ويروى: وصبَّحهم، بدل: فأوردتهم. تعقيب:
اعلم أن المؤلف - غفر الله له - قال عند إيراده لقوله تعالى: "ثم استوى إلى السماء": "وهذه الآية من المشكلات"، ونسب إلى الأئمة كمالك عقيدة التفويض يعني أنهم يثبتون اللفظ دون المعنى، والعجيب من أمره - غفر الله له - أنه أورد قول مالك - رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر ذلك وهو قوله: "الاستواء غير مجهول"، وقد وقع في ذلك غيره من العلماء، كقول ابن قدامة في "لمعة الاعتقاد": "وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظا وترك التعرض لمعناه"، والصحيح الذي عليه السلف الصالح أنهم يثبتون الصفات لفظا ومعنىً ويفوضون علم الكيفية إلى علم الله تعالى، والحمد لله أسماء الله وصفاته غير مشكلة بل هي واضحة المعنى، وقد فسرها الأئمة من السلف، كما جاء في "البخاري" وغيره عن ابن عباس ومجاهد في قوله تعالى: "ثم استوى إلى السماء" أن "استوى" بمعنى: علا وارتفع.
وقد غرَّ بعضهم قول الإمام أحمد رحمه الله: "بلا كيف ولا معنى" وقوله: "بلا حدٍّ ولا غاية"، قال العلامة الفوزان – حفظه الله تعالى-: المراد بنفي المعنى والحد في قول الإمام أحمد هو المعنى والحد الذي أراده أهل البدع من المؤولة والمعطلة.
واعجب – أيضا- من المؤلف - غفر الله له- إيراده قول بعضهم بأن "استوى" بمعنى استولى، مع معرفته باللغة، ومع أنه لا يوجد في اللغة استوى بمعنى استولى البتة، كما قال أهل اللغة، واعجب أخيرا من إيراده البيت المنسوب للأخطل النصراني:
قد استوى بِشر على العراق *** من غير سيف ودمٍ مُهراقِ
وقد رده الأئمة، لمخالفته لأصول أهل السنة والجماعة،وإن صح هذا البيت فمعناه: استوى بشر على كرسي الملك أي: علا عليه بعد استيلائه على ملك العراق، والنصارى قد يذكرون ما يعززون به مذاهبهم، كما نسب للأخطل أيضا:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما *** جُعل اللسان على الفؤاد دليلا
لتقرير مذهبهم في الكلام النفسي.
قال الناظم وينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -:
قُبْحا لمَنْ نَبَذَ القُرَانَ ورَاءَه *** وإذا استدلَّ يقول: قال الأخطلُ
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
تَبًّا لهَاتِيكَ العُقُولِ فَإنها *** واللهِ قَد مُسِخَت على الأبدَانِ
تَبًّا لمِن أضحَى يُقَدِّمُهَا على الـ *** آثارِ والأخبَارِ والقُرآنِ
واعجب –أيضا- من المحقق كيف يسكت على هذا الباطل، من غير أن يتكلم ببنت شفا حَيال ذلك الخبط والخلط، والله المُستعان.
وانظر - مأمورا- شرح "لمعة الاعتقاد" للشيخين: ابن عثيمين والفوزان – غفر الله لهما- و"مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام رحمه الله في قسم العقيدة لمن أراد التفصيل .
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن عومر ; 26 Mar 2014 الساعة 05:55 PM
جزاك الله خيرا أخي يوسف على هذا الموضوع، وعلى الاستدراك على المحقق؛ فلا ينبغي السكوت على الباطل، وهذا من جميل فعل المحققين إذا عقلوا ذلك.
وانظر صنيع الذهبي - رحمه الله - في تراجمه في "السير" تعلم صدق ما ذكرت.
قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)"
1- قال أبو عبيدة: "إذْ" زائدة، والتقدير: وقال ربُّك، وأنشد لأبي الجراح الأسود بن يعْفُر:
فإذ وذلك لا مَهاهَ لذِكرِه *** والدَّهرُ يُعقِبُ صالحا بفسادِ
والبيت يروى: فإذا...، ومعنى لا مهَاهَ: لا طعم ولا فضل.
وقد أنكر على أبي عبيدة هذا القولَ، الزَّجاجُ والنَّحاسُ، قال النحاس: هذا خطأ، لأنَّ "إذْ" اسم، وهي ظرف زمان، ليس مما تزاد، وقال الزَّجاج: هذا اجترام من أبي عبيدة، ذكر الله عزَّ وجلَّ خلقَ الناس وغيرِهم، فالتقدير: وابتدأ خلقَكم إذ قال، فكان هذا من المحذوف الذي دلَّ عليه الكلام، كما قال النَّمر بن تولَب:
ويروى: شبَح، ومعناه: رفع الأيدي بالدعاء.
وقال قتادة: تسبيحهم: سبحان الله، على عرف اللغة، وهو الصحيح.
7- بناء "قدَّس" كيفما تصرَّف فإن معناه: التطهير، قال امرؤ القيس:
فأدركْنَه يأخُذْنَ بالسَّاق والنَّسا *** كما شَبْرَقَ الوِلدانُ ثوْبَ المُقَدَّسِ
النَّسا: عرق يخرج من الورك، فيستبطن الفخذين، ثم يمر بالعرقوب، حتى يبلغ الحافر، وشبرق: خرَّق ومزَّق، والمقدَّس: الراهب الذي يأتي بيت المقدس، والشاعر يصف ثورا لاحقته الكلاب، فأدركته وفعلت به ما فعلت.
8- "أَعْلَم" فيه تأويلان، قيل: إنه فعل مستقبل، فتكون "ما" في موضع نصب، وقيل: إنه اسم بمعنى: فاعل، فتكون "ما" في موضع خفض، كما يقال: الله أكبر بمعنى: كبير، قال معن بن أوس:
لعمرُك ما أدري وإنِّي لأوجَلُ *** على أيِّنا تعدو المنيَّة أوَّلُ
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن عومر ; 28 Mar 2014 الساعة 10:49 PM
الناسُ أخيافٌ وشتَّى في الشِّيَمْ *** وكلُّهُم يجمعهم وجهُ الأَدَمْ
ويروى: يجمعهم بيت الأدم.
فـ "آدَم" مشتَقٌّ من الأديم والأدَم، لا من الأُدْمَة.
2- "هؤلاء" لفظ مبني على الكسر، ولغة تميم وبعض قيس وأسَد يقولون: "هؤلا" بالقصر، قال الأعشى:
فائدة:
قال خُوَيْز مَنْداد: في هذه الآية دليل على أنَّ اللغة مأخوذةٌ توقيفًا، وأنَّ الله علَّمها آدم – عليه السلام – جملةً وتفصيلا، وهذا قول الحبر ابن عباس.
وأن أوَّل من تكلَّم باللغات كلِّها من البشر آدمُ – عليه السلام -، ويشهد له قوله تعالى: " وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا"، واللُّغات كلُّها أسماء، وقال ابن عباس: "علَّمه أسماء كلِّ شيء".
قوله تعالى: "قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)"
1- قال قوم "الحكيم": المانع من الفساد، ومنه سُمِّيتْ حَكَمَة اللِّجام، لأنَّها تمنع الفرسَ من الجرْي والذَّهاب في غير قصد، قال جرير:
أبني حنيفةَ أَحْكِموا سفهاءكم *** إنِّي أخاف عليكمُ أن أغضبا
أي: امنعوهم من الفساد.
وقال زُهير:
القائدُ الخيلَ منكوبا دوابرُها *** قد أُحكمتْ حَكُماتِ القِدِّ والأبقا
القِد: الجلد، والأبق: القُنَّب وهو ضرب من الكتان.
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "والواجب على من سئل عن علم أن يقول إن لم يعلم: "الله أعلم"، و"لا أدري"، اقتداء بالملائكة والأنبياء والفضلاء من العلماء، ولكن أخبر الصادق أنَّ بموت العلماء يُقبَض العلم، فيبقى ناس جهَّال يُستفتَوْن، فيُفتون برأيهم، فيَضلون، ويُضلون"اهـ.
وكان علي - رضي الله عنه – يقول: "وابَرْدَها على الكبد!" ثلاث مرات، قالوا: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: "أن يُسأل الرَّجلُ عمَّا لا يعلم، فيقول: الله أعلم".
وقال أبو سهل الهيثم بن جميل: شهدتُ مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنين وثلاثين منها: لا أدري.
وروى يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت ابنَ وهب يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: "ما في زماننا شيء أقلَّ من الإنصاف"، قال ابن عبد البر: "من بركة العلم وآدابِه الإنصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهَّم".
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "هذا في زمن مالك، فكيف في زماننا الذي عمَّ فيه الفساد، وكثُر فيه الطَّغام، وطُلب فيه العلم للرِّياسة لا للدِّراية، بل للظُّهور في الدُّنيا، وغلبة الأقران بالمراء والجدال الذي يقسِّي القلبَ ويورث الضِّغن، وذلك مما يحمل على عدم التَّقوى، وتركِ الخوفِ من الله تعالى" اهـ.
وقال يزيد بن عبد الملك:
إذا ما تحدَّثتُ في مجلسٍ *** تناهى حديثي إلى ما علمتْ
ولم أعدُ علمي إلى غيرهِ *** وكان إذا ما تناهى سَكَتّْ
وقال سعيد بن جبير: "قدأحسنَ من انتهى إلى ما علِمَ" رواه مسلم.
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن عومر ; 29 Mar 2014 الساعة 06:55 PM
بِجَمْع تضِلُّ البُلْقُ في حَجَراته *** ترى الأُكْم فيها سُجَّدًا للحوافر
البلق: جمع أبلق وبلقاء، والبَلَق: سواد وبياض،وارتفاع التحجيل إلى الفخذين، الأُكم: الجبال الصِّغار، والحجرات: جمع حَجْرة، وحجرة القوم: ناحية دارهم.
و"أَسْجدَ": إذا طأطأ رأسه، قال حميد بن ثور:
فلما لوَيْن على مِعْصَم *** وكفٍّ خَضيبٍ وإسوارها
فُضُول أزِمَّتِها أَسْجدَتْ *** سجودَ النصارى لأربابها
معناه: لما ارتحلن ولوين فضول أزمّة أجمالهن على معصمهن أسجدت الجمالُ لهنَّ، وطأطأت رؤوسها ليركبنها.
وقال الشاعر وأنشده أبو عبيدة لأعرابي من بني أسد:
*** فقلنَ له أسجدْ لليلى فأسجدَا ***
يعني: البعيرَ إذا طأطأ رأسَه.
ودراهم الإسجاد: دراهِمُ كانت عليها صور كانوا يسجدون لها، قال الأسود بن يعفر:
من خمرِ ذي نَطَفٍ أغنَّ مُنَطَّقِ *** وافى بها لدَراهمِ الإسجاد
قلت: والسجود لا يكون إلا لله تعالى، لأن السجود عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله تعالى، قال تعالى: "يا مريم اقنتي لربِّك واسجدي" أي: لربِّك، وقوله: "فاسجد واقترب" أي: لربِّك، وأما سجود الملائكة لآدم - عليه السلام - فهو تعظيم لشأنه ولم يكن سجود عبادة لآدم - عليه السلام - وإنما كان عبادة لما كان أمرًا من الله تعالى، وأما سجود إخوةِ يوسف ليوسف - عليه السلام - فهو تحية وكان جائزا في شرعتهم، وضلَّ مباحا إلى عصر النُّبُوَّة ولما قال صحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: نحن أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل الشارد قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينبغي أن يُسجَد لأحدٍ إلا لربِّ العالمين"، ولما قدم معاذ - رضي الله عنه - من الشام، رآهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم، فسجد لرسول - الله صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تفعل ..." الحديث.
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "وهذا السجود المنهي عنه قد اتَّخذه جُهَّال المتَصوِّفة عادةً في سماعهم، وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم، فترى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه، يسجد للأقدام لجهله، سواء للقبلة أم غيرها جهالة منه، ضلَّ سعيهم وخابَ عملهُم"اهـ.
2- وقد جاء الاستثناء المنقطع في قول الشاعر:
ليس عليك عطشٌ ولا جوعْ *** إلا الرقادَ والرُّقادُ ممنوعْ
3- والملائكة قد تسمى جِنًّا، لاستتارها، قال تعالى: "وجعلوا بينه وبين الجِنَّة نسبا"، وقال الأعشى في ذكر سليمان – عليه السلام -:
وسخَّر من جِنِّ الملائكِ تسعةً *** قياما لديه يعملون بلا أجرِ
4- "كان" بمعنى "صار"، ومنه قوله تعالى: "فكان من المُغرَقين"، قال ابن الأحمر:
ألا ليت شعري هل أبيتَنَّ ليلةً * صحيح السُّرى والعيسُ تجري عروضُها
بتيْهاء قَفْرٍ والمَطِيُّ كأنَّها *** قطا الحَزْنِ قد كانتْ فِراخا بُيُوضُها
أي: صارت، وقطا الحزن: قطا ما غلظ من الأرض، أضاف القطا إليه لأنه قليل الماء، فيكون قطاه أكثر عطشا.
قال ابن فُورَك: "كان" بمعنى: صار، خطأ ترُدُّه الأصول، لأن الله قد علم منه الكفر.
قال أبو عبد الله القرطبي –رحمه الله -: وهذا صحيح، لقوله – صلى الله عليه وسلم – في "صحيح البخاري": "وإنَّما الأعمال بالخواتيم" اهـ.
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "فإذا كانت خطيئة الرجل في كِبْر فلا تَرْجُهْ، وإن كانت خطيئته في معصية فارجُهْ، وكانت خطيئة آدم – عليه السلام –معصية، وخطيئة إبليس كِبْرا" اهـ.
قال قتادة: "حسد إبليس آدم، على ما أعطاه الله من الكرامة، فقال: أنا ناريٌّ وهذا طينِيٌّ، وكان بدء الذُّنوب: الكِبْرُ، ثم الحرص حتَّى أكل آدم من الشَّجرة، ثم الحسد إذْ حسد ابنُ آدم أخاه" اهـ.
التعديل الأخير تم بواسطة يوسف بن عومر ; 05 Apr 2014 الساعة 12:24 AM
ويروى: قد أقامها.
2- معنى الإخبال: يقال أخبلتُ فلانا: إذا أعرته ناقةً يركبها، أو فرسا يغزو عليه، قال زهير:
هنالك إن يُسْتَخْبَلوا المالَ يُخْبِلوا *** وإن يُسألوا يُعطوا وإن يَيسَروا يُغلوا
ومعنى: ييسروا يُغلوا أي: أنهم إذا قامروا بالميسر يأخذون سمان الجُزُر، فيقامرون عليها لا ينحرون إلا غالية.
3- ولا يجوز: اسكن وزوجك، ولا: اذهب وربُّك في قوله تعالى: "اذهبْ أنت وربُّك فقاتلا"، إلا في ضرورة الشعر، عمر بن أبي ربيعة:
فـ "زُهْر" معطوف على المضمر في "أقبلت" ولم يؤكَّد ذلك المضمر، ويجوز في غير القرآن على بُعد: قُمْ وزيدُ.
والزُّهر: جمع زهراء، وهي البيضاء المشرقة، وتهادى: تمشي مشي الرويد الساكن، والنعاج: بقر الوحش، والملا: الفلاة الواسعة، وتعسَّفن: سِرنَ بغير هداية، وإذا مشين في الرمل كان أسكن لمشيها، لصعوبة ذلك.
4- قال – صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ المرأة خُلقت من ضِلَع" متفق عليه، قال حاجب بن دينار ويقال: ابن ذبيان:
هي الضِّلَع العوجاءُ لستَ تُقيمها *** ألا إنَّ تقويم الضُّلوع انكسارها
أتجمع ضَعفا واقتدارا على الفتى *** أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
5- الرَّغد: العيشُ الدَّارُّ الهَنِيُّ الذي لا غناء فيه، قال امرؤ القيس:
بينما المرءُ تَراه ناعما *** يأمَنُ الأحداثَ غي عيشٍ رَغَدْ
فائدة: حَيْثُ، وحِيثَ وحِيثِ، وحَوْثُ وحَوْثَ وحَوْثِ، وحاثَ، كُلُّها لغاتٌ.
6- الظُّلم: أصله وضع الشيء في غير موضعه، والأرض المظلومة: التي لم تُحفَرْ قطُّ، ثمَّ حُفِرت، قال النابغة:
وقفتُ فيها أُصَيْلالًا أُسائلُها *** عَيَّتْ جوابا وما بالرَّبْع من أحدِ
إلا الأواريَّ لأْيًا ما أُبيِّنها *** والنُّؤيُ كالحوض بالمظلومة الجَلَدِ
أصيلالا: تصغير أُصْلان جمع أصيل، والأواري: جمع آريّ، وهو محبِس الدَّابة، واللأي: الشدة والإبطاء، والنؤي: حفيرة حول الخباء لئلا يدخله ماء المطر، والجَلَد: الأرض الصلبة.
ويسمى التراب الناشئ من الحفر: الظليم، قال الشاعر:
فأصبح في غبْراء بعد إشاحَةٍ *** على العيش مردودٍ عليها ظليمها
وإذا نُحر البعيرُ من غير داءٍ به فقد ظُلِم، قال ابن مقبل:
عاد الأذلَّةُ في دار وكان بها *** هُرْتُ الشَّقاشق ظلَّامون للجُزُرِ
واللَّبن مظلوم وظليم، إذا سُقِي قبل أن يروب ويُخرَج زُبْدُه، قال الشاعر:
وقائلةٍ ظلمتُ لكم سِقاءي *** وهل يخفى على العَكِدِ الظَّليمُ
العكد: السَّمين، ورجل ظلِّيم: شديد الظُّلْم.والظُّلم: الشِّرك، قال الله تعالى: "إنَّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عظيمٌ".
7- يقال في "هذه": "هذي"، و"هذِ"، و"هاتا"، و"تا"، قال الشاعر في "تا":
خليليَّ لولا ساكنُ الدَّار لم أُقِمْ *** بـ "تا" الدَّارِ إلَّا عابرَ ابنَ سبيلِ
فائدة:
قال ابن بطال – رحمه الله -: "وقدحكى بعض المشايخ أنَّ أهل السنة مجمعون على أنَّ جنَّة الخُلد هي التي أُهبِط منها آدمُ – عليه السَّلام – فلا معنى لقول من خالفهم" اهـ، يعني: قول المعتزلة والقدرية بأن الجنة التي أهبط منها هي جنة بأرض عَدَن. قلت: والدليل ما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم – قَالَ: "حَاجَّ مُوسَى آدَمَ، فَقَالَ: لَهُ أَنْتَ الذي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُمْ، قَالَ: قَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى أَنْتَ الذي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ أتلومُني عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يخلقَني أَوْ قَدَّرَهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يخلقَني"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". رواه البخاري ومسلم وأحمد.
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "وقولهم: كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرةَ الخُلد وهو في دار الخلد؟ فيُعكَس عليهم، ويقال: كيف يجوز على آدم وهو في كمال عقله أن يطلب شجرة الخُلد في دار الفناء؟! هذا ما لا يجوز على من له أدنى مُسْكَة من عقل، فكيف بآدم الذي هو أرجح الخلق عقلًا!" اهـ.
قوله تعالى: " فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)"
1- في قراءة العامة: "أزَلَّهما": أي أوقعهما في الخطيئة، وقرأ "حمزة": "أزالهما" من: الزَّوال، وقد قيل: إن معنى "أزلَّهما" من: زلَّ عن المكان، إذا تنحَّى، كقراءة "حمزة"، من الزَّوال، قال امرؤ القيس:
يُزلُّ الغلامَ الخِفَّ عن صَهَواتِه *** ويُلْوي بأثوابِ العَنيفِ المُثَقَّلِ
وفي ديوانه: يُطيرُ الغلامَ...
وقال – أيضا -:
كُمَيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عن حال مَتْنِه *** كما زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالمُتنزِّلِ
كميت: أحمر اللون، وقيل: أملس المتن سهله، والحال: موضع اللبد من ظهره، والصفواء: الصخرة الملساء، والمتنزل: الموضع المنحدر.
2- في "الطبقات" لابن سعد: أن سعد بن عُبادة - رضي الله عنه – وُجِد ميِّتا في مُغتسله وقد اخضرَّ جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدًا:
قد قتلنا سيِّد الخَزْ *** رَجِ سَعْدَ بنَ عُبادهْ
ورميناه بسَهْمَيْـ *** ـنِ فلم نُخْطِ فُؤادَهْ
3- المتاع: ما يُستمتع به من أكل ولُبس، وحياة وحديثٍ، وأُنس، وغير ذلك، ومنه سُمِّيت مُتعة النِّكاح، لأنها يُتمتَّع بها، وأنشد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (ت:99هـ) حين وقف على قبر ابنه أيُّوب إثر دفنه:
وقفتُ على قبرٍ غَريبٍ بقَفْرَةٍ *** متاعٌ قليلٌ من حبيبٍ مفارقِ
4- الحينُ: الوقت البعيدُ، فحينئذٍ تبعيدٌ من قولك: الآن، قال خُويلِد بن مرَّة أبو خِراش الهذَلي:
لقِف الحوضَ لَقْفا: أي تهوَّر أسفله واتَّسع، كابي الرَّماد: عظيم الرَّماد، والمُنهِل: يعني أنهل إبله، أي: سقاها أوَّل سقيةٍ.
وربَّما أدخلوا التاء على "حين"، قال أبو وَجْزَةَ يزيد بن عبيد السعدي المدني الشاعر الثقة (ت:130هـ):
العاطفون تَحينَ ما من عاطفٍ *** والمُطعمون زمان أين المُطعمُ
ويأتي الحين في اللغة بمعنى: المدَّة، والساعة، والقطعة من الدَّهر، والأجَل، والسَّنة، وستة أشهر، وغدوة وعشِيًّا، واسمٌ للوقت،
وحان حينُ كذا: أي قَرُبَ، قالت بُثَيْنَة بنت حبأ بن ثعلبة، صاحبة جميل، ترثيه:
وإنَّ سُلُوِّي عن "جميلٍ" لساعةٌ *** من الدَّهر ما حانتْ ولا حان حينُها
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "ولم يقصدْ إبليس – لعنه الله – إخراجه منها، وإنما قصَد إسقاطه من مرتبته، وإبعاده كما أُبعِد هو، فلم يبلغ مقصِده، ولا أدرك مراده، بل ازداد سُخْنةَ عينٍ، وغيظَ نفسٍ، وخيبَةَ ظنٍّ، قال الله جلَّ ثناؤه: "ثمَّ اجتباهُ فتاب عليْه وهَدى"، فصار - عليه السَّلام – خليفةَ الله في أرضه بعد أن كان جارا له في داره، فكم بيْن الخليفة والجار؟"اهـ. قلت: فمن حاول إسقاط الأنبياء والعلماء من الصحابة وغيرهم ففيه شبه كبير بإبليس اللعين والله أعلم.
وقال - رحمه الله -: "وقال بعض علمائنا: في قوله تعالى: "إلى حِينٍ" فائدةُ بشارةٍ لآدم – عليه السَّلام – ليعلم أنه غير باقٍ فيها، ومنتقِلٌ إلى الجنَّة التي وُعد بالرُّجوع إليها، وهي لغير آدم دالَّة على المعاد فحَسْبُ، والله أعلم"اهـ.
قوله تعالى: "فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)"
1- قوله تعالى: "فتاب عليه" فذكر آدم - عليها السلام - ولم يذكر حوَّاء – عليها السلام – فقيل: إنَّه مثلُ قوله تعالى: "وإذا رأوا تجارةً أو لهوا انفضُّوا إليها" أي: التجارة، لأنها كانت مقصودَ القوم، فأعاد الضَّمير عليها، ولم يقلْ: إليهما، وقال عمرو بن أحمر الباهلي:
رمَاني بأمرٍ كنتُ منه ووالدي *** بريئًـا ومن فوقِ الطَّوِيِّ رماني
ويروى: ومن أجل الطوي، ويروى: ومن جُول الطوي، والجُول: جدار البئر، والطوي: هي البئر المطوية بالحجارة.
وفي التنزيل: "واللهُ ورسولُه أحقُّ أن يُرْضُوه" فحُذِف إيجازا واختصارا.
2- وأدغم أبو عمرو في رواية السُّوسِي الهاءَ في الهاءِ من قوله: "إنَّه هُّوَ" وأجاز سيبويه حذف الواو الواقعة لفظا بين الهاءين، وأنشد للشَّمَّاخ بن ضرار الذُّبياني:
له زَجَلٌ كأنَّهُ صَوْت حادٍ *** إذا طلب الوَسيقَةَ أو زَميرُ
الزَّجل: صوت فيه حنين وترنُّم، والوسيقة: أنثى الحمار، الزمير: المزمار.
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله -: "اعلمْ أنَّه ليس لأحد قُدرة على خلق التَّوبة، لأنَّ الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بخلق الأعمال، خلافًا للمعتزلة ومَن قال بقولهم، وكذلك ليس لأحدٍ أن يقبَل توبةَ مَن أسرف على نفسه، ولا أن يعفُوَ عنه، قال علماؤنا: وقد كفرت اليهود والنَّصارى بهذا الأصل العظيم من الدِّين، اتَّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله جلَّ وعزَّ، وجعلوا امن أذنب أن يأتي الحَبْرَ أو الرَّاهب، فيُعْطيه شيئًا، ويحطَّ عنه ذنوبه، افتراءً على الله، قد ضلُّوا وما كانوا مهتدين" اهـ.
قوله تعالى: " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)"
1- قد يُطلق اسم الثَّمن على ما لم يكن ثمنا، قال عمر بن أبي ربيعة:
إن كنتَ حاولتَ ذنبا أو ظَفِرتَ به *** فما أصبتَ بترك الحجِّ من ثمنِ
ويروى: حاولت دنيا، ويروى: فما أخذت.
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله – في قوله تعالى: " وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)" قال: "وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول من فَعَل فِعْلَهم، فمن أخذ رِشْوةً على تغير حقٍّ أو إبطاله أو امتنع من تعليم ما وجب عليه أو أداءِ ما علِمه، وقد تعيَّن عليه حتَّى يأخذ عليه أجرًا فقد دخل في مقْتَضى الآية، والله أعلم ، وقد روى أبو داود عن أبى هريرة قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلَّم علما ممَّا يُبْتغى به وجهُ الله - عزَّ وجلَّ - لا يتعلَّمه إلَّا ليُصيب به عرضًا من الدُّنيا لم يجدْ عَرف الجنَّة يوم القيامة" يعني: ريحها" اهـ.
قوله تعالى: " وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)"
1- الَّبْس: الخلط، لَبَستُ عليه الأمرَ ألبِسه: إذا مزجتَ بيِّنَه بِمُشْكِلِه، وحقَّه بباطِلِه، قال الله تعالى: "وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ"، وفي الأمر لُبْسة، أي: ليس بواضح، ومن هذا المعنى: قولُ عليِّ رضي الله عنه للحارث بن حوط: "يا حارثُ إنَّه مَلبوسٌ عليك، إنَّ الحقَّ لا يُعرفُ بالرِّجال، اِعرف الحقَّ تعرفْ أهلَه".
وقالت الخنساء أم العباس تماضر بنت عمرو بن الشَّريد رضي الله عنها:
ترى الجليسَ يقولُ الحقَّ تَحْسَبُهُ *** رُشدا وهيهاتَ ما به التبسَ
صدِّقْ مقالته واحْذرْ عداوتَه *** والبِسْ عليه أمورا مثل ما لَبَسا
إذا ما الضَّجيع ثنى جِيدها *** تَثَنَّتْ عليه فكانت لِباسا
وقال الأخطل:
وقد لبست لهذا الأمر أعصُرَه *** حتى تجلَّل رأسي الشّيبُ فاشتعلا
واللَّبُوس: كلُّ ما يُلبَس من ثياب ودِرع، قال الله تعالى: "وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ"، ولابستُ فلانا حتى عرفتُ باطنه، وفي فلانٍ مَلبَس، أي: مستمتَعٌ، قال امرؤ القيس:
ألا إنَّ بعد العُدْم للمرء قِنْوة *** وبعد المَشيبِ طولَ عُمرٍ ومَلبسا
القنوة: ما اقتنيتَ من شيء فاتَّخذتَه أصلَ مال.
ولِبْسُ الكعبة والهودج: ما عليها من لِباس، بكسر اللام.
2- الباطل في كلام العرب: خلاف الحقِّ، ومعناه: الزَّائل، قال لبيد:
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ *** وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ
قلت: وهي أصدق كلمة قالها شاعر.
وبطَل الشيءُ يبطُل بُطْلا وبُطولا وبُطلانا، وأبطلَه غيره، ويقال: ذهب دمُه بُطْلا، أي: هَدْرا، والباطل: الشيطان، والبَطَل: الشُّجاع، سُمِّي بذلك، لأنه يُبطِل شجاعة صاحبه، قال النابغة:
لهم لِواءٌ بأيدي ماجدٍ بطَلٍ *** لا يقطع الخَرْقَ إلا طرفُه سامي
ويروى: بكفِّي ماجد.
والمرأة بطلة: وقد بَطُل الرَّجل – بالضَّمِّ – يبْطُل بُطولَةً وبَطالةً، أي: صار شجاعا، وبَطَل الأجيرُ – بالفتح – بِطالةً، أي: تعطَّل، فهو بطَّالٌ.
فائدة:
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله – في قوله تعالى: " وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" قال: "ودلَّ هذا على تغليظ الذَّنب على مَن واقَعَه على عِلم، وأنَّه أعصى من الجاهل".