الواجب على أهل العلم من العلماء الكبار ومَن دونهم ، والطلبة فيما بينهم العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله تعالى
جاءني على الواتساب .... اللهم اجز من ارسلها خيرا
عن الواقع بين طلاب العلم وأهله
ليست بقلمي بل بقلم
العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله تعالى - قال:
"أما الواجب على أهل العلم من العلماء الكبار ومَن دونهم ، والطلبة فيما بينهم :
فعلى كل منهم أن يحب للآخر ما يحب لنفسه ، وهذا واجب عمومي على جميع المسلمين .
لكن أهل العلم عليهم من هذا الحقِّ أعظمُ مما على غيرهم ؛ لما تميَّزوا به ، ولما خصهم الله به .
وعلى كل منهم أن يدين لله ويتقرب إليه بمحبته جميعَ أهل العلم والدين ، فإن هذا الحب من أعظم ما يقرِّب إلى الله ، ومن أكبر الطاعات .
وهذا الحب يتبع ما اتصف به الإنسان من الأمور التي يحبها الله ورسوله ، من العلم والاشتغال به ، والعمل ، فإن نفس الاشتغال بالعلوم الشرعية وتوابعها من أجلِّ الطاعات .
ثم حصول العلم للشخص هو من الأوصاف التي يُحَبُّ لأجلها ، ثم تعليمه للناس وعمله مما يجب أن يُحَب عليه .
فكل هذه الأمور موجودة في أهل العلم ، فلهم من الحق على أهل العلم وعلى غيرهم = أن يميِّزوا بهذا عن غيرهم ؛ لما لهم من المميزات .
وإذا عثر أحدهم وغلط في مسألة علمية؛
تعيَّن ستر ما صدر منه ، ونصيحته بالتي هي أحسن .
ومن أعظم المحرمات ، وأشنع المفاسد : إشاعة عثراتهم ، والقدح فيهم في غلطاتهم ، وأقبح من هذا وأقبح : إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك .
وربما يكون - وهو الواقع كثيرًا - أن الغلطات التي صدرت منهم ، لهم فيها تأويل سائغ ، ولهم اجتهادهم فيه ، وهم معذورون ، والقادح فيهم غير معذور .
وبهذا وأشباهه يظهر لك الفرق بين أهل العلم الناصحين ، والمنتسبين للعلم من أهل البغي والحسد والمعتدين .
والذب عن أعراض أهل العلم والدين ، ولا ريب أن هذا من أفضل القربات .
ثم لو فُرض أن ما أخطؤوا فيه أو عثروا ، ليس لهم فيه تأويل ولا عذر؛
لم يكن من الحق والانصاف أن تُهدر المحاسن ، وتمحى الحقوق الواجبة بهذا الشيء اليسير ، كما هو دأب أهل البغي والعدوان ، فإن ضرره كبير ، وفساده مستطير .
أي عالم لم يخطئ ؟! وأي حكيم لم يعثر ؟!
وقد عُلمت نصوص الكتاب والسنة التي فيها الحث على المحبة والائتلاف ، والتحذير من التفرق والاختلاف ، وأعظم من يُوَجَّه إليهم هذا الأمر : أهل العلم والدين .
فمتى لزموا هذه الأوامر الشرعية الحكيمة تبعهم الناس واستقامت الاحوال.
ومتى أخلوا بذلك ، وحل محله البغي والحسد ، والتباغض والتدابر : تبعهم الناس ، وصاروا أحزابًا وشيَعًا ، وصارت الأمور في أطوار التغالب وطلب الانتصار ، ولو بالباطل ، ولم يقفوا على حد محدود ، فتفاقم الشر ، وعظم الخطر ، وصار المتولي لكبرها : من كان يُرجى منهم - قبل ذلك - أن يكونوا أول قامع للشر !
وإذا تأملت الواقع ؛
رأيت أكثر الأمور على هذا الوجه المحزن !
ولكنه مع ذلك يوجد أفراد من أهل العلم والدين ثابتين على الحق ، قائمين بالحقوق الواجبة والمستحبة ، صابرين على ما نالهم في هذا السبيل من قدح القادح ، واعتراض المعترض ، وعدوان المعتدين .
فتجدهم متقربين إلى الله بمحبة أهل العلم والدين ، جاعلين محاسنهم وتعليمهم ونفعهم نصب أعينهم ، قد أحبوهم لما اتصفوا به ، وقاموا به من هذه المنافع العظيمة ، غير مبالين بما جاء منهم إليهم من القدح والاعتراض ، حاملين ذلك على التأويلات المتنوعة ، ومقيمين لهم الأعذار الممكنة .
وما لم يُمكنهم مما نالهم منهم أن يجدوا له محملًا ؛
عاملوا الله فيهم ؛ فعفوا عنهم لله ، راجين أن يكون أجرهم على الله ، وعفوا عنهم لما لهم من الحق الذي هو أكبر شفيع لهم .
فإن عجزوا عن هذه الدرجة العالية ، التي لا يكاد يصل إليها الا الواحد بعد الواحد؛
نزلوا إلى درجة الإنصاف ، وهي اعتبار ما لهم من المحاسن ، ومقابلتها بالإساءة الصادرة منهم إليهم ، ووازنوا بين هذه وهذه .
فلابد أن يجدوا جانب الإحسان أرجح من جانب الإساءة ، أو متساويين ، أو ترجح الإساءة ، وعلى كل حال من هذه الاحتمالات فيعتبرون ما لهم وما عليهم .
وأما من نزل عن درجة الإنصاف ؛ فهو بلا شك ظالم ضار لنفسه ، تارك من الواجبات عليه بمقدار ما تعدى من الظلم .
فهذه المراتب الثلاث : مرتبة الكمال ، ومرتبة الإنصاف ، ومرتبة الظلم = تميِّز كل أحوال أهل العلم ومقاديرهم ودرجاتهم ، ومن هو القائم بالحقوق ، ومن هو التارك .
والله تعالى المعين الموفق"اهـ .
[ الرياض الناضرة (ص٨٩٩٢) . وهو في مجموع مؤلفات ابن سعدي (٢٢/ ١٤٣١٤٥) ]
نشرها الشيخ محمد بازمول على صفحته.
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن التلمساني ; 30 Dec 2017 الساعة 03:20 PM
|