منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 Jun 2010, 02:32 PM
بحوصي بحوص بحوصي بحوص غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 191
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى بحوصي بحوص
افتراضي تأملات في قوله تعالى : وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركته



تأملات في قوله تعالى : وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [سورة الأحزاب الآية 6 ]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
وبعد: فهذا بحث مشتمل على لطائف متفرقة وفوائد متنوعة منبثقة من النظر والتأمل لقوله تعالى- في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وذلك في الآية السادسة من سورة الأحزاب ، حيث جعلهن تبارك وتعالى أمهات للمؤمنين .
ولا ريب أن هذه درجة رفيعة نلنها ، ومكانة سامية تبوأنها ، تكرمة من الله لهن وتشريفا ، ولله ما أعظمها من مكانة وأعلاها من درجة شرفن بها بزواجهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى بهذا التكريم لهن والتشريف يعظم حقهن ، ويعلي بين الأمة قدرهن ، وينوه بلزوم الاهتمام بواجبهن رضي الله عنهن وأرضاهن .
وقد انتظم هذا البحث خمس عشرة مسألة تدور حول فقه هذه الآية وتأملها . وقصدي من وراء ذلك نفع نفسي ومن يقف
عليه من إخواني ، والقيام بشيء من واجبات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن .
والمسائل المبحوثة هنا هي:
المسألة الأولى : في بيان معنى الأزواج .
المسألة الثانية : في بيان معنى الأمهات .
المسألة الثالثة : في فائدة الإضافة في قول الله تعالى: وأزواجه .

المسألة الرابعة : في فائدة الإضافة في قوله تعالى:وأمهاتهم .

المسألة الخامسة : في وجه كون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين .
المسألة السادسة : إذا قيل: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين ، فهل يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أب لهم؟
المسألة السابعة : هل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين فقط؟ أو أمهات للمؤمنين والمؤمنات؟
المسألة الثامنة : هل يقال لإخوان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم أخوال للمؤمنين؟ وهل يقال لبناتهن بأنهن أخوات للمؤمنين؟
المسألة التاسعة : هل يقال لسراري النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين أو لا يقال؟
المسألة العاشرة : هل النساء اللاتي عقد عليهن صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بهن معدودات في أمهات المؤمنين؟
المسألة الحادية عشرة : في ذكر عدد أزواجه صلى الله عليه وسلم والتعريف بهن رضي الله عنهن .
المسألة الثانية عشرة : في ذكر بعض فضائلهن وخصائصهن .
المسألة الثالثة عشرة : في واجبنا نحو أزواجه صلى الله عليه وسلم .
المسألة الرابعة عشرة : في الحكمة من تعدد أزواجه صلى الله عليه وسلم .
المسألة الخامسة عشرة : في التحذير من بعض المواقف المنحرفة تجاه أزواجه صلى الله عليه وسلم .
وهذا أوان الشروع في المراد ، وبالله وحده التوفيق .
المسألة الأولى: في بيان معنى الأزواج :
الأزواج في اللغة : جمع زوج ، وأصله من مادة " زوج " الدالة على مقارنة شيء لآخر . واقتران الذكر بالأنثى يسمى زواجا ، ويسمى كل واحد منهما زوجا للآخر ، ومنه قوله تعالى لآدم : سورة الأعراف الآية 19 اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ، وقوله عن زكريا:سورة الأنبياء الآية 90 وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ، وقد يقال للمرأة: زوجة ، وتجمع على زوجات ، إلا أن الأول أفصح انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3 / 35)، وجلاء الأفهام لابن القيم (ص 150، 151). .
والزواج يعد من النعم العظيمة التي امتن الله بها على عباده ، ومن الآيات الكبيرة الدالة على كمال قدرة الله تبارك وتعالى ، وتمام حكمته ، ووجوب إخلاص الدين له دون ما سواه .
قال تعالى: سورة النحل الآية 72 وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ، وقال تعالى: سورة الشورى الآية 10 ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ سورة الشورى الآية 11 فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وقال تعالى: سورة الروم الآية 21 وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .

المسألة الثانية: في بيان معنى الأمهات :
الأمهات: جمع ، مفرده أم ، وهي لغة بإزاء الأب ، وهي الوالدة القريبة التي ولدته ، والبعيدة التي ولدت من ولدته ، ولهذا قيل لحواء : هي أمنا ، وإن كان بيننا وبينها وسائط ، ويقال لكل ما كان أصلا لوجود الشيء أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه: أم .
قال الخليل : كل شيء ضم إليه سائر ما يليه يسمى أما انظر: المفردات، للراغب ص (22). .
وقد وردت كلمة (أم) في القرآن الكريم على أوجه عديدة:
الأول : بمعنى نفس الأصل: سورة آل عمران الآية 7 هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ أي: أصله .
الثاني : بمعنى المرجع والمأوى: سورة القارعة الآية 9 فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ أي: مسكنه النار .
الثالث : بمعنى الوالدة: سورة طه الآية 40 فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا .
الرابع : بمعنى الظئر: سورة النساء الآية 23 وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ .
الخامس : بمعنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ .
السادس : بمعنى اللوح المحفوظ: سورة الزخرف الآية 4 وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ .
السابع : بمعنى مكة شرفها الله تعالى: سورة الشورى الآية 7 لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى انظر: بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (2 / 111، 112). .
وبما تقدم يعلم أن المرأة قد تكون أما من أحد أوجه ثلاثة :
1 - إما من جهة الولادة ، فالوالدة أم لمن ولدته ، وأم لولد من ولدته .
2 - وإما من جهة الرضاعة ، فالمرضع أم لمن أرضعته ، وأم لولد من أرضعته .
3 - وإما من جهة التربية والإصلاح ، فالمربية والمصلحة أم لمن ربته وأصلحته .
فمن الأول قوله تعالى: سورة طه الآية 40 فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا
ومن الثاني قوله تعالى: سورة النساء الآية 23 وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ
ومن الثالث قوله تعالى: سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ
المسألة الثالثة: في فائدة الإضافة في قوله تعالى: وأزواجه :
لا شك أن هذه الإضافة تعد شرفا عظيما لهن ، حيثما تميزن عن نساء العالمين بذلك ، فاختارهن الله واصطفاهن ليكن زوجات لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ، وصرن بذلك لسن كسائر النساء ، بل أحسن وأطيب وأكمل ، قال تعالى: سورة الأحزاب الآية 32 يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ . فبزواج النبي صلى الله عليه وسلم بهن نلن تلك الفضيلة وتبوأن تلك الدرجة السامقة السامية الرفيعة ، التي لم تتحقق لأحد من النساء غيرهن رضي الله عنهن .
وقد خيرهن عليه الصلاة والسلام بين البقاء في هذه المنزلة
وإن قل العيش وضاق الرزق وبين الحياة الدنيا وزينتها ومتاعها الزائل فلم يردن شيئا غير البقاء معه صلى الله عليه وسلم ، وآثرن ذلك على الدنيا ومتاعها وزينتها ، قال تعالى: سورة الأحزاب الآية 28 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا سورة الأحزاب الآية 29 وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ، فلم يخترن رضي الله عنهن غير الله ورسوله والدار الآخرة ، وكن خير زوجات لخير زوج ، مؤمنات قانتات عابدات صالحات ، فآتاهن الله على ذلك الأجر العظيم ، ونلن أجرهن مرتين ، وأعد الله لهن الرزق الكريم والثواب الجزيل المضاعف ، قال تعالى: سورة الأحزاب الآية 31 وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا . وعندما نتأمل قول الله تبارك وتعالى: سورة النور الآية 26 وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ .
نعلم عظيم قدر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو عليه الصلاة والسلام الطيب المطيب ، ونساؤه الطيبات ، بل هو عليه الصلاة والسلام خير الطيبين وأفضلهم ، ونساؤه عليه الصلاة والسلام خير الطيبات وأفضلهن ، ولم يكن الله ليختار لنبيه عليه الصلاة والسلام إلا خير النساء وأفضلهن .
فالإضافة في قوله: سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ - ولا شك- فيها شرف وأيما شرف لهن رضي الله عنهن ، لا سيما وأن الله أخبر عن ذلك بلفظ الأزواج المشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران .
يقول ابن القيم رحمه الله: " وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفردا وجمعا كقوله تعالى لآدم:
سورة الأعراف الآية 19 اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ، وقال تعالى في حق زكريا: سورة الأنبياء الآية 90 وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ، وقال تعالى: سورة الأحزاب الآية 6 النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ، وقال تعالى: سورة الأحزاب الآية 28 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ ، والإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة ، قال تعالى: سورة المسد الآية 1 تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ إلى قوله: سورة المسد الآية 4 وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ سورة المسد الآية 5 فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ، وقال تعالى: سورة التحريم الآية 10 ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ فلما كانتا مشركتين أوقع عليهم اسم المرأة ، وقال في فرعون : سورة التحريم الآية 11 وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ لما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجا له ، وقال في حق آدم: سورة الأعراف الآية 19 اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: سورة الأحزاب الآية 50 إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ . وقال في حق المؤمنين: سورة البقرة الآية 25 وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ .
فقالت طائفة ، منهم السهيلي وغيره: إنما لم يقل في حق هؤلاء: الأزواج؛ لأنهن لسن بأزواج لرجالهم في الآخرة؛ ولأن التزويج حلية شرعية وهو من أمر الدين فجرد الكافرة منه كما جرد منها امرأة نوح وامرأة لوط . ثم أورد السهيلي على نفسه قول زكريا: سورة مريم الآية 5 وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ، وقوله تعالى عن إبراهيم: سورة الذاريات الآية 29 فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ ، وأجاب بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع؛ لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة ، فذكر المرأة أولى به؛ لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع ، لا من حيث كانت زوجا .
قلت: ولو قيل: إن السر في ذكر المؤمنين ونسائهم بلفظ الأزواج أن هذا اللفظ مشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران ، كما هو المفهوم من لفظه؛ فإن الزوجين هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان والمتساويان ، ومنه قوله تعالى: سورة الصافات الآية 22 احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " أزواجهم:أشباههم ونظراؤهم " ذكره ابن كثير في تفسيره (7 / 7). ، وقاله الإمام أحمد أيضا ، ومنه قوله
تعالى: سورة التكوير الآية 7 وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ أي: قرن بين كل شكل وشكله في النعيم والعذاب ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الآية: " الصالح مع الصالح في الجنة ، والفاجر مع الفاجر في النار " رواه الحاكم في المستدرك (2 / 516). ، وقاله الحسن ، وقتادة ، والأكثرون انظر: الدر المنثور للسيوطي (8 / 430). ، وقيل: " زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين ، وأنفس الكافرين بالشياطين " قاله الكلبي. انظر: الدر المنثور للسيوطي (8 / 430). ، وهو راجع إلى القول الأول ، وقال تعالى: سورة الأنعام الآية 143 ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ثم فسرها " من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين " فجعل الزوجين هما الفردان من نوع واحد ، ومنه قولهم . "زوجا خف ، وزوجا حمام " ونحوه ، ولا ريب أن الله سبحانه قطع المشابهة والمشاكلة بين الكفار والمؤمنين ، قال تعالى: سورة الحشر الآية 20 لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ، وقال تعالى: في حق مؤمن أهل الكتاب وكافرهم: سورة آل عمران الآية 113 لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الآية ، وقطع المقارنة سبحانه بينهما في أحكام الدنيا فلا يتوارثان ، ولا يتناكحان ، ولا يتولى أحدهما صاحبه ، فكما انقطعت الوصلة بينهما في المعنى انقطعت في الاسم ، فأضاف فيها المرأة بلفظ الأنوثةالمجرد ، دون لفظ المشاكلة والمشابهة .
فتأمل هذا المعنى تجده أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه؟ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر وعلى الكافرة امرأة المؤمن لفظ المرأة دون الزوجة؛ تحقيقا لهذا المعنى . والله أعلم .
وهذا أولى من قول من قال: إنما سمى صاحبة أبي لهب امرأته ، ولم يقل لها زوجته؛ لأن أنكحة الكفار لا يثبت لها حكم الصحة بخلاف أنكحة أهل الإسلام . فإن هذا باطل بإطلاقه اسم المرأة على امرأة نوح وامرأة لوط ، مع صحة ذلك النكاح .
وتأمل هذا المعنى في آية المواريث ، وتعليقه سبحانه التوارث فيها بلفظ الزوجة دون المرأة ، كما في قوله تعالى:
سورة النساء الآية 12 وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إيذانا بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب ، والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب فلا يقع بينهما التوارث ، وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص (151- 154). . ا هـ كلامه رحمه الله .
وبهذا التقرير الدقيق والتحقيق القيم- الذي ذكره رحمه الله- يتبين ما في قوله تعالى: سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ من تكريم بالغ ، وتشريف عظيم لأزواج النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهن أجمعين .

د . عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر مجلة البحوث الإسلامية 53
يتبع ان شاء الله

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11 Jul 2010, 08:08 AM
بحوصي بحوص بحوصي بحوص غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 191
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى بحوصي بحوص
افتراضي

المسألة الرابعة: في فائدة الإضافة في قوله تعالى:سورة الأحزاب الآية 6 أُمَّهَاتُهُمْ وفيها فائدتان:
الأولى : تتعلق بأزواج النبي عليه الصلاة والسلام ، حيث شرفهن الله وأكرمهن بهذا الوصف العظيم ، - ويعلم عظيم قدر هذا التشريف إذا علم نوع هذه الأمومة التي وصفن بها رضي الله عنهن ، ولهذا تفصيل وإيضاح يأتي في المسألة القادمة إن شاء الله .
الفائدة الثانية : تتعلق بالمؤمنين ، حيث أكرمهم الله بأن جعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات لهم ، ولا ريب أن في هذا تكريما للمؤمنين وحفزا لهم لمعرفة قدر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفضلهن وما لهن على المؤمنين من حقوق وواجبات ، ومتى قوي استشعار المؤمن لأمومة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم له قوي إقباله وزاد اهتمامه بما لهن من حقوق وواجبات .

المسألة الخامسة: في وجه كون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين :
لقد وصف الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن أمهات المؤمنين ، وذكر تعالى في آية أخرى ما يدل على أن الأم إنما هي الوالدة ، وذلك في قوله: سورة المجادلة الآية 2 إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ، وكتاب الله لا تعارض فيه ولا اختلاف ، ومن هفا فلا بد من بيان معنى الأمومة التي وصف بها أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفيما يلي أذكر ما أورده أهل العلم في بيان معنى الآية ، ثم أتبع ذلك بذكر ما يتلخص من كلامهم رحمهم الله .
فقد روي ابن جرير عن قتادة رحمه الله في قوله تعالى:سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ قال: " يعظم بذلك حقهن " جامع البيان (11 / 122). .
وروى ابن أبي حاتم عنه رحمه الله أنه قال: " أمهاتهم في الحرمة ، لا يحل لمؤمن أن ينكح امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته إن طلق ولا بعد موته ، هي حرام على كل مؤمن مثل حرمة أمه " ذكره السيوطي في الدر المنثور (21 / 566). .
وروى ابن جرير عن ابن زيد في معنى الآية: أي " محرمات عليهم " جامع البيان (11 / 122). .
وقال الشافعي رحمه الله: " وقوله: سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة . . . فقوله: أمهاتهم من يعني في معنى دون معنى ، وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال ، ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو كان لهن ، كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم .
قال الشافعي : فإن قال قائل: ما دل على ذلك؛ فالدليل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة بنته وهو أبو المؤمنين وهي بنت خديجة أم المؤمنين زوجها عليا رضي الله عنه ، وزوج رقية وأم كلثوم عثمان وهو في المدينة ، وأن زينب بنت أم سلمة تزوجت ، وأن الزبير بن العوام تزوج بنت أبي بكر ، وأن طلحة تزوج ابنته الأخرى ، وهما أختا أم المؤمنين ، وعبد الرحمن بن عوف تزوج ابنة جحش أخت أم المؤمنين زينب ، ولا يرثهن المؤمنون ولا يرثنهم كما يرثون أمهاتهم ويرثنهم ، ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع تحريم نكاحهن " الأم (5 / 151). .
وقال ابن جرير الطبري : " وحرمة أزواجه حرمة أمهاتهم عليهم في أنهن يحرم عليهم نكاحهن من بعد وفاته ، كما يحرم عليهم نكاح أمهاتهم " جامع البيان (14 / 112). .
وقال القرطبي : " أي: في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال ، وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات ، وقيل: لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات ، ثم هذه الأمومة لا توجب ميراثا كأمومة التبني ، وجاز تزويج بناتهن ، ولا يجعلن أخوات للناس " الجامع لأحكام القرآن (13 / 82). .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح هؤلاء بعد موته على غيره ، وعلى وجوب احترامهن ، فهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم ، ولسن أمهات المؤمنين في المحرمية ، فلا يجوز لغير أقاربهن
الخلوة بهن ، كما يخلو الرجل ويسافر بذوات محارم ، ولهذا أمرن بالحجاب ، فقال الله تعالى: سورة الأحزاب الآية 59 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ، وقال تعالى: سورة الأحزاب الآية 53 وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا منهاج السنة (4 / 369) . .
وقال ابن كثير رحمه الله: " أي: في الحرمة والاحترام والإكرام والتوقير والإعظام ، ولكن لا تجوز الخلوة بهن ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع . . . " .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله بعد أن نقل كلام ابن كثير السابق: " وما ذكر من أن المراد بكون أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين هو حرمتهن عليهم كحرمة الأم واحترامهم لهن كاحترام الأم . . . إلخ- واضح لا إشكال فيه ، ويدل له قوله تعالى: سورة الأحزاب الآية 53 وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، لأن الإنسان لا يسأل أمه الحقيقية من وراء حجاب ، وقوله تعالى: سورة المجادلة الآية 2 إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ، ومعلوم أنهن رضي الله عنهن لم يلدن جميع المؤمنين الذين هن أمهاتهم " أضواء البيان (6 / 570). .
وبهذا يتبين وجه الجمع بين قوله: سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وقوله: سورة المجادلة الآية 2 إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ويتبين أيضا معنى الأمومة التي وصف بها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
فالأمومة نوعان:
1 - أمومة دينية :
وهي التي يكون سببها الدين ، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين من هذا الوجه؛ لكونهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو للمؤمنين بمنزلة الوالد ، ولما قمن به من جهود عظيمة في نقل أحاديثه صلى الله عليه وسلم: أقوآله وأعماله وأخلاقه وعباداته ، وصار بسببهن نفع للأمة عظيم .
وهذه الأمومة تقتضي وجوب تقديرهن واحترامهن والقيام بحقوقهن فإنهن بمنزلة الأمهات ، وتقتضي كذلك تحريمهن على المؤمنين؛ فلا يجوز نكاحهن ، كما قال تعالى: سورة الأحزاب الآية 53 وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا . وهي لا توجب ميراثا كأمومة النسب ، ولا تنتشر؛ ولهذا جاز تزويج بناتهن وأخواتهن ، وقد مضى أدلة ذلك في كلام أهل العلم المتقدم .
2 - وأمومة طريقها النسب:
ويسميها . بعض أهل العلم أمومة طينية ، وهي التي قال الله عنها: سورة المجادلة الآية 2 إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ . فالوالدة أم لولدها ، إذ هي التي أنجبته وولدته ، ولهذه الأمومة أحكامها وحقوقها المعلومة .
وخلاصة القول : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان للمؤمنين بمنزلة الوالد " يربيهم كما يربي الوالد أولاده ، فترتب على هذه الأبوة أن كان نساؤه أمهاتهم؛ أي: في الحرمة والاحترام والإكرام ، لا في الخلوة والمحرمية " تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي (6 / 98). .
فهن أمهات للمؤمنين أي: في تحريم نكاحهن على التأبيد ، ووجوب إجلالهن وتعظيمهن ، ولا تجري عليهن أحكام الأمهات في كل شيء ، إذ لو كن كذلك لما جاز أن يتزوج بناتهن ، ولورثن المسلمين ، ولجازت الخلوة بهن .

المسألة السادسة: إذا قيل: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فهل يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أب لهم؟ وهذه مسألة مهمة تكلم عليها أهل العلم عند تفسيرهم لهذه الآية؛ إذ إن هذه الآية الكريمة يفهم منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أب لهم ، كما أن أزواجه أمهات لهم ، بل كما قال شيخ الإسلام: " فإن نساءه إنما كن أمهات المؤمنين تبعا له ، فلولا أنه كالأب لم يكن نساؤه كالأمهات " منهاج السنة (5 / 238). .
وقد جاء في قراءة شاذة للآية عن بعض الصحابة والتابعين قراءة الآية هكذا: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم " .
فقد أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ هذه الآية: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم " . وأخرج ابن جرير عن مجاهد أنه قرأ: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم " .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كان في الحرف الأول: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم " ذكره السيوطي في الدر المنثور (21 / 567). .
قال ابن كثير : " وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس أنهما قرآ: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " . وروي نحو هذا عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن . . . " تفسير القرآن العظيم (6 / 382). .
وهذه القراءة وإن كانت شاذة إلا أن القراءة المشهورة تدل على ذلك منهاج السنة لابن تيمية (5 / 238). .
فالنبي صلى الله عليه وسلم أب للمؤمنين أبوة دينية ، بمعنى أنه يربيهم ويرشدهم ويدلهم على الخير وعلى عبادة الله وطاعته والاستقامة على دينه ، بل إن كل الأنبياء بهذا المعنى آباء لأممهم؛ ولهذا نقل عن مجاهد أنه قال: "كل نبي أب لأمته " ذكره الألوسي في تفسيره (21 / 152). ؛ لأنهم نصحوا لأممهم وأرشدوهم إلى الخير ونهوهم عن الشر .
ومما يدل على هذا المعنى ويقويه ما ثبت في السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: سنن النسائي الطهارة (40),سنن أبو داود الطهارة (8),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (313),مسند أحمد بن حنبل (2/247),سنن الدارمي الطهارة (674). إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه صحيح البخاري المناقب (3647),سنن النسائي الطهارة (40),سنن أبو داود الطهارة (8),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (313),مسند أحمد بن حنبل (2/247),سنن الدارمي الطهارة (674). وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة . فهذا الحديث فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أب للمؤمنين على المعنى الذي ذكر في الحديث وهو بالنظر إلى ما يقوم به صلى الله عليه وسلم لهم من نصح وبيان وإرشاد .
ولهذا يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: " وهو صلى الله عليه وسلم أب للمؤمنين كما في قراءة بعض الصحابة يربيهم كما يربي الوالد أولاده " تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي (6 / 98). .
وعلى هذا فلا مانع من وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه أب للمؤمنين على المعنى الذي سبق بيانه .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز أن يسمى النبي صلى الله عليه وسلم أبا للمؤمنين ، محتجين على ذلك بقوله تعالى: سورة الأحزاب الآية 40 مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ قالوا: ولكن يقال: مثل الأب للمؤمن ، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: سنن النسائي الطهارة (40),سنن أبو داود الطهارة (8),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (313),مسند أحمد بن حنبل (2/247),سنن الدارمي الطهارة (674). إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم . . . " انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14 / 84)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (6 / 382). .
ذكر هذا القرطبي رحمه الله تعالى ، ثم قال: " والصحيح أنه يجوز أن يقال: إنه أب للمؤمنين: أي: في الحرمة ، وقوله تعالى: سورة الأحزاب الآية 40 مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ أي: في النسب " الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14 / 84). .
فلا تعارض بين الأبوة المثبتة والأبوة المنفية ، فالأبوة المنفية هي أبوة النسب ، وأما الأبوة التي أثبتها أهل العلم واحتجوا لها بما تقدم فهي أبوة التعليم والنصح والبيان .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله " ويفهم من قوله تعالى: سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ أنه صلى الله عليه وسلم أب لهم ، وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس أنهما قرآ: " وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " وهذه الأبوة أبوة دينية ، وهو صلى الله عليه وسلم أرأف بأمته من الوالد الشفيق بأولاده ، وقد قال جل وعلا في رأفته ورحمته بهم سورة التوبة الآية 128 عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . وليست الأبوة أبوة نسب كما بينه تعالى بقوله: سورة الأحزاب الآية 40 مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ويدل لذلك أيضا حديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سنن النسائي الطهارة (40),سنن أبو داود الطهارة (8),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (313),مسند أحمد بن حنبل (2/247),سنن الدارمي الطهارة (674). إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، ولا يستطب بيمينه صحيح البخاري المناقب (3647),سنن النسائي الطهارة (40),سنن أبو داود الطهارة (8),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (313),مسند أحمد بن حنبل (2/247),سنن الدارمي الطهارة (674). وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة . فقوله خياله في هذا الحديث: سنن النسائي الطهارة (40),سنن أبو داود الطهارة (8),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (313),مسند أحمد بن حنبل (2/247),سنن الدارمي الطهارة (674). إنما أنا لكم بمنزلة الوالد يبين معنى أبوته المذكورة كما لا يخفى " أضواء البيان (15 / 570، 571). .
وقال في كتابه: (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) عندما أورد هذا الإشكال: " والجواب ظاهر ، وهو أن الأبوة المثبتة دينية والأبوة المنفية طينية " طبع في آخر أضواء البيان (10 / 239). .
والخلاصة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أب للمؤمنين أبوة دينية تفوق أبوة النسب وتعلوها قدرا ومكانة وشأنا؛ ولهذا صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . والله أعلم .
المسألة السابعة: هل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين فقط؟ أو أمهات للمؤمنين والمؤمنات؟
في هذا قولان مشهوران لأهل العلم:
الأول : أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين فقط .
ويستدلون على ذلك بما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها: يا أمي ، فقالت: " أنا أم رجالكم ولست أم نسائكم " . قال ابن العربي : " وهو الصحيح " أحكام القرآن (3 / 542). ، وقال ابن كثير : " وهذا أصح الوجهين في مذهب الشافعي رحمه الله " تفسير القرآن العظيم لابن كثير (6 / 381). .
والثاني : أنهن أمهات للمؤمنين والمؤمنات . ويستدلون على ذلك بما جاء عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: " أنا أم الرجال منكم والنساء " رواه ابن سعد في الطبقات كما في الدر المنثور للسيوطي (21 / 567)، ولم أهتد إليه في الطبقات. .
يقول القرطبي مرجحا هذا القول: " . . . والذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء ، تعظيما لحقهن على الرجال والنساء ، يدل عليه صدر الآية سورة الأحزاب الآية 6 النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة ، ويدل على ذلك حديث " أبي هريرة وجابر ، فيكون قوله: سورة الأحزاب الآية 6 وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ عائدا إلى الجميع . ثم إن في مصحف أبي بن كعب : " وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " . وقرأ ابن عباس " من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم " وهذا كله يوهن ما رواه مسروق [ أي عن عائشة ] إن صح من جهة الترجيح وإن لم يصح فيسقط الاستدلال به في التخصيص ، وبقينا على الأصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم ، والله أعلم " الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14 / 84). .
وما ذهب إليه واحتج له هو الأقرب . على أنه يمكن الجمع بين المروي عن عائشة رضي الله عنها والمروي عن أم سلمة رضي الله عنها بأن يقال: إذا كان المقصود بالأمومة تحريم نكاحهن من بعده صلى الله عليه وسلم وتحريم النظر إليهن والخلوة بهن فلا يخفى أن هذا أمر خاص بالرجال دون النساء . وإن كان المقصود بالأمومة التوقير والاحترام والقيام بالحقوق والواجبات ونحو ذلك فهذا شامل للنساء والرجال للمؤمنين والمؤمنات ، فلعل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لحظت بقولها المعنى الأول ، وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها لحظت بقولها المعنى الثاني ، والله أعلم .

يتبع ان شاء الله

التعديل الأخير تم بواسطة بحوصي بحوص ; 11 Jul 2010 الساعة 08:34 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
البدر, الصحابة, وأزواجه أمهاتهم

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013