بعض ما جاء عن أئمة المذاهب في احتفال المسلم بأعياد الكفار
قد كتب العلماء قديما وحديثا في حكم الاحتفال بعيد النصارى، أو موافقتهم في ذلك، ولعظيم هذا الأمر فقد كثرت فتاوى العلماء في التحذير من ذلك، وأنه ينافي التوحيد إما من أصله؛ فيكون كفرا ـ كما سيأتي ـ، أو من كماله الواجب، فيكون محرما.
وقد كان قصب السبق لبعض إخواننا في هذا المنتدى لنقل كلام العلماء في هذه القضية، والمقصود هو النفع، وسأعقبه في هذه الصفحة بنشر كلام أئمة المذاهب، حتى يتبين أن المسألة ليست هينة.
فأقول وبالله أستعين:
أقوال المذاهب الأربعة في مشاركة المسلمين للكفار في أعيادهم:
1. الأحناف:
ـ قال ابن نجيم الحنفي ـ وهو يتكلَّم عن أَسبَابِ الرِّدَّة ـ: "وبِخُرُوجِه إِلى نَيرُوزِ المَجُوس، والمُوافَقَة مَعَهم فِيما يَفعَلُون فِي ذَلِك اليَوم، وبِشِرائِه يَومَ النَّيرُوز شَيئًا لَم يَكُن يَشتَريه قَبلَ ذلِك، تَعظيمًا للنَّيرُوز، لا لِلأَكل والشُّرب، وبإِهدَائِه ذَلِك اليَومَ لِلمُشرِكين ولَو بَيضَةً". ["البحر الرائق": (5 / 133)]
ـ وقال أيضا: "ضَربُ الدِّفَافِ(1) علَى الأَبوابِ أيَّامَ النَّيرُوز لا يحِلُّ، بل هُو مَكرُوهٌ(2)". ["البحر الرائق": (8 / 233)]
ـ قال الحصكفي الحنفي: "(والإعطاءُ باسم النَّيروز والمِهرجان لا يَجوز) أي الهدايا باسم هذين اليَومَين حرامٌ، (وإن قَصَد تعظِيمَه) كما يُعظِّمه المُشرِكون (يَكفُرُ). قال أبو حفص الكبير: "لو أنَّ رَجلاً عَبَدَ اللهَ خَمسِين سَنةً، ثمَّ أَهدَى لمُشرِكٍ يَومَ النَّيروز بَيضَةً يُرِيد تَعظِيم اليَوم(3) فقَد كَفَر وحَبِط عملُه" ا هـ
ولو أهدَى لمسلِمٍ ولمَ يُرِد تعظيمَ اليَوم، بَل جَرى علَى عَادَةِ النَّاس لاَ يَكفُر، وينبغي أن يفعله قبله أو بعده نفيًا للشُّبهة، وَلَو شَرَى فِيهِ مَا لَم يَشتَرِه قَبلُ؛ إِن أَرَادَ تَعظِيمَه كَفَر، وَإِن أَرَادَ الأَكلَ كالشُّرب(4)، والتَّنعِيم لا يكفُر. زيلعي". ["الدر المختار": (10/485)]
قال ابن عابدين(5): "ومِثلُ القَولِ النِّيَّةُ فِيمَا يَظهَر (ط)". [حاشية ابن عابدين - (10/485)]
ـ وهذا ما جاء في فتاوى علمائهم، كما في: "الفتاوى الهندية": (2/296).
2. المالكية:
ـ قال الشَّيخ خَليلُ بن إسحاق ـ رحمه الله ـ في "مختصره" ـ في ذِكر مَن تُرَدُّ شَهادَتُه ـ: "(وَلَعِب بِنَيرُوزٍ)".
ـ قال الدردير: "اللَّعب في يوم النَّيروز؛ وهو أوَّل يومٍ من السَّنة القِبطيَّة مانِعٌ من قَبول الشَّهادة، وهو مِن فِعل الجاهِليَّة والنَّصارى، ويَقع في بعض البِلاد مِن رعَاعِ النَّاس" ["الشرح الكبير": (4/181)]
ـ "عبارة ابن عات: "يُجرحُ الرَّجل بصَنِيعَة النَّيروزِ والمِهرجَان؛ إِذ هُو مِن فِعلِ النَّصارَى؛ لِقَوله ـ علَيه السَّلام ـ: "مَن أَحَبَّ قَومًا فَهُوَ مِنهُم"". ["التاج والإكليل": (8/200)]
ـ قال القرافي ـ رحمه الله ـ نقلاً عن ابنِ حَبِيب: "وَلاَ يَلزَمُ الأبَ حَقُّ الأَعيَاد(6)؛ لأنَّها مُكارَمةٌ في أَعيَادِ المُسلِمين، مَكرُوهةٌ في أَعيادِ النَّصارَى" ["الذخيرة": (5/403)]
ـ وجعل القرافي "التَّردُّد للكَنائِس بزَيِّ النَّصارى فيِ أَعيَادِهِم" كُفرًا(7). ["الذخيرة": (12/28، 35)]
ـ وذكر الدَّردير أنَّ "قَبول مَا يهدُونَه فِي أَعيادِهم مِن نَحو كَعكٍ وبَيضٍ" مَكروهٌ(8). ["الشرح الكبير": (2 / 102)، وانظر: "منح الجليل": (1/572)]
ـ "لاَ يَحِلُّ قَبُولُ هَدَايا النَّصارَى فيِ أَعيَادِهم للمُسلِمين، وَكَذا اليَهُودِ، وكَثِيرٌ مِن جَهَلَة المسلِمِين مَن يَقبَل مِنهم ذلِك فيِ عِيدِ الفَطِيرةِ عِندَهُم، وغَيرِه". ["منح الجليل": (3/765)]
ـ قال مالك: "لاَ يَبِيع شَاتَهُ مِن المُشرِكِين إِذَا عَلِم أنَّهم إنَّما يشتَرُونها لِيَذبَحُوها لأَِعيَادِهم. ولا يَكرِي دابَّته مِنهم إِذا عَلِم أنَّهم إنَّما استَكرَوْها لِيَركَبُوها إِلى أعيَادِهم". ["المدونة": (3/435)]
فأين الذين يبيعون الحلويات وغيرها لمن يعلمون أنهم يحتفلون بعيد الكفار؟!!
ـ "وسُئِل مَالِكٌ عَن بَيعِ الجَزرَة مِن النَّصرانيِّ وَهُو يَعلَم أنَّه يُرِيدُها لِذَبحِ أَعيَادِهِم فيِ كنَائِسِهم، فَكَرِه ذلِك، فقِيلَ لَه: أيَكرُونَ الدَّوابَّ والسُّفُن إِلى أَعيَادِهم؟ قالَ: يَجتَنِبُه أَحبُّ إِليَّ". ["البيان والتحصيل": (3/276)]
3. الشافعية:
ـ قَد نَصَّ عُلَماءُ الشَّافِعيَّةُ أنَّ "مُوَافَقَةُ الكُفَّارِ فيِ أَعيَادِهِم وَنَحوِهَا" يُعَزَّرُ صَاحِبُهَا، وذلك "بأَن يَفعَلَ مَا يَفعَلُونَه فيِ يَومِ عِيدِهِم، وهَذَا حَرَامٌ".
["تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (5/21)، "مغني المحتاج" (4/255)]
4. الحنابلة:
ـ جاء في "الشرح الكبير": "يُمنَعُون مِن إِظهَارِ المُنكَر؛ كَالخَمرِ وَالخِنزِيرِ، وضَربِ النَّاقُوسِ، ورَفعِ أَصوَاتِهِم بِكِتَابِهِم، وَإِظهَارِ أَعيَادِهِم". [(10/464)]
بكيف بمن يعينهم ـ من المسلمين ـ على إظهارها؟!!!
ـ وجاء في "الفروع": "وَيَحرُم بَيعُ مَا يَعمَلُون بِهِ كَنِيسَةً، أَو تِمثَالاً، ونَحوَه، قال: وكُلُّ مَا فِيهِ تَخصِيصٌ لِعِيدِهِم، وتَميِيزٌ لَه، فَلا أَعلَمُ خِلاَفًا أَنَّه مِن التَّشَبُّه، وَالتَّشبُّهُ بِالكُفَّارِ مَنهِيٌّ عَنهُ (ع)".
ـ "مَا أُحِبُّ لِرَجُلٍ أَن يَتَعَمَّدَ الحَلوَاءَ، وَاللَّحمَ لمَِكَانِ النَّيرُوزِ؛ لأِنَّه مِن زِيِّ الأَعَاجِمِ، إِلاَّ أَن يُوَافِقَ ذَلِكَ وَقتًا كَانَ يَفعَلُ هَذَا فِيهِ".[(8/374)]
ـ وفيه أيضًا: "ومَن قَالَ لِذِمِّيٍّ: (يَا حَاج) عُزِّرَ؛ لأنَّ فِيه تَشبِيهَ قَاصِدِ الكَنائِسِ بِقَاصِدِ بَيتِ الله, وَفِيه تَعظِيمٌ لذلِك, فإنَّه بمَنزِلَة مَن يُشبِّهُ أَعيَادَهُم بِأعيادِ المُسلِمِينَ وتَعظِيمِهم". [(10/120)]
ـ "وَلاَ يَجُوزُ ... تَهنِئَتُهُم، ...وَشَهَادَةُ أَعيَادِهِم". ["حاشية الروض المربع" (4/312)]
ـ "ولَيسَ لِلمُسلِمين أَن يُعِينُوهُم عَلَى أَعيَادِهم؛ لاَ بِبَيعِ مَا يَستَعِينُونَ بِهِ عَلَى عِيدِهِم، وَلاَ بِإِجَارَةِ دَوابِّهم لِيَركَبُوها فيِ عِيدِهم؛ لأَنَّ أَعيَادَهم ممَّا حَرَّمَهُ اللهُ تعَالى ورَسُولُه ـ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّم ـ لما فِيها مِن الكُفرِ والفُسُوقِ والعِصيَانِ.
وأمَّا إِذَا فَعَل المُسلِمُونَ مَعهُم أَعيَادَهُم، مِثل: صَبغِ البَيضِ، وتَحمِيرِ دَوَابِّهم بمُغْرةٍ، وبَخُورٍ، تَوسِيعِ النَّفَقاتِ، وعَمَلِ طَعامٍ، فَهَذا أَظهَرُ مِن أَن يَحتَاجَ إِلَى سُؤَالٍ، بل قَد نَصَّ طَائِفَةٌ مِن العُلَماءِ مِن أَصحَابِ أبي حَنِيفةَ ومَالِكٍ عَلى كُفرِ مَن يَفعَلُ ذَلِك. وقَال بَعضُهم: مَن ذَبَح بَطِّيخَةً فيِ عِيدِهم فَكَأَنَّمَا ذَبَح خِنزِيرًا، ولَو تَشَبَّه المُسلِم بِاليَهُود أَو النَّصَارى فيِ شَيءٍ مِن الأُمُور المُختَصَّة بِهم لَنُهِيَ عَن ذَلِك باتِّفاقِ العُلماءِ، وإِن كَان أَصلُ ذلِكَ جَائزًا إِذَا لمَ يَكُن مِن شِعارِهِم، مِثل: لِباسِ الأَصفَرِ، ونحوِه، فَإِنَّ هذَا جائِزٌ فيِ الأَصلِ، لكن لمَّا صَارَ مِن شِعَار الكُفر لَم يَجُز لأَحدٍ أَن يَلبَسَ عِمامَةً صَفرَاءَ، أو زَرقَاءَ لِكَون ذلِك مِن لِباسِهِم الَّذي يَمتَازُون بِه، فكَيفَ من يُشارِكُهم فيِ عَاداتِهم وشَعائِر دِينِهم؟ بل ليسَ لأَحدٍ مِن المُسلِمِين أَن يَخصَّ مواسِمَهم بشَيءٍ ممَّا يَخصُّونها بِه، ومَن فَعلَ ذلِك عَلَى وَجهِ العِبادَة والتَّقرُّبِ بِه، واعتِقَادِ التَّبَرُّرِ بِهِ فإنَّه يُعرَّفُ دِينَ الإِسلامِ، وأنَّ هذَا لَيسَ مِنهُ بل هُو ضِدُّه، ويُستَتَابُ مِنه، فإِن تَابَ وإِلاَّ قُتِل.
ولَيسَ لأَحدٍ أَن يُجِيبَ دعوةَ مسلمٍ يَعملُ في أَعيادِهم مِثلَ هذِه الأَطعِمة، ولاَ يحِلُّ لَه أَن يَأكُلَ مِن ذَلك، بَل لَو ذَبحُوا ـ هُم ـ فيِ أعيَادِهم شيئًا لأَنفُسهم ففِي جَوازِ أَكلِ المُسلِم مِن ذلِكَ نِزاعٌ بَين العُلمَاءِ، والأَصحُّ عَدمُ الجَوازِ؛ لِكَونِهم يَذبَحونَها علَى وَجهِ القُربَان، فَصَار مِن جِنس مَا ذُبِح علَى النُّصُب، ومَا أُهِلَّ بِه لغَير اللهِ.
وأَمَّا ذَبحُ المُسلِم لِنفسِه فيِ أَعيادِهم عَلَى وَجه القُربَة فَكُفرٌ بَيِّنٌ كَالذَّبح للنُّصُب، ولاَ يجوزُ الأَكلُ مِن هذِه الذَّبِيحة بِلا رَيبٍ وَلَو لَم يَقصِد التَّقرُّب بذلِك، بَل فَعلَه لأَنَّه عَادَةٌ، أو لِتفرِيجِ أَهلِه فإنَّه يَحرُم علَيك ذلِك، واستَحَقَّ العُقُوبةَ البَليغَةَ إِن عَاد إِلى مِثل ذلِك؛ لقَولِه ـ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ـ: "لَيسَ مِنَّا مَن تَشَبَّهَ بِغَيرِنَا"، و"مَن تَشبَّهَ بِقَومٍ فَهُوَ مِنهُم"، وقَد بَسطَنا ذلِك فيِ كتَابِنا "اقتضاء الصِّراط المستقيم"، وذكَرنا دلائِلَ ذلِك كلَّها". اهـ بتصرف ["مختصر الفتاوى المصرية" (1/561،562)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهو يدل على الفرح والاحتفال.
(2) أي كراهة تحريم، بدليل قوله: "لا يحل".
(3) وهذا قيد مهم، ينبغي مراعاته.
(4) كذا في الأصل، ولعلها: والشرب!
(5) ولد في (1193)، وكان له رأي غير سديد في أئمة الدعوة؛ حيث يقول ـ وهو يتكلم عن الخوارج ـ: "كما وقع من أتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد، وتغلبوا على الحرمين، وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون، وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة، وقتل علمائهم، حتى كسر الله تعالى شوكتهم، وخرب بلادهم، وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف" "حاشيته": (6/413). وانظر لدفع هذه الشبهة "دعاوى المناوئين للشيخ محمد بن عبد الوهاب" للشيخ عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف ـ رحمه الله ـ.
(6) لمعلِّم الصِّبيان.
(7) وهذا ما يحصل من بعض جهلة المسلمين، والله المستعان.
(8) الظاهر أنه يقصد الكراهة التنزيهية. قارن بكلام ابن رشد في "البيان والتحصيل" (3/276).
نقله أبو عبد الله حسن بن داود
التعديل الأخير تم بواسطة حسن بوقليل ; 10 Dec 2009 الساعة 03:08 PM
|