إنها صفية! (1)

[أبو جويرية عجال سامي]

الحمد لله الذي ترك فينا بقايا من دعوات الأنبياء يحيي بهم رميم الغفلة ويسقي بهم من مياه النباهة يحوش بهم عبيده عن مفارقة الحق ومقارفة الردى ، علمهم وسلمهم ووفقهم وهدى بهم العمي عن ضلالتهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه بهم تُذكَر حدوده وتُتلى أحكامه ويبين جمال شرعه ودينه ، خيرهم في الناس مبثوث ومشهور وشر اللئام إليهم موصول ومعلوم لا يزيدهم ذلك الا تشبها بأولي العزم من الرسل ( وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ) أما بعد
فالعلم صنعة شريفة وعبادة جليلة ، يمسك بصِمصامه طالب الحق يقطع به أوداج الجهل والشبهة ، فهو سلاح المستعصمين بحبل الله , لا يعني هذا بالضرورة ان كل المشتغلين به أهل خير ونفع وصلاح ورشد ف « من العلم ما يضر بعض النفوس لاستعانتها به على أغراضها الفاسدة فيكون بمنزلة السلاح للمحارب والمال للفاجر »( الاستقامة 2/160)
فإذا فسد الغرض من طلبه حصل شر كثير ووقعت الفتن وتنامت ، فهو وسيلة للخير والرشد والجماعة والرحمة والبصيرة والسكينة والألفة، فإذا خدمت به مقاصد الشر والسفه وانفجرت منه ينابيع الضلالة والطيش والفرقة فقد حل بدار الإسلام عظيم وخطب جلل ..
وكما يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله « الانحراف عن الوسط كثير في أكثر الأمور في أغلب الناس » مجموع الفتاوى 3/359 فلا تعجب إذن من كثرة الغلو والسفاهة وقلة وندرة الإنصاف والوسطية والخطابات والأفعال الرشيدة فهذه سنة كونية جرت بها المقادير استدل بها أهل الجاهلية , وأبطل غُرورَها وبَهرجها القرآن الكريم ..
فمن أراد الحق وكان صادقا في طِلْبَته فليطلبه من طريقه وأهله قال ابن بطة العكبري رحمه الله « إن إرادتك الحق من غير طريق الحق باطل وكلامك على السنة من غير السنة بدعة » (الابانة الكبرى 2/540 ) فمن أراد الحق الذي يرضي الله فمصادره معلومة وطرائق تحقيقه مشهورة من تركها عامدا ضل, ومن تركها جاهلا زل , ومن تكثر بغيرها زال واضمحل وقل ..

.لماذا نلتزم السنة ولماذا نرجع إليها في كل شيء فضلا عن الفتن المضلة ؟؟!

قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله ( إن طريق السنة علم وعدل وهدى وفي البدعة جهل وظلم وفيها اتباع الظن وما تهوى الأنفس ) مجموع الفتاوى. 10/568
نعم ،لهذا نلتمس الحق من السنة حتى لا نحيف ونجور ونجهل ونتبع الظن وما تهوى الأنفس بغيا وعدوانا فهي مستقر النجاة والسلامة وسبيل الإصابة والكرامة ...
ولأنني حيث أقف اليوم مستهدفا من بعض إخواني الذين بغوا علي أو رأوا مني ما يستنكرونه فلم يسلكوا معي فيه هدي النبوة في النصح والنقاش فلا سئلت عما حملك على ما فعلت يا حاطب ؟ ولا قوبلت بالنقاش العلمي الا جلسة كنت أنا من طلبها ولم تكن للاسف الشديد بالمستوى المطلوب فلم يكن من أحسن بهم الظن على علم واطلاع بالوقائع والكتابات التي ظهرت في طيات هذه الفتنة خاصة من علماء الأمة وسيأتي موضع هذا وفي وقته المناسب إن شاء الله أحببت أن أسرد جملة من الكلمات والملاحظات والأسباب التي دفعتني لهذا الاختيار من باب « إنها صفية » على هيئة مقالات أعبر فيها عن رؤيتي وقراءتي لما مر بي من أحداث ،عما لفت انتباهي وما لاحظته وما استنكرته ونحو هذا ، لا أعني بهذا الا نفسي التي بين جنبيّ فإن أخطأت فمن نفسي والهوى والشيطان ، أرجو من ربي الصفح ولا اقنط من ذلك ، والله بريء من ذلك ورسوله و ان اصبت فالحمد لله على توفيقه ، فمنه وإليه وبفضله وبرحمته وإحسانه، أحمده حمد المستكين إليه الظالم لنفسه المقر بذنبه وتقصيره ، أسأله التوفيق والستر والعافية وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا انه ولي ذلك لا شريك له

إنه لا يخفى ما مرت به بلادنا من فتنة ضاربة في أعماق أخوتنا ودعوتنا ، فرقت الاحبة ، وشمتت الاعداء ، واستحدثت من الحقد والشر الشيء العظيم وعادت على حلق العلم بالهجر والتِّجْفاف فمُنِع ماء الحياة عن أرضنا الجدباء فقحطت فوق ما هي قاحطة ، وقحلت .. وأصاب الجفاف مضارب الخضرة فيها ، فصارت هشيما تذروه الرياح إلا بقايا من دعوات المصلحين لم تمسهم نارها ولا ضرهم ضِرارها ولا دخانها و غبارها ولله الأمر من قبل ومن بعد يخلق ما يشاء ويختار ..
سارع العلماء وسابقوا الى وأد هذه البلية أيام ولادتها ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا من منا لا يذكر النصيحة الصريحة لمن يحب النصيحة لشيخنا عبيد الله الجابري لأبنائه وإخوانه في الجزائر سجلت يوم الخميس الثامن من جمادى الأولى 1439 للهجرة دعا فيها للعودة لسابق العهد من الاجتماع على نشر التوحيد والسنة مذكرا بأن ما وصل إليه الأمر يفرح أعداء الإسلام والسنة يقول هذا مقسما بالله ثلاثا على نصحه نص فيها على الشيخ محمد علي فركوس والشيخ عبد المجيد جمعة والشيخ عبد الخالق ماضي والشيخ عبد الغني عوسات مبينا أنه لا يريد الحصر بهذا وإنما مجرد التمثيل مذكرا بسابق العهد وما نشروه من توحيد وسنة في مجلة الإصلاح والتي تأسف الشيخ لتوقفها جراء هذا الخلاف والتنازع مذكرا بقول الحق سبحانه ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ) ثم حث فضيلته على تقوى الله في السلفية وأمر بالاستعانة بالله والصبر على ما يُسمع من تشغيب قائلا حفظه الله انه من فعل ( جند إبليس أو من المغفلين الذين لا يقدرون للدعوة قدرها ) وهذا رابط هذه الكلمة المباركة https://youtu.be/7kI45oKSD5I
التي كانت مختصرة مقتضبة لكن حملت معاني عظيمة ومقاصد شريفة وهنا بدأت الصفوف تتمايز بين مرحب بالنصح وقابل له ، وبين معرض عنه ومهمش ، رغم جلاء انبنائه على أسس الشريعة ، ووضوح دعوته لإحياء مقاصدها ، لكنْ من هوى شيئا هوى إليه و المعصوم من عصم الله ..
غيّر الشيخ عبد المجيد وبدل لم يقبل بهذه النصيحة لم يرض بنشرها ولم يحرك بها رأسا ، حلف الشيخ أزهر سنيقرة انه لن يجتمع مع إخوانه أبدا قيلت أقوال كثيرة منها ( لسنا عبيدا لعُبيد ) لكن أقولها بصراحة مزعجة للكثيرين : هل دعا الشيخ عبيد الجابري لعبادة نفسه أم ذكر بوصية الله لعباده ( قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم )
للأسف والتاريخ نقول ولئن كذبت في إخباري بهذا الواقع فليكذبني عقلاء بني آدم :
الشيء الذي آسف وأحزن الشيخ عبيدا الجابري هو عين ما سماه الشيخ عبد المجيد جمعة أياما زاهية وفرح به وأخبر يحلف بالله سبحانه انه يعيش أحلى أيام دعوته ..

شهادة الشيخ عبيد على نشر مجلة الإصلاح للتوحيد والسنة قابلتها حملة شعواء من الشيخ عبد المجيد وجماعته بأنها ملئى بالمخالفات المنهجية

وحزن الشيخ على توقفها قابله حرص من جماعة جمعة على حرقها وتبرير لأتباعه في حرق كتب ورسائل خصومه حيث اشتهر عنه قوله انهم أرادوا الكاتب لا المكتوب !

وما اعتبره شيخنا عبيد تشغيبا من جند إبليس والمغفلين الذين لا يقدرون للدعوة السلفية قدرها اعتبره الشيخ جمعة وضوحا وصلابة في المنهج من جنود الله والمتيقظين فبان بهذا التقابل اليسير تناقض المواقف ومدى عمق الهوة والشرخ وانقلاب الأفهام وتضادها
فهما شقان ، وفئتان مختلفتان ، لا كما نودي به في تلك الأيام القاحلة : أن سلفيي الجزائر على قلب رجل واحد ، وهذا من أظهر الكذب وأعجب العجاب الذي جمعت لو التواقيع ومن أئمة مساجد ! بغية توصيلها للعلماء في إنكار صارخ للحس والواقع وشهادة بالزور ما بعدها شهادة !! ..
إن المؤسف حقا أن يظل العاقل قاصرا نفسه على شيخه ومتبوعه لا غير لا يستمع القول فيتبع أحسنه بل متعصبا له .. مهمشا مَن سواه ، ولو كان ممن يشهد لهم بالعلم والجلالة والنبل والإمامة في الدين فإن ترك السماع للعلماء فساد عظيم يفضي للتخبط ، والإعراض عن نصحهم وتوجيههم وما يأتي من خلالهم من وقائع وأحكام تستدعي من طلبة الحق إعادة النظر وإمعانه لا الفرار للأمام بدعوى صيانة الوقت عن الجدل في الوقت الذي تصرف فيه أوقات وأوقات لتحرير رسائل واتسابية ومقالات كثيرة جدا كانت أشد على الدعوة السلفية في بلدنا من جموع من المبتدعة الواضحين لأنها ببساطة حققت غاية ما يرجون وإليه يصبون ، مر عام وزيادة من النطاح والتشغيب بين جنود يجعلون النميمة المحرمة دليلا شرعيا معتبرا يقبلون أخبار المجاهيل والمخابيل ، أحيت فيه هذه الفتنة بعض المجروحين وعادت بهم للواجهة رغم جلاء طيشهم وأحيت منهج فالح من جديد بل بأساليب أخس ..
سئل الشيخ عبد المجيد جمعة عن دليل جرح _المشتهر بالسلفية والمشهود له بالنجابة والتفوق من شيخه العلامة عبد الرحمن محي الدين _الشيخ رضا بوشامة ورميه بالرمضانية التي يؤكد على عدم مساواتها للحلبية ( في انتظار الفرق فهو واضعه ومبدعه وله الحق في ذلك ومن حق طلبة العلم النظر فيه من بعد وتوجيه عيون التمحيص إليه ) فقال أنا أعرفه
نعم اكتفى بأنه يعرفه .. وهذا من أهم ما انتقده فضيلة شيخنا ربيع بن هادي المدخلي على الحدادي فالح الحربي يوم كتب له نصيحة عنون لها بنصيحة أخوية لفالح الحربي قال له فيها « إنكم سئلتم عن أشخاص معينين مشهورين عند الناس بالسلفية والدعوة إليها وفيهم علماء في نظر الناس فأخرجتهم من السلفية وهذا الإخراج جرح شديد فيهم يحتاج إلى أدلة، فإذا لم تأت بالأدلة وأسباب هذا الجرح رأى الناس أنك قد ظلمتهم وتعديت عليهم وطعنت في دينهم بغير وجه حق، فصرت متهماً عند الناس فتحتاج إلى استبراء دينك وعرضك.
فإن لم تفعل طعن فيك الناس ولن ترضى أنت ولا غيرك بهذا الطعن، فتقوم الفتنة ويحصل الاختلاف بين السلفيين وتكثر الطعون المتبادلة ولا يحسم ذلك إلا بذكر الأسباب المقنعة بهذا الإخراج وقد تطالب أنت نفسك بذكر الأسباب إن جرحك أحد أو أخرجك من السلفية.
2- إنه إذا تعارض جرح مبهم وتعديل فالراجح أنه لا بد من تفسير هذا الجرح المبهم، والاشتهار بالدين والسنة والسلفية والدعوة لها أقوى من التعديل الصادر من عالم أو عالمين.
والكلام في المخالفين وفي مناهجهم وسلوكياتهم من أهم ما يدخل في باب الجرح، لأن هناك تلازماً بين الأشخاص ومناهجهم فالذي يطعن في منهج الشخص يطعن فيه
ولذا ترى السلف يبينون بالأدلة ضلال أهل البدع وفساد مناهجهم ولهم في ذلك المؤلفات التي لا تحصى ... » إلخ كلامه الطيب النافع
أترك إدراك تطابق الدعوتين للعقلاء المبصرين ولله الأمر من قبل ومن بعد (ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا واغفر لنا ربنا إنك رؤوف رحيم واصلي واسلم على رسول رب العالمين واله وصحبه أجمعين ..

يتبع إن شاء الله ..

[كمال بن سعيد]

سلمت يمينك أخي الفاضل، نحن في إنتظار المزيد من مقالاتك الشيقة ونسأل اللّه ان تكون سبباً في رجوع من تعصب للرجال و خالف الحق و ظلم إخوانه فما بعد الحق إلا الضلال وتذكرت قول الشيخ عبيد الجابري حفظه اللّه ناصحاً لهم ((فإني و اللّه أخشى عليكم الضلالة بعد الهدى))

[أبو عبد الرحمن العكرمي]

بوركت أخي الحبيب سامي !
يا لهذه العقول التي أعماها التعصب
اللهم اهدها و ردها إليك

[أبو جويرية عجال سامي]

آمين شكر الله لكما أخوي كمال وأبا عبد الرحمن نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق والرشاد فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) وفي رواية ( من الخير ) وقد قال شيخنا الربيع وأنعم به وأكرم الشباب سيعود .. والأيام تصدق هذا ولا تكذبه وانا ان شاء الله لمستبشرون بالخير والنور والرجوع للجادة نفرح لكل تائب ومستفيق ، لكل متذكر ومتبصر وما هي الا محنة وتمر ، لا عيش الا عيش الآخرة ..