منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 10 Sep 2013, 08:30 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي عبداويون! ثم وهابيون!ثم ماذا؟ لا ندري. والله!بقلم الأستاذ عبد الحميد بن باديس .

عبداويون! ثم وهابيون!
ثم ماذا؟ لا ندري. والله!
بقلم الأستاذ عبد الحميد بن باديس
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرين.


لما قفلنا من الحجاز وحللنا بقسنطينة عام 32[13هـ] ([1])وعزمنا على القيام بالتدريس أدخلنا في برنامج دروسنا تعليم اللغة وأدبها والتفسير والحديث والأصول ومبادئ التاريخ ومبادئ الجغرافية ومبادئ الحساب وغير هذا ورأينا لزوم تقسيم المعلمين إلى طبقات واخترنا للطلبة الصغرى منهم بعض الكتب الابتدائية التي وضعتها وزارة المعارف المصرية وأحدثنا تغييرا في أساليب التعليم وأخذنا نحث على تعلم جميع العلوم باللسان العربي والفرنسي ونحبب الناس في فهم القرآن وندعو الطلبة إلى الفكر والنظر في الفروع الفقهية والعمل على ربطها بأدلتها الشرعية ونرغبهم في مطالعة كتب الأقدمين ومؤلفات المعاصربن، لما قمنا بهذا وأعلناه قامت علينا وعلى من وافقنا قيامة أهل الجمود والركود وصاروا يدعوننا للتنفير والحط منا (عبداويين) دون أن أكون- والله- يوم جئت قسنطينة قرأت كتب الشيخ محمد عبده([2]) إلا القليل فلم نلتفت إلى قولهم ، ولم نكترث لإنكارهم، على كثرة سوادهم وشدة مكرهم وعظيم كيدهم، ومضينا على ما رسمنا من خطة وصمدنا إلى ما قصدنا من غاية وقضيناها عشر سنوات في الدرس لتكوين نشء علمي لم نخلط به غير. من عمل آخر فلما كملت العشر وظهرت- بحمد الله- نتيجتها رأينا واجبا علينا أن نقوم بالدعوة العامة إلى الإسلام الخالص والعلم الصحيح إلى الكتاب والسنة وهدى صالح سلف الأمة وطرح البدع والضلالات ومفاسد العادات فكان لزاما أن نؤسس لدعوتنا صحافة تبلغها للناس فكان المنتقد ([3]) وكان الشهاب ([4]) ونهض كتاب القطر ومفكروه في تلك الصحف بالدعوة خير قيام وفتحوا بكتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وآله وسلم- أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، وكانت هذه المرة غضبة الباطل أشد ونطاق فتنته أوسع وسواد اتباعه أكثر وتمالأ على دعاء الحق الجمود والبدعة وعليها بنيت صروح من الجاه، ومهما جرت أنهار من المال، وأصبحت الجماعة الداعية إلى الله يدعون من الداعين إلى أنفسهم (الوهابيين) ولا والله ما كنت أملك يومئذ كتابا واحدا لابن عبد الوهاب ولا أعرف من ترجمة حياته إلا القليل و والله ما اشتريت كتابا من كتبه إلى اليوم، وإنما هي أفيكات قوم يهرفون بما لا يعرفون ويحاولون من إطفاء نور الله ما لا يستطيعون وسنعرض عنهم اليوم وهم يدعوننا (وهابيين) كما أعرضنا عنهم بالأمس وهم يدعوننا (عبداويين) ولنا أسوة بمواقف أمثالنا مع أمثالهم من الماضين.
ولما كان من سنة القرآن الحكيم التنبيه على مشابهة اللاحقين من الناس للسابقين في منازعهم وأهوائهم وكثير من أحوالهم حتى كان التاريخ يعيد نفسه بإعادة ذلك منهم وجاء ذلك في مثل قوله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* أَتَوَاصَوْا بِهِ}[الذاريات:52-53] وقوله: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}[البقرة:118] وغيرها، لما كان هذا من سنة القرآن فتحنا هذا الباب من الصحيفة تحت عنوان: (التاريخ يعيد نفسه)لننشر فيها- ما أمكننا النشر- قصصا عن حياة رجال السنة المصلحين مع دعاة البدعة المبطلين، تزيد العالم المصلح ثباتا على الحق والقاريء الصادق تبصرة في الأمر و {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف:111].
ولسنا نقصد في وضع قصصنا إلى وضع تأليف ولا نخص هذا النقل بكاتب معين أو كتاب مختص، وبين أيدينا الآن كتاب (الاعتصام)([5]) لمؤلفه علامة العقول والنقول أبي إسحاق الشاطبي([6]) المالكي المتوفى سنة 790([7])، فرأينا أن ننقل منه الفصل التالي الذي يذكر فيه أبو إسحاق ما رمي به من مثل ما رمينا به حتى كأنا في زمان واحد، قال رحمه الله: (فلما أردت الاستقامة على الطريق وجدت نفسي غريبا في جمهور أهل الوقت لكون خططهم قد غلبت عليها العوائد ودخلت على سننها الأصلية شوائب من المحدثات الزوائد ولم يكن ذلك بدعا في الأزمنة المتقدمة فكيف في زماننا هذا، فقد روي عن السلف الصالح من التنبيه على ذلك كثير كما روي عن أبي الدرداء- رضي الله عنه- أنه قال: ( لو خرج رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- عليكم ما عرف شيئا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة)([8])، قال الأوزاعي : ( فكيف لو كان اليوم) ([9])، قال عيسى بن يونس: ( فكيف لو أدرك الأوزاعي هذا الزمان)([10]).وعن أم الدرداء قالت: دخل أبو الدرداء وهو غضبان فقلت: ما أغضبك؟ فقال: (والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعا)([11]). وعن أنس بن مالك قال: (ما أعرف منكم ما كنت أعهده على عهد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- غير قولكم: لا إله إلا الله. قلنا بلى يا أبا حمزة [الصلاة]([12])؟ قال: قد صليتم حتى تغرب الشمس أفكانت تلك صلاة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- ؟)([13]) ، وعن [أنس]([14]) قال:(لو أن رجلا أدرك السلف الأول ثم بعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئا، قال: ووضع يده على خده ثم قال: إلا هذه الصلاة، ثم قال: أما والله على ذلك لمن عاش في المنكر ولم يدرك ذلك السلف الصالح فرأى مبتدعا يدعو إلى بدعته، ورأى صاحب دنيا يدعو إلى دنياه فعصمه الله من ذلك، وجعل قلبه يحن إلى ذلك السلف الصالح، يسأل عن سبيلهم ويقتص آثارهم، ويتبع سبيلهم، ليعرض أجرا عظيما، [وكذلك]([15]) فكونوا إن شاء الله)([16]).
وعن ميمون بن مهران قال: (لو أن رجلا أنشر فيكم من السلف، ما عرف غير هذه القبلة)([17]).
وعن [سهل]([18]) بن مالك عن أبيه قال: (ما أعرف شيئا مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة)([19]).

إلى ما أشبه هذا من الآثار الدالة على أن المحدثات تدخل في المشروعات، وأن ذلك قد كان قبل زماننا، وإنما تتكاثر على توالي الدهور إلى الآن.
فتردد النظر بين- أن اتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس فلا بد من حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد لا سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه هو السنة لا سواها، إلا أن في ذلك العبء الثقيل ما فيه من الأجر الجزيل- وبين أن اتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح، فأدخل تحت ترجمة الضلال عائذا بالله من ذلك إلا أني أوافق المعتاد، وأعد المؤالفين، لا من المخالفين فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة، وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئا فأخذت في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور، فقامت علي القيامة وتواترت علي الملامة وفوَّق إلى العتاب سهامه، ونسبت إلى البدعة والضلالة، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة.

وأني لو التمست لتلك المحدثات مخرجا لوجدت غير أن ضيق العطن([20]) والبعد عن أهل الفطن، رقي بي مرتقىً صعبا ، وضيق علي مجالا رحبا وهو كلام يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات [لموافقات]([21]) العادات أولى من اتباع الواضحات، وإن خالفت السلف الأول.
وربما ألموا في تقبيح ما وجهت إليه وجهتي بما تشمئز منه القلوب أو خرجوا بالنسبة إلى بعض الفرق الخارجة عن السنة شهادة ستكتب ويسألون عنها يوم القيامة، فتارة نسبت إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه، كما يعزى إلى بعض الناس، بسبب أني لم التزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار [الصلاة]([22]) حالة الإمامة، وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء.
وتارة نسبت إلي الرفض وبغض الصحابة- رضي الله عنهم- بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم، ولا ذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب.

وقد سئل (أصبغ) عن دعاء الخطباء للخلفاء المتقدمين فقال: هو بدعة فلا ينبغي العمل به، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامة. قيل [له]([23]) : فدعاؤه للغزاة والمرابطين؟ قال : (ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه وأما أن يكون شيئا[ يعمد إليه]([24]) في خطبته [أبدا]([25]) دائما فإني أكره ذلك)([26]).

ونص أيضا عز الدين بن عبد السلام على أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة ([27]).
وتارة أضيف إلي القول بجواز القيام على الأئمة [وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة] ([28])، وذكرهم فيها محدث لم يكن عليه من تقدم.

وتارة أحمل على التزام الحرج والتنطع في الدين، وإنما حملهم على ذلك أني التزمت في التكليف والفتيا الحمل على مشهور المذهب الملتزم لا أتعداه وهم يتعدونه ويفتون بما يسهل على المسائل ويوافق هواه، وإن كان شاذا في المذهب الملتزم أو في غيره.
وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك وللمسألة بسط في كتاب (الموافقات)([29]) وتارة إلى معاداة أولياء الله، وسببب ذلك أني عاديت بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة، المنتصبين بزعمهم لهداية الخلق، وتكلمت للجمهور على جملة من أحوال هؤلاء الذين نسبوا أنفسهم إلى الصوفية ولم يتشبهوا بهم.
وتارة نسبت إلي مخالفة السنة والجماعة، بناء منهم على أن الجماعة التي أمر باتباعها- وهي الناجية- ما- عليه العموم[وجماعة الناس في كل زمان و إن خالف السلف الصالح ]([30]) ، ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه والتابعون لهم بإحسان وسيأتي بيان ذلك بحول الله، وكذبوا علي في جميع ذلك وأوهموا والحمد لله على كل حال)([31]).
انتهى كلام أبي إسحاق وسننقل عنه في العدد الآتي ما ذكره من حال بعض الأئمة الذين كانوا قبله ووقع لهم ما وقع له ([32]).



=====

[1]: سنة:(1913م).
[2]: [أمّا محمّد عبده ورشيد رضا، فما ثناءُ علماء الجمعيّة عليهم وإعلانهم بأنّهم يجرُونَ على طريقتهم، إلاّ لأنّهم كانوا يعتقدُونَ فيهم أنّهم يسيرُونَ على تلك الأصول وينصرُون تلكَ الطَّريقة السّلفيّة الّتي بيّنوها ووضّحوها وأعلنُوا بها، فلو طلبنا الإصلاحَ الّذي مدحُوا به أولئك فلن نجدَ إلاّ تلك الأصول والمعالم ليس هناكَ غيرُها. فإذا جاؤوا يمدحون (عبده) فإنّهم يذكرون ثورته على التّقليد والجمود ودعاة الجمود ودعوته إلى التّجديد في أساليب التعليم والدّراسة وإصلاح الأزهر، وبهذا أخذ ابن باديس حينَ تصدّى لتكوين نشءٍ علميّ، ولأجله قاومه أهل الجمود في الجزائر كما قاوموا (عبده) في مصر، ولأجله قالوا عن ابن باديس ومن معه (عبداويُّون)، وبمثل هذا مدحَ من مدحَ (عبده) من علماء نَجْدٍ مِن معاصريه، لِمَا بلغهم من الأمور المستحسنة عنهُ. وهم حينما يمدحون (عبده) يمدحونه بالدّعوة السّلفيّة ويذكرونه بدعوته إلى تلك الأصول لا إلى غيرها، فابن باديس لمّا يكتب (الدعوة الإصلاحيّة هنا وهنالك) يقرن بين ابن عبد الوهاب وعبده، ويُقرِّرُ: (...كان هؤلاء المجاهدون كلُّهُم: (يَدعون النّاسَ إلى الرُّجُوعِ في دينهم إلى الكتاب والسُّنَّة وإلى ما كان عليه أهلُ القرون الثّلاثة خير هذه الأُمّة الّذين هُمْ أَفْقَهُ النَّاسِ فيها، وأَشَدُّهُمْ تَمَسُّكًا بِهِمَا). هذه الكلمات القليلة المحصورة بين هلالين هي ما تدعو إليه هذه الصحيفة –أي: صحيفة (الشِّهاب)- منذُ نشأتِها ويُجَاهِدُ فيه المصلِحُون مِنْ أَنْصَارِهَا. وهي ما كان يدعو إليه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله، وهي ما كان يدعو إليه الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب (رحمه الله)..)اهـ.
ولا يُغْفَلُ كون (عبده) مِن أوائل أو هُو أشهر مَن نبَّهَ على فساد المتصوِّفة في العهد الأخير، وهو الّذي كانَ «يُثْنِي في دروسه بالأزهر على الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب، ويُلقِّبهُ بالمصلح العظيم، ويُلقي تبعة وقْف دعوته الإصلاحيّة على الأتراك وعلى محمّد علي...لجهلهم ومسايرتهم لعلماء عصرهم ممّن ساروا على سنّة مَنْ سَبَقَهم مِن مؤيِّدي البدع والخرافات ومجافاة حقائق الإسلام» [كتاب البنعلي عن ابن عبد الوهاب(ص118)]، وكانوا أيضًا يمدحون (عبده) لدعوته إلى رقيّ الأمّة الإسلاميّة والأخذ بأسباب القوّة والحياة والدّعوة إلى النّهضة السّياسيّة وغير ذلك، وكانَ لعلماءِ الجمعيّة مشاركاتٌ في هذا الميدان وجولاتٌ وصولاتٌ مع الاستعمار.
أمّا لو أجرينا تطبيقًا للتّأصيل الثّاني، فإنّهم ما كانوا يُقلّدون عبده ولا رشيد رضا ولا غيرهما في ما يُخالف الأصول المذكورة، وإذا توافقوا معهما فيما هو مِن الأخطاء عند غيرهم من السّلفيّين، فهو من اجتهادهم الّذي يُخَطَّؤون فيه ولا يُتابعُونَ عليهِ، وقد تعلّمنا منهم أنّ ميزان الكتاب والسّنّة وفهم السّلف هو الحَكَم وبه تُوزنُ الأقوال والأفعال.. إلخ، وتعلّمنا منهم أنّنا لا نَتْرُكُ دِينَ اللهِ لأحدٍ، وأنّ الدِّينَ هو الحجّةُ على كلِّ أحدٍ. فلا يضرّهم ولا يَعِيبُهُم أَنْ كُنَّا نعرضُ ما يصدُرُ عنهم على هذا الميزان، والسّلفيّون اليومَ دون غيرهم يُحاكِمونَ إلى هذا الميزان سائر الشّيوخ قديمًا وحديثًا، وحتّى الشّيوخ والأئمّة في هذا العصر، ابن باز والألباني وغيرهما.
لئن قيلَ إنّ عبده كان فكره اعتزاليًّا أو كلاميًّا –مع أنّ رشيد رضا يدافع عن شيخه ويقول كان ينصر مذهبَ السَّلف-، فإنّنا لا نجدُ في تطبيقاتِ ابنِ باديس وإخوانه هذه النّزعةَ الخَلَفيَّة في الاعتقاد، بل نجدُهم يُقرّرون التّوحيدَ السّلفيّ الّذي أغفلهُ عبده في «رسالة التوحيد» متأثّرًا بدراسةٍ خَلَفيّة قديمة، تفاداها ابن باديس ومِن قبلِهِ رشيد رضا الّذي استدركَ على شيخه، ونجدُ رشيد رضا يُقرّر بقوّةٍ مذهبَ السَّلف في الصّفات وإثبات عقيدة العُلُوّ ويَرُدُّ على من يقول إنّ الإيمان بظواهر النّصوص كفرٌ ردًّا على أحد مشيخات الأزهر، وينقلُ ذلكَ كلَّهُ مُقِرًّا لهُ: ابنُ باديس في مجلّته. ولئن طغت على (عبده) نزعة عقلانيَّة يتبرّأُ منها مذهبُ السَّلَف، تورّط فيها رشيد رضا زمانًا وبدأ يتخلّصُ منها شيئًا فشيئًا، فإنّنا لا نجدُ شيئًا من ذلك في تقريراتِ ابن باديس وإخوانه، بل على العكسِ من ذلك، وجدنا خلافه، فالإبراهيميُّ عقد مقارنةً بين علماء السَّلَف وعُلماء الخَلَف، وقال يَنْعَى على عُلماء الخَلَف: «لم يَفهموه –أي: الدِّين- على أَنَّهُ عقائدُ يَتْبَعُ العَقْلُ فيها النَّقْلَ» [(4/109–114)].
ـ ولئن قيلَ: ألم يبلغ أهلَ الجزائر ما تكلَّمَ به المعاصرون لعبده من انتقاداتٍ عليهِ؟ أقول: لا شكّ أنّها تبلغهم أو يبلغهم بعضها، لكنَّها في كثيرٍ منها، كانت تصدرُ عن الحسدة، فما كانوا يقبلون شهادةَ هؤلاء على من يخاصمونه ويحسدونه، وكثيرٌ منها كان مصدره ومُشِيعُهُ الخرافيّون القبوريُّون الّّذين كانوا يعادون صاحب (المنار) وشيخه، كالنّبهاني الخرافيّ الشّهير، وهو الّذي كان يردّد بأنّ (عبده) كان يجاهر بترك الصّلاة، وقد قامت دلائلُ عند أهل الجزائر على براءته من ذلك وعلى أنّه كان من أهل الصّلاة والتمسّك بالدّين [انظر «مذكرات خير الدين» (1/88)]. أمّا الورطات الّتي دخل فيها رشيد وشيخه [انظرها في كتاب «منهج المدرسة العقليّة في التّفسير»]، فإنّنا لا نملكُ دليلاً على موقف علماء الجمعيّة منها قبولاً أو ردًّا، بل الّذي نجزم به أنّهم لم يكونوا يدعونَ إلى ذلك أو يُشهرونَ بهِ، والّذي أُرَجِّحُهُ أنّ الوضعَ في الجزائر لم يكن يسمح بإثارةِ ذلك-فالخصومة كانت شديدةً حول القطعيّات من أصول التّوحيد وكبائر الغلوّ في الاعتقاد وغيره-، وقد ثبتَ لدينا أنّ الطّرقيِّين المخرّفين كانوا يحاولون جَرَّ المصلحين في الجزائر إليها وينسبونَ تلك الشّذوذات إليهم، فما لقوا منهم إلاّ الإعراض، لأنّ هذا في نظر ابن باديس وجمعيّته –فيما يبدو- كلُّهُ تشويشٌ على الحقّ الّذي رفعه (عبده) ورشيد والّذي دعا إليه جميعُ المصلحين في العالم الإسلاميّ كما قرّره ابن باديس.
أمّا الشّيخ المكّي بن عزّوز الجزائريّ الأصل التّونسيّ النّشأة فقد أنكرَ –وهو بالمشرق- ذلك المسلك الّذي سلكه رشيد وشيخه وصرَّحَ بأنّ السّلفيَّة الحقَّةَ بريئةٌ من مسلكهما في ردّ بعض السُّنن والطّعن فيها.. إلخ، وأنكرَ ذلكَ تلاميذ رشيد رضا ومحبُّوهُ وأنصارُهُ.
وأكتفي بكلامٍ رصينٍ منصفٍ قرّره علاّمةٌ شهيرٌ من تلاميذ رشيد وهو عبد الرّزّاق حمزة خطيب المسجد النّبويّ والمدرس في المسجد الحرام في بدايات العهد السعوديّ، حيثُ يذكرُ في كتابه «ظلمات أبي ريّا»: تشكيك رشيد رضا في أحاديث أشراط السّاعة والخوارق والآيات والمعجزات، وكشفَ كيفَ رضعَ هو وشيخُهُ (عبده): «لبانَ فلسفة القرن الثّامن عشر والتّاسع عشر»، ليقول: «أنا تلميذ السّيّد رشيد رضا رحمه الله، واستفدتُ منه ما أشكر اللهَ عليه... ولكنّ ذلك لا يمنعني أن أُخالفه إلى ما يظهر لي من الحقّ»، ثمّ اعتذرَ عنهُ وعن شيخِهِ (ص236-237).
أقول: والظّنّ بالمصلحين الجزائريّين أنّهم يُنكرون على رشيد وشيخه ما هو منكرٌ، ولا يتبعونه في أخطائه وإن اعترفوا بفضلِهِ وحسن بلائه في نصرِ مذهبِ السَّلف في كثيرٍ.
نعم، ظهر في العهد الأخير وثائق تدينُ انحرافات (عبده) و(الأفغانيّ) وورطات أخرى خطيرة، لم تظهر من قبلُ، وظهرت دراساتٌ مُعمَّقةٌ تتبّعت وكشفت المستور، فلئن كانَ رأيُ السّلفيّين اليومَ في (عبده) غير رأي ابن باديس وجمعيّته فيه قبلَ اليوم، فلكلٍّ من الحُكمينِ ظروفٌ وملابساتٌ، ولا نشكُّ في أنَّها لم تظهر لهم، أو ظهرَ بعضُها فلم يثقوا بنقلِهِ أو اعتذرُوا لصاحبه أو تأوّلوهُ لهُ... إلخ.]انظر: مقال بعنوان : جمعيّةُ ابنِ باديس نَصَبَتْ مِيزَانًا هُوَ الفَيْصَلُ... فَلِمَ المُصَادَرَة يا دكتور هَمّال؟ للشيخ سمير سمراد .
[3]:كانت [أول صحيفة جزائرية بالعربية وسُميت ﺑ«المنتقد» كمرحلة معضدة قصد الدخول في التطبيق العملي لمقاومة المناهج العقدية والسلوكية التي كان ينشرها رجال التصوّفوأرباب الطُّرُق من الزوايا وأماكن الأضرحة والقبور، وقد تَغَلْغَلَ كثير من تلك الضلالات والمعتقدات الفاسدة في صفوف الدهماء والعوامّ وعند بعض الأواسط المثقّفة، وتجسّد شعارها في عبارة «اعتقد ولا تنتقد»، وقد كان اختياره لعنوان صحيفته يهدف إلى القضاء على هذا الشعار أوّلاً، وإزالة فحواه كدعوة ثانيًا، أي: تحذير الناس ممّا يحتويه الشعار من ضلالات ومفاسد مبنًى ومعنًى، وإرادة التغيير مع الالتزام بالنقد الهادف ببيان الحقيقة بِنَزاهة وصدق وإخلاص، غير أنّ هذه الصحيفة لم تعمّر طويلاً وتوقّفت بسبب المنع الصادر من قبل الحكومة الفرنسية بإيذاء خصوم الدعوة والحقّ] انظر : الإعلام بمنثور تراجم المشاهير و الأعلام للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس (ص:190-191).
[4]: جاءت [مجلة «الشهاب» خلفًا «للمنتقد» تعمل على نفس المبدأ والغاية، وتؤدّي رسالتها النبيلة بكلّ صمود، مصدّرة في الغالب بآيات مفسرة وأحاديث مشروحة إلى غاية سنة(1358ﻫ-1939م)] انظر : الإعلام بمنثور تراجم المشاهير و الأعلام للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس (ص:191).
[5]: كتاب الاعتصام كان آخر الأعمال العلمية للشاطبي، فصنفه في جزأين تضمنا عشرة أبواب ، جعل الباب الأول منها لتعريف البدع و بيان معانيها...) انظر: مقدمة تحقيق كتاب الاعتصام لمشهور آل سلمان(ص:8).
[6]: [نسبة إلى (شاطبة jativa)مدينة قديمة في شرقي الأندلس وقرطبة كانت مركزا لصناعة الورق في العهد الإسلامي.انظر: معجم البلدان لياقوت ( 3/309-310)، الروض المعطار للحميري(337)، مراصد الاطلاع للصفي البغدادي(2/774)]انظر : الإعلام بمنثور تراجم المشاهير و الأعلام للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس (ص:16).
[7]:[هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي قال عنه صاحب النيل: (الإمام العلامة المحقق، القدوة الحافظ الجليل المجتهد، كان أصوليا مفسرا فقيها محدثا، لغويا بيانيا، نضارا ثبتا، ورعا صالحا زاهدا، سنيا إماما مطلقا، بحاثا مدققا جدليا، بارعا في العلوم، من افراد العلماء المحققين الأثبات وأكابر الأئمة المتقين الثقات، له القدم الراسخ، والإمامة العظمى في الفنون فقها وأصولا وتفسيرا وحديثا وعربية وغيرها)
لازم الشاطبي ابن الفخار البيري إلى أن مات، وأخذ عن كبار أئمة زمانه منهم: أبو عبد الله المقري، وأبو سعيد بن لب، وابن مرزوق الجد، وأبو علي منصور بن محمد الزواوي، وكانت له مناظرات وأبحاث قيّمة في مشكلات المسائل مع كبار أئمة عصره أظهرت قوة عارضته وإمامته منها مسألة (مراعاة الخلاف في المذهب) له فيها بحث جليل مع الإمامين القبا وابن عرفة.
للشاطبي تآليف نافعة منها: (الموافقات) في أصول الفقه، و(الاعتصام) في إنكار البدع و(الإفادات والانشادات) و (عنوان الاتفاق في علم الاشتقاق) و(شرح كتاب البيوع من البخاري). له فتاوى كثيرة ومهمة يوجد بعضها في (المعيار) توفي رحمه الله سنة (790ﻫ-1388م)]انظر : الإعلام بمنثور تراجم المشاهير و الأعلام للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس (ص :16-17-18).
[8]: أخرجه ابن وضاح في البدع و النهي عنها برقم (161) ط.مكتبة ابن تيمية. قال : نا محمد بن سعيد ، قال : نا نعيم بن حماد ، قال نا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن حبان بن أبي جبلة ، عن أبي الدرداء به.
و فيه نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي ، أبو عبد الله المروزي ، نزيل مصر : صدوق يخطئ كثيرا [تقريب التهذيب( ص: 804) ط. الرسالة].
و [حبان بن أبي جبلة القرشي مولاهم المصري روى عن عمرو بن العاص والعبادلة إلا بن الزبير وعنه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وعبيد الله بن زحر وموسى بن علي بن رباح] . تهذيب التهذيب (1/344)ط.الرسالة. و لم يذكر أن له رواية عن أبي الدرداء و لم يذكر أن الأوزاعي روى عنه و الله أعلم.
[9]: قطعة من الأثر السابق.
[10]: قطعة من الأثر السابق.
[11]: أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصلاة : باب فضل صلاة الفجر في جماعة (650) ، و أبو داود في كتاب الزهد : من خبر أبي الدرداء رقم (210) كلاهما من طريق الأعمش.
[12]: ساقطة من الآثار و هي غير مثبتة في طبعة سليم و رشيد رضا و هي مثبتة في طبعة مشهور.
[13]: أخرجه ابن وضاح في البدع برقم( 179) ، قال : حدثني إبراهيم بن محمد ، عن حملة بن يحي ، عن نعيم بن حماد ، عن ابن المبارك ، عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، و ذكر الأثر.
و فيه نعيم بن حماد وهو ضعيف ، و أخرجه ابن المبارك في الزهد (1512) بإسناد صحيح ، و له طريق آخر عند البخاري في الصحيح ، كتاب مواقيت الصلاة ، باب في تضييع الصلاة عن وقتها (529).
[14]: كذا في طبعة سليم و رشيد رضا و الصواب (و عن الحسن ) كما أثبته مشهور، و الحسن هو البصري.
[15]: كذا في طبعة سليم و رشيد رضا ، في طبعة مشهور ( فكذلك) .
[16]: أخرجه ابن وضاح في البدع برقم (180) قال : نا محمد بن سعيد ، قال : نا أسد بن موسى ، قال : نا سفيان بن عيينة ، عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال: و ذكر الأثر.
وفيه المبارك بن فضالة ، بفتح الفاء و تخفيف المعجمة ، أبو فضالة البصري : صدوق يدلس و يسوي [التقريب (ص:731) ط.الرسالة].
[17]: أخرجه ابن وضاح في البدع ، رقم (181) من طريق العلاء بن سليمان ، عن ميمون به.
و العلاء بن سليمان ضعيف ، قال ابن عدي : (منكر الحديث ، يأتي بمتون و أحاديث لا يتابع عليها) . انظر ميزان الاعتدال للذهبي (3/101).
[18]: كذا في طبعة سليم و رشيد رضا و الصواب ( عن أبي سهيل) كما أثبتها مشهور ، و أبو سهيل هو : نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي .
[19]: الموطأ برواية يحي بن يحي الليثي ، كتاب الصلاة ، باب ما جاء في النداء للصلاة ، و ابن وضاح في البدع ، رقم (178)
وإسناده صحيح.
[20]: فلان ضيق العطن أي قليل العطاء و ضده واسع العطن أي سخي كثير المال ، قال الأنباري في الزاهر في معاني كلمات الناس (2/358) ط.الرسالة ناشرون: (قال أبو بكر معناه قليل العطاء ضيق النفس فكنى بالعطن عن ذلك والأصل في العطن الموضع الذي تَبْرُكُ فيه الإِبل إلى الماء إذا شربت وأبركوها عند الحياض ليعيدوها إلى الشرب ويقال لمواضعها التي تأويها عند البيوت الثايات واحدتها ثاية يقال ضرب القوم بعَطَن إذا رَوَوا وأرْوَوا إبلهم وضربوا له عطناً ، ويقال قد عطنت الإِبل تعطُنُ فهي عاطِنة ٌ إذا بركت في عُطنها وقد أعطنها صاحبها والقائم بشأنها يُعْطِنها إعطاناً إذا فعل بها ذلك).
[21]: كذا في طبعة سليم و رشيد رضا و في طبعة مشهور (لموافقة).
[22]: كذا في طبعة سليم و رشيد رضا ، و في طبعة مشهور (الصلوات).
[23]: ساقطة من الآثار و هي مثبتة في طبعة مشهور ، و سليم ، و رشيد رضا.
[24]: كذا و في طبعة مشهور (يجعله له) ، و في طبعة سليم و رشيد رضا (يصمُدُ) و لعل ما أثبته مشهور هو الصواب و الله أعلم .
[25]: ساقطة من الآثار و هي غير مثبتة في طبعة سليم و رشيد رضا و قد أثبتها مشهور في طبعته.
[26]: انظر المعيار المعرب للونشريسي (6/386).
[27]: فتاوى العز بن عبد السلام (ص:48) ط.دار المعرفة ، و انظر المعيار للونشريسي (6/386).
[28]: كذا في طبعة سليم و رشيد رضا و في طبعة مشهور (و ما أضافوه إليَّ إلا من عدم ذكرهم في الخطبة).
[29]: انظره في الموافقات (5/102-103-106) بتحقيق مشهور .
[30]: ساقطة من الآثار و هي غير مثبتة في طبعة سليم و رشيد رضا و قد أثبتها مشهور في طبعته.
[31]: الاعتصام (1/15-21) تحقيق مشهور ، و في الطبعة التي حققها رشيد رضا (1/25-28) ، و في الطبعة التي حققها سليم الهلالي (1/33-37) دار ابن عفان.
[32]: آثار عبد الحميد بن باديس (3/27-32).


التعديل الأخير تم بواسطة بلال بريغت ; 10 Sep 2013 الساعة 08:33 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, الوهابية, بن باديس, دعوة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013