منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10 Aug 2020, 05:08 PM
أبو عبد الله حيدوش أبو عبد الله حيدوش غير متواجد حالياً
وفقه الله
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: الجزائر ( ولاية بومرداس ) حرسها الله
المشاركات: 757
افتراضي خُـلـقُ التَّـغــاضـي لفضيلة الشيخ عمر الحاج مسعود -حفظه الله ورعاه-


خُـلـقُ التَّـغــاضـي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أمَّا بعد، فإنّ من أخطائنا في المعاملة والمعاشرة والمصاحبة اللومَ لأدنى زلَّة والتأنيبَ لأتفهِ هَفوةٍ، والمؤاخذةَ دون تثبُّت ولا تأَنٍّ، فطغى في معاملاتنا كثرةُ العتابِ والمحاسبة والتَّشديد والتدقيق وسوءِ الظن.
يَكثُر هذا بين الأزواجِ والأولاد والأصحاب والشركاء وطلبةِ العلم، بسبب الخطأ أو النسيان أو التأخُّر، فإذا تأخَّر عن الموعد ـ مثلا ـ سمع من صاحبه ما يكره، وكذا إذا نسي فعلَ شيْء أو لم يفهم كلامَ مخاطِبه أو تأوَّلَه، وإذا اتَّصل به أو كتب له رسالةً ولم يَرُدَّ، أساء به الظنَّ وغضِب.
فلا أحدَ يُقدِّرُ أنَّ المتَّصَلَ عليه قد يكون مصلِّيا أو مريضا أو مهموما أو نائما، وقد يكونُ يأكلُ أو يَغتسِل أو يقضي حاجتَه أو يُؤدِّي شُغْلَه، وبعد ذلك يتكاسلُ عن الرَّدّ أو ينساه، وقد يقدِّر فلا يرُدّ لسبب، فأين المخالفةُ وسوءُ الأدب؟
وأحيانا يكون الهاتفُ صامتا أو ضائعا أو معَطَّلا أو مسروقا، وقلبُ المتَّصِل يَغلي بالوساوسِ والشكوك والاحتمالاتِ البعيدةِ، ولسانُه ينطق بالطَّعنِ والسبِّ والكلمات القبيحةِ، وربما أرسل إلى صاحبِه رسائلَ توبيخيةً أو صوتياتٍ تعزيرية.
فصرنا لا نُحسن الظن ولا نقبَلُ العذر ولا نعرف المسامحة ولا نتعامل بالتغاضي، ولا نَتخلَّقُ بالحِلم والأناة والتَّثبُّت، بل نسارعُ إلى الغضبِ واللَّوم والعِتاب، وأحيانا إلى القطيعة والهجر والسِّباب، فأنتج هذا حرَجا وضُغْطةً وهمًّا ونَكَدا، والله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾، ويقول رسولُ الله ﷺ: «إِيَّاكم والظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحديثِ» [أخرجه الشيخان]، وفي الحكمة: «ليس من العدْل سرعةُ العَذْل»، أي اللَّوم.

إنَّ المؤمن ينصَح ويستُر ويعذُر ويتغاضى استجلابا للمودة ودفعا للعداوة، عن أَبِي قِلابَةَ / قال: «التَمِسْ لأخيك العذْرَ بجَهْدِك، فإِن لَم تَجدْ له عُذرا فقُل لعلَّ لأخي عذْرا لا أَعلمُه»، [المداراة لابن أبي الدنيا 40]
لعلَّ له عُذرًا وأنت تَلومُ.....ورُبَّ امْرئ قد لام وهو مُليمُ
واعلم ـ رحمك الله ـ أنَّ الخطأ في حقِّك قد يكون سببُه الجهلَ أو الغفلة أو النسيان أو التأويل أو قلَّةَ الفهم أو ضعف البصيرة، والناسُ أصنافٌ وأوزاع، ليسوا على درجة واحدة في الفهم والانتباه والاستجابة، فراعِهم وانظر في أعذارهم.
هناك من يريد إخوةً و أصحابا لا يخطئون ولا ينسَون ولا يغفلون، وكأَّنه يجهلُ بأنَّ لكلِّ عالم هفوةً ولكلِّ جَوَاد كَبوةً، قَال بعضُهم: «مَن حاول صديقًا يأْمنُ زلَّتَه ويَدومُ اغْتباطُه به، كان كضالِّ الطَّريقِ الَّذي لا يزدادُ لنفْسه إتْعابًا إلَّا ازداد مِن غايتِه بُعدًا» [أدب الدنيا 225]
ومَن كان مُعاتِبا إخوانَه على الكبير و الصغير، محاسِبا لهم على الجليل والحقير، ولا يقبل منهم عُذرا ولا يلتمس لهم مَخرجا، فإنَّهم يجتنبونه وينفِرون منه، ويلتمسون جميعَ الحِيَل والوسائل للنَّجاةِ منه والابتعاد عنه، قال ابن حبان: «مَن لم يُعاشر النَّاسَ على لزومِ الإغْضاء عمَّا يأتون مِن المكروه وتركِ التَّوقع لِمَا يأتون من المحبوب كان إلى تَكديرِ عيْشِه أقربَ منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعَه الوقتُ إلى العداوةِ والبغضاء أقربَ منه إلى أن ينالَ منهم الوِدادَ وتركَ الشَّحناء»، [روضة العقلاء ص 72 ]، ومن منثور الحكمة: «لا صديق لمن أراد صديقا لا عيبَ فيه»
إنَّ خُلقَ التغاضي والمسامحةِ وحُسنِ الظَّنّ يورث الرِّفعةَ والمحبة والوئام والألفة، قال الله لنبيه ﷺ: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾، يعني خُذْ ما سهُل عليهم وسمَحت به أنفسُهم، ولا يمكن هذا إلَّا بمعاملتهم بالتجاوزِ والتغاضي والصفح وقَبولِ الاعتذار.
قال أنسٌ: «خدَمتُ رسولَ اللهﷺ عشْرَ سنين، واللهِ ما قال لِي أُفًّا قَطُّ ولا قال لِي لشيْءٍ لِمَ فعلتَ كذا وهلَّا فعلتَ كذا»، [رواه البخاري 6038 ومسلم 2309]، ومعاملته ﷺ هذه هي نهايةُ العقل والحلم وغايةُ التغاضي والكرم، لهذا كان أحبَّ الناس إليهم، مُهابًا مُطاعا، قال أيّوبُ السَّخْتِيانِيّ /: «لا يُسوَّدُ العبدُ حتَّى يكونَ فيه خَصلتانِ اليأْسُ مِمَّا في أَيدي النَّاسِ والتَّغافلُ عمَّا يكونُ مِنهم» [حلية الأولياء 3/5]
وقال ﷺ: «لا يَفْرَكْ مُؤمنٌ مُؤمنةً، إِن كرِه منها خُلُقا رضِيَ منها آخَرَ»، [رواه مسلم 1469]، والفِرْك ـ بكسر فسكون ـ البُغض، يعني لا يُبغض، ففي هذا الحديث إرشادٌ إلى معاملة الحَليلةِ وكلِّ من كانت بينَك وبينَه معاملةٌ مِن قريبٍ أو جار أو صديق أو شريك بالإغضاء عن أخطائه والتغافلِ عن هفواته، حتى تدومَ بينكما الصحبةُ والمودّة، كما قال بعضهم: «من عاشر إخوانَه بالمسامحة دامت له مودَّتُهم»، وكان محمد الأمين الشنقيطي / كثيرَ التغاضي عن حقِّ نفسه، وإذا سئل قال :
ليس الغبيُّ بسيِّدٍ في قومه لكنَّ سيدَّ قومِه المتغابي
[أضواء البيان 10/297، والبيت لأبي تمام الطائي]

إنَّ العاقلَ الحكيم يراعي فهومَ الناسِ وعقولَهم وطِباعَهم، ويلاحظ مناسباتِهم وأحوالَهم، ويُحسِن الظنَّ ويعذر ويستر، ويترك التَّدقيقَ والاستقصاء، من غير أن يُداهنَ أحدا أو يتركَ واجبا أو يُضيِّعَ حقًّا أو يرتكب محرَّما أو يُشيعَ باطلا.
بهذه الأخلاقِ النَّبيلةِ تستقيمُ أمورُ الناس وتَحسُن أحوالُهم ويَدوم توادُّهم ويستقرُّ جمعُهم، قال بعضُ الحُكماءِ: «وجدتُّ أكْثرَ أمورِ الدُّنيا لا تَجوزُ إلَّا بِالتَّغافلِ»، [أدب الدنيا 227]، وقال الإمامُ أحمدُ بن حَنبلٍ /: «العافِيةُ عشَرةُ أجزاءٍ، كلُّها في التَّغافُل» [الآداب الشرعية 2/20]
فجدير بالزوجِ مع زوجته والوالدِ مع أولاده، والشيخِ مع طلَبتِه والمعلِّم مع تلامذته والمتعلِّمين مع شيوخهم ومعلِّميهم، والإمام مع مأموميه والأمير مع رعيته والمديرمع موظَّفيه، وطلبةِ العلم والأصحاب والأحبَّة فيما بينهم، أن يتحلَّوْا بحُسنِ الظَّنّ والتغاضي عن الهفوات التي لا تسبِّبُ الشرَّ والفتنةَ، والتغافلِ عن الزلَّاتِ التي لا تَخدِش الدينَ والسُّنة.
ويتأكَّد هذا مَع مَن عُرف فضلُه وثبتَت مودَّتُه، وصحَّت عقيدتُه وسلِم منهجُه، مع لزوم النَّصيحةِ والأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكر والصَّدع بالحقِّ وَفقَ الضَّوابطِ الشرعيَّةِ والآدابِ المَرعيَّةِ، واللهُ المستعانُ وعليه التُّكلان، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارك على نبِيِّنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان


كتبه عمر الحاج مسعود
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013