الفضولي السلبي

[أبو عبد السلام جابر البسكري]

بسم الله الرحمن الرحيم

الفضولي السلبي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده .
أما بعد :

تختلف طبائع الناس وتصرفاتهم مع غيرهم ، فالفضولي نوع من الناس الذي يحب الإطلاع والبحث والمعرفة، فتجده متلهفا لكل جديد وغريب وعجيب ، يحب أن يصل إلى مطلوبه لإشباع رغبته الداخلية.
فالفُضوليّ في معجم المعاني الجامع:اسم منسوب إلى فُضول ، مُتطَفِّل ؛ من يتدخل فيما لا يعنيه.
والفضولي ( في الشَّرع ) : من لم يكن وليَّا ولا وصيًّا ولا أصيلاً ولا وكيلاً.اي انه يتصرّف في حقّ الغير بلا إذن شرعيّ .
ولكن هناك فضولي إيجابي وفضولي سلبي ، فإن كان إيجابيا كمحب العلم وسؤال العلماء والبحث عما أشكل ، وكان توجهه نحو المعرفة واكتساب مايفيد في دنياه ودينه فَبِها ونِعْمَتْ.
واما الفضولي السلبي - نسأل الله أن لا يبتلينا به - ، فحدث عنه ولا حرج ، كثير السؤال فيما لا يخصه ، يريد معرفة تفاصيل حياتك فيسأل عن كل دقيق وكثير ، متى وأين وكيف ولماذا !! متى تخرج ،أين تذهب ، كيف حالك مع زوجتك هل هي بالحمل !؟ لماذا لا تبني بيتك هكذا !؟....إلى ما لا نهاية من الأسئلة -والله المستعان-.
ألم يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ) رواه الترمذي (2318) وصححه الألباني .
يقول ابن رجب رحمه الله تعالى :" وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب ، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال : جماع آداب الخير وأزِمَّتُه تتفرع من أربعة أحاديث :قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )
وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية : ( لا تغضب )
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
ومعنى هذا الحديث : أن مَنْ حسُنَ إسلامه تَركَ ما لا يعنيه من قول وفعل ، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به ، وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام . [جامع العلوم والحكم" (1/114-116)].
والفضولي بسوء أدبه يوقع بأسئلته الكثيرة الشخص في حرج وضيق فيأثمه بذلك ، فيوقع صاحبه في الكذب أو الغضب وربما يشتمه أو يصل إلى الضرب إن تعدى حدوده .
يقول المناوي رحمه الله تعالى:
" يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره ، فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه ، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسئول ، فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله ، فإن أخبره شق عليه ، وإن كذبه في الإخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة ، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب " إهـ.[فيض القدير (7/3)].
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث : (... كره لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال). [رواه مسلم].
حتى أن من الفوضليين من يريد معرفة أسرار بيتك وكيف أنت تتعامل معهم وكيف تأكل معهم وتجلس معهم ، وربما يعرف نوع طبيخكم من الرائحة أو من محتويات بضاعتك عبر الكيس البلاستيكي الشفاف!!
والفضولي السلبي يحب التجسس وقد نهى الله تعالى عنه .
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:12]
وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله: «ولا تحسسوا، ولا تجسسوا»قال الخطابي: أي: لا تجسسوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها. وأصله بالمهملة من الحاسة، إحدى الحواس الخمس، وبالجيم من الجس بمعنى اختبار الشيء باليد، وهي إحدى الحواس الخمس، فتكون التي بالحاء أعم. وقيل: هما بمعنى وذكر الثاني تأكيدا كقولهم بعدا وسحقا. وقيل: بالجيم، البحث عن العورات، وبالمهملة استماع حديث القوم. وقيل: بالجيم، البحث عن بواطن الأمور، وأكثر ما يكون في الشر، وبالمهملة عما يدرك بحاسة العين أو الأذن... إهـ [كتاب رياض الصالحين].
والفضولي السلبي بتدقيقه وبحثه يتتبع عورات المسلمين : وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تتبع العورات فقال : ( إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم). [صحيح الجامع 4059].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) [ صحيح الجامع 7984].
قوله: (يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه). فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن. (ولا تتبعوا عوراتهم). أي: لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم... (يتبع الله عورته). ذكره على سبيل المشاكلة، أي: يكشف عيوبه، وهذا في الآخرة. وقيل: معناه يجازيه بسوء صنيعه. يفضحه. أي: يكشف مساويه. (في بيته). أي: ولو كان في بيته مخفيًّا من الناس.[ عون المعبود للعظيم آبادي 09 /2160 ].
ماهو الحل ؟
لا حل لمشكلة الفضولي السلبي إلا بنصيحته وتربيته أو زجره بالكتاب والسنة فإن لم ينفع فاعتبره جليس سوء لا خير فيه ، فلا تخجل منه ولا توقع نفسك في الكذب فالابتعاد عنه أسلم ، وكما قيل السلامة لا يعدلها شيء.

أسأل الله أن يجنبنا فضول الكلام وسوء الأخلاق والأعمال.

أبو عبد السلام جابر البسكري
22 ربيع الثاني 1436 هجري

[أبو ميمونة منور عشيش]

جزاك الله خيرا أخي الفاضل، فما أكثر هؤلاء في زمننا هذا والله المستعان.

حفظك الله أبا عبد السلام، التفاتةٌ موفَّقة.

[خالد العايب]

جزاك الله خيرا أخي جابر موضوع مهم ،نعاني من هذا النوع من الناس كثيرا في مجتمعنا
والله المستعان .
والفضولي قد يهلك نفسه كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم : أن رجلاً ظن بنفسه الخير، وظن بنفسه أنه على أتم ما يكون من الإيمان، فيسمع بـالدجال فيقول: أنظر إلى هذا الدجال ، وأذهب إليه، فيذهب إليه فيفتتن فيؤمن به!

فالذي دفعه إلى الذهاب للدجال العجب و الفضول فيهلك