23 Oct 2013, 08:23 AM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: الجزئر
المشاركات: 228
|
|
كيف تكون النصيحة لولاة الأمور ؟ للشيخ صالح ال الشيخ
سؤال : كيف تكون النصيحة لولاة الأمور ؟
جواب : جاء في النصوص لفظ النصيحة ، وجاء فيها لفظ الإنكار ، وفرق بين النصيحة والإنكار ، وقد أخرج ابن أبي عاصم وغيره قوله عليه الصلاة والسلام : « مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً » ([1]) ، وروى أبو سعيد الخُدْرِي – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ » ([2]) ففي حديث أبي سعيد جعل مراتب الإنكار ثلاثة ، وقيد الإنكار برؤية المنكر ، وجعل الإنكار على المنكر نفسه .
والذي درج عليه سلفنا الصالح من الصحابة ومن بعدهم أن الواقع في المنكر إذا كان مظهِرًا له أمام الناس فإنه ينكر عليه ، فإذا وقع أي مسلم في منكر وأظهره فإنه ينكر عليه علنًا باليد ، إن كان المنكِر من أهل اليد ، أو باللسان إن لم يكن من أهل اليد ، أو بالقلب إن لم يستطع المرتبتين الأوليين ، وقد قيد النبي – صلى الله عليه وسلم – الإنكار بقوله : « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا » ، وهذا الوصف مقصود بالحكم ؛ إذ الرؤية مختلفة عن السمع ، فلا يصح أن يقال : من سمع منكم منكرًا فليغيره بيده أو بلسانه .
فتحرر بهذا أن المنكر إذا ما ظهر يُنكَر على ما جاء في حديث أبي سعيد ، أما إذا لم يظهر أو لم يُرَ صاحبُه يواقعه أو كان المنكر فاشيًا ولم يكن الواقع فيه معينًا فإن بابه يكون باب النصيحة ، فمثلًا رأيت فلانًا من الناس يواقع منكرًا في الشارع ، أو كنا حضورًا عند أمير وذكر مخالفة شرعية ظاهرة سمعناها منه ورأيناها ، فإننا ننكر عليه ما لم يترتب على هذا الإنكار مفسدة ، وأما إذا كان الأمر خفيًّا أو كان مما يتعلق بولايته ولم يكن هو الواقع فيه ، وإنما الأمر واقع فيما تحت ولايته ، فإننا نقول : إن المنكر وقع منه ورأيناه منه ، فلا يكون حديث أبي سعيد الخدري على هذه الحال ، وإنما يكون الباب باب نصيحة ؛ لأن الأمر لم يقع فيه هو علانية ، وإنما هو منتشر ، ويراد من الوالي أن يصلح هذا ، فيكون الأمر بنصيحته سرًّا وليس بالعلن .
وقد روى البخاري – رحمه الله – في صحيحه عن أسامة بن زيد – رضي الله عنه – أنه خوطب بقوله : ألا تنصح لعثمان ؟ حينما وقع منه بعض ما وقع في أواخر خلافته ، قال أسامة : ” قد كلمتُه ما دونَ أن أفتحَ بابًا أكونُ أوَّل مَن يفتحه ” ([3]) .
وقد علق الحافظ ابن حجر على هذا الأثر فذكر أن النصيحة للوالي إذا خرجت إلى العلن صار مبلغها ومؤداها إلى الخروج على الولاة ، وأمر الخروج على الولاة جاءت الشريعة بوصده ، بل كان مما يميز أهل السنة والجماعة أنهم يرون الطاعة ، ولا ينزعون يدًا من طاعة ولاة الأمر ، وأنهم يبذلون لهم الدعاء في السر والعلن ، أما النصيحة العلنية فهي نوع من التشهير الذي يوغر الصدور ويخرج الناس عن الطاعة ، ويؤدي بهم إلى الخروج على ولاة الأمور .
وهذا ملخص كلام الحافظ ابن حجر على أثر أسامة ، وهذا الأثر حقيق بأن يُراجع في البخاري ويُحفظ لفظه ، ومَن كان خطيبًا أو مدرسًا أو يلتقي بالشباب فليذكرهم به ، فإن كان في القلوب حياة ولزوم للسنة التي صحت عنه عليه الصلاة والسلام من قوله : « مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً » وكان لنا شغف بلزوم هدي الصحابة رضوان الله عليهم وما أخبر به أسامة من هديه ؛ إن كان في القلوب حياة فيجب عليها أن تلزم ذلك .
أما إن كان في القلوب غير ذلك من الأهواء المضلة ، ومما هو مشابه لطرق غير أهل السنة والجماعة من الخوارج والمعتزِلة ، فإن أولئك لن يرفعوا رأسًا بالسنة ، ولا بهدي الصحابة .
إذن تحصل أن هناك فرقًا بين الإنكار والنصيحة ، كما دلت النصوص ، فالإنكار له مقامه ، والنصيحة لها مقامها ، والخلط بين المقامين هو سبيل أهل الأهواء .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
***
موقع الشيخ حفظه الله
|