منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 02 Jun 2017, 07:47 AM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي شهادةُ ميلادِ لفظِ « الرّجعيّة » و شهادةٌ تاريخية قديمة للسّلفيّين .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده

وبعد :
فهذه قطعة نفيسةٌ استللتُها من كتاب : أسمار و أباطيل ، للأديب الأريب محمود شاكر رحمه الله تعالى .
يتناول فيها رحمه الله لفظة « الرّجعيّة » تأريخا و استقصاء و يُميط البرقع و يسفر عن كنه الحقيقة ، فجادت يمينه الباذلة بهذه الشّذرة النفيسة ، لتقمعَ لفظةً لقيطة خسيسة . و كان تناوله لموضوعها شهادةَ وفاةٍ لذلك الادّعاء و النسبة ، بتجليته الحقيقة عن شهادة الميلاد ، للفظٍ و مصطلحٍ ، ينبزُ به السلفيةَ خصومُها ، و تُلُقِّيَ بالقَبول في أمة غابت عنها فهومها . و معها شهادة للصّراع الدّائر بين السّلفيّين و المبتدعة منذ قرابة القرن ، و أنّ أهل الحقّ كانوا أقوى الفريقين و أثبتَهم .
و هي بالمناسبة دوحةٌ أدبيةٌ غنّاء ، و غَيْضَة فنّيّةٌ ملتفّة الأغصان ، يغتبط بها اليقظان ، و ينتفع بها الوسنان ، فاقرأ قراءة متأنٍّ لا عجلان .

قال رحمه الله تعالى : ( و ما دام الأمر قد جرني إلى ذكر الألفاظ و وضعها في غير مواضعها ، و استفساد معانيها بفساد المقاصد التي تكمن ورائها ، فلا بد لي أن أعود إلى لفظ سلف في مقالتي الماضية ، و هو اللفظ الذي استخدمه « أجاكس عوض » و استخدمه المسمى « سامي داود » ، و كلاهما يضمر في هذا اللفظ معنى بعينه ، إذ جعل العموم تورية عن الخصوص ، و كلاهما سيء المقصد في هذه التورية ، لأنه يريد أن يشفي غليل صدره من شيء و إن ساق كلامه مساق ثور إغريقي محارب ، أو مساق مؤرخ وديع يكتب ذكرى ساءته ، فبقي منها شُفافة ألفت ظلها الكئيب على بعض كلامه !! و نفس الإنسان وعاء للخير و الشر ، و لكنه يستطيع بالعقل الورِع الذي نسميه نحن المسلمين « الدين » أن يصرع شيطان عقله بالتقوى . بيد أن هذا الأمر قلما يحسنه إلا من ألف تسبيح الله و تحميده و تنزيهه ، و إسلام وجهه إليه ، منيبا إليه ضارعا ، مستعينا به مخلصا ، و عندئد يعلم أن أسوأ الخُلق ارتكاب التورية طلبا لشفاء الغليل ، فإنه عندئذ يكون غشاشا مخادعا لئيم الطباع .
و هذا اللفظ الذي أشرت إليه ، هو لفظ « الرجعية » فكلاهما استخدمه ، و أحدهما شرحه شرحا فيه مغالطة ظاهرة ، لا تنفي و لا تثبت ، و الآخر تركه غفلا بلا شرح ، و لكنه ظاهر الدلالة ، لمن عرف الحادثة التي رواها هذا المؤرخ المُحتَجِنُ من أخبار التاريخ ما فيه بيان واضح ، لينقله إلى الناس مظلما غامضا غير مفهوم ، و حسبك بهذا سوءا و منقصة و خيانة للأمانة . و لكيلا أدع لأحد علي سبيلا ، ينبغي أن أؤرخ لهذا اللفظ ، كيف أتى ؟ و من أين أتى ؟ و ما معناه ؟ لأن هذه الألفاظ المبهمة التي لا يجد لها الإنسان حدا ، شديد الضرر . و لكن يؤسفني أن أكثر الذين يلجأون إليها ، إنما هم القوم الذين يدعون « الثقافة » و يدعون « الاتجاه العلمي » ، و يدعون « الدقة العلمية » ، و يدعون « المنهج » ، و يدعون ما شئت من الزيف الذي لا حدود له . فأنت إذا شئت أن تستقصي معنى « الرجعية » في كلام من يتكلمون و يهضبون و يثرثرون ، و قعت في مثل « ردغة الخبال » من الحيرة في فهم المراد منها ...
و قد رأيته من الخير أن أتتبع تاريخ هذه اللفظة ، بقدر ما تحتمله ذاكرتي . و قد كنت خليقا ، أو كانت هذه الأمة خليقة أن تعمد إلى هذه الألفاظ المستحدثة ، فتعرف تاريخ مجيئها إلى استعمال أهل اللسان العربي ، و من أول من استعملها ؟ و لم استعملها ؟ و في أي غرض كانت تقال ؟ و أي زيادة لحقت معناها الأول ؟ و ذلك لا يتم إلا بتتبع الصحف و الكتب ، و استخراج المواضع التي ذكرت فيها مؤرخة . و إذا فعلنا ذلك عرفنا مصادر هذا اللفظ ، و حددنا معانيه في زمن بعد زمن ، و أدركنا أثر استعماله في تجلية المعاني ، أو زيادتها غموضا و فسادا ، و لكن هذا شيء لا أستطيع بيانه في أسطر قلائل ، فمن الخير أن أنصرف عنه إلى ما أريد .
و « الرجعية » لفظ يألفه الناس اليوم ، على غموضه المتلف للفهم ، المؤدي إلى اختلاط الإدراك ، الممهد لكل ذي هوى أن يبلغ إلى هواه باستعماله ، لأنه يحمل معنى من معاني الفساد في مفهومه الغامض .
و لكني شهدت مولده قديما ، فمن المفيد أن أسجل بعض تاريخه بلا تحيز ، حتى يتحرى القارئ لنفسه إذا قرأه ، و يتجنه الكاتب الذي يريد الإفهام دون الإبهام .
كنا يومئذ في زمان صراع ، و ذلك منذ نحو من خمسين سنة ، نشأت طفلا في صراع ثقافي و صراع اجتماعي ، و صراع فكري ، و صراع ديني ، و صراع سياسي ، و كان لكل صراع طابعه و ألفاظه و كتابه و جماهيره ، قلّت أو كثرت ، و تمادت بي الأيام حتى عقلت ، و ذلك في مطلع الثورة التي شملت مصر و السودان في سنة 1919 م ، و أظن أنه قد بقي في ذاكرتي شيء من الألفاظ التي كانت تدور في الصراع الضخم ، و لكني لا أجد بينها لفظ « الرجعية » ، و لا أعيه كان ظاهرا يومئذ ، أي في سنة 1919 و ما قبلها ، إلا أن يكون شيئا نادرا لا يكاد يستقيم أو يستبين ، أو لا يكاد يستقيم أو يستبين لي أنا على الأقل . و لكني أذكر أن أكبر صراع كان قائما يومئذ بين أهل هذا الدين ، أعني الإسلام ، كان يستخدم لفظا اشتقته الكتاب ، أو أوتوا به على النسبة إلى « السّلف » ، فكانت طائفة كبيرة تسمي نفسها « السّلفيّون » ، و هو لفظ يراد به رجوع أصحابه إلى سيرة « السلف » من أصحاب رسول الله ﷺ و من تبعهم على الحق في العقيدة ، و في تجريد الإيمان من شوائب الشرك ، و في العمل بالسنة ، و في إحياء منهج « السّلف » في الرجوع إلى الكتاب و السنة دون سواهما ، و كان للسلفيين ظهور و غلبة في فترة من الفترات ، و كان أكثرهم من أهل الحمية و الجد و الثبات و الإخلاص في القول و العمل ، و إن شابهم من ينتسب إليهم ، و يدعي دعواهم ، و لكنه لا يقوم مقامهم ، و لا يلتزم التزامهم ، بل ربما خالفهم ، و أقام على البدع و سوغها و جعلها من سنة السلف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و عاصر هذا الصراع صراع آخر بين الحضارة الغازية ، و هي الحضارة الأروبية المسيحية الوثنية ، و بين بقايا الحضارة الإسلامية العربية المتمثلة في السلفيين و أهل البدع ، و أهل الأهواء من كل لون و نحلة . و كان هذا الصراع قائما في الميادين كلها ، في الميادين الاجتماعية و الفكرية و الثقافية و الدينية و السياسية جميعا ، و كان محرك هذا الصراع ،الغازي المحتل بمدارس و فرائضه التي فرضها علينا في مجتمعنا برمته ....
إلى أن قال : ... فنشأ من بين هذا الصراع بين الحضارة الغازية ، و بقايا الحضارة الإسلامية العربية التي ذكرتها، جيل دخل في الصّراع الدّينيّ بين السّلفيين ومن ناوأهم من أهل البدع والأهواء، ولكنّه تكلّم في الشئون التي هي عند المسلمين "دين" بلسان آخر غير لسان أهل هذا الدّين من سلفيين ومبتدعة، وأدرك الذين كانوا يقودون حركة الصّراع بين الحضارتين أنّ أقوى الفريقين المتصارعين من سلفيين ومبتدعة هو فريق السلفيين، لا من حيث كثرتهم وغلبتهم، بل من حيث القوّة التي تشتمل عليها دعوتهم؛ لأنّها تؤدي إلى إعادة بناء لغة الأمّة، إذ لا معنى للانتساب إلى طريقة "السّلف" إلّا بأن يتملّك السلفيّ ناصيّة اللّغة وآدابها تملكا يمكّنه من الاستمداد المباشر من القرآن والسنّة على نفس النّهج الذي كان السّلف يستمدّون به من القرآن والسنّة في آدابهم وأخلاقهم وثقافتهم وفقههم وعلمهم وتفكيرهم، في سائر ما يكون به الإنسان حيّا رشيدا قادرا على بناء الحضارة؛ ولأنّها تؤدي أيضا إلى اتّخاذ سمت نابع من القرآن والسنّة، تكون به حضارة الكتاب والسنّة ممثّلة في رجال يغدون بين النّاس ويروحون، ويغضبون ويرضون، ويتنازعون ويصطلحون، ويعيشون عيشة كاملة ممثّلة لخلاصة الرّحلة الطّويلة العميقة في استنباط طريق للحياة الإنسانية الصّحيحة، من الفطرة التي جعلها الله كامنة في الطّبيعة البشرية، ومطويّة في هذا التّنزيل المعجز الذي جاء من عند الله وهو القرآن وفي جوامع الكلم التي أوتيها نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم مبينا عن كتاب الله ومفصّلا لجمله وهو "الحديث"؛ وهذه الفطرة هي التي ذكرها الله سبحانه في سورة الروم فقال: ﴿فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرة الله التي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون﴾
فهذه القوّة التي اشتملت عليها دعوة السّلفيين كانت مصدرا لمخاوف الاستعمار والتبشير، فأرادوا أن يقاوموا هذه الدّعوة، القليل عدد أصحابها، والذين هم مع قلّتهم يصارعون جمهورا غالبا من المبتدعة يؤيدهم إلف العامّة -و هم الكثرة- ما عندهم من البدع المنكرة التي ينكرها السّلفيون أشدّ الإنكار؛ فعمدوا إلى بثّ فكرة قريبة إلى النّفوس سريعة إليها تؤيدها جميع الظواهر؛ وهي أنّ السلفيين قوم متشدّدون يريدون أن يرهقوا النّاس بما لا طاقة لهم به من التّكاليف. وهذه المهارة في إدراك الوسائل التي تقاوم بها الأفكار كانت معروفة مدروسة في دوائر الاستعمار والتّبشير، وإن كان كثير منّا لا يزال غافلا عنها غير قادر على إدراك المحيط الذي تستعمل فيه هذه الوسائل، وذلك لما طبعنا عليه المستعمرون والمبشّرون من التّهاون والغفلة وقلّة الصّبر على جلاد الفكر ومعاناته والتّغلغل به إلى غاياته البعيدة المغرقة في البعد.
فمن معسكر الصّراع بين الحضارة الغازية وبين الحضارة الإسلامية أو بقاياها يومئذ، ظهرت كلمة "السّلفيين" مقرونة بتبغيضها إلى العامّة وتصويرها في صور منكرة تكرهها النّفوس؛ لأنّها تشقّ عليها. ثمّ بدأت الكلمة تدخل في محيط الصّراع الاجتماعي، فمن أوّل ما أذكر من ذلك أنّ التّالف الكريه "سلامة موسى" -صنيعة المبشّر "ويلككس"- كان أكثر النّاس استعمالا للفظ "السلفيين" للدلالة على التّأخر والتّشدّد والتّخلّف، في مقابل الدّعوة التي أرسله يعوي بها من اصطنعوه...
و لكنّ هذه اللّفظة كانت شديدة على الألسنة لا تلين بها كلّ اللّين، فبعد قليل ولا أدري كيف كان ذلك -لأنّ الأمر يعتمد على التّتبع التّاريخي للعبارات يوما بيوم وشهرا بشهر كما أسلفت- بعد قليل رأينا لفظ "الرّجعيين" يحلّ محل "السّلفيين" فجأة، وهو لفظ سهل على لسان العامّة وغير العامّة، وإذا بنا نراه مستعملا على ألسنة ضرب من الكتّاب؛ أمثال التّالف الغبيّ "سلامة موسى" من صبيان التّبشير وسفهائه الذين يسافهون عنه، وعلى ألسنة أصحاب الصّحف من نصارى لبنان المقيمين في مصر والمستولين على صحافتها كلّها يومئذ. ثمّ لم نلبث إلّا قليلا حتى رأينا هذا اللّفظ ينتقل للدلالة على الحياة الإسلامية كلّها، واشتقّ له مصدر هو "الرّجعية" يستعمله الكتّاب إذا أرادوا التّورية عن الإسلام، تهربا من أن تنالهم تهمة الطعن في دين الدّولة. )
أسمار و أباطيل [ص399/404]

كانت هذه هي الدرّة اليتيمة التي آثرت أن أتحفكم بها ، و لولا الموانع ، لأتبعتها بغيرها ، و لكن المخيض صرح عن الزبد ، و أنّ هذه اللّقيطة لا لها في العربية سَبَدٌ ولا لَبَدٌ * .
و هكذا تعلم أن جهود المصلحين اليوم من مشايخنا و علمائنا ، و دفاعهم عن أمتهم و دينهم و وطنهم و لغتهم ، عمل مستمر ، قد سبقهم إليه الأوائل ، كما أن المفسدين لهم سلف طالح به يقتدون و سيرته ينتهجون .

و الله الموفق و هو الهادي إلى سواء السبيل

و هذه القطعة مدرجة ضمن موضوع بعنوان (كلمات كتبت قبل خمسين سنة ، تصلح أن تكون تطعيما لجيل اليوم) و معها شذرات أخرى من نفس الكتاب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
* ماله سَبَدٌ ولا لبد بفتح الباء فيهما أي قليل ولا كثير والسَّبَدُ من الشعر واللبد من الصوف (مختار الصّحاح)


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي ; 02 Jun 2017 الساعة 08:09 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02 Jun 2017, 08:09 AM
عبد الباسط لهويمل عبد الباسط لهويمل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2017
الدولة: الجزائر
المشاركات: 96
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي أبا عاصم على هذا المقتبس اللطيف ، والمفيد ، وفعلا إن صوغ أهل الأهواء والخصومات والمقالات الفاسدة لمصطلحاتهم أو النبز الذي اتخذوه وقاية وتقية للطعن في ثوابت هذه الأمة وأصولها المتينة لأمرٌ يستوجبُ التوقف عنده ، والتأمل فيه ، وكما ذكرت أن خلَفَ هذه الأمة المرابطون عند حدودها والذابون عن أصولها الدّخن والدّخل هم بذلك حلقة وصل بأسلافهم الصالحين ، وكذلك الأمر بالنسبة للخَلْفِ المارق عن الشريعة وضوابطها ، بل منهم الطاعنين تارةً بالإلحاد ، وتارةً بالمُحدثاتِ ، فهم حلقة وصل بأسلافهم وأبائهم الغاوين والمتنكبين عن صراط المستقيم .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03 Jun 2017, 12:34 AM
أبو عاصم مصطفى السُّلمي أبو عاصم مصطفى السُّلمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2016
المشاركات: 607
افتراضي

سُعدت بمرورك و تعليقك الطّيب أخي عبد الباسط ، فجزاك الله خيرا و أحسن إليك
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مسائل, الرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013