أيها المعرضون عن طلب العلم! ما هو عُذركم عند الله.
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا كلامٌ نفيس للإمام العلامة عبد الرحمان بن ناصر السّعدي رحمه الله، فيه الحثّ على طلب العلم، والاشتغال به، إذ يعدّ من أجلّ العبادات التي يتقرّب بها المسلم إلى ربّه عزوجل.
قال رحمه الله :
فيا أيها المعرضون عن طلب العلم! ما هو عُذركم عند الله، وأنتم في العافية تتمتعون !؟ وماذا يمنعكم منه وأنتم في أرزاق ربكم ترتعون !؟
أترضون لأنفسكم أن تكونوا كالبهائم السائمة !؟ أتختارون الهوى على الهدى والقلوب منكم ساهية هائمة !؟ أتسلكون طرق الجهل وهي الطرق الواهية، وتَدَعُون سُبُل الهدى وهي السُّبُل الواضحة النافعة !؟
أترضى إذا قيل لك: مَن رَبُّكَ وما دينك ومَن نبيك لم تحر الجواب !؟ وإذا قيل : كيف تصلي وتتعبد أجبت بغير الصواب !؟ وكيف تبيع وتشتري وتعامل وأنت لم تعرف الحلال من الحرام !؟ أمَا والله إنها حالةٌ لا يرضاها إلا أشباه الأنعام.
فكونوا - رحمكم الله - متعلمين، فإن لم تفعلوا فاحضروا مجالس العلم مستمعين ومستفيدين، واسألوا أهل العلم مسترشدين متبصرين ، فإن لم تفعلوا وأعرضتم عن العلم بالكلية فقد هلكتم وكنتم من الخاسرين.
أما علمتم: أنَّ الاشتغال بالعلم مِن أَجَّلِ العبادات، وأفضل الطاعات والقربات، ومُوجِبٌ لِرِضَى رَب الأرض والسماوات.
ومجلس علم تَجلِسُهُ خيرٌ لك مِن الدنيا وما فيها، وفائدة تستفيدها وتنتفع بها لا شيء يزنها ويساويها !؟
فاتقوا الله عباد الله، واشتغلوا بما خلقتم له من معرفة الله وعبادته، وسَلُوا ربكم أن يُمدكم بتوفيقه ولطفه وإعانته، { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ }
المصدر: الفواكه الشهية في الخطب المنبرية [رقم : 66 ]
جزاك الله خيرا، ومع هذا فيزهد كثير من المستقيمين في طلب العلم الشرعيّ متعللين بطلب الرزق والشغل بالتجارة، رغم أنّ العلم ينال بركته حتى غير المتخصصين في العلوم الشرعية، كما كان سلفنا الصالح، منهم التاجر ومنهم من يشتغل في مهن شتى – كما هو مشهور عنهم-، ولكن لا يفوتهم طلب العلم والجلوس في حلقات أهل العلم .
ووالله لمن أعظم الأشياء التي تعين على نيل العلم قليلا أو كثيرا : الإخلاص لله رب العالمين، فمن احتسب الأجر عند الله سواء في العلم او في أيّ قربة، فإنّ هذا أكبر دافع له ليس للطلب فحسب بل للثبات عليه حتى الممات، كما قال إمام أهل السنة والصابر في المحنة : أحمد بن حنبل – رحمه الله - :" مع المحبرة إلى المقبرة" ، نسأل الله الإخلاص والثبات، ونختم بهذه الأبيات الرائعة لأبي إسحاق الإلبيري - رحمه الله- ( ت 460 ) حيث يقول :
أَبَا بكر دعوتك لَو أجبتا ... إِلَى مَا فِيهِ حظك إِن عقلتا
إِلَى علم تكون بِهِ إِمَامًا ... مُطَاعًا إِن نهيت وَإِن أمرتا
وتجلو مَا بِعَيْنِك من عشاها ... وتهديك السَّبِيل إِذا ضللتا
وَتحمل مِنْهُ فِي ناديك تاجا ... ويكسوك الْجمال إِذا اغتربتا
ينالك نَفعه مَا دمت حَيا ... وَيبقى ذخره لَك إِن ذهبتا
هُوَ الْغَضَب المهند لَيْسَ ينبو ... تصيب بِهِ مقَاتل من ضربتا
وكنز لَا تخَاف عَلَيْهِ لصا ... خَفِيف الْحمل يُوجد حَيْثُ كنتا
يزِيد بِكَثْرَة الْإِنْفَاق مِنْهُ ... وَينْقص أَن بِهِ كفا شددتا
فَلَو قد ذقت من حلواه طعما ... لآثرت الْعلم التَّعَلُّم واجتهدتا
وَلم يشغلك عَنهُ هوى مُطَاع ... وَلَا دنيا بزخرفها فتنتا
وَلَا ألهاك عَنهُ أنيق روض ... وَلَا خدر بربربه كلفتا
فقوت الرّوح أَرْوَاح الْمعَانِي ... فَإِن أعطاكه الله أخذتا