بعض الأحكام والفوائد المتعلّقة بالاعتكاف (الحلقة الأولى)
بعض الأحكام والفوائد المتعلّقة بالاعتكاف (الحلقة الأولى)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آلة وصحبه أجمعين، أمابعد :
أحببت أن أجمع بعض المسائل المتعلّقة بالإعتكاف لعلّ الله أن ينفع بها ويكتب لنا الأجر والمثوبة من عنده إنه جواد كريم.
تعريف الاعتكاف :
لغة : هو في اللغة الحبس والمكث واللزوم .
قال ابن فارس: العين والكاف والفاء أصل صحيح يدل على مقابلة وحبس.[1]
والاعتكاف افتعال من عكف على الشيء يعكف ويعكف عكفا وعكوفا، وهو متعد فمصدره العكف، ولازم فمصدره العكوف.[2]
والمتعدي لغة: بمعنى الحبس والمنع، ومنه قوله تعالى: (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّه) ، أي محبوساً. [3]
واللازم لغة بمعنى: ملازمة الشيء، والمواظبة والإقبال والمقام عليه خيراً كان أو شراً، ومنه قوله تعالى: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد) ، أي مقيمون، ومنه قوله تعالى: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) ، أي: ملازمون. وقال تعالى: (وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً) ، أي: مقيماً.[4]
ويسمى الاعتكاف جواراً [5]؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض[6].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني كنت أجاور هذه العشر، ثم بدا لي أن أجاور العشر الأواخر..[7]
وفي الشرع : لزوم مسجد لعبادة الله تعالى من شخص مخصوص على صفة مخصوصة.
قال ابن تيمية رحمه الله : لو قيل: لعبادة الله تعالى كان أحسن -أي بدلاً من طاعة الله تعالى- فإن الطاعة موافقة الأمر، وهذا يكون بما هو في الأصل عبادة كالصلاة، وبما هو في الأصل غير عبادة، وإنما يصير عبادة بالنية، كالمباحات كلها بخلاف العبادة فإنها التذلل للإله ـ.[8]
وقال رحمه الله : ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبه ويعظمه، كما كان المشركون يعكفون على أصنامهم وتماثيلهم، ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم شرع الله لأهل الإيمان أن يعكفوا على ربهم ـ.
وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك، فلذلك كان الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله.[9]
الاعتكاف كان في الأمم السابقة :
قال تعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين).
وقال تعالى: (فاتخذت من دونهم حجابا)، وقال تعالى: (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا.
قال ابن تيمية رحمه الله : ولأن مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنها جعلت محررة له، وكانت مقيمة في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا، وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه.[10]
الحكمة من شرعية الاعتكاف:
قال ابن القيم رحمه الله : لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى، متوقفا على جمعيته على الله، ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام، مما يزيده شعثا، ويشتته في كل واد، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه، أو يعوقه ويوقفه: اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحدث سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسه بالله بدلا من أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم.[11]
والحكمة من تخصيصه صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان، فقد بينها صلى الله عليه وسلم ، كما في حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم : اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه، فقال: إني أعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه....الحديث.
حكمه :
الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)
وأما السنة وآثار الصحابة فكثيرة جدا منها: حديث عائشة ل أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.[12]
ولم يرد في فضل الاعتكاف شيء من الأحاديث الثابتة عن النبي قال أبو داود في مسائله: "قلت لأحمد تعرف في فضل الاعتكاف شيئا؟ قال: لا، إلا شيئا ضعيفا.[13]
قال ابن المنذر رحمه الله : وأجمعوا على أن الاعتكاف سنة لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجبه المرء على نفسه نذرا فيجب عليه.[14]
وأما قول الإمام مالك رحمه الله : ما رأيت صحابيا اعتكف، وقد اعتكف صلى الله عليه وسلم حتى قبض وهم أشد الناس فلم أزل أفكر حتى أخذ بنفسي أنه لشدته نهاره وليله سواء كالوصال المنهي عنه مع وصاله المنهي عنه.
وقال أيضا: ما بلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا ابن المسيب، ولا أحدا من سلف هذه الأمة اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن وذلك -والله أعلم- لشدّة الاعتكاف[15].
وعلّل بعض المالكية: ما ظهر عن الإمام مالك من كراهية الاعتكاف، أنه من الرهبانية المنهي عنها.[16]
ولا يسلّم ما ذكره الإمام مالك /، فإن الصحابة اعتكفوا معه في حياته صلى الله عليه وسلم ، لما روى أبو سعيد ط أن النبي صلى الله عليه وسلم: اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط... فكلم الناس فدنوا منه، فقال: إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه....
قال ابن حجر رحمه الله: لعله أراد صفة مخصوصة، وإلا فقد حكى عن غير واحد من الصحابة أنه اعتكف.[17]
وأما إلحاق بعض المالكية له بالرهبانية المنهي عنها. فغير مسلّم، لما تقدم من أدلة مشروعيته.
وقد روى أبو داود عن الإمام أحمد /أنه قال: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أنه مسنون. [18]
وقال الزهري رحمه الله : عجبا من الناس كيف تركوا الاعتكاف؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قبض.[19]
قال ابن العربي المالكي رحمه الله :وهو سنة وليس ببدعة، ولا يقال فيه: مباح فإنه جهل من أصحابنا الذين يقولون في كتبهم الاعتكاف جائز.[20]
اعتكاف النساء :
الاعتكاف سنة للرجال والنساء ، وقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن يعتكفن مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، واعتكفن بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، ولكن لا تعتكف المرأة إلا بإذن أهلها أو زوجها ، وأن لا يكون في اعتكافها فتنة.
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
وعن عائشةرضي الله عنها أيضا قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله ، فاستأذنت حفصة عائشةَ أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء ، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر ، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية فقال : ما هذا ؟ فأُخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، آلبر تُردن بهن ، فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال.[21]
وعنها رضي الله عنها قالت : اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي.[22]
وعنها رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلميعتكف في كل رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه . قال فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها فضربت فيه قبة فسمعت بها حفصة فضربت قبة وسمعت زينب بها فضربت قبة أخرى فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلممن الغد أبصر أربع قباب فقال ( ما هذا ) . فأخبر خبرهن فقال ( ما حملهن على هذا ؟ آلبر ؟ انزعوها فلا أراها ) . فنزعت فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال.[23]
وجاء في "عون المعبود" : فيه دليل على أن النساء كالرجال في الاعتكاف.[24]
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/480) : لا يصح الاعتكاف من الرجل ولا من المرأة إلا في المسجد.اهـ
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :الاعتكاف سنة للرجال والنساء لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف في رمضان ، واستقر أخيرا اعتكافه في العشر الأواخر، وكان يعتكف بعض نسائه معه ، ثم اعتكفن من بعده عليه الصلاة والسلام ، ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة.[25]
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :فالمرأة تعتكف ما لم يكن في اعتكافها فتنة ، فإن كان في اعتكافها فتنة : فإنها لا تمكّن من هذا ؛ لأن المستحب إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع ، كالمباح إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع ، فلو فرضنا أنها إذا اعتكفت في المسجد صار هناك فتنة كما يوجد في المسجد الحرام ، فالمسجد الحرام ليس فيه مكان خاص للنساء ، وإذا اعتكفت المرأة فلا بد أن تنام إما ليلا وإما نهارا ، ونومها بين الرجال ذاهبين وراجعين فيه فتنة.
والدليل على مشروعية الاعتكاف للنساء : اعتكاف زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ، وبعد مماته ، لكن إن خيف فتنة : فإنها تمنع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع فيما دون ذلك ، فإنه لما أراد أن يعتكف صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم ، وإذا خباء لعائشة ، وخباء لفلانة ، وخباء لفلانة ، فقال صلى الله عليه وسلم :( آلبر يردن ؟!) ثم أمر بنقضها ، ولم يعتكف تلك السنة ، وقضاه في شوال ، وهذا يدل على أن اعتكاف المرأة إذا كان يحصل فيه فتنة : فإنها تمنع من باب أولى.[26]
أقل مدة الاعتكاف :
اختلف أهل العلم في أقل مدة الاعتكاف على أقوال عدة أرجحها أنه لا يحدّ بزمن معين ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم[27].
قال تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد).
قال ابن حزم رحمه الله : فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وبالعربية التي خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاعتكاف في لغة العرب الإقامة... فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف... مما قل من الأزمان أو كثر؛ إذ لم يخص القرآن والسنة عددا من عدد، ووقتا من وقت.[28]
وقال رحمه الله : كل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف فالاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الأزمان أو كثر إذ لم يخص القرآن والسنة عدداً من عدد ولا وقتاً من وقت عن سويد بن غفلة قال : من جلس في المسجد وهو طاهر فهو عاكف فيه ما لم يحدث وعن عطاء بن أبي رباح عن يعلى بن أمية ط قال : إني لأمكث في المسجد ساعة وما أمكث إلا لأعتكف ، قال عطاء : هو اعتكاف ما مكث فيه وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف وإلا فلا.[29]
وقال النووي رحمه الله : الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور: أنه يشترط لبث في المسجد، وأنه يجوز الكثير منه والقليل حتى ساعة أو لحظة.[30]
ولأن الاعتكاف في اللغة يقع على القليل والكثير، ولم يحدّه الشرع بشيء يخصّه فبقي على أصله.[31]
وقياسا على الوقوف بعرفة، حيث يكفي فيه مجرد المرور
وعند بعض الشافعية: يكفي المرور في المسجد من غير لبث وعلى هذا فلو مر من باب إلى باب آخر، ونوى حصل الاعتكاف.[32]
وجاء في "الإنصاف": أقله إذا كان تطوعا، أو نذرا مطلقا ما يسمى به معتكفا لابثا، قال في الفروع: ظاهره ولو لحظة.[33]
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: الاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى ، سواء كانت المدة كثيرة أو قليلة ، لأنه لم يرد في ذلك -فيما أعلم- ما يدل على التحديد لا بيوم ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك.[34]
أكثر مدة الاعتكاف :
اتفق أهل العلم أن مدة الاعتكاف لا حدّ لأكثره[35] ،قال ابن الملقن رحمه الله : فيه -أي حديث عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله-:أن الاعتكاف لا يكره في وقت من الأوقات، وأجمع العلماء على أن لا حد لأكثره.[36]
وأما اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على اعتكاف العشر الأواخر فلا يدل على التخصيص، وإنما ذلك لسبب آخر وهو طلب ليلة القدر، إذ هي في تلك الليالي، ولهذا في حديث أبي سعيد صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف العشر الأوسط فأخبر أنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر طالبا لها.
وقت دخول المعتكف :
من اعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فإنه يدخل في الاعتكاف قبل غروب شمس يوم الحادي والعشرين من شهر رمضان ، وبه قال جمهور أهل العلم[37] ،لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتكفا قبل غروب الشمس ولكنه لم يدخل المكان الخاص بالاعتكاف إلا بعد صلاة الفجر.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني اعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم أعتكف العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف، فاعتكف الناس معه[38].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر.
دل هذا الحديث على أن زمن دخول المعتكف من بعد غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، لقولهصلى الله عليه وسلم: فليعتكف العشر الأواخر؛ والمقصود بها عدد الليالي، وأول هذه الليالي ليلة إحدى وعشرين.
وأما ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان ، فإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه.[39]
فمعناه أنه صلى الله عليه وسلم انقطع في معتكفه وكان لابثا في جملة المسجد ، ثم تخلى بنفسه بعد ودخل معتكفه الخاص بعدما صلى الصبح، لا أن ذلك كان وقت ابتداء اعتكافه.[40]
قال شيخنا محمد علي آدم الأثيوبي حفظه الله :والحاصل في المسألة :أن من أراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان يدخل المسجد من أول ليلة الحادي والعشرين كما يدل عليه حديث :كان يعتكف العشر الأواخر :إذ المراد بها عدد الليالي كما تقدم ثم إذا صلى الصبح دخل المكان الذي أعدّه ليخلو فيه كما دل عليه ثم دخل في المكان الذي يريد أن يعتكف فيه:
فحصل الجمع بين الحديثين وأماما ادعاه السندي من أن هذا التأويل يخالف الحديث فغير صحيح بل هو أقرب من تأويله بزيادة يوم قبل العشر إذهو يستلزم اعتكاف إحدى عشر ومخالفة هذا للحديث أظهرمما ادعاه فتأمل بالإنصاف.[41]
وقت الخروج من المعتكف :
يخرج المعتكف من معتكفه بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان ، سواء كان الشهر تاما أو ناقصا.
قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: يخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من أيام العشر.[42]
وقال النووي رحمه الله : قال الشافعي والأصحاب : ومن أراد الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس ليلة الحادي والعشرين منه , لكي لا يفوته شيء منه , ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد , سواء تم الشهر أو نقص.[43]
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :متى يخرج المعتكف من اعتكافه أبعد غروب شمس ليلة العيد أم بعد فجر يوم العيد؟
فأجاب بقوله : يخرج المعتكف من اعتكافه إذا انتهى رمضان ، وينتهي رمضان بغروب الشمس ليلة العيد.[44]
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة"(10/411) :وتنتهي مدة اعتكاف عشر رمضان بغروب شمس آخر يوم منه. اهـ
الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان:
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره[45] وأحيا ليله وأيقظ أهله.[46]
وعن عائشة رضي الله عنها أيضا قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر.
وعنها ل قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره.[47]
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من شهر رمضان.[48]
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان ، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين ـ وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه ـ
قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر ، فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش ، فوكف المسجد فبصرت عيناي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين.[49]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا.[50]
وعن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه رحمه الله قال : كان أبو بكر يصلي في رمضان كصلاته في سائر السنة ، فإذا دخلت العشر اجتهد.[51]
ماهو المسجد الذي ينعقد فيه الاعتكاف وهل يشترط أن يكون في المساجد الثلاثة :
اتفق أهل العلم على أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال أفضل من الاعتكاف في غيرها من المساجد وجمهور أهل العلم لا يرون أن الاعتكاف خاص بالمساجد الثلاثة ،بل يشرع في مسجد تقام فيه الجماعة وهو الراجح من أقوال أهل العلم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: لا اعتكاف إلا في مسجد جامع، وفي لفظ : إلا مسجد جماعة. [52]
وعن ابن عباس بأنه قال : لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الصلوات.[53]
وعن سعيد بن جبير رحمه الله:أنه اعتكف في مسجد قومه.[54]
وعن الزهري رحمه الله قال :لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة يجمع فيه.[55]
قال ابن تيمية رحمه الله: وهو قول عامة التابعين، ولم ينقل عن صحابي خلافه، إلا من قول من خص الاعتكاف بالمساجد الثلاثة ، أو مسجد نبي.اهـ[56]
وما ثبت عن حذيفة أنه خصّ الاعتكاف بالمساجد الثلاثة ليس بحجة لأنه قد خالفه جمع من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس ي كما سيأتي.
ومن المقرّر شرعا أن قول الصحابي إذا وُجد له معارض من الصحابة الآخرين لم يكن فيه حجة.
وقد ثبت عن السلف الصالح أنهم كانوا يعتكفون في المساجد فعن سعيد بن جبير أنه اعتكف في مسجد قومه ومثله عن همام بن الحارث ومثله عن إبراهيم النخعي وأبي الأحوص ويحيى بن أبي سلمة وعامر الشعبي وغيرهم.
عن شداد بن الأزمع قال اعتكف رجل في المسجد الأعظم وضرب خيمته فحصبه الناس فبلغ ذلك ابن مسعود فأرسل إليه رجلاً فكف الناس عنه وحسَّن ذلك.[57]
قال الإمام مالك رحمه الله : الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة أو يدعها فإن كان مسجداً لا يجمع فيه الجمعة ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه فإني لا أرى بأساً بالاعتكاف فيه لأن الله تبارك وتعالى قال :( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) فعمَّ الله المساجد كلها ولم يخص شيئاً منها قال مالك : فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا يجمع فيها الجمعة.[58]
وقد بوّب الإمام البخاري رحمه الله بابا فقال:" باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها لقوله تعالى :(وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ ءَايَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)".
وفقهه رحمه الله في تبويبه فلفظة "المساجد" في الآية عام يشمل كل مسجد؛ لأن الله سبحانه عم المساجد بالذكر، ولم يخص مسجدا دون مسجد.
قال ابن حزم رحمه الله : والاعتكاف جائز في كل مسجد . وبرهان ذلك قوله تعالى :( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) فعمَّ الله تعالى ولم يخص..
أما من حدَّ مسجد المدينة وحده أو مسجد مكة ومسجد المدينة أو المساجد الثلاثة أو المسجد الجامع فأقوال لا دليل على صحتها فلا معنى لها وهو تخصيص لقوله تعالى :( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) . فإن قيل فأين أنتم عمَّا رويتموه من طريق سعيد بن منصور. : قال حذيفه لعبد الله بن مسعود قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) أو قال :( مسجد جماعة ) ؟ . قلنا : هذا شك من حذيفه أو ممن دونه ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك ولو أنه × قال :( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) لحفظه الله تعالى علينا ولم يدخل فيه شكاً . فصح يقيناً أنه × لم يقله قط.[59]
وقال الشوكاني رحمه الله -معلقاً على حديث حذيفه أنه قال لابن مسعود : لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أو قال في مسجد جماعة- بقوله: الحديث الأول أخرجه ابن أبي شيبة ولكن لم يذكر المرفوع منه واقتصر على المراجعة التي فيه بين حذيفه وابن مسعود ولفظه :( إن حذيفه جاء إلى عبد الله فقال : ألا أعجبك من قوم عكوف بين دارك ودار الأشعري يعني المسجد قال عبد الله :فلعلهم أصابوا وأخطأت ، فهذا يدل على أنه لم يستدل على ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أن عبد الله يخالفه ويجوز الاعتكاف في كل مسجد ولو كان ثم حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما خالفه وأيضاً الشك الواقع في الحديث مما يضعف الاحتجاج أحد شقيه . وقد استشهد بعضهم لحديث حذيفه بحديث أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما مرفوعاً بلفظ : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى،وهو متفق عليه ولكن ليس فيه ما يشهد لحديث حذيفة لأن أفضلية المساجد الثلاثة واختصاصها بشد الرحال إليها لا تستلزم اختصاصها بالاعتكاف وقد حكى في الفتح عن حذيفة أن الاعتكاف يختص بالمساجد الثلاثة.[60]
وقال صديق حسن خان رحمه الله : وإنما اختلفوا هل يجزئ الاعتكاف في كل مسجد ؟ أم في الثلاثة المساجد فقط ؟ أو في المسجد الحرام فقط ؟ والظاهر أنه يجزئ في كل مسجد قال تعالى :( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) ولا حجة في قول عائشة ولا في قول حذيفه في هذا الباب.[61]
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : فكل مساجد الدنيا يسن فيها الاعتكاف وليس خاصاً بالمساجد الثلاثة كما روي ذلك عن حذيفه بن اليمان ط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لااعتكاف إلا في المساجد الثلاثة "، فإن هذا الحديث ضعيف .ويدل على ضعفه أن ابن مسعود ط وهنه حين ذكر له حذيفه ط أن قوماً يعتكفون في مسجد بين بيت حذيفه وبيت ابن مسعود ط فجاء إلى ابن مسعود زائراً له وقال إن قوماً كانوا معتكفين في المسجد الفلاني فقال له ابن مسعود رضي الله عنه : لعلهم أصابوا فأخطأت وذكروا فنسيت " فأوهن هذا حكماً ورواية .أما حكماً ففي قوله :" أصابوا فأخطأت " وأما رواية :" فذكروا ونسيت "، والإنسان معرض للنسيان وإن صح هذا الحديث فالمراد به : لا اعتكاف تام أي أن المساجد الأخرى الاعتكاف فيها دون المساجد الثلاث كما أن الصلاة في المساجد فيها دون الصلاة في المساجد الثلاثة . ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى :( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) . فقوله : في المساجد ( ال ) هنا للعموم فلو كان الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد الثلاثة لقلنا : إن ( ال ) هنا للعهد الذهني ولكن أين الدليل ؟ وإذا لم يقم دليل على أن ( ال ) للعهد الذهني فهي للعموم هذا الأصل ثم كيف يكون هذا الحكم في كتاب الله للأمة من مشارق الأرض ومغاربها ثم نقول لا يصح إلا في المساجد الثلاثة فهذا بعيد أن يكون حكم مذكور على سبيل العموم للأمة الإسلامية ثم نقول : إن هذه العبادة لا تصح إلا في المساجد الثلاثة كالطواف لا يصح إلا في المسجد الحرام .
فالصواب : أنه عام في كل مسجد لكن لا شك أن الاعتكاف في المساجد الثلاثة أفضل كما أن الصلاة في المساجد الثلاثة أفضل.[62]
وقال شيخنا محمد علي آدم الأثيوبي ـ حفظه الله ـ:عندي أقرب الأقوال وأظهرها أن الاعتكاف لا يجوز إلا في مسجد تقام فيه الجماعة ،كما حققه ابن قدامة / .[63]
وخلاصة الأمر أن الاعتكاف يصح في كل مسجد تقام فيه صلاة الجماعة وليس مقصوراً على المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال.
هل يشترط الصوم في الاعتكاف:
اختلف العلماء في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف على أقوال عدة[64] ، والراجح منها أنه لا يشترط وبه قال بعض المالكية ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وابن حزم وغيرهم.[65]
قال تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد).
دلت هذه الآية على مشروعية الاعتكاف بلا صوم لإطلاقها.
وعن عمر رضي الله عنهما أنه قال:يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك فاعتكف ليلة.[66]
دل هذا الحديث على أن الاعتكاف لا يشترط فيه الصوم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أذن له في الوفاء بالنذر ،ومن المعلوم أن الليل ليس محلا للصوم، ولو كان الصوم شرطا لصحته لما أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف.
قال ابن رشد رحمه الله : والسبب في اختلافهم أن اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما وقع في رمضان، فمن رأى أن الصوم المقترن باعتكافه هو شرط في الاعتكاف، وإن لم يكن الصوم للاعتكاف قالا : لابد من الصوم مع الاعتكاف، ومن رأى أنه إنما اتفق ذلك اتفاقا لا على أن ذلك كان مقصودا له عليه الصلاة والسلام في الاعتكاف، قال: ليس الصوم من شرطه، ولذلك أيضا سبب آخر وهو اقترانه مع الصوم في آية واحدة.[67]
وعن عائشة لقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه ... وفيه ترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف العشر الأول من شوال.
وعنها لقالت : كان النبي صلى الله عليه وسلميعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلمرأى الأخبية فقال ( ما هذا ) . فأخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم( آلبر ترون بهن ) . فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال.[68]
"دل هذان الحديثان على أن الصوم ليس شرطا للاعتكاف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول ويوم العيد من العشر الأول.
1 - ما ورد أن ابن عباس ب:كان لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه.[69]
2 - أنه عبادة مستقلة بنفسها، فلم يكن الصوم شرطا فيه كالحج، والجهاد .
3 - أنه لزوم مكان معين لطاعة الله ، فلم يكن الصوم شرطا فيه كالرباط.[70]
4 - أنه لو اعتكف أكثر من يوم سمي معتكفا ليلا ونهارا ، فلو اشترط الصوم لما صح الاعتكاف بالليل.[71]
5 -أن العكوف في اللغة :الإقبال على الشيء على وجه المواظبة وهذا يحصل من الصائم والمفطر. [72]
6 - أن العاكفين على الأصنام ولها سموا بذلك بمجرد احتباسهم عليها وإن لم يصوموا فالمحتبس لله في بيته عاكف له وإن لم يصم"[73]. [74]
قال شيخنا محمد علي آدم الأثيوبي حفظه الله:قد تبين بما سبق من بيان الأقوال ، وأدلتها أن الأرجح أنه لا يشترط الصوم للإعتكاف لقوة دليله.[75]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
الحواشي :
[1] ـ "معجم مقاييس اللغة" (4/108)، مادة (عكف).
[2] ـ "لسان العرب" (9/255)، مادة (عكف).
[3] ـ "تفسير ابن جرير" (11/357).
[4] ـانظر: "المجموع"(6/468)،و"المصباح المنير"(2/424).
[5] ـ "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (5/427). وقد اختلف هل الاعتكاف والمجاورة بمعنى واحد أم لا ؟
قال العراقي / في "طرح التثريب"(4/159): وأما المجاورة فهي بمعناه صرح غير واحد من أهل اللغة والغريب بأنها الاعتكاف في المسجد منهم الجوهري في الصحاح وابن الأثير في النهاية وحينئذ فلا معنى لعطفها عليه في تبويب الشيخ / وكأنه إنما ذكرها لذكرها في حديث حراء في قوله عليه الصلاة والسلام { جاورت بحراء شهرا } وليس حراء مسجدا فلا يكون فيه اعتكاف فدل على أن المجاورة فيه ليست بمعنى الاعتكاف ، وقد قال القاضي في المشارق إنها بمعنى الملازمة والاعتكاف على العبادة والخير ولم يقيد ذلك بمسجد لكن قال بعده والجوار الاعتكاف هنا انتهى .
وقد يقال إن المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يلازمه من حراء مسجد أو يكون الحديث حجة لمن جوز اعتكاف الرجل في مسجد بيته وهو المكان أعده فيه للصلاة على ما سيأتي بيانه فلا تكون المجاورة فيه إلا في مسجد كالاعتكاف والله أعلم .
وحكى والدي في شرح الترمذي خلافا في أن المجاورة الاعتكاف أو غيره ، فقال عمرو بن دينار والجوار والاعتكاف واحد وسئل عطاء بن أبي رباح أرأيت الجوار والاعتكاف أمختلفان هما أم شيء واحد ؟ قال بل هما مختلفان كانت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فلما اعتكف في شهر رمضان خرج من بيوته إلى بطن المسجد فاعتكف فيه ، قيل له فإن قال إنسان علي اعتكاف أيام ففي جوفه لا بد ؟ قال نعم وإن قال علي جوار أيام فبابه أو في جوفه إن شاء ؛ كذا رواه عبد الرزاق في المصنف عنهما .
قال والدي وقول عمرو بن دينار هو الموافق للأحاديث انتهى وذهب أبو القاسم السهيلي إلى الثاني ، فقال في الروض إن بينهما فرقا وهو أن الاعتكاف لا يكون إلا داخل المسجد والجوار قد يكون خارجه كذلك قال ابن عبد البر وغيره .اهـ
[6] ـ أخرجه البخاري (1924)،ومسلم (297).
[7] ـ أخرجه مسلم ( 1167 )
[8] ـ "شرح العمدة" (2/708).
[9] ـ "شرح العمدة" (2/708).
[10] ـ "شرح العمدة" (2/748).
[11] ـ "زاد المعاد" (2/86-87). وانظر: "الفتاوى الهندية" (1/212)، و"الشرح الصغير" للدردير (1/259)، و"سبل السلام" (2/174).
[12] ـ أخرجه البخاري (1922)،ومسلم (1172).
[13] ـ "مسائل أبي داود" (ص96).
[14] ـ "الإجماع"( ص53).
[15] ـ "الاستذكار" (10/304).
[16] ـ "إكمال إكمال المعلم "للأبي (3/281).
[17] ـ "فتح الباري" (4/272).
[18] ـ "مسائل أحمد لأبي داود"(ص97).
[19] ـ "المبسوط" (3/114)، و"عمدة القاري" (12/140).
[20] ـ "عارضة الأحوذي" (4/3).
[21] ـ أخرجه البخاري (1928).
[22] ـ أخرجه البخاري (1932).
[23] ـ أخرجه البخاري (1936)
[24] ـ "المحلى" (5/179).
[25] ـ "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز"(15/442)
[26] ـ"الشرح الممتع"(6/510، 511).
[27] ـ انظر: "الدر المختار" (1/445)، و"القوانين الفقهية "(ص125)، و"المهذب" (1/190)، و"مغني المحتاج" (1/445)، و"الإنصاف مع الشرح الكبير "(7/566)
[28] ـ "المحلى" (5/179)
[29] ـ "المحلى" (3/412)
[30] ـ "المجموع" (6/489).
[31] ـ انظر: "المحلى" (5/179).
[32] ـ "روضة الطالبين" (2/391)، و"المجموع" (6/489).
[33] ـ "الإنصاف مع الشرح الكبير" (7/566).
[34] ـ "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/441) .
[35] ـ انظر:"فتح الباري"(4/272)
[36] ـ "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (5/430).
[37] ـ انظر: "البحر الرائق" (2/503)، و"عمدة القاري" (11/148)، و"حاشية ابن عابدين" (2/452)، و"المدونة" (2/238)، و"إكمال إكمال المعلم" (3/287)، و"الفواكه الدواني" (1/376)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (8/68)، و"الإعلام" لابن الملقن (5/434)، و"نيل الأوطار" (4/265)، و"الفروع" (3/170).
[38] ـ أخرجه مسلم ( 1167 )
[39] ـ أخرجه البخاري (1936).
[40] ـ انظر:"شرح صحيح مسلم "للنووي (8/69)، و"الإعلام" لابن الملقن (5/434)، و"نيل الأوطار" (4/265).
[41] ـ "البحر المحيط الثجاج"(22/30)
[42] ـ" الاستذكار" (10/297).
[43] ـ "المجموع" (6/323)
[44] ـ "فتاوى الصيام" (ص 502) .
[45] ـ أي : اعتزل النساء ،قال الخطابي : يحتمل أن يريد به الجد في العبادة كما يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له ، ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معا..."الفتح"(4/269)
[46] ـ أخرجه البخاري (1920)،ومسلم (1174).
[47] ـ أخرجه مسلم ( 1175 )
[48] ـ. أخرجه أحمد (762)،والترمذي (795)،وأبو يعلى (282)،وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"( 795).
[49] ـ أخرجه البخاري (1923).
[50] ـ أخرجه البخاري (1925).
[51] ـ أخرجه ابن أبي شيبة (9547)،وابن خزيمة (2175)،وإسناده حسن.
[52] ـ أخرجه البخاري (2026)، ومسلم (1172)
[53] ـ أخرجه عبدالله بن أحمد في "مسائله" عن أبيه (2/673)بإسناد صحيح .
[54] ـ أخرجه ابن أبي شيبة (9663)، بإسناد صحيح.
[55] ـ أخرجه ابن أبي شيبة (9673)، بإسناد صحيح.
[56] ـ "شرح العمدة" (2/734) .
[57] ـ أخرجه ابن أبي شيبة (9671) بإسناد صحيح.
[58] ـ "الموطأ" (1/285) .
[59] ـ "المحلى" (3/428 - 431 ).
[60] ـ "نيل الأوطار" (4/301)
[61] ـ "الروضة الندية" (2/41) .
[62] ـ "الشرح الممتع" (6/504-505 ).
[63] ـ "البحر المحيط الثجاج"(22/14).
[64] ـ اختلف أهل العلم على ثلاثة أقوال :
ـ القول الأول: عدم اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف .
القول الثاني: أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف الواجب دون التطوع.وهو مذهب الحنفية
القول الثالث: أنه شرط لصحة الاعتكاف مطلقا . وهو مذهب المالكية ، وبه قال بعض الشافعية ، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام وابن القيم.
[65] ـ انظر : "أحكام القرآن" للقرطبي (2/334).و "المستوعب" (3/478) ، و"شرح الزركشي"( 3/5 )، و"غاية المنتهى" (1/363)،و" الإقناع" (1/321) .و "الأم" (2/107) ، و"فتح الجواد" (1/301)، و"تحفة الطلاب" (1/449) .و "المحلى" (5/268 ).
[66] ـ أخرجه البخاري (1937).
[67] ـ "بداية المجتهد" (1/317 ).
[68] ـ أخرجه البخاري (1928)،ومسلم (1173).
[69] ـ أخرجه البيهقي في الكبرى 4/319، وقال: "وهذا هو الصحيح موقوف ورفعه وهم" وإسناده صحيح.
[70] ـ "الشرح الكبير" لابن قدامة (2/61)، و"تهذيب السنن" (3/348) .
[71] ـ "المحلى" (5/269) .
[72] ـ انظر : "معجم مقاييس اللغة" (4/108)، مادة (عكف).و"لسان العرب" (9/255)، مادة (عكف).
[73] ـ مابين المعكوفتين من "فقه الاعتكاف " للمشيقح (ص :
[74] ـ "شرح العمدة" (2/755 ).
[75] ـ "البحر المحيط الثجاج"(22/15)
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر ; 05 Jun 2018 الساعة 01:41 PM
بارك الله فيك أخي عبد الحميد وجزاك خيرا على هذه المقالة الطيبة في مثل هذا الوقت المناسب
الذي هو ربما مناسب إن شاء الله لأن تُنشر وتُوزع
في انتظار الحلقات الأخرى إن شاء الله.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو سلمة يوسف عسكري ; 17 Jul 2014 الساعة 09:40 AM
جزاك الله خيرا على ما تبذل وتقدم لإخوانك حرصا على نفعنا وإيصال الخير لنا وتقريب المسائل وجمعها، فأبقاك الله مفيدا لإخوانك نافعا لهم ويسر لك كل خير ووفقك له.