السؤال
السؤال:ـ الحج منسَّك من مناسِّك هذه الأمة فرضه اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - على عباده وعلَّمْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمته فقال: « خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، وغرض هذا المنسَّك العظيم إعلان توحيد الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وإقامة الذكر ذكر اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وتكريس العبودية له - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لعلكم في مستهل هذا اللقاء تتحدثون حفظكم الله من خلال هذا البرنامج عن مظاهر التوحيد في الحج؟
الاحابة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وأصَحْابِهِ أَجْمَعِينَ. أما بعد،فإن الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - شَّرعَ الحجَّ إلى بيته الحرام، حينما قال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ)، فحجُ البيت كل عام فرض كفاية؛ لابد أن يُحج البيت كل سَّنة، فإذا قام به من يكفي سقط الأثم عن الباقيين. وأما بالنسبة للأفراد فإنما أوجبه الله مرة واحدةً في العمر على المستطيع، قال اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وقال النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ كُتِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا» فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فسَّكت النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمْ قَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهُ قَدْ كُتِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا» فَقَالَ ذَلِكَ الرَجُل: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فسَّكت النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَ السَّلامِ -: « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ كُتِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا» فَقَالَ الرَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « لَوْ قُلْت: نَعَمْ لَوَجَبَتْ كلُ سَّنْة، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ»
فالحجَّ مرةً واحدةً في العمر على المستطيع لأن الحجَّ يؤتى إليه من بعيد؛ وله كُلفةٌ ومشقّة، وهو من الجهاد في سبيل الله، ومن فضلهِ وتيسيره - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أن جعله مرةً واحدةً في العمر على المستطيع. هذا بالنسبة للأفراد؛ أمّا بالنسبة لمجموع المسلمين فلابد أن يحج البيت كل سنة، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) واستطاعة السبيل هو وجود الزاد والراحلة اللائقين بمثله ممّا يكفيه ذهابًا وأيابًا، ويكفي خلفه من يموِّنهم مع أمن الطريق،
فإذا توفرت هذه الشروط وجبَ الحجَّ على المسلم مرةً واحدةً في العمر وما زاد فهو تطوع. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ». قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَ السَّلامِ - «مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
ولاشك أن شعار الحجَّ؛ شعار المحرم هو التلبية بالتوحيد، «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ» فيُعلن التوحيد للهِ - عَزَّ وَجَلَّ – كما قال اللهُ - جَلَّ وَعَلاَ - (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
فهذا البيت هو مبنيٌ على التّوحيد؛ وإفراد اللهِ - جَلَّ وَعَلاَ - بالعبادة، يجب أن يُطهر من الشِّرك ومن البدع والمُحدثات ويُهيأ للمسلمين.
فقد قَيَّضَ اللهُ لهذا البيت في وقتنا الحاضر هذه الحكومة الرشيدة التي تقوم على أمر الحجيج والمعتمرين، وتوفر لهم الإمكانيات . هذا من فضل اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - علينا وعلى الناس جميعًا؛ وهى نعمةٌ عظيمةٌ منَّ الله بها على هذه الدولة المباركة، ويسر لها وسخر لها ما تستطيع أن تقوم على هذا الركن العظيم من أركان الإسلام وتوفر للحجاج أمنهم، توفر لهم الأرزاق، توفر لهم الراحة، وهذا من تيسير اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لهذا المجتمع المسلم الذي يأتي إلى هذا البيت. كما قال اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ) وقال - تَعَالَى - (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) يعني يأمنوه ويسر الله من يُأمن الحجاج والمعتمرين ولله الحمد .
وفي كل عصرٍ ييسر اللهُ لهذا البيت مَن يقوم على شؤونه ويتولّى أمر الحجاج والمعتمرين، وهذا من فضل اللهِ وتيسيره.