منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07 Jun 2015, 06:12 AM
أبو أنس دحماني عبد الله أبو أنس دحماني عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2013
المشاركات: 214
افتراضي لقاء ينشر لاول مرة للشيخ ابن عثيمين يحاوره فيه الشيخ سليمان ابا الخيل عام 1417هجرية وفيه اجوبة نفيسة عن الفتن المعاصرة



لقاء ينشر لاول مرة للشيخ ابن عثيمين يحاوره فيه الشيخ سليمان ابا الخيل عام 1417هجرية وفيه اجوبة نفيسة عن الفتن المعاصرة


فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- الذي توفي قبل أكثر من عشرة أعوام وصف حال الأمة الإسلامية بما تعيشه وما سيمر بها من الفتن والمحن -التي نعيش شيئاً منها في هذا الزمن-.. فقد سُئل قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، وأجاب باستفاضة وقراءة متأنية عن كثير من الأحداث المثيرة والقضايا الحساسة في المجتمع الإسلامي.

معالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أحد طلاب سماحة الشيخ ابن عثيمين -آنذاك- خص صحيفة «الجزيرة» بأسئلة وإجابات كثيرة ومثيرة لقضايا مهمة وحساسة عرضها على فضيلته عام 1417ه ،وقد أدرك فضيلته رحمه الله أنها تعايش الزمان والمكان، حين تحدث عن العقيدة الإسلامية والأخلاق والقيم والثوابت، فهو مدرك بأنه الوقت لا يزيدها إلا ثباتاً ورسوخاً وصفاء وفق الكتاب والسنة ومنهج السلفية التي وسمها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالفرقة الناجية، هذه الإجابات التي تنشرها الجزيرة كانت ضمن بعض ما عثر عليه معالي د. أبا الخيل في مكتبته الخاصة، وكتبت وعدلت بيد فضيلة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-ووقع على إجازتها، وهي على النحو التالي:



السؤال الأول: من المعلوم أن أهل السنة والجماعة يحرصون على وحدة جماعة المسلمين؛ ولذلك يرون السمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف مهما حدث بهدف حماية أمن الناس واستقرارهم. فضيلة الشيخ، يوجد من أبناء المسلمين من يرى أن هذا تخاذلٌ وانهزامية بل ومداهنة، فما قولكم حفظكم الله؟

- بسم الله الرحمن الرحيم. نرى أن الواجب على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة كما أمرهم الله تبارك وتعالى بقوله: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) . إن الدين كما بينه النبي - عليه الصلاة والسلام - هو النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم، وإذا آمن الناس بهذا امتثلوا لأمر الله تعالى بالاعتصام بحبله جميعاً وعدم التفرق. والدين هو النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وإتباع الإيمان بالعمل، والحرص على جمع الكلمة، والنصح، والمسلمون إن التزموا بذلك فإنهم سوف يحصلون على سعادة الدنيا والآخرة، وسوف تكون لهم العزة والكرامة. وإذا كان الأمر بالعكس فتفرقوا شيعاً، وكان لكل شخص منهج خاص حسب ما يهواه دون الرجوع إلى الكتاب والسُّنة فإن الأمة سوف تتفرق ووحدتها، وسوف تتمزق، وتحدث الفوضى الفكرية والاجتماعية، وربما يؤدي ذلك إلى التصادم الفعلي؛ فيحصل الشر والبلاء.

فضيلة الشيخ - حفظك الله - يتوهم البعض أن في تهييج العامة عن طريق استخدام المنابر مصلحة شرعية ودنيوية، فما قولكم؟

- لو أردنا أن نجيب عن السؤال نرجع إلى الجواب عن السؤال السابق، وهو أن الواجب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وليس من النصيحة أن تهيج العامة على ولاة الأمور من العلماء والأمراء؛ لما في ذلك من الفوضى التي لا تُحمد عقباها. والواجب على المؤمن أن يكون كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بل كما حث النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، فإذا كان في كلامه خير ومصلحة فليتقدم وليتكلم، وإن لم يكن فيه خير ولا مصلحة أو كان فيه شر ومضرة فالواجب السكوت، والواجب أيضاً أن ينظر العاقل في النتائج لا في المبادئ؛ فالاعتبار في الأمور بغاياتها لا بمبادئها، وليقدم النتيجة التي تترتب على كلامه إن كان في ذلك خير أو شر، أو لا يدري أخير هو أم شر؛ فالأحوال ثلاث:

- إما أن يعلم أنه خير، وذلك بنتائجه الملموسة والمشهودة،

- وإما أن يعلم أنه شر بأن يعتبر في ذلك بما يحدث حوله في البلاد الأخرى، وما كانت النتيجة حين شغب الناس بعضهم على بعض،

- وإما أن يتردد هل الخير في الكلام أم الخير في السكوت وحينئذ يكون السكوت هو الخير؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام «فليقل خيرا أو ليصمت» يتضمن الأمور الثلاثة: ما علم أنه خير فليقله وليتقدم فيه، وما علم أنه شر أو لا يعلم أخير هو أم شر فإن مقتضى الإيمان السكوت عنه.

فضيلة الشيخ، يرى البعض أن في عدم تحكيم ما أنزل الله والجور مبرراً لحمل السلاح على السلطة، ويزعمون أنهم فهموا هذا من العلماء، ومنهم فضيلتكم - حفظكم الله - عندما تتكلمون عن كفر مَنْ لم يحكم بما أنزل الله؟

- لا شك أن الله - عز وجل - ذكر في سورة المائدة ثلاثة أحكام فيمن لم يحكم بما أنزل الله:

- الحكم الأول: الكفر،

- والثاني: الظلم،

- والثالث الفسق.

وقد اختلف العلماء هل هذه الأحكام أوصاف لموصوف واحد، وأنه من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، والكافر ظالم كما قال تعالى: (الْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، والكافر فاسق كما قال الله تبارك وتعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) ، أم هي أحكام لموصوفين متعددين، وأن الحكم بغير ما أنزل الله على حسب ما عند الحاكم من أسباب أوجبت أن يحكم بغير ما أنزل الله. فإذا كان حكمه بغير ما أنزل الله رضا بمخالفة ما أنزل الله - عز وجل - وكراهة لما أنزل الله فهذا كفر لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) ، ولا حبوط للعمل إلا بالكفر، وهنا قال تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .

وأما إن كان حكمه بغير ما أنزل الله للتعسف والظلم مع رضاه بحكم الله - عز وجل - واعتقاده أنه هو الخير، لكن في نفسه ظلم وجور وتسلط بغير حق فهذا لا يكون كافراً، لكنه ظالم.

وأما إن كان حكمه بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه ومصلحة ذاتية ولا يريد ظلماً لأحد ولا يكره ما أنزل الله بل هو راض به معتقد أنه حق فهذا يكون فاسقاً ولا يكون ظالماً.

وقد نقل أهل العلم القول المشهور عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، بأنه ليس الكفر الذي يبيح الدم والمال، لكنه كفر دون ذلك؛ ولهذا يجب على الإنسان أن يتوقف عن التكفير، وألا يجرؤ عليه؛ لأنه لا يجوز الحكم بالتكفير إلا بشرطين:

الشرط الأول: دلالة النصوص على أن هذا الشيء كُفْر أكبر مُخْرج عن الملة،

والشرط الثاني: انطباق الحُكْم على الشخص المعيَّن، الذي فعله فاستحق به أن يكون كافراً مرتداً، وعلى هذا فلا بد أن يكون لدى الإنسان عِلْم بقواعد الشرع وأصوله، والجَمْع بين النصوص؛ حتى يعرف الكُفْر الذي جاء في الكتاب والسنة، هل هو الكفر الأكبر المُخْرج من الملة أو لا، ويجب عليه بعد أن يتبيّن له مقتضى النصوص أن هذا كُفْر مُخْرج من الملة أن ينظر في حال مَنْ اتصف به، هل تمت شروط التكفير في حقه أم لا؛ لأنه ليس كل من قال كلمة الكفر يكون كافراً، ولا كل من فعل ما يكون به الفسق يكون فاسقاً، ألم تر إلى قوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .

هذا الرجل كفر بالله من بعد إيمانه لكنه مكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ومع هذا لم يكن كافراً؛ لأنه لم يشرح بالكفر صدراً، وهو يكرهه أشد الكره، لكنه أُكره عليه. ثم ألم تر إلى ما حدَّث به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله فيمن تاب إلى الله أن «الله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل كان في فلاة فأضل ناقته وعليها طعامه وشرابه ثم اضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت يئساً من الحياة فإذا بزمام ناقته متعلق بالشجرة، فأخذ به وقال الله أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة فرحه» فهذا الرجل قال كلمة الكفر؛ حيث جعل نفسه رباً وجعل ربه عبداً، لكنه لشدة فرحه أخطأ؛ فلم يكن كافراً بذلك.

وهذا دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتريث في تكفير الشخص المعيَّن. نحن نعلم أن التكفير ليس بالأمر الهيّن؛ لأنه يترتب عليه الحُكْم بالكفر الذي يستلزم حل دم الإنسان وماله، وهو أمر خطير جداً.

ثم إن الكفر حكم شرعي يتلقى من الشرع لا من الهوى، ولا من الذوق، ولا من الغيرة؛ ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك حيث قال «من دعا رجلا بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كما قال صار عليه»، أي رجع على القائل، أي من يكفِّر غير مَنْ كفَّره الله ورسوله يعود تكفيره على نفسه. ولذلك وجهان:

- الوجه الأول: أن يكون كافراً؛ حيث شارك الله تعالى في الحكم، وحكم بما لم يحكم الله به من كون الشيء كفرًا وكون المعيَّن كافراً.

- والوجه الثاني: أن يُبتلى هذا الرجل الذي كفَّر من لم يكفِّره الله ورسوله فيكون مآله إلى الكفر - والعياذ بالله - لأن القول على الله بلا علم والمعاصي ربما يؤديان إلى الكفر، كما قال تعالى: (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) .

هل حق أن التكفير أو الكفر متروك لآحاد الناس؟

- ليس لأحد، لا للعلماء ولا لغيرهم، أن يكفِّر أحداً، ليس ذلك إلا لله ولرسوله، لكنه يجب فَهْم النصوص على ما دلت عليه.

في حال الحكم بكفر شخص معيَّن تأتي مسألة الخروج عليه إذا كان من أصحاب الشوكة أو السلطان. لأهل السنة والجماعة ضوابط حتى في هذه المسألة - حفظك الله -. يقول بعض الناس «لنا أن نحمل السلاح لأن القسم الأول متوافر»؛ فهل نحمل السلاح مباشرة أم أن هناك خطوات أيضاً تؤخذ؟

- الرسول عليه الصلاة والسلام لم يجز منابذة الولاة إلا بشروط، قال: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان»، وهذه الشروط يصعب جداً تحقيقها بمجرد النظر في الأولى؛ لأن قوله: «إلا أن تروا»، أي تعلموا، والعلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً؛ فينتفي بذلك الشك أو الظن؛ فلا يكفي في ذلك غلبة الظن ولا الشك المتردد بل لا بد من العلم بأنه كفر، أي لا بد أن يكون الشيء الذي تلبَّس به ولي الأمر كُفْراً لا فسقاً؛ فالفسوق مهما كان لا يبيح الخروج على ولاة الأمور، وإن عظم.

الشرط الثالث: أن يكون بواحاً، أي ظاهراً صريحاً، لا يحتمل التأويل، هو كفر بالدلالة القطعية من الكتاب والسنة، لا يكفي الظن ولا يكفي ما يحتمل التأويل، ولا بد من شيء بواح.

والشرط الرابع: أن يكون عندنا فيه من الله برهان، أي دليل يكون حجة لنا عند الله - عز وجل - فيما ننابذ به ولي الأمر ونخرج به عليه.

فإذا تمت هذه الشروط فلا بد من شرط آخر دلت عليه النصوص وهو القدرة على إزالة هذا الوالي دون سفك دماء الأبرياء وانتهاك الأعراض واستحلال الأموال؛ لأن هذا - أعني شرط القدرة - ثابت في كل واجب من واجبات الشرع، لا بد فيه من القدرة لقول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) ، وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم». أما مجرد أن يظن الإنسان أن ما قام به ولي الأمر كفر دون تحقُّق الشروط الأربعة، ثم لو تحققت الشروط الأربعة يخرج على الإمام أو ولي الأمر وليس عنده القدرة التي تحسم الموقف دون سفك دماء واستحلال أموال، فهذا خطأ في التصرف، والإنسان العاقل البصير يعتبر بما مضى في سلف هذه الأمة من العواقب الوخيمة التي ترتبت على الخروج على ولي الأمر حتى مع كون الخارج ظاهره الصلاح والاستقامة؛ لأن الفوضى في المجتمع فساد عظيم يجب على المرء أن يتحاشاه ما استطاع.

ماذا تقولون - حفظكم الله - لمن يقول إن هذا فكر انهزامي، وإن الإسلام الحديث أو المعاصر - كما يزعمون - لا بد أن نقدم التضحيات والدماء من أجله حتى يعود عزيزاً؟

- نقول: نحن معهم في أننا نتمنى من الله - عز وجل - أن يعود الإسلام لعزته وقوته ونشاطه، لكن الإسلام يتمثل في أهله فلا عزة لهم ولا قوة إذا لم يتمسكوا به؛ فلا بد أولاً من تطبيق الإسلام في نفوسنا، وأن نجاهد أنفسنا قبل كل شيء، وألا نمشي أو نسير خطوة واحدة إلا على المنهج السليم الذي رسمته لنا شريعة الله - عز وجل - فإذا فعلنا ذلك، وأقمنا أنفسنا وتمسكنا بديننا، ثم لم نخطُ خطوة إلا ونحن عارفون أنها على مقتضى الكتاب والسنة، وأن عاقبتها ستكون حميدة، فحينئذ يكون الفعل.

أما الفوضى والهوجاء التي لا تفيد بل لا تزيد الأمور إلا شراً فليست من الإسلام في شيء.

أما مسألة الانهزامية التي أشرت إليها فإن بعض الناس يرى أن السير بحكمة وتقدير الحال الحاضرة انهزامٌ، وأن الواجب أن نعامل غيرنا وكأن لنا السيطرة التامة والقوة التي لا تُقهر، ولا شك أن الإنسان إذا قدر هذا التقدير فإنما يعيش في خياله، ولا يعيش في الواقع الحاضر. إذا نظر الإنسان إلى ما وقع في صلح الحديبية من أشجع الناس وأشد الناس في دين الله وأقواهم عزيمة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبل تلك الشروط القاسية في بادئ الرأي، أفيقال هذا انهزام؟!

فإن من المعلوم أن من جملة الشروط التي التزم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يضع الحرب بينه وبين قريش عشر سنين، وأن من شاء دخل في عهد قريش ومن شاء دخل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يرجع من أطراف الحرم وقد جاء معتمراً ومعه الهدي، يرجع فيتحلل من عمرته إلى بلده المدينة دون أن ينال إربه في إتمام نسكه، وأن من جاء من المشركين مسلماً مهاجراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة فإنه يرد إلى قريش، وأن من ذهب من المسلمين إلى قريش فإنهم لا يردونه، وهذا لا شك شرطٌ ثقيلٌ جداً جداً.

أفيقال إن ذلك انهزام؟!! من المعلوم أن هذا هو عين المصلحة كما تبيّن بعد ذلك؛ فالإنسان قد يتحمل ما يتحمل من الشروط التي تظهر وكأنها قاسية وفيها مصلحة وراء ذلك؛ ولهذا سمى الله تعالى هذا الصلح فتحاً قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى).

نحن نسأل الله سبحانه وتعالى أن نرى في المسلمين من القوة والعزة والكرامة ما يقهرون بها أعداءهم، ولا يمكن هذا إلا بتطبيق الدين الإسلامي الذي وعد الله - عز وجل - وهو أصدق القائلين بظهوره على سائر الأديان، قال الله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، ومن أصدق من الله قيلا، ومن أوفى بعهده من الله.

فإذا طبَّق المسلمون دين الإسلام على حسب ما شرعه الله لهم وسار عليه نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وصحابته المرضيون فحينئذ تكون العزة.

مما فُتن به الناس في العالم الإسلامي الآن التدين على أساس حزبي، ونحن في هذه البلاد معرَّضون لهذه الفتنة، وهناك من يرى في إجابة سابقة لفضيلتكم بأن «هذه الجماعات عندها حق وباطل» عدم ممانعة من الانضمام لهذه الجماعات..

- نعم، نحن نرى أن الجماعات فيها حق وباطل، لكن لا نرى إنشاء هذه الجماعات؛ لأن إنشاء هذه الجماعات يترتب عليه الولاء والبراء؛ حيث إن كل جماعة يتبرأ من كان معها ممن لم يكن معها، والعجب أن بعض الجماعات عندها حسب حالها وفعلها قاعدة باطلة، هي أن من لم يكن معك فهو عليك، وهذا خطأ عظيم؛ فالذي أرى أن هذه الجماعات إنشاؤها غلط ومخالف لما أمر الله تعالى به في قوله: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) ، وفيما نهى الله عن التفرق في قوله: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ، وأن المتفرقين في دينهم داخلون في قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) ، ونرى أن الواجب على هذه الجماعات أن تجتمع وتتآلف، وأن تنظر في الفوارق التي بينها وتقضي عليها؛ ليكونوا كلهم تحت راية واحدة على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنه، فإن الصحابة رضي الله عنهم يقع بينهم من الخلاف ما يقع، ومع ذلك القلوب واحدة والأمة واحدة، ولا يرى أحد منهم أنه مفارق للآخر، والأمثلة على هذا كثيرة يعرفها من تتبع التاريخ وتتبع أقوال العلماء؛ ولذلك نرى من أول الأمر ألا تُقام هذه الجماعات والأحزاب.

ولكن فضيلة الشيخ هل نحن ابتداء بحاجة إلى أن يكون هناك جماعات، وخصوصاً أننا في هذه البلاد من نعم الله سبحانه وتعالى علينا وجود هذا المعتقد السليم والجماعة الواحدة، وقد يفهم الحقيقة من دعوتكم إلى أن تجتمع هذه الجماعات وتتفق للمصلحة أن هناك أيضاً حاجة لوجود هذه الجماعات ابتداء؟

- كيف تفهم هذا وأنا أقول إننا ننكر إنشاءها، ونرى أن الواجب أن الأمة تكون أمة مسلمة واحدة ما دامت على خط مستقيم، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ ولهذا لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فِرْقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة»، يعني الذين يجتمعون على دين الله عز وجل، وفي رواية «من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي»، فإذا ضممت هذا إلى هذا صار المعنى هي الجماعة التي تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا هو الذي نريده.

الآن لما ظهرت بوادر تحزب كما ذكرت نجد من الشباب بعضهم من يسب الآخر ويفسقه، وربما يكفِّره، بحجة لا أصل لها إطلاقاً (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ) ، كل هذا لأن هذه الجماعة ألَّفَتْ نفسها وكأنها في شق والجماعة الأخرى في شق آخر.

حفظك الله، مما يقع فيه البعض التقليل من شأن علماء هذه البلاد بدعوة فقه الواقع الذي يزعمون أن علماءنا يفقدونه، وللأسف قد نجد من أبناء هذه البلاد من يسير في هذا الزعم..

- لا شك أن فقه الواقع أمرٌ مطلوبٌ، وأن الإنسان لا ينبغي أن يكون في عزلة عما يقع حوله وفي بلده، بل لا بد أن يفقه، لكن لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يكون الاشتغال بفقه الواقع مشغلاً عن فقه الشريعة والدين الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين»، لم يقل يفقهه في الواقع، فإذا كان عند الإنسان عِلْم بما يقع حوله لكنه قد صرف جهده وجل أمره إلى الفقه في دين الله فهذا طيب، أما أن ينشغل بالواقع والتفقه فيه - كما زعم - والاستنتاجات التي يخالفها ما يقع فيما بعد؛ لأن كثيراً من المشتغلين بفقه الواقع يقدمون حسب ما تمليه عليهم مخيلتهم، ويقدرون أشياء يتبين أن الواقع بخلافها، فهنا الحرج، فإذا كان فقه الواقع لا يشغله عن فقه الدين فلا بأس به، لكن لا يعني ذلك أن نقلل من شأن علماء يشهد لهم بالخير وبالعلم وبالصلاح، لكنهم يخفى عليهم بعض الواقع، فإن هذا غلط عظيم؛ فعلماء الشريعة أنفع للمجتمع من علماء فقه الواقع؛ ولهذا تجد بعض العلماء الذين عندهم اشتغال كثير بفقه الواقع وانشغال عن فقه الدين لو سألتهم عن أدنى مسألة في دين الله عز وجل لوقفوا حيارى أو تكلموا بلا علم يتخبطون تخبطاً عشوائياً، والتقليل من شأن العلماء الراسخين في العلم المعروفين بالإيمان والعلم الراسخ جناية ليس على هؤلاء العلماء بأشخاصهم، بل على ما يحملونه من شريعة الله تعالى. أيضاً من المعلوم أنه إذا قلَّت هيبة العلماء وقلَّت قيمتهم في المجتمع فسوف يقل بالتبع الآخذ عنهم، وحينئذ تضيع الشريعة التي يحملونها أو بعضها، ويكون في هذا جناية عظيمة على الإسلام وعلى المسلمين أيضاً. والذي أرى أنه ينبغي أن يكون عند الإنسان اجتهاد بالغ، ويصرف أكبر همه في الفقه في دين الله عز وجل؛ حتى يكون ممن أراد الله بهم خيراً، وألا ينسى نفسه من فقه الواقع، وأن يعرف ما حوله من الأمور التي يعملها أعداء الإسلام للإسلام.

قد يكون هذا - حفظك الله - من باب كلمة الحق التي يراد بها باطل، بدليل أن علماء هذه البلاد عندما كان لهم مواقف واضحة جداً في الأحداث التي تدور في المنطقة تحديداً، وأدلوا بدلوهم، قالوا ليتهم انشغلوا بالفقه.. إنما هو في الحقيقة فقه للهوى، بدليل أنه من يعرف من علمائنا يجد فقهاً حقيقياً للواقع. حفظك الله أنا أتساءل: إلى متى يُزعم أن علماءنا لا يفقهون الواقع وكما نعرف أن المجتهد هو فقيه بواقعه، وبحمد الله علماء هذه البلاد تتوافر فيهم صفة الاجتهاد. إذن هو مصطلح استُخدم يراد به في الأساس التقليل من شأن علماء المنهج السلفي، وعلماء أهل السنة والجماعة، فأتمنى أن توجهوا كلمة للشباب الذين تعرضوا للفتنة من خلال هذا الطرح؟

- نقول - أعاذنا الله وإياكم من الهوى - وأكرر أنه لا ينبغي للإنسان أن يصرف جل همه ووقته للبحث عن الواقع، بل أهم شيء أن يفقه دين الله عز وجل، وأن يفقه من الواقع ما يحتاج إلى معرفته فقط، وكما أشرت في الكلام الأول فإن من فقهاء الواقع من أخطؤوا في ظنهم وتقديراتهم، وصار المستقبل على خلاف ما ظنوا تماماً.

لكن هم يقدرون ثم يبنون الأحكام على ما يقدرونه؛ فيحصل بذلك الخطأ، وأنا أكرر أنه لا بد أن يكون الفقيه بدين الله عنده شيء من فقه أحوال الناس وواقعهم؛ حتى يمكن أن يطبق الأحكام الشرعية على مقتضى ما فهم من أحوال الناس، ولهذا ذكر العلماء في باب القضاء أن من صفات القاضي أن يكون عارفاً بأحوال الناس ومصطلحاتهم في كلامهم وأفعالهم.

حفظك الله، البعض يتأول في مسألة أهل الذمة بدعوى عدم وجود ولي الأمر العام أو الخلافة أو لعدم وجود أهل الذمة أصلاً بدعاوى عديدة؛ ولذلك لا يجدون غضاضة في دعوة الناس للاعتداء على غير المسلمين من المعاهدين.

- أنا أوافق على أنه ليس عندنا أهل ذمة؛ لأن أهل الذمة هم الذين يخضعون لأحكام الإسلام ويؤدون الجزية، وهذا مفقود منذ زمان طويل، لكنَّ لدينا معاهدين ومستأمِنين ومعاهدين معاهدة عامة ومعاهدة خاصة، فمن قَدم إلى بلادنا من الكفار لعمل أو تجارة، وسُمح له بذلك، فهو إما معاهداً أو مستأمناً؛ فلا يجوز الاعتداء عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة».. فنحن مسلمون مستسلمون لأمر الله - عز وجل - محترمون لما اقتضى الإسلام احترامه من أهل العهد والأمان، فمن أخل بذلك فقد أساء للإسلام وأظهره للناس بمظهر الإرهاب والغدر والخيانة، ومن التزم أحكام الإسلام واحترم العهود والمواثيق فهذا هو الذي يُرجى خيره وفلاحه.

من يتجاوز هذه الضوابط يسمى مفتئتاً عند أهل العلم، لكن وجد في الحقيقة ممن ينتسب إلى أهل العلم من يقول إن من قتل كافرا من غير المسلمين أو من المسلمين وقد حُكِم بارتداده فلا ينبغي أن يقاد بهذا الكافر.

- لا شك أنه لا يُقتل المسلم بالكافر، صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن نقتل مسلماً بعدو من أعداء الله وأعداء المسلمين، وهذا أمر مسلَّم. لكن الكافر الذي بيننا وبينه عهد أو أمان لا يجوز لنا أن نغدر به أو أن نخونه قال تعالى: (فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) .

كيف نخرج من القول الأول وهو النهي عن الاعتداء على الكافر المعاهد، ولو حدث وقُتل كيف نجمع بينه وبين منع قود المسلم بكافر؟

- نجمع بينهما بإعطاء الدية لأولياء المقتول من الكفار، وإذا رأى الإمام أن يعاقَب هذا القاتل بما يراه ردعاً له ولأمثاله فليفعل. على أن من أهل العلم من قال إن قتل الغيلة (أي الغدر) لا تشترط فيه المكافأة بل يُقتل فيه المسلم بالكافر؛ لأن قتله من باب دفع الصائل ومنع الفتنة في الأرض، قال ابن رجب في شرح الأربعين: «وهذا مذهب مالك وأهل المدينة أن القتل غيلة لا تُشترط له المكافأة فيُقتل فيه المسلم بالكافر».

حفظك الله، لفضيلتكم كلام بليغ في السمع والطاعة ووجوب طاعة ولي الأمر، والمعروف أن الأنظمة التي يضعها للمصلحة العامة والتي لم يرد فيها نهي أو أمر، بعض الناس عندهم مزالق يقول أطيع ولي الأمر فيما أمر الله ورسوله به فقط، إنما يأتي ولي الأمر يمنعنا من حاجة هي مباحة شرعاً مثلاً كالبيع والشراء، وأنا موظف يقول لا تبع وتشتري، قد يخلطون ولا يفهمون ما المنطلقات التي ينطلق منها فضيلتكم في منع تحديد أن الموظف - على سبيل المثال- يجمع بين عملين كذا وكذا.. فنرجو بيان هذه المسألة لأنها تثير بعض الإشكال عند بعض الناس.

- أقول إن ما أمر به ولاة الأمور ثلاثة أقسام:

- القسم الأول: أن يكون مما أمر الله به ورسوله،

- والثاني: أن يكون مما نهى الله عنه ورسوله،

- والثالث: أن يكون مما لم يتعلق به أمر ولا نهي.

القسم الأول: فأما ما أمر الله به ورسوله، فإن أمر ولاة الأمور به يزيده توكيداً، كما لو أمروا بالخروج إلى جهاد الكفار فيجب الخروج، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) . وكذلك لو أمر ولي الأمر بإقامة صلاة الجماعة، فهنا تكون إقامة الجماعة واجبة من جهتين، جهة أن الله أمر بها، وجهة أن ولي الأمر أمر بها، وأمره مطاع.

والقسم الثاني: أن يكون مما نهى الله عنه فلا يطاع ولي الأمر في ذلك، لأن ولاية ولي الأمر تحت ولاية الله عز وجل لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ، وله الحكم، لا نطيع ولي الأمر إذا أمر بمعصية، كما يوجد في بعض ولاة الأمر من يأمر بحلق اللحية فهنا لا نطيعه، أنطيعه وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحى! وهذا يأمر بحلق اللحية فلا سمع له في هذا ولا طاعة، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم برجل على سرية وأمرهم أن يطيعوه غاضبوه يوماً من الأيام، فأمرهم أن يجمعوا حطباً فجمعوا حطباً، ثم أمرهم أن يوقدوا النار فأوقدوها، ثم أمرهم أن يلقوا أنفسهم في النار فتوقفوا وقالوا كيف نلقي أنفسنا في النار ونحن لم نؤمن إلا خوفاً من النار وأبوا أن يلقوا أنفسهم في النار، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه، قال: «أما أنهم لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف إنما الطاعة في المعروف»، إذن هذا القسم لا سمع فيه ولا طاعة لمخلوق، وهو أن يأمر المخلوق من ولي الأمر أو غيره بمعصية الله فإنه لا طاعة له.

القسم الثالث: أن يأمر ولي الأمر بما لا طاعة فيه ولا معصية، فهنا يجب علينا أن نمتثل أمره لأمر الله عز وجل بذلك لا لأنه فلان أو فلان بل لأن الله أمرنا به قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) ، فنحن نمتثل لأمر ولي الأمر طاعة لله عز وجل وتقرباً إليه بذلك، ونعتقد أن هذا عبادة نثاب عليه لأن الله أمر به، ولو كان ولي الأمر لا يطاع إلا فيما أمر الله به لم يكن للأمر بطاعته فائدة إطلاقاً، لأن ما أمر به الله ورسوله ثابت سواء أمر به ولي الأمر أم لم يأمر، أما ما أشرت إليه من أن الموظف لا يبيع ولا يشتري فيقال إن التزام الإنسان عند التوظيف بالشروط التي تقتضيها الوظيفة يعد عهداً وشرطاً للالتحاق بالوظيفة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم)، وامتدح الله المؤمنين بالوفاء بالعهد إذا عاهدوا وأمر بالوفاء بالعهد، فالموظف مثلاً إذا دخل وهو يعرف أنه محظور عليه أن يشتغل بالتجارة، فكأنما عاهد الجهة المسؤولة على ألا يشتغل بالتجارة فحينئذ يلزمه الوفاء بالعهد وبالشرط المقرر.

مما يردده أعداء الدعوة السلفية - أهل السنة والجماعة- وخصوصاً في هذه البلاد أنكم أي علماء هذه البلاد وراء ظاهرة التكفير العام - والتي ابتليت بها المجتمعات، وللأسف وجدنا من أبناء هذه البلاد تعليقاً على الحادثة المنكرة - التي حدثت في الرياض أن السبب هو علماء السلف؟

- مشكلات مجتمعنا كغيره من المجتمعات فيما أظن، أنه إذا حدث خطأ من شخص يُنتسب على طائفة ما جعلوا هذا الخطأ لجميع الطائفة حتى ولو صرح بعض هذه الطائفة بأنهم بريئون من هذا العمل وأنه لا علاقة لهم به، فهم يلزمون الطائفة بأن تكون المسؤولة عن هذا الخطأ الذي حصل من بعضهم، وهذا غلط، فالعدل أن يعطى كل ذي حق حقه، فمن أساء فإساءته على نفسه، ومن أحسن فإحسانه لها، وأما أن يلصق الخطأ بالجميع إذا أخطأ واحد فهذا -لا شك- أنه جور مخالف للعدل، والله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) . نعم لو تمالؤوا عليه وباشره أحدهم أخذ الجميع بذلك.

من المعروف -حفظك الله- أن علماء السنة والسلف أشد الناس في مواجهة المكفرة بغير حق لكن وجد، وسمعت هذا الشريط -حفظك الله- أنكم أنتم تجيزون - كما قالوا - في الجزائر ما يحدث أو ينسبون التكفير للعلماء: الشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ عبدالعزيز بن باز، وهذا من باب الافتراء فنرجو بيان موقف أهل السنة والجماعة الحقيقيين من مسألة التكفير؟

- على كل حال ذكرت لك في الأول أن حكم التكفير حكم شرعي لا يتلقى إلا من الشرع، وأنه لابد من أمرين: دلالة النصوص على أن هذا الشيء كفر، ثم انطباق ذلك على حال الشخص. فلترجع لأول اللقاء.

ماذا عن الجرأة على العلماء؟

- على العلماء أن يصبروا، فما دام العالم عارفاً بحاله، فإنه لا يهمه الكلام، فالرسل عليهم الصلاة والسلام ابتلوا بمثل هذا وأشد، قال الله عز وجل: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون) ، وقال الكافرون للرسول عليه الصلاة والسلام ..هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ . إن على العلماء أن يصبروا ويحتسبوا الأجر، وأن يعلموا أن هذا في ميزان حسناتهم. لأنه إذا كان يوم الفصل يوم القيامة فإنها ستؤخذ من حسنات من أساء إليهم، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئات العلماء إلى هؤلاء وطرحوا في النار.

ماذا تقول لمن يصل به الأمر فيكفرك؟

- أنا أقول إني كافر بالطاغوت، ومؤمن بالله، ونسأل الله له الهداية وأن يبصره بالحق.

رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, العثيمين, دعوة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013