منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 16 Jan 2021, 02:21 PM
أبو بكر يوسف قديري أبو بكر يوسف قديري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 286
افتراضي مزالق جمعة في تحقيق عقيدة حرب الكرماني الحلقة الأولى

مزالق جمعة في تحقيق عقيدة حرب الكرماني الحلقة الأولى


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
أما بعد
فهذا بيان لشيء من مزالق الدكتور جمعة في تحقيقه لعقيدة حرب بن إسماعيل الكرماني ( ت280 ) الطبعة الاولى 1441 2019 دار المنهج بالجزائر.
ومحققنا جمعة لمَن لا يعرفه قد بيّن حاله الشيخ المحقق الدكتور رضا بوشامة في ردّه الماتع على تحقيق جمعة لكتاب "رياضة المتعلمين" حيث قال:
(والدكتور له تحقيقات لبعض كتب التراث ... وكان أحيانا يرسل إلينا أحيانا بعض الأوراق المحقّقة التي تليق بمجلة الإصلاح السلفية حجما، فكنا نقوم بتصحيح ما يكون فيها من أخطاء في قراءة نصوص العلماء، وكان آخر ذلك تحقيقه لعقيدة محمد بن إبراهيم الأرموي (العدد 54 من المجلة) في وريقات قليلة وأخطاء كثيرة.
وبحكم أنني أحد أعضاء المجلة نصحح ما نراه مجانبا للصواب دون بيان ذلك للناس وإشهاره، وبدل أن يشكر الدكتور أعضاء المجلة لما يقومون به راح يطعن في المجلة وأنها مليئة بالأخطاء العلمية والمنهجية ولم يسبقه أحد إلى هذا الحكم الجائر -حسب علمي-.
ثم إن الدكتور طعن في كثير من طلبة العلم عندنا، ووصفهم بأوصاف شنيعة كقلة الأدب والعلم، وأنه لا يستفاد منهم، وأنه لا علم عندهم ... إلى آخر ما جاء في طعنه واستهزائه.
وليس لمثله أن يحكم على غيره بقلة العلم أو عدمه، لأنه إذا قورن بغيره فأخطاؤه كثيرة، وأكبر دليل على ذلك ما سطره في هذا الكتاب من تصحيفات وتغييرات وتطاول على علماء الحديث، ووضع لأسماء وأسانيد لا وجود لها في كتب الرجال، وتحريف للمتون وإدخال ما ليس منها، وتغيير كلام المصنف، وتحريف لما قيده المحدث عبد الغني المقدسي، ففاق عددالتصحيفات والتحريفات والزيادة على النصوص أكثر من ثلاثمائة ( 300 ) موضع، فقربت من عدد صفحات الكتاب بمقدمته وفهارسه!
وهذا منه كله جهل بأصول التحقيق، وجهل بعلوم الحديث المتشعبة، كعلم الرجال بأنواعه كالمؤتلف والمختلف، والمشتبه، والكنى والأنساب، والتخريج والعلل، والمصطلح، وكتب اللغة والمعاجم، وغير ذلك من العلوم التي يحتاج إليها أيّ محقق.)
وهذا الذي ذكره الشيخ رضا يلخص لنا منهج جمعة في التحقيق، وفي تحقيقه لعقيدة حرب الكرماني لم يخرج عن منهجه هذا كما سيظهر ذلك في هذه الوقفات:

أولا:
المحقق جمعة العجيب تسلّط على هذه العقيدة الجليلة لا ليضيف شيئا سوى دراهم معدودات فقط.
وإلا فقد سبقه إلى تحقيق هذه العقيدة المباركة ثلاثة محققين آخرهم عادل آل حمدان، كما ذكر هو في مقدمته. وقد تحامل عليهم بأنهم: أخلّوا بالمنهج العلمي ! وأهملوا زيادات في الكتاب وعد بأنه سيكشفها !
ولكن بإحصاء سريع قارنت عدد المواضع التي استدركها على طبعة آل حمدان مع عدد ما استدركه هو من طبعة آل حمدان، فوجدت:
- 20 موضعا استدركها جمعة على طبعة آل حمدان أغلبها حروف وكلمات، وبعضها محتمل، ومنها ما أخطأ فيه جمعة كما سيأتي
- 185 موضعا زادها جمعة من طبعة آل حمدان، كثير منها جمل تامة بل بعضها فقرات كاملة.
ورغم ذلك أخذ المتشبع بما لم يعط ويتوعد في مقدمة تحقيقه ويقول: سيتبين لكم في ثنايا التحقيق !

- تنبيه: عادل آل حمدان عنده غلوّ في إثبات بعض الأشياء لله تعالى وفي تكفير تارك الصلاة كغلوّ الحدادية، وقد رد عليه العلامة ربيع في المسألتين.

ثانيا:
ترك محققنا العجيب نسخة مسائل حرب -نسخة أصلها مكتبة يوسف آغا بتركيا- وهي نسخة فريدة حُقّقت أكثر من مرة. وعقيدة حرب الكرماني حققت مضمومة إلى المسائل ومفصولة عنها خمسَ مرات فيما وقفت عليه.
ترك جمعةُ هؤلاء القومَ ونسخةَ مسائل حرب الكرماني، وعمد إلى مخطوط آخر في مكتبة الحرم المكي ضمن مجموع "كتاب بستان الفوائد المحتوي على العقائد والمراثي والفوائد" (كذا في مطبوعة جمعة، وصوابه: والفرائد.) نسخه عبد العزيز الدوسري القصيمي سنة 1368 وهي -مع كونها متأخرة جدا، منسوبة إلى الإمام أحمد لا إلى تلميذه حرب الكرماني، كما ذكره جمعة نفسه. ورغم ذلك قال: اعتبرتها الأصل !
ولم يذكر ما يتعلقّ بوصف هذه النسخة من حيث الخطّ ووضوحه والمقابلة والتصحيح، في حين أن النسخة الأصلية التي تركها قد قال عنها أصحابها: بخط جيّد بيّن واضح، وكتب في آخرها: (قوبل كله على الأصل فصحّ ذلك)
قال العلامة المحقق عبد السلام هارون في كتابه تحقيق النصوص(ص42): الكتاب المحقّق هو الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه. انتهى كلامه
فيؤخذ من هذا التعريف أن عقيدة الكرماني هي ما حققه الخمسة المعتنون لصحة نسبة نسختهم إليه لا ما ما فعله جمعة.
أضف إلى ذلك أنّ نسختهم أتمّ من مخطوط جمعة، وقد رجع إليها في إكمال أصله الموهوم في 185 موضعا نقل منها جُملًا تامة وفقرات كاملة، حتى وصل إلى ترقيع مخطوطه في صفحة واحدة ثماني مرات معتمدا على طبعة آل حمدان كما في ص57، بل استدرك من طبعته قريبًا من صفحة كاملة كما في ص60.
ومما يؤيد أن أصل جمعة لا يصحّ الاعتماد عليه مع وجود أصل مسائل حرب ولو جاء عن حرب الكرماني؛ =أنه مستلّ من كتاب ابن المحبّ الصامت أو غيره من الكتب، وليس كتابا مستقلّا؛
وقد قال شيخ المحققين عبد السلام هارون في كتابه المتقدم ص28 و29:
(وهناك نوع من الأصول هو كالأبناء الأدعياء، وهي الأصول القديمة المنقولة في أثناء أصول أخرى؛ فقد جرى بعض المؤلفين على أن يضمنوا كتبهم -إن عَفوًا وإن عمدا- كتبا أخرى أو جمهورا عظيما منها ...
ولعل أظهر مثال للأصول المضمنة ما أورده البغدادي صاحب خزانة الأدب، فقد أودعها كثيرا من صغار الكتب النادرة، منها كتاب "فُرحة الأديب" لأبي محمد الأسود الأعرابي، وكتاب "اللصوص" لأبي سعيد السكري؛ كما تضمن قدرا صالحا من كتب النحو وكتب شرح الشواهد النحوية.
وهذا النوع من الأصول لا يخرج كتابا محققا، وإنما يستعان به في تحقيق النص.
وقد تهدى بعض الأدباء إلى نصوص من كتاب "العثمانية" للجاحظ ونشرها مع الرد عليها لأبي جعفر الإسكافي، نقل ذلك كله من "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد. وكنت أحسب أن النصوص تمثل على الأقل نموذجا من الأصل، ولكن عندما وقعت إلي نسخة "العثمانية" المخطوطة تيقنت أن ما فعله ابن أبي الحديد لا يعدو أن يكون إيجازا مخلا لنص الجاحظ بلغ أن أوجزت صفحتان منه في نحو ستة أسطر ... وكذلك كان يفعل الأقدمون، ينقلون النصوص أحيانا وتكون لهم الحرية التامة في التصرف فيها وترجمتها بلغتهم أيضا إلا إذا حققوا النقل ونصوا على أن هذا هو لفظ المنقول، فيقولون مثلا: "انتهى بنصه"، فتكون مسئوليتهم في ذلك خطيرة، إذ حمّلوا أنفسهم أمانة النقل.
فنشر أمثال هذه النصوص ودعوى أنها محققة يُعدّ خطأ جسيما في فن التحقيق وفي ضمير التاريخ.)
هذا كلّه إذا كان مصرّحا بنسبة الكتاب إلى حرب فكيف وهو قد نسبه إلى الإمام أحمد؟
وسيأتي مزيد بيان لهذا في رقم 8 من هذا المقال.

ثالثًا: مهازل جمعة في سياقه سند ابن المحب
في مقدمة تحقيقه ساق جمعة سند ابن المحب ص8:
(أخبرني محمد بن أحمد بن تمّام يوم السبت سادس عشر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة (738)
أنبأنا أحمد بن عبد الدائم بن نعمة
أنبأنا الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد
أنبأنا أبو طاهر السّلفي
... إلى أن قال:
حدثنا أحمد بن وهب القرشي قال: أحمد بن محمد بن حنبل)
ثم قال جمعة عن نسخته ص9:
(وسند هذه النسخة من طريق ابن المحب:
أخبرنا الشيخان المسندان المعمَّران القاضي نظام الدين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي وزين الدين عبد الرحمن بن يوسف الحنبلي ... قالا: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن المحب المقدسي ... إلخ)
ومما جاء في سنده كما في الصورة ( https://0i.is/V4vW ):
أن ابن تمام شيخَ ابن المحبّ روى عن ابن عبد الدائم سنة 723 !
وأن ابن عبد الدائم روى عن عبد الغني المقدسي سنة 683 !
وأن عبد الغني المقدسي روى عن أبي طاهر السِّلفي سنة 629 !

وفي هذا الكلام من جمعة مهازل:
- الأولى: أن نهاية السند إلى الإمام أحمد فلا يصح أن يجعل أصلا لعقيدة حرب الكرماني كما تقدم.
- الثانية: أن صيغة التحديث: "أنبأنا" من تحريفات جمعة والذي في "صفات رب العالمين" لابن المحب: أبنا وأنا، وهي اختصار "أخبرنا".
قال الشيخ الدكتور رضا بوشامة: (وقع في الكتاب صيغة "أبنا" في مواضع كثيرة وهي اختصار أخبرنا، وصحّفها المحقق إلى "أنبا" ولعله يقصد أنها اختصار "أنبأنا" وهذا جهل منه بقواعد المحدّثين.) ثم ساق عن السخاوي قولَه: (اختصروا "أخبرنا" فمنهم من يحذف الخاء واللذين بعدها، وهي أصول الكلمة ويقتصر على "أنا" الألف والضمير فقط، أو يضم إلى الضمير الراء فيقتصر على "أرنا"،... و كذا اقتصر البيهقي وطائفة من المحدثين على "أبنا" بترك الخاء والراء فقط، قال ابن الصلاح: وليس هذا بحسن.
قلتُ: وكأنه فيما يظهر للخوف من اشتباهها " بأنبأنا " وإن لم يصطلحوا على اختصار " أنبأنا " كما نشاهده من كثيرين) فتح المغيث 3\107
- الثالثة: أن جمعة لم يسمّ صاحب نسخته الذي قال: أخبرنا الشيخان المسندان المعمَّران ... إلخ، وهذا يدلّ على إهمال جمعة وعدم اهتمامه بما يقع في يده من مخطوط.
- الرابعة: وهي من أغرب ما يكون أن تواريخ السماعات التي نقلها جمعة مستحيلة؛ وذلك أن:
أحمد بن عبد الدائم توفي 668 فيستحيل أن يروي عنه ابن تمام سنة 723
وعبد الغني المقدسي توفي سنة 600 فيستحيل أن يروي عنه ابن عبد الدائم سنة 683
والحافظ السِّلفي توفي سنة 576 فيستحيل أن يروي عنه عبد الغني المقدسي سنة 629.

ورغم هذه المهازل وهذا الجهل بشتى العلوم تجد جمعة يبيت ويصبح يلمز مشايخنا بالصعافقة، وتجد أتباعه المراجيج يقولون: لكم الطعون ولشيخنا الفنون. نعم إنها فنون الجهل والظلم.

رابعًا:
هذا بعض ما ادّعى جمعة أنه استدركه على أصحاب النسخة الأصلية للكتاب، وقد بدأتُ بما في النسخة الأصلية كما نقله أصحابها:

1- هذا مذهب أئمّة العلم
في مطبوعة جمعة: هذه مذاهب .. وقال: (ولعل ما أثبته أنسب)
قلت: الصواب ما في أصل الجماعة الذين حققوا الكتاب قبل جمعة، لأن الباب عندهم (باب القول بالمذهب) فناسب الإفراد، ولأن نسختهم هي أصل الكتاب الوحيد دون غيرها كما تقدم.

2- فهو مبتدع خارج عن الجماعة
في مطبوعة جمعة: خارج من الجماعة. قال: (وفي بقية النسخ: عن الجماعة، وما أثبته موافق للفظ الحديث: "من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه".)
قلتُ: ما في أصل مسائل حرب أولى بالإثبات؛ لأنه الأصل الوحيد، ولأنه موافق لنقل العلماء عنه كابن القيم في حادي الأرواح ص 827، وهو مستعمل عند العلماء، بل ورد لفظ "خرج عن الجماعة" مرفوعا في السنة لابن أبي عاصم (ص43 مع ظلال الجنة للألباني).
وحتى الحديث الذي ذكره جمعة رواه أبو عبيد في الخطب والمواعظ (رقم95 ت. رمضان عبد التواب/شاملة) بلفظ: "وإنه من خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع"
وهو مستعمل في كلام المتقدمين والمتأخرين، يُعدّون "خرج" بعن؛ قال ابن قتيبة في غريب الحديث 2\529: (الزعانيف: فِرق الناس ومَن خرج عن جماعتهم)

3- سنة ماضية عن العلماء
في مطبوعة جمعة: سنة ماضية عند العلماء
وما في الأصل أرجح لأنه الأصل، ولأن الاستثناء في الإيمان منقول عن علماء أهل السنة وليس سنة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

4- ومن زعم أن المعرفة تنفع في القلب وإن لم يتكلم بها فهو جهمي.
في مطبوعة جمعة: مرجئي. وقد أخذها عن مطبوعة حادي الأرواح لخلوّ أصله من هذه الجملة المهمة في الاعتقاد.
وأشار جمعة إلى أن في النسخة الفريدة: فهو جهمي. وتركها دون أن ينبّه هل هما متساويتان؟ أم إحداهما أرجح؟
والظاهر من صنيعه ترجيح: فهو مرجئ.
وهذا قصور شديد من دكتور الأصول لأن هذا القول هو قول غلاة المرجئة أو جهمية المرجئة كما يسميهم شيخ الإسلام، قال -رحمه الله-: (ومن هنا غلطت الجهمية والمرجئة، فإنهم جعلوا الإيمان من باب القول: إما قول القلب الذي هو علمه، أو معنى غير العلم عند من يقول ذلك، وهذا قول الجهمية ومن تبعهم كأكثر الأشعرية، وبعض متأخري الحنفية. وإما قول القلب واللسان، كالقول المشهور عن المرجئة، ولم يجعلوا عمل القلب مثل حب الله ورسوله ومثل خوف الله من الإيمان، فغلطوا في هذا الأصل) جامع المسائل (5/246).
ومما يؤيد لفظة: "فهو جهمي" زيادة على أنه المثبت في النسخة الأصلية =أن الإمام حرب بن إسماعيل ميّز أقوال المرجئة من حيث غلظها فقال:
- (ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل أو الملائكة فهو مرجئ، وأخبث من المرجئ فهو كاذب.)
- (ومن زعم أنه مؤمن عند الله مستكمل الإيمان فهذا من أشنع قول المرجئة وأقبحه.)
فناسب أن يغلظ في وصف من يقول بأن الإيمان هو المعرفة بأن يصفه بأنه من غلاة المرجئة الذين هم الجهمية.
وأيضا فإنه لما ذكر المرجئة في آخر هذا الباب لم يذكر عنهم أنهم يقولون: الإيمان هو المعرفة. وذلك -والله أعلم- لأنه لم يقصد غلاتهم الجهمية.
وكذلك روى في كتابه مسائل حرب 3\1006:
حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الجزري قال: سمعت وكيعا قال: كانت المرجئة تقول الإيمان قول، فجاءت الجهمية فقالت الإيمان معرفة. قال عبد الله: وحدثني إسحاق بن حكيم أن وكيعا قال: وهذا عندنا كفر.
نعم ورد في 3\1005: حدثنا علي بن يزيد قال: حدثني إبراهيم بن سعيد أنه سمع وكيع بن الجراح يقول: من قال: أنا مؤمن عند الله فهو مرجئ، ومن قال: إيماني كإيمان جبريل وميكائيل فهو شر من المرجئ، ومن زعم أن المعرفة تنفع في القلب وإن لم يتكلم بها فهو مرجئ.
والمقصود غلاة المرجئة، وكان يجب على الدكتور التنبيه إلى هذا لأن النسخة الأصلية جاءت أدقّ. والله أعلم

5- قضاءٌ قضاه على عباده، وقدرٌ قدره عليهم، لا يعدو أحد منهم مشيئة الله، [و] لا يجاوز قضاءه، بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له ...
في أصل جمعة: قضى قضاءً على عباده، لا يجاوز قضاءه قضاء، بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له ...
وما في النسخة الأصلية أصحّ وأكمل كما هو واضح، ولذلك أكمل جمعة مطبوعته منها.

6- قد عَلم من إبليس ومن غيره ممن عصاه من لدن أن عصى ربَّنا تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة =المعصيةَ وخلقهم لها.
وفي مطبوعة جمعة:
قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه من لدن أن عصى ربنا تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة. [وخلق] المعصية وخلقهم لها.
وقال جمعة: سقطت [وخلق] من بقية النسخ.
والذي في أصل جمعة أولى بالنقص لأن الفعل "عَلم" بقي بلا مفعول عنده ! بخلافه في النسخة الأصلية فقد استوفى مفعوله الذي هو "المعصيةَ". ومما يؤكد ذلك قول المؤلّف بعد: (وعلم الطاعة من أهل الطاعة، وخلقهم لها). ولكنّ جمعة في غفلة عن هذا.

7- ومن زعم أن أحدا من الخلق صائر إلى غير ما خلق له فقد أنفى قدرة الله عن خلقه، وهذا إفك على الله وكذب عليه.

في مطبوعة جمعة: نفى وقال: أنفى خطأ.
أقول: نعم، لم أجد في قواميس اللغة أنفى الرباعي، ولكن هذه الجملة كلها ليست في أصل جمعة الناقص.

8- ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله.
في مطبوعة جمعة: ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله [وأن ذلك بمشيئته في خلقه] فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله.
زاد جمعة ما بين معقوفتين من طبقات الحنابلة، وأقحمه في الأصل رغم أنه فيها من رواية الإصطخري عن الإمام أحمد لا عن حرب الكرماني.
وما كان ينبغي له أي يقحم هذه الزيادة في متن الكتاب ولكن في الحاشية، لأن مصدرها وهو المطبوع من طبقات الحنابلة لا يعدو أن يكون أصلا ثانويا إن صحت نسبته إلى المؤلف.
قال عبد السلام هارون في كتابه المتقدم ص29 (والنسخ المطبوعة التي فقدت أصولها أو تعذر الوصول إليها يهدرها كثير من المحققين، على حين يعدّها بعضهم أصولا ثانوية في التحقيق)
يقول المستشرق برجستراسر في أصول نقد النصوص ص 44:
(الرواية الأولية ترجح على الثانوية، ولا يستعان بالرواية الثانوية في تصحيح الأولية إلا عند وجود الاضطراب أي الخطإ البين الذي حدث في الاستنساخ)
وقال العلامة المحقق رمضان عبد التواب: (وخلاصة القول أن الباحث إذا وجد في المصادر الثانوية ما يحتاجه فعليه أن يرجع للمصادر الأصلية ليتحقق من صحته، وقد عودتني التجارِب الكثيرة أن العودة إلى المصادر الأصلية ضرورية جدا، لأن كثيرا من المصادر الثانوية قد تسيء فهم المصدر الأصلي أحيانا أو يصيبها التصحيف والتحريف أحيانا أخرى.)
مقال: في أصول البحث العلمي وتحقيق التراث
فيؤخذ من هذه النصوص أن الاعتماد على المطبوعات اعتماد على مصادر ثانوية إذا فقدت مخطوطاتها، وأن المصادر الثانوية لا يمكن أن يُلجأ إليها في تصحيح المصادر الأصلية إلا عند وجود الخطأ البيّن من النساخ.

وبهذا تعلم بُعد جمعة عن هذا الفنّ حين قال في مقدمة مطبوعته: (ومن أهم المآخذ عليهم إهمالهم زيادات ثابتة في تلك المطبوعات من النص، واقتصارهم على الإشارة إليها في الحاشية، وهذا منافٍ لمنهج التحقيق؛ إذ تعتبر تلك النصوص المنقولة نسخًا أخرى.)!!
أقول: لا يا هذا ! بل فعلك هو المخالف لما قرّره أئمة التحقيق كما تقدم النقل عن بعضهم.

9- "ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار ... إلا أن يكون في ذلك حديث فيُروى الحديث كما جاء على ما روي ويُصدّق به ويُقبل ويُعلم أنه كما جاء، ولا ينصب الشهادة.
ولا يُشهد على أحد أنه في الجنة ... إلا إن يكون في ذلك حديث فيُروى الحديث كما جاء على ما روي، يُصدّق به، ويقبل ويُعلم أنه كما جاء ولا ينصب الشهادة."

كذا نقله أصحاب النسخة الأصلية، ولم يضبطوا لفظ (ولا ينصب الشهادة) ولكن أشاروا في الحاشية إلى أنه في حادي الأرواح (ولا ننُصُّ الشهادةَ)
وهذا ما في مطبوعة جمعة تبعًا لمطبوعة حادي الأرواح. وذلك من تخليطه كما سبق. فلا حاجة إلى تغيير ما في الأصل لأنه يمكن أن تضبط في النسخة الأصلية هكذا (ولا يُنصَّب الشهادةَ) أي لا تُظهر له الشهادة بالنار أو بالجنة بعينه.
جاء في القاموس المحيط: (وناصَبَهُ الشَّرَّ: أَظْهَرَهُ له، كنَصَّبَهُ.)
وفي المعجم الوسيط (نصَّب الأميرُ فلانًا: ولّاه منصبا.) وهذا الاستعمال الأخير من كلام الموّلدين كما في تاج العروس.
ويمكن توجيه ما في الأصل توجيهات أخرى.
ومتى أمكن تخريج ما في الأصل لم يعدل إلى التخطئة فضلا عن تغيير الألفاظ حتى يثبت لنا مصدر أصلي.
ثم إن جمعة لم يرتب الفقرتين السابقتين كما ينبغي بل شوّش الكلام بعلامات الترقيم كما في الصورة ( https://0i.is/Ymyg )

10- وأن لا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع؛ لا تنكث بيعة فمن فعل ذلك فهو مبتدع مُخارق مفارق للجماعة.
في مطبوعة جمعة: مخالف. وهو كذلك في مطبوع حادي الأرواح، والجملة غير موجودة أصلا في أصل جمعة الموهوم ومع ذلك قال جمعة: وأهمل المحقق تصويبها.!
قلت: الظاهر من تعبيرات المؤلف في مسائله لفظ: مخالف، لكن في هذا الموضع وردت النسخة الفريدة بلفظ: مخارق.
وقد نبّه محققو عقيدة الكرماني على هذا الموضع، فلا معنى لقول جمعة: (وأهمل المحقق تصويبها) إلا التجني على الناس وظلمهم.

11- واللوح المحفوظ حق يُستنسخ منه أعمال العباد لما سبقت فيه من المقادير والقضاء.
في مطبوعة جمعة: ... ممّا سبقت فيه من المقادير.
وما في الأصل أحق بالإثبات، ولا داعي لتغييره؛ لأنه ثابت في النسخة الأصلية وفي مطبوع حادي الأرواح أيضا.

12- ويَخرج قوم من النار برحمة الله بعد ما يُلبثهم فيها ما شاء الله.
في مطبوعة جمعة: ويَخرج قوم من النار برحمة الله بعد ما يُلبثهم فيها ما شاء الله [ثم يُخرجهم من النار.]، والزيادة من مطبوعة حادي الأرواح.
قال جمعة: أشار إليها المحقق في الهامش، ولكنه أهملها في المتن.
قلت: نعم، فعل ذلك آل حمدان وأسعد الزعتري. وذلك مقتضى الأمانة كما تقدّم، فلا وجه لهذا الاعتراض.

13- وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمس مائة عام، وبين كل سماء [إلى سماء] مسيرة خمس [مائة] عام، والماء فوق السماء السابعة، وعرش الرحمن فوق الماء، والله تبارك وتعالى على العرش.
قال جمعة: يشير إلى ما رواه الترمذي (3298) عن أبي هريرة بنحوه ... ثم ذكر كلام العلماء في تضعيف هذا الحديث.
قلت: وهذا قصور في التخريج، لأن معنى الحديث له شواهد لا بدّ من ذكرها، وليته اقتصر على ما قاله محققو المسند بعد تخريج حديث أبي هريرة، فقد ذكروا له شاهدَين فقالوا:
(وفي الباب عن العباس بن عبد المطلب، سلف برقم (1770)، وسنده ضعيف جدا.
وعن أبي ذر مختصرا عند البيهقي في "الأسماء والصفات" ص 401، وإسناده ضعيف لانقطاعه وضعف أحد رواته.)
ولبعضه شاهد ثالث من حديث أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {وفرش مرفوعة} [الواقعة: 34] "والذي نفسي بيده، إن ارتفاعها كما بين السماء والأرض، وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمس مائة سنة "
رواه أحمد 11719 وحسّن إسناده ابن حجر في "الفتح" 11/448، وعزاه إلى ابن حبان والترمذي في 6\323. وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي.
وله شاهد رابع موقوف عن ابن مسعود قال: ما بين سماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماءين خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله - جل ذكره - على العرش، يعلم ما أنتم عليه.
رواه الطبراني في المعجم الكبير كما في مجمع الزوائد 1\86، وصححه ابن باز في شرح كتاب التوحيد.
وهذا أقوى ما في الباب، وقد قال ابن عثيمين: (هذا الحديث موقوف على ابن مسعود، لكنه من الأشياء التي لا مجال للرأي فيها، فيكون له حكم الرفع، لأن ابن مسعود رضي الله عنه لم يعرف بالأخذ عن الإسرائيليات) المجموع 10\1125.
وفات جمعة الشاهدان الأول والرابع رغم وجودهما في كتاب التوحيد لضعف اهتمامه بهذا الكتاب، وحطّه على المعتنين به. والله المستعان.

14- وهو على العرش فوق السماء السابعة، ودونه حجب من نار ونور وظلمة وما هو أعلم بها.

في مطبوعة جمعة: من نار ونور وظلمة وماء. فزاد: وماء. رغم أنه ذكر أنها لم ترد لا في عقيدة حرب بتحقيقاتها السابقة، ولا في حادي الأرواح، ولا في طبقات الحنابلة، ولا في كتاب ابن المحب.
فكيف اجترأ جمعة أن يستدرك على جميع هؤلاء هذه اللفظةَ في هذه المسألة الخطيرة التي تتعلق بأعظم علم وهو العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته.؟
والحجاب ثابت لله تعالى في القرآن والسنة
قال الله تعالى {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب}
وقال سبحانه {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}
وفي السنة أحاديث منها ما رواه مسلم 179 عن أبي موسى الأشعري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حجابه النار، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره".
وفي رواية أخرى لمسلم: "حجابه النار"، وقال ابن القيم:
(والنور الذي احتجب به سمّي نورا ونارا، كما وقع التردد في لفظه في الحديث الصحيح، حديث أبي موسى الأشعري وهو قوله: " حجابه النور أو النار "، فإن هذه النار هي نور، وهي التي كلم الله كليمه موسى فيها، وهي نار صافية لها إشراق بلا إحراق) مختصر الصواعق ص423
وفي كتاب الدارمي "نقض عثمان بن سعيد على المريسي العنيد" 2\748: باب الحُجُب التي احتجب الله بها عن خلقه. وروى في الردّ على الجهمية ص37: عن ابن عمر قال:
"احتجب الله من خلقه بأربع: بنار وظلمة ونور وظلمة" قال الألباني: إسناده صحيح لكنه موقوف.
وهذا النص هو المطابق لما قاله الإمام حرب الكرماني في عقيدته وليس فيه ذكر الماء.
وليس في شيء من النصوص الأخرى إثبات الماء حجابًا لله تعالى، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بالله تعالى: هل رأيتَ ربك؟ قال: "رأيتُ نورًا" ولم يقل: رأيت ماءً.
فهذا الباب توقيفي لأنه من الغيب الذي لا يعلم إلا بوحي، ولا يجترئ سني أن يضيف لله ما لم يضفه لنفسه إضافة وصف ولا إضافة تشريف.
وأما ما ورد في حديث أبي هريرة مرفوعا في ذكر الحجب التي احتجب الله بها عن خلقه وفيه: " ... وسبعون حجابًا من ثلجٍ، وسبعون حجابًا من ماء، وسبعون حجابًا من بَرد غمام، وسبعون حجابًا من برد ..." رواه الطبراني في الأوسط وقال ابن الجوزي: (هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمتهم به عبد المنعم، وقد كذبه أحمد ويحيى، وقال الدارقطني: هو وأبوه متروكان.) وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة: (الآفة عبد المنعم وحده؛ قال في الميزان: قصاص ليس يعتمد عليه تركه غير واحد ، وأفصح أحمد بن حنبل فقال : كان يكذب على وهب ، قال البخاري : ذاهب الحديث وقال ابن حبان : يضع الحديث.)
ولا أرى سبب هذا الخطإ الشنيع إلا أن قول الإمام حرب: (نار ونور وظلمة وما هو أعلم بها.) تحرّف عند جمعة إلى (نار ونور وظلمة وما وما هو أعلم بها.) فتكرّرت لفظة "وما" فظنها الغافل: [وماء]
وهذا التخليط من جمعة يدلّنا على شدّة بُعده عن كتب السلف، وعلى مفاسد الاعتماد على المخطوطات غير الموثوقة التي وصفها شيخ المحققين عبد السلام هارون بأنها كالأبناء الأدعياء.

15- ولله عرش، وللعرش حملة يحملونه، وله حدّ، الله أعلم بحده.
أشار جمعة إلى أنه كذلك ورد في طبعة آل حمدان وحادي الأرواح، وأنه ورد "وليس له حدّ" في الأصل الموهوم الذي اعتمده وفي طبقات الحنابلة . ثم ذكر أن الصواب بالإثبات "وله حدّ"، وساق عن ابن تيمية نصوصا في إثبات الحدّ لله تعالى.
وفي تعليقه ملحوظات:
أ- في النقل عن حادي الأرواح نظر فالطبعة التي اعتمدها هي طبعة عالم الفوائد، ورغم أنهم أثبتوا في المتن"وله حدّ" ص836 إلا أنهم ذكروا في الهامش أنّه لا يوجد هذا الإثبات في أيّ نسخة من نسخ "حادي الأرواح" بل الموجود فيها "وليس له حدّ" وصحّحوا المتن من مسائل حرب أي النسخة الأصلية التي ندندن هنا على أهميتها.
ب- أن الأصل الذي اعتمد عليه جمعة كالسراب لا ينفع في أهم شيء: وهو الترجيح بين المنقولات عن المؤلف، فأنت تراه ترك أصله في هذا الموضع الخطير أحوج ما كان إليه. فما الفائدة إذن من إعادة تحقيق الكتاب؟
ج- المعتمد عن الإمام حرب بن إسماعيل هو إثبات الحدّ لا نفيه، كما ورد هنا في النسخة الأصلية، وكما نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر المجلد الثاني من بيان تلبيس الجهمية وفي شرح الأصفهانية وفي درء التعارض. وابن تيمية اطّلع على أصل صحيح قديم من مسائل حرب؛ قال في شرح كتاب المناسك من العمدة 2\532: (وذكر القاضي عن حرب، عن أحمد: لا يرمي الجمرة من بطن الوادي ... وهذا غلط على المذهب منشأه الغلط في نقل الرواية ... ولعل سببه أن النسخة التي نقل منها روايةَ حرب كان فيها غلط، فإني نقلت رواية حرب من أصل متقن قديم من أصحّ الأصول) أفاده د. الدبيخي في تحقيقه.
د- أن الحدّ لفظ حادث بعد زمن الصحابة والتابعين، وقد اختلف السلف في إطلاقه من عدمه، حتى إن القولين منقولان عن الإمام أحمد كالسلف في ذلك، وليس بين القولين خلاف أصلا؛ قال ابن تيمية: (فهذا الكلام من الإمام أبي عبد الله أحمد رحمه الله يبين أنه نفى أن العباد يحدّون الله تعالى أو صفاته بحد أو يقدرون ذلك بقدر أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك وذلك لا ينافي ما تقدم من إثبات أنه في نفسه له حدّ يعلمه هو لا يعلمه غيره أو أنه هو يصف نفسه وهكذا كلام سائر أئمة السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها.) بيان تلبيس الجهمية 2\628
وقال الشيخ ابن عثيمين: (أما كلمة محدود فإنها كلمة كالجسم لم ترد في القرآن ولا في السنة ولا في كلام الصحابة لا نفياً ولا إثباتاً، وردت عن بعض الأئمة في الإنكار، وعن بعض الأئمة في الإقرار يعني: أن بعض الأئمة قالوا: إن الله محدود أو له حَدٌّ وبعضهم أنكر ذلك، والحقيقة أن الخلاف لفظي عند التحقيق؛ لأنه إن أريد بالحدِّ أن شيئاً يحدُّ الله فهذا منتفٍ طبعاً؛ لأن ما فوق المخلوقات هو ما في شيء.
وإن أراد بالحد البينونة عن الخلق فهذا هو معنى قول السلف إنه بائن من خلقه ولهذا إنكار الحدِّ مطلقاً أو إثباته مطلقاً فيه نظر) شرح صحيح اليخاري (8/419).
ه- أن الحدّ من الألفاظ المجملة التي يستفصل أهل السنة عن معانيها فما وافق منها الحق قبل، وما لا فلا. وهذه قاعدة الباب.
و- هذا الموضع أجاد في التعليق عليه المحققان د. الدبيخي والشيخ الزعتري وأما عادل آل حمدان فيغلو في إثبات مثل هذه المسائل على طريقة الحدادية كما بينه العلامة ربيع في ردوده عليه.
وبقي جمعة كالشاة العائرة بين الصفين، فساق بعض نصوص الأئمة في الإثبات، وأهمل ذكر النصوص الأخرى النافية للحدّ، وذلك يربك القارئ ويجعله يعتقد أن المسألة فيها اتجاه واحد فقط، مما يترتب عليه تضليل مخالفه بلا علم ولا عدل بل بالجهل والظلم كما هي طريقة الحدادية.

16- وخلق آدمَ بيده على صورته ... ويُخرج قومًا من النار بيده ... وهو على ما يشاء قدير

في هذه الجمل المتفرقات من كلام حرب الكرماني ثلاث عقائد مهمّات، وردت كلها في الصحيحين، ولم يعرّج محققنا العجيب على شيء منها رغم أهميتها، وهي باختصار:
الأولى - إثبات الصورة لله تعالى كما ساقه المؤلّف، وهو حديث متفق عليه بلفظ: "خلق الله آدم على صورته" وفي حديث ابن عمر "على صورة الرحمن" رواه الطبراني في الكبير وابن أبي عاصم في السنة وضعّفه الألباني.
وهذا الحديث وإن كان فيه مقال فهو يقوّي قول جمهور السلف أن قوله صلى الله عليه وسلم: "خلق آدم على صورته" أي صورة الله عز وجلّ.
قال ابن تيمية: (لم يكن بين السَّلف مِن القرون الثلاثة نِزَاع في أنَّ الضمير في هذا الحديث عائد إلى الله تعالى فإنَّه مستفيض من طرُق متعدِّدة عن عدَد من الصَّحابة، وسياق الأحاديث كلِّها تَدُل على ذلك.) بيان تلبيس الجهمية 6\373
وأجمع السلف على إثبات الصورة لله تعالى إثباتًا بلا تشبيه؛ لحديث أبي سعيد مرفوعا: "فيأتيهم الجبّار في صورته التي رأوه فيها أوَّلَ مرة" متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ ربي في أحسن صورة" رواه ابن أبي عاصم وصحّحه الألباني.
وهذا هو مقصود المؤلف من قوله: "وخلق آدم بيده على صورته."
تنبيه: سقط قوله "على صورته" من أصل جمعة الموهوم.
الثانية - قوله "ويُخرج قومًا من النار بيده"
دليله حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: "فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواما قد امتُحِشوا" متفق عليه
وقال ابن القيم: (ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط...) مختصر الصواعق المرسلة 2\171
الثالثة - قوله "وهو على ما يشاء قدير"
في مطبوعة جمعة: "وهو على كل شيء قدير" وأشار أنه كذلك في طبعة آل حمدان، وذلك خطأ وانظر طبعة آل حمدان ص52.
وتعبير المؤلف ورد قليلا في النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم عن ربّه جلّ وعلا "ولكنّي على ما أشاء قادر" رواه مسلم
وأكثر ما ورد: {على كل شيء قدير}
وفي جوابٍ للشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله تعالى - قال:
(141- س : إنه على ما يشاء قدير ؟ : - جـ : الأولى أن لا يطلق. ويقال: إن الله على كل شيء قدير؛ لشموله قدرة الله عز وجل لما يشاؤه ولما لا يشاؤه.
وقد غلِط من نفى قدرته على ما لا يشاؤه، ومن الحجة عليهم قوله تعالى : {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم} الآية، ويكثر ذكر هذه العبارة في تفسيره ابن كثير رحمه الله .) الفتاوى : 1 / 207 .
وجاء في معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبوزيد:
(وقد جاء إطلاقها ... في صحيح مسلم ...
لكن هذا الإطلاق مقيد بأفعال معينة كهذا الحديث، وكذلك في الآية {وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} معلّقة بالجمع؛ وعليه فإنّ إطلاق هذا اللفظ له حالتان:
الأولى: على وجه العموم، فهذا ممتنع لثلاثة وجوه:
1. لأن فيها تقييدا لما أطلقه الله.
2. لأنه موهم بأن ما لا يشاؤه لا يقدر عليه.
3. لأنه موحٍ بمذهب القدرية.
والحالة الثانية: على وجه التقييد كما ذُكر.)
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن إطلاقها فقال: هذا لا ينبغي لوجوه ... وذكرها في المجلد الأول من المجموع.
ولعلّ ذلك السبب في كون ابن القيم لم ينقل هذه العبارة لما حكى عقيدة حرب في حادي الأرواح، وكذلك لم ينقلها القاضي أبو يعلى في طبقات الحنابلة.
ويرى الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 2601 جواز إطلاق هذه العبارة قال: (وذلك لا ينافي عموم مشيئته وقدرته –تعالى-). والله أعلم

يتبع إن شاء الله

كتبه يوسف قديري
في مغنية يوم السبت 04 جمادى الآخرة 1442

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013