الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد :
فمعلومٌ أيُّها الأحبة أنَّ اللّه تعالى بيَّن في آياتٍ كثيرة فضل العالم و مكانته فقال : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ . لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }(1) ، قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السَّعدي في تفسيره لهذه الآية : [ وفي هذه الآية دليل على شرف العلم من وجوه كثيرة ، منها: أنَّ اللّه خصهم بالشهادة على أعظم مشهود عليه دون الناس.
ومنها: أنَّ اللّه قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلا.
ومنها: أنَّه جعلهم أولي العلم ، فأضافهم إلى العلم، إذ هم القائمون به المتصفون بصفته.
ومنها: أنَّه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به، فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ومنها: أنَّ إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه ](2).
و هذا الدِّين حمله رجال من عهد النَّبيِّ صلَّى اللّه عليه و سلم إلى يومنا هذا ، فبذلوا الغالي و النفيس لإعلاء كلمة التوحيد و نشر الدِّين و حفظ السُّنَّة و محاربة البدع ، قال صلَّى اللّه عليه و سلم : « نضَّرَ اللَّهُ امرأً سمعَ منَّا حديثًا فحفظَهُ حتَّى يبلِّغَهُ غيرَهُ، فربَّ حاملِ فقْهٍ إلى من هوَ أفقَهُ منْهُ وربَّ حاملِ فقْهٍ ليسَ بفقيهٍ »(3).
و توقير العلماء و إجلالهم من دعائم منهاج النبوة ، و النَّاس في هذا على ثلاثة أقسام :
1- قسم جفوا و طعنوا فيهم فهؤلاء سفهاء الأحلام.
2-قسم إحترموهم و غلوا فيهم حتَّى رفعوهم فوق منزلتهم و جعلوهم بمرتبة الأنبياء كالروافض و الصوفية و من على شاكلتهم.
3- قسم توسطوا فيهم فأحبوهم و لم يغلوا فيهم و إتبعوهم بما معهم من الحق و الدَّليل و خالفوهم إذا ضلوا عن الحق فهؤلاء هم أهل السنة و الجماعة.
و من العلماء الَّذين نحبهم و نجلُّهم في زماننا هذا هو الشيخ العلَّامة المجاهد ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه اللّه ، و بفضل اللّه تعالى علينا أن سخَر لنا والدنا الشيخ ربيع حفظه اللّه الّذي له جهود لا تحصى في تصفية الدِّين من البدع ، حيث كلَّما ظهرت بدعة إلَّا و حذَّر منها و أبطلها و رد على من أحدثها ، فتخرج على يديه جيل من خيرة الشباب المسلم و هم طلبة العلم السلفيون بارك اللّه فيهم ، فقاموا بنشر علم الشيخ فتعلمنَّا من كتبه و من صوتياته أنَّ : [ أوَّل شيءٍ تريد أن تبدأ به في إصلاح شعب من الشعوب هو البدء بالتوحيد ](4) ، و أنَّ : [ أهل السُّنَّة لا ينتسبون إلَّا للكتاب و السُّنَّة ، لا ينتسبون إلى فلان و فلان ](5) ، و أن لا نقبل كلام إلَّا بدليل فقد قال حفظه اللّه : [ السلفيون لا يقبلون الأقوال إلَّا إذا قامت على الحجج و البراهين ](6) ، و أن لا نتعصب للخطأ لقوله حفظه اللّه : [ لم يُعرف عنا - و للّه الحمد تعصب لأي خطأ لأيّ كائنًا من كان و من إدعى غير ذلك فهو أفاك مهين ](7) ، و أن نحذر ممن يطعن في العلماء فهو الَّذي قال : [ فكم من إنسان يدَّعي أنَّه على السُّنَّة و هو يطعن في أهل السُّنَّة أهل الحديث و التوحيد فاحذروا هؤلاء ](8) ، و أن نعرف حق و قدر العالم كما قال حفظه اللّه : [ نحن ليس لدينا تقديس الأشخاص و الغلو فيهم و لكن عندنا الأدب و معرفة قدر العلماء ] (9) ، و أن نحب أهل الحق و نبغض أهل الباطل : [ إنَّ عداوة و بغض أهل الحق لأهل الباطل و المنكرات لأمرٌ مشروع و من أوثقِ عرى الإيمان : الحب في اللّه و البغض فيه ](10) ، و [ أن لا تكون الدعوة حيّة إلَّا إذا كانت ترفع راية الحق و تهين الباطل في نفس الوقت ](11) ، و أن من يحترم هذا المنهج لا يركن للمخالف فـ [ الَّذي يحترم المنهج السلفي و يحترم العقيدة السلفية و يحترم أهل هذا المنهج سابقهم و لاحقهم كيف يحسن الظن و يركن إلى أهل الباطل؟! ](12) ، و أنَّ إستقامة الإسلام لا تكون إلَّا بـ [ إقامة الحق و توضيحه و تبيينه و نقد الباطل و بيان قبحه و خبثه و التحذير منه و من أهله ](13) ، و أنَّ السلفي يكون واضح في منهجه فقد قال شفاه اللّه : [ نحن ندعوا النَّاس إلى الحق بالأدلة الواضحة و البراهين البيِّنة على طريقة الرسل و السلف الصالح لا على طريقة الباطنية و الماسونية بالحيل و الإرضاخ ](14) ، و أنَّ الجرح المفسر مقدم على التعديل فقد قال بارك اللّه فيه أنَّ [ علماء الجرح والتعديل وعلماء الشريعة الإسلامية فصلوا في هذا الأمر ، منهم الحافظ ابن كثير في مختصر مقدمه ابن الصلاح ، إذا جرح عالم معتبر يعلم أسباب الجرح والتعديل والخلاف في هذه الأمور ولم يعارضه أحد في هذا الجرح فأنه يقبل -بارك اللّه فيكم- أما إذا عارضه عالم معتبر مثله بتزكية فحينئذ يطلب من المجرح أن يقدم الأدلة على ثبوت جرحه وأسبابه ،فإذا قدم الأدلة فلو عارضه مائة عالم من كبار العلماء وأبرزهم لا قيمة لمعارضتهم لأنهم يعارضون الحجة والبرهان ، وهم يعارضون بغير حجة ولابرهان، والله يقول : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } فالبرهان يسكت الألوف من الَّذين خلت أيديهم من الحجج ولو كانوا علماء ، فهذه قواعد يجب أن تعرف وعليكم بمراجعة كتب علوم الحديث ولا سيما الموسعة منها مثل تدريب الراوي ومثل فتح المغيث للسخاوي شرح ألفية العراقي ، فهذه أمور بديهية عند أهل العلم فالمنازعة فيها والكلام فيها بالباطل لا يجوز لأنه يفسد العلوم الإسلامية ويخرب القواعد بمثل هذه الأساليب ، فلا يجوز للمسلم أن يطرح للناس إلا الحق ويبتعد عن التلبيس والتحيل ](15) ، و أن لا نتعصب لأي كان و أن نتعصب إلَّا للحق فقد قال وفقه اللّه : [ فالَّذي يلزمنا معشر الإخوة ان نفتش انفسنا فمن وجد في نفسه شيئاً من هذا المرض فعليه أن يتدارك نفسه ،ويُقبِل على العلاج الناجح، ويبحث دائماً عن الحق لينجو بنفسه من وهدة التعصب الأعمى ](16).
فهذا لا يعتبر إلَّا قطرة من بحر ما تعلمناه من الشيخ الوالد ربيع المدخلي حفظه اللّه ثبثنا اللّه و إيّاه على الحق ، و نشكر الشيخ حفظه اللّه على ما قدمه لنا من علمٍ و من نصائحٍ و من ردود ألجمت المبتدعة ، فجزاه اللّه على جهوده و صدق حين قال : [ نحن نريد شبابًا في ظل كتاب اللّه و سنة رسول اللّه و منهج السلف ليس عنده مجاملة و لا مهادنة و لا نفاق و لا اعوجاج ](17).
واللّهُ مِنْ وراء القصد، وهو يهدي السبيلَ، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للّه ربِّ العالَمِين، وصلَّى الله على إمام الأنبياء والمُرْسَلين، وعلى آله وصحبِه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا.
(1)سورة آل عمران الأية 18.
(2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنّان صفحة 108 .
(3) صححه الألباني في صحيح الترمذي تحت رقم 2656 من حديث زيد بن ثابت رضي اللّه عنه.
(4) مجموع فتاوى الشيخ ربيع 62/1.
(5) مجموع فتاوى الشيخ ربيع 186/15.
(6) عمدة الآبي صفحة 417.
(7) مجموع فتاوى الشيخ ربيع 482/9.
(8) مجموع فتاوى الشيخ ربيع 230/15.
(9) مجموع فتاوى الشيخ ربيع 36/1.
(10) عمدة الآبي صفحة 427.
(11) فتاوى في العقيدة و المنهج -2-.
(12) مجموع فتاوى الشيخ ربيع 14/360.
(13) فتاوى في العقيدة و المنهج -2-
(14) إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل صفحة 95.
(15) شريط « التحذير الحسن من فتنة أبي الحسن » الوجه الأول.
(16) مجموع فتاوى الشيخ ربيع 1/433.
(17) المجموع الرائق 51.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو سهيل يوسف مرنيز ; 12 Jul 2018 الساعة 06:36 PM