منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 05 Mar 2016, 11:03 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي الرد بالجميل على شبهة مثارة حول المكثر الجليل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله و صحبه و من اتبع هداه أما بعد :

فإن أولى ما نظر فيه الطالب ، وعني به العالم بعد كتاب الله عز وجل ، سنن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، فهي المبينة لمراد الله عز وجل من مجملات كتابه ، والدالة على حدوده والمفسرة له ، والهادية إلى الصراط المستقيم صراط الله ، من اتبعها اهتدى ، ومن سلك غير سبيلها ضل وغوى ، وولاه الله ما تولى ، ومن أوكد آلات السنن المعينة عليها والمؤدية إلى حفظها ، معرفة الذين نقلوها عن نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى الناس كافة ، وحفظوها عليه ، وبلغوها عنه ، وهم صحابته الحواريون الذين وعوها وأدوها ناصحين محسنين ، حتى كمل بما نقلوه الدين ، وثبتت بهم حجة الله تعالى على المسلمين ، فهم خير القرون ، وخير أمة أخرجت للناس ، وقد أثنى الله عز وجل عليهم ، ورضي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم ، وثناء رسوله عليه السلام ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ، ولا تزكية أفضل من ذلك ، ولا تعديل أكمل منه .[1]
و إنه مما لا شك فيه أن أبا هريرةَ رضيَ الله عنهُ كان حافظَ الصحابةِ بحقٍّ؛ و من أكابر علمائهم بشهادتهم له ولا يضيرهُ طعنُ من طَعنَ فيه لكثرةِ مروياتهِ إذْ لها من الشواهدِ عن غيره من أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ بالإضافةِ إلى شهادةِ الصحابةِ والتابعينَ لهُ بالحفظِ والتثبت؛ و لما انتشر مذهب الرفض في الآونة الأخيرة -نسأل الله أن يكفنا شر أصحابه- و راح أصحابه ينشرون شببهم هنا و هناك ،كان لزاما علينا أن نبين بعض ما تمسك به الحاقدون على هذا الدين،فكان من جملة تلك الشُّبَهِ شبهة زيادة أبي هريرة -رضي الله عنه- لكلمة "أو زرع" في تحريم اقتناء الكلب ظانين أن حاجته حملته على ذلك لأنه كان صاحب زرع ،فأحببت أن أبين -نقلا من كلام الأئمّة- وجه اللبس في الأمر ،فكان ذلك من عدّة أوجه ،و الله المستعان و هو الهادي إلى سواء السبيل .


الوجه الأول : عدالة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين

اعتقاد عدالةِ الصحابة -رضوان الله عليهم- وفضلهم هو مذهبُ أهلِ السنة والجماعة ، وذلك لما أثنى اللهُ تعالى عليهم في كتابه ، ونطقت به السنَّةُ النبويةُ في مدحهم ، وتواتر هذه النصوص في كثير من السياقات مما يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى حباهم من الفضائل ، وخصهم من كريم الخصال ، ما نالوا به ذلك الشرف العالي ، وتلك المنزلة الرفيعة عنده ؛ وكما أن الله تعالى يختار لرسالته المحل اللائق بها من قلوب عباده ، فإنه سبحانه يختار لوراثة النبوة من يقوم بشكر هذه النعمة ، ويليق لهذه الكرامة ؛ كما قال تعالى : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [11] .

و عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسَبُهُ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ . [12]
فهل يعقل أن يطلب النبي عليه الصلاة و السلام تبليغ الأحكام من أشخاص مشكوك في عدالتهم !!

قال أبو حاتم الرازي -رحمه الله- : " لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة ". [13]

و ممن نقل الاجماع على عدالتهم -رضوان الله عليهم- حافظ المغرب ابن عبد البر المالكي -رحمه الله- حيث قال : ونحن وإن كان الصحابة رضي الله عنهم قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول . [14]
وكذلك نص على هذا الإجماع :الحافظ ابن حجر العسقلاني [15] وكذا الحافظ السخاوي [16] و الحافظ ابن الصلاح [17] و الحافظ العراقي [18] و غيرهم -رحمهم الله- من دون أدنى شك .

الوجه الثاني: فضل أبي هريرة رضي الله عنه

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا فَأَنْسَاهُ . قَالَ ابْسُطْ رِدَاءَكَ . فَبَسَطْتُ فَغَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا بَعْدُ .[19]

و ها هي ذا شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم له -رضي الله عنه- بأنه رضي الله عنه شديد الحرص على طلب العلم ، فقد أخرج البخاري[20] و غيره عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ: (لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ)

و قَالَ -رضي الله عنه- حاكيا عن نفسه : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا ، ثُمَّ يَتْلُو : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) إِلَى قَوْلِهِ : (الرَّحِيمُ) إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ .[21]

فهل بعد هذا ورع !! ولو بسطنا الكلام في زهده و ورعه و تقواه و بره بأمه ما كفانا مداد و ما بلغنا المراد .

الوجه الثالث : شهادة الصحابة له بفضله رضوان الله عليهم أجمعين

قال ابن خزيمة -رحمه الله- : وقد روى عن أبى هريرة أبو أيوب الأنصاري مع جلالة قدره، ونزولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ولما يقبل له : تحدث عن أبى هريرة وأنت صاحبُ منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : إن أبا هريرةَ قد سمعَ ما لم نسمع، وإني إن أحدث عنه أحب إلىَّ من أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى ما لم أسمعه منه.[22]

و جاء رجلٌ إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- في مسألة، فقال ابن عباس لأبي هريرة -رضي الله عنه- : أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة. [23]

و غيرها من المشاهد كثير و كثير ، غير أنه ليس هذا محل بسطها فرضي الله عنه و عن الصحابة أجمعين .

الوجه الرابع : وفيه بيان مدى حفظ أبي هريرة -رضي الله عنه- و شهادتهم له بذلك

أخرج البخاري [24] من حديث محمد بن عمارة بن حزم أنه قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعةَ عشر رجلاً، فجعلَ أبو هريرة يحدثهم بالحديثِ فلا يعرفهُ بعضهم، فيراجعونَ فيهِ حتى يعرفوه، ثم يحدثهم بالحديثِ كذلكَ حتى فعلَ مرارًا، فعرفتُ يومئذٍ أنّ أبا هريرةَ أحفظُ الناس.

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- : أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة.[25]

و قال الذهبي -رحمه الله -[26]: وقد كانَ أبو هريرةَ وثيقَ الحفظ، ما علمنا أنهُ أخطأَ في حديث. وقال أيضًا [27]: أينَ مثلُ أبي هريرةَ رضي الله عنه في حفظهِ وسعةِ علمه.

و قال البخاري : روى عنه نحو ثمانمائة من أهل العلم، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره . [28].

لا تتعجبون من حفظ الامام أحمد لسبع مائة ألف حديث و أبي داود لخمس مائة ألف حديث و غيرهم من الحفاظ رحمهم الله و تتعجبون من حفظ من دعا له النبي عليه الصلاة و السلام لحفظه 5374 حديث (فهو بهذا العدد أكثر الصحابة رواية للحديث رضي الله عنه و هو مقصودي في العنواني بقولي "المكثر الجليل") !!

الوجه الخامس: و فيه بيان عدالة أبي هريرة -رضي الله عنه-

قال أبو الزعيرعة كاتبُ مروان: أرسلَ مروانُ إلى أبي هريرةَ فجعلَ يحدثه ، وكان أجلسني خلف السرير أكتبُ ما يحدثُ به، حتى إذا كانَ في رأسِ الحول أرسلَ إليهِ فسألهُ وأمرني أن أنظر، فما غيَّر حرفاً من حرف.[29]

وقال شمس الأئمة السرخسي: "إن أبا هريرة ممن لا يشك أحدٌ في عدالته، وطول صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.[30]...فالله المستعان على من يشكك في عدالة من عدله الله..

الوجه السادس : و فيه ذكر الحديث الذي تمسك به الطاعنون

روى مُسْلِمٍ [31]مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ . فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ . فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ " زَرْعًا " .

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- :وَأَصْلُهُ لِلْبُخَارِيِّ فِي الصَّيْدِ دُونَ الزِّيَادَةِ ، وَقَدْ وَافَقَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى ذِكْرِ الزَّرْعِ سُفْيَانُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ كَمَا تَرَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ أَوَّلُهُ : أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ .[32]

فظن الجهال الضُلال أن هذه الزيادة من أبي هريرة -رضي الله عنه- كانت لغرض شخصي -قبح الله الهوى- متخذين قول ابن عمر -رضي الله عنهما- مطية للطعن فيه و التشكيك في عدالته و مروياته ...
و سيأتي بيان وجه اللبس في قول ابن عمر -رضي الله عنهما- و حسبنا الله و نعم الوكيل.

الوجه السابع : إزالة الشبهة ببيان قصد ابن عمر -رضي الله عنهما- من كلامه

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في شرح الحديث :إِنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِشَارَةَ إِلَى تَثْبِيتِ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّ سَبَبَ حِفْظِهِ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ دُونَهُ أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ دُونَهُ ، وَمَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِشَيْءٍ احْتَاجَ إِلَى تَعَرُّفِ أَحْكَامِهِ.[33]

و قال ابن عساكر -رحمه الله- : قَوْلُهُ -أي ابْنُ عِمْرَ -: ( إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا ) لم يرد به التهمة لأبي هريرة -رضي الله عنه- و إنما أراد أن أبا هريرة -رضي الله عنه- حفظ ذلك لأنه كان صاحب زرع و صاحب الحاجة أحفظ لها من غيره . و ساق بسنده إلى أبي سليمان محمد بن ابراهيم أنه قال : يدل على صحة ذلك فتيا ابن عمر -رضي الله عنهما- بإباحة اقتناء كلب الزرع بعدما بلغه خبر أبي هريرة -رضي الله عنه- . [34]

قال النووي -رحمه الله- : قَوْلُهُ : ( قَالَ ابْنُ عِمْرَ : إِنَّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا ) ، وَقَالَ سَالِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ : أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ ، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ ) . قَالَ الْعُلَمَاءُ : لَيْسَ هَذَا تَوْهِينًا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَلَا شَكًّا فِيهَا ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ وَحَرْثٍ اعْتَنَى بِذَلِكَ وَحَفِظَهُ وَأَتْقَنَهُ ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِشَيْءٍ يُتْقِنُهُ مَا لَا يُتْقِنُهُ غَيْرُهُ ، وَيَتَعَرَّفُ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ اتِّخَاذُهُ لِلزَّرْعِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُغَفَّلِ ، وَمِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَكَرَهَا أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ الْبَجَلِيُّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَتَحَقَّقَهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهَا عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَزَادَهَا فِي حَدِيثِهِ الَّذِي كَانَ يَرْوِيهِ بِدُونِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَذَكَّرَ فِي وَقْتٍ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَوَاهَا ، وَنَسِيَهَا فِي وَقْتٍ فَتَرَكَهَا . وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَيْسَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ ، بَلْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي رِوَايَتِهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوِ انْفَرَدَ بِهَا لَكَانَتْ مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً مُكَرَّمَةً .[35]

الوجه الثامن : في زيادة الصحابي ضمن مبحث زيادة الثقات

قال النووي -رحمه الله- في شرح الحديث كما نقلت آنفا : وَلَوِ انْفَرَدَ بِهَا لَكَانَتْ مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً مُكَرَّمَةً .[36]

و قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- : " الزيادة الحاصلة بين الصحابي، على صحابي آخر، إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها، كحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي في الصحيحين، في قصة آخر من يخرج من النار ... وكحديث ابن عمر، رضي الله عنهما: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري : فأبردوها بماء زمزم ".اهـ[37]

و لعلنا نشير إلى مثال آخر نقله أيضا الحافظ ابن حجر عن الإمام البخاري -رحمهما الله- أنه قال : " ما زاده بن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيه وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم". [38]

الوجه التاسع : ثناء ابن عمر -رضي الله عنهما- على أبي هريرة -رضي الله عنه-

عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ مَرَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ - وَهُوَ يُحَدِّثُ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً ، فَلَهُ قِيرَاط .فَقَالَ : انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ! فَقَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ إِلَى عَائِشَةَ ، فَقَالَ لَهَا : أُنْشِدُكِ بِاللَّهِ ، هَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً - الْحَدِيثَ- .فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ نَعَمْ . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَرْسُ الْوَدِيِّ ، وَلَا صَفْقٌ فِي الْأَسْوَاقِ ; وَإِنَّمَا كُنْتُ أَطْلُبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَلِمَةً يُعَلِّمُنِيهَا ; أَوْ أَكْلَةً يُطْعِمُنِيهَا .فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ . [39]. وحديث القيراط و في لفظ قيراطين [40]

وورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يترحم على أبي هريرة -رضي الله عنه- في جنازته ويقول: "كان يحفظ على المسلمين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.[41]

الوجه العاشر : وفيه النهي عن التنقص من الصحابة و التشكيك في عدالتهم و الوصية بالكف عما شجر بينهم

قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدَكم لو أنفق مثَل أحدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَهُ". [42]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في معرض كلام له على حكم سب الصحابة -رضي الله عنهم- : ولهذا تجد عامة من ظهر عليه شيء من هذه الأقوال ، فإنه يتبين أنه زنديق ، وعامة الزنادقة إنما يستترون بمذهبهم ، وقد ظهرت لله فيهم مثلات ، وتواتر النقل بأن وجوههم تمسخ خنازير في المحيا والممات ، وجمع العلماء ما بلغهم في ذلك ، وممن صنف فيه الحافظ الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي كتابه في النهي عن سب الأصحاب ، وما جاء فيه من الإثم والعقاب .وبالجملة فمن أصناف السابة من لا ريب في كفره ومنهم من لا يحكم بكفره ، ومنهم من تردد فيه .[43]

و قال أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله- في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولانفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. [44]

و اعلم يا أخي – وقانا الله وإياك مضلات الفتن ، ما ظهر منها وما بطن – أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب لأفضل نبي عليه أفضل الصلاة و السلام ، أما ما حصل بين الصحابة من الاختلاف والاقتتال : فيجب علينا الكف عنه ، مع اعتقاد أنهم أفضل الأمة ، ومحبتهم والترضي عنهم ، وعلى هذا تتابعت كلمة أهل السنة والجماعة . و قد سئل عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- عن علي وعثمان -رضي الله عنهما- والجمل وصفين وما كان بينهم ؟ فقال : ( تلك دماء كف الله يدي عنها ، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها ) .[45]

وسأل رجل الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- عما جرى بين علي ومعاوية ؟ فأعرض عنه ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، هو رجل من بني هاشم ، فأقبل عليه فقال : اقرأ : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .[46]

وقال القرطبي -رحمه الله- : لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل ، وهم كلهم لنا أئمة ، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم ، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر ، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم ".[47]

و أختم في الأخير بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى " انتهى باختصار . [48] .

فإن عرفتم أنكم مخلطون متخبطون فأريحونا منكم ، فبعد قليل ينكشف البهرَج ، و ينكب الزغَل و لا يحيق المكر السَيءُ إلا بأَهله .[49]

حسبنا الله و نعم الوكيل و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .

__________________________________________________ _________________________________
[1] مقدمة الاستيعاب في معرفة الأصحاب للحافظ ابن عبد البر النمري
[11] الأنعام/ 124
[12] البخاري في "صحيحه" (1 / 24) برقم: (67) ومسلم في "صحيحه" (5 / 107) برقم: (1679)
[13] الكفاية في علوم الرواية للخطيب ( 76 )
[14] الاستيعاب في معرفة الأصحاب ( 1 / 9 )
[15] الإصابة في تمييز الصحابة ( 1 / 9 )
[16] فتح المغيث ( 3 / 112 )
[17] مقدمته ص 146 ، 147
[18] التبصرة والتذكرة ( 3 / 13-14 )
[19] البخاري في صحيحه( 3398)
[20] أخرجه البخاريُّ في العلم (99)
[21] أخرجه البخاريُّ (118)
[22] المستدرك للحاكم 3 /586 رقم( 6175)
[23] مسند الشافعي رقم (1292)،وأخرجه أيضاً الإمام مالك في الموطأ في باب طلاق البكر (2/447) رقم(39)
[24] التاريخ الكبير (1 / 186 - 187)
[25] التقريب (680)
[26] انظر سير أعلام النبلاء (2 /621)
[27] المصدر السابق (2 /609)
[28] الذهبي في التذكرة: 1/ 33
[29]وأخرجهُ الحاكم في المستدرك (3 /510) وفيه "فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر" قال الحاكم : صحيح الإسناد، وأقرّهَ الذهبي.
[30] أصول السرخسي 1/340
[31] أخرجه مسلم في صحيحه برقم: (1571)
[32] فتح الباري 5/8
[33] تاريخ ابن عساكر (72807) و قال الذهبي كما في السير ( ص: 617 ) : رواته ثقات .و قول ابن عمر رضي الله عنهما : ( كنت ألزمنا...)أخرجه أحمد في المسند و الترمذي في الجامع
[34] متفق عليه أخرجاه في كتاب الجنائز لهما وغيره
[35] طبقات ابن سعد (4/340)، وسير أعلام النبلاء (2/604)
[36] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 10/182
[37] النكت على مقدمة ابن الصلاح:( 2 / 690 - 691 )
[38] فتح الباري (2/ 283)
[39] فتح الباري 5/8
[40] تاريخ دمشق لابن عساكر 67/348
[41] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 10/182
[42] البخاري (3673) و مسلم (2540)
[43] الصارم المسلول على شاتم الرسول ( 590 - 591)
[44] عقيدة أبي جعفر الطحاوي الموسومة ب"الطحاوية"
[45] الطبقات الكبرى لابن سعد (5/394)
[46] مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (ص126)
[47] تفسير القرطبي -رحمه الله- (16/321)
[48] مجموع الفتاوى له -رحمه الله- (3/152- 156)
[49] تذكرة الحفاظ للذهبي (1/4) و البَهْرَجٌ : البَاطِلٌ و الزَّغَلُ : الغِشُّ .

انتقاه و نسقه : أبو أيوب صهيب زين البسكري .


التعديل الأخير تم بواسطة أبو أيوب صهيب زين ; 30 Jan 2017 الساعة 06:00 PM سبب آخر: عنوان
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06 Mar 2016, 05:45 PM
أبو ميمونة منور عشيش أبو ميمونة منور عشيش غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
الدولة: أم البواقي / الجزائر
المشاركات: 582
افتراضي

جُزيتَ خيرًا أبا أيُّوب..
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06 Mar 2016, 06:04 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

آمين و إياك على مرورك الطيب أبا ميمونة
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02 Jun 2017, 02:54 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

يرفع للفائدة
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
متميز, الصحابة, عقيدة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013