معنى (و روح منه) في الحديث
"من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده و رسوله وأن عيسى عبد الله و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه و الجنة حق و النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" أخرجه البخاري (2/486) و مسلم (1/57).
...
قوله: (و روح منه): أي: صار جسده عليه السلام بالكلمة، فنُفخت فيه هذه الروح التي هي من الله؛ أي: خلق من مخلوقاته أضيفت إليه تعالى للتشريف و التكريم.
و عيسى عليه السلام ليس روحا، بل جسد ذو روح، قال الله تعالى: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و أمه صديقة كانا يأكلان الطعام} (المائدة 75). فبالنفخ صار جسدا، و بالروح صار جسدا و روحا.
وقوله: (منه): هذه هي التي ضلّ بها النصارى، فظنّوا أنه جزء من الله، فضلّوا و أضلّوا كثيرا، ولكننا نقول: إن الله قد أعمى بصائركم؛ فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب
التي في الصدور؛ فمن المعلوم أن عيسى عليه السلام كان يأكل الطعام، و هذا شيء معروف، و من المعلوم أيضا أن اليهود يقولون: إنهم صلبوه، و هل يمكن لمن كان جزءًا من الرب أن ينفصل عن الرب و يأكل و يشرب و يُدّعى أنه قتل و صلب؟
و على هذا تكون (من) للابتداء، و ليست للتبعيض، فهي كقوله تعالى: {و سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض جميعا منه} (الجاثية 13)؛ فلا يمكن أن نقول: إن الشمس و القمر و الأنهار جزء من الله و هذا لم يقل به أحد.
فقوله: (منه)؛ أي: روح صادرة من الله – عز و جلّ –، وليست جزءا من الله كما تزعم النصارى. واعلم أن ما أضافه الله إلى نفسه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
- الأول: العين القائمة بنفسها، وإضافتها إليه من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، و هذه الإضافة قد تكون على سبيل عموم الخلق؛ كقوله تعالى: {و سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض جميعا منه} (الجاثية 13)، و قوله تعالى: {إن أرضي واسعة} (العنكبوت 56)، و قد تكون على سبيل الخصوص لشرفه؛ كقوله تعالى: {طهر بيتي للطائفين} (البقرة 125)، و كقوله تعالى: {ناقة الله و سقياها} (الشمس 13)، و هذا القسم مخلوق.
- الثاني: أن يكون شيئا مضافا إلى عين مخلوقة يقوم بها، مثاله قوله تعالى: {و روح منه) (النساء 171)، فإضافة هذه الروح إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى خالقه تشريفا؛ فهي روح من الأرواح التي خلقها الله، و ليست جزءا أو روحا من الله؛ إذ أن هذه الروح حلت في عيسى عليه السلام، و هو عين منفصلة عن الله، و هذا القسم مخلوق أيضا.
- الثالث: أن يكون وصفا غير مضاف إلى عين غير مخلوقة. مثال ذلك قوله تعالى: {إني اصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي} (الأعراف 144).
فالرسالة و الكلام أضيفا إلى الله من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، فإذا أضاف الله لنفسه صفة؛ فهذه الصفة غير مخلوقة، و بهذا يتبين أن هذه الأقسام الثلاثة: قسمان منها مخلوقان، و قسم غير مخلوق.
فالأعين القائمة بنفسها و المتصل بهذه الأعيان مخلوقة، و الوصف الذي لم يذكر له عين يقوم بها غير مخلوق؛ لأنه يكون من صفات الله، و صفات الله غير مخلوقة.
و قد اجتمع القسمان في قوله: (كلمته و روح منه)؛ فكلمته هذه وصف مضاف إلى الله، و على هذا؛ فتكون كلمته صفة من صفات الله.
و روح منه: هذه أضيفت إلى عين؛ لأن الروح حلت في عيسى؛ فهي مخلوقة.
/-/-/-/-/-/-/-/-/
المصدر: القول المفيد على كتاب التوحيد / للشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله
التعديل الأخير تم بواسطة أبو تميم يوسف الخميسي ; 23 Dec 2007 الساعة 11:37 PM
|