمية وغيرها أردت أن أبين بعض المباحث المتعلقة بهذه القاعدة، والتي كانت كالآتي:
- المبحث الأول: مفهوم الترك النبوي.
- المبحث الثاني: أقسام الترك النبوي.
- المبحث الثالث: طرق معرفة الترك النبوي.
=======
المبحث الأول: مفهوم الترك النبوي:
أولا مفهومه في اللغة:
يرجع مفهوم الترك في اللغة إلى الانصراف عن الشيء وعدم فعله مع القدرة عليه.
قال ابن منظور: «التَّرك: ودعك الشيء، تركه يتركه تركا واتَّرَكَهُ. وتركت الشيء تركا: خليته.(لسان العرب 405/10)
وقال أبو هلال العسكري: «والترك عند العرب تخليف الشيء في المكان الذي هو فيه والانصراف عنه، ولهذا يسمُّون بيضة النعامة إذا خرج فرخها تريكة لأن النعامة تنصرف عنها، والتريكة الروضة يغفلها الناس ولا يرعونها»؛ أبو هلال العسكري، الفـروق اللغويـة، (ص113).
وقال التهانوي : «الترك بالفتح وسكون الراء المهملة لغة عدم فعل المقدور سواء قصد التارك أو لم يقصد، كما في النوم، وسواء تعرض لضده أو لم يتعرض؛ وأما عدم ما لا قدرة عليه فلا يسمى تركا. ولذا لا يقال ترك فلان خلق الأجسام. ».( التهانوي، كشـاف اصطلاحـات الفنـون، (422/1).
ثانيا: مفهومه في الاصطلاح
تعددت تعاريف العلماء والباحثين لمفهوم الترك في الاصطلاح، و التعريف المختار هو: «الإعراض عن أمر مقدور على فعله».
شرح التعريف:
فقوله «الإعراض» المقصود به الكف والامتناع عن ذلك الشيء المتروك قصدا، وخرج بقيد القصد ما ليس بمقصود، ذلك أنَّ الترك غير المقصود سلب محض، وهو ليس موضعاً للقدوة. (ينظر: الشاطبي، الموافقـات، (4/419)؛ الزركشي، المنثـور في القواعـد الفقهيـة، (1/284).
وقوله «أمر» يشمل ترك الفعل وترك القول.
وقوله «مقدور على فعله» قيد يخرج به ما ليس في القدرة فعله، وهذا على التحقيق خارج عن حقيقة الترك.
=====
ثالثا: بيـان أن التـرك فعـل من الأفعـال ( وهذا تظهر أهميته عندما نبين كيفية دلالة الترك على الأحكام الشرعية)
يرى كثير من الأصوليين أن الترك فعل من الأفعال، وذهب بعضهم إلى أنَّ الترك ليس فعلا من الأفعال وإنما هو عدم محض، ونُسب هذا إلى أبي هاشم الجبائي.
وممن ذهب إلى أن الترك فعل، الغزالي، وابن حزم، والسرخسي، السبكي، وابن الحاجب، والشاطبي، وابن المنير، والزركشي والأمير الصنعاني، والشوكاني، والشنقيطي وغيرهم كثير.
وبما أن هذا القول هو الظاهر وهو المعتمد فسنورد دليلا من القرآن فقط وآخر من السنة وثالثا من اللغة.
====
أما القرآن:
قوله تعالى : [لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّو نَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ]. [المائدة:63].
قال الشنقيطي: «فترك الربانيين والأحبار نهيهم عن قول الإثم وأكل السحت سماه الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة صنعا في قوله: "لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ"، أي: وهو تركهم النهي المذكور، والصنع أخص من مطلق الفعل، فصراحة دلالة هذه الآية الكريمة على أن الترك فعل في غاية الوضوح كما ترى». [ أضواء البيان: 326/6].
====
وأما السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " [ أخرجه البخاري]
ففي هذا الحديث بيان نبوي أن ترك الأذى بالقول أو الفعل يستوجب أن يكون صاحبه مسلما.
قال الشنقيطي «فسمى ترك الأذى إسلاماً وهو يدل على أن الترك فعل».[ مذكرة أصول الفقه 47]
====
وأما من اللغة:
فمن الأدلة التي استدل بها العلماء على أن الترك فعل قول القائل من الأنصار حين ترك بعضهم العمل مع النبي صلى الله عليه وسلم:
لَئِن قعدنا وَالنَّبِيّ يعْمل *** لذاك منَّا الْعَمَل المضلل
قال الشنقيطي: «فمعنى قعدنا تركنا الاشتغال ببناء المسجد، وقد سمى هذا الترك عملا في قوله «لذاك منا العمل المضلل»».[ المذكرة: 47].
=====
=====
المبحث الثاني: أقسام الترك النبوي:
إن المتأمل فيما كتبه العلماء والباحثون يجد أنهم لم يتفقوا على تقسيم واحد للتروك النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فمنهم الموسع في التقسيم ومنهم المضيق ومنهم المتوسط، ولكن عند التدقيق والتأمل جيدا يمكن التوفيق بين التقسيمات، ذلك أنَّ بعضها يندرج في بعض، وعليه فالتقسيم المختار للترك أن يكون على ثلاثة أقسام كبرى تندرج تحتها أقسام فرعية، وهذا ما سيتضح بيانه في الفروع الآتية:
======
الفـرع الأول: التــرك المعــــلل:
ونقصد بالترك المعلل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وهو قادر على فعله لعلة معتبرة شرعا، وبلفظ آخر هو ما قام مقتضيه – أي السبب الداعي لفعله – ومنع منه مانع، وينقسم هو أيضا باعتبار العلة المانعة من الفعل إلى ما يلي:
أولا: ما تركه صلى الله عليه وسلم بسبب كراهة طبعه له:[ الشاطبي، الموافقـات، (4/423)؛ الجيزاني، سنة التـرك، (ص31)؛ الأشقر، أفعـال الرسـول ه،(2/53).].
مثاله: تركه أكل الضب و قال فيه عندما سئل أحرام هو: «لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه»
فهذا الترك يقابل أفعاله صلى الله عليه وسلم التي صدرت عنه بمقتضى الجبلة والطبع، فلا قدوة فيها، إلا أن يقال إن فيه قدوة لمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وسلم ، أي يعافه وعليه يحمل النهي الوارد عن أكل لحم الضب. [الشاطبي، الموافقـات، (4/423)].
ثانيـا: ما تركه صلى الله عليه وسلم خشية أن يفرض على أمته: [ينظر: الشاطبي، الموافقـات، (4/423)؛ الجيزاني، سنة التـرك، (ص32)].
مثاله: تركه صلى الله عليه وسلم الاستمرار على الصلاة جماعة في ليالي رمضان بعد أن صلى بهم ثلاث ليال، وقال « أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها»[ أخرجه البخاري ومسلم].
فهذا ومثله يصبح مشروعا متى زال المانع وهو هنا انتهاء عهد التشريع بموته صلى الله عليه وسلم، فلا حجة فيه لمن ذهبوا إلى تقسيم البدع. [ بن حنفية العابدين درء الشكوك عن أحكام التروك]
ثالثـا: ما تـركه صلى الله عليه وسلم إشفاقـا بأمتـه: [ينظر: النووي، شرح صحيـح مسلم، (5/138)؛ الصنعاني، سبل السـلام، (1/163).
وهذا أعم من السابق، فإن الإشفاق قد يكون لعلمه بحرصهم على الاقتداء به، فيشق ذلك عليهم، وإن لم يخش الافتراض عليهم، ومثال ذلك تأخيره صلى الله عليه وسلم العشاء عن أول وقتها أحيانا دون عذر، فقد روى مسلم عن عائشة بأنها قالت: « أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال: «إنه لوقتها، لولا أن أشق على أمتي ».[أخرجه البخاري ومسلم]؛ وهذا القسم الاقتداء به فيه قائم .
رابعا: ما تركه صلى الله عليه وسلم خوفا من ترتب مفسدة: [ينظر: الشاطبي، الموافقـات، (4/424)،].
و من أوضح الأمثلة له تركه صلى الله عليه وسلم إقامة الكعبة على قواعد إبراهيم ؛ وتعليله ذلك بكون الناس حديثي عهد كفر.
=====
الفرع الثاني: التــرك التشــريعي:
والمقصود بالترك التشريعي ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الشرع وحكمه، أي أن العلة من تركه صلى الله عليه وسلم للفعل مع القدرة عليه إنما كان لبيان حكم الشرع في ذلك الفعل، فقد يكون التلبس بذلك الفعل محرما وقد يكون مكروها وقد يكون مباحا وقد يكون خاصا به، وكل ذلك سيتضح من خلال ما يلي.
*أولا: التـرك الخـاص بـه صلى الله عليه وسلم: [وقد أسماه الشاطبي: الترك لحق الغير؛ ينظر: الشاطبي، الموافقـات، (4/423)].
ومثاله تركه صلى الله عليه وسلم أكل الثوم والبصل، فهذا لا قدوة فيه أيضا لكونه من خصائصه صلى الله عليه وسلم ، إذ ثبت عنه أمر غيره بأكله، وهو أمر للإذن والإباحة، حيث قال: «كل فإني أناجي من لا تناجي».[ أخرجه البخاري ومسلم]
فما خُصَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتحريمه دون أمته يستحب للأمة التنزه عنه ما أمكن، غير أنه ليس محرما عليهم، ما لم يدل الدليل على تحريمه على الأمة أيضا.
قال الشاطبي : «فقد صار التناول في حقه ممنوعا أو مكروها لحق ذلك الغير؛ هذا في غير مقاربة المساجد، وأما مع مقاربتها والدخول فيها فهو عام فيه وفي الأمة». [الشاطبي، الموافقـات، (4/423)].
*ثانيا: ترك ما فعلـه صلى الله عليه وسلم ولم يعـد إليـه:
فإذا علمنا أن فعله كان واجبا أيقنا أن تركه نسخ، ومن أمثلته على أحد الوجهين تركه الوضوء مما مست النار، فعن جابر ا قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله ه ترك الوضوء مما غيرت النار». فهذا محل قدوة واتساء [درء الشكوك عن أحكام التروك].
قال العيني : «الأمران هما: الوضوء مما مسته النار، وترك الوضوء منه... والمعنى: أن هذا الحديث ناسخ لحديث الوضوء مما مست النار». [العيني، شرح سنن أبي داود، (1/446)].

ثالثا: التـرك إلى بدل، بحيث فعـل هذا تارة والآخـر تارة أخـرى [ ينظر: ابن تيمية، مجموع الفتـاوي، (24/245)].
وهذا شأن كثير من السنن التي جاءت على أنواع للتوسعة، ويظنها الناس من اختلاف التضاد فتضيق صدورهم بالمخالف وينكرون عليه، ومعظم هذا القسم في العبادات المحضة كالطهارة والصلاة ونحوها وأمثلته لا تخفى؛ منها:
صيغ التشهد، والصلاة على النبي ه.
صيغ الإقامة، والأذكار، ونحوها.
والأفضل في هذا أن يفعل المسلم ما علمه من هذه السنن كلها، لما في هذا الأمر من المنافع، ولا ضير أن يكون بعضها أفضل من بعض، ولكن لا ينبغي أن يجمع بين تلك الأنواع في مقام واحد.

رابعا: ما فعلـه في موطـن أو مواطـن، وتركه في مواطـن أخرى،[ ابن تيمية، مجموع الفتـاوي، (24/245)].
ومن أمثلته: رفع اليدين عند الدعاء، فإنه قد ثبت عن النبي ه رفع يديه في مواطن منها: بعرفة، والاستسقاء، وعند الكسوف، وغير ذلك حتى مثَّل به علماء الحديث للمتواتر المعنوي؛ لكنه لم يثبت عنه الرفع في خطبة الجمعة، ولا في أدبار الصلوات المكتوبة، مع توافر الدواعي على نقله لو فعله، وعليه فمن تمام الاقتداء به التزام هديه فعلا وتركا، وعدم الاعتماد على العمومات والإطلاقات الواردة في مشروعية رفع اليدين عند الدعاء.
والذي أوقع الناس في الالتباس في هذا الأمر الدقيق ظنهم أن هناك تلازما بين الدعاء وبين رفع اليدين، والظاهر خلافه فمثلا الركوع والسجود والتشهد فيها أدعية ولكن لا يشرع رفع اليدين فيها.
الفـرع الثـالث: ما تداخـل فيـه التشريـع والتعليـل
والمقصود من هذا القسم ما كانت تشوبه شائبتان شائبة التعليل وشائبة التشريع فالنظر في هذا القسم يكون من زاويتين التشريع والتعليل ولكل أحكامها.
ثم ترك النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون لأن المقتضي للفعل لم يقم، أو قد يكون الترك لمانع يمنع من قيامه بالفعل مع كون المقتضي – أي السبب الداعي -للفعل قائم، كما قد يكون تركه مقصودا مع كون المقتضي للفعل قائم؛ فالحاصل من هذا أن ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم من أساسه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولا: ما تركـه صلى الله عليه وسلم مما لم يقـم مقتضـاه على عهـده:[ ينظر: الشاطبي، الموافقــات، (3/157)؛ ابن تيمية، اقتضـاء الصراط المستقيـم، (2/100)].
تـرك النبي صلى الله عليه وسلم لفعل لم يظهر في عهده ما يقتضيه لا يدل على المنع من فعله، فإذا طرأ حال يجعل المصلحة في الفعل فيكون ذلك الأمر مجال نظر المجتهد يلتمس له حكما حسب المصلحة الداعية للفعل، وذلك بالرجوع إلى أصول الشريعة وكلياتها.
قال الشاطبي: «النوازل الحادثة بعد وفاة النبي الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها، وإنما حدثت بعد ذلك، فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تبين في الكليات التي كمل بها الدين.
وإلى هذا الضرب يرجع جميع ما نظر فيه السلف الصالح مما لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخصوص مما هو معقول المعنى؛ كتضمين الصناع، ومسألة الحرام، والجد مع الأخوة، وعول الفرائض، ومنه جمع المصحف، ثم تدوين الشرائع... وما أشبه ذلك مما لم يحتج في زمانه ؛ إلى تقريره... ». [الشاطبي، الاعتصام، (1/476)].
ثانيا: ما تركـه صلى الله عليه وسلم مما قام مقتضـاه على عهـده ومنع منه مانـع: [ابن تيمية، مجموع الفتـاوى، (26/172)].
إذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم الفعل مع قيام المقتضي له، وكان هذا الترك لوجود مانع يمنع من فعله فهذا الترك لا يدل على المنع من الفعل، فإذا زال المانع كان فعل ما تركه مشروعا غير مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم إذا دلت الأدلة الشرعية عليه.
ومثاله تركه صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح جماعة بعد أن صلاها.
قال ابن تيمية: «قد كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى؛ وقد قال لهم في الليلة الثالثة، أو الرابعة لما اجتمعوا: «إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن تفرض عليكم» فعلّل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم». [ابن تيمية، اقتضـاء الصـراط المستقيـم، (2/96)].
ثالثا: ما تركـه صلى الله عليه وسلم مما قام مقتضـاه على عهده ولم يمنع منه مانـع: [ينظر: ابن تيمية، اقتضـاء الصـراط المستقيـم، (2/103)].
تركه صلى الله عليه وسلم لفعل مع توافر الدواعي للقيام بذلك الفعل، وانتفاء الموانع التي تحول دون القيام به، يعتبر سنة خصوصا فيما هو من القرب، ويعتبر اقتراف ذلك الفعل من البدع التي نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم.
مثاله عن جابر بن سمرة اقال: «صليت العيدين مع النبي ه غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة». [أخرجه مسلم].
قال ابن تيمية
«فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة، وهو مع هذا لم يشرعه، فوضعه تغيير لدين الله... بل يقال: ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود ما يعتقد مقتضيا، وزوال المانع، سنة، كما أن فعله سنة... فهذا الترك سنة خاصة، مقدمة على كل عموم وكل قياس». [ابن تيمية، اقتضـاء الصـراط المستقيـم، (2/103)].
وقال الشاطبي /
«الثاني: أن يسكت –أي النبي صلى الله عليه وسلم - عنه وموجبه المقتضي له قائم، فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان؛ فهذا الضرب السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع ألا يزاد فيه ولا ينقص؛ لأنه لما كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ثم لم يشرع الحكم دلالة عليه؛ كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة، ومخالفة لما قصده الشارع». [الشاطبي، الموافقـات، (3/158)].
- المبحث الثالث: طرق معرفة الترك النبوي.
لقد كان الصحابة أشد الناس اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم في فعله وتركه، وفي أمره ونهيه، ولهذا الحرص فقد كانوا ينقلون كل صغيرة وكبيرة صدرت عنه صلى الله عليه وسلم ، فلم يتركوا شيئا إلا ونقلوه لنا، ومن بين أموره التي نقلوها تركه صلى الله عليه وسلم ، ثم نقلهم لتركه كان على نوعين، وكلاهما سنة.
الفـرع الأول: التصـريح بالتـرك [ينظر: ابن القيم، إعلام الموقعـين، (2/281)؛ ابن النجار، شرح الكوكب المنـير،(2/165)].
التصريح بالترك إما أن يكون من النبي صلى الله عليه وسلم كأن يصرح صلى الله عليه وسلم أنه لم يفعل كذا وكذا، أو لا أفعل كذا.
ومن أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم: «لا آكل متكئا»، فهذا تصريح بالترك من النبي صلى الله عليه وسلم.
وإما أن يكون التصريح من الصحابي كأن يقول ترك النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أولم يفعل كذا.
ومن أمثلته ما ورد عن الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيدين بلا أذان ولا إقامة.
قال ابن القيم
«وأما نقلهم لتركه صلى الله عليه وسلم فهو نوعان، وكلاهما سنة؛ أحدهما: تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله، كقوله -أي الصحابي- في شهداء أحد: «ولم يغسلهم ولم يصل عليهم» وقوله في صلاة العيد «لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء» وقوله في جمعه بين الصلاتين «ولم يسبح بينهما ولا على أثر واحدة منهما» ونظائره». [ابن القيم، إعلام الموقعـين، (2/281)].
الفـرع الثـاني: عدم النقـل فيما لو فعلـه لتوافرت الهمم على نقلـه [ينظر: ابن تيمية، مجموع الفتـاوى، (22/418)؛ ابن القيم، إعلام الموقعـين، (2/281)].
يعتبر عدم نقل الصحابة لما لو فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لتوافرت هممهم على نقله الطريق الثاني لمعرفة تروكه صلى الله عليه وسلم بعد الطريق الأول.
قال ابن تيمية
«الذي تتوافر الهمم والدواعي على نقله في العادة ويجب نقله شرعا: هو الأمور الوجودية فأما الأمور العدمية فلا خبر لها ولا ينقل منها إلا ما ظن وجوده أو احتيج إلى معرفته فينقل للحاجة... بل يستدل بعدم نقله مع توافر الهمم والدواعي في العادة والشرع على نقله أنه لم يكن». [ابن تيمية، مجموع الفتـاوى، (22/418)].
.
وقال ابن القيم «والثاني: عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله؛ فحيث لم ينقله واحد منهم ألبتة ولا حدث به في مجمع أبدا علم أنه لم يكن». [ابن القيم، إعلام الموقعـين، (2/281)].
=====
=====
هذا ما أردت بيانه في هذه الأسطر، وسنعود بإذن الله إلى مباحث الترك النبوي.
=====
=====
ملخص من مذكرتي للماستر، والتي بعنوان:" تروك النبي صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية".

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 Aug 2017, 11:50 PM
عبد الله بوزنون عبد الله بوزنون غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2014
المشاركات: 187
افتراضي

بوركتم ,بحث أصوليّ مفيد جزاكم الله خيرا.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 Aug 2017, 06:38 PM
أبو خليل عبد الرحمان أبو خليل عبد الرحمان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 133
افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 Aug 2017, 07:09 PM
أبو عبد الله بلال يونسي أبو عبد الله بلال يونسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 283
افتراضي

نقل كلام ابن القيم من كتابه إعلام الموقعين بتمامه لتكتمل الفائدة وتثبت لجودته وتحليته بالأمثلة :

(( فصل :

نقل الترك

وأما نقلهم لتركه صلى الله عليه وسلم فهو نوعان ، وكلاهما سنة ;

أحدهما : تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله ، كقوله في شهداء أحد : { ولم يغسلهم ولم يصل عليهم } وقوله في صلاة العيد { لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء } وقوله في جمعه بين الصلاتين { ولم يسبح بينهما ولا على أثر واحدة منهما } ونظائره .

والثاني : عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله ; فحيث لم ينقله واحد منهم ألبتة ولا حدث به في مجمع أبدا علم أنه لم يكن ، وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة ، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائما بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات ، وتركه رفع يديه كل يوم في صلاة الصبح بعد رفع رأسه من ركوع الثانية ، وقوله : { اللهم اهدنا فيمن هديت } يجهر بها ويقول المأمومون كلهم " آمين " .

ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه صغير ولا كبير ولا رجل ولا امرأة ألبتة وهو مواظب عليه هذه المواظبة لا يخل به يوما واحدا ، وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة ولرمي الجمار ولطواف الزيارة ولصلاة الاستسقاء والكسوف ، ومن ها هنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة ; فإن تركه صلى الله عليه وسلم سنة كما أن فعله سنة ، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ، ولا فرق .

فإن قيل : من أين لكم أنه لم يفعله ، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم ؟ فهذا سؤال بعيد جدا عن معرفة هديه وسنته ، وما كان عليه ، ولو صح هذا السؤال وقبل لاستحب لنا مستحب الأذان للتراويح ، وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة ، وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا مستحب آخر النداء بعد الأذان للصلاة يرحمكم الله ، ورفع بها صوته ، وقال : من أين لكم أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا آخر لبس السواد والطرحة للخطيب ، وخروجه بالشاويش يصيح بين يديه ورفع المؤذنين أصواتهم كلما ذكر اسم الله واسم رسوله جماعة وفرادى ، وقال : من أين لكم أن هذا لم ينقل ؟ واستحب لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب ، وقال : من أين لكم أن إحياءهما لم ينقل ؟ وانفتح باب البدعة ، وقال كل من دعا إلى بدعة : من أين لكم أن هذا لم ينقل ؟ ومن هذا ترى أخذ الزكاة من الخضراوات والمباطخ وهم يزرعونها بجواره بالمدينة كل سنة ; فلا يطالبهم بزكاة ، ولا هم يؤدونها إليه .))
انتهى.
نقله بلال يونسي
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 Aug 2017, 02:38 AM
يوسف بن عومر يوسف بن عومر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: الجزائر-ولاية سعيدة
المشاركات: 594
افتراضي نظم

بوركت أخي الكوشي
نثر أصولي بديع
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الترك؛ السنة؛

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013