مَنْقَبَة الصدع بالحق

[أبو ياسر أحمد بليل]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
يعلم كل مسلم حصيف أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم وأجل وأشرف وظائف الدين ، بل هي أصل من أصوله ، كيف لا وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين
ومن هنا أن الخيرية لهذه الأمة مرهونة بالقيام بهذه الشعيرة العظيمة التي هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال جل وعلا: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ .
يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره بعد أن ساق جملة من الأثار قال : " حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " كنتم خير أمة أخرجت للناس "، يقول: على هذا الشرط: أن تأمرُوا بالمعروف، وتنهوا عن المنكر وتؤمنوا بالله .
قال السيوطي رحمه الله في كتابه الدر المنثور : " وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية {كنتم خير أمة أخرجت للناس} الآية. ثم قال: يا أيها الناس من سرَّه أن يكون من تلكم الأمة فليؤدِّ شرط الله منها " .
قال أبي الحسن الماوردي البصري رحمه الله : " (كنتم خير أمة أخرجت للناس ) فإن قيل: فَلِمَ قال: (كنتم خير أمة) ولم يقل: أنتم خير أمة؟ ففيه أربعة أجوبة :
أحدها: أن الله تعالى قد كان قدم البشارة لهم بأنهم خير أمة ، فقال: ( كنتم ) يعني إلى ما تقدم في البشارة ، وهذا قول الحسن البصري. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ).
والثاني: أن ذلك لتأكيد الأمر لأن المتقدم مستصحب وليس الآنف متقدما ، وذلك مثل قوله تعالى: وكان الله غفورا رحيما .
والثالث: معناه خلقهم خير أمة.
والرابع: كنتم خير أمة في اللوح المحفوظ. " تفسير الماوردي
وعليه فإن الصَّدْع بالحق سنَّة قائمة منذ خلَق الله الخلق إلى أن يأتي الله بأمره ولا يحابي فيه إلا جبان أو بائع دينه بعرض من الدنيا
أما السني السلفي فيقول كلمة الحق ويصدع بها ولا يخاف في الله لومة لائم مع التلطُّف في القول، والحكمة في التصرُّف وعدم التعجل وركوب أمواج الفتن بإسم التغيير .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه ( أو شهده أو سمعه ) " .السلسلة الصحيحة .
يقول العلامة الألباني رحمه الله معلقا عليه في السلسلة الصحيحة :
" و في الحديث : النهي المؤكد عن كتمان الحق خوفا من الناس ، أو طمعا في المعاش .
فكل من كتمه مخافة إيذائهم إياه بنوع من أنواع الإيذاء كالضرب و الشتم ،
و قطع الرزق ، أو مخافة عدم احترامهم إياه ، و نحو ذلك ، فهو داخل في النهي
و مخالف للنبي صلى الله عليه وسلم ، و إذا كان هذا حال من يكتم الحق و هو يعلمه
فكيف يكون حال من لا يكتفى بذلك بل يشهد بالباطل على المسلمين الأبرياء
و يتهمهم في دينهم و عقيدتهم مسايرة منه للرعاع ، أو مخافة أن يتهموه هو أيضا
بالباطل إذا لم يسايرهم على ضلالهم و اتهامهم ؟ ! فاللهم ثبتنا على الحق ،
و إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين " .
الصدع بالحق يحتاج إلى قوة وإخلاص يقول الإمام الذهبي – رحمه الله – في شأن محنة إمام أهل السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله - : (الصدع بالحق عظيم، يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به، والقوي بلا إخلاص يخذل، فمن بهما كاملاً، فهو صديق، ومن ضَعُف فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب، وليس وراء ذلك إيمان، فلا قوة إلا بالله) سير اعلام النبلاء
وجاء أيضا في السير" أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كان رجلاً ليناً، لكن رأى الناس يجيبون ويعرضون عن الحق، عندئذ ذهب اللين، وانتفخت أوداجه واحمرت عيناه " .
وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان يقرر عقيدة السلف الصالح، ويجاهد بلسانه وسنانه طوائف الزيغ والانحراف، فيرد على أهل الأهواء والبدع ، يصدع بالحق ويناظر الصوفية وأهل الكلام وكل ذلك من أجل بيان الحق وتبليغه للخلق .

ثبتنا الله وإياكم على الحق وجعلنا من الصادعين به الذابين عنه


كتبه أبو ياسر أحمد بليل