منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » قــســـــــــــم الأخــــــــــــوات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 Mar 2013, 12:28 AM
ابنة السلف ابنة السلف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 366
افتراضي فضل الإحسان ومعانيه خطبة جمعة 17 جمادى الأولى 1434 لفضيلة الشيخ أزهر سنيقرة / تفريغ

بسم الله الرحمن الرحيم

[فضلُ الإحْسانِ ومعانيهِ!]

خطبةُ جمعةٍ قيِّمةٌ! لفضيلةِ الشيخِ:
أبي عبدِ اللهِ أزهرسنيقرة -حفظهُ اللهُ-
بتاريخ: 17 جمادى الأولى 1434هـ

صوتيًّا: منتديات التصفية والتربية السلفيّة
http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=10276
الخطبة:
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنَا، مَن يهدِهِ اللهُ؛ فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء: 2]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 70-71]
أمّا بعدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كلامُ اللهِ تعالى، وخيرَ الهدْيِ هديُ محمّدٍ -صلّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلمَ-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ.

أيُّها المسلمونَ! إنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- كتبَ الإحسانَ في كلِّ شيءٍ، وجعلَ أعلى مراتبِ هذا الدّينِ هي مرتبةُ: الإحسان!
وأمرَ به ربُّ العزَّةِ والجلالِ، أمر بالإحسانِ في العبادةِ، والمعاملةِ!
أمرَ بالإحسانِ في تعاملِ العبدِ مع ربّهِ -تباركَ وتعالى-، وفي تعاملِهِ معَ الخلقِ جميعًا!
وجعلَ جزاءَهُ من جنسِهِ! جعلَ جزاءَ الإحسانِ: الحُسنى! الحُسنى التي هي جنّةُ المأوى! التي جعلَها اللهُ -تباركَ وتعالى- دارًا للأبرارِ!
قالَ اللهُ -تباركَ وتعالى-: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}[الرحمن:60]
قالَ ابنُ عبّاسٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما، عندَ هذه الآيةِ الكريمةِ-:
"هل جزاءُ من قالَ (لا إلهَ إلاَّ اللهُ)، وعملَ بما جاءَ به محمَّدٌ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ؛ إلاَّ الجنةَ؟!".
وقالَ -تباركَ وتعالى-: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:26]
الحُسْنى؛ هي: الجنة! والزيادةُ؛ هي: النَّظرُ إلى وجهِ اللهِ الكريمِ، يومَ القيامةِ!
كما ثبتَ هذا عن نبيِّنَا عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ؛ فيما رواهُ الإمامُ مسلمٌ في تفسيرِ (الزّيادةِ) المذكورةِ في هذه الآيةِ.
وقالَ الحافظُ: ابنُ رجبٍ -عليهِ رحمةُ اللهِ تباركَ وتعالى، عندَ هذه الآية الكريمةِ- قالَ:
"وهذا مناسبٌ لجعلِهِ جزاءً لأهلِ الإحسانِ؛ لأنَّ الإحسانَ هو أن يعبدَ المؤمنُ ربَّهُ في الدنيا على وجهِ المراقبةِ للهِ، وحضورِ القلبِ؛ كأنهُ يراهُ وينظرُ إليهِ! فكانَ جزاءُ ذلكَ: النّظرَ إلى وجهِ اللهِ عيانًا في الآخرةِ"!
وعكسُ هذا: ما أخبرَ اللهُ -جلَّ وعلا- به عنِ الكفارِ في الآخرةِ بقولِهِ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين:15].
فإنَّ ذلكَ جزاءٌ لحالِهِم في الدنيا؛ لـمَّا تراكمَ من الذنوبِ على قلوبِهِم؛ فحجَبَهُم عن معرفةِ اللهِ، ومراقبتِهِ في الدنيا؛ فكان جزاؤُهُمْ أن حُجِبُوا عن رؤيةِ اللهِ في الآخرة!

والإحسانُ -عبادَ اللهِ- هو ضدُّ: الإساءةِ، كما قالَ اللهُ -تباركَ وتعالى-:
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}[النجم:31]
وهو أنواعٌ كثيرةٌ، أعلاها وأرفعُهَا مرتبةً:
- الإحسانُ في عبادةِ اللهِ -تباركَ وتعالى-، الإحسانُ في العبوديَّةِ! كما بيَّنَهُ نبيُّنَا صلَّى الله عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ، في الحديثِ العظيمِ، حديثِ جبريلَ؛ لـمَّا بيَّنَ فيه مراتبَ الدّينِ، أعلى هذه المراتبِ هي: مرتبةُ الإحسانِ! قالَ: « الإحسانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»[1]
ومعناهُ: بأنْ يعبدَ ربَّهُ مستحضرًا لقُرْبِهِ منه، واطِّلاعِهِ عليهِ، وأنّهُ بين يديهِ كأنَّهُ يراهُ! وذلكَ يوجبُ الخشيةَ منهُ -تباركَ وتعالى-!
يوجبُ الخشيةَ والخوفَ والهيبةَ والتّعظيمَ!
ويوجبُ -أيضًا-: إخلاصَ العبادةِ للهِ -تباركَ وتعالى-! وتحسينَهَا وإكمالَهَا؛ لأنَّهُ يعتقدُ جازمًا أنَّ اللهَ -تباركَ وتعالى- مطَّلِعٌ عليهِ، ومطَّلِعٌ على عبادتِهِ لهُ -تباركَ وتعالى-.

- ومن أنواعِ الإحسانِ -كذلكَ- الذي أُمِرْنَا بِهِ، والذي هو من دينِ اللهِ -تباركَ وتعالى-، إذ إنَّ هذا الدّين هو دينُ الإحسانِ! الإحسانُ في العملِ بأن يكون موافقًا لما شرعَهُ اللهُ -تباركَ وتعالى- على لسانِ نبيِّهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ، وإلاَّ لم يكُنْ عملُكَ حسنًا!
فأنتَ مُطَالبٌ دائمًا وأبدًا أن تُحسِنَ في عملِكَ لربِّكَ عزَّ وجلّ!

وأوّلُ فروضِ الإحسانِ: إخلاصُكَ النّيّةَ فيه، أن يكون للهِ خالصًا!
ثمَّ موافقتُكَ لسنّةِ نبيِّكَ عليه الصّلاةُ والسّلامِ، بأن يكون خاليًا من البدعِ والـمُحْدَثاتِ والمخالفاتِ التي تُفسِدُ على النّاسِ أعمالَهُمْ!
وإنَّ العبدَ قدْ يجتَهِدُ باجتهادٍ عظيمٍ في عملٍ قد خالطَهُ ببدعٍ! أو هو بدعةٌ؛ فلا يقبَلُهُ اللهُ -تباركَ وتعالى-، ولا يكونُ محسنًا فيه!
ورحمَ اللهُ سَلَفَ هذه الأمّةِ -الكرامِ- الذين وَقَفُوا على حقائقِ هذهِ المعاني، وعرفوها، وأيقنُوا معناها، فكانَ من قولِهِمْ: "اقتصادٌ في سنّةٍ، خيرُ من اجتهادٍ في بدعةٍ"!
اقتصادٌ: بأن تعملَ ما طُلِبَ منكَ على وفقَ سنّةِ الحبيبِ المصطفى عليهِ الصّلاةِ والسّلامِ؛ خيرٌ من ذلكَ الاجتهادِ الذي قد يكونُ اجتهادًا مُضنيًا! في عملٍ قد خالَطَتْهُ مخالفاتٌ وبدعٌ ومحدَثاتٌ؛ فإنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- لا يقبَلُهُ!
«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ»[2] قالَ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ.
وهذهِ المعاني هي التي وردتْ في قولِ اللهِ -تباركَ وتعالى-:
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:112]
ومثلِ قولِهِ: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[لقمان:22]
وإسلامُ الوجهِ للهِ وإلى اللهِ؛ معناهُ: إخلاصُ العملِ من الشّركِ!
والإحسانُ في العملِ؛ معناهُ: متابعةُ السّنَّةِ، ومجانبةُ البدعةِ؛ كما أمرَ ربُّ العزّةِ والجلالِ!
وهذا في أعمالِ العبدِ كلِّهَا التي يتقرَّبُ بها إلى ربِّهِ تباركَ وتعالى:
إذا توضَّأَ المؤمنُ، فأحسنَ وضوءَهُ؛ كانَ عملُهُ عندَ اللهِ -جلَّ وعلا- مقبولاً، كانَ عملُهُ عندَ اللهِ -جلَّ وعلا- يُجزَى عليه الجزاءَ الحسنَ!
من صلَّى للهِ -تباركَ وتعالى-، فأحسنَ في صلاتِه، وإحسانُهُ فيها أن يأتيَ بها على الوجهِ الأكملِ؛ فإذا قصَّرَ أو خالفَ أو أحْدثَ؛ فإنّما كأنَّهُ لم يفعلْ ذلكَ العملَ؛ لقولِ النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسلامُ لذلكَ الرَّجلِ الذي أساء في صلاتِهِ، قالَ لهُ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»[3]، كأنّهُ لم يُصَلِّهَا؛ لأنّهُ ما أحسنَ العملَ فيها!
وإحسانُ العملِ فيها أن يكونَ في صلاتِهِ كما صلّاها نبيُّهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ، محقِّقًا قولَهُ صلّى اللهُ عليهِ وعلى آله وسلّمَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»[4]
وكذلكَ في سائرِ الأعمالِ الأخرى، يُصَدِّقُهُ قولُ النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: «خُذُوا عنّي مَنَاسِكَكُمْ، لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا»[5]
وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ الأعمالَ والعباداتِ التي يُقصَدُ بها وجهُ اللهِ -عزَّ وجلَّ- لا يقبَلُها اللهُ -تباركَ وتعالى-؛ إلاَّ إذا أحسنَ العبدُ فيها!
والإحسانُ فيها لا يكونُ إلاَّ بموافقةِ السّنّةِ؛ لا بموافقةِ المذهبِ أو الطّريقةِ أو الشّيخِ أو الإمامِ! بل بموافقةِ النبيِّ الكريمِ عليه الصّلاةُ والسّلامُ.

- وكذلكَ من أنواعِ الإحسانِ الذي أُمِرْنَا به، وتعبّدَنا اللهُ -عزَّ وجلَّ- به:
الإحسانُ في معاملاتِنا
الإحسانُ في تعامُلِنا مع الغيرِ، في تعامُلِنا مع قرابتِنَا، وجيرانِنَا
في تعامُلِنا مع ولاةِ الأمرِ فينا من حُكَّامِنَا وعلمائِنَا!
في معاملتِنَا مع كبارِنا أو مع صغارِنا
في معاملتِنَا مع قرابتِنا، أو في معاملتِنَا حتّى مع أعدائِنَا!
بل حتى في معاملتِنَا لبهائِمِنَا والحيواناتِ التي من حولِنَا!
في هذا كلِّهِ أُمِرْنَا بالإحسانِ، أُمِرْنَا بالإحسانِ الذي هو دينُ الإسلامِ! والذي جاءَ به نبيُّنا عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ!
هذا الإحسانُ، أو هذا النّوعُ من الإحسانِ الذي جاءَ في نصوصِ الكتابِ والسّنّةِ أمرَ اللهُ -جلَّ وعلا- به، وحثَّ عليهِ وبيَّنَهُ نبيُّنَا صلّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلّمَ، وكثيرًا ما رغَّبَ فيه: قالَ اللهُ -تباركَ وتعالى- آمرًا عبادَهُ به: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:195]
وقالَ -جلَّ وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}[النحل:90]
وقالَ -تباركَ وتعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء:36]
فقد أمرَ اللهُ -تباركَ وتعالى- بالإحسانِ إلى هذه الأصنافِ، وهو بإيصالِ الخيرِ إليهمْ، ودفعِ الشّرِّ عنهمْ.
وقالَ -تباركَ وتعالى-: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}{آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ}{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات: 15-19]
فبيَّنَ اللهُ -جلَّ وعلا- سببَ حصولِهِمْ على هذهِ الكرامةِ العظيمةِ، وأنَّ ذلكَ بما أسلفوهُ من الإحسانِ، الإحسانُ بنوعيهِ:
الإحسانُ في عبادتِهِم لربِّهم -تباركَ وتعالى-: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
والإحسانُ في معاملتِهِمْ لغيرِهِمْ، بتصدُّقِهِمْ على الفقراءِ والمحتاجينَ: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} وهذا من أعظمِ أنواعِ إيصالِ الخيرِ إلى الخلقِ، الذي أمرَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- به عبادَهُ، وتعبَّدَهُمْ به، وجعلَ أجرَهُ وثوابَهُ عندَ اللهِ -تباركَ وتعالى- عظيمًا، بل جعلَهُ اللهُ -تباركَ وتعالى- دليلاً على صدْقِ إيمانِ صاحبِهِ؛ كما قالَ عليه الصّلاةُ والسَلامُ: «وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ»[6]؛ أي: برهانٌ على صدقِ إيمانِ صاحبِها.

- ومن هذه الأنواعِ التي أكرمَ اللهُ -جلَّ وعلا- بها هذه الأمّةَ، وجعلَ الإحسانَ سمةً من سماتِهَا، وعلامةً من أبرزِ علاماتِهَا: الإحسانُ إلى البهائِمِ!
صحَّ عن نبيِّنا عليه الصّلاةُ والسّلام، من حديثِ أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه وأرضاهُ- قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلّمَ:
"دَنَا رَجُلٌ إلى بِئْرٍ، فنزلَ فَشَرِبَ مِنْهَا، وعلى البِئْرِ كلْبٌ يلهَثُ، فرَحِمَهُ فنزَعَ أحدَ خُفَّيهِ، فسَقاهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ ذلكَ، وأدخَلَهُ الجنّةَ"[7]
شَكَرَ اللهُ لَهُ ذلكَ الصّنيعَ الذي رحمَ به إلى بهيمةٍ من البهائمِ! التي لم نؤمَرْ بأكلِهَا؛ إلا أنّنا إذا رحمناهَا هذا من الإحسانِ الذي جاءَ به هذا الدّينُ، ولقولِهِ عليه الصلاة والسّلام فيما رواهُ الإمامُ مسلمٌ في "صحيحه" حتى أصبح هذا الحديثُ أصلاً من الأصولِ التي هي عنوانٌ لهذا الدينِ، وهي قولُهُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ:
«إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».

الإسلامُ رحمةٌ للعالمينَ، كتبَ اللهُ -جلَّ وعلا- فيه الإحسانَ، الإحسانَ في كلِّ شيءٍ؛ حتى في القتْلِ والذَّبحِ، إذا قتلَ أحدُنا من أعدائِهِ الذين أُمرَ بقتْلِهِمْ، والذينَ قَتْلُهُمْ دلَّتْ عليهِ نصوصُ الكتابِ والسنّةِ، لاَ أولئكَ المعصومةُ دماؤُهُمْ منَ المسلمينَ، أو منْ أهلِ الذّمّةِ الذين حرَّمَ اللهُ -جلَّ وعلا- دماءَهُمْ؛ إنَّما أولئكَ الذينَ أجازَ؛ بلْ أمرَنا اللهُ -جلَّ وعلا- بمقاتلَتِهِمْ وقَتْلِهِم، إذا قتَلَ أحدُنا أحدًا منهمْ؛ فلْيُحْسِنْ قِتْلَتَهُ؛ أي: لا يمثِّلْ به، ولا يُعذِّبْهُ حين قَتْلِهِ؛ بلْ يُرِحْهُ في ذلكَ.
وإذا ذبحَ بهيمةً من بهائمِ الأنعامِ التي أُمِرْنا بذبحِهَا؛ فلا يُعذِّبها كذلك:
«وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».
هذا دينُ الإسلامِ! الذي جاءِ به نبيُّنا عليه الصّلاةُ والسّلامُ، والذي دعا إليهِ، والذي دعا إليهِ وحثَّ الأمّةَ على أحكامِهِ ومبادِئِهِ العظيمةِ!
نسألُهُ جلَّ وعلا، نسألُهُ تباركَ وتعالى أن يرزقَنَا الإحسانَ في القولِ والعملِ، وأن يجعلَنَا ممّن يستمعونَ القولَ فيتَّبعونَ أحسنَهُ، إنه سميعٌ مجيبٌ.
فأحسنوا -إخوتي- في عبادَتِكُمْ لربِّكُمْ -تباركَ وتعالى-
وأحسنوا في تعامُلِكمْ مع غيرِكُمْ؛ فإنَّ الله -تباركَ وتعالى- قد أمرَكُمْ بذلكَ
نسألُهُ جلَّ وعلا، نسألُهُ تباركَ وتعالى أن يرحَمَنَا رحمةً واسعةً من عندِهِ؛ إنَّهُ سميعٌ مجيبٌ.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفرُوهُ إنّه هو الغفورُ الرّحيمُ.
وسبحانكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
[2] - رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
[3] - رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
[4] - صحيح البخاري.
[5] - صحيح الجامع الصغير.
[6] - صحيح مسلم.
[7] - في البخاري: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا،
ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي،
فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ".
تفريغ: ابنة السلف، بتصرف يسير.


التعديل الأخير تم بواسطة ابنة السلف ; 31 Mar 2013 الساعة 08:51 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013