منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » قــســـــــــــم الأخــــــــــــوات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02 Nov 2019, 07:52 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 366
افتراضي





قال الله تعالى: "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)"

قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية:
قوله: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) يقول تعالى ذكره: وهداهم ربّهم في الدّنيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) قال: هدوا إلى الكلام الطيب: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله . قال الله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ .
حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ) قال: أُلْهِمُوا.
وقوله: ( وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) يقول جلّ ثناؤه: وهداهم ربّهم في الدنيا إلى طريق الربّ الحميد، وطريقه: دينه، دين الإسلام الّذي شرعه لخلقه وأمرهم أن يسلكوه. والحميد: فعيل، صرّف من مفعول إليه، ومعناه: أنّه محمود عند أوليائه من خلقه، ثم صرّف من محمود إلى حميد.

وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:
{ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ } الذي أفضله وأطيبه كلمة الإخلاص، ثم سائر الأقوال الطيبة التي فيها ذكر الله، أو إحسان إلى عباد الله، { وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } أي: الصراط المحمود، وذلك، لأنّ جميع الشرع كلّه محتوٍ على الحكمة والحمد، وحسن المأمور به، وقبح المنهي عنه، وهو الدّين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح.
أو: وهدوا إلى صراط الله الحميد، لأنّ الله كثيرا ما يضيف الصراط إليه، لأنّه يوصل صاحبه إلى الله، وفي ذكر { الحميد } هنا، ليبين أنّهم نالوا الهداية بحمد ربّهم ومنّته عليهم، ولهذا يقولون في الجنّة: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } واعترض تعالى بين هذه الآيات بذكر سجود المخلوقات له، جميع مَن في السماوات والأرض، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب، الذي يشمل الحيوانات كلّها، وكثير من الناس، وهم المؤمنون، { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ } أي: وجب وكتب، لكفره وعدم إيمانه، فلم يوفّقه للإيمان، لأنّ الله أهانه، { وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ } ولا راد لما أراد، ولا معارض لمشيئته، فإذا كانت المخلوقات كلّها ساجدة لربّها، خاضعة لعظمته، مستكينة لعزّته، عانية لسلطانه، دلّ على أنّه وحده، الربّ المعبود، والملك المحمود، وأن مَن عدل عنه إلى عبادة سواه، فقد ضلّ ضلالا بعيدا، وخسر خسرانا مبينا.} انتهـ.



فَمن هم الّذين تسهل عليهم الهداية، ولِمَن يُعطى الإلهام بالسّداد والرّشاد وحسن الانقياد؟

قال الله تعالى: "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101)"

قال الإمام الطبري رحمه الله مفسّرا للآية بالتّالي:
القول في تأويل قوله تعالى : وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " وكيف تكفرون "، أيها المؤمنون بعد إيمانكم بالله وبرسوله، فترتدّوا على أعقابكم =" وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ "، يعني: حججُ الله عليكم التي أنـزلها في كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ="وَفِيكُمْ رَسُولُهُ" حجّةٌ أخرَى عليكم لله، مع آي كتابه، يدعوكم جميع ذلك إلى الحقّ، ويبصِّركم الهدَى والرشاد، وينهاكم عن الغيّ والضلال؟. يقول لهم تعالى ذكره: فما وجه عُذْركم عند ربّكم في جحودكم نبوَّة نبيِّكم، وارتدادكم على أعقابكم، ورجوعكم إلى أمر جاهليّتكم، إنْ أنتم راجعتم ذلك وكفرتم، وفيه هذه الحجج الواضحة والآياتُ البيّنة على خطأ فعلكم ذلك إن فعلتموه؟ كما:-
7533- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ" الآية، علَمان بيِّنان: وُجْدان نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكتابُ الله. فأمّا نبيّ الله فمضى صلى الله عليه وسلم. وأمّا كتاب الله، فأبقاه الله بين أظهُركم رحمة من الله ونعمة، فيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.
* * *
وأمّا قوله: "وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، فإنّه يعني: ومَن يتعلّق بأسباب الله، ويتمسَّك بدينه وطاعته =" فقد هُدِيَ "، يقول: فقد وُفِّق لطريق واضح، ومحجةٍ مستقيمة غير معوجَّة، فيستقيم به إلى رضى الله، وإلى النّجاة من عذاب الله والفوز بجنّته، كما:-
7534- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: " وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ " قال: يؤمن بالله.
* * *
وأصل " العَصْم " المنع، فكل مانع شيئًا فهو " عاصمه "، والممتنع به " معتصمٌ به "، ومنه قول الفرزدق:
أَنَــا ابــنُ العَـاصِمينَ بَنِـي تَمِيـم
إذَا مَــا أَعْظَــمُ الحَدَثَــانِ نَابَــا (1)
ولذلك قيل للحبل " عِصام "، وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلى حاجته " عِصام "، ومنه قول الأعشى:
إلَــى المَــرْءِ قَيْسٍ أُطِيـلُ السُّـرَى
وَآخُــذُ مِــنْ كُــلِّ حَـيٍّ عُصـمْ
(2)
يعني بـ " العُصم " الأسباب، أسبابَ الذمة والأمان. يقال منه: " اعتصمت بحبل من فلان " و " اعتصمتَ حبلا منه " و " اعتصمت به واعتصمته "، وأفصح اللغتين إدخال " الباء "، كما قال عز وجل: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ، وقد جاء: " اعتصمته "، كما الشاعر: (3)
إذَا أَنْــتَ جَــازَيْتَ الإخـاءَ بِمِثْلِـهِ
وَآسَــيْتَنِي, ثــمَّ اعْتَصَمْـتَ حِبَالِيَـا
(4)
فقال: " اعتصمت حباليا "، ولم يدخل " الباء ". وذلك نظير قولهم: " تناولت الخِطام، وتناولت بالخطام "، و " تعلَّقت به وتعلقته "، كما قال الشاعر: (5)
تَعَلَّقَــتْ هِنْــدًا ناشِـئًا ذَاتَ مِـئْزَرٍ
وَأَنْـتَ وَقَـدَ قَـارَفْتَ, لم تَدْرِ مَا الحِلْمُ
(6)
* * *
وقد بينت معنى " الهدى "،" والصراط"، وأنّه معنيّ به الإسلام، فيما مضى قبل بشواهده، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. (7)
* * *
وقد ذكر أنّ الّذي نـزل في سبب تَحاوُز القبيلين (8) الأوس والخزرج، كان منْ قوله: (9) "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ ".
*ذكر من قال ذلك:
7535- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حسن بن عطية قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن الأغرّ بن الصبّاح، عن خليفة بن حُصَين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كانت الأوس والخزرج بينهم حرب في الجاهلية كل شهر، (10) فبينما هم جلوس إذْ ذكروا ما كان بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنـزلت هذه الآية: "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ" إلى آخر الآيتين، "وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً" إلى آخر الآية. (11)
----------------------
الهوامش :
(1) ديوانه: 115 ، والنقائض: 451 ، مطلع قصيدة ينقض بها هجاء جرير.
(2) ديوانه: 29 من قصيدته في ثنائه على صاحبه قيس بن معد يكرب الكندي ، وقد مضت منها أبيات في 1 : 242 / 5 : 422. والسرى: سير الليل كله. والعصم جمع عصام ، وهكذا ضبط في شعره ، وجائز أن يضبط"عصم" (بكسر العين وفتح الصاد) جمع"عصمة" (بكسر العين وسكون الصاد) وكلاهما مجاز في معنى العهود. وقوله: "وآخذ من كل حي عصم" ، يعني أن سطوة قيس في الأحياء ، ورهبته في صدورهم ، تجعل له عند كل حي عهدًا يأخذه ليجوز به أرضهم آمنًا ، لا يمسه أحد ولا ينال منه. وسيأتي مثل هذا المعنى في بيت آخر يأتي بعد قليل ص : 70 ، تعليق : 3 .
(3) لم أعرف قائله.
(4) معاني القرآن للفراء 1 : 228 ، وضبطه"ثم" هكذا ، وبقى جواب"إذا" في بيت بعده فيما أرجح. ولو قرأته"ثم" بفتح الثاء ، أي هناك ، كان جواب"إذا" ، "اعتصمت حباليا". وتم البيت ، وانفرد عما بعده. ولكني لا أستطيع أن أرجح هذا حتى أعرف بقية الأبيات.
(5) لم أعرف قائله.
(6) معاني القرآن 1 : 228. يقال: "غلام ناشئ ، وجارية ناشئة" ، ولكنه وصف"هندًا" على التذكير فقال: "ناشئًا" ، وقد زعم الليث أنه لم يسمع هذا النعت في الجارية ، فكأن الشاعر وصفها به ، وأمره على التذكير. وقوله: "وقد قارفت" ، أي قاربت ودنوت من الكبر ، والجملة حال معترضة. يقول: تعلقها صغيرة لم تحجب بعد ، وبلغت ما بلغت ، ولم تدر بعد ما الحلم ، وهو الأناة والعقل ومفارقة الصبا وطيش الشباب.
(7) انظر تفسير"الهدى" فيما سلف 1 : 166 - 170 ، وفهارس اللغة / وانظر تفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف 1 : 170 - 177 وفهارس اللغة.
(8) في المطبوعة: "تحاور" ، وقد أسلفت قراءتي لهذا الحرف وبيانه فيما سلف: ص55 تعليق: 6 ، وفي المطبوعة: "القبيلتين" بالتاء ، وأثبت ما في المخطوطة.
(9) في المطبوعة والمخطوطة: "كان منه قوله" ، وهو خطأ ، والصواب ما في المخطوطة. ويعني أن الآيات التي نزلت في شأن تحاوز الأوس والخزرج واقتتالهما ، كان من أول هذه الآية ، لا الآيتين قبلها.
(10) قوله: "كل شهر" ، هكذا جاء في المخطوطة واضحا ، والذي في الدر المنثور 2 : 58: "كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر" ، وفي القرطبي 4 : 156: "كان بين الأوس والخزرج قتال وشر في الجاهلية" ، ويخشى أن يكون ما في المخطوطة: "كل شهر" ، تصحيف"وكل شر" ، ولكن ليس هذا موضع الرأي ، فإن الذين نقلوا هذا الأثر فيما بين يدي ، لم ينقلوه بإسناده هذا ، ولا بتمام لفظه كما هنا.
(11) الأثر: 7535-"حسن بن عطية بن نجيح القرشي" ، سلفت ترجمته في رقم: 4962. و"قيس بن الربيع الأسدي" أبو محمد الكوفي. روي عن أبي إسحاق السبيعي ، والأغر بن الصباح ، وسماك بن حرب وغيرهم. روى عنه الثوري ، وهو من أقرانه ، وشعبة ، ومات قبله ، وعبد الرزاق ووكيع. تكلموا فيه ، وثقه الثوري وشعبة وغيرهما. وضعفه آخرون وقالوا: "ليس بقوي ، يكتب حديثه ولا يحتج به". مترجم في التهذيب. و"الأغر بن الصباح التميمي المنقري". روى عن خليفة بن حصين ، روى عنه الثوري وقيس بن الربيع ، وأبو شبيبة. قال ابن معين والنسائي: "ثقة" ، وقال أبو حاتم"صالح" مترجم في التهذيب. و"خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم التميمي المنقري" روى عن أبيه وجده ، وعلي بن أبي طالب ، وزيد بن أرقم ، وأبي نصر الأسدي. وروى عنه الأغر بن الصباح. ثقة. مترجم في التهذيب. و"أبو نصر الأسدي". روي عن ابن عباس ، وعنه خليفة بن حصين. قال البخاري: "لم يعرف سماعه من ابن عباس" ، وقال أبو زرعة: "أبو نصر الأسدي الذي يروي عن ابن عباس: ثقة". مترجم في التهذيب ، والكنى للبخاري: 76 ، وأشار إلى هذا الأثر ، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 448.}. انتهـ.



وقال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية:
{.... ثم ذكر تعالى السبب الأعظم والموجب الأكبر لثبات المؤمنين على إيمانهم، وعدم تزلزلهم عن إيقانهم، وأنّ ذلك من أبعد الأشياء، فقال: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} أي: الرسول بين أظهركم يتلو عليكم آيات ربّكم كلّ وقت، وهي الآيات البيّنات التي توجب القطع بموجبها والجزم بمقتضاها وعدم الشكّ فيما دلّت عليه بوجه من الوجوه، خصوصا والمبين لها أفضل الخلق وأعلمهم وأفصحهم وأنصحهم وأرأفهم بالمؤمنين، الحريص على هداية الخلق وإرشادهم بكلّ طريق يقدر عليه، فصلوات الله وسلامه عليه، فلقد نصح وبلغ البلاغ المبين، فلم يبق في نفوس القائلين مقالا ولم يترك لجائل في طلب الخير مجالا، ثم أخبر أنّ مَن اعتصم به فتوكّل عليه وامتنع بقوّته ورحمته عن كل شرّ، واستعان به على كل خير {فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} موصل له إلى غاية المرغوب، لأنّه جمع بين اتّباع الرسول في أقواله وأفعاله وأحواله وبين الاعتصام بالله.} انتهـ.



الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	وهدوا إلى الطيب من القول.png‏
المشاهدات:	1921
الحجـــم:	860.1 كيلوبايت
الرقم:	7331   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ومن يعتصم بالله.png‏
المشاهدات:	1721
الحجـــم:	161.2 كيلوبايت
الرقم:	7330   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	وكيف تكفرون بالله.png‏
المشاهدات:	1900
الحجـــم:	898.2 كيلوبايت
الرقم:	7332   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ربّنا لاتزغ قلوبنا.png‏
المشاهدات:	1868
الحجـــم:	269.0 كيلوبايت
الرقم:	7333  
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 Nov 2019, 06:49 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 366
افتراضي



أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم





يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)"

{ ولمّا بيّن كثيرا من الأوامر الكبار، والشرائع المهمّة، أشار إليها وإلى ما هو أعمّ منها فقال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا) أي: هذه الأحكام وما أشبهها، ممّا بيّنه الله في كتابه، ووضّحه لعباده، صراط الله الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المعتدل السهل المختصر. (فَاتَّبِعُوهُ) لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح. (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أي: الطرق المخالفة لهذا الطريق (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) أي: تضلّكم عنه وتفرّقكم يمينا وشمالا، فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم، فليس ثمّ إلا طرق توصل إلى الجحيم. (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فإنّكم إذا قمتم بما بيّنه الله لكم علما وعملا صرتم من المتّقين، وعباد الله المفلحين، ووحّد الصراط وأضافه إليه لأنّه سبيل واحد موصل إليه، والله هو المعين للسالكين على سلوكه.}انتهـ.


(من كتاب القول المفيد: جـ1، صـ39 )

ويقول الامام البغوي رحمه الله في تفسير الآية: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153))

{ (وَأَنَّ هَٰذَا) أي : هذا الذي وصّيتكم به في هاتين الآيتين (صِرَاطِي) طريقي وديني ، (مُسْتَقِيمًا) مستويا قويما ، (فَاتَّبِعُوهُ) قرأ حمزة والكسائي " وإن " بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الآخرون : بفتح الألف ، قال الفراء : والمعنى وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيما . وقرأ ابن عامر ويعقوب : بسكون النون . (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أي : الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق ، مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل ، وقيل : الأهواء والبدع ، (فَتَفَرَّقَ) فتميل ، (بِكُمْ) وتشتت ، (عَن سَبِيلِهِ) عن طريقه ودينه الذي ارتضى ، وبه أوصى ، (ذَٰلِكُمْ) الذي ذكرت ، (وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي المعروف بأبي بكر بن أبي الهيثم أنا الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي ثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال : خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا ثم قال : " هذا سبيل الله ، ثم خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ، وقال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه "وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ...) الآية .





الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	الهداية التامة.png‏
المشاهدات:	2159
الحجـــم:	277.7 كيلوبايت
الرقم:	7559   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	قل تعالوا أتلو عليكم.png‏
المشاهدات:	1628
الحجـــم:	36.9 كيلوبايت
الرقم:	7556   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ولاتقربوا مال اليتيم.png‏
المشاهدات:	1696
الحجـــم:	73.9 كيلوبايت
الرقم:	7557   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	قوله السُّبُل.png‏
المشاهدات:	1662
الحجـــم:	283.2 كيلوبايت
الرقم:	7558  
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 Nov 2019, 12:42 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 366
افتراضي





معنى حديث: "أنّ الرسول ﷺ خطّ خطًا..."

سؤال يجيب عنه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

السؤال:
سمعت حديثًا عن رسول الله ﷺ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خطّ لنا رسول الله ﷺ خطاً، وقال: (هذا طريق الحقّ)، وخطّ خطوطًا عديدة، وقال: (هذه السُّبُل، على رأس كل منها شيطان يزيّنها لسالكيها) هذا معنى ما سمعت، أرجو أن توضّحوا لي معنى ذلكم الحديث؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب:
هذا الحديث صحيح رواه الدارمي وغيره وهو من تفسير قوله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153] وفي الحديث: أنّ الرسول ﷺ خط خطًا مستقيمًا فقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطًا عن يمينه وشماله فقال: هذه السُّبُل، وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه ثم قرأ الآية: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام:153] الآية.

والمعنى: أنّ صراط الله طريق واضح، يوصل مَن سلكه إلى الجنّة والكرامة. أمّا الطُّرُق التي عن يمينه وشماله فهي البدع والشُّبُهات والشَّهوات المحرّمة التي يسلكها أكثر الخلق، فهي توصل مَن سلكها إلى النار نعوذ بالله من ذلك.

فالواجب على كلّ مسلم أن يسلك الطريق السوي، وهو صراط الله الذي دلّ عليه كتاب الله وسُنَّة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، عن إخلاص لله، وعن إيمان به ومحبّة له عزّوجلّ، وعن موافقة لما شرعه رسوله عليه الصلاة والسلام، هذا هو صراط الله، وهذا هو سبيله.

أمّا ما خالف ذلك من المعاصي والبدع فهي السُّبُل التي نهى عنها الربّ عزّ وجلّ وحذّر منها. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.

المصدر



يقول الشيخ السعدي رحمه اله في تفسير الآية: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا" (174)
{ يمتنّ تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة، ويقيم عليهم الحجّة، ويوضّح لهم المحجّة، فقال: (يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِن رَّبِّكُمْ) أي: حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه، وتبين ضده. وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية، الآيات الأفقية والنفسية (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ)
وفي قوله: (مِن رَّبِّكُمْ) ما يدلّ على شرف هذا البرهان وعظمته، حيث كان من ربّكم الذي ربّاكم التربية الدينية والدنيوية، فمن تربيته لكم التي يحمد عليها ويشكر، أن أوصل إليكم البيّنات، ليهديكم بها إلى الصراط المستقيم، والوصول إلى جنّات النّعيم. (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على علوم الأوّلين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنّهي عن كل ظلم وشر، فالناس في ظلمة، إن لم يستضيئوا بأنواره، وفي شقاء عظيم إن لم يقتبسوا من خيره.} انتهـ.

ويقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية:

{ القول في تأويل قوله : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) (174)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ"، يا أيّها الناس من جميع أصناف الملل، يهودِها ونصاراها ومشركيها، الذين قصّ الله جلّ ثناؤه قَصَصهم في هذه السورة=
"قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ"، يقول: قد جاءتكم حجّة من الله تبرهن لكم بُطُولَ ما أنتم عليه مقيمون من أديانكم ومللكم، (22) وهو محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جعله الله عليكم حجّة قطع بها عذركم، وأبلغ إليكم في المعذرة بإرساله إليكم، مع تعريفه إيّاكم صحّة نبوّته، وتحقيق رسالته=
"وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا"، يقول: وأنـزلنا إليكم معه "نُورًا مُبِينًا"، يعني: يبيّن لكم المحجَّة الواضحة، والسُّبُل الهادية إلى ما فيه لكم النّجاة من عذاب الله وأليم عقابه، إن سلكتموها واستنرتم بضوئه. (23)
وذلك "النّور المبين"، هو القرآن الذي أنـزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم.} انتهـ.




الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	هذا صراطي مستقيم.png‏
المشاهدات:	1965
الحجـــم:	438.7 كيلوبايت
الرقم:	7565   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	خط الرسول خطا.png‏
المشاهدات:	2135
الحجـــم:	364.1 كيلوبايت
الرقم:	7566   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	قد جاءكم برهان من ربكم.png‏
المشاهدات:	1887
الحجـــم:	657.8 كيلوبايت
الرقم:	7567   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	المصحف الشريف.jpg‏
المشاهدات:	1656
الحجـــم:	32.5 كيلوبايت
الرقم:	7569  
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 Dec 2019, 04:03 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 366
افتراضي





إنّ الله سبحانه، من صفاته العدل، ويحبّ العدل، وقد قسّم النّاس من حيث خضوعهم إلى شريعته، إلى قسم مؤمن بدينه وآياته، وقسم كافر. فأوجب الجزاء لكلا الطرفين، فـأثاب القسم المؤمن فأجزل في المثوبة، وعاقب القسم الكافر وحرمه مايكون سببا في سعادته، وليس هذا إلاّ لجحودهم وكفرهم وعنادهم. وأعظم الحرمان، أن يسلب الله سبحانه، الإنسان، الهداية والتوفيق إلى الأعمال الصّالحة التي قد تكون سبب النّجاة، يوم لاينفعُ مالٌ ولابنون إلاّ مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم.

فبعد أن ذكر الله عزّ وجلّ في الآية السّابقة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا"، أنّه أنذر النّاس وأراهم كيف يسلكون الطّريق القويم، في كتابه الحكيم، ونبّههم وبيّن لهم ما يمكن أن ينالوه إن استجابوا للرّسول الكريم، في قوله تعالى:"فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (175)"، تشجيعًا وتثبيتًا لهم، حتّى لايتردّدوا في سلوك الطّريق المستقيم. لأنّ الإنسانَ يحبّ الإحسانَ، ويحبّ كلّ ما يجلب له الرّاحة والسّعادَة والطّمأنينَة. ولكنّ إدراك السّعادة الحقيقية يتفاوت بتفاوت مستوى فقه الأمر الذي يعين على بلوغها.

قال الشيخ السّعدي مفسّرا للآية: "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا"

{ انقسم الناس -بحسب الإيمان بالقرآن والانتفاع به- قسمين: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ } أي: اعترفوا بوجوده واتّصافه بكل وصف كامل، وتنزيهه من كل نقص وعيب. { وَاعْتَصَمُــوا بِـهِ } أي: لجأوا إلى الله واعتمدوا عليه وتبرّأوا من حولهم وقوّتهم واستعانوا بربّهم. { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ } أي: فسيتغمّدهم بـالرّحمة الخاصّة، فيوفّقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات، ويدفع عنهم البليات والمكروهات.
{ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا } أي: يوفّقهم للعلم والعمل، معرفة الحق والعمل به. أي: ومَن لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسّك بكتابه، منعهم من رحمته، وحرمهم من فضله، وخلى بينهم وبين أنفسهم، فلم يهتدوا، بل ضلّوا ضلالا مبينا، عقوبة لهم على تركهم الإيمان فحصلت لهم الخيبة والحرمان، نسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة.} انتهـ.

والإمام ابن كثير رحمه الله يفسّر الآية: "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (175)"

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ) أي : جمعوا بين مقامي العبادة والتّوكّل على الله في جميع أمورهم . وقال ابن جريج : آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن . رواه ابن جرير .
(فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ) أي : يرحمهم فيدخلهم الجنّة ويزيدهم ثوابا ومضاعفة ورفعا في درجاتهم ، من فضله عليهم وإحسانه إليهم ، (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) أي : طريقا واضحا قصدا قواما لا اعوجاج فيه ولا انحراف.
وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة ، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات ، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات. وفي حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : "القرآن صراط الله المستقيم وحبل الله المتين" . وقد تقدم الحديث بتمامه في أول التفسير ولله الحمد والمنة.} اانتهـ.



فالله سبحانه يهدي مَن اتّبع طريقه، وخضع لكتابه وسنن أنبيائه . أمّا المعرضون عن آياته، المكذّبون لرسله، فليس لهم جزاء سوى الطّمس على البصيرة، لأنّهم استحبّوا العمى على الهدى، فضلّوا وأضلّوا.
قال الله تعالى: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)"

قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسير الآية:

{ قوله تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) قال ابن عباس : يريد الذين يتجبرون على عبادي ويحاربون أوليائي حتى لا يؤمنوا بي ، يعني : سأصرفهم عن قبول آياتي والتصديق بها، عوقبوا بحرمان الهداية لعنادهم للحق ، كقوله : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) .

قال سفيان بن عيينة : سأمنعهم فهم القرآن . قال ابن جريج : يعني عن خلق السماوات والأرض وما فيها أي أصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها . وقيل : حكم الآية لأهل مصر خاصة ، وأراد بالآيات الآيات التسع التي أعطاها الله تعالى موسى عليه السلام . والأكثرون على أن الآية عامة (وَإِن يَرَوْا) يعني : هؤلاء المتكبرين (كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ) قرأ حمزة والكسائي " الرشد " بفتح الراء والشين ، والآخرون بضم الراء وسكون الشين وهما لغتان كالسقم والسقم والبخل والبخل والحزن والحزن .
وكان أبو عمرو يفرق بينهما ، فيقول : الرُّشد - بـالضم - : الصلاح في الأمر ، وبـالفتح: الاستقامة في الدين . معنى الآية : إن يروا طريق الهدى والسداد (لَا يَتَّخِذُوهُ) لأنفسهم ( سبيلا (وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ) أي طريق الضلال (يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) عن التفكير فيها والاتّعاظ بها غافلين ساهين .} انتهـ.

ويقول الشيخ السعدي في تفسير الآية:

{ (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ) أي: عن الاعتبار في الآيات الأفقية والنفسية، والفهم لآيات الكتاب (الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي: يتكبرون على عباد اللّه وعلى الحق، وعلى مَن جاء به، فمَن كان بهذه الصفة، حرمه اللّه خيرا كثيرا وخذله، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به، بل ربّما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح. (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا) لإعراضهم واعتراضهم، ومحادتهم للّه ورسوله، (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ) أي: الهدى والاستقامة، وهو الصراط الموصل إلى اللّه، وإلى دار كرامته. (لا يَتَّخِذُوهُ) أي: لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ) أي: الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا.
والسبب في انحرافهم هذا الانحراف ذَلِكَ (بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) فردّهم لآيات اللّه، وغفلتهم عمّا يراد بها واحتقارهم لها - هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشد ما أوجب.} انتهـ

تعليق ونقل التفسير: أم وحيد بهية صابرين





الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	سورة ابراهيم.jpg‏
المشاهدات:	1673
الحجـــم:	88.7 كيلوبايت
الرقم:	7641   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	قد جاءكم برهان.jpg‏
المشاهدات:	1637
الحجـــم:	41.8 كيلوبايت
الرقم:	7642   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	سأصرف عن آياتي.jpg‏
المشاهدات:	2374
الحجـــم:	26.5 كيلوبايت
الرقم:	7640  
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 Jan 2020, 01:01 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 366
افتراضي



بسم الله الرّحمن الرّحيم



قبل أن أختم إن شاء الله، بحثي البسيط، الذي حاولتُ فيه أن أجمع كلّ (معاني الهداية)، وإن كانت لاتُعَدّ ولاتُحصى في كتاب الله القرآن، الذي يحمل للإنسان، ما يدلّه به على خيريّ الدنيا والآخرة، في هداية إرشادٍ وتوجيه من ربّ العالمين، تمهيدًا لطريقٍ، قد يشقّ على بعض النّاس، ويسهل على البعض الآخر، اجتيازه، والله سبحانه، وحده، يعلم مَن يستحقّ الهداية، فيلهمه رشده، ويعلم مَن هو في ضلالٍ مبين.

قال الله تعالى: " أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (164)) (1)



وكتاب الله سبحانه، القرآن، حجّة للإنسان أو عليه. فمن بعد ما يتبيّن للمرء الهدى وطريق الحقّ، ليس له أن يختار لنفسه ما يوبقها به، "يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(111)" (2)

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية: "يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"
يقول تعالى ذكره: إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ ) تخاصم عن نفسها، وتحتجّ عنها بما أسلفت في الدنيا من خير أو شرّ أو إيمان أو كفر ، ( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ ) في الدنيا من طاعة ومعصية ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) : يقول: وهم لا يفعل بهم إلا ما يستحقونه ويستوجبونه بما قدّموه من خير أو شرّ، فلا يجزى المحسن إلا بالإحسان ولا المسيء إلا بالذي أسلف من الإساءة، لا يعاقب محسن ولا يبخس جزاء إحسانه، ولا يثاب مسيء إلا ثواب عمله} انتهـ.

ثمّ قال الإمام البغوي رحمه الله:
{ (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ) تخاصم وتحتج ، (عَن نَّفْسِهَا) بما أسلفت من خير وشر ، مشتغلا بها لا تتفرغ إلى غيرها ، (وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

روي أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار : خوفنا ، قال : يا أمير المؤمنين ، والذي نفسي بيده ، لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبيا لأتت عليك ساعات وأنت لا تهمك إلا نفسك ، وإن لجهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل منتخب ، إلا وقع جاثيا على ركبتيه ، حتى إبراهيم خليل الرحمن ، يقول : يا رب لا أسألك إلا نفسي ، وإن تصديق ذلك : الذي أنزل الله عليكم " يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا " .

وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال : ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة ، حتى تخاصم الروح الجسد ، فتقول الروح : يا رب ، لم يكن لي يد أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها . ويقول الجسد : خلقتني كالخشب ليست لي يد أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها ، فجاء هذا كشعاع النور ، فبه نطق لساني ، وأبصرت عيني ، ومشت رجلي . فيضرب الله لهما مثلا أعمى ومقعد ، دخلا حائطا فيه ثمار ، فـالأعمى لا يبصر الثمر ، والمقعد لا يناله ، فحمل الأعمى المقعد فأصابا من الثمر، فعليهما العذاب .} انتهـ



---------------------------------------------
(1) سورة آل عمران.
(2) سورة النحل.

الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أفمن اتبع رضوان الله.jpg‏
المشاهدات:	1383
الحجـــم:	45.9 كيلوبايت
الرقم:	7710   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ.png‏
المشاهدات:	1313
الحجـــم:	106.4 كيلوبايت
الرقم:	7712   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	أفمن اتّبع رضوان الله.png‏
المشاهدات:	1561
الحجـــم:	181.5 كيلوبايت
الرقم:	7713  
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 Jan 2020, 03:03 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 366
افتراضي





الهداية وما أدراك ما الهداية، كلمة، حروفها قليلة، ومنافعها كثيرة، وعليها مدار سعادة الإنسان أو شقائه في هذه الحياة. ولهذا كان النبيّ محمد وجميع الأنبياء والرُّسل (عليهم من الله أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم)، يعتنون بـإصلاح النّاس ويصبرون على هذه الوظيفة الشّاقّة، وقد تكبّدوا الصِّعاب، ولاقوا من أقوامهم أشدّ الأذى والعذاب.
وإصلاح النّاس، لايتقنه إلاّ مَن هيّأه الله لهذه المهمّة الثّقيلة، يحمل عبئًا، يسعد به غيره، رجاء ثوابٍ من الله، يحقّق له به سعادة أبديّة، لاشقاء بعدها ولا عناء.

وأجمل ما أختم به موضوعي هذا، ختامًا، بحجم الموضوع الأصلي في الأهميّة وأكثر بكثير، وإن كان من المفروض أن يأتي أوّله، وقد عدتُ بالقرّاء إلى الوراء، لكن بشيء من التّفصيل المبدع في الوصف والتدقيق للمعاني، من الإمام العلاّمة ابن قيم الجوزية رحمه الله. يتطرّق إلى الهداية وأقسامها، أذكر مثلاً من كتاب: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل/الباب الرّابع عشر:

في الهدى والضلال ومراتبهما والمقدور منهما للخلق وغير المقدور لهم

يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله:

[ هذا المذهب هو قلب أبواب القدر ومسائله. فإنّ أفضل ما يقدر الله لعبده وأجلّ ما يقسّمه له: الهدى، وأعظم ما يبتليه به ويقدره عليه: الضلال . وكلّ نعمة دون نعمة الهدى وكلّ مصيبة دون مصيبة الضلال. وقد اتّفقت رسل الله من أوّلهم إلى آخرهم وكتبه المنزلة عليهم على أنّه سبحانه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، وأنّه مَن يهده الله فلا مضل له ومَن يضلل فلا هادي له، وأنّ الهدى والإضلال بيده، لا بيد العبد، وأنّ العبد هو الضال أو المهتدي. فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه. ولا بد قبل الخوض في تقرير ذلك من ذكر مراتب الهدى والضلال في القرآن.
فأّمّا مراتب الهدى فأربعة:

- إحداها: الهدى العام وهو هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها وهذا أعم مراتبه.

-المرتبة الثانية: الهدى بمعنى البيان والدلالة والتعليم والدعوة إلى مصالح العبد في معاده وهذا خاص بالمكلّفين وهذه المرتبة أخص من المرتبة الأولى وأعم من الثالثة.

-المرتبة الثالثة: الهداية المستلزمة للاهتداء وهي هداية التوفيق ومشيئة الله لعبده الهداية، وخلقه دواعي الهدى، وإرادته والقدرة عليه للعبد. وهذه الهداية التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل.

-المرتبة الرابعة: الهداية يوم المعاد إلى طريق الجنة والنار.

* (فصل)

-فأما المرتبة الأولى فقد قال سبحانه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلى الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى
فذكر سبحانه أربعة أمور عامة: الخلق والتسوية والتقدير والهداية. وجعل التسوية من تمام الخلق والهداية من تمام التقدير. قال عطاء "خلق فسوى أحسن ما خلقه وشاهده قوله تعالى: ﴿الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُفإحسان خلقه يتضمن تسويته وتناسب خلقه وأجزائه بحيث لم يحصل بينها تفاوت يخلّ بالتناسب والاعتدال. فالخلق الإيجاد والتسوية إتقانه وإحسان خلقه"

وقال الكلبي "خلق كل ذي روح فجمع خلقه وسواه باليدين والعينين والرجلين"

وقال مقاتل" خلق لكل دابة ما يصلح لها من الخلق"

وقال أبو إسحاق "خلق الإنسان مستويا" وهذا تمثيل وإلاّ فالخلق والتسوية شامل للإنسان وغيره قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وما سَوّاها﴾ وقال: ﴿فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماوات﴾. فالتسوية شاملة لجميع مخلوقاته: ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾ وما يوجد من التفاوت وعدم التسوية فهو راجع إلى عدم إعطاء التسوية للمخلوق. فإنّ التسوية أمر وجودي تتعلق بالتأثير والإبداع فما عدم منها فلعدم إرادة الخالق للتسوية، وذلك أمر عدمي يكفي فيه عدم الإبداع والتأثير، فتأمل ذلك، فإنّه يزيل عنك الإشكال في قوله: ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾، فـالتفاوت حاصل بسبب عدم مشيئة التسوية كما أنّ الجهل والصمم والعمى والخرس والبكم يكفي فيها عدم مشيئة خلقها وإيجادها وتمام هذا يأتي إن شاء الله في باب دخول الشر في القضاء عند قول النبي ﷺ: "والشر ليس إليك"
والمقصود أنّ كل مخلوق فقد سوّاه خالقه سبحانه في مرتبة خلقه وإن فاتته التسوية من وجه آخر لم يخلق له.

* (فصل)

وأمّا التقدير والهداية فقال مقاتل "قدر خلق الذكر والأنثى فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها"
وقال ابن عباس والكلبي وكذلك قال عطاء "قدر من النسل ما أراد ثم هدى الذكر للأنثى" واختار هذا القول صاحب النظم فقال: "معنى هدى: هداية الذكر لإتيان الأنثى كيف يأتيها" لأنّ إتيان ذكران الحيوان لإناثه مختلف لاختلاف الصور والخلق والهيآت فلولا أنّه سبحانه جبل كلّ ذكر على معرفة كيف يأتي أنثى جنسه لما اهتدى لذلك، وقال مقاتل أيضا: "هداه لمعيشته ومرعاه"

وقال السدي: "قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج"

وقال مجاهد: "هدى الإنسان لسبيل الخير والشر والسعادة والشقاوة"

وقال الفراء: "التقدير فهدى وأضل فاكتفى من ذكر أحدهما بالآخر".

قلت: الآية أعمّ من هذا كلّه وأضعف الأقوال فيها قول الفراء.
إذا المراد هاهنا الهداية العامة لمصالح الحيوان في معاشه ليس المراد هداية الإيمان والضلال بمشيئته وهو نظير قوله: ﴿رَبُّنا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾، فـإعطاء الخلق: إيجاده في الخارج والهداية: التعليم والدلالة على سبيل بقائه وما يحفظه ويقيمه. وما ذكر مجاهد فهو تمثيل منه لا تفسير مطابق للآية. فإنّ الآية شاملة لهداية الحيوان كلّه ناطقه وبهيمه طيره ودوابه فصيحه وأعجمه. وكذلك قول مَن قال أنّه هداية الذكر لإتيان الأنثى: تمثيل أيضا وهو فرد واحد من أفراد الهداية التي لا يحصيها إلا الله، وكذلك قول مَن قال هداه للمرعى: فإنّ ذلك من الهداية، فإنّ الهداية إلى التقام الثدي عند خروجه من بطن أمه والهداية إلى معرفته أمّه دون غيرها حتى يتبعها أين ذهبت والهداية إلى قصد ما ينفعه من المرعى دون ما يضرّه منه. وهداية الطير والوحش والدواب إلى الأفعال العجيبة التي يعجز عنها الإنسان كـهداية النحل إلى سلوك السبل التي فيها مراعيها على تباينها ثم عودها إلى بيوتها من الشجر والجبال وما يغرس بنو آدم.

وأمر النحل في هدايتها من أعجب العجب وذلك أنّ لها أميرا ومدبرا وهو اليعسوب وهو أكبر جسما من جميع النحل وأحسن لونا وشكلا، وإناث النحل تلد في إقبال الربيع، وأكثر أولادها يكن إناثا وإذا وقع فيها ذكر لم تدعه بينها، بل إما أن تطرده وإما أن تقتله إلا طائفة يسيرة منها تكون حول الملك. وذلك أنّ الذكر منها لا تعمل شيئا ولا تكسب ثم تجمع الأمهات وفراخها عند الملك فيخرج بها إلى المرعى من المروج والرياض والبساتين والمراتع في أقصد الطرق وأقربها فيجتني منها كفايتها، فيرجع بها الملك فإذا انتهوا إلى الخلايا وقف على بابها ولم يدع ذكرا ولا نحلة غريبة تدخلها. فإذا تكامل دخولها دخل بعدها وتواجدت النحل على مقاعدها وأماكنها، فيبتدئ الملك بالعمل كأنّه يعلمها إيّاه، فيأخذ النحل في العمل ويتسارع إليه ويترك الملك العمل ويجلس ناحية بحيث يشاهد النحل فيأخذ النحل في إيجاد الشمع من لزوجات الأوراق والأنوار ثم تقتسم النحل فرقا، فمنها فرقة تلزم الملك ولا تفارقه ولا تعمل ولا تكسب وهم حاشية الملك من الذكورة ومنها فرقة تهيئ الشمع وتصنعه والشمع هو ثفل العسل وفيه حلاوة كحلاوة التين وللنحل فيه عناية شديدة فوق عنايتها بالعسل، فينظفه النحل ويصفيه ويخلصه مما يخالطه من أبوالها وغيرها. وفرقة تبني البيوت وفرقة تسقي الماء وتحمله على متونها وفرقة تكنس الخلايا وتنظفها من الأوساخ والجيف والزبل. وإذا رأت بينها نحلة مهينة بطالة قطعها وقتلها حتى لا تفسد عليهن بقية العمال وتعديهن ببطالتها ومهانتها.
وأول ما يبنى في الخلية: مقعد الملك وبيته ، فيبنى له بيتا مربعا يشبه السرير والتخت فيجلس عليه ويستدير حوله طائفة من النحل يشبه الأمراء والخدم والخواص لا يفارقنه. ويجعل النحل بين يديه شيئا يشبه الحوض يصب فيه من العسل أصفى ما يقدر عليه ويملأ منه الحوض يكون ذلك طعاما للملك وخواصه ثم يأخذن في ابتناء البيوت على خطوط متساوية كأنها سكك ومحال وتبنى بيوتها مسدسة متساوية الأضلاع كأنها قرأت كتاب أقليدس حتى عرفت أوفق الأشكال لبيوتها لأن المطلوب من بناء الدور هو الوثاقة والسعة. والشكل المسدس دون سائر الأشكال إذا انضمت بعض أشكاله إلى بعض صار شكلا مستديرا كاستدارة الرحى ولا يبقى فيه فروج ولا خلل ويشد بعضه بعضا حتى يصير طبقا واحدا محكما لا يدخل بين بيوته رؤوس الإبر. فـتبارك الذي ألهمها أن تبني بيوتها هذا البناء المحكم الذي يعجز البشر عن صنع مثله، فعلمت أنها محتاجة إلى أن تبني بيوتها من أشكال موصوفة بصفتين
- إحداهما: أن لا يكون زواياها ضيقة حتى لا يبقى الموضع الضيق معطلا.
-الثانية: أن تكون تلك البيوت مشكلة بأشكال إذا انضم بعضها إلى بعض وامتلأت العرصة منها فلا يبقى منها ضائعا ثم إنها علمت أنّ الشكل الموصوف بهاتين الصفتين هو المسدس فقط. فإنّ المثلثات والمربعات وإن أمكن امتلاء العرصة منها إلاّ أنّ زواياها ضيقة وأمّا سائر الأشكال وإن كانت زواياها واسعة إلاّ أنها لا تمتلئ العرصة منها بل يبقى فيما بينها فروج خالية ضائعة.

وأما المسدس فهو موصوف بهاتين الصفتين. فـهداها سبحانه على بناء بيوتها على هذا الشكل من غير مسطر ولا آلة ولا مثال يحتذى عليه، وأصنع بني آدم لا يقدر على بناء البيت المسدس إلا بالآلات الكبيرة. فـتبارك الذي هداها أن تسلك سبل مراعيها على قوتها، وتأتها ذللا لا تستعصي عليها ولا تضل عنها، وأن تجتني أطيب ما في المرعى وألطفه وأن تعود إلى بيوتها الخالية فتصب فيها شرابا مختلفا ألوانه (فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون)

فإذا فرغت من بناء البيوت خرجت خماصا تسيح سهلا وجبلا فأكلت من الحلاوات المرتفعة على رؤوس الأزهار وورق الأشجار فترجع بطانا. وجعل سبحانه في أفواهها حرارة منضجة، تنضج ما جنته فتعيده حلاوة ونضجا ثم تمجه في البيوت حتى إذا امتلأت ختمتها وسدت رؤوسها بالشمع المصفى، فإذا امتلأت تلك البيوت عمدت إلى مكان آخر إن صادفته، فاتخذت فيه بيوتا وفعلت كما فعلت في البيوت الأولى. فإذا برد الهوى وأخلف المرعى وحيل بينها وبين الكسب لزمت بيوتها واغتذت بما ادخرته من العسل وهي في أيام الكسب والسعي تخرج بكرة وتسيح في المراتع وتستعمل كل فرقة منها بما يخصها من العمل فإذا أمست رجعت إلى بيوتها وإذا كان وقت رجوعها وقف على باب الخلية بواب منها ومعه أعوان، فكل نحلة تريد الدخول يشمها البواب ويتفقدها فإن وجد منها رائحة منكرة أو رأى بها لطخة من قذر، منعها من الدخول وعزلها ناحية إلى أن يدخل الجميع، فيرجع إلى المعزولات الممنوعات من الدخول فيتفقدهن ويكشف أحوالهن مرة ثانية. فمن وجده قد وقع على شيء منتن أو نجس، قدّه نصفين ومَن كانت جنايته خفيفة تركه خارج الخلية هذا دأب البواب كل عشية.

وأما الملك فلا يكثر الخروج من الخلية إلا نادرا إذا اشتهى التنزه فيخرج ومعه أمراء النحل والخدم فيطوف في المروج والرياض والبساتين ساعة من النهار ثم يعود إلى مكانه.

ومن عجيب أمره أنّه ربّما لحقه أذى من النحل أو من صاحب الخلية أو من خدمه، فيغضب ويخرج من الخلية ويتباعد عنها ويتبعه جميع النحل وتبقى الخلية خالية، فإذا رأى صاحبها ذلك وخاف أن يأخذ النحل ويذهب بها إلى مكان آخر، احتال لاسترجاعه وطلب رضاه، فيتعرف موضعه الذي صار إليه بالنحل، فيعرفه باجتماع النحل إليه، فإنها لا تفارقه وتجتمع عليه حتى تصير عليه عنقودا وهو إذا خرج غضبا، جلس على مكان مرتفع من الشجرة وطافت به النحل وانضمت إليه حتى يصير كالكرة فيأخذ صاحب النحل رمحا أو قصبة طويلة ويشد على رأسه حزمة من النبات الطيب الرائحة العطر النظيف ويدنيه إلى محل الملك ويكون معه إما مزهر أو يراع أو شيء من آلات الطرب فيحركه وقد أدنى إليه ذلك الحشيش، فلا يزال كذلك إلى أن يرضى الملك، فإذا رضي وزال غضبه، طفر ووقع على الضغث وتبعه خدمه وسائر النحل فيحمله صاحبه إلى الخلية، فينزل ويدخلها هو وجنوده. ولا يقع النحل على جيفة ولا حيوان ولا طعام. ومن عجيب أمرها أنها تقتل الملوك الظلمة المفسدة، ولا تدين لطاعتها، والنحل الصغار المجتمعة الخلق هي العسالة وهي تحاول مقاتلة الطوال القليلة النفع وإخراجها ونفيها عن الخلايا. وإذا فعلت ذلك جاد العسل وتجتهد أن تقتل ما تريد قتلها خارج الخلية صيانة للخلية عن جيفته. ومنها صنف قليل النفع كبير الجسم وبينها وبين العسالة حرب فهي تقصدها وتغتالها وتفتح عليها بيوتها وتقصد هلاكها والعسالة شديدة التيقظ والتحفظ منها، فإذا هجمت عليها في بيوتها، حاولتها وألجأتها إلى أبواب البيوت فتتلطخ بالعسل فلا تقدر على الطيران ولا يفلت منها الآكل طويل العمر. فإذا انقضت الحرب وبرد القتال عادت إلى القتلى فحملتها وألقتها خارج الخلية.
وقد ذكرنا أنّ الملك لا يخرج إلاّ في الأحايين، وإذا خرج خرج في جموع من الفراخ والشبان، وإذا عزم على الخروج ظل قبل ذلك اليوم أو يومين يعلم الفراخ وينزلها منازلها ويرتبها، فيخرج ويخرجن معه على ترتيب ونظام قد دبّره معهن لا يخرجن عنه، وإذا تولدت عنده ذكران عرف أنهن يتطلبن الملك، فيجعل كل واحد منهم على طائفة من الفراخ ولا يقتل ملك منها ملكا آخر لما في ذلك من فساد الرعية وهلاكها وتفرقها، وإذا رأى صاحب الخلية الملوك قد كثرت في الخلية وخاف من تفرّق النحل بسببهم، احتال عليهم وأخذ الملوك كلّها إلاّ واحدا ويحبس الباقي عنده في إناء ويدع عندهم من العسل ما يكفيهم حتى إذا حدث بـالملك المنصوب حدث مرض أو موت أو كان مفسدا، فقتلته النحل، أخذ من هؤلاء المحبوسين واحدا وجعله مكانه لئلاّ يبقى النحل بلا ملك، فيتشتت أمرها.

ومن عجيب أمرها أنّ الملك إذا خرج متنزّها ومعه الأمراء والجنود، ربّما لحقه إعياء فتحمله الفراخ، وفي النحل كرام عمال لها سعي وهمة واجتهاد وفيها لئام كسالى قليلة النفع مؤثرة للبطالة. فـالكرام دائما تطردها وتنفيها عن الخلية ولا تساكنها خشية أن تعدي كرامها وتفسدها.
والنحل من ألطف الحيوان وأنقاه ولذلك لا تلقي زبلها إلاّ حين تطير. وتكره النتن والروائح الخبيثة. وأبكارها وفراخها أحرس وأشد اجتهادا من الكبار وأقل لسعا وأجود عسلا، ولسعها إذا لسعت أقلّ ضررا من لسع الكبار.
ولمّا كانت النحل من أنفع الحيوان وأبركه قد خصّت من وحي الربّ تعالى وهدايته لما لم يشركها فيه غيرها. وكان الخارج من بطونها مادة الشفاء من الأسقام والنّور الذي يضيء في الظلام بمنزلة الهداة من الأنام كان أكثر الحيوان أعداء وكان أعداؤها من أقلّ الحيوان منفعة وبركة وهذه سُنّة الله في خلقه وهو العزيز الحكيم.

....يتبع...إن شاء الله...

الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.png‏
المشاهدات:	1391
الحجـــم:	1.02 ميجابايت
الرقم:	7729  
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 Jan 2020, 01:41 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 366
افتراضي





قصّة النّملة والنّبيّ سليمان عليه السّلام

* (فصل)

وهذه النمل من أهدى الحيوانات، وهدايتها من أعجب شيء. فإنّ النّملة الصغيرة تخرج من بيتها وتطلب قوتها وإن بعدت عليها الطريق. فإذا ظفرت به حملته وساقته في طرق معوجة بعيدة ذات صعود وهبوط، في غاية من التّوعّر حتّى تصل إلى بيوتها فتخزن فيها أقواتها في وقت الإمكان. فإذا خزنتها عمدت إلى ما ينبت منها ففلقته فلقتين لئلاّ ينبت، فإن كان ينبت مع فلقه باثنتين، فلقته بأربعة، فإذا أصابه بلل وخافت عليه العفن والفساد، انتظرت به يوما ذا شمس، فخرجت به، فنشرته على أبواب بيوتها ثم أعادته إليها ولا تتغذّى منها نملة ممّا جمعه غيرها.
ويكفي في هداية النمل، ما حكاه الله سبحانه في القرآن عن النّملة التي سمع سليمان كلامها وخطابها لأصحابها بقولها: ﴿يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكم لا يَحْطِمَنَّكم سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهم لا يَشْعُرُونَ﴾.
فاستفتحت خطابها بـالنداء الذي يسمعه مَن خاطبته، ثم أتت بـالاسم المبهم ثم أتبعته بما يثبته من اسم الجنس، إرادة للعموم ثم أمرتهم بأن يدخلوا مساكنهم فيتحصّنون من العسكر، ثم أخبرت عن سبب هذا الدخول وهو خشية أن يصيبهم معرة الجيش، فـيحطمهم سليمان وجنوده ثم اعتذرت عن نبي الله وجنوده بأنّهم لا يشعرون بذلك وهذا من أعجب الهداية.

وتأمّل كيف عظم الله سبحانه شأن النمل بقوله: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ والطَّيْرِ فَهم يُوزَعُونَ

ثم قال: ﴿حَتّى إذا أتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ﴾ فأخبر أنّهم بـأجمعهم مرّوا على ذلك الوادي، ودلّ على أنّ ذلك الوادي معروفا بالنّمل، كوادي السباع ونحوه، ثم أخبر بما دلّ على شدّة فطنة هذه النّملة ودقّة معرفتها، حيث أمرتهم أن يدخلوا مساكنهم المختصة بهم، فقد عرفت هي والنّمل أنّ لكل طائفة منها مسكنا لا يدخل عليهم فيه سواهم ثم قالت ﴿لا يَحْطِمَنَّكم سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ﴾، فجمعت بين اسمه وعينه وعرفته بهما وعرفت جنوده وقائدها ثم قالت ﴿وهم لا يشعرون﴾ فكأنّها جمعت بين الاعتذار عن مضرّة الجيش بكونهم لا يشعرون وبين لوم أمّة النّمل حيث لم يأخذوا حذرهم ويدخلوا مساكنهم، ولذلك تبسّم نبي الله ضاحكا من قولها وإنّه لموضع تعجّب وتبسّم.

وقد روى الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عيينة عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ: "نهى عن قتل النمل والنحلة والهدهد والصرد" وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "نزل بني من الأنبياء تحت شجرة فقرصته نملة فأمر بجهازه فأخرج وأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أمن أجل أن قرصتك نملة أحرقت أمّة من الأمم تسبّح، فهلا نملة واحدة" وذكر هشام بن حسان: "أنّ أهل الأحنف بن قيس لقوا من النّمل شدّة فأمر الأحنف بكرسي فوضع عند تنورين فجلس عليه ثم تشهد ثم قال: لتنتهن أو ليحرقن عليكن ونفعل ونفعل، قال: فذهبن"

وروى عوف بن أبي جميلة عن قسامة بن زهير قال قال أبو موسى الأشعري: "إنّ لكل شيء سادة حتى للنمل سادة، ومن عجيب هدايتها أنّها تعرف ربّها بأنّه فوق سماواته على عرشه كما رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث أبي هريرة يرفعه قال: "خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون فإذا هم بنملة رافعة قوائمها إلى السماء تدعو مستلقية على ظهرها فقال ارجعوا فقد كفيتم أو سقيتم بغيركم" ولهذا الأثر عدة طرق ورواه الطحاوي في التهذيب وغيره وقال الإمام أحمد حدثنا قال: "خرج سليمان بن داؤد يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللّهم إنّا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك ورزقك. فإمّا أن تسقينا وترزقنا وإمّا أن تهلكنا. فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم".
ولقد حدثني أنّ نملة خرجت من بيتها فصادفت شق جرادة، فحاولت أن تحمله فلم تطق، فذهبت وجاءت معها بـأعوان يحملنه معها، قال: فرفعت ذلك من الأرض فطافت في مكانه فلم تجده، فانصرفوا وتركوها قال: فوضعته، فعادت تحاول حمله فلم تقدر، فذهبت وجاءت بهم فرفعته، فطافت فلم تجده، فانصرفوا، قال: فعلت ذلك مرارا، فلمّا كان في المرة الأخرى استدار النمل حلقة ووضعوها في وسطها وقطعوها عضوا عضوا.
قال شيخنا: وقد حكيت له هذه الحكاية فقال هذه النمل فطرها الله سبحانه على قبح الكذب وعقوبة الكذب. والنّمل من أحرص الحيوان، ويضرب بـحرصه المثل. ويذكر أنّ سليمان صلوات الله وسلامه عليه لمّا رأى حرص النّملة وشدّة ادّخارها للغذاء استحضر نملة وسألها: كم تأكل النملة من الطعام كل سنة، قالت: ثلاث حبّات من الحنطة، فأمر بـإلقائها في قارورة وسدّ فم القارورة وجعل معها ثلاث حبّات حنطة وتركها سنة بعد ما قالت. ثم أمر بـفتح القارورة عند فراغ السنة، فوجد حبّة ونصف حبّة. فقال: أين زعمك؟ أنتِ زعمت أنّ قوتك كل سنة ثلاث حبّات، فقالت: نعم ولكن لمّا رأيتك مشغولا بمصالح أبناء جنسك، حسبت الذي بقي من عمري فوجدته أكثر من المدة المضروبة، فاقتصرت على نصف القوت، واستبقيت نصفه استبقاء لنفسي. فعجب سليمان من شدّة حرصها وهذا من أعجب الهداية والعطية.
ومن حرصها أنّها تكد طوال الصيف وتجمع للشتاء علما منها بإعواز الطلب في الشتاء وتعذر الكسب فيه وهي على ضعفها، شديدة القوى فإنها تحمل أضعاف أضعاف وزنها وتجرّه إلى بيتها. ومن عجيب أمرها، أنّك إذا أخذت عضو كزبرة يابس فأدنيته إلى أنفك لم تشم له رائحة، فإذا وضعته على الأرض أقبلت النملة من مكان بعيد إليه، فإن عجزت عن حمله ذهبت وأتت معها بصف من النمل يحتملونه، فكيف وجدت رائحة ذلك من جوف بيتها حتى أقبلت بسرعة إليه، فهي تدرك بالشم من البعد ما يدركه غيرها بالبصر أو بالسمع، فتأتي من مكان بعيد إلى موضع أكل فيه الإنسان وبقي فيه فتات من الخبز أو غيره، فتحمله وتذهب به وإن كان أكبر منها، فإن عجزت عن حمله ذهبت إلى جحرها وجاءت معها بطائفة من أصحابها فجاؤوا كـخيط أسود، يتبع بعضهم بعضا، حتى يتساعدوا على حمله ونقله وهي تأتي إلى السنبلة فتشمّها، فإن وجدتها حنطة قطعتها ومزّقتها وحملتها. وإن وجدتها شعيرا فلا. ولها صدق الشم وبُعد الهِمَّة وشدّة الحرص والجرأة على محاولة نقل ما هو أضعاف أضعاف وزنها.
وليس للنّمل قائد ورئيس يدبرها، كما يكون للنحل إلاّ أنّ لها رائدا يطلب الرزق، فإذا وقف عليه أخبر أصحابه، فيخرجن مجتمعات. وكلّ نملة تجتهد في صلاح العامة منها غير مختلسة من الحب شيئا لنفسها دون صواحباتها.
ومن عجيب أمرها أنّ الرجل إذا أراد أن يحترز من النمل لا يسقط في عسل أو نحوه، فإنّه يحفر حفيرة ويجعل حولها ماء أو يتخذ إناء كبيرا ويملأه ماء ثم يضع فيه ذلك الشيء، فيأتي الذي يطيف به فلا يقدر عليه فيتسلق في الحائط ويمشي على السقف إلى أن يحاذي ذلك الشيء فتلقي نفسها عليه. وجربنا نحن ذلك وأحمى صانع مرة طوقا بالنار ورماه على الأرض ليبرد، واتفق أن اشتمل الطوق على نمل، فتوجّه في الجهات ليخرج فلحقه وهج النار فلزم المركز ووسط الطوق وكان ذلك مركزا له، وهو أبعد مكان من المحيط.


(من تفسير ابن باديس رحمه الله لسورة النمل.) (1)

قصّة الهدهد والنّبيّ سليمان عليه السّلام

* (فصل)

وهذا الهدهد من أهدى الحيوان وأبصره بمواضع الماء تحت الأرض، لا يراه غيره. ومن هدايته ما حكاه الله عنه في كتابه أن قال لنبي الله سليمان، وقد فقده وتوعّده. فلمّا جاءه بدره بـالعذر قبل أن ينذره سليمان بالعقوبة. وخاطبه خطابا هيّجه به على الإصغاء إليه والقبول منه، فقال أحطت بما لم تحط به، وفي ضمن هذا أنّي أتيتك بأمر قد عرفته حقّ المعرفة بحيث أحطت به وهو خبر عظيم له شأن فلذلك قال ﴿وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ
والنّبأ هو الخبر الذي له شأن والنّفوس متطلّعة إلى معرفته، ثم وصفه بأنّه نبأ يقين، لا شك فيه ولا ريب. فهذه مقدمة بين يدي إخباره لنبي الله بذلك النبأ، استفرغت قلب المخبر لتلقّي الخبر، وأوجبت له التّشوّف التّام إلى سماعه ومعرفته وهذا نوع من براعة الاستهلال وخطاب التهييج ثم كشف عن حقيقة الخبر كشفا مؤكدا بأدلّة التأكيد فقال: إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ، ثم أخبر عن شأن تلك الملكة وأنّها من أجلّ الملوك، بحيث وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يصلح أن تؤتاه الملوك، ثم زاد في تعظيم شأنها، بذكر عرشها التي تجلس عليه وأنّه عرش عظيم ثم أخبره بما يدعوهم إلى قصدهم وغزوهم في عقر دارهم بعد دعوتهم إلى الله فقال: ﴿وَجَدْتُها وقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾.

وحذف أداة العطف من هذه الجملة وأتى بها مستقلّة غير معطوفة على ما قبلها، إيذانا بأنّها هي المقصودة، وما قبلها توطئة لها، ثم أخبر عن المغوي لهم الحامل لهم على ذلك وهو تزيين الشيطان لهم أعمالهم حتى صدّهم عن السبيل المستقيم وهو السّجود لله وحده، ثم أخبر أنّ ذلك الصدّ حال بينهم وبين الهداية والسجود لله، الذي لا ينبغي السجود إلاّ له، ثم ذكر من أفعاله سبحانه: إخراج الخبء في السماوات والأرض، وهو المخبوء فيهما من المطر والنبات والمعادن وأنواع ما ينزل من السماء وما يخرج من الأرض.
وفي ذكر الهدهد هذا الشأن من أفعال الربّ تعالى بخصوصه إشعار بما خصّه الله به، من إخراج الماء المخبوء تحت الأرض. قال صاحب الكشاف: "وفي إخراج الخبء أمارة على أنّه من كلام الهدهد لـهندسته ومعرفته الماء تحت الأرض وذلك بـإلهام مَن يخرج الخبء في السّماوات والأرض (جلّت قدرته ولطف علمه). ولا يكاد يخفى على ذي الفراسة الناظر بنور الله مخايل كل شخص بصناعة أو فن من العلم في روائه ومنطقه وشمائله. فما عمل آدمي عملاً إلاّ ألقى الله عليه رداء عمله".



(من تفسير ابن باديس رحمه الله لسورة النمل.) (2)
-------------------------------------------------
(1) (2) -تفسير ابن باديس (في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير.


للتّنبيه فقط على ما جاء في اهتداء النّملة والهدهد:

-النّملة حين قالت لقومها عن سليمان عليه السّلام وجنوده "وهم لايشعرون"، وقد قال المفسّرون أنّه اعتذار عمّا يتسبّب فيه سليمان عليه السلام وجنوده من تحطيم مساكن النّمل، حيث نبّهت النّملة قومها أن يأخذوا حيطتهم حتّى لايقعوا في هذا الضّرر، وهنا، بهذا التّنبيه والاعتذار، تشير النّملة إلى أنّ النبي سليمان عليه السلام لايقصد أذيّتهم، وقد أوضحت هذه الإشارة بقولها:"وهم لايشعرون".
وهذا يدلّ على أنّ أنبياء الله ورسله، عليهم الصّلاة والسّلام، قد أرسلوا رحمةً للعالمين، وأنّهم لايغترّون بقوّتهم وملكهم ومكانتهم في الأرض، و سواء كانوا ملوكا أو قادة، فهم أفضل النّاس، تواضعًا ولينًا وشفقةً بِمَن هم دونهم،. صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

الهدهد الصغير الذي أحاط بما لم يحط به النبي سليمان عليه السلام، هو نوع من الاهتداء كما يقول الإمام الشيخ ابن باديس رحمه الله، يمنحه الله لمَن يشاء من خلقه.

تعليق: أم وحيد بهية صابرين

الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	عزّ العلم وسلطانه حوارالهدهد مع سليمان.png‏
المشاهدات:	2220
الحجـــم:	89.3 كيلوبايت
الرقم:	7732   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	قالت نملة1.png‏
المشاهدات:	7718
الحجـــم:	650.8 كيلوبايت
الرقم:	7731   اضغط على الصورة لعرض أكبر

الاســـم:	عمل الهدهد دليل عظمة الخالق.png‏
المشاهدات:	1759
الحجـــم:	83.5 كيلوبايت
الرقم:	7733  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013