منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 26 Nov 2020, 06:06 PM
عبد العزيز بوفلجة عبد العزيز بوفلجة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 227
افتراضي براءة من منهج المفرّقة (الاجتماع رحمة والافتراق نقمة)


البراءة من منهج المفرقة
الاجتماع رحمة وهداية، والفرقة عذاب ونقمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه نستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيِّئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{يا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
{يا أيّها الناس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيا}
{يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}
أما بعد: فإنّ خير الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
ممّا هو معلوم من الدين بالضرورة وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة, والنهي عن التفرق والاختلاف, فهذا أصل عظيم من أصول الدين والملة, وذلك معلوم في كتب المرسلين والأنبياء عليهم الصلاة والسلام, وهو في كتاب الله تعالى أكثر من أن يحصر, وكذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأجمعت كلمة الصحابة والتابعين, ومن بعدهم على ذم التفرق والاختلاف؛ لأنه يؤول إلى الشر والفساد في الدين والدنيا.
فمن القرآن: الآيات أكثر من أن تحصر في هذا المقام, وقد تنوعت دلالاتها في تقرير هذا الأصل: فمرة يأمر بالاعتصام وينهى عن ضده, ومرة يحذر من الاختلاف ويبين أنه من سنن الأمم السابقة, وقد نهينا عن اتباع آثارهم, ومرة ينهى عن الاختلاف ويبين نتائجه الفاسدة, ونحو ذلك؛ كقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} ثمَّ حذرنا عن مواقعة ما أتاه من قبلنا من أهل الكتاب, فيصيبنا ما أصابهم؛ فقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات، وأولئك لهم عذاب عظيم} فأخبرنا أنهم عن الحق رجعوا, ومن بعد البيان اختلفوا, ثم أوعدهم بالعذاب العظيم.
وقال تعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}وقال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذي أوحيانا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} وغيرها.
وأما من السنة: فمنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال»([1]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر, فغضب حتى احمَّر وجهه, كأنما فقئ في وجنتيه الرمَّان فقال: «أبهذا أمرتم, أم بهذا أرسلت إليكم, إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر, عزمت عليكم أن لا تتنازعوا فيه»([2]).
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه وأبي موسى الأشعري رضي الله عنه لما بعثهما إلى اليمن: «يسِّرا ولا تعسِّرا, وبشِّرا ولا تنفرا, وتطاوعا ولا تختلفا»([3]), فهذه نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم للدعاة, فأين نحن منها؟!!
وقال صلى الله عليه وسلم للَّذين اختلفا في قراءة آية من القرآن: «كلاكما محسن». قال شعبة: أظنه قال: «لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا»([4]), فبين أن الاختلاف يؤدي إلى الهلكة, كما وقع للأمم السابقة.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم». قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((فأنتم اليوم أشد اختلافاً)) ([5]). فهذه الأحاديث وغيرها وإن كان سببها خاص, إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومما يبين أهمية وضرورة الاجتماع: أن الاجتماع والائتلاف يوجب الرحمة من الله تعالى, والرضوان والمغفرة, ونحو ذلك من المصالح العظيمة, والآثار الطيبة في الدين والدنيا والآخرة, والفرقة والاختلاف توجب العذاب, والطرد من رحمة الله تعالى, ونحو ذلك من المفاسد الخطيرة, والآثار السيئة في الدين والدنيا والآخرة.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: (فظهر أن سبب الاجتماع والألفة: جمعُ الدين, والعمل به كله, وهو عبادة الله وحده لا شريك له, كما أمر باطنا وظاهرا, وسبب الفرقة: ترك حظ مما أمر العبد به, والبغي بينهم, ونتيجة الجماعة: رحمة الله, ورضوانه, وصلواته, وسعادة الدنيا والآخرة, وبياض الوجوه, ونتيجة الفرقة: عذاب الله, ولعنته, وسواد الوجوه, وبراءة الرسول صلى الله عليه وسلم منهم) ([6]).
وجلب المصالح ودرء المفاسد ومراعاة ذلك من أصول الشريعة وقواعدها الكبيرة: وهو أن الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة, ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة, وهذا الأصل شامل لجميع الشريعة, لا يشذ عنه شيء من أحكامها, لا فرق بين ما تعلق بالأصول أو بالفروع, وسواء تعلق بحقوق الله, أو بحقوق عباده([7]).
هذا وإن من أعظم أسباب التنازع والافتراق: البغي, والظلم, والحسد, والجهل, وغيرها, وقد جاء بيانها في آي من التنزيل؛ منها: قوله تعالى: {وما اختلف فيه إلاّ الذين أوتوه من بعدما جاءتهم البينات بغيا بينهم} ويقول تعالى {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم} ويقول أيضا {وما تفرّقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم}.
يقول أبو بكر الآجري رحمه الله: (إن الله عز وجل بمنِّه وفضله أخبرنا في كتابه عمن تقدم من أهل الكتابين؛ اليهود والنصارى, أنهم إنما هلكوا لما افترقوا في دينهم, وأعلمنا مولانا الكريم أن الذي حملهم على الفرقة عن الجماعة, والميل إلى الباطل, الذي نهوا عنه, إنما هو البغي والحسد, بعد أن علموا ما لم يعلم غيرهم, فحملهم شدة البغي والحسد, إلى أن صاروا فرقا فهلكوا, فحذرنا مولانا الكريم أن نكون مثلهم, فنهلك كما هلكوا) ([8]).
ويقول ابن بطة العكبري رحمه الله: (أما بعد: فاعلموا يا إخواني وفقنا الله وإياكم للسداد والائتلاف, وعصمنا الله وإياكم من الشتات والاختلاف, أن الله عز وجل قد أعلمنا اختلاف الأمم الماضين قبلنا, وأنهم تفرقوا واختلفوا, فتفرقت بهم الطرق, حتى صار بهم الاختلاف إلى الافتراء على الله عز وجل, والكذب عليه, والتحريف لكتابه, والتعطيل لأحكامه, والتعدي لحدوده, وأعلمنا تعالى أن السبب الذي أخرجهم من الألفة بعد الفرقة, والاختلاف بعد الائتلاف: هو شدة الحسد من بعضهم لبعض, وبغي بعضهم على بعض, فأخرجهم ذلك إلى الجحود بالحق بعد معرفته, ورد البيان الواضح بعد صحته) ([9]).
ويقول ابن تيمية رحمه الله: (فأخبر أن التفرق بينهم كان بغيا, والبغي: الظلم, وهكذا التفرق الموجود في الأمة, مثل الفتن الواقعة بينها في المذاهب, والاعتقادات, والطرائق, والعبادات, والممالك, والسياسات, والأموال, فإنما تفرقوا بغيا بينهم, من بعد ما جاءهم العلم, بغيا بينهم) ([10]).
فإذا تقرر ما تقدم: فإن من حوادث هذا العصر التي ظهرت, فأرهقت أهل الصلاح والإصلاح, وأشغلت الناس عموما, والسلفيين خصوصا, -فظهر فيهم الشقاق والنزاع والخلاف-: فتنة المفرقة؛ والتي أُعلن براءتي من رؤوسها وأهلها ومنهجهم الفاسد؛ إذ لا يستقيم هذا المنهج مع قواعد الشرع العظيمة ألبتّة؛ حيث إنه قد بُني على أصول فاسدة, وما بني على فاسد فهو فاسد, وقبل ذكر هذه الأصول, أقول مستعينا بالله تعالى:
من ذا الذي ما ساء قط, ومن له الحسنى فقط, فإن الله عز وجل كتب على بني آدم الخطأ والزلل, ووعد التائبين بالأجر الكبير, والثواب الجزيل, ومن تاب فعليه بالصبر, فإنه مما يعين على الجفاء الحاصل له بعد التوبة, فإن عاقبته حميدة, وقصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم أجمعين فيها عظة وعبرة لكل تائب مذنب مستغفر.
وعليه فإنني أستغفر الله وأتوب إليه من تأييدي لرؤوس التفريق فيما جانبوا فيه الصواب, وفيما وقعوا فيه من ظلم وطعن بالباطل في الأبرياء, وتفريق لكملة السلفيين, وعدم الأخذ بنصائح الكبار في اجتماع الكلمة وإصلاح ذات البين, ونبذ الفرقة والنزاع والشقاق, فإن ربي غفور رحيم.
ثم إنه لا عيب على من أعاد النظر في هذه المسألة الحادثة, متجردا للحق, طالبا رضا الله تعالى والدار الآخرة, ساعيا في إصلاح الأمور, إبراء للذمة أمام الله تعالى, وأمام خلقه, وهذه طريقة العلماء قديما وحديثا, ولا ينكر هذه الطريقة إلا جاهل, أو مكابر معاند.
قال أبو سفيان المستملي رحمه الله: سألت أحمد عن مسألة فأجابني فيها فلما كان بعد مدة سألته عن تلك المسألة بعينها فأجابني بجواب خلاف الجواب الأول فقلت له: أنت مثل أبى حنيفة الذي كان يقول في المسألة الأقاويل فتغير وجهه وقال: "يا موسى ليس لنا مثل أبى حنيفة؛ أبو حنيفة كان يقول بالرأي, وأنا أنظر في الحديث فإن رأيت ما أحسن أو أقوى أخذت به وتركت القول الأول"([11]).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "أما بطر الحق: فهو ردّه، وألا يقبل الإنسان الحق بل يرفضه ويرده اعتداداً بنفسه ورأيه، فيرى والعياذ بالله أنه أكبر من الحق، وعلامة ذلك أنالإنسان يؤتى إليه بالأدلة من الكتاب والسنة، ويُقال: هذا كتاب الله، هذه سنة رسول الله، ولكنه لا يقبل؛ بل يستمر على رأيه، فهذا ردٌّ الحق والعياذ بالله، وكثيرٌ من الناس ينتصر لنفسه، فإذا قال قولاً لا يمكن أن يتزحزح عنه، ولو رأى الصواب في خلافه، ولكن هذا خلاف العقل وخلاف الشرع, والواجب أن يرجع الإنسان للحق حيثما وجده، حتى لو خالف قوله فليرجع إليه، فإن هذا أعز له عند الله، وأعز له عند الناس، وأسلم لذمته وأبرأ ولا يضره, فلا تظن أنك إذا رجعت عن قولك إلى الصواب أن ذلك يضع منزلتك عند الناس؛ بل هذا يرفع منزلتك، ويعرف الناس أنك لا تتبع إلا الحق، أما الذي يعاند ويبقى على ما هو عليه ويرد الحق، فهذا متكبر والعياذ بالله، وهذا الثاني يقع من بعض الناس والعياذ بالله حتى من طلبة العلم، يتبين له بعد المناقشة وجه الصواب وأن الصواب خلاف ما قاله بالأمس، ولكنه يبقى على رأيه، يملي عليه الشيطان أنه إذا رجع استهان الناس به، وقالوا هذا إنسان إمعه كل يوم له قول، وهذا لا يضر إذا رجعت إلى الصواب، فليكن قولك اليوم خلاف قولك بالأمس، فالأئمة الأجلة كان لهم في المسألة الواحدة أقوال متعددة، وها هو الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السنة، وأرفع الأئمة من حيث اتباع الدليل وسعة الاطلاع، نجد أن له في المسألة الواحدة في بعض الأحيان أكثر من أربعة أقوال، لماذا؟ لأنه إذا تبين له الدليل رجع إليه، وهكذا شأن كل إنسان منصف عليه أن يتبع الدليل حيثما كان"([12]).
فإذا تقرر ذلك, فدونك أخي الكريم أهم تلك الأصول:
الأصل الأول: قيام هذا المنهج على مصادمة نصوص القرآن والسنة الآمرة أمر وجوب بالاجتماع والتآلف وإصلاح ذات البين, والناهية نهي تحريم عن الفرقة والنزاع والشقاق, وكذا قيامه على مخالفة منهج السلف والأئمة؛ منهج أهل السنة والجماعة؛ فالسنة مقرونة بالاجتماع, ولهذا سموا بذلك, والبدعة مقرونة بالفرقة, ولهذا يقال في أهل البدع: أهل الأهواء.
وقد كانت كلمة السلفيين في جزائرنا الحبيبة مجتمعة على وحدة المنهج وصفاء العقيدة, يقودها ثلة من المشايخ وطلبة العلم, إلى أن تفرقت كلمتهم, بحجة التحذير من منهج الاحتواء وأهله, فظهر النزاع والشقاق والفرقة, وضعفت شوكة السلفيين, وشمت بنا الأعداء من جميع الأصناف, فكان قدر الله مفعولا, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد اجتهد بعض علمائنا ومشايخنا الكبار من أمثال: شيخنا ووالدنا الشيخ الكبير الهمام ربيع بن هادي المدخلي, وشيخنا ووالدنا الشيخ الكبير عبيد الجابري, حفظهما الله وبارك في أعمارهما على طاعته, وختم لنا ولهم بالحسنى: اجتهدوا في إصلاح ذات البين, واستفرغوا جهدهم في النصيحة للجميع, ورأب الصدع, ولمِّ الشمل, وبذلوا في ذلك عزيز أوقاتهم, وفتحوا أبواب ديارهم, واستقبلوا الجميع دون استثناء, وكان: عبد المجيد جمعة من السباقين بالدخول عليهم, فحاز قصب السبق والتقدم, فسمعوا منه مباشرة دون واسطة, أو دون بطانة تحول بينه وبين مشايخنا الكبار, فاختارهم للحكم بكامل إرادته, ورضي بهم في التوسط بينهم وبين مشايخ الإصلاح.
ثم تتابعت الأحداث والوقائع, فتمسك: الدكتور محمد علي فركوس وعبد المجيد جمعة وأزهر سنيقرة ومن معهم بعدم الاجتماع إلا بشروط هي محل نزاع, فوقعت الفرقة والنزاع, وانتشرت العداوة بين السلفيين, وترتب على ذلك مفاسد عظيمة, ظهرت للعيان في واقعنا المعاصر, لا ينكرها إلا معاند مكابر أعمى الله بصره وبصيرته, أو جاهل لا يفقه قاعدة الشريعة الكبيرة في مراعاة المصالح والمفاسد, فكان قدر الله حتما مقضيا.
وهاهنا سؤال موجه للمتشبه بالأصولي والفقيه: إذا تعارضت مفسدتان: مفسدة السكوت عمن تلبس بالاحتواء والتمييع, والتأكل بالدعوة, -هذه من أصول التهم الكبيرة- ومفسدة: الفرقة والنزاع والشقاق بين السلفيين, فأي المفسدتين أعظم فتجتنب, وأيهما أخف فترتكب؛ لدفع الأعظم بالأقل والأخف؟!! اترك الجواب لرؤوس المفرقة, أو لمن ينوب عنهم من التلاميذ!!!.
وعودا على بدء أقول: إن نظرة أولئك المشايخ الكبار في هذه الفتنة كانت نظرة موفقة, مبنية على فقه وعلم دقيق, قل من يوفق إليه, فنظروا في المفاسد, فرأوا أن مفسدة الفرقة بين من كانوا تحت غطاء واحد, وتجمعهم وحدة المنهج وصفاء العقيدة, مفسدة كبيرة متحققة, وأن مفسدة بعض المؤاخذات مفسدة صغيرة, يمكن معالجتها, فتمسكوا بشدة بوجوب الاجتماع وإصلاح ذات البين, ونبذ الفرقة والنزاع, دليلهم في ذلك نصوص من كتاب الله تعالى, وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, فكانوا بحق هم العلماء الفقهاء, نحسبهم والله حسيبهم.
الأصل الثاني: قيام هذا المنهج على الكذب؛ وقد أُسِّس بنيانه على ذلك من أول يوم ظهر فيه, وقد فشا وانتشر على ألسنة بعض رؤوسهم الكبار, بالصوت والشهادات, والقاعدة الشرعية العامة: ما بني على باطل فهو باطل. قال تعالى: {أفمن أسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم، والله لا يهدي القوم الظالمين}.
الأصل الثالث: انتهاك أعراض المؤمنين بالكذب والبهتان والزور, ورميهم بالقبائح والمعايب افتراء وظلما, دون إقامة البراهين والأدلة على ذلك, والأعجب والأغرب ظهور ظاهرة تهمة الدنيا, والتأكل بالدعوة, فهذه التهمة هي من أسهل التهم الجاهزة على ألسنة رؤوس المفرقة, وأتباعهم, والله تعالى قد نهى وحذر من الافتراء والكذب على المؤمنين؛ فقال جل وعلا {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}.
الأصل الرابع:وهو قيام هذا المنهج على الغلظة والفضاضة والشراسة, مع القذف والسب والشتم والتنابز بالألقاب, واستعمال الألفاظ القبيحة المنفرة, وكان بعض رؤوس المفرقة هم أول من أحيا هذه السنة السيئة, فتكلم بالقبائح والمعايب في بيت من بيوت الله تعالى, وقذف فيه رجلا مسلما, وكان ذلك في حرم المدينة, والتي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا، ولا عدلا» ([13]). الحديث.
والآخر رمى بعض الأبرياء من طلبة العلم بالألفاظ القبيحة الشنيعة فقال عنهم: الكلاب الناطقة, وقال صاحبه بلغته: واش تخير في أولاد الكلبة, وغيرها من الألفاظ المنكرة, المستقبحة عقلا وشرعا, والتي يعلم العامي المسلم قبحها ونكارتها, فضلا عمن هو منتسب للعلم والمشيخة والسنة, فاللهم إني أبرأ إليك من هذه الطريقة القبيحة المنكرة.
وهذا الأصل الفاسد مصادم لنصوص القرآن والسنة الداعية إلى الدعوة بالتي هي أحسن, وإلى اللين والرفق, والرحمة, ومحبة الخير والصلاح للغير, ونحو ذلك من معاني الكلمة الطيبة الحسنة, والتي تدخل تحت مكارم الأخلاق ومحاسنها؛ وهذا أصل كبير حث عليه الشارع الحكيم, ودعانا إليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالقول وبالفعل.
قال تعالى: {وقولوا للناس حسنا} قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله: "فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليِّنا, ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر، والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: {فقولا له قولا ليّنا} فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه"([14]).
وقال ابن سعدي رحمه الله: "ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العلم، وبذل السلام، والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب, ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله، أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق، وهو الإحسان بالقول، فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار، ولهذا قال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} ومن أدب الإنسان الذي أدَّب الله به عباده، أن يكون الإنسان نزيها في أقواله وأفعاله، غير فاحش ولا بذيء، ولا شاتم، ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق، واسع الحلم، مجاملا لكل أحد، صبورا على ما يناله من أذى الخلق، امتثالا لأمر الله، ورجاء لثوابه"([15]).
وقال تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إنّ الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}، وقال تعالى:{ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إنّ ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}، وقال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن، إلاّ الذين ظلموا منهم}.
وقال تعالى:{فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى}، قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله: "قلت: القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه، يقال: لان الشيء يلين لينا، وشيء لين ولين مخفف منه، والجمع أليناء. فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا، فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه"([16]).
وها هنا لفتة جميلة جدا ذكرها القرطبي تحت هذا الأصل العظيم عند تفسير قوله تعالى: {قالت يا أيّها الملؤا إنّي ألقي إليّ كتاب كريم }، فقال: "..وقيل:" كريم: حسن، كقول: ومقام كريم" أي مجلس حسن. وقيل: وصفته بذلك، لما تضمن من لين القول والموعظة في الدعاء إلى عبادة الله عز وجل، وحسن الاستعطاف والاستلطاف من غير أن يتضمن سبا ولا لعنا، ولا ما يغير النفس، ومن غير كلام نازل ولا مستغلق، على عادة الرسل في الدعاء إلى الله عز وجل"([17]).
فهذا غيض من فيض مما يمكن قوله تحت هذا الأصل الكبير؛ وجاء في السنة مثل ذلك, وتركته خشية التطويل, وإلا فإن الكلام تحت هذا الباب مما يطول جدا, فأين نحن من عادة الرسل في الدعاء إلى الله تعالى؟!!!, فإلى الله المشتكى.
الأصل الخامس: وهو إلقاء الأحكام الشديدة الغليظة على المخالف السني, فبعضها تصل إلى التبديع والتفسيق, وبعضها ولعلها من سفهاء القوم: تصل إلى التكفير, والله تعالى يحب قول العدل مع القريب والبعيد, ومع الموافق والمخالف؛ قال تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون}.
الأصل السادس: وهو قيام هذا المنهج على قاعدة التهميش المحدثة, وهذه القاعدة من القواعد المبتدعة, المخالفة للقرآن والسنة, ولمنهج سلف الأمة؛ وكنت ممن اغتر بها في بداية الأمر؛ إذ كما قال ابن القيم: "...فإن الباطل له دهشة وروعة في أوله, فإذا ثبت له القلب رُد على عقبيه, والله يحب من عنده العلم والأناة فلا يعجل, بل يثبت حتى يعلم ويستيقن ما ورد عليه..."([18]), وأستغفر الله وأتوب إليه.
فهذه القاعدة تقوم على صد الناس من سماع الحق, بل قائمة على غلق باب التظلم ودفع العدوان؛ فمن اتهم بتهمة فإنه لا يحق سماع قوله, ولا الإصغاء إلى حجته في الدفاع عن نفسه؛ وهذا ليس من العدل والإنصاف في شيء ألبتة, بل هو عين الظلم والبغي.
يقول الدكتور محمد علي فركوس -وفقني الله وإياه للصواب-: "قد كان من عدل سلفنا الصالح قبول الحق من أي جهة كان؛ إذ لا أثر للمتكلم بالحق في قبوله ورفضه، ولذلك استفاد علماؤنا من كتب ابن حجر والنووي القرطبي والغزالي من الأشاعرة وغيرهم", وذكر مثل هذا التقرير في موضع آخر في موقعه.
ونقل في الموضعين قول الإمام ابن القيم رحمه الله: "فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان، ومع من كان، ولو كان مع من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع كان، ولو كان مع من يحبه ويواليه فهو ممن هدي لما اختلف فيه من الحق"([19]).
فهذا التقرير السلفي يهدم قاعدة التهميش ويبطلها من أصلها وأساسها؛ إذ ليست من عدل السلف, ولا يمكن معها الاهتداء إلى الحق عند الاختلاف, ثم إذا كان قبول الحق من كتب الأشاعرة ككتب الغزالي, أو المتأثرين بهم في بعض المسائل ككتب الحافظين: ابن حجر والنووي, فإن قبول الحق من السلفي السني من باب أولى!!.
الأصل السابع: التفريق بين المتماثلات: وهذه القاعدة الباطلة من أظهر القواعد التي مشى عليها المفرقة؛ إذ كما هو معلوم أن رؤوس المفرقة روجوا في بداية الفتنة المؤاخذات المنهجية والعلمية على مشايخ الإصلاح, بالشهادات والصوتيات وغيرها, فأقرها الأتباع والمغرر بهم, ولما أظهر مشايخ الإصلاح ومن معهم من طلبة العلم المؤاخذات العلمية والمنهجية على رؤوس الطرف الثاني, ومن وافقهم من المتبوعين الكبار, بالشهادات والصوتيات وغيرها, حاصوا حيصة كحيصة حمر الوحش, فتكلفوا في ردها وإبطالها, واختلقوا المعاذير, وسلكوا في ذلك طرقا يتنزه عنها عوام الناس, بل هي أقرب ما تكون إلى طرق السفهاء والمجانين.
وهؤلاء القوم: إما أنهم لم يتصوروا تلك المؤاخذات تصورا صحيحا, وهذا آفته: إما الجهل المركب, أو الجهل البسيط، وإما أنهم لم يتصورا أن أولئك الرؤوس يخطئون, كما يخطئ البشر, وهذا آفته المكابرة والمعاندة, واتباع الهوى, والتعصب لذوات الأشخاص, والتقليد الأعمى.
ومشايخ الإصلاح من جملة بني آدم, لم يدَّع أحد منهم أنه لم يخطئ, وقد تبرؤوا مما قالوه أو اجتهدوا فيه وكان خطأ, ودفعوا عن أنفسهم مما نُسب إليهم كذبا وزورا وبهتانا, وبيَّنوا ما كان فيه وجهة نظر لهم, وكانوا ساعين في إصلاح الأمور, وفي اجتماع الكلمة, لكن من أبى الاجتماع إلا بشروط هي محل نزاع, هو من يتحمل تبعة هذه الفرقة.
فهذا تمام القول، وقد اجتهدت في ذكر أهم الأصول الفاسدة التي انبنى عليها هذا المنهج, وما لم أذكره هنا فقد ذكره غيري, وقد تقصدت عدم ذكر الأمثلة تحت كل أصل؛ وذلك حتى لا يثقل البيان, وثانيا: لانتشارها وظهورها في مواقع التواصل الاجتماعي.
وإنني أختم هذه الكتابة بنصيحة خالصة صادقة من القلب إلى كل من يهمه أمر الدعوة السلفية أقول لهم: اتقوا الله في هذه الدعوة, فلا تكونوا عونا وسببا في صد الناس عنها, فهي دعوة قائمة على العلم والعدل والرحمة, فتعاونوا فيما بينكم على البر والتقوى, ولا تعاونوا على الإثم والعدوان, والتفوا حول علمائكم ومشايخكم أهل الفقه والعلم والدراية, وأنصح جميع المغرر بهم, أن يعيدوا النظر في هذه المسألة الحادثة بكل تجرد وإنصاف, وأن يقولوا كلمة الحق, ولا يخشون في الله لومة لائم.
كما أنصح أهل الجزائر عموما بالالتفاف حول المشايخ, والتعاون معهم على الخير والبر والتقوى, وإعانتهم على الدعوة, من أمثال الشيخ الكبير عبد الغني عوسات, والشيخ عمر حاج مسعود, والشيخ عز الدين رمضاني, والشيخ عبد الخالق ماضي, والشيخ عبد الحكيم دهاس, والشيخ رضا بوشامة, والشيخ توفيق عمروني, والشيخ عثمان عيسي, وسائر المشايخ وطلبة العلم الذين معهم, كالأخ المرابط محمد مرابط, والأخ خالد حمودة, حفظهم الله جميعا, ووفقهم وسدد خطاهم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه الفقير إلى رحمة الله:
أبو عبد الله عبد العزيز (بوفلجة) بن عباس الجزائري
وتم الفراغ منه يوم الجمعة 11 ربيع الثاني 1442 هـ


([1]) أخرجه مسلم (رقم1710).
([2]) أخرجه الترمذي رقم(2133), وابن ماجة رقم(85)(ص31). قال الألباني: حسن صحيح.
([3]) أخرجه البخاري رقم(3038), ومسلم رقم(4526).
([4]) أخرجه البخاري رقم(2410) (3/130).
([5]) أخرجه البخاري رقم(722), مسلم -واللفظ له-رقم(28),
([6]) مجموع الفتاوى(1/17).
([7]) انظر: القواعد والأصول الجامعة, لابن سعدي, (ص9) –بتصرف يسير-.
([8]) الشريعة(1/113).
([9]) الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية(1/270).
([10]) جامع المسائل(6/41).
([11]) المسودة في أصول الفقه (ص: 527)
([12]) شرح رياض الصالحين (3/ 536-538).
([13]) أخرجه البخاري رقم(6755)(كتاب الفرائض), ومسلم رقم(1370)(كتاب الحج).
([14]) تفسير القرطبي, (2/ 16)
([15]) تفسير ابن سعدي, (ص57-58).
([16]) تفسير القرطبي, (11/ 200)
([17]) تفسير القرطبي, (13/ 192)
([18]) مفتاح دار السعادة, (1/143).
([19]) الصواعق المرسلة, (2/517).
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013