منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 10 Jul 2021, 07:07 PM
أبو البراء خالد أبو البراء خالد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 59
افتراضي نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات (ردا على فركوس)



نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات

الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:

فهذه مشاركةٌ في الرد على كتابات د. محمد فركوس في جواز الإنكار العَلَني على ولاة الأمور بضوابطَ ذكَرَها، ونسبتِه هذه المقالة إلى مذهب السلف وأنها هي الموافقة للمعقول والمنقول.
إن إنكار المقالات المحدثة واجب ديني لا يجوز التأخر عنه لمن قدر عليه، لا سيما إذا صدرت ممن يُظنُّ به العلم ويلبس مقالته لباس القول القائم على الأدلة والقواعد الشرعية، فإن السكوت عنها يُصيّرها سنة متبعة، وهكذا تموت السنن وتحل البدع والمحدثات محلها.
هذه المسألة اشتُهر المنعُ فيها عن علماء أهل السنة في هذا العصر، حتى نُسبوا بسببها إلى مداهنة الحكام والعَمالة لهم، وحتى نُبزوا بعلماء البَلاط وعلماء السلاطين، فشهرة هذه المسألة عن أهل السنة تغني عن الاستدلال لها، وهي جارية عندهم مجرى العلامة عليهم كما كان المسح على الخفين علامة عليهم في بعض الأوقات حتى أدخله الطحاوي في ضمن عقيدته.
إن مسائل الإمامة مسائل عظيمة تترتب عليها آثار جليلة في الأمة، ولذلك وجب أن تؤخذ عن أئمة العلم والدين الذين أجمعت الأمة على هدايتهم ودرايتهم، ولا تؤخذ عمن دونهم ممن لا يحقق مقالة أهل السنة في مسائل مشهورة أكثروا من بيانها وتوضيحها فضلا عن غيرها من المسائل الخفية التي هي محل إشكال واشتباه بسبب ما فيها من التشبيه والتلبيس، فالدكتور معلوم عنه قلة اشتغاله بعقيدة أهل السنة وضعف تحقيقه لمسائلها، ولذلك يغلط في أمور واضحة لا يغلط فيها من له اشتغال وفهم في العقيدة، وحتى لا يُظنّ أني أجازف فيما أقول فسأضرب بعض الأمثلة من كتاب واحد في باب من أشهر أبواب مسائل الاعتقاد وهو كتاب "إمتاع الجليس في شرح عقائد الإيمان لابن باديس" وموضوعه توحيد الأسماء والصفات.
هذا الكتاب نشره أوّلا سنة 1433هـ/ 2012م ووقع في بعض الأخطاء الظاهرة ولما نُبّه عليها أخرج الكتاب مرة أخرى سنة 1435هـ/ 2014م أي بعد نحو سنتين لكن بقيت فيه أمور أخرى تدل على حاله في معرفة العقيدة السلفية وتحقيقها.
من ذلك أنه ذكر (ص 56) من الطبعة الأولى أن قدرة الله تعالى تتعلق بالممتنعات ثم عدّلها في الطبعة الثانية ونقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في أن الممتنع ليس بشيء ولا تتعلق به القدرة، لكنه لم يفهم المراد فقال معلّقا (ص 74): "علما بأن الله سبحانه غير عاجز عن إيجادها لكن لا تليق به"، فهذا كلام من لم يفهم المسألة أصلا، وإلا فإن الممتنع لا يقال إن الله قادر عليه ولا عاجز عنه، وهذا هو معنى عدم تعلق القدرة بها، وليس معناه أنها لا تليق بالله، ثم ما الفرق بين أن يكون قادرا عليها أو غير عاجز عنها؟ المعنى واحد، وإنما حذَف كلمة "قادر" وعوّضها بعبارة مطابقة لها وهي "غير عاجز"!
ومن ذلك أنه نقل (ص 77) عن الجرجاني تفسير مشيئة الله تعالى بأنها "عبارة عن تجلي الذات والعناية لإيجاد المعدوم وإعدام الموجود" وهذا كلام الأشاعرة -والجرجاني منهم- وغيرهم من الصفاتية الذين ينكرون قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى، ولذلك فسَّر المشيئة بأنها تجلي الذات، وهي عند أهل السنة صفة من صفات الله تعالى المتعلقة بأفعاله وليست تجليا لذاته سبحانه.
ومن ذلك أنه فسّر (ص 126) اسم الله "الأحد" بأنه الفرد الذي لا يتجزأ ولا ينقسم ولا يُثنى ولا يقبل الانقسام، وهذا كلام نفاة الصفات من الجهمية والأشعرية وغيرهم، ومرادهم بهذا التفسير نفي صفات الله تعالى، إذ يدَّعون أن إثبات الصفات يلزم منه الانقسام، ومع شهرة هذه الحجة عن النُّفاة وعناية أهل السنة، ومنهم الإمامان الأحمدان أحمد بن حنبل وأحمد ابن تيمية، بنقضها وبيان المعنى الصحيح لاسم الله "الأحد"، إلا أن الدكتور يقرر دليلَ النُّفاة المعطلة في كتاب يزعم أنه يشرح به عقيدة أهل السنة!
هذه بعض الأمثلة، وفي الكتاب مواضع أخرى مجموعها نحو العشرة، وليس المقصود تتبع زلاته وعثراته، ولكن الغرض حلُّ عقدة التعصب، ليعلم من يتعصب لقوله في هذه المسألة وغيرها حالَه في مسائل ظاهرة من أبواب الأسماء والصفات، فينظر لنفسه هل يأخذ عنه مسائل الاشتباه وقضايا النزاع والافتراق؟
شروعًا في المقصود أقول:

لقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم والعرب قبائل متفرقة يقتل بعضهم بعضا لا يدينون بالطاعة ولا يخضعون لسلطان، ولما كان الإسلام لا يقوم إلا بجماعة والجماعة لا تستقيم إلا بإمامة والإمامة لا تثبت إلا بسمع وطاعة، شدّد الشرع في السمع والطاعة لولاة الأمر، ونقل النبي صلى الله عليه وسلم العرب من التفرق والتشرذم إلى لزوم الجماعة والسمع والطاعة، وكان يأخذ على الناس البيعة بذلك، ويقول: ’’من مات وليس في عنقه بيعة مات مِيتة جاهلية‘‘ [أخرجه مسلم]، أي على حال الجاهلية قبل مجيئ الإسلام، ولما كان هذا هو شأن الإمامة في الدين وأنها لمصلحة الإسلام وعزّ المسلمين جاءت مجموعة من الأحكام التي تحفظ سياجها وترعى حرمتها، ومن ذلك تحريم الخروج على ولاة الأمر ولو جاروا، لما في الخروج عليهم من المفاسد العظيمة المعلومة، من سفك الدماء وضياع الأموال وزوال الأمن وغير ذلك، وإذا حرُم الخروج عليهم حرُم ما يؤدّي إليه من التشهير بأخطائهم وإظهارها على الملأ، لما في ذلك من إيغار الصدور عليهم وتجريء الغوغاء عليهم، وإنّ أول فتنة وقعت في الأمة كانت من جرّاء فتح هذا الباب حتى قُتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ووقع السيف في الأمة إلى يوم القيامة، قال العلماء: كان سبب مقتل عثمان رضي الله عنه الكلام في أخطاء وعيوب الأئمَّة علنًا [المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم للشيخ ابن باز، 23، وأشار إليه أيضًا ابن الملقن في التوضيح، 19/180]، وهذا المعنى تأكد وتأيّد بحديث عياض بن غَنْم الفهري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ’’مَنْ أراد أن ينصح لسلطان بأمرٍ فلا يُبْدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه له‘‘، وهو حديث مشهور رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الشيخ الألباني، ورأيت بعضَ الناس يضعفه بسبب أن أمثل طرقه يرويه شريح بن عبيد الحضرمي عن عياض بن غَنم، ولا يُعرف له سماع منه كما أشار الهيثمي، لكن للحديث طرقا أخرى يتبين منها أن الواسطة بينهما هو جبير بن نفير، ولذلك قال الحافظ ابن عساكر: "وهو محفوظ من حديث جبير" [تاريخ دمشق، 47/266]، وقد صحّ معناه عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم:
1. أسامة بن زيد رضي الله عنه: في الأثر المشهور المخرّج في "الصحيحين" أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلّمه؟ فقال: "إنَّكم لترون أنّي لا أكلمه إلَّا أُسمعكم، إنّي أكلمه في السرّ دون أن أفتح بابًا لا أكون أوَّلَ من فتحه"، يشير إلى ما في الإنكار على الولاة علنا من المفاسد والمضار ولو كان يذهب إليه ويكلمه ثم يخبر الناس فمن باب أولى وأولى لو كان ينكر أمام الناس والإمام غائب.
2. عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: قال سعيد بن جُهمان البصري: أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر، فسلمت عليه، قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جُمْهان، قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة، قال: لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار، قال: قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بل الخوارج كلها. قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: "ويحك يا ابن جُمهان! عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، ‌إن ‌كان ‌السلطان ‌يسمع ‌منك فأته في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلّا فدعه، فإنك لست بأعلم منه". [أخرجه أحمد في "المسند" بإسناد جيّد، وصححه الضياء في "الأحاديث المختارة"، 13/110-111].
3. عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس: آمر إمامي بالمعروف؟ قال: "إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت ولا بدّ فاعلا ‌ففيما ‌بينك ‌وبينه ولا تَغْتَب إمامك" [أخرجه سعيد بن منصور، 746، وابن أبي شيبة، 38462، والبيهقي في شعب الإيمان، 7186، وإسناده حسن].
4. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة: قال عبد الله: "إذا أتيت الأمير المؤمَّر فلا تأته على رؤوس الناس" [أخرجه سعيد بن منصور، 850، وابن أبي شيبة، 38463، وفيه "عبد الله" من غير نسبة، وجزم محقق سنن سعيد أنه ابن مسعود فأعله بالانقطاع، ويحتمل أنه ابن عمرو، فقد سمع منه خيثمة].
هؤلاء ثلاثة أو أربعةٌ من الصّحابة صحّ عنهم صريحًا المنع من إظهار الوعظ والنصح لولاة الأمر، وهذا يدل على عنايتهم بهذه المسألة وشهرتها بينهم، والمعنى في ذلك واضح وهو سد باب الفتن وعدم التسبب إليها، ولذلك عدّ العلماء ترك الخروج على الولاة وإعلان النكير عليهم من باب ما حرم سدا للذريعة، وبناء على الحديث والآثار والقواعد قرر علماء السنة أن منهجَ أهل السنة وطريقةَ السلف في هذا هي الإسرار بالمناصحة لولاة الأمر.
أما الدكتور فإنه حمل حديثَ عياض بن غَنم على حالة التمكن من المناصحة سرًّا وجعَلَه خاصا بهذه الصورة، وقال: "أمَّا إذا لم يُمكِنْ وَعظُهُم سِرًّا في إزالةِ مُنكرٍ وقَعوا فيه علنًا، وغَلَبَ على الظَّنِّ تحصيلُ الخيرِ بالإنكارِ العَلَني مِنْ غيرِ تَرَتُّبِ أيِّ مفسدةٍ فإنَّه يجوزُ - والحال هذه - نصيحتُهم والإنكارُ عليهم عَلَنًا"، وزعم أن هذا هو مقتضى الجمع بين الأدلة، مع أنه ليس في الأدلة ما يعارض هذا الحديث، بل النصوص العامة والقواعد الشرعية وآثار السلف وتقريرات العلماء كلها تؤيد الحديث وتعضده.
وقد نظرت فيما تمسك به الدكتور في معارضة الحديث فوجدتها لا تخرج عن ثلاثة أوجه:
إما عموم مخصوص غير متناول لمحل النزاع.
وإما دليل خاص، حديث أو أثر، خارج عن محل النزاع، يحمله هو على ما في نفسه ويفسّره بما يوافق مذهبه.
وإما ليس دليلا أصلا، مثل كلام بعض العلماء ممن أخطأ الصواب في هذا الباب.
وهل رُدّت السنن إلا بمثل هذه المسالك، يترك الرجل صريح السنة وما يوافقها من النصوص وآثار السلف وتقريرات العلماء ويتمسك بالمتشابه من القول.
هذا من حيث الإجمال، وسأبيّنه بشيء من التفصيل.
1- الاحتجاج بالعمومات:
احتجاجه بعمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير صحيح، وهو من جنس احتجاج الخوارج على الخروج على الحكام بهذا الأصل، والمعتزلة خوارج في هذا الباب، ولهذا جعلوا من أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعنون به الخروج على ولاة الجور تمسُّكا بعمومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أن اعتبار مصلحة النهي عن المنكر هنا ملغًى في اعتبار الشرع، لأنه مناقض للغرض الذي شُرع من أجله الحكم، إذ الشرع منع من الخروج على الحكام لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة وما ينجم عنه من الشرور الكبيرة، فليس لأحد أن يفتات على الشرع ويدَّعي وضع ضوابط لتجويز الخروج على الحكام عند رجاء المصلحة وأمن المفسدة ما دام الشرط الذي وضعه صاحب الشرع -وهو الكفر البواح- غير موجود، فكذلك القول في مسألتنا، سدَّ الشرع باب الإنكار العلني على الولاة من أجل منع المفاسد المترتبة عليه، فليس لأحد أن يستدرك على الشرع ويدَّعي جواز ذلك بضوابط يذكرها، فالشرع حسم هذا الباب وحكم بأن المفسدة أرجح من المصلحة المرجوة، وقد قسَّم ابن القيّم مسائلَ سد الذرائع في الشريعة إلى أربعة أقسام، الذي يتعلق بما نحن فيه منها هو القسم الثالث، وضابطه: الوسيلةُ التي وُضعت في الأصل لتُفضيَ إلى أمر جائز أو مستحب لكنها تفضي غالبا إلى مفسدة أرجح من المصلحة المرجوة منها، وذكر لهذا القسم أمثلةً عديدة، منها: النهي عن سبّ آلهة المشركين، ونهي المؤمنين في مكة عن الانتصار باليد، وكفُّ النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين، والنهي قطع الأيدي في الغزو، وتحريم الخروج على ولاة الجور وقتالهم، [أعلام الموقعين، 4/4-43]، وكل هذه المسائل وسيلتُها هي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع ذلك هي ممنوعة، لأن مصلحة الأمر والنهي فيها ملغاةٌ لمعارضتها مفسدة أرجح منها، ولا يقال في شيء منها إنها جائزة عند أمن المفسدة، لأن الشرع حكم بأنها مُفضيَة إلى مفسدة أرجح غالبًا، وما يظنُّه بعض الناس مصلحة هو عينُ الوسيلةِ التي نهى عنها الشَّرع لما تتضمَّنه من الإفضاء إلى المفسدة الراجحة، وبهذا يُعلم أن القول بجواز الإنكار العَلَني إذا أُمنت المفسدة مناقضٌ لمقصود الشارع ومخالف لقواعده.
إذا علمت هذا، فاعْجَب من كون الدكتور لم يكتف بتقرير الجواز المعارض للنصوص والقواعد بل ذهب بالمسألة إلى أن جعل امتثال الأمر النبوي بترك التشهير بالولاة يؤدِّي إلى ترك العمل بالنَّصِّ عند انتفاءِ عِلَّةِ التَّرْك مع عدمِ اطِّرادها، وقال: "وهذا -بلا شكٍّ- يخالف المنقولَ ومُقتضَيَاتِ المعقول"، فانظر كيف جعل التمسك بالسنة والآثار والقواعد الشرعية وما صرح العلماء بأنه مذهب أهل السنة والجماعة جعله كلَّه مخالفًا للمعقول والمنقول!!
وقوله: "ترك العمل بالنَّصِّ عند انتفاءِ عِلَّةِ التَّرْك مع عدمِ اطِّرادها" يعني به أن العلة غير المطردة تمنع من التمسك بالنص عند انتفائها، وهذا غير صحيح على إطلاقه، بل هو إطلاق باطل مخالف لإجماع العلماء، لأن القاعدة أن العلة إذا كانت خفية أو غير منضبطة أُنيط الحكم بسبب العلة لا بالعلة نفسها، ويبقى الحكم معلَّقا على السبب ولو انتفت العلة ولم تطَّرد.
وأوضحُ مثال على ذلك: السفر، فإن علة القصر هي المشقة الحاصلة بالسفر، وقد أجمع العلماء على أن السفر يبيح القصر ولو لم تكن فيه مشقة كالسفر المريح بالطائرات ونحوها، فهنا انتفت العلة ولم تطّرد ومع ذلك بقي الحكم معلقا على السبب باتفاق العلماء، لأن العلة غير منضبطة، وفي تقرير هذا يقول الشاطبي: "فليس للمشقة المعتبرة في التخفيفات ضابط مخصوص ولا حدٌّ محدود يطرد في جميع الناس، ولذلك أقام الشرع في جملة منها السبب مقام العلة، فاعتبر السفر لأنه أقرب مظان وجود المشقة" [الموافقات، 1/485].
ومثاله أيضا: الخلوة بالنساء محرمة لا تجوز ولو أُمنت المفسدة في نظر بعض الناس، ولهذا لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول على النساء قيل له: أرأيت الحمو يا رسول الله؟ فقال: "الحمو الموت"، وكثير من الأقارب الآن يتساهلون في الخلوة مع النساء بسبب ظنهم انتفاء الفتنة، وقد وقع بسبب ذلك من المفاسد ما الله به عليم، فالشرع هنا علّق الحكم بالسبب وهو الخلوة التي يحضرها الشيطان وتنعقد معها أسباب الفتنة، ولا يقال إنه إذا أمنت المفسدة جازت الخلوة، لأن المفسدة هنا غير منضبطة ولا يمكن الجزم بانتفائها، فلذلك يُعلق الحكم على سببها وهو مطلق الخلوة، وكذلك في مسألتنا هذه، لا يمكن الجزم بانتفاء العلة، لأنها علة غير منضبطة، فقد يظن الرجل أن لا مفسدة من كلامِه عن أخطاء الحكم علنًا فيأتي غيرُه ويستغل كلامه استغلالًا مفضيا إلى المفسدة، وقد يُقدّر شخصٌ أمنَ المفسدة في موضعٍ يرى غيره أنها غير مأمونة، وقد يميل بعض الناس إلى التشديد في أشياء ويرى غيرهم السكوت عنها أولى، ولذلك لم يعلق الشرع الحكم بالمصلحة والمفسدة التي يختلف الناس في تقديرها، وإنما علَّقه بالسبب المفضي غالبا إليها، فيبقى الحكم قائمًا ولو زعم زاعمٌ وظن ظانٌّ أن المفسدة منتفية، وقد حكى الآمدي [الإحكام، 3/255] الإجماع على صحة تعليل الأحكام بالأوصاف الظاهرة المنضبطة، أي سبب الحكم، إذا كانت مشتملة على احتمال الحكم، وبهذا تظهر مجازفة الدكتور ومخالفته للإجماع في إطلاق القول بأن التمسك بالحكم مع عدم اطراد العلة مخالف للمنقول والمعقول، ويظهر أيضًا بعدُه عن الصواب وتنزيلُه القواعد في غير محلها الصحيح.
2- أدلة خارج محل النزاع أو يحملها على ما لا تدل عليه:
من الطرق الخاطئة في الاستدلال والتي نبه العلماء إلى أنها من مسالك أهل الأهواء في الاستدلال هي استعمال ألفاظ مجملة محتملة وتنزيل النصوص عليها لتوجيهها إلى ما لا تدل عليه، وهو مراد الإمام أحمد بقوله في وصفهم: "يتكلمون ‌بالمتشابه ‌من ‌الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم"، قال ابن تيمية في شرح عبارته هذه: "هذا الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة، وتلك الألفاظ تكون موجودة مستعملة في الكتاب والسنة وكلام الناس، لكن بمعان أخر غير المعاني التي قصدوها هم بها، فيقصدون هم بها معاني أخر، فيحصل الاشتباه والإجمال" [درء التعارض، 1/222].
وقد وقع الدكتور في هذا المزلق، ذلك أن كلمة "الإنكار العلني" تحتمل ثلاثة وجوه:
أحدها إنكار المنكر علنًا من غير تعرض للحاكم.
الثاني إنكار المنكر على الإمام والرد عليه وهو يسمع.
الثالثة الإنكار على الولي علنًا وهو غائب.
والدكتور يتكلم إجمالا وينتقل من وجه إلى آخر من غير أن يحرر موضع كلامه ولا مكان استدلاله، فيأتي بنص أو أثر في الإنكار على الحاكم وهو حاضر ويستدل به على الإنكار وهو غائب، ويأتي بالأثر في إنكار مسألة فقهية ويحمله على الإنكار على الولي في غيبته.
لقد ساق الدكتور عددا من آثار الصحابة ليحتج بها على تجويز الإنكار على ولي الأمر في غيبته، مع أنه يمكن توجيهها بما لا تعارض فيه مع النصوص والقواعد، قال الشيخ علي ناصر فقيهي، وهو من العلماء المعاصرين المحققين لعقيدة أهل السنة، في كتابه "البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة" (ص 44): "أما الوقائع العينية مع الولاة والأمراء فما صح منها فإنه كان نصيحة للأمير مباشرة عند ظهور مخالفته للسنة مع وجود الألفة بينهم"، وللشيخ ابن عثيمين كلام نحوه، وهذا هو الموافق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الجهاد كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائر"، ولهذا ساق ابن القيم تلك الآثار في مقام بيان وفاء الصحابة لبيعة النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقولوا بالحق ولا يخافوا في الله لومة لائم، لكن الدكتور ساق تلك الآثار وكلامَ ابن القيم في الإنكار عليهم في غيبتهم، وكذلك فعل بكلام النووي، فإنه -أي النووي- قال تعليقا على قول أسامة بن زيد في عثمان رضي الله عنه: "أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم": "فإن لم يمكن الوعظ سرا والإنكار ‌فليفعله ‌علانية لئلا يضيع أصل الحق"، حمَلَه على الوعظ والإنكار في غيبة الإمام، وليس في كلام النووي ما يفيد هذا، وإنما حمله الدكتور على ما في نفسه هو لا على ما أراد النووي، وإلا فظاهر كلام النووي هو الحمل على المعهود من وعظ الأمراء والإنكار عليهم مباشرة عند حصول مخالفة السنة منهم، وهذا هو ما فهمه العلماء من كلام النووي، فابن الملقن مثلا شرح أثر أسامة بكلام النووي السابق ثم استدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" ثم نقل عن الطبري أن معناه: إذا أمن على نفسه من قتل وشبهه وقال: "روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وهو مذهب أسامة" [التوضيح، 18/180] وهذا كله واضح في أن المراد وعظه علنًا في مجلسه ومحضره بحيث يسمع ويكون قد حصل له الوعظ والأمر والنهي، أما الكلام عند العامة في غَيبته فهذا غِيبة وتهييج وتعيير وليس وعظا ولا أمرا ونهيا، وقد برأ الله علماء المسلمين من أن يجيز أحدهم الإنكار العلني على الوجه الذي يقصده الدكتور كما هو في هذه الأزمان.
وهكذا يقال في الحديث الآخر الذي احتج به: "سَتَكُونُ أَئِمَّةٌ مِنْ بَعْدِي يَقُولُونَ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ"، فقوله: يردّ عليهم معناه يقال له مباشرة إن ما أمرتم به أو نهيتم عنه خطأ محرم ولا يجوز ونحو ذلك، هذا ما يفهمه كل عربي من قوله "يرد عليهم"، ولو تكلم للناس لا للأمير لم يصدق عليه أنه رد عليه قولَه، بل ردَّ على قوله، ومن العجيب جدا أنه لما اعتُرض عليه في الاستدلال بهذا الحديث رد على من اعترض بأن في الحديث قصة هي إنكار رجل على معاوية رضي الله عنه علنًا وهو على المنبر، ولا خفاء أن هذا يصدق عليه أنه رد على الأمير، ولا يصدق على من رد على قوله في غيبته، ومع هذا زعم الدكتور أن الحديث جاء مُطلقًا سواءٌ كان سِرِّيًّا أو علنيًّا بحَسَبِ المَصلحةِ في إحقاق الحقِّ وإبطال الباطل، فلفظ الحديث وإيراد معاوية له واضحان في خلاف ما يريد الدكتور منه.
ومثل هذا أيضا يُقال في الأثر الذي فيه إنكار عائشة وأخيها عبد الرحمن على مروان بن الحكم وكان عاملا لمعاوية رضي الله عنه، عنون له: "إنكار عائشة على مروان في حضوره، وإنكار أخيها عبدِ الرحمن على معاوية في غَيْبته"، مع أنه ليس في الأثر الإنكار على معاوية، بل على مروان، ونص الرواية التي ساقها: "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِهِ يَزِيدَ قَالَ مَرْوَانُ: «سُنَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: «سُنَّةُ هِرَقْلَ وَقَيْصَرَ!»، فعبد الرحمن رد على وصف مروان لاستخلاف يزيد بأنه سنة أبي بكر وعمر، وفي بعض الطرق أنه قال له: "إن أبا بكر رضي الله عنه ما جعلها في أحد من ولده وأحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده"! وهذا اللفظ موجود في الكتاب الذي نقل منه الدكتور وعزا إليه وهو "السلسلة الصحيحة"، وهو واضح في أنه يخاطب مروان ينكر عليه وصفه لفعل معاوية بأنه سنَّةُ أبي بكر وعمر، وبيّن له أنه لم يفعله اقتداء بأبي بكر وعمر بل رحمة وكرامة لولده، فإن قال: إن هذا يتضمن لزوما -وبالأولى- إنكار فعل معاوية كما قال في قول الحسن: "وددت أنه لم يحدثه بهذا" لما بلغه أن أنسا حدّث الحجاج بحديث العرنيين إنه يتضمن لزوما وبالأولى إنكار أفعال الحجاج وهو أمير العراق، فالجواب: نعم، كان عبد الرحمن بن أبي بكر منكر لاستخلاف معاوية يزيد، وقد أنكره على معاوية بحضرته، وخرج من أجل ذلك إلى مكة فبقي فيها حتى توفي هناك، وكان الحسن وغير الحسن من المسلمين منكرين لأفعال الحجّاج، فكان ماذا؟ قال كل منهما قولا يتضمن إنكار أفعال لولي الأمر فهل يعني ذلك أنه أنكر علنا، وهل من يقول بالمنع من إعلان الإنكار يقول إنه لا يجوز أن يصدر من الشخص قولٌ أو فعلٌ يدل على عدم رضاه بأفعال ولي الأمر ولو كان تبعًا لإنكار قولِ أو فعلِ رجلٍ آخر؟ لقد أبعدت وأغربت أيُّها الرجل!
لم يقف الدكتور عند الخلط بين الوجوه الثلاثة للإنكار والتحكمِ في تنزيل النصوص على أيّها شاء، بل أدخل في الإنكار ما ليس منه بسبيل:
1. أدخل فيه الاجتهاد الفقهي واختلاف الآراء الاجتهادية: فاحتج على جواز الإنكار العلني بطائفة من الآثار التي فيها خلافٌ في مسائل فقهية، يقول أحد الخلفاء قولًا أو يرى رأيًا ويكون عند غيره من الصحابة سنَّة فيتكلم بها ويبلّغها، فعَدَّ الدكتور ذلك من الإنكار العَلَني على ولاة الأمر، مثل قول ابن مسعود في القصر بمنى في خلافة عثمان، وقول ابن عباس في التعذيب بالنار في خلافة علي، وقول عبادة بن الصامت في بيع البر بالبر في خلافة معاوية، وقول أبي سعيد في مقدار الحنطة في صدقة الفطر زمن معاوية أيضا، كل هذه مسائل فقهية وآراء اجتهادية، وجعلُها من الإنكار على ولاة الأمر تخليطٌ كبير، لأنَّ من مشهور المسائل التي بيّنها العلماء وبنوا عليها أحكامًا جليلة التفريقُ بين المقامات المختلفة لتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يفرقون في تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بين أربع مقامات: مقام التبليغ، ومقام الإمامة، ومقام الفتوى، ومقام القضاء، ولكل واحد من هذه المقامات أحكامٌ تختلف عن غيره من المقامات، وقد عاب العلماء على من يستدل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يميّز بين هذه المقامات وأحكامها المختلفة [راجع "الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام" للقرافي، 99-120]، فكذلك تصرفات الخلفاء، كان الصحابة يميّزون بين ما هو من باب الولاية والخلافة وبين ما هو من باب الإفتاء والاجتهاد الفقهي، ولا أظن أحدًا ممن يمنع الإنكار العَلَني على الولاة يُدخل في ذلك التصرفات والأقوال الصادرة منه بمقتضى مقام الفتيا والاجتهاد، وقد ميّز شيخ الإسلام ابن تيمية، وقبلَه القرافي، بينَ هذين المقامين وحكمِ كلام الحاكم في كلٍّ منهما، فبيّن أن حكم الحاكم إنما ينفذ في الأمور المعيَّنة التي يختص بها من الحدود والحقوق، مثل قتل أو قذف أو مال ونحوه، أما مسائلُ العلم الكليّة مثل التفسير والحديث والفقه فلا حكم له فيها، ولا يفيد حكمُه بصحة قولٍ دون قولٍ إلَّا إذا كان معه حجة يجب الرجوع إليها، قال شيخ الإسلام: "فيكون كلامُه قبل الولاية وبعدها سواء، وهذا بمنزلة الكتب التي يصنّفها في العلم" [مجموع الفتاوى، 3/238-240]، فكلام الحاكم في أمور العلم العامة ككلامه قبل ولاية الحكم، وهو كتصنيف الكتب، يُقبل منه ما وافق الحجة لا ما خالفها، وقال شيخ الإسلام أيضا: "هذه الأمور الكلية ليس لحاكم من الحكام كائنا من كان -ولو كان من الصحابة- أن يحكم فيها بقوله على من نازعه في قوله، فيقول: ألزمته أن لا يفعل ولا يفتي إلا بالقول الذي يوافق لمذهبي، بل الحكم في هذه المسائل لله ورسوله، والحاكم واحد من المسلمين، فإن كان عنده علم تكلم بما عنده، وإذا كان عند منازعه علم تكلم به، فإن ظهر الحق في ذلك وعُرف حكم الله ورسوله وجب على الجميع اتباع حكم الله ورسوله، وإن خفي ذلك أقر كل واحد على قوله، أقر قائل هذا القول على مذهبه، وقائل هذا القول على مذهبه، ولم يكن لأحدهما أن يمنع الآخر إلا بلسان العلم والحجة والبيان فيقول ما عنده من العلم" [مجموع الفتاوى، 35/360].
إن من المفارقات التي تُبيّن تخليط الدكتور في تنزيل القواعد المتعلقة بالإمامة وتصرُّفات الحُكَّام أنه نزّل هنا الكلامَ في الأمور العامَّة منزلةَ الكلام في الأمور المعيَّنة التي ينفذ فيها قول الحاكم، وعكَس الأمر في مسألة الصلاة بالتباعد، فقد تواتر عنه أنه أفتى الناس بعدم التزام الصلاة بالتباعد بسبب أن حكم الحاكم لا ينفذ في العبادات، مع أنَّ الحاكم في بلادنا وفي غيرها من بلاد المسلمين لم يقل بجواز الصلاة بالتباعد أو عدم جوازها ابتداءً، بل وكَل الأمر فيها إلى الجهات المعنيَّة بإصدار الفتيا، ودعا الناس إلى التزام ما أفتوا به، وهذا من وظيفة الحاكم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الذي على السلطان في مسائل النزاع بين الأمة أحد أمرين: إما أن يحملهم كلهم على ما جاء به الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة، لقوله تعالى: {فإنْ تَنَازَعتم في شَيء فرُدُّوه إلى الله والرَّسُولِ"، وإذا تنازعوا فَهِم كلامهم إن كان ممن يمكنه فهم الحق، فإذا تبيَّن له ما جاء به الكتاب والسنة دعا الناس إليه" [مجموع الفتاوى، 3/239]، وهذا عين ما فعله ولاة الأمر، دعوا الناس إلى ما بيَّن العلماءُ أنه مقتضى الكتاب والسنة، فكان عليه أن يُعِينَ ولاة الأمر على سياسيةِ شؤون المسلمين وحفظِ أرواحهم وتنظيم مساجدهم، ولكنه شوَّش عليهم بهذه الفتوى التي لم يحقّق مأخذها، ونازعَ الأمر أهله، فحصل بسببه من التشويش على المصلين شيء كثير، حتى هجر كثير من المتأثرين بفتواه المساجد، ومن يصلي منهم في المسجد فكثير منهم يخالفون توجيهات ولاة الأمر ويحرجون إمام المسجد والمصلين بترك التباعد، حتى إن بعض الناس ترك الصلاة في المسجد وهو راغب فيها حريص عليها بسبب تضييع أتباع الدكتور ومن تأثَّر بهم لما يجب عليهم من الاحترازات التي أرشدت إليها الجهات المسؤولة.
2. أدخل الدكتور في الإنكار العلني أيضًا تركَ طاعة الأمير في المعصية: حيث احتج بامتناع عبد الله بن عمر من قتل أسيره لما أمر خالد بن الوليد بقتل النفر الذين أسلموا ولم يحسنوا أن يقولوا "أسلمنا" فجعلوا يقولون "صبأنا صبأنا"، فقال ابن عمر: "والله لا اقتل أسيري ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره"، فالذي فعله ابن عمر هنا هو ترك طاعة الأمير فيما يعتقد أنه معصية لله تعالى، ونهي أصحابه عن طاعته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف"، فما وجه الاحتجاج به؟ هل من يقول بتحريم الإنكار العلني يقولون بوجوب طاعة الأمير في المعصية حتى يحتج عليهم بهذا الأثر؟
بعد هذا ننتقل معه إلى مقام آخر، فيقال له: لو سلمنا لك أن شيئا من تلك الآثار وقع فيه الإنكار على الوجه الذي تريده، وهو الوجه الثالث لما كان حجة في شيء منها، وذلك لوجهين:
الأول: أن الحجة في النص الصريح وما أيَّده من القواعد والآثار، لا في عمل من خالفه، فالمخالف للنص يعتذر له ولا يترك النص بسببه، وفي هذا ألّف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" ليبين أعذار الأئمة في ترك بعض النصوص، وأنهم إذا كانوا معذورين في تركهم لها فنحن معذورون في تركنا لذلك الترك، أي عدم متابعتنا لهم في مخالفة النصوص، لا سيما قبل انتشار السنَّة، وقد ذكر ابن تيمية هذا المعنى في اعتذاره لمعاوية رضي الله عنه في استلحاق زياد بن أبيه، مع أن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صريح في أن الولد للفراش فقال الشيخ إن هذا الحكم قد يخفى على كثير من الناس، لا سيما قبل انتشار السنة، هذا مع كون العادة كانت على ذلك في الجاهلية، أي في استلحاق ولد الزنا، فكذلك هنا.
ومن جهة أخرى: فإن هذا الباب كان مشكلًا على جماعة من السلف حتى إن بعضهم خرج بالسيف على الولاة، فهل يُحتج بفعلهم في رد النصوص؟ إن احتجاج الدكتور بإنكار من أنكر علنا لو ثبت عنهم هو كاحتجاج الخوارج بخروج من خرج، وجوابه هنا هو جوابنا هناك.
الوجه الثاني: إن ما صدر من بعض السلف إن كان صدر منهم على الوجه المخالف للنصوص فهو فعل في موقف معيَّن اقتضاه الحال وحملته عليه الغيرة على حرمات الله، وقد يكون معذورا فيه، وقد يكون ذهل عن النص، أو اجتهد اجتهادًا أخطأ فيه، وقد يكون ظنَّ أن صورة فعله إنكارٌ للفعل لا على الحاكم، ولو قيل لأحدهم: هل فعلُك هذا تجويز للجهر بالإنكار على الولاة؟ لقال: لا، كما حصل من بعض علمائنا في هذا العصر، فليس الفعل كالتقرير النظري الذي يفتح الباب للدهماء وعامة الناس، والعالمُ الرباني الذي يربي النَّاس بالعلم ويَسُوسُهم بشرع الله تعالى ربما يفعل الشيء لمعرفته بموضعه الصَّحيح ومكانه المناسب لكنه لا يفتح باب الاقتداء به لغيره ممن قد يضعه في غير موضعه ويستعمله على غير وجهه.
لقد حضرت الشيخ الغديان رحمه الله في درس له في صحن المسجد الحرام فعظّم شأن الفتوى وأتى على مآخذ المفتي ودرجات النظر في الأدلة بكلام عالٍ لا يفهمه أكثر الحاضرين، وعَرَض له الكلام على المصلحة المرسلة فاستعمل مصطلح "الاستصلاح" بدلا من "المصالح" فلما فرغ من الدرس لقيته فسألته عن عبارة في الدرس فقال: "إني تعمدت أن أتكلم بكلام لا يفهمونه حتى يعلموا شأن الفتوى وأنها ليست بالأمر السهل، وتقصدت التعبير بالاستصلاح لئلا يسمع أحدهم كلمة المصلحة فيذهب فيطبقها على ما يوافق هواه بغير هدى"، فما بال الدكتور يصر على إعلان جواز الإنكار على الولاة علنا في زمن الثورات وفي أيام الفتن والقلاقل، لقد خالف نصوص الشريعة وقواعدها وتنكّب منهج العلماء وطريقتهم في أخذ العامة بما يصلح لهم دينهم ويباعدهم عن الفتن، فعلام -بالله- نتكلَّف التأويلات البعيدة والاستدلالات الغريبة في تجويز أمرٍ لم يرجع على المسلمين عبر التاريخ الطويل إلا بالمضارّ والشرور؟!
3- ما لا دليل فيه أصلا، وهو كلام بعض العلماء ممن جانب الصواب في هذا الباب:
أورد في الكتابة الثالثة كلامًا لبعض العلماء يزعم أنه موافق لكلامه في الجملة، وهم خمسة:
1. الشيخ عبد العزيز بن باز: نقل عنه كلامًا آخرُه، وهو موضع الشاهد عند الدكتور لأنه كتَبَه بالحُمْرة، قولُ الشيخ: "وإذا كان يرى مِنَ المصلحة أنه إذا جَهَر قال: فلانٌ فَعَل كذا، ولم تنفع فيه النصيحة السرِّيَّة، ورأى مِنَ المصلحة أنه ينفع فيه هذا الشيء فيفعل الأصلحَ، فالناس يختلفون في هذا، والإنسان إذا جَهَر بالمُنكَر فليس له حرمةٌ إذا جَهَر به بين الناس، فليس لمجاهر الفسق حرمةٌ في عدم الإنكار عليه، وقد ذكروا أنَّ الغِيبة في حقِّ مَنْ أَظهرَ الفسقَ لا تكون غِيبةً إذا أَظهرَه ولم يستحِ"، وهو كلام ظاهر جدًّا في أن الشيخ يتكلم عن عموم المسلمين ممن يظهر الفسق، ولذلك قال قبل هذا: "وكذلك الشخص المُعيَّن يحرص على السَّتر مهما أَمكنَ، ويزوره، أو يكاتبه، وإذا كان يرى مِنَ المصلحة أنه إذا جَهَر قال: فلانٌ فَعَل كذا..."، واستشهد بما ذكره العلماء في المواطن الستَّة التي تجوز فيها الغِيبَة ومنها المجاهر بالفسق، ولا يمكن بحالٍ أن يكون قَصَد بهذا الحاكم ويقول إنه لا حرمة له إذا أظهر الفسق، لأنه يكون بهذا على مذهب المعتزلة والحرورية، أما أهل السنة فهم مجمعون على أن الحاكم لا ينعزل بالفسق ولا تسقط حرمته ما أقام الصلاة كما جاء في الأحاديث الصحيحة، ولا أدري كيف استساغ الدكتور أن ينسب الشيخَ إلى مذهبه ويزعم موافقته له بهذا الكلام البعيد عن الاحتمال، الواضح في مراد الشيخ، مع ما يعلمُه من كلام الشيخ الواضح في هذه المسألة الذي قال فيه: "ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يُفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النَّصيحَةُ فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير"، وذكر فيه أن قتل عثمان وعلي وقتل جمع كثير من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم كان بسبب الإنكار العلني وذكرِ العيوب علنًا.
2. الشيخ ابن عثيمين: والقول فيه واضحٌ، لأن الشيخ في جوابه المشهور لما ذكر أن الإنكار يكون مُعلَنًا عند المصلحة، ويكون سرًّا إذا كان إعلانُ الإنكار لا يخدم المصلحةَ، قيل له إن الآثار الواردة عن الصحابة في الإنكار كانت بحضرة الحاكم، فبيَّن الشيخ أن ذلك هو مراده، ومع هذا لا يزال الدكتور مصرًّا على نسبة هذا القول إليه وكتمِ آخر كلامه، نسبَه إليه في الفتوى الأولى وأعاده في الثالثة.
3. الشيخ الألباني: نقل عنه كلامًا سئل فيه عن توجيه حديث أبي سعيد الخدري في الإنكار على مروان فقال: "فإذا الحاكم خالف الشريعةَ علنًا فالإنكار عليه علنًا لا مخالفةَ للشرع في ذلك"، وليس في هذا ما يفيد تجويز الإنكار على الحاكم في غيبته على الوجه الثالث الذي يجوّزه الدكتور، بل هو مثل كلام النووي وابن القيم وابن باز وابن عثيمين وغيرهم في أن المنكِر إذا قدَّر أنَّ المصلحة في أن يجهر للحاكم في الإنكار عليه مباشرة في حضرته قيامًا بالحق وخشيةَ أن يفوت المنكر ولا يعلَم الناس إنكارَه، فيُنكر عليه علنًا، وإذا خاف على نفسه أو خاف مفسدةً أخرى فإنه يُسِرُّ إليه بالنصيحة أو يترخَّص في السكوت، وهذا كلام العلماء قديما وحديثا، وليس في شيء منه تجويز الإنكار العَلَني في المنابر والجرائد والقنوات ومواقع الأنترنت كما يفعله الحركيُّون ويجوّزه الدكتور، وإن من أعظم الظُّلم أن يُنسب إلى هؤلاء العلماء ما لم يقولوه، بل ما هم قائلون بخلافه ومصرّحون بضدّه.
4. الشيخ مقبل الوادعي: نعم، الشيخ يجوّز الإنكار على الحاكم في غيبته، وهو مخطئ في ذلك، وكلامه مخالف للسنَّة الثابتة والآثار الصحيحة ولأقوال من هم أكبر منه وأعلم بشرع الله تعالى ودينه، وعذرُه رحمه الله أنَّه كان يُضعّف حديث عياض بن غَنْم، ويفرّق بين الإنكار على الحاكم بقصد إثارة الناس عليه وبين الإنكار بقصد تغيير المنكر، ومعلوم أن الشرع لا يعتبر القصد في مثل هذا، بل المعتبر هو أثر هذا الفعل لا قصد فاعله.
5. الشيخ عبد الله بن قعود: وكلامه صريح أيضا في تجويز الإنكار العَلَني على الحكَّام في المنابر والجرائد، والشيخ قد عُرف عنه مخالفته للعلماء في مثل هذه المسائل، وهو رحمه الله عالم صاحبُ فضلٍ وغيرةٍ دينية وقَّادَة، وقد أفضى إلى ما قدّم، لكن كانت له آراء غير سديدة في قضايا الجماعات والإنكار على الولاة وغير ذلك، وحسبك أنه في نفس الشريط الذي أحال إليه الدكتور دافع -أعني الشيخ ابن قعود- عن حسن البنا وسفر الحوالي وعن بعض الجامعات الحزبية، وغير ذلك، فهل يحتجُّ به أيضا في تلك المواقف والآراء!! لقد أحزنني كثيرا أن الدكتور ذهب يستخرج كلام الشيخ رحمه الله ليحتج به لمقالته فيشهّر بين الناس خطأه ويحمل على الرد عليه.
إن هاهنا تنبيها مهما أرشدني إليه إحالةُ الدكتور إلى كلام الشيخ ابن قعود بقوله: "«شريط وصايا للدعاة: الجزء الثاني» للشيخ عبد الله بن حسن القعود"، إذ من المعلوم أن الناس اليوم لا يسمعون إلى الأشرطة ولا ينقلون منها، فلو كان الدكتور وقف على كلام ابن قعود في موضعه لأحال على رابط الدرس لا على الجزء الثاني من الشريط! والإحالة التي ذكرها منتشرة بنصها في مواقع الأنترنت وكُتيّبات أتباع الجماعات الحزبية، وهذا دليل على أنه لم يقف على كلام الشيخ في موضعه بل وقف عليه كما هو متداول عند من استخرجوه لما فيه من التأييد لبدعتهم، والتنبيهُ المقصود هو أن على من يريد تحقيق الصواب وتحري الحق بإنصاف ونزاهة أن يبحث عن كلام العالم في مكانه، فيقف على سياقه وسباقه ويعرف غرضَه ويفهم قصدَه، ثم ينسب إليه ما تحقق عنده من قوله ومذهبه، ولا يكتفي بما يُنشر من المقاطع المجتزأة التي قد يخفى معها وجه الصواب لا سيما إذا كان الناشر له غير معروف أو غير موثوق، وإن من المؤسف المحزن أن يتردى الدكتور في الاحتجاج لمذهبه الرديء إلى البحث عن زلات العلماء وإحياء أخطائهم ونشرها، وقد كان المطلوب السَّتر على تلك الأخطاء لا إشاعتُها، والاعتذار لأصحابها لا الاحتجاج بهم.
الخلاصة: أنه ليس فيما جاء به الدكتور شيء صريحٌ في تجويز الإنكار العَلَني في غيبة ولي الأمر إلاّ كلام الشيخ مقبل والشيخ ابن قعود رحمهما الله، وقد عرفتَ ما فيه، وأما ما سوى ذلك فليس معه إلا تأويلُ الصَّريح، والتمسُّك بالمجمل، ووضع القواعد في غير موضعها وتنزيلها على غير محالّها، وإلغاء ما اعتبره الشارع في الأحكام وإناطة الحكمُ بما ألغاه، مع تحميل كلام العلماء ما لا يحتمله، ونسبتهم إلى خلاف ما هم معروفون به، وما عسى مَنْ يترك صريح النصوص وصِحاح والآثار أن يجد مِن متعلَّق غيرَ أن يلجأ إلى هذه السُّبل الملتوية؟ وما من مبتدع على وجه الأرض أو صاحب هوى إلا وهو يستطيع أن ينتصر لرأيه بمثل هذه الطرق وما هو أقوى منها، ولكن طريقة العلماء لزومُ المحكَم والقول به ورد المتشابه إليه، وطريقة الزائغين التمسك بالمتشابه والإلباس على الناس به، والتوفيق بيد الله يضعه حيث يشاء والهداية منه سبحانه.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 Jul 2021, 08:36 PM
أبو معاذ محمد مرابط أبو معاذ محمد مرابط غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 350
افتراضي

غابت مثل هذه المقالات فتغوّل الدكتور
لله درّك يا شيخ خالد مرّ عليّ زمن لم أتمتع بقراءة مقال مثل هذا
أسأل الله أن يسعدك بثوابه وأن يفتح به قلوبا عشش فيها داء التعصب
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 Jul 2021, 08:49 PM
جمال بوعون جمال بوعون غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2019
المشاركات: 103
افتراضي

جزاك الله خيرا أيها الشيخ الفاضل خالد و بارك في علمك و قلمك.
مقال علمي متين أجاب فيه الشيخ عن شبه الدكتور كما بيّن فيه جانبا مهما خفي على كثير من الناس و هو ضعف الدكتور في تقرير مسائل الاعتقاد على وفق المنهج السلفي. و قد صدق الشيخ محمد مرابط لما قال مرّ عليّ زمن لم أتمتع بقراءة مقال مثل هذا....
فجزاك الله خيرا و بارك في عمرك.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 Jul 2021, 08:51 PM
أسامة بورحلة أسامة بورحلة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 10
افتراضي

جزاك الله خيرا على هذا المقال العلمي السلفي النافع.
وهدى الله المردود عليه ومتعصبته للحق و طهر قلوبهم من داء التعصب و التقديس الذي قد نخر فيهم نخرا فأصبحوا ينكرون ماعرفوا ويصححون ما أبطلوا!
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 Jul 2021, 09:12 PM
عبد القادر بن يوسف عبد القادر بن يوسف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 79
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخ خالد وزادك علما وعملا،دائما مقالات قوية زادك الله من فضله،،وليت أتباع الدكتور يلتزمون الأدب والعلم في الرد بدل السب والشتم الذي تعودناه منهم/.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 Jul 2021, 09:19 PM
أبو جويرية عجال سامي أبو جويرية عجال سامي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 147
افتراضي

اللهم بارك وزد تمتعنا بجولة علمية سلفية رصينة خاض فيها الشيخ خالد في مستنقع الباطل على فرس أبلق مضمر شديد البياض والنقاوة يحمل من سيوف الحق ماشاء الله فطفق ضربا بالرقاب والأعناق فما مر على شبهة متغيرة اللون والريحة إلا شقها نصفين وحسها بحسامه فكانت بحق مقالة انتصار للآثار والاخبار كاشفة لزيف المنقود والمنقول مظهرة بجلاء صافي الفكر والمعقول فلله درك وعليه أجرك ، جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم و لما عُلم عن الدكتور أنفته وإباؤه الرد على من يعتبرهم دونه في العلم أزيد للدكتور كلمة ذكرها الحافظُ ابن رجبٍ رحمه الله في [ "ذيل طبقات الحنابلة " (3/ 445 فما بعدها، ترجمة رقم 343 ) ]في ترجمة الفقيه أبي الفضل إسحاق بن أحمد العلثيّ مضمون رسالة هذا الإمام الى ابن الجوزي والتي وفيها الإنكار عليه فيما يقع في كلامه من الميل إلى أهل التأويل ومما جاء فيها :

(( من عبيد الله إسحاق بن أحمد بن محمّد بن غانم العلثيّ إلى عبد الرّحمن بن الجوزيّ:

حمانا الله و إيّاه من الاستكبار عن قبول النّصائح، و وفّقنا و إيّاه لاتّباع السّلف الصّالح، و بصّرنا بالسّنّة السّنيّة، و لا حرمنا الاهتداء باللّفظات النّبوية، و أعاذنا من الابتداع في الشّريعة المحمديّة، فلا حاجة إلى ذلك، فقد تُرِكنا على بيضاء نقيّة، و أكمل الله لنا الدّين، و أغنانا عن آراء المتنطّعين، ففي كتاب الله و سنّة رسوله مَقْنَعٌ لكلّ من رَغِب أو رَهِب، و رزقنا الله الاعتقاد السّليم، و لا حَرَمنا التّوفيق، فإذا حُرِمه العبد لم ينفع التّعليم، و عَرَّفَنا أقدار نفوسنا، و هدانا الصّراط المستقيم. و لا حول و لا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، و فوق كلّ ذي علمٍ عليم.

و بعد حمدالله سبحانه، و الصّلاة على رسوله:

لا يخفى أنّ " الدّين النّصيحة "، خصوصاً للمولى الكريم، و الرّبّ الرّحيم، فكم قد زلّ قلمٌ، و عثر قدمٌ، و زلق متكلّمٌ، و لا يحيطون به علماً، قال عزّ من قائل : {ومِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لاَ هُدًى وَ لاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ} (الحجّ: 8).

وأنت يا عبد الرحمن، فما يزال يبلغ عنك ويسمع منك، ويشاهد في كتبك المسموعة عليك، تذكر كثيراً ممن كان قبلك من العلماء بالخطأ، اعتقاداً منك: أنك تصدع بالحق من غير محاباة،ولا بدّ من الجريان في ميدان النّصح، إمّا لتنتفع إن هداك الله، و إمّا لتركيب حجّة الله عليك، و يحذرَ النّاس قولك الفاسد، ولا يغرّك كثرة اطّلاعك على العلوم؛ فربّ مبلَّغٍ أوعى من سامعٍ، و ربّ حامل فقهٍ لا فقهَ له، و ربّ بحرٍ كَدرٍ و نهرٍ صافٍ، فلستَ بأعلمَ من الرّسول، حيث قال له الإمام عمر: " أتصلّي على ابن أبيّ؟ " أَنْزَلَ القرآن : {وَ لاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ منْهُم } (التّوبة: 84)، و لو كان لا يُنكر من قلّ علمُه على من كَثُر علمه إذاً لتعطّل الأمر بالمعروف، و صرنا كبني إسرائيل حيث قال تعالى: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } (المائدة: 79)، بل ينكر المفضول على الفاضل و ينكرُ الفاجر على الوليّ، على تقدير معرفة الوليّ، و إلاّ:فأين العنقاءُ ليُطلب؟ و أين السّمندلُ ليُجلب؟ ...)
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 Jul 2021, 09:20 PM
كمال بن سعيد كمال بن سعيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 238
افتراضي

سلمت يمينك شيخ خالد،مقال ماتع، أجدت وأفدت نفع الله بما كتبت، وجزاك خيرا على دحض الشبه التي أثارها د. فركوس أصلحه الله.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 Jul 2021, 09:32 PM
فاتح عبدو هزيل فاتح عبدو هزيل غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 140
افتراضي

جزى الله خيرا الشيخ خالد على هذا المقال العلمي القيم الذي رد فيه على شبه فركوس ومنهجه الرديء
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 10 Jul 2021, 09:49 PM
طارق بن صغير طارق بن صغير غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2019
المشاركات: 115
افتراضي

جزاك الله خيرا شيخ خالد و نفع بك ' وإن من المؤسف المحزن أن يتردى الدكتور في الاحتجاج لمذهبه الرديء إلى البحث عن زلات العلماء وإحياء أخطائهم ونشرها، وقد كان المطلوب السَّتر على تلك الأخطاء لا إشاعتُها، والاعتذار لأصحابها لا الاحتجاج بهم'
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 10 Jul 2021, 09:54 PM
أبو أميمة لياس عفافسة أبو أميمة لياس عفافسة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2018
المشاركات: 57
افتراضي

جزى الله خيرا شيخنا الفاضل خالد حمودة على هذا الرد النافع الذي فيه الدفاع عن منهج السلف وطريقتهم في نصح الحكام ، أسأل الله أن ينفع به
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 10 Jul 2021, 09:57 PM
أبو الفضل عصام عرار أبو الفضل عصام عرار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2020
الدولة: الجزائر
المشاركات: 27
افتراضي

جزاك الله خيرا الشيخ خالد على هذا الردّ الماتع النافع أسأل الله أن يجعل ما خطته أناملك في ميزان حسناتك ،حقيقة كلما قرأت بعض الأسطر كلما زاد الشوق لقراءة ما بعدها !
طبعا ما كان لسلفي قبل مقال الريحانة يعتقد أنه يجوز الإنكار العلني على الحكام!
وهنا أذكر على عجل ما قاله لي أحد إخواني من وادي سوف ؛ أنه وهو داخل لقضاء بعض الحاجيات من محل ..فسمع بعض الصغار من متعصبة الريحانة يقولون؛ حقيقة كنّا مُغَلّق علينا ..! يقصدون أنه كان يجوز الإنكار العلني وفاتهم خير كثير !!
والله المستعان .
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 10 Jul 2021, 10:03 PM
محفوظ قبايلي الداموسي محفوظ قبايلي الداموسي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 79
افتراضي

الله أكبر، حق لها أن تكون #فاجعة_فركوس18 فجزاك الله خيرا شيخنا خالد، وقد أجدت بقولك:
وما عسى مَنْ يترك صريح النصوص وصِحاح والآثار أن يجد مِن متعلَّق غيرَ أن يلجأ إلى هذه السُّبل الملتوية؟ وما من مبتدع على وجه الأرض أو صاحب هوى إلا وهو يستطيع أن ينتصر لرأيه بمثل هذه الطرق وما هو أقوى منها، ولكن طريقة العلماء لزومُ المحكَم والقول به ورد المتشابه إليه، وطريقة الزائغين التمسك بالمتشابه والإلباس على الناس به
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10 Jul 2021, 10:07 PM
مختار حرير مختار حرير غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2019
المشاركات: 70
افتراضي

لله درك وعلى الله أجرك، وليهنك العلم الشيخ خالد، بمثل هذه الكتابات تنتزع البدع والشبهات من جذورها فسلطان العلم آسر للقوب مجل للغشاوات فأسأل الله أن يفتح بهذه الكتابة آذانا صما وأعينا عميا وقلوبنا غلفا.
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 10 Jul 2021, 10:23 PM
أبو حذيفة عبد الحكيم حفناوي أبو حذيفة عبد الحكيم حفناوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2018
المشاركات: 214
افتراضي

جزاكم الله خيرا شيخ خالد، فلقد أتيت على شبه الرجل شبهة شبهة وفندتها بالمنقول والمعقول، فجاءت كسبائك الذهب جمالا وصنعة وقدرا، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يهدي ضال هؤلاء وأن يبصرهم بخطورة فتاوى الرجل وتمويهاته الماكرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 10 Jul 2021, 10:30 PM
أبو همام القوناني أبو همام القوناني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 121
افتراضي

لله درك أبا البراء وجزاك الله خيرا
الحزبية ياشيخ خالد تجعل صاحبها بليد لا يرى إلا شيخه
وإلا من يعرف السلفية وعلمائها يعرف أن فركوسا على غير طريقتهم
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013