منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 15 Nov 2011, 01:20 PM
شمس الدين حماش شمس الدين حماش غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 196
افتراضي من بحث الكرامات: رسالة العلامة محمد المكي بن عزوز إلى الأستاذ رشيد رضا


بسم الله الرحمن الرحيم






الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:

فإنَّ العلم رحم بين أهله، يحملهم على مدِّ أواصل الوداد، ويرغمهم على إسداء النُّصح وبذل الإرشاد، لذا اشتهر عن العلماء قديما وحديثا مراعاة التَّواصل، بدوام التَّراسل.

قد يختلف مضمون الرسائل باختلاف موضوعها ومغزاها، لكنها لا تخلوا في الغالب من مطارحة مسائل علمية، أو مباحثة قضايا دعوية؛ فهذه رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما صارت ميثاقا في أحكام القضاء، ورسالة إمام دار الهجرة مالك بن أنس إلى اللَّيث بن سعد عليها المعوَّل في معرفة قواعد المذهب، ورسالة أبي دواد إلى أهل مكة يفصح فيها عن مسلكه في صناعة كتابه السُّنن.

من قبيل ذلك ما خطه الشَّيخ المكِّي بن عزوز في كتاب إلى الأستاذ محمد رشيد رضا؛ بتفصيل ما أجمله الأستاذ من بحث الكرامات، ناصحا للمسلين ومستشعرا ما عليه من واجب التّبليغ: «وقد أكَّدتم على أهل العلم أن يكتبوا لكم ما ظهر لهم، فإنكم طَوَّقْتُمْ أعناقهم أمانة شديدة المسئوليَّة، فيكون السُّكوت منهم وِفاقًا في جميع ما هو مسطور هناك».

فاختار مكاتبته بما عنَّ له، آملا منه الإنصاف والرُّجوع إلى الحق الذي يَتَبَيَّنُ له.


من بحث الكرامات([1])




إلى حضرة البارع الغيور أبي عبد الله الشَّيخ محمد رشيد رضا صاحب المنار- أيده الله وسدد مسعاه.

السّلام عليكم، وبعد:

فقد طالما تَشَوَّقنا إلى مناسبة المراسلة، وارتباط المواصلة،حتى حانَ وقتُها بمناسبة ما كتَبتُموه في جريدة «الاتحاد العثماني» ([2])؛ من إجمال رحلتكم إلىسورية، فنهنِّئكم بتعاهدكم للوطن الأول، واكتسابكم عِلْمًا بأحوال ما كان غائبًا عنكم،واطَّلعنا على مقاصد دروسكم وخطبكم الدَّالة على غزارة علمٍ، وجودةِ براعةٍ، وحسنِ إحساسٍ وشعور، من تنبيهكم للتَّعاون على البرّ والتّقوى، والتَّعاضد ماديًّا وأدبيًّا، والسَّعي في عمارة الدَّارين، وحضِّكم العلماء والمفيدين أن يكون وعظهم وتعليمهم مؤسَسًا على الكتاب وما صحَّ من السنة فقهًا وعقائد وآدابًا، فلقد وفَّيتم ما عليكم من مسئولية قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ) [آل عمران : 104] الآية، وقد أبلغتم تلك النَّصائح بالحكمة والموعظة الحسنة،فصنعكم هذا لا ينكره عالم يتحرَّى السُّنة والجماعة، ولا يستثقله إلا جاهل أو حاسد،فنشكركم على تلك الهّمة والحَزْمِ السَّديد.

بقي بحث الكرامات، ذكرتم أنكم لم تتعرَّضوا له في الشَّام، وقد تعرَّضتم لهالآن، أمَّا ما أحلتم عليه في مجلدات المنار، فمع الأسف إنني إلى الآن ما رأيت من المنار عددًا، للسَّبب الذي كان حائلاً في الآستانة كما لا يخفى، ولكن النّقطة المقصودة هنا من بحث الكرامات جليَّة من الإجمال المسطور في «الاتحاد العثماني»، وقد أكَّدتم على أهل العلم أن يكتبوا لكم ما ظهر لهم، فإنكم طَوَّقْتُمْ أعناقهم أمانة شديدة المسؤوليَّة، فيكون السُّكوت منهم وِفاقًا في جميع ما هو مسطور هناك.

فاخترت مكاتبتكم بما عنَّ لي، والمأمول من كمالكم الإنصاف والرجوع إلى الحق الذي يَتَبَيَّنُ لكم فنقول:

قولكم في الكرامة([3]): (إنها لا تكون مخالفة لسنن الله تعالى في خلقه بتغيير أو تبديل أو تحويل؛ لأن الله تعالى أخبر بأن سننه لا تتبدل ولا تتحول). هذا لفظكم تعنون قوله تعالى:(وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)[الأحزاب: 62]، (لاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً)[الإسراء:77]؛ تفسير هذه الآية ونحوها بعدم خرق العادة, وعدم انحراف سبيل الطبيعة في الكون: موجب للأسف!! وقد سمعت الاحتجاج بها مرارًا على لسان من يدَّعِي انحصار حوادث الكون في الأسباب انحصارًا كليًّا، ورأيته في كتب جديدة عربية وتركية، ولا أدري أوَّل من دَسَّ هذا البلاء تحت هذه الآية الكريمة، فهو دَفْعٌ للمعجزات النَّبويَّة بالصَّدر، لأنها محض خرق العادة وما هو إلا تبديل وتحويل لما هو معتاد في النِّظام الكوني، وليس لأحد أن يفرق بين المعجزة والكرامة في أصل التَّبديل والتَّحويل؛ لأنه لا دليل على تخصيص عدم التَّبديل والتَّحويل بزمان دون زمان، فالمراد بسنَّة الله في الآية نصره لأنبيائه ومَنْ قفاهم، وخذلانه لأعدائه ومن والاهم، ونحو ذلك من إحقاق الحق وإبطال الباطل.

قال المحقق مجدد القرن الثاني عشر الإمام الشَّوكاني في تفسير فتح القدير تحت هذه الآية ما نصه: [فهل ينظرون - أي فهل ينتظرون - إلا سنة الأولين، أي سنة الله فيهم بأن ينزِّل بهؤلاء العذاب كما نزَّل بأولئك، فلن تجد لسنَّة الله تبديلاً، أي لا يقدر أحد أن يبدل سنَّة الله التي سنَّها بالأمم المكذبة من إنزال عذابه بهم بأن يضع موضعه غيره بدلاً منه، ولن تجد لسنَّة الله تحويلاً بأن يحول ما جرت به سنَّة الله من العذاب فيدفعه عنهم ويضعه على غيرهم، ونفي وجدان التَّبديل والتَّحويل عبارة عن نفي وجودهما، ثم قال: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)[محمد 10]. هذه الجملة مسوقة لتقرير معنى ما قبلها وتأكيده]([4]).

ومثل الشّوكاني سائر المفسرين من أئمة الدين([5])، ولا يقال هنا العبرة بعموم اللَّفظ؛ لأن المعنى الذي زعموا تَناوُلَ اللّفظ إياه مناقِض لأكثر آيات القرآن التي قَصَّتْ وقائع الأنبياء وغيرها من عجائب قدرة الله، كنار إبراهيم، وعصا موسى، وخلق الله عيسى بلا أب، وواقعة أصحاب الفيل وغير ذلك، ولنا أن نقول نزوعًا بالآية اعتبارًا بعموم اللَّفظ عمومًا لا ينقض آية أخرى: من سنة الله أن يخلق أشياء بأسباب لحكمة وأشياء بلا أسباب لحكمة, ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

وأعجبني ما كتبه صاحب الحمية الإسلامية مفتي الديار المصرية في كتابه المسمى «الإسلام والنَّصرانية مع العلم والمدنيَّة»([6]) بعد إشارته إلى حديث «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع»([7])، قال في صحيفة 138: [ومن اتبع سنن قوم استحقَّ الوقوع تحت أحكام سنن الله فيهم، فهل ينتظر المتبعون سننهم السائرون على أثرهم أن يصنع الله بهم غير الذي صنع بسابقيهم، وقد قضى بأن تلك سنته ولن تجد لسنة الله تبديلاً]. اهـ

فإن كان مرادكم سدّ الذريعة خوف توسيع الخرق على الرّاقع من جهة العامة، فَسَدُّ الذّريعة من أصول الشَّريعة، لكن مع السَّلامة من مفسدةٍ أكبر من تلك، وخوفكم على العامَّة بهذه المثابةِ إفراطٌ، فإنه لا تلازُمَ بين جواز وقوع الكرامة خرقًا للعادة بإذن الله، وجواز ما يُعمل من البدع في زيارة الأولياء والغلو في الاعتقاد. وأنتم تعلمون أن الكرامة ثابتة عند أهل السُّنة قاطبة حتى الإسفراييني والقشيري المرويّ عنهما البحث في شأن الكرامة ما أنكراها، وإنما قالا: لا تبلغ مبلغ المعجزة، وبعضهم شرط أن لا تتوالى وتترادف ترادفًا يجعلها عادةً، وفيه نظر. وكلامنا الآن في جواز أصل وقوعها إمكانًا وسنَّة، لا في عوارضها، وإرشاداتكم على طريقة السَّلف الصالحين في الاعتقاد، وهل نطق بذلك أحد من أهل القرون الثلاثة!؟

فتأمَّلوا المسألة فإنَّ خطرها كبير، والمادّيّون والطَّبيعيُّون بالمرصاد، فإذا سمعوا علماء المِلِّة يقولون بعدم خرق العادة فيا بُشراهم! يَبْنونَ على هذا الأساس الموهوم ما شاءوا؛ لأن مذهبهم انعزال الخالق جلَّ جلاله عن التَّصرف في العالم استغناءً بالطَّبيعة، أعاذنا الله وإياكم من الضلال، وبالله تعالى التوفيق.


محمد المكي بن عزوز


بالآستانة



____________
([1]) مجلة المنار (11/911).
([2]) جريدة الاتحاد العثماني أصدرها الشيخ أحمد طيارة في بيروت.
([3]) الكرامات خوارق عادات يجريها الله على يد ولي من أوليائه، تكريما له أو إحقاقا لحق قام به. وأهل السنة يثبتون الكرامات خلافا لغيرهم من فرق الضلال كالمعتزلة ومن شاكلهم.

([4]) محمد بن علي الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، دار الفكر (4/356).
([5]) انظر كلام الأيمة في معنى الآية: تفسير الطبري (20/329)، كتاب النبوات لابن تيمية (858)، تفسير ابن كثير (6/483)، التَّحرير والتَّنوير (22/112)، تفسير السَّعدي (671).

([6]) يقصد محمد عبده المتوفى سنة 1323هـ.

([7]) تمام الحديث: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم». قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: «فمن».رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري، برقم(6889) واللفظ له، ومسلم برقم(6952).

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 Nov 2011, 05:04 PM
أبو أسامة سمير الجزائري
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بوركتم
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15 Nov 2011, 09:13 PM
شمس الدين حماش شمس الدين حماش غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 196
افتراضي

وفيك يبارك الله أخي الكريم
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المكي بن عزوز, توحيد, كرامات, عقيدة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013