الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ).( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراونساءواتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ).( يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) .أما بعد: فمما يُلاحظ أن كثيرا ممن وفقه الله لصلاة الفجر مع جماعة المسلمين وسلمه الله من ترك أثقل الصلاة على المنافقين ما أن ينتهي من صلاة الصبح إلا ويسرع إلى الفراش فيفوته خيراً عظيم كأذكار الصباح ،ودروس علمية ،ومنافع دنيوية, ولقد كان من هدي النبي وأصحابه أنهم إذا صلوا الفجر جلسوا في مصلاهم حتى تطلع الشمس . كما ثبت في " صحيح مسلم من حديث سماك بن حرب قال :( قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله ؟ قال : نعم ، كثيراً ، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح - أو الغداة - حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قام ؛ وكانوا يتحدثون ، فيأخذون في أمر الجاهلية ، فيضحكون ويتبسم . (1)
يعني أن الذي ينام بعد صلاة الفجر يكون فيه غفلة,غفلة عن الذكر الذي أمر الله به (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها).أهـ كلامه
وأيضا فقد سأل النبي ربه أن يبارك لأمته في بكورها ، روى الإمام أحمد في مسنده وغيره بإسناده عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا قَالَ فَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ قَالَ فَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ قَالَ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. (3)
ومن هنا كره بعض السلف النوم بعد الفجر ،وهذا بعض ماروى ابن أبي شيبة عنهم في مصنفه باب ماقالوا فِي التّصبّحِ نومة الضّحى, وما جاء فِيه : 1. عن عروة بن الزبيرأنه قال كان الزبير ينهى بنيه عن التصبح ( وهو النّوم في الصّباح ) 2. قال عروة : إني لأسمع أن الرجل يتصبح فأزهد فيه . 3. عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قَالَ : مَرَّ بِي عَمْرُو بْنُ بُلَيْلٍ وَأَنَا مُتَصَبِّحٌ فِي النَّخْلِ فَحَرَّكَنِي بِرِجْلِهِ فَقَالَ : أَتَرْقُدُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي يَنْتَشِرُ فِيهَا عِبَادُ اللهِ. (4)
وروى البخاري في الأدب المفرد عن محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال حدثنا مسعر عن ثابت بن عبيد عن بن أبي ليلى عن خوات بن جبير قال: نوم أول النهار خرق وأوسطه خلق وآخره حمق. (5)
((.... وأنفع النوم : ما كان عند شدة الحاجة إليه ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه وكثر ضرره ولا سيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران ومن المكروه عندهم : النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس فإنه وقت غنيمة وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس فإنه أول النهار ومفتاحه ووقت نزول الأرزاق وحصول القسم وحلول البركة ومنه ينشأ النهار وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.)) (7)
وأما ما يستحب فعله في هذا الوقت العظيم فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي (586) وصاحب "الترغيب"(2/790/1930) من طريق أبي ظلال عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: مَن صلى الغَدَاةَ في جماعةٍ، ثمّ قعَدَ يذكرُ اللهَ حتَّى تطلعَ الشّمسُ، ثمّ صلّي، ركعتينِ؛ كانت له كأَجرِ حَجّةٍ وعُمرةٍ، تامّةٍ تامّةٍ تامّةٍ. (8)
• قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله:
((... فإذا صلى الفجر استحب أن يمكث في مكانه إلى طلوع الشمس فقد روى أنس رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة " ( ( رواه الترمذى، قال : حديث حسن ) ) . وليكن وظائف وقته أربعاً : الدعاء، الذكر، والقراءة، والفكر . وليأت بما أمكنه، وليتفكر في قطع القواطع، وشغل الشواغل عن الخير ليؤدى وظائف يومه، وليتفكر في نعم الله تعالى ليتوفر شكره.))(9)
• وقال العلامة ابن القيم رحمه الله:(10)
((فإذا فرغ من صلاة الصبح أقبل بكليته على ذكر الله والتوجه إليه بالأذكار التى شرعت أول النهار فيجعلها ورداً له لا يخل بها أبداً، ثم يزيد عليها ما شاءَ من الأذكار الفاضلة أو قراءة القرآن حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت فإن شاءَ ركع ركعتى الضحى وزاد ما شاءَ، وإن شاءَ قام من غير ركوع ثم يذهب متضرعاً إلى ربه سائلاً له أن يكون ضامناً عليه متصرفاً فى مرضاته بقية يومه، فلا ينقلب إلا فى شيء يظهر له فيه مرضاة ربه، وإن كان من الأفعال العادية الطبيعية قلبه عبادة بالنية وقصد الاستعانة به على مرضاة الرب.)) (11)
• قال ابن القيم عليه رحمة الله في معرض بيان بعض فوائد الذكر:
أنه قوت القلب والروح فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته وحضرت شيخ الاسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إلي وقال : هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي أو كلاما قريبا من هذا.أهـ (12)
• قال ابن الحاج المالكي المتوفى سنة737هـ في كلامه على حال السلف في هذا الوقت:
ألا ترى إلى ما ورد عنهم في أورادهم بعد الصبح والعصر فإنهم كانوا في مساجدهم في هذين الوقتين كأنهم منتظرون صلاة الجمعة ويسمع لهم في المساجد دوي كدوي النحل.أهـ (13)
• وقال أيضا رحمه الله:
وقل من يصلي الصبح أو العصر ثم يقوم يذكر الله تعالى ويقرأ في هذين الوقتين المشهودين إلا أنهم يقومون من مصلاهم أما للنوم إن كان في الصبح أو للتحدث فيما لا يعني إن كان في العصر إن سلموا من الغيبة والنميمة.أهـ (14)
قلت: هذا في زمانه فكيف بزماننا والله المستعان.
تنبيه:
هل إذا صلى الرجل لعذر كمرض أو خوف ونحوه و المرأة في بيتهما وقعدا يذكران الله بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ثم صليا ركعتي الشروق لهما نفس الأجر الذي يحصل بالمكوث في المسجد؟؟.
• أجابك الشيخ العلامة إمام الدنيا في زمانه عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله ورفع درجته فقال:
هذا العمل فيه خير كثير وأجر عظيم، ولكن ظاهر الأحاديث الواردة في ذلك أنه لا يحصل له نفس الأجر الذي وعد به من جلس في مصلاه في المسجد. لكن لو صلى في بيته صلاة الفجر لمرض أو خوف ثم جلس في مصلاه يذكر الله أو يقرأ القرآن حتى ترتفع الشمس ثم يصلي ركعتين فإنه يحصل له ما ورد في الأحاديث لكونه معذورا حين صلى في بيته. وهكذا المرأة إذا جلست في مصلاها بعد صلاة الفجر تذكر الله أو تقرأ القرآن حتى ترتفع الشمس ثم تصلي ركعتين فإنه يحصل لها ذلك الأجر الذي جاءت به الأحاديث وهو أن الله يكتب لمن فعل ذلك أجر حجة وعمرة تامتين.والأحاديث في ذلك كثيرة يشد بعضها بعضا وهي من قسم الحديث الحسن لغيره. والله ولي التوفيق. (15)
والخلاصة أن الأولى والأحرى بالإنسان أن يقضي هذا الوقت فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة،هذا ولا يظن ظان أننا من أهل هذه الأوقات المباركات والنفحات الطيبات فإنا لم نجد لها طعما ولم نشم لها ريحا كما قيل:
وماكل من وصف الدوا يستعمله** ولا كل من وصف التقى ذو تقى
(3)رواه أحمد برقم: 15443 (24/177) طبعة دار الرسالة.وأبي داود في سننه ( 3/ 36)رقم: 2606 والترمذي في سننه ( 3/ 518 ) رقم: 1212وابن ماجه في سننه ( 2/ 752)رقم: 2236 والدارمي في سننه ( 2/283) رقم: 2435 وعبد بن حميد في مسنده ( 1/161) رقم: 432 وغيرهم.
(4) مصنف ابن أبي شيبة(8/365) _طبعة الدار السلفية الهندية_ .
(5)أنظر الأدب المفرد رقم1242 طبعة دار البشائر الإسلامية _ بيروت _ وقال العلامة الألباني: صحيح.أهـ
قلت : وخوات بن جبير صحابي ,قال المزي في تهذيب الكمال: له صحبة ، شهد بدرا مع النبى صلى الله عليه وسلم ، و روى عنه أحاديث . أهـ
وقال الحافظ فى "تقريب التهذيب" ص / 196 : قيل إنه شهد بدرا .أهـ
(6) رواه البيهقي في الشعب برقم: 4409 مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض.
(7) مدارج السالكين (1/459) دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان الطبعة الثانية، 1393هـ/1973م .
(8) والحديث أورده العلامة الألباني في صحيحته برقم: 3403 فراجعها.
وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز لما سئل عن صحة الحديث: الحديث له طرق جيدة جاء من طرق كثيرة لا بأس به، من باب الحديث الحسن.
وقال رحمه الله أيضا:هو من باب الحسن، من باب الحسن لغيره.
وقال أيضا: هذا حديث لا بأس به، جاء من طرق، لا بأس به، إذا صلى الإنسان الفجر وجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وترتفع هذا فيه فضل عظيم.
وقال كما في مجموع فتاويه و مقالته ج11: والأحاديث في ذلك كثيرة يشد بعضها بعضا وهي من قسم الحديث الحسن لغيره.أهـ
(9)أنظر مختصر منهاج القاصدين ص:65 _ دار المنهاج _ .
(10) طريق الهجرتين و باب السعادتين ص: 214 الدار السلفية، القاهرة، مصر الطبعة الثانية، 1394هـ .
(11) وأنظر جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي في شرحه على الحديث السادس والثلاثون تحقيق: ماهر الفحل.
(12)الوابل الصيب من الكلم الطيب دار الكتاب العربي - بيروت.
(13) المدخل لابن الحاج (1/78) دارالفكر.
(14) المصدر نفسه ص:98. بتصرف يسير.
(15)من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من ( المجلة العربية ) - مجموع فتاوى و مقالات متنوعة- ج11 , وينظر موقع الشيخ رحمه الله.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو الفضل لقمان الجزائري ; 18 Jul 2010 الساعة 05:15 AM