منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 01 Dec 2019, 11:50 AM
الطيب عزام الطيب عزام غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2019
المشاركات: 22
افتراضي ذم التفرق .. الشيخ الفاضل توفيق عمروني حفظه الله .

ذم التفرق .. الشيخ الفاضل توفيق عمروني حفظه الله تعالى .



إنَّ الله تعالى أرسَل نبيَّه ﷺ بشريعة تامَّة كاملة ، كلُّها رحمة وكلُّها حكمة ، وكلُّها عدلٌ ، ما تركت بابًا منَ الخير إلَّا وطرقَتْه ودلَّت عليه ، ولا بابًا من الشَّرِّ إلاَّ وأغلقَتْه وحذَّرت منه ، ومن أعظم الأصول الَّتي جاء بها الإسلام هو أصل الأمر بالاجتماع والنَّهي عن التَّفرُّق والاختلاف قال ابن تيمية : « والاجتماعُ والائتلافُ مِن أعظَم الأمُور الَّتي أوجَبَها اللهُ ورسُولُه ، وهذَا الأصلُ العَظيم ـ وهُو الاعتصام بحَبل الله جميعًا وأن لا يُتفرَّق ـ هُو مِن أعظَم أصُول الإسلام ، وممَّا عظُمَت وصيَّةُ الله تعَالى به في كتَابه ، وممَّا عظُم ذمُّه لمن تركَه مِن أهلِ الكتَاب وغيْرِهم ، وممَّا عظُمَت به وصيَّةُ النَّبيِّ ﷺ في مواطِن عامَّة وخاصَّة»(1).

قال الله تعالى : ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾[آل عمران:103] فبعد أن أمَر الله المؤمنين في الآية التي قبلَها بتقوى الله حقَّ تُقاته ، وهو الأصل الأوَّل والأعظم أمرَهُم بعدَها بما يُعينُهم على التَّقوى وهُو الاجتماع والاعتصَام بدين الله ، قال السِّعدي رحمه الله : «إنَّ في اجتماع المسلمِين على دينهم وائتِلاف قلوبِهم يَصْلُحُ دينُهُم وتصلُحُ دُنياهُم ، وبالاجتمَاع يتمَكَّنُون مِن كلِّ أمرٍ مِن الأمُور ، ويحصُل لهم منَ المصالح الَّتي تتوَقَّفُ على الائتِلاف ما لا يُمكنُ عدُّها منَ التَّعاوُن على البرِّ والتَّقوى ، كما أنَّ بالافترَاق والتَّعادي يختَلُّ نظامُهُم وتنقَطعُ روابطُهُم ويصيرُ كلُّ واحد يعمَلُ ويسعَى في شهوةِ نفسِه ولو أدَّى إلى الضَّرَر العَامِّ ».
فتوحيدُ القُلوب واجتماعُها وعدمُ افتراقها يأتي في المرتبَة الَّتي تَلي الأصلَ الأوَّلَ وهُو توحيد الله تعَالى بالعبادَة وإفراده بها وشاهدُ ذلك هذه الآية ، وقوله ﷺ : « إنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا ويَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا ، يَرْضى لَكُمْ أنْ تَعْبدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وأنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ، وأنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أمْرَكُمْ ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا قيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ ، وإِضَاعَةَ المالِ »(2).
فقولُه : « ولا تفَرَّقُوا » أمرٌ بالاجتماع والأُلفَة ، وهي إحدَى دعَائم الشَّريعَة ، ونهى عن الفُرقَة والاختلاف(3) ، وهذا لما في التَّفرُّق من المفاسد والشُّرور وذهاب القوَّة وضعف الصَّفِّ، وتمكين الأعداء ، فالدَّعوةُ إلى الاجتماع والائتلاف هي دعوةُ المؤمنين ، وطريقُ المتمسِّكين بالوحي ، شعارُهم الاجتماع على الحقِّ وبالحقِّ ، وأمَّا التَّفرُّق فهُو دأبُ الملل السَّابقة والأُمم الهالكة ، لهذا جاء النَّهي في القُرآن عن التَّشبُّه بهم في هذه الخصلة الذَّميمة وهذا الفِعل القَبيح ، قال اللهُ تعالى : ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم﴾ [آل عمران:105].
فهذَا نهيٌ منه سُبحانه عن التَّشبُّه بأهل الكتَاب في تفرُّقِهم واختلافِهم ، هؤلاء الَّذين أكرمهم الله بالأنبياء الَّذين جاؤوهم بالعِلم والبيِّناتِ والدِّينِ الصَّحيح المُوجِب لعدَم التَّفرُّق والاختلاف ، إلاَّ أنَّهم عكسُوا الأمر وخالفُوا أمرَ الله فاستحقُّوا بذلك عذابًا عظيمًا .
ولهذا جاء التَّحذير الشَّديد منَ التَّفرُّق وذمِّ أهله قال اللهُ جلَّ ذكرُه : ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾[الأنعام:159] ، فتوعَّد الله تعالى الَّذين فرَّقوا دينَهم أي شتَّتوه وتفرَّقوا فيه(4)، فالتَّفرُّق سمَةُ أهل الشِّرك والكُفر ، والاتِّفاقُ سمَةُ أهل التَّوحيد والإخلاص ، وقد قَال تعالى : ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين﴾ [هود:118-119]، فأهلُ الرَّحمة متَّفقُون مجتَمعُون ، والمشركُون متفرِّقُون مختَلفون .
فأهلَ الشِّرك والبدع يفترقُ أهلُه افتراقًا عظيمًا ، فالمشركون: منهُم مَن يعبُد الأوثانَ والأحجارَ والأصنامَ ، ومنهُم مَن يعبُد الشَّمسَ والقَمر والنُّجوم ، ومنهُم مَن يعبُد الأولياءَ والصَّالحين ويتَّخذ قبُورَهم مساجد ، ومنهُم يهودٌ ومنهُم نصارى .
وأهل البدع منهم من يُقَدِّم عقلَه على الوحي ويجعله مصدرا للتَّلقِّي كالمعتزلة والجهمية ، ومنهم من يُقدِّس شيوخَه ويرفعُهم إلى مقام النُّبوَّة ويُثبت لهم العصمَة كالرَّافضة وغلاة المتَصوِّفة ، ومنهُم مَن يتَّخذ أورادًا وأذكارًا وطُرُقًا للتَّعبُّد لم ترد في السنَّة كحال الطُّرقيَّة ، ومنهم من يُحدث أساليبَ في الدَّعوة إلى الله على غير منهج الأنبياء كما هو حال الحركيِّين والحزبيِّين ، قال تعالى : ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون﴾ [المؤمنون:52-53] ، والزُّبُر : الكتُب ، أي كلُّ فرقَةٍ صنَّفُوا كتُبًا أخذُوا بِهَا وعمِلُوا بها ودعَوْا إليْها دونَ كتُب الآخَرِينَ كما هُو الواقعُ سواءٌ(5) ، وقال تعالى : ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِين * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون﴾[الروم:31-32] فصاروا شيَعًا أي أنَّ كلَّ فرقة من هذه الفِرق تتعصَّب لنُصرة ما معَها من الباطل ومنابذَة غيرهم ومحارَبتهم ، مع الفرَح بما هي عليه وما لديها منَ العلم المُخالف لما جاءت به الرُّسل .
قال العلاَّمة السِّعدي : « وفي هذَا تحذيرٌ للمُسلمين من تشتُّتهم وتفرُّقِهم فرقًا كلُّ فريق يتَعصَّبُ لما معَه مِن حقٍّ وباطِل ، فيكونُون مُشابِهين بذلكَ للمُشركين في التَّفرُّق ، بل الدِّينُ واحدٌ ، والرَّسُول واحدٌ ، والإلهُ واحدٌ ، وأكثَر الأمُور الدِّينيَّة وقَع فيها الإجماعُ بينَ العُلماء والأئمَّة ، والأخوَّةُ الإيمانيَّة قَد عقَدها اللهُ وربطَها أتمَّ ربْط ، فما بالُ ذلكَ كلِّه يُلْغَى ويُبْنَى التَّفرُّق والشِّقاقُ بينَ المسلمين على مسائل خفيَّة أو فروع خلافيَّة يُضَلِّل بها بعضُهم بعضًا ، ويتميَّزُ بها بعضُهم عن بعض؟
فهَل هذَا إلاَّ مِن أكبَر نزَغَات الشََّيطان ، وأعظَم مقاصدِه الَّتي كادَ بها للمُسلمين !؟ وهل السَّعيُ في جمع كلمتِهم وإزالةِ ما بينَهُم منَ الشِّقاق المبنيِّ على ذلكَ الأصلِ الباطِل إلا مِن أفضَل الجهَاد في سَبيل الله وأفضَلِ الأعمالِ المقَرِّبة إلى الله ؟ » .
لهذا جاء النَّهي في الشَّرع عن الذَّرائع والوسائل الَّتي تُوجبُ الاختلافَ والتَّفرُّقَ كخطبَة الرَّجُل على خطبَة أخيه ، وسَوْمه على سومِه ، وبيعِه على بيعِه ، وسُؤال المرأةِ طلاقَ ضرَّتها ، وغير ذلك منَ المناهي سدًّا لذَريعة الفُرقَة والاختلاف ، بل حتَّى في تسوية الصُّفوف كان رسولُ الله ﷺ يقُول لأصحابه: « لا تختَلفُوا فتختَلفَ قلوبُكُم »(6).
وقد أخبَر اللهُ في كتابه أنَّ سبَبَ التَّفرُّق ومصدرَه هُو البَغي قال تعَالى : ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى:14] والبغيُ هُو مُجاوزَة الحدِّ ، وهُو عدمُ التزام العِلم والعَدل في تعامُل بعضِهم مع بعض ، فتُريد كلُّ طائفةٍ أن يكون العلوُّ والظُّهورُ لها ولقَولها دونَ غيره ، قال ابنُ القيِّم : « وإذا تأمَّلتَ تفرُّق أهل البدع والضَّلال رأيتَه صادرًا عن هذا بعَيْنه »(7) ولم يعُد قصدُهم طلب الحقِّ وعلوَّه ، بل نُصرة أنفسِهم ومَن يُوافقُهم على رياسَتهم ، وإساءةُ الظَّنِّ بالمخالِف واتِّهامه بالباطل ولو بترويج الأكاذيب والافتراءاتِ في حقِّه ، فلا تُقبَل منه حجَّة ، وأحيانًا لا يُقبل منه تراجُعٌ ولا توبة ، وإهمالِ كلامِه ولو كان حقًّا ، والتَّهوين من شأنه وإظهاره في صُورة الجاهل الحقير المتطَاول الَّذي لا قيمَةَ له ، ونحو ذلك منَ الأساليب الَّتي هي بغيٌ وظلمٌ واعتدَاء ، وهذا هُو مصدرُ التَّفرُّق الَّذي يقطِّع أوصالَ الأخوَّة ، ويمزِّق أواصرَ الأُلفَة، ويشتِّتُ الاجتماعَ .
أمَّا أهلُ التَّوحيد والسُّنَّة والجماعَة الَّذين يعبُدونَ الله ولا يشركُون به شيئًا ، ولا دينَ لهم إلاَّ شريعة نبيِّه محمَّد ﷺ ، وإن حصَل بينَهُم تنازُعٌ في شيء ممَّا يسُوغُ فيه الاجتهادُ ، فلا يوجب ذلك تفرُّقًا ولا اختلافًا ، بل هُم يعلمُون أنَّ المُصيبَ منهُم له أجران ، وأنَّ المجتَهدَ المُخطئَ له أجرٌ على اجتهاده وخطؤُه مغفُورٌ له ، وأنَّ القصد الأوَّلَ عند الجميع ظهورُ الحقِّ لا غير ، فلا يبغي بعضُهم على بعض ، ولا يظلمُ بعضُهم بعضًا ، يتحاورُون في هُدوء ، ويتَناظرون على طريقَة العُلماء ، ويُناقشُ بعضُهم بعضًا من غير أحكام مسبَقَة ولا ظنُون سيِّئة ، همُّهم هدايةُ النَّاس ورحمتُهم .
وهكذا كلَّما تمسَّك النَّاسُ بالوحي الَّذي جاءَ به محمَّد ﷺ حصَل الاجتماعُ والتَّآلُف ، وكلَّما قصَّروا في ذلك وتركوا شيئًا منه حصَل التَّفرُّق والتَّنازُع ، وآل أمرُهم إلى الفشَل والضَّعف ، قال الله تعالى : ﴿وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِين﴾ [الأنفال:46].


(1) «مجموع الفتاوى» (22/ 358).
(2) «صحيح مسلم» (1715).
(3) «إكمال المعلم» (5/ 568).
(4) «تفسير السعدي» (ص 282).
(5) «إعلام الموقعين» (2/ 475).
(6) «صحيح مسلم» (432).
(7) «مفتاح دار السعادة» (2/ 1006).



/ مجلة الإصلاح العدد ٦٢ /.

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013