فضائح المتكلمين ( قصيدة )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فهذا هو الجزء الثالث من منظومتي النونية المسماة بـ " الشافية الكافية في الانتصار لعقائد الفرقة الناجية " يسر الله اتمامها
فضائح المتكلمين
***
فَصْلٌ فِي نُشُوءِ مَذْهَبِ المُتَكَلِّمِين
عَرِّجْ أَيَا قَلَمِي عَلَى أمَمِ الرَّدَى ---- وَجَمَاعَةِ الإِسْرَافِ وَالخُسْرَانِ
أَهْلَ الكَلَامِ جُمُوعَكمْ أَعْنِي وَمَنْ ---- تَبِعَ الهُنُودَ وَعُصْبَة اليُونَانِ
يَا مَنْ رَضِيتُمْ قَوْلَ سُقْرَاطَ الَّذِي ---- عَبَدَ الصُّخُورَ وَظَاهِرَ الأَوْثَانِ
وَتَأَلّهَ المَطَرَ العَمِيمَ وَرِيحَهَا ---- وَجِبَالَهَا وَالمَاءَ بِالوِدْيَانِ
وَكَوَاكِبَ اللَّيْلِ البَهِيمِ وَنَجْمَهُ ---- وَشِهَابَهُ وَالشَّمْسَ بِالبُطْلَانِ
وَأَرِسْطُو طَالِيسَ الذِي هُوَ عِنْدَكُمْ ---- فِي مَنْزِلِ المَبْعُوثِ بِالقُرْآنِ
فَإِلَيْهِ يَرْجِعُ حُكْمُكُمْ وَبَيَانُكُمْ ---- وَإِلَيْهِ يُقْطَعُ رَأْيُكُمْ بِبَيَانِ
سَلَفُ المَنَاطِقَةِ الذِينَ تَأَلَّهُوا ---- حُكْمَ العُقُولِ وَمَنْطِقَ الإِنْسَانِ
وَكَذَاكَ أَفْلَاطُونُ صَاحِبُ أَمْرِكُمْ ---- وَدَلِيلُكُمْ لِزِبَالَةِ الأَذْهَانِ
مَنْ قَالَ بِالوَهْمِ الصَّرِيحِ فَقُلْتُمُ ---- بِالعَالَمَيْنَ بِغَيْرِ مَا بُرْهَانِ
دَارٌ لِأَهْلِ الغَيِّ وَالصُّوَرِ التِي --- نَحْيَا بِهَا فِي سُلْطَةِ الطُّغْيَانِ
وَكَذَاكَ دَارٌ لِلْفَضِيلَةِ لَا يُرَى ---- فِيهَا سِوَى الإِنْصَافُ بِالمِيزَانِ
أَرْدَاكُمُ المَأْمُونُ لَمَّا سَاقَكُمْ ---- لِحُتُوفِ أَهْلِ الغَيِّ وَالخِذْلَانِ
تَرْجَمْتُمُ كُتُبَ العُلُوجِ فَصِرْتُمُ ---- تَبَعًا لِقَوْمِ الزُّورِ وَالبُطْلَانِ
وَرَضِيتُمُ حُكْمَ الجَهُولِ وَعِبْتُمُ ---- حُكْمَ الإِلَهِ بِظَاهِرِ القُرْآنِ
وَتَبِعْتُمُ لحُنَيْنَ فِي تَجْمِيعِ مَا ---- نَثَرَ الغُوَاةُ بِشَاسِعِ البُلْدَانِ
وَلِشَيْخِهِ وَغُلَامِهِ وَلِشَرِّهَا ---- حِمْصِيِّكُمْ عَبْدِ المَسِيحِ الدَّانِي
فَجَمَعْتُمُ فِي بَيْتِ حِكْمَتِكُمْ لَمَا ---- يُرْدِي الحَلِيمَ بِمَنْزِلِ الحَيْرَانِ
وَإِمَامُكُمْ فِيهَا ابْنُ سِينَا وَالّذِي ---- وَلَدَ الفَرَابِي عرَّةُ الغِلْمَانِ
وَلِعِلْجِ كِنْدَةَ وَالغَزَالِي بَعْدَهَا ---- وَكَذَا ابْنُ رُشْدٍ آخِرَ الأَزْمَانِ
وَلَئِنْ نَسِيتُ فَلَسْتُ أَنْسَى رَأْسَكُمْ ---- جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ الغَوِيُّ الدَّانِي
وَلِشَيْخِهِ الجَعْدِ بْنِ دِرْهَمَ مَنْ رَوَى ---- إِسْنَادَهُ المَرْفُوعَ لِلشَّيْطَانِ
بِرِوَايَةٍ لِيَهُودِ طَيْبَةَ مَنْ سَعَوْا ---- فِي أَمْرِ سِحْرِ المُصْطَفَى العَدْنَانِي
طَالُوتُ يُسْنِدُ عَنْ لَبِيدٍ مَا حَكَى ---- وَجَمِيعُهُمْ مِنْ جُمْلَةِ العُمْيَانِ
كَالحُمْرِ تَمْضِي نَحْوَ مَصْرَعِهَا فَلَا ---- تَلْوِي لِخَيْرٍ سَائِرَ الأَزْمَانِ
فَصْلٌ فِي
أُصُولِ المُتَكَلِّمِينِ وَأَدِلَّتِهِم التِي بَنَوْا عَلَيْهَا دِينَهُم
تَابَعْتُمُ الأَفَّاكَ فِي تَأْصِيلِ مَا ---- أَهْوَى صُرُوحَ العِلْمِ وَالإِيمَانِ
قَدَّمْتُمُ العَقْلَ القَبِيحَ عَلَى الَّذِي ---- تَرْوِي الرُّوَاةُ وَظَاهِرِ القُرْآنِ
أَثْبَتُّمُ شَرْطَ التَّوَاتُرِ فِي الَّذِي ---- نَقَلَ المُحَدِّثُ دُونَ رَأْيِ فُلَانِ
وَطَلَبْتُمُ عِلْمَ اليَقِينِ فَنِلْتُمُ ---- شَرَّ الظُّنُونِ وَنَظْرَةَ العُمْيَانِ
حَرَّفْتُمُ القَطْعِيَّ زُورًا بَيْنَمَا ----- قَابَلْتُمُ الآحَادَ بِالنُّكْرَانِ
وَجَعَلْتُمُ صَنَمَ المَجَازِ مَطِيَّةً ---- لِلطَّعْنِ فِي المَسْمُوعِ بِالآذَانِ
وَمُرَادُكُمْ أَبَدًا فَدُونَ مُرَادِنَا ---- وَمُرَادِ أَهْلِ العِلْمِ وَالعِرْفَانِ
قَدْ هَمَّهُمْ شَأْنُ الأُلُوهَةِ مِثْلَمَا ---- قَدْ هَمَّ رُسْلَ اللهِ كُلَّ أَوَانِ
وَأَهَمَّكُمْ إِثْبَاتُ رَبٍّ قَدْ مَضَى ---- إِقْرَارُهُ فِي فِطْرَةِ الإِنْسَانِ
وَزِمَامُكُمْ فِي كُلِّ قَوْلٍ قَدْ جَرَى ---- سَفَهٌ تَقَاذَفَهُ لَكُمْ أَصْلَانِ
فَالأَوَّلُ الجِسْمُ الَّذِي قَدْ رَاعَكُمْ ---- وَتَمَامُهُ الأعْرَاضُ بِالبُرْهَانِ
ثَانِيهِمَا حُكْمُ الوُجُوبِ لِرَبِّنَا ---- وَجَوَازُ مَوْجُودٍ هُمَا ضِدَّانِ
وَكِلَاهُمَا صَنَمٌ أُنِيطَ بِسَمْعِكُمْ ---- وَغِشَاوَةٌ طُبِعَتْ كَمِثْلِ الرَّانِ
وَشِفَاؤُهَا فِي تَرْكِ أَسْبَابِ الهَوَى ---- وَتَتَبُّعِ الأَخْبَارِ فِي ذَا الشَّانِ
لِلْإِشْتِرَاكِ نَفَيْتُمُ بِتَمَانُعٍ ---- وَنَسَبْتُمُوهُ لِظَاهِرِ القُرْآنِ
حَاشَا كَلَامَ اللهِ عَنْ بُهْتَانِكُمْ ---- وَمَقَالِ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالكُفْرَانِ
فَأَدِلَّةُ القُرْآنِ تَدْمَغُ زُورَكُمْ ---- وَهِيَ السَّبِيلُ إِذًا لِكُلِّ أَمَانِ
وَكَلَامُكُمْ عَيْنُ الرَّدَى ومَقَالُكُمْ ---- بَابُ الجُحُودِ وَمَدْخَلُ الشَّيْطَانِ
فَصْلٌ فِي
عَقَائِدِ الفِرْقَةِ الأُولَى مِنَ المُتَكَلِّمِين ( الجَهْمِيَّة )
أَتْبَاعَ جَهْمٍ يَا أَبَالِسَةَ الوَرَى ---- وَحَمِيرَ جَعْدِ الإِفْكِ وَالبُهْتَانِ
أَنْكَرْتُمُ وَصْفَ الإِلَهِ وَفِعْلَهُ ---- وَنَفَيْتُمُ الأَسْمَاءَ لِلدَّيَّانِ
وَرَمَيْتُمُ عِلْمَ الإِلَهِ وَقَوْلَهُ ---- وَحَيَاتَهُ بِالخَلْقِ وَالحِدْثَانِ
فَهُوَ الوُجُودُ بِزَعْمِكُمْ مِنْ غَيْرِ مَا ---- مُتَعَلَّقٍ فِي مُطْلَقِ الأَذْهَانِ
وَهُوَ المُحَالُ بِغَيْرِهَا إِنْ تُنْصِفُوا ---- فَمَقَالُكُمْ فِي ظَاهِرِ البُطْلَانِ
وَحَّدتُمُ هَذَا الوُجُودَ وَقُلْتُمُ ---- بِحُلُولِ رَبِّ العَرْشِ فِي الأَكْوَانِ
وَالعَرْشُ وَالكُرْسِيُّ أَيْضًا عِنْدَكُمْ ---- عَدَمَانِ فِي التَّحْقِيقِ مَكْذُوبَانِ
وَقَضَيْتُمُ الإِيمَانَ مَعْرِفَةً بِلَا ---- قَوْلِ اللِّسَانِ وَصَنْعَةِ الأَرْكَانِ
وَنَفَيْتُمُ عَنْهُ التَّفَاضُلَ فِي الوَرَى ---- وَزِيَادَةَ المِقْدَارِ وَالنُّقْصَانِ
وَجَعَلْتُمُ الإِنْسَانَ مَجْبُورًا عَلَى ---- عَيْشِ العُقُوقِ وَسِيرَةِ العِصْيَانِ
فَهُوَ الضَّعِيفُ كَرِيشَةٍ قَدْ سُيِّرَتْ ---- بِالرِّيحِ أَوْ جُرِفَتْ مَعَ الطُّوفَانِ
أَوْ مَيِّتٌ قَدْ غَسَّلُوهُ اليَوْمَ لَا ---- يَلْوِي عَلَى أَثَرٍ مَدَى الأَزْمَانِ
وَزَعَمْتُمُ التَّكْلِيفَ فَوْقَ الوُسْعِ بَلْ ---- أَنْكَرْتُمُ التَّعْلِيلَ لِلأَدْيَانِ
وَشَرَعْتُمُ التَّحْسِينَ عَقْلًا مِثْلَمَا ---- أَثْبَتُّمُ التَّقْبِيحَ لِلْأَذْهَانِ
وَجَعَلْتُمُ الأَمْلَاكَ رَمْزًا عَنْ قُوًى ---- لِلشَّرِّ وَالخَيْرَاتِ فِي الأَكْوَانِ
وَأَجَزْتُمُ فِعْلَ الخَوَارِجِ دُونَمَا ---- فَرْضَ الإِلَهُ لِمنْزِلِ السُّلْطَانِ
أَنْكَرْتُمُ بَعْثَ الجُسُومِ وَحَشْرَهَا ---- وَلِقَاءَهَا بِالمَالِكِ الدَّيَّانِ
وَالصُّورَ أَيْضًا وَالصِّرَاطَ وَحَوْضَهَا ---- وَنَفَيْتُمُ التَّحْكِيمَ لِلْمِيزَانِ
وَشَفَاعَةَ المَرْسُولِ صِدْقًا بِالهُدَى ---- وَشَفَاعَةَ الأَمْلَاكِ وَالرَّحْمَنِ
وَعَذَابَنَا فِي القَبْرِ أَيْضًا بَعْدَمَا ---- أَلْزَمْتُمُ الإِفْنَاءَ لِلْإِنْسَانِ
وَنَفَيْتُمُ خَلْقَ الجِنَانِ بِيَوْمِنَا ---- وَكَذَا نَفَيْتُمْ خِلْقَةَ النِّيرَانِ
وَحَكَمْتُمُ بِفَنَائِهَا يَوْمًا وَذَا ---- وَاللهِ عَيْنُ الكُفْرِ بِالقُرْآنِ
وَاللهِ ذَا غَيْضٌ بِفَيْضٍ قَدْ جَرَى ---- مِنْ شِرْعَةٍ بُنِيَتْ عَلَى الكُفْرَانِ
جَهْمِيَّةٌ مُرْجِيَّةٌ جَبْرِيَّةٌ ---- وَالجِيمُ فِيكُمْ أُسْقِطَتْ بِمَكَانِ
هِيَ عِنْدَنَا شَرُّ الحُرُوفِ لِنَزْلِكُمْ --- وَبِهَا تَعَرَّفُكُمْ أَلُو العِرْفَانِ
سُمَنِيَّةٌ أَنْتُمْ وَمَا فِيكُمْ فَتًى ---- عَرَفَ الطَّرِيقَ الحَقَّ لِلإِيمَانِ
فَصْلٌ فِي
عَقَائِدِ الفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ المُتَكَلِّمِين ( المُعْتَزِلَة )
وَمَتَى ذَكَرْتُ المُعْجَبِينَ بِعَقْلِهِمْ ---- لَابُدَّ أَذْكُرُ وَاصِلَ الفَتَّانِ
وَلَدُ العَطَاءِ فَذَاكَ قُدْوَةُ نَشْئِهِمْ ---- وَإِمَامُهُمْ مِنْ سَائِرِ العُمْيَانِ
وَرَفِيقُ دَرْبِ الشَّرِّ عَمْرٌو ذَاكَ مَنْ ---- يَنْفِي قَضَاءَ الوَاحِدِ الدَّيَّانِ
وَكِلَاهُمَا عَنْ مَجْلِسِ الحُسْنِ ارْتَضَى ---- بُعْدًا فَنَالَ القُرْبَ لِلشَّيْطَانِ
فَأُصُولُ دِينِ القَوْمِ خَمْسٌ أَجْمَلَتْ ---- قَوْلَ الجُنَاةِ وَعَابِدِي الأَوْثَانِ
تَوْحِيدُهُمْ نَفْيُ الصِّفَاتِ وَرَدُّهَا ---- وَكَذَاكَ نَفْيُ الفِعْلِ لِلرَّحْمَنِ
وَإِنِ اِقْتَضَاهَا العَقْلُ يَوْمًا أًجْرَمُوا ---- فِي وَصْفِهَا بِالخَلْقِ وَالحِدْثَانِ
وَالعَدْلُ أَيْضًا مَا رَءَاهُ القَوْمُ لُا ---- مَا أَثْبَتَ العَلاَّمُ بِالقُرْآنِ
فَلِذَاكَ قَدْ وَجَبَ الصَّلَاحُ بِزَعْمِهِمْ ---- فِي فِعْلِ رَبِّ العَرْشِ ذِي الغُفْرَانِ
وَالخَلْقُ تَصْنَعُ مَا تُرِيدُ وَفِعْلُهَا ---- مِنْ غَيْرِ خَلْقِ الوَاحِدِ الدَّيَّانِ
بَلْ لَا إِرَادَةَ لِلْعَظِيمِ بِشَأْنِهَا ---- وَلِعِلْمِهِ بِفِعَاِلهِمْ قَوْلَانِ
نَفْيٌ وَإِثْبَاتٌ بِلَا قِدَمٍ فَذَا ---- قَوْلُ المَجُوسِ إِذًا بِلَا نُكْرَانِ
وَالوَعْدُ يَنْفُذُ كَالوَعِيدِ بِغَيْرِ مَا ---- عَفْوِ الكَرِيمِ وَمِنَّةِ الرَّحْمَنِ
فَالكُلُّ جَوْرٌ فِي القَضَاءِ بِزَعْمِهِمْ ---- بَذْلُ الأُجُورِ وَغَفْرُ ذِي العِصْيَانِ
وَبِمَنْزِلٍ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ اِقْتَضَوْا ---- عَيْشَ العُصَاةِ اليَوْمَ بِالأَكْوَانِ
وَغَدا كَأَهْلِ الكُفْرِ يُحْشَرُ جَمْعُهُمْ ---- وَسَبِيلُهُمْ صِدْقًا فَلِلنِّيرَانِ
وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ الَّذِي ---- أَوْلَاهُ قَوْمُ الزُّورِ بِالنُّكْرَانِ
فَهُوَ الخُرُوجُ عَلَى الفُوَيْسِقِ جَهْرَةً ---- وَقِتَالُ أَهْلِ العِقْدِ وَالسُّلْطَانِ
قَدْ أَنْكَرُوا نَظَرَ الإِلَهِ بِأُخْرَةٍ ---- وَكَذَا الشَّفَاعَةَ بَعْدُ لِلْإِنْسَانِ
وَبِخَلْقِ قَوْلِ اللهِ قَدْ عُرِفُوا عَلَى ---- مَرِّ العُصُورِ وَسَائِرِ الأَزْمَانِ
وَكَذَاكَ نَفْيُهُمُ العُلُوَّ عَنِ الّذِي ---- خَلَقَ السَّمَاءَ مِنَ العُلَا بِمَكَانِ
فَاللهُ فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ حَسْبَهُمْ ---- أَوْ دُونَهَا أَيْضًا فَقَوْلٌ ثَانِ
وَبِنَفْيِ أَشْرَاطِ المَعَادِ وَهَوْلِهِا ---- وَبِنَفْيِهِمْ لِلْحَوْضِ وَالمِيزَانِ
وَكَذَا الصِّرَاطُ وَكلُّ أَمْرٍ لَمْ يَبِنْ ---- لِعُقُولِ نَاشِئَةٍ مِنَ الغِلْمَانِ
وَكَبِيرُهُمْ قَدْ جَمَّدَ الدَّارَيْنِ مَعْ ---- مَا فِيهِمَا مِنْ جُمْلَةِ الأَبْدَانِ
وَالكُلُّ مِنْ سَفَهِ العُقُولِ وَقَدْ رَأَتْ ---- رَدَّ الحَدِيثِ وَظَاهِرَ القُرْآنِ
وَاسْتَأْثَرَتْ بِالحُكْمِ مِنْ دُونِ الّذِي ---- خَلَقَ العُقُولَ بِغَايَةِ الإِتْقَانِ
فَهُوَ العَلِيمُ بِهَا إِذًا لَوْ أَنْصَفُوا ---- لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ مِنَ العُمْيَانِ
فَصْلٌ فِي
عَقَائِدِ الفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ المُتَكَلِّمِين ( الأَشَاعِرَة )
يَا أَشْعَرِيَّةُ هَلْ رَضِيتُمْ حُكْمَ مَنْ ---- تَبِعَ الدَّلِيلَ وَوَاضِحَ البُرْهَانِ
فَلَقَدْ عَرَضْتُ الفِرْقَتَيْنِ مُحَكِّمًا ---- قَوْلَ الرَّسُولِ وَمُحْكَمَ القُرْآنِ
وَعَمَدْتُمُ لِنِزَالِهِمْ بِسِلاحِهِمْ فَأَصَابَكُمْ مِنْ غَيِّهِمْ كِفَلانِ
فَأَضَعْتُمُ المَأْثُورَ وَالأخْبَارَ بَلْ وَأَضَعْتُمُ المَعْقُولَ بِالأَذْهَانِ
هَا أَنْتُمُ أَنْكَرْتُمُ وَصْفًا أَتَى ---- لِإِلَهِنَا بِالنَّصِّ ذِي التِّبْيَانِ
أَثْبَتُّمُ سَبْعًا وَقُلْتُمْ بِالذِي ---- رَضِيَتْ عُقُولُكُمُ مِنَ الإِيمَانِ
وَلِغَيْرِهَا حَرَّفْتُمُ أَوْ رُبَّمَا ---- كَذَّبْتُمُ ثِقَةً أَتَى بِبَيَانِ
حَيٌّ عَلِيمٌ قَادِرٌ رَبِّي كَذَا ---- سَمْعُ الرَّحِيمِ مَشِيئَةُ الدَّيَّانِ
بَصَرٌ كَلَامُ اللهِ لَكِنْ غَيْرُ مَا ---- قَالَتْهُ أَهْلُ العِلْمِ وَالعِرْفَانِ
فَلَقَدْ نَكِرْتُمْ صَوْتَهُ وَحُرُوفَهُ---- وَجَعَلْتُمُوهُ كَفِكْرَةِ الإِنْسَانِ
وَنَفَيْتُمُ عَنْهُ الفِعَالَ وَكُلَّمَا ---- تَبِعَ المَشِيئَةَ يَا أُلِي البُهْتَانِ
وَنَفَيْتُمُ عَنْهُ العُلُوَّ وَقُلْتُمُ ---- أَنَّ الإِلَهَ غَدَى بِكُلِّ مَكَانِ
وَكَذَا جَحَدتُمْ عَنْهُ إِخْبَارًا فَكَمْ ---- قَدْ عِبْتُمُ مِنْ صُورَةِ الرَّحْمَنِ
فَنَفَيْتُمُ قَدَمًا وَأَيْدٍ مِثْلَمَا ---- أَنْكَرْتُمُ وَجْهًا لِذِي الغُفْرَانِ
وَبِكَسْبِكُمْ خَالَفْتُمُ كُلَّ الوَرَى ---- مِنْ كُلِّ إِنْسٍ نَاِطقٍ أَوْ جَانِ
فَهُوَ الكَلَامُ وَلَا حَقِيقَةَ تَحْتَهُ ---- مَعْلُومَةٌ تَدْنُو مِنَ الأَذْهَانِ
كَسْبٌ بِلَا عَمَلٍ وَلَا أَثَرٍ وَذَا ---- عَيْنُ الجُنُونِ وَغَايَةُ الهَذَيَانِ
بَلْ إِنَّهُ سِتْرٌ لِجَبْرِكُمُ وَلَا ---- تُخْفِي العَقَائِدَ قَوْلَةٌ بِلِسَانِ
وَجَعَلْتُمُ الإِيمَانَ قَوْلاً دُونَمَا ---- كَسْبَ العَبِيدُ بِظَاهِرِ الأَرْكَانِ
ثُمَّ اخْتَلَفْتُمْ فِي الكَلَامِ فَعِنْدَكُمْ ---- بِدُخُولِهِ فِي حَدِّهِ قَوْلَانِ
هَذَا وَرَبِّي مَذْهَبُ الجَهْمِيِّ بَلْ ---- إِرْجَاءُ أَهْلِ الجَهْلِ وَالكُفْرَانِ
وَلْتَعْلَمُوا يَا قَوْمُ أَنَّ شُيُوخَكُمْ ---- مِنْهُمْ أَلُو الإِنْصَافِ وَالعِرْفَانِ
قَوْمٌ مَتَى عَرَفُوا طَرِيقَ الحَقِّ لَمْ ---- يَشْرُوا بِهِ عَرَضًا مِنَ الأَثْمَانِ
فَالأَشْعَرِيُّ أَنَابَ عَنْ عِلْمٍ إِلَى ---- أَهْلِ الحَدِيثِ وَعَسْكَرِ القُرْآنِ
مِنْ بَعْدِ مَا اعْتَقَدَ اعْتِزَالًا وَالّذِي ---- قَالَ ابْنُ كلاَّبٍ بِوَقْتٍ ثَانِ
وَكَذَا الجُوَيْنِي حِينَ أَسْلَمَ آخِرًا ---- لِمَقَالِ صِدْقٍ جَاءَ بِالبُرْهَانِ
أَعْنِي بِهِ أَثَرًا أَتَى عَنْ مَالِكٍ ---- شَرَحَ اسْتِوَاءَ الرَّبِّ ذِي السُّلْطَانِ
وَأَبُوهُ أَيْضًا لَمْ يَمُتْ إِلاَّ وَقَدْ ---- عَرَفَ الطَّرِيقَ الحَقَّ لِلرَّحْمَنِ
وَكَسَيْرِهِمْ سَارَ الغَزَالِي مُعْلِنًا ---- تَحْرِيمَ مَنْهَجِكُمْ بِلَا نُكْرَانِ
وَالفَخْرُ أَيْضًا مِثْلَ رَأْسَيْكُمْ بِهَا ---- أَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَشَهْرِسْتَانِي
فَمَتَى تَبِعْتُمْ لِلْأُلَى فَبِخَطْوِهِمْ ---- عُودُوا لِنَهْجِ الحَقِّ وَالإِيمَانِ
فَاللهُ يَقْبَلُ كُلَّ عَبْدٍ قَدْ أَتَى ---- بَعْدَ الصُّدُودِ يَلُوذُ بِالغُفْرَانِ
وَاللهُ يُبْدِلُ كُلَّ ذَنْبٍ قَدْ مَضَى ---- مِنْكُمْ غَدًا وَزْنًا مِنَ الإِحْسَانِ
فَصْلٌ فِي
عَقَائِدِ الفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ المُتَكَلِّمِين ( الكرَّامِيَّة )
وَبِسَيْرِهِمْ سَارَ ابْنُ كَرَّامٍ وَقَدْ ---- سَبَقَتْ بِهِ الحُسْنَى إِلَى الإِيمَانِ
وَأَرَادَ إِثْبَاتَ الحَقَائِقِ بِالّذِي ---- صَاغُوهُ مِنْ كَذِبٍ وَمِنْ بُهْتَانِ
رَكِبَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَكُنْ مُتَزَوِّدًا ---- بِعُلُومِ أَهْلِ الهِنْدِ وَاليُونَانِ
فَهُوَ الّذِي طَلَبَ الحَدِيثَ وَإِنْ رَوَى ---- مَا قَدْ رَمَاهُ القَوْمُ بِالنُّكْرَانِ
فَأَتَى بِقَوْلٍ لَيْسَ يُدْرَكُ عِنْدَهُمْ ---- أَوْ عِنْدَ أَهْلِ الحَقِّ وَالإِحْساَنِ
كَالجِسْمِ أَوْ كَالجَوْهَرِ المَحْسُوسِ أَوْ ---- لَفْظِ الجِهَاتِ يُضَافُ لِلرَّحْمَانِ
مِنْ غَيْرِ نَصٍّ أَوْ بِتَفْصِيلٍ لِمَا ---- يَبْغِيهِ مِنْ إِطْلَاقِهَا بِبَيَانِ
وَقَضَى وُقُوعَ الحَادِثَاتِ بِرَبِّنَا ---- يَعْنِي الفِعَالَ بِغَيْرِ مَا بُرْهَانِ
وَكَذَاكَ أَثْبَتَ لِلْفِعَالِ بِدَايَةً ---- مِنْ بَعْدِ عَجْزٍ كَانَ بِالدَيَّانِ
وَحَكَى بِأَنَّ القَوْلَ إِيمَانٌ وَذَا ---- مِنْ أَعْظَمِ الإِرْجَاءِ فِي الأَدْيَانِ
لَكِنَّهُ وَكَلَ الحِسَابَ إِلَى الّذِي ---- بِالقَلْبِ مِنْ حُسْنٍ وَمِنْ طُغْيَانِ
هَذَا وَبِالمَخْذُولِ نَصْبٌ ظَاهِرٌ ---- وَعَدَاوَةٌ لِنَسَائِمِ العَدْنَانِي
وَتَعَصُّبٌ لِبَنِي أُمَيَّةَ فِي الّذِي ---- كَسَبُوهُ مِنْ حَقٍّ وَمِنْ بُطْلَانِ
لَكِنَّهُ وَاللهِ أَقْرَبُ لِلهُدَى ---- مِمَّنْ رَمَاهُ بِظَاهِرِ البُطْلانِ
.
التعديل الأخير تم بواسطة مراد قرازة ; 28 Aug 2015 الساعة 12:04 AM
|